عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 05-01-2018 الساعة : 11:11 PM
لسؤال: مجموعة أسئلة حول المأتم الحسيني
هذه مجموعة من الأسئلة المتعلّقة بالمأتم الحسيني من بعض الأخوات نرجو التفضل بالإجابة عليها:
1- تقرأ في مآتم النساء رواية تزويج القاسم لابنة عمّه سكينة في كربلاء:
أ - فما هو حكم قراءتها أو الاستماع لها، علماً بأنّها رواية غير صحيحة؟
ب - وهل هناك بأس أو تجريح عند نثر الحلاوات؟
2- ما رأيكم في التصفيق في المأتم أثناء المصيبة أو في الدور (الوقوف لقراءة اللطمية)؟
3- هل يجوز الضرب على الفخذ أثناء اللطمية، أم أنّ الضرب محصور على الصدر فقط؟
4- ما هي نصيحتكم لمن يريد كتابة رواية حسينية لقراءتها في المأتم؟
5- ما هي الكتب التي تنصحون بالاعتماد عليها لكتابة رواية حسينية، أو للتحقّق من صحّة رواية معيّنة؟
6- ما هو حكم من كتب رواية حسينية معتمداً على مصدر غير موثوق أو كانت الرواية غير صحيحة؟
7- كيف نميّز الرواية الصحيحة من الخاطئة؟
8- ما مدى صحّة بعض العبارات في بعض الروايات، مثل: شقّت جيبها، نشرت شعرها، وهل يجوز قراءتها في المأتم؟
9- لو أُعطيت إحدى القارئات مقطع من رواية لقراءتها وهي على علم سابقاً بعدم صحّة هذه الرواية، فهل تأثم إذا قرأتها؟
10- هل هناك مواصفات معيّنة للقارئات الحسينيات؟
11- بماذا تنصحون أصحاب المآتم الحسينية لتفعيل دورها في حياتنا اليومية، وعلى جميع الأصعدة (الروحي، الإجتماعي، الأخلاقي)؟
الجواب:
بالنسبة إلى قراءة رواية تزويج القاسم(عليه السلام) من ابنة عمّه سكينة في كربلاء جائزة إن كان الغرض من قراءتها هو الإبكاء وإقامة العزاء، لكن لا مع التأكيد على صحّتها؛ فقد اختلف العلماء فيها على قولين، ولكلّ أدلّة وكتب أوردها شيخنا صاحب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).
ولا مانع من نثر الحلوى في المجلس، كما لا مانع من التصفيق المتعارف عند القارئات في المأتم إذا كان المقصود منه تهييج العواطف والمشاعر الدينية والإنسانية.
ونصيحتنا لمن يريد أن يكتب رواية حسينية هي: أن يسند المطالب التي يكتبها إلى الكتب التي ينقل عنها؛ حتّى تكون عهدة الرواية على أصحاب تلك الكتب. وأن يعتمد على المصادر المعتبرة والكتب المشهورة التي اعتمد عليها علماؤنا السابقون وخطباؤنا الملتزمون بالنقل عن تلك الكتب المعتبرة، ككتب السيّد ابن طاووس، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشيخ عبّاس القمّي، وغيرهم.
وكتابة الرواية الحسينية بالاعتماد على ما لا يرى جمهور علمائنا صحّته غير جائزة، كأيّ كتابة أُخرى، لا سيّما مع الاعتقاد بالصحّة خلافاً للعلماء.
أمّا تمييز الرواية الصحيحة من الخاطئة فهو من الأُمور التخصصية التي لا بدّ من دراستها، ومعرفة المعايير والموازين الخاصّة بها.
وأمّا قراءة بعض العبارات مثل: ((كشفت جيبها ونشرت شعرها)) فلا مانع منه مع وجوده في بعض الكتب المشهورة للأصحاب إذا كان لغرض الإبكاء، لكن لا مع الالتزام بصحّتها والتأكيد على وقوعها بصورة حتميّة، إلاّ من العارف بموازين الصحّة.
وأمّا قراءة ما يعلم مسبقاً عدم صحّته، فلا يجوز إذا كان العلم بعدم صحّة الرواية المعيّنة مستنداً إلى مدرك صحيح.
ولا بدّ أن يكون قارئ مأتم الحسين(عليه السلام)، سواء كان رجلاً أو أمراة، متحلّياً في سلوكه وأخلاقه واعتقاده وجميع شؤونه بصفات تتناسب مع تصدّيه لمثل هذا المقام العظيم الذي يرتبط بقضايا أهل البيت(عليهم السلام).
وأمّا نصيحتنا لأصحاب المجالس الحسينية فهي: أن يكونوا دعاة لأهل البيت(عليهم السلام) بغير ألسنتهم، كما في معنى الخبر عنهم(عليهم السلام)(1)، وأن يكونوا زيناً لهم لا شيناً عليهم، كما في الخبر عنهم أيضاً(2).
وعلى الجملة فإنّ الغرض من إقامة المجالس هو: نشر فكر أهل البيت(عليهم السلام) وتعاليمهم وأدبهم، فكيف يتمّ ذلك مع انتفاء هذه الأُمور عن أصحاب تلك المجالس؟
(1) قرب الاسناد: 77 أحاديث متفرقة حديث (251)، المحاسن 1: 18 الباب (11)، الكافي 2: 78 باب الورع.
(2) أمالي الصدوق: 484 المجلس(62) حديث (657)، وقريب منه تحف العقول: 488 قصارى كلمات الإمام العسكري(عليه السلام).
السؤال: حضور الأرواح في مجالس الذكر
ماذا يعني حضور الأرواح الطاهرة في مجالس الذكر؟ وهل يتعيّن على النساء في مجالسهنّ عدم لبس الملابس الرقيقة؟
الجواب:
قد ورد في بعض الأخبار عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام): (إنّ شيعتنا، منّا خُلقوا من فاضل طينتنا، وعُجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا)(1)، ومن المؤكّد أنّ أرواحهم الطاهرة ناظرة إلى تلك المجالس المنعقدة من أجل إحياء أمرهم. ولا بدّ لكلّ من يحضر تلك المجالس أن يلتزم بما يتناسب مع معنويتها وروحانيتها من حيث الملبس وسائر الحركات والأعمال.
(1) انظر: بصائر الدرجات: 36 الباب (9)، روضة الواعظين: 296، بحار الأنوار 53: 303، الخصائص الحسينية 9: 14، شجرة الطوبى 1: 3 المجلس(1).
السؤال: إمكان حضور أرواح المعصومين(عليهم السلام) في مجالس الحسين(عليه السلام)
إنّي كثيراً ما أسمع من كبار الخطباء بأنّ فاطمة(عليها السلام) وزينب, قد تحضران في مجالس العزاء التي تُعقد في الحسينيات.
كأنّما خرجتا من الدنيا وهما تحملان آلامهما ولم تستريحا في عالم البرزخ، بينما نسمع بأنّ المؤمن يدخل جنّة البرزخ ويستمتع بها، والكافر يعذّب في نار جهنم.
فكيف تبقى خير النساء معذّبات في الدنيا؟! أوَ ليس الأولى أن يجازيهما الله في عالم البرزخ على صبرهما بالجنّات بدل الهموم؟
الجواب:
بعض الروايات تشير إلى أنّ الأرواح في عالم البرزخ لها القابلية على الاطّلاع على عالم الدنيا، وعندما ترى شيئاً سيئاً يسوءها، وإذا رأت شيئاً حسناً أسرّها، وهذا لا يتناقض مع كونها منعّمة في جنّة البرزخ.
فلا يُستبعد أن تكون الزهراء(عليها السلام) وغيرها تطّلع بحضور روحها في بعض الأماكن التي تذكر مصيبة ولدها الحسين(عليه السلام) فتحزن لتلك الذكرى، وإن كنّا لم نطّلع على رواية بهذا المضمون، وهذا لا يتناقض كما قلنا مع نعيمها في البرزخ.
لسؤال: أدلّة استحباب البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)
هل عندكم أدلّة على استحباب البكاء حزناً على الإمام الحسين(عليه السلام)؟
الجواب:
وردت فيه أخبار كثيرة, بل متواترة, وهي على طوائف، منها:
الطائفة الأولى:
ما ورد أنّ البكاء عليه يوجب غفران كلّ ذنب، كصحيح الريّان بن شبيب، عن الإمام الرضا(عليه السلام)، في حديث: (يا بن شبيب! إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً، ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السموات السبع والأرضون لقتله.
- إلى أن قال: - يا بن شبيب! إن بكيت على الحسين(عليه السلام) حتـّى تصير دموعك على خدّيك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً)(1).
وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله(عليه السلام): (من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه، ولو مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر)(2).
الطائفة الثانية:
ما ورد أنّ البكاء عليه يوجب غفران الذنوب العظام, كخبر إبراهيم بن أبي محمود, عن الرضا(عليه السلام)، في حديث: (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام)(3).
الطائفة الثالثة:
ما ورد أنّ البكاء عليه يمنع دخول النار على الباكي، كخبر الفضيل وفضالة، عن أبي عبد الله(عليه السلام): (من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم الله وجهه على النار)(4).
الطائفة الرابعة:
ما ورد أنّ البكاء عليه يوجب دخول الجنّة، كخبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام): (كان علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول: (أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين(عليه السلام)، حتـّى تسيل على خدّه, بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعت عيناه حتـّى تسيل على خدّيه في ما مسّنا من أذى من عدونا في الدنيا بوّأه الله منزل صدق)(5).
وخبر محمّد بن عمارة، عن جعفر بن محمّد(عليه السلام), قال: (من دمعة عينه فينا دمعه لدمٍ سُفك لنا، أو حقّ لنا نقصناه، أوعرضٍ انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا، بوّأه الله تعالى بها في الجنّة حقباً)(6).
وخبر أبي هارون المكفوف, قال أبو عبد الله(عليه السلام) في حديث: (ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله, ولم يرضَ له بدون الجنّة)(7).
الطائفة الخامسة:
ما ورد أنّ البكاء عليه يوجب حضور الأئمّة(عليهم السلام) عند موت الباكي، كخبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث: (قال لي: أفما تذكر ما صُنع به؟ - يعني بالحسين - قلت: نعم. قال: فتجزع؟ قلت: أي واللهِ، واستعبر لذلك حتـّى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ، فامتنع من الطعام حتـّى يستبين ذلك في وجهي.
قال: رحم الله دمعتك, أما إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمّنا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك, ووصيّتهم ملك الموت بك, وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولَملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأُمّ الشفيقة على ولدها) - إلى أن قال: - (وما بكى أحدٌ رحمةً لنا ولما لقينا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه, فإذا سالت دموعه على خدّه, فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرّها، حتـّى لا يُوجد لها حَرّ) - إلى أن قال: - (وما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسُقيت منه من أحبنّا)(8).
الطائفة السادسة:
ما ورد أنّ البكاء عليه يُسعد فاطمة سيّدة نساء العالمين(عليها السلام), كما في خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث: (يا أبا بصير! إذا نظرت إلى وَلَدِ الحسين(عليه السلام) أتاني ما لا أملكه بما أُوتى إلى أبيهم وإليهم.
يا أبا بصير! إنّ فاطمة(عليها السلام) لتبكيه وتشهق - إلى أن قال: - يا أبا بصير! أما تحبّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة(عليها السلام)؟! فبكيت حين قالها، فما قدرت على المنطق، وما قدرت على كلامي من البكاء)(9).
إلى غير ذلك من الطوائف والأخبار, ويكفينا في عظمة أجر البكاء، ما ورد في خبر معاوية بن وهب، قال: ((استأذنت على أبي عبد الله(عليه السلام)، فقيل لي: ادخل، فدخلتُ فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتـّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، ويقول: (يا من خصّنا بالكرامة، وخصّنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني, ولزوّار قبر أبي [عبد الله], الحسين(عليه السلام), الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك صلواتك عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا, أرادوا بذلك رضاك، فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار - إلى أن قال: - فارحم تلك الوجوه التي قد غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على حفرة أبي عبد الله(عليه السلام)، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللّهمّ إنّي استودعك تلك الأنفس، وتلك الأبدان, حتـّى نوافيهم على الحوض يوم العطش), فما زال وهو ساجد يدعو الله بهذا الدعاء)) الخبر(10).
وبالدمع يمتزج العقل بالمحبّة, والبرهان بالعاطفة, فتدخل الولاية في الوجدان كما دخلت في القلب، ليكون الإنسانُ مدفوعاً للتمسّك بهم شعوراً وقلباً، بعدما كان متمسّكاً بهم عقلاً.
واعلم أيضاً أنّ البكاء ممدود ومقصور، يأتي مع الهمزة وبدونها, فالبكا - مقصور -: خروج الدمع من العين, والبكاء - ممدود ــ: خروج الدمع مع الصوت, وإذا خرج مع الصراخ فهو: العويل.
واعلم أيضاً أنّ البكاء من سبعة أُمور: الحزن، الفرح، الخوف، الفزع، الشكر، خشية الله, ومن الرياء.
والبكاء من الرياء كبكاء إخوة يوسف؛ قال تعالى: (( وَجَاؤُوا أَبَاهُم عِشَاءً يَبكُونَ )) (يوسف:16)، وباقي أقسام البكاء معروفٌ عند الجميع.
واعلم أنّ أعظم أقسام البكاء ثواباً هو الخشية من الله؛ ففي الخبر: (كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثة أعين: عينٌ بكت من خشية الله, وعينٌ غضّت عن محارم الله, وعينٌ باتت ساهرة في سبيل الله)(11).
وبهذا البكاء مع السجود يصل الإنسان إلى أعظم درجات القربى؛ قال تعالى: (( وَيَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ يَبكُونَ وَيَزِيدُهُم خُشُوعاً )) (الاسراء:109).
والبكاء خشيةً ترجع منفعته إلى العبد؛ لأنّه بكاء بسبب الذنب، بخلاف البكاء بسبب حبّ الله, فهو متمحضّ في التقرّب لكون دافعه وفعله لله جلّ وعلا.
ومنه البكاء بسبب حبّ أوليائه وحزناً على ما أصابهم، ومن أعظم مصاديقه: البكاء على سيّد الشهداء الحسين بن عليّ(عليه السلام), فلا محالة يكون ثوابه عظيماً، بل لا تقدير لثوابه؛ ففي الخبر عن أبي عبد الله(عليه السلام): (لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة فينا)(12).
واعلم أيضاً أنّ البكاء بكاءان, بكاء القلب وبكاء العين, وبكاء العين معروف المصداق، وتقدّم الكلام في ثوابه.
وبكاء القلب بالهمّ والغمّ والحزن؛ ففي الخبر عن أبي عبد الله(عليه السلام): (نَفَسُ المهموم لظلمنا تسبيح, وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله، ثمّ قال أبو عبد الله(عليهم السلام): يجب أن يُكتب هذا الحديث بالذهب)(13).
واعلم أيضاً أنّ عدم بكاء المعتقد بالولاية على الحسين(عليه السلام) عند ذكر مصابه إنّما هو لأحد سببين: الذنب والكِبر.
أمّا الذنب؛ ففي الخبر العلوي: (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب)(14).
وفي الخبر الصادقي عن آبائه(عليهم السلام), عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من علامات الشقاء: جمود العين, وقسوة القلب، وشدّة الحرص في طلب الرزق، والإصرار على الذنب)(15).
وأمّا الكِبر؛ قال تعالى: (( سَأَصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ )) (الاعراف:146)، وأيُّ آيةٍ أعظم من مصيبة أبي عبد الله(عليه السلام).
وإذا خلى المؤمن من هذين السببين مع التفاته إلى ما جرى على سيّد الشهداء(عليه السلام), فلا بدّ أن يبكي؛ لذا ورد في الخبر عن الإمام الصادق(عليه السلام): (كنّا عنده فذكرنا الحسين(عليه السلام)، فبكى أبو عبد الله(عليه السلام) وبكينا، قال: ثمّ رفع رأسه، فقال: قال الحسين(عليه السلام): أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى)(16).
إذا ذُكر الحُسين فأيّ عينٍ ***** تصونُ دموعها صونَ احتشامِ
بكته الأنبياء وغيرُ بَدعٍ ***** بأن تبكي الكرام على الكرامِ
وقال آخر:
نزف البكاء دموعَ عينك فاستعر ***** عيناً لغيرك دمعُها مدّارُ
من ذا يُعيرك عينه تبكي بها ***** ياليت عيناً بالبكاء تُعارُ
ومن جهة أُخرى فالعجب من بعضهم كالشيخ البهبودي في حاشيته على فضل ثواب البكاء على سيّد الشهداء(عليه السلام) في (بحار الأنوار 44: 293، وما بعدها)، حيث ذهب إلى أنّ هذا الثواب محمول على زمن خاص, وهو زمن صدق عنوان الجهاد على البكاء, وهو مخصوص بزمن بني أُميّة؛ لأنّهم أرادوا إماتة ذكر الحسين(عليه السلام) ومنع زيارته، ومنع البكاء عليه.
وفيه: إنّ الأخبار المتقدّمة مطلقة تشمل كلّ زمن وحال, بل بعضها يأبى عن التخصيص بزمن خاص، كصحيح ابن شبيب، عن الإمام الرضا(عليه السلام): (يا بن شبيب! إن سَرّك أن تكون معنا في الدرجات العُلى من الجنان, فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلاً تولّى حجراً لحشره الله معه يومَ القيامة)(17).
وخبر الأربعمئة, قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعةً ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أُولئك منّا وإلينا)(18).
بل كلّ الأخبار المتقدّمة في ثواب البكاء، أو جُلّها، واردٌ في عصر بني العبّاس, وإذا جاز مضمونها لبقاء الروح الأموية، فكذلك يجوز مضمونها اليومَ لبقاء هذه الروح الخبيثة عند بعض المسلمين من غير الشيعة.
ومن جهة ثالثة لا خلاف بين الشيعة الإمامية أعزّهم الله نصّاً وفتوى في جواز البكاء على الميّت, قبل الدفن وبعده، كما في (الحدائق)(19)، للأخبار المستفيضة, بل التي لا تقصر عن التواتر كما في (الجواهر)(20).
منها: ما رواه الصدوق: قال الصادق(عليه السلام): (لمّا مات إبراهيم ابن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): حزنا عليك يا إبراهيم, وإنّا لصابرون, يحزن القلب، وتدمع العين, ولا نقول ما يسخط الربّ)(21).
وخبر ابن القداح، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: (فلمّا مات إبراهيم ابن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), هَمَلت عين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالدموع، ثمّ قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): تدمع العين، ويحزن القلب, ولا نقول ما يسخط الربّ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون)(22).
وما رواه الكليني باسناده عن أبي بصير، عن أحدهما(عليهما السلام)، قال: (لمّا ماتت رقية ابنة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه، قال: وفاطمة(عليها السلام) على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر)(23)؟
وما رواه الصدوق: ((النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) وزيد بن حارثة، كان إذا دخل بيته كثُر بكاؤه عليهما جدّاً، ويقول: كانا يحدّثاني ويؤنساني، فذهبا جميعاً))(24).
وما رواه الطوسي في أماليه, بإسناده عن عائشة، قالت: (لمّا مات إبراهيم بكى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتـّى جرت دموعه على لحيته, فقيل له: يا رسول الله، تنهى عن البكاء وأنت وتبكي؟ فقال: ليس هذا بكاء، وانما هي رحمة, ومن لا يَرحم لا يُرحم)(25).
بل يستحبّ البكاء عند اشتداد الوجد لما في خبر منصور الصيقل، قال: ((شكوت إلى أبي عبد الله(عليه السلام) وجداًً وجدته على ابنٍ لي هَلَك, حتـّى خفت على عقلي, فقال: (إذا أصابك من هذا شيء فأفضِ من دموعك؛ فإنّه يسكن عنك) ))(26).
ولمّا أورده الصدوق قال: ((وقال(عليه السلام) - أي الصادق: - من خاف على نفسه من وجدٍ بمصيبةٍ فليفض من دموعه؛ فإنّه يسكن عنه))(27)، ولذا قال في (الجواهر): ((بل ربّما يظهر من بعض الأخبار استحبابه عند اشتداد الوجد))(28).
وأمّا عند العامّة فالبكاء على الميّت نفسه مباح عندهم بالاتّفاق؛ ففي (الفقه على المذاهب الأربعة): ((يحرم البكاء على الميّت برفع الصوت والصياح عند المالكية والحنفية، وقال الشافعية والحنابلة: إنّه مباح, أما هطل الدموع بدون صياح فإنه مباحٌ باتّفاق))(29).
وفي (المغني) لابن قدامة: ((أمّا البكاء بمجرّده فلا يُكره في حالٍ، وقال الشافعي: يباح إلى أن تخرج الروح, ويُكره بعد ذلك؛ لما روى عبد الله بن عتيك، قال: جاء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عبد الله بن ثابت يعوده، فوجده قد غلب, فصاح به فلم يجبه، فاسترجع، وقال: ((غلبنا عليك أبا الربيع)), فصاح النسوة وبكين، فجعل ابن عتيك يسكتهنّ، فقال له النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (دعهنّ فإذا وجب فلا تبكين باكية, يعني إذا مات.
ولنا ما روى أنس، قال: ((شهدنا بنت رسول الله ورسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، وقبّل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عثمان بن مظعون وهو ميّت, ورفع رأسه وعيناه تهراقان)).
وقال أنس: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): ((أخذ الرايةَ زيدٌ فأُصيب, ثمّ أخذها جعفر فأُصيب, ثمّ أخذها عبد الله بن رواحة فأُصيب، وإنّ عيني رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتذرفان)) إلى آخر ما قاله(30).
وعليه فالحكم بكراهة البكاء على الميّت بعد الموت، كما عن الشافعي، مردود بأخبارهم وأخبارنا.
هذا من ناحية الفتوى عندهم، وأمّا من ناحية أخبارهم، فقسم منها يدلّ على الجواز، وقسم يدلّ على النهي, ومن القسم الناهي:
ما أورده البيهقي في سننه، بإسناده عن ابن الخطّاب، عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ((الميّت يُعذّب ببكاء الحيّ))(31).
وبإسناده عن ابن عمر: ((أنّ حفصة بكت على عمر فقال: مهلاً يا بُنية، ألم تعلمي أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (إنّ الميّت يُعذّب ببكاء أهله عليه) ))(32)، وقال البيهقي عقيبه: ((رواه مسلم في الصحيح))(33).
وبإسناده عن أبي بردة بن أبي موسى, عن أبيه، قال: ((لمّا طُعن عمر جعل صهيب يقول: وا أخاه, فقال له عمر: يا صهيب! أما علمت أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (إنّ الميّت ليُعذّب ببكاء الحيّ) )).
وقال البيهقي: ((رواه البخاري في الصحيح عن إسماعيل بن الخيل عن علي بن مسهر، ورواه مسلم عن علي بن حجر))(34).
وبإسناده عن عبد الله بن عمر: ((أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إنّ الميّت ليعذّب ببكاء الحي))(35).
ولا يؤخذ بظاهرها؛ لما روته العامّة أنفسهم, كما رواه البيهقي بإسناده عن هشام بن عروة، عن أبيه: ((إنّ عائشة ذُكر عندها قول ابن عمر في المُعوّل عليه يُعذّب ببكاء أهله عليه، فقالت: يُعذّب ببكاء أهله عليه؟ فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن [كنية ابن عمر]، سمع شيئاً فلم يحفظه، إنّما مرّ بجنازة رجل من اليهود، فجعل أهله يبكونه، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّهم ليبكونه, وإنّه ليعذّب))(36).
وما رواه البيهقي عن عبد الله بن أبي بكر, عن أبيه: ((أنّ عبد الله بن عمر لمّا مات رافع بن خديج, قال لهم: لا تبكوا عليه؛ فإنّ بكاء الحيّ عذابٌ للميت)). وقال عن عمرة: فسألت عائشة عن ذلك، فقالت: ((يرحمه الله، إنّما قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليهودية وأهلها يبكون: إنّهم ليبكون عليها، وإنّها لتعذّب في قبرها))(37).
وما رواه البيهقي بإسناده عن عمرة: ((أنّها سمعت عائشة، وذُكر لها أنّ عبد الله بن عمر يقول: إنّ الميّت ليُعذّب ببكاء الحيّ, فقالت عائشة: أما أنّه لم يكذب، ولكنّه أخطأ أو نسي, إنّما مرّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على يهودية، وهي يبكي عليها أهلها، فقال: إنّهم ليبكون عليها, وإنّها لتعذّب في قبرها))(38).
وما رواه البيهقي بإسناده عن القاسم بن محمّد، قال: ((لمّا بلغ عائشة قول عمر وابن عمر، قالت: إنّكم لتحدّثون عن غير كاذبين ولا مكذّبين, ولكن السمع يخطئ))(39).
فعائشة أنكرت هذه الأخبار عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونسبت الاشتباه أو النسيان إلى عمر وابنه، وإن حاولت العامّة تفسير الأحاديث الناهية بغير ذلك؛ حفظاً لعمر وابنه عن النسيان والاشتباه(40).
وعلى كلٍّ فقد روت العامّة بكاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، كما في (المستدرك على الصحيحين)، أورده الحاكم النيسابوري بإسناده عن أُمّ الفضل بنت الحارث: ((أنّها دخلت على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فقالت: يا رسول الله! إنّي رأيتُ حلماً منكراً الليلة.
قال: وما هو؟
قالت: إنّه شديد.
قال: وما هو؟
قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قُطعت, ووُضعت في حجري.
فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): رأيت خيراً، تلد فاطمة - إن شاء الله - غلاماً, فيكون في حجرك.
فولدت فاطمةُ الحسينَ، فكان في حجري, كما قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فدخلت يوماً إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فوضعتُه في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة، فإذا عينا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبيّ الله, بأبي أنت وأمّي, ما لك؟
قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا. فقلت: هذا؟
فقال: نعم, وأتاني بتربة من تربته حمراء)).
قال النيسابوري عقيب الخبر: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه))(41).
(1) أمالي الصدوق: 192 المجلس(27) حديث (202)، عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 268 حديث (58).
(2) المحاسن 1: 63 كتاب ثواب الأعمال، كامل الزيارات: 207 الباب (32)حديث (293).
(3) أمالي الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199).
(4) كامل الزيارات: 207 الباب (32)حديث (296).
(5) ثواب الأعمال: 83 ثواب من بكى لقتل الحسين بن عليّ(عليهما السلام)، كامل الزيارات: 201 الباب (32) حديث (285).
(6) أمالي المفيد: 175 المجلس(22) حديث (5)، امالي الطوسي: 194 المجلس(330) حديث (32).
(7) كامل الزيارات: 208 الباب (33) حديث (297).
(8) كامل الزيارات: 203 - 205 الباب (32) حديث (291).
(9) كامل الزيارات: 169 - 171 الباب (26) حديث (220).
(10) الكافي 4: 582 - 582 كتاب الحجّ فضل زيارة أبي عبد الله(عليه السلام).
(11) الخصال للصدوق: 98 الباب (3) حديث (46).
(12) كامل الزيارات: 211 الباب (33) حديث (302).
(13) أمالي الطوسي: 115 حديث (32) المجلس الرابع، أمالي المفيد: 338 المجلس(40).
(14) علل الشرائع 1: 81 الباب (74)، روضة الواعظين: 420 مجلس في الحثّ على مخالفة النفس والهوى.
(15) الكافي 2: 290 كتاب الإيمان والكفر باب في أُصول الكفر وأركانه، الخصال: 243 الباب (4) حديث (96).
(16) كامل الزيارات: 215 الباب (36) حديث (313).
(17) أمالي الصدوق: 193 المجلس(27) حديث (202).
(18) الخصال: 635 حديث الأربعمئة، عيون الحكم والمواعظ: 152 الفصل (12).
(19) الحدائق4: 162 كتاب الطهارة الباب الثالث.
(20) الجواهر 4: 364 كتاب الطهارة الركن الثاني الفصل الخامس.
(21) من لا يحضرة الفقيه 1: 177 حديث (526) باب التعزية والجزع عند المصيبة.
(22) الكافي 3: 264 كتاب الجنائز باب النوادر.
(23) الكافي 3: 241 حديث (4730) كتاب الجنائز باب المسألة في القبر.
(24) من لا يحضرة الفقية 1: 177 حديث (527) باب التعزية والجزع عند المصيبة.
(25) أمالي الطوسي: 388 المجلس(13) حديث (850).
(26) الكافي 3: 250 كتاب الجنائز باب النوادر.
(27) وسائل الشيعة 2: 921 حديث (5) الباب (87) من أبواب الدفن.
(28) الجواهر الكلام 4: 364.
(29) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 533 كتاب الصلاة مبحث الدعاء على الميّت.
(30) المغني 2: 410 كتاب الجنائز فصل في التعزية.
(31) السنن الكبرى البيهقي 4: 71 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(32) صحيح مسلم 3: 41 باب الميت يعذّب ببكاء أهله عليه.
(33) السنن الكبرى البيهقي 4: 71 باب سياق أخبار تدلّ على أنّ الميت يضرب...
(34) السنن الكبرى البيهقي 4: 71 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(35) السنن الكبرى البيهقي 4: 72 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(36) السنن الكبرى البيهقي 4: 72 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(37) السنن الكبرى البيهقي 4: 72 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(38) السنن الكبرى البيهقي 4: 72 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(39) السنن الكبرى البيهقي 4: 73 جماع أبواب التعزية باب أخبار تدلّ على أنّ الميت يعذب بالنياحة عليه.
(40) كتاب الذكرى في أحكام الشريعة 2: 60 الحكم الخامس: الدفن.
(41) المستدرك على الصحيحين 3: 176 فضائل الحسين بن عليّ.
سؤال: أدلّة جواز التباكي على الإمام الحسين(عليه السلام)
هل توجد عندنا روايات في جواز أو استحباب التباكي حزناً على الإمام الحسين(عليه السلام)؟
الجواب:
توجد روايات كثيرة في الجواز والاستحباب, منها: ما ورد في خبر أبي عمارة المنشد عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث: (ومن أنشد في الحسين(عليه السلام) شعراً فبكى فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة)(1).
ومنها خبر صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: (من أنشد في الحسين(عليه السلام) بيتاً من شعرٍ فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة، فلم يزل حتى قال: ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى, وأظنّه قال: أو تباكى، فله الجنّة)(2).
وقال ابن طاووس في (اللهوف): ((ورُوي أيضاً عن آل الرسول عليهم السلام, أنهم قالوا: من بكى أو أبكى فينا مائة ضمنّا له على الله الجنّة، ومن بكى أو أبكى خمسين فله الجنّة، ومن بكى أو أبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن بكى أو أبكى عشرة فله الجنّة، ومن بكى أو أبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة))(3).
والمراد من التباكي: إظهار البكاء باستشعار الحزن في القلب وحثّ النفس على البكاء، أو فعل: تكلّف البكاء، وليكن ذلك بدافع التقرّب إلى الله جلّ وعلا ليكون عبادة.
والتباكي هنا كالتباكي من خشية الله, على ما في وصية النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبي ذرّ: (يا أبا ذرّ! ومن أُوتي من العلم ما لا يعمل به لحقيقٌ أن يكون أُوتي علماً لا ينفعه الله عزّ وجلّ به - إلى أن قال: - يا أبا ذرّ! من استطاع أن يبكي قلبه فليبكِ، ومن لم يستطع فليُشعر قلبه الحزن وليتباك. يا أبا ذرّ, إنّ القلب القاسي بعيدٌ من الله, ولكن لا تشعرون)(4).
(1) كامل الزيارات: 209 الباب (33) حديث (298)، أمالي الصدوق: 205 المجلس(29) حديث (222) في ذكر الحسين(عليه السلام).
(2) ثواب الأعمال: 85 ثواب من أنشد في الحسين شعراً، أو بكى، أو تباكى.
(3) اللهوف في قتلى الطفوف: 10 (المقدّمة).
(4) أمالي الطوسي: 529ـ 530 المجلس(19) حديث (1162)، مكارم الاخلاق للطبرسي: 462 الباب (12).
السؤال: جواز الندب والنوح على الإمام الحسين(عليه السلام)
يا حبّذا لو تذكروا لي بعض أدلّة جواز الندب والنوح على الإمام الحسين(عليه السلام)؟
الجواب:
توجد روايات كثيرة تشير إلى جواز ندب سيّد الشهداء(عليه السلام) والنوح عليه، حزناً على ما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في واقعة الطف الدامية، منها:
ما ورد في خبر صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، في حديث: (ثمّ ليندب الحسين(عليه السلام) ويبكيه، ويأمر مَن في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجَزَع عليه)(1).
وفي مقتل الحسين للخوارزمي، قصيدة دعبل التي قالها بين يدي الإمام الرضا(عليه السلام), ومنها:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً ***** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ
إذاً للطمت الخد فاطم عنده ***** وأجريت دمعَ العين في الوجناتِ
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي ***** نجوم سماوات بأرض فلاةِ(2)
وأقرّه المعصوم(عليه السلام) على ندب سيّدة النساء(عليها السلام) لو كانت حاضرة، والندب هو: البكاء على الميّت مع تعداد محاسنه، كما في لسان اللسان(3)، والصحاح للجوهري(4)، والنصّ للأوّل: (ونَدَبَ الميّت، أي: بكى عليه، وعدّد محاسنه).
ولكن باعتبار مصاحبته لرفع الصوت بالبكاء - الذي هو النوح - سُمي الندب: نوحاً، وصاحبته: نائحة.
والندب جائز عند مشهور فقهاء الشيعة أعزّهم الله، للأخبار؛ منها: ندب سيّدة النساء(عليها السلام) على أبيها(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، على ما في العقد الفريد: وقفت فاطمة(عليها السلام) على قبر أبيها(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقالت:
إنّا فقدناك فقدَ الأرض وابلها ***** وغابَ مُذ غِبتَ عنّا الوحي والكُتبُ
فليت قبلك كان الموت صَادَفَنا ***** لمّا نُعيت وحالت دونك الكُثُبُ
عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال:
((لمّا فرغنا من دفن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقبلت علَيَّ فاطمة، فقالت: يا أنس! كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التراب؟ ثمّ بكت ونادت: (يا أبتاه! أجاب ربّاً دعاه، يا أبتاه! من ربّه ما أدناه، يا أبتاه! مَن ربُّه ناداه، يا ابتاه! إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه! جَنّةُ الفردوس مأواه)، قال: ثمّ سكتت، فما زادت شيئاً))(5).
وفي (إعلام الورى) للطبرسي:
وروى ثابت، عن أنس، قال: قالت فاطمة(عليها السلام) - لمّا ثقل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وجعل يتغشّاه الكرب ــ: (يا أبتاه! إلى جبرئيل ننعاه، يا أبتاه! من ربّه ما أدناه، يا أبتاه! جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه) ))(6).
وفي السيرة النبويّة، لدحلان:
لمّا دُفن(صلى الله عليه وآله وسلّم)، قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التراب؟ وأخذت من تراب القبر الشريف، ووضعته على عينيها، وأنشأت تقول:
ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ ***** أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صُبّت عليّ مصائب لو أنّها ***** صُبّت على الأيام عدن لياليا(7)
وفي (عيون الأثر) لابن سيّد الناس: ولمّا دفن(عليه السلام) قالت فاطمة ابنته(عليها السلام):
أغبر آفاق السّماء وكُوّرت ***** شمس النهار وأظلم العصرانِ
فالأرض من بعد النبيّ كئيبةٌ ***** أسفاً عليه كثيرة الرجفانِ
فليبكه شرق البلاد وغربها ***** وليبكه مُضر وكلُّ يمانِ
وليبكه الطود المعظم جوه***** والبيت ذو الأستار والأركانِ
يا خاتم المبارك ضوءه***** صلّى عليك منزل الفرقانِ(8)
ومنها: ما رواه الكليني بإسناده عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (قال لي أبي: يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا النوادب، تندبني عشر سنين بمنى أيام منى)(9).
والأخبار التي يشير ظاهرها إلى حرمة الندب والنوح، محمولة على ما لو كان النوح مشتملاً على الكذب، أو على ذكر تعداد أفعال الميّت القبيحة وصفاته المذمومة شرعاً، بذكر تهتّكه في المحرّمات من الزنا واللواط وقتل النفوس والسرقة والنهب ونحو ذلك، كما كان ذلك في الجاهلية؛ على ما في الجواهر(10).
ودليل الحمل: ما ورد من الأخبار المُجوّزة، منها: ما رواه الصدوق، قال: ((سُئل الصادق(عليه السلام) عن أجر النائحة، فقال: (لا بأس به؛ قد نيح على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ))(11).
ومنها خبر خديجة بنت عمر بن زين العابدين(عليه السلام) أنّها قالت: ((سمعت عمّي محمّد بن عليّ صلوات الله عليه وهو يقول: إنّما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، ولا ينبغي لها أن تقول هَجراً، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح))(12).
ومنها خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: (مات الوليد بن المغيرة، فقالت أُمّ سلمة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ آل المغيرة قد أقاموا مناحة، فأذهب إليهم؟
فأذن لها، فلبست ثيابها وتهيّأت، وكانت من حسنها كأنها جانّ، وكانت إذا قامت فأرخت شعرها جلّل جسدها، وعقدت بطرفيه خلخالها، فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقالت:
أنعى الوليد بن الوليد ***** أبا الوليد فتى العشيرة
حامي الحقيقة ماجد ***** يسمو إلى طلب الوتيرة
قد كان غيثاً في السنين ***** وجعفراً غدقاً وميرة
قال: فما عاب ذلك عليها النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك، ولا قال شيئاً)(13).
ومنها خبر أبي بصير، قال: ((قال أبو عبد الله(عليه السلام): (لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت) ))(14).
ومنها خبر الصدوق، قال: ((قال(عليه السلام): (لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً) ))(15).
ومنها خبر حنان بن سدير، قال: ((كانت امرأة معنا في الحيّ ولها جارية نائحة، فجاءت إلى أبي، فقالت: يا عم، أنت تعلم أنّ معيشتي من الله عزّ وجلّ، ثمّ من هذه الجارية النائحة، وقد أحببت أن تسأل أبا عبد الله(عليه السلام) عن ذلك،؟فإن كان حلالاً، وإلاّ بعتُها وأكلتُ من ثمنها، حتـّى يأتي الله بالفرج.
فقال لها أبي: واللهِ إنّي لأعظَم أبا عبد الله(عليه السلام) أن أسأله عن هذه المسألة.
قال: فلمّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أتشارط؟
قلت: والله ما أدري تشارط أم لا؟
فقال: قل لها: لا تشارط وتقبل ما أُعطيت))(16).
ومنها ما رواه الشهيد الثاني في (مُسكّن الفؤاد) من أنّ فاطمة(عليها السلام) ناحت على أبيها، وأنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر بالنوح على حمزة(17).
ومنها خبر الحسن بن زيد، قال: ((ماتت ابنةٌ لأبي عبد الله(عليه السلام) فناح عليها سنة، ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة، ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعاً شديداً، فقطع النوح، قال: فقيل لأبي عبد الله(عليه السلام): أصلحك الله، أيُناح في دارك؟
فقال: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لمّا مات حمزة: (ليبكين حمزة لا بواكي له) ))(18).
ومنها خبر محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم؛ فإنّ فاطمة(سلام الله عليها) لمّا قُبض أبوها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسعدتها بناتُ هاشم، فقالت: اتركن التعداد، وعليكنّ بالدعاء)(19).
ومنها خبر الفقيه: ((لمّا انصرف رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وقعة أُحد إلى المدينة سمع من كلّ دار قُتل من أهلها قتيلٌ نوحاً وبكاءً، ولم يسمع من دار حمزة عمّه، فقال(صلى الله عليه وآله وسلّم): (لكن حمزة لا بواكي له)، فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميّت ولا يبكوه، حتـّى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه، فهم إلى اليوم على ذلك))(20).
هذا بالإضافة إلى الروايات الواردة في الندب على سيّد الشهداء(عليه السلام)، وقد نُدب ونيح على سيّد الشهداء على ما في (دعائم الإسلام): عن جعفر بن محمّد(عليه السلام) أنّه قال: (نيح على الحسين بن عليّ سنة كاملة كلّ يوم وليلة، وثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه)(21).
ومن الندب على سيّد الشهداء(عليه السلام): ما في (مقتل الحسين) للخوارزمي: ((وأقبل فرس الحسين وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ، فوضع ناصيته في دم الحسين، وذهب يركض إلى خيمة النساء، وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة، فلمّا نظرت أخوات الحسين وبناته وأهلُه إلى الفرس ليس عليه أحدٌ، رفعن أصواتهنّ بالصراخ والعويل، ووضعت أُمّ كلثوم يدها على أُمّ رأسها، ونادت: وا محمّداه! وا جداه! وا نبيّاه! وا أبا القاسماه! وا عليّاه! وا جعفراه! وا حمزتاه! وا حسناه! هذا حسين بالعراء، صريعٌ بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، ثمّ غُشي عليها))(22).
وفيه أيضاً:
((ثمّ أذن عمر بن سعد بالناس في الرحيل إلى الكوفة, وحمل بنات الحسين وأخواته، وعلي بن الحسين، وذراريهم، فلمّا مرّوا بجثّة الحسين وجثث أصحابه، صاحت النساء، ولطمن وجوههنّ، وصاحت زينب: يا محمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مُزمّلٌ بالدماء، مُعفّرٌ بالتراب، مُقطّع الأعضاء، يا محمّداه! بناتك في العسكر سبايا، وذرّيّتك قتلى، تُسفى عليهم الصبا، هذا ابنك محزوز الرأس من القفا، لا هو غائبٌ فيُرجى، ولا جريحٌ فيداوى.
وما زالت تقول هذا القول حتـّى أبكت والله كلَّ صديق وعدو، حتّى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها))(23).
(1) مصباح المتهجّد: 772 شرح زيارة أبي عبد الله(عليه السلام) يوم عاشوراء.
(2) مقتل الحسين 2: 148 الفصل (13).
(3) لسان اللسان 1: 754 مادة (ندب).
(4) صحاح الجوهري 1: 224 مادة (ندب).
(5) العقد الفريد 3: 194 - 195 كتاب الدرّة في النوادي والتعازي والمراثي.
(6) أعلام الورى 1: 268 وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودفنه.
(7) السيرة النبويّة 3: 364 - 365، بهامش السيرة الحلبية طبعة مصر.
(8) عيون الأثر 2: 423 ذكر مصيبة الأوّلين والآخرين من المسلمين بوفاة رسول الله(صلّي الله عليه وآله وسلّم).
(9) الكافي 5: 117 كتاب المعيشة، باب كسب النائحة حديث (1).
(10) انظر: جواهر الكلام 22: 55 حرمة نوح النائحة بالباطل.
(11) من لا يحضره الفقيه 1: 183 حديث (551).
(12) الكافي 1: 358 باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل حديث (17).
(13) الكافي 1: 117 كتاب المعيشة، باب كسب النائحة حديث (2).
(14) من لا يحضره الفقيه 3: 161 حديث (3589)، الاستبصار 3: 60 حديث (199) باب أجر النائحة.
(15) من لا يحضره الفقيه 1: 183 حديث (552)، 3: 161 حديث (3591).
(16) الكافي 5: 117 باب كسب النائحة حديث (3).
(17) مسكّن الفؤاد: 103 فصل (النواح جائز).
(18) كمال الدين: 73 اعتراضات الزيدية.
(19) الكافي 3: 218 باب (ما يجب على الجيران لأهل المصيبة حديث (6)، الخصال للصدوق: 618 حديث أربعمائة.
(20) من لا يحضره الفقيه 1: 183 حديث (553).
(21) دعائم الإسلام 1: 227 ذكر التعازي والصبر.
(22) مقتل الحسين 2: 42 - 43.
(23) مقتل الحسين 2: 44 - 45
.
يتبع
|