الموضوع: عِبر ُ عاشوراء
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.34 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي التحرّر
قديم بتاريخ : 09-12-2012 الساعة : 01:44 AM






اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


إنّ واقعة كربلاء بما كان فيها- ممّا أثبته التاريخ لنا- من روحانيّة وأخلاق وسجايا سامية تجلّت في أقوال وأفعال أبطال ملحمة عاشوراء، تشكّل منبعاً أثيراً ومصدراً نفيساً لتعلّم الأخلاق والإقتداء بالأسوات الحسنة في طريق تزكية النفس، وفي السلوك الاجتماعيّ، وفي التربية الدينيّة، وتحقيق الكرامة الإنسانيّة. إذ إنّ في كلّ زاوية من زوايا هذه الواقعة الخالدة يمكننا أن نشاهد تجلّياً من تجلّيات الأخلاق الحميدة العالية الصادرة عن معسكر الإمام الحسين عليه السلام.


التحرّر

الحريّة مصطلح حقوقيٌّ واجتماعيّ يقابل مصطلح العبوديّة، أمّا التحرّر فهو أرفع وأعلى من الحريّة، إنّه الانعتاق من القيود والتعلّقات المذلّة المهينة.

إنّ انشداد الإنسان إلى الدنيا وتعلّقه بها، وبالثروة، والعشيرة، والمقام، والبنين، و... يشكّل مانعاً للإنسان من الوصول إلى الحريّة الروحيّة، وإنّ الخضوع والاستسلام لأسر الأمانيّ والتعلّقات الماديّة علامة ضعف الإرادة البشريّة.

وإذا كان كمال الإنسان وقيمته في الروح السامية، والهمّة العالية، والسجايا الحميدة، فإنّ بيع الإنسان نفسه للدنيا والشهوات نوع من الرضا بالحقارة، والقبول بالثمن البخس لنفسه، يقول الإمام عليّ عليه السلام:"ألا حُرٌّ يَدَعُ هذه اللّماظةَ لأهلها؟! إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة فلا تبيعوها إلّا بها".

فالتحرّر إذن هو أن يعرف الإنسان كرامته وشرفه، ويأبى الهوان والذلّة، ويترفّع عمّا يشينه، ويتعالى عمّا يحقّره، ويخلُص من أسر الدنيا، ويحرص على القيم الإنسانيّة فلا يفرّط بها.

وفي منعطفات الحياة الدنيا والتواءاتها، وصعودها ونزولها، طالما شاهدنا أُناساً رضوا بكلّ أنواع الحقارة والمهانة من أجل الحصول على الدنيا، أو بسبب الحرص على ما في أيديهم من مكاسبها، أو من أجل تحقيق أمنياتهم ومشتهياتهم، أو من أجل بقاء أطول لعدّة أيّام أُخر فيها، أمّا الأحرار فربّما بذلوا الأرواح ثمناً للحياة العزيزة الكريمة التي لا يرضون إلّا إيّاها، رافضين العيش مع الذلّ، يقول الإمام الحسين عليه السلام:"موتٌ في عزّ خيرٌ من حياةٍ في ذلّ".

هذه هي نظرة الأحرار إلى الحياة، ولقد كانت نهضة عاشوراء مظهراً جليّاً من مظاهر التحرّر في شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وشخصيّات أهل بيته وأنصاره المستشهدين بين يديه، فلو لم يكن ذلك التحرّر، لما كان ذاك الإباء، ولأعطى الإمام عليه السلام البيعة، ولما قتل، لكنّ أبيَّ الضيم وأبا الأحرار عليه السلام لمّا أرادوا منه البيعة ليزيد قهراً، امتنع وأبى، وكان منطقه:

"لا والله! لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد".

لقد كان ميدان كربلاء تجلّياً آخر لهذا التحرّر أيضاً، تجسّد في اختيار أحد أمرين ركز بينهما ابن زياد، وهما القتل أو الذلّة، فكان اختيار الأحرار هو الاستشهاد بحدّ السيف ورفض الذلّة، هكذا جاء الجواب على لسان الإمام عليه السلام:

"ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السّلّةِ والذلّة! وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...".

وفي حملاته يوم عاشوراء كان عليه السلام يرتجز ويقول:

"الموتُ أولى من ركوب العار والعارُ أولى من دخول النّار"

إنّ الروح التحرّريّة التي تملأ كيان الإمام عليه السلام هي التي حرّكته وهو صريع مثخن بالجراحات ليخاطب الأعداء الذين هجموا على خيامه فروّعوا النساء والأطفال، قائلاً لهم:
"إنْ لمْ يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم".

ولقد تجسّد هذا النهج التحرّريّ أيضاً في أخلاق وسجايا أنصار الإمام الحسين عليه السلام عامّة، وفي شهداء الطفّ خاصّة، فهذا مسلم بن عقيل عليهما السلام طليعة النهضة الحسينيّة في الكوفة، لمّا واجه جيش ابن زياد الذي أحاط ببيت "طوعة" ليأسرّه أو يقتله، كان يقاتلهم وهو يرتجز معلناً عن هذه الروح التحرّريّة:

أقسمتُ لا أُقتلُ إلّا حرّا وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

كلّ امرئ يوماً مُلاقٍ شرّا ويخلط البارد سخناً مرّا

رُدَّ شعاع الشمس فاستقرّا أخافُ أن أُكذبَ أو أُغَرّا

ولمّا برز الأخوان الغفاريّان عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة إلى ميدان القتال يوم عاشوراء كان من رجزهما هذا البيت الكاشف عن روح التحرّر هذه:

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار بالمشرفيّ والقنا الخطّار

وكان الحرّ بن يزيد الرياحيّ (رضوان الله عليه) مصداقاً بارزاً آخر لهذه الحريّة وهذا التحرّر، إذ كانت روحه التحرّريّة السبب في ألّا يكون من أهل جهنّم من أجل الدنيا والرئاسة، حيث خيّر نفسه بين الجنّة والنّار، فاختار الجنّة في أصعب المواقف، واشتراها في ظلّ الشهادة، حيث تاب إلى الله تعالى، وانفصل عن جيش ابن زياد وانضمّ إلى أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، فلم يزل يقاتل بين يديه قتال الأبطال حتّى صرع، "فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتّى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول: أنت الحرّ كما سمّتك أمُّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة".

ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام، وقيل: بل رثاه عليّ بن الحسين عليه السلام:

لَنِعْمَ الحرُّ حُرُّ بني رياح صبورٌ عند مختلف الرماح

ونعم الحرُّ إذ نادى حسيناً فجاد بنفسه عند الصياح

فيا ربيّ أضفه في جنان وزوّجه مع الحور الملاح

ومن بعد عاشوراء... إذا تأسّى دعاة الحريّة وأحرار العالم في حربهم من أجل الاستقلال والخلاص من الظلم ومن الطواغيت ببطولات شهداء كربلاء فإنّما يتأسّون بهم في ظلّ هذا الدرس بالذات، درس "التحرّر" الذي هو تحفة عاشوراء لجميع الأجيال إلى قيام الساعة، إذ إنّ الأحرار في لحظات الاختيار الحسّاسة، ومواقف اتخاذ القرار الصعبة، هم الذين يختارون الموت الأحمر والمواجهة الدمويّة والتضحية بالنفس ليصلوا بذلك إلى سعادة الشهادة، وليحرّروا مجتمعهم من التعاسة ومن كلّ ظلم.


نسألكم الدعاء



من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش
رد مع اقتباس