الموضوع: عِبر ُ عاشوراء
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.34 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي الإختيار
قديم بتاريخ : 13-12-2012 الساعة : 03:06 AM






اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


عاشوراء مجلى "عمق الحياة وجوهرها"، فالحياة ليست صعود الأنفاس ونزولها فحسب، والحياة لا تنحصر في عالم هذه الدنيا...
إنّ معرفة الجوهرة الخالصة للحياة الإنسانية تتجلّى في ظلّ عاشوراء، ذلك لأنّ بلاغ عاشوراء هو أنّ الحياة العزيزة الكريمة في الدنيا والفوز بالحياة الأفضل في الآخرة إنّما يتحققان في ظلّ الجهاد والشهادة في سبيل الله والحقّ والعقيدة الإلهيّة، ذلك المسار الذي تنجو به الحياة الإنسانيّة من أن تكون جوفاء بلا معنى.


الإختيار


مزجت طينة الإنسان بالقدرة على الاختيار، ذلك من فطرة الله التي فطر النّاس عليها ولا تبديل لخلق الله، فالإنسان مسؤول عن اختياره طريق الحقّ أو طريق الباطل، سبيل الخير أو سبيل الشرّ، نجْد السعادة أو نجْد الشقاء، الإنسان مسؤول أمام الله تعالى عن هذه القدرة على الاختيار الّتي هي "أمانة إلهيّة" عنده.

إنّ البعد الفردي والبعد الاجتماعي في شخصية كلّ إنسان، وسعادته وشقوته، وجنّته وجهنّمه، رهن نوع اختياره في هذه الحياة، والإنسان في كلّ لحظة من لحظات حياته عرضة لأحد الاختبارات الإلهيّة، يمتحنه الله ليعلم أيّ سبيل يختار من السبل المختلفة؟ ولأيّ نداء يستجيب؟ لنداء "العقل" و"الآخرة" ؟ أم لنداء "النفس" و"إغراءات الدنيا" ؟ لنداء "الأعمال الصالحة" أم لنداء "المصالح الذاتيّة" ؟

والنّاس إزاء دعوة الأنبياء عليهم السلام أيضاً لا بدّ أن يختاروا أحد طريقين إمّا طريق "التصديق والإيمان" أو طريق "التكذيب والكفر"، والارتباط بخطّ الأنبياء عليهم السلام معناه الاستجابة إلى دعوة العقل والمنطق، أمّا رفض دعوة الأنبياء عليهم السلام فمعناه غلبة الأهواء والمصالح الذاتيّة على نداء العقل.

لقد اختار إبليس العصيان "الاختيار السيّء" قبال الأمر الإلهيّ بالسجود لآدم عليه السلام فطُرِدَ من رحمة الله فهو رجيم.

وكان المؤمنون والكافرون أيضاً ولم يزالوا على الدوام عرضة لاختبار "الاختيار الحسن" و"الاختيار السيّء".

لنَطْوِ الآن سجلّاً مديداً لاختيارات تأريخيّة كثيرة، ولنقرأ في سجلّ نهضة عاشوراء، سجلّ الاختيارات العجيبة!

إنّ جميع تفاصيل ومشاهد حركة أحداث هذه النهضة الخالدة كانت قائمة على الاختيار، سواء في معسكر الحقّ معسكر الإمام الحسين عليه السلام، أو في معسكر الباطل معسكر ابن زياد وقوّاده وجنوده، إذ كان أهل الكوفة أنفسهم أيضاً عرضة لامتحان كبير، فأمّا اختيار نصرة الحسين عليه السلام وإنْ كانت عاقبة هذا الاختيار الشهادة، أو اختيار الحياة الدنيا والعافية والمناصب في حكومة الجور والظلم حتّى وإنْ أدّى هذا الاختيار إلى قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّد الشهداء عليه السلام، لقد كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام أن يختار مبايعة يزيد، وما كانت عاشوراء لتقع، ولكنّه اختار الشهادة عطشانا، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "سمعتُ أبي يقول: لمّا التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب، أنزل الله تعالى النصر حتّى رفرف على رأس الحسين عليه السلام، ثمّ خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله، فاختار لقاء الله!".

في الطريق من مكّة إلى العراق، لمّا وصل إلى الإمام عليه السلام خبر مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، أخرج الإمام عليه السلام للناس كتاباً: "ونادى: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فقد أتانا خبر فظيع! قُتل مسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منّا ذمام. فتفّرق النّاس عنه تفّرقاً، فأخذوا يميناً وشمالاً، حتّى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة!".

ولمّا خرج عليه السلام من مكّة تبعه رسلٌ من والي مكّة يحملون إليه رسالة من الوالي يتعهّد فيها للإمام عليه السلام بالأمان والصلة إذا رجع عن سفره إلى العراق، فكان ممّا أجابه الإمام عليه السلام:"... وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة، فخير الأمان أمان الله".

في كربلاء أيضاً كان شمر بن ذي الجوشن قد جاء بأمان من عند ابن زياد لأبي الفضل العبّاس وإخوته من أمّه عليهم السلام، لكنّهم رفضوا ذلك الأمان واختاروا البقاء مع الإمام عليه السلام والشهادة بين يديه، وقالوا: "لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سميّة".

والمشهور أنّ زهير بن القين (رضوان الله عليه) كان عثمانيَّ الهوى ولم يكن مائلاً إلى أهل البيت عليهم السلام، ولكنّه بعد لقائه بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق من مكّة إلى الكوفة اختار لنفسه طريقاً جديداً، هو الالتحاق بالإمام عليه السلام والانضمام إلى الركب الحسينيّ، وجاهد في صفّ الحقّ حتّى استشهد (رضي الله عنه)، ولمّا سئل عن سبب تحوّله قال: "... الطريق جمع بين وبينه، فلمّا رأيته ذكرتُ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه منه، وعرفتُ ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه، حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ".

وفي ليلة عاشوراء، حينما صاv الأنصار (قدس سرهم) وجهاً لوجه أمام اقتراح سيّد الشهداء عليه السلام، حيث أذن لهم بالانصراف عنه وتركه لأنّ الأعداء لا يبتغون غيره إذا ظفروا به، كان جوابهم واحداً قاطعاً لا تذبذب فيه وهو اختيار "البقاء معه"، فلم ينصرف عنه تلك الليلة أحدٌ منهم.

ومن الاختيارات الخالدة في عظمتها وأهميّتها اختيار "الحرّ بن يزيد الرياحيّ" (رضي الله عنه)، لقد كان حتّى صباح عاشوراء في صفّ معسكر ابن زياد، وكان أحد القادة المهمّين المرموقين في جيش الأعداء، لكنّه خيّر نفسه بين الجنّة والنّار، فاختار الجنّة قائلاً: "إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وأُحرقت!"، ثمّ ضرب فرسه مسرعاً به إلى معسكر الإمام عليه السلام ليقف بين يديه معلناً عن توبته واستعداده لنصرته، فقُبلت توبته، وجاهد بين يدي الإمام عليه السلام حتّى فاز بالشهادة والجنّة.

إنّ هذا الاختيار الفريد، والموقف الفذّ الذي اتّخذه الحرّ (رضي الله عنه) جعل منه أسوة خالدة للأحرار على مدى الأجيال، وفرقداً هادياً في سماء طلاّب الحقّ وأهل البصائر، وشهيداً من شهداء كربلاء العظام، فضلاً عن السعادة الأبديّة التي فاز بها.

إنّ التأمّل عند مفترق طريقين صعبين واختيار الأفضل منهما دليل على كمال عقل الإنسان وحرصه على مستقبله وسعادته.

ولكن هل عاش عمر بن سعد تجربة هذا التأمّل العقلائيّ حقّاً، وهل ذاق بصدق حقيقة هذا الاختبار المرير، حينما جاء إلى كربلاء لقتال الإمام الحسين عليه السلام مختاراً لنفسه أسوأ ما يختار إنسان لنفسه من مصير؟!

إنّه لم يمهل نفسه حتّى ليلة واحدة من أجل التأمّل والتفكّر في قبول ما أمره به ابن زياد أو رفضه! فلم يوفّق للفوز ب-"الاختيار الأحسن"، ذلك لأنّه كان مأخوذاً بطمعه في "ملك الريّ" إلى درجة عدم القدرة على مقاومة هذا الطمع أو الإعراض عنه! فكانت النتيجة أن فضّل الانقياد إلى اختيار وهم "ملك الريّ" حتّى وإنْ كان ثمن هذا الاختيار السيّء الذنب العظيم بقتل سيّد الشهداء عليه السلام !!

وهناك آخرون أيضاً كانوا قد التقوا الإمام الحسين عليه السلام في طريقه من مكّة إلى العراق، ودعاهم الإمام عليه السلام إلى نصرته، ولكن لحبّهم الدنيا وانشدادهم إليها، ومخافتهم من عواقب نصرة الإمام عليه السلام، لم يوفّقوا إلى "الاختيار الأحسن" في الالتحاق بركبه والانضمام إليه والاستشهاد بين يديه والفوز بالسعادة الأبديّة، وكان أوضح وأسوأ مثال لأولئك عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، الذي صارح الإمام عليه السلام بتعلّقه بالدنيا قائلاً: "... والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة! ولكن ما عسى أن أغني عنك؟! ولم أخلّف لك بالكوفة ناصراً!! فأُنشدك الله أن تحملني على هذه الخطّة، فإنّ نفسي لم تسمح بعد بالموت!...".
أمّا أنصار الإمام عليه السلام فقد واجه كلٌّ منهم امتحان "الاختيار"، فاختاروا جميعاً الشهادة مع الإمام عليه السلام على البقاء في هذه الدنيا... وهذا هو الاختيار- عن وعيٍ- للموت في سبيل العقيدة والإيمان، إنه الموت المختار لا الموت المفروض على الإنسان.

في ليلة عاشوراء وقف مسلم بن عوسجة (رضي الله عنه) بين يدي الإمام عليه السلام وخاطبه قائلاً: "أنحن نخلّي عنك؟! وبما نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟! لا والله! حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، أما والله لو علمت أنّي أُقتل، ثمّ أُحيى، ثمّ أُحرق، ثمّ أُحيى، ثمّ أُذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!".

وخاطبه زهير بن القين (رضي الله عنه) قائلاً: "سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها!".

ورأى الإمام الحسين عليه السلام نفسه مخيّراً بين الذلّة والشهادة، فاختار السيف والشهادة وقال: "هيهات منّا الذلة!".

وكان من شعاراته التي أطلقها في الميدان يوم عاشوراء قوله عليه السلام في رجزه الحماسي:

القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

إنّ السبب الرئيس في هذا "الاختيار الأحسن" هو النظرة الصحيحة التي يؤمن بها الإنسان إلى الربح والخسارة، وإلى الأبديّة والخلود، وإلى سبيل الفوز بالنعيم الدائم والسعادة الباقية.

وقيمة كلّ فرد أو أُمّة رهنٌ لنوع اختيار هذا الفرد أو تلك الأمّة ومن الطبيعي أنّ الأمم الصبورة المقاومة تثبت على اختيارها، ولا تنحني أو تنثني لكثرة من تفقدهم من شهدائها أو لعظم ما تتعرّض له من خسائر، ذلك لأنّها اختارت مسيرها عن وعي وإيمان.

يقول الإمام الخمينيّ بصدد شهداء كربلاء:
"كلمّا كان سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء يقترب من الشهادة كان وجهه يشرق أكثر! وكان شبّانه يتسابقون للفوز بالشهادة، لقد كانوا جميعاً يعلمون أنهم عمّا قليل سيستشهدون، لكنّهم تسابقوا لأنهم كانوا يعلمون إلى أين يذهبون، ويعلمون لماذا أتوا، كانوا على وعيٍ: أنّنا جئنا لأداء تكليفنا الإلهي، جئنا لحفظ الإسلام".



نسألكم الدعاء















من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش
رد مع اقتباس