> قالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): نَجْوَىَ الْعارِفينَ <
حقيقة باطن العارفين:
يقول الصادق (عليه السلام) في بداية هذه الرواية: إن سر وجود العارفين وحقائق باطنهم؛ قائمة على أصول ثلاثة: الخوف، الرجاء، الحب.
ولو أننا في السطور السابقة تعلمنا مسائل مهمة، حول العرفان والعرفاء ولكن لدي شعور قوي باننا نحتاج إلى توضيح أكثر في هذا المجال، حتى نبيّن أكثر العارفين من وجهة نظر الإمام المعصوم (عليه السلام) المذكورفي أقوالهم ورواياتهم. بعد ذلك نتطرق إلى تفسير الأصول الثلاثة. الخوف، الرجاء والحب.
العارف: هو الإنسان الذي بمساعدة ثقافة الوحي وسنن الأنبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، يتوفّق لمعرفة المبدأ والمعاد والحقائق الأصيلة الأساسية، ويتحلى عملاًً بهذه الحقائق.
العارف: هو الإنسان الذي اضاء قلبه بنور التوحيد، وبالاعتماد على القرآن الكريم، يشاهد القيامة ببصيرة قلبه، وأيضاً بالاعتماد على حقيقة التوحيد والمعاد، فإنّه يطهر أعماله، وعقائده واخلاقه؛ من الدنس، ويزيّن روحه وجسمه وقلبه وجميع جوارحه واعضائه بالفيوضات الإلهية ويجاهد في طريق العلم والعمل؛ ثم بعد ذلك يستقر في مملكة الخلوص.
العارف: هو الإنسان الذي لا يرى سوى الله، ولا يعلم غيره، ولا يريد إلا هو، ويقول ولا يسمع إلا الله، ولا يميل ولا يمشي إلا لله.
العارف: هو الذي المطلع بحقوق الله سبحانه وتعالى وخلقه ويراعيهما في جميع شؤون حياته.
العارف: هو الإنسان الذي لا يضيع دقيقة من عمره، ولا يطلب إلا ما طلب رب العزة، ولا يسلك إلا الصراط المستقيم، ولا يفترق عن طالبي وعاشقي الجمال، ولا يغفل عن إرشاد المضلين ومعالجة المرضى.
العارف: هو الذي يكون عبداً مثالياً لله، وانساناً حسن الاخلاق للناس.
العارف: هو الذي يكون كالأرض، منبعاً للفضل والفيض، وكالشمس موزّعاً للحرارة، وكأمطار الربيع مصدراً للخير والبركة.
العارف: مثل النحل، فشرابه، دواءاً للأصدقاء ولدغته، سُماً للأعداء.
العارف: هو الذي يكون غارقاً في بحر الطاعة، ومتحدٌّ وجوده مع العبادة، وهو حقيقة متصفة بالكرامة، وهي لعباد الله، بحر من البركة.
العارف: هو انسان سامي، وفي درجة عالية من الإنسانية، وبين الناس، جوهرة نادرة، و للمجتمع الانساني كالمشكاة تضي الطريق.
العارف: هو وردةُ من دون شوك، ومعين ذا منفعة للدين، حذقٌ؛ في نطقه وكلامه للناس، ومستيقظ بين الغافلين، متدينٌ؛ في سلوكه وتعامله مع عباد الله، مجتهدٌ؛ في طريق الحق، وبوصلة لجميع حقائق الوجود، و شجرة مثمرة في مزرعة الإنسانية، ومظهرٌ لصفات الله في جميع حركاته.
العارف: هو الذي أطاع اوامر الله سبحانه وتعالى، وأحياقلبه بعشق المحبوب، ولم يحمل من عبء الشيطان، ولم يقل إلا الحق، ولا لم ير إلا الحق.
انظر إلى الصحراء اراك فيها انظر إلى البحر اراك فيه.
حينما انظر إلى كل جهة، وجبل، و وادي، وبيداء، اراك فيها([61]).
العارف: هو تلميذ مدرسة الأنبياء (عليهم السلام)، وجليس الاولياء، ومن اصفياء عباد الله سبحانه وتعالى، وبصير بطريق السلوك والعرفان، وقدير على تنفيذ أوامر المولى جل وعلا، ولسانه ناطق بذكر وعشق الحق، وفي بحث الحقيقة دائماً، وعالم بأسرار خزانة المحبوب.
العارف: هو الإنسان الخبير بحيثيات العبودية، وقائد في جميع أمور الدنيا، ونورٌ يهدي المضلين، ومنفذٌ الهاوين في الظلمات، وفي السحر جليس الندم؛ وخادم لمالك الملوك؛ وفي جميع الاوقات حاضرٌ في حضرته سبحانه وتعالى، ومُنزّهٌ عن حبّ الجاه، وطالب فقط لله سبحانه وتعالى.
طوبى للذين صاحبهم الله، وعملهم الحمد وقل هو الله.
طوبى للذين دائماً في حالة الصلاة، وسوقهم جنة الخلد([62]).
العارف: هو الإنسان الذي يكون عاشقاً لله سبحانه وتعالى، مجاهداً في سبيل الله متحلياً بأخلاق الطاهرين، جليساً للطيبين، متجنباً للكفار والمشركين، ونور شمع العاشقين، طاهراً مطهراً من الاخلاق الشيطانية، ودواءاً للمرضى، وعوناً للمحتاجين، وأملاً للآيسين، وشهيداً من الشهداء في سبيل لقاء الله جلا وعلا.
العارف: هو الإنسان الذي يملك قلباً خاشعاً ومتواضعاً، ومؤمناً خاضعاً في مقابل الناس، اشترى نفسه وماله ابتغاء مرضات الله، وحياته مليئة بأمور، تعتبر دورساً للآخرين، ومن افضل اليوميات للإنسان، ويشع نور قلبه وروحه في كل مكان، ومنبعاً للعلم والعمل والكرامة والفضيلة، سيماء العبادة في وجهه، وهو سيفٌ قاطعٌ بوجه اعداء الحق والحقيقة، واعماق روحه خزينة لودائع الله سبحانه وتعالى، لم يأكل لقمة حرام في عمره، وللفقراء انساناً نافعاً، ومبعد لوسوسة الشيطان وأهل الباطل من قلب كل إنسان، ولا يأمل الخير سوى من الله جل وعلا، ولا تمنعه عن أداء طلبات المحبوب شيء، شفيعاً بين الناس وبين الله سبحانه وتعالى، رافعاً لمقامه الإنساني بوسيلة العبادة الخالصة.
قلبه العالم مثل الشعاع المضيء، المطيع لاوامر الله سبحانه وتعالى والأنبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، والمنبع الكامل للعلم والعمل والأخلاق.
العارف: هو الإنسان الذي يسحر القلوب، وعبادته هي عين خلوصه وتقواه، لا يعرف أحداً قدره، مشتاق إلى وصال المحبوب، جميع أمور حياته واضحه، مطهرٌ من خزي الدنيا، مصونٌ من عقاب الآخرة، يمتلك قلباً صافياً، وفياً لعهده لله سبحانه وتعالى، لطيفاً مع عباد الله، شفاءاً لداء المرضى، يعيش في الخفاء حفظاً من الرياء، ومُلهم للغيب.
نحن كالمزمار وألحاننا منك، نحن كالجبل وصوتنا منك.
نحن كالعدم ووجودنا الفاني، إنما هو من وجودك الباقي.
كلنا أسود، ولكن سيدهم، يكون هجومهه أسرع من الريح.
هجومهم ظاهر، عكس الريح، والذي لا يظهر لا يضيع أبداً([63]).
العارف: هو الإنسان الذي لا ليس له حاجة إلى خلق الله، ولا ينفك لحظة عن ذكر المحبوب، ولا يرفض البلاء أبداً، ولحنه مناجات الله، عشق الحضرة القدسية، فلا يهتم بالدنيا والآخرة، رفيق دربه هم أهل الولاء، مدرسته مدرسة الأنبياء، مشكاة مجلسه هم اولياء الله، ليس كمثله في معرفة أسرار هذا السبيل، لا يقرأ سوى كتاب الحق والحقيقة، على الرغم من أنه لا يرى إلا الله، ولا يريد إلا الله؛ لكنّه جليس الكبار والصغار من أجل تنوير حياتهم، قبلة روحه؛ الله سبحانه وتعالى، وهمّته الوصول إلى المقام الأعلى، لا ينفك عن ربطة عشق الحبيب، وذكره التسبيح لله سبحانه وتعالى، اذناه لا تسمع إلا صوت المعشوق، لا يسبح إلا في بحر المحبّة، لا يعرف أحداً إلا محبوبه، لا يخاصم احداً على الدنيا وزينتها، ليس في باطنه إلا العشق الشديد لمولاه، وهمه في الدنيا مواساة الاصدقاء، لا يعرف احداً منزلته في الدنيا، في طينة ذاته لا توجد ذرة من الهوى والنزوة، ولا يطلب إلا رضا الحبيب، ونطقه الحمد، والتسبيح والتهليل والكلام الحسن والثناء على الله عزّ وجلّ.
العارف: في اصطلاح أهل معرفة الطريق، وفقراء حضرته، وعشاقه العارفين، هو الإنسان الذي أكمل نفسه بالاعتماد على القوة النظرية، وبذل كل جهده من أجل كسب حقائق العلوم، وطهّر نفسه من الصفات الرذيلة، والعقائد الخبيثة، وتحلّى بالعقائد الحقيقة والكمالات الإلهية.
العارف: هو الإنسان الذي ملك العلم مع العمل، وأطاع الله في أوامره، واجتنبه في معاصيه، ومن أجل ترويضه للنفس، أصبحت له القوّة والقدرة على العمل.
العارف: بلسان أهل الذوق والشوق، وسكارى حانة العشق، هو انسان ذو كمالات معرفية وعملية، وجميع جوارحه واعضاءه وقواه، أصبحت لله، وفي الحقيقة نال مقام الفناء في الله، والخلاصة؛ أنه لا يريد ألا واحداً، ولا يعلم إلا واحداً.
فقد قيل أنّه اختلف رجلان في مال تجارة لهم. فاحتاجوا إلى شخص آخر لكي يسوي بينهم، فمرّ عليهم عارف وطلبوا منه ذلك، فعرضوا عليه دفاتر حساباتهم، فكلما قالوا عدداً له، قال واحد، فتعجبوا من ذلك وقالوا له: ما بالك تقول واحد، كلّما ذكرنا عدداً؟ وقد اردنا منك ان تحل مشكلتنا؟ فقال: ماذا افعل وانا لا اعرف غير واحد ولا اعلم غير واحد.
العارف: هو الإنسان الذي علاوة على ما لديه من قوة العلم والعمل، فإن جميع وجوده متوجهة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يتهاون في أداء أوامر الله سبحانه وتعالى واجتنباب محرماته، وكذا اداء النوافل، كل هذه الاشياء هي عن طريق ا لارتباط بثقافة الأنبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والتي هي في الأصل ثقافة الوحي، وبما أن العارف واصل هذا السير والسفر في الطريق الله، فإنه سيصل إلى مقام الفناء في الله، بعدها مقام البقاء بالله.
في هذا الجانب لا يشتعل نارٌ، إذا كنت قريباً من الحبيب أو بعيداً.
الصورة ليس لها عمود لكي ثتبت، وماذا لو اخذتها باليد ولم تظهر.
العالم مصيدة والخلائق فيها فريسة، ولا توجد علامة من أمير الصيد.
أينما تنظر ترى الأمير والعظماء، ولا يوجد عندما تنظر إلى حرم الأمير.
يا أيتها الروح تخلّيْ عن الأنانية وأظهري لونك الجميل، كل هذا هو يد ورسم.
عندما نشاهد غبار من بعيد فإنه يدل على الجيش، لا يوجد دخان دون نار.
المصدر كتاب العرفان الاسلامي الجزء الاول تأليف ايه الله حسين انصاريان