|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 24054
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 78
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
حسن الروح
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بتاريخ : 16-04-2009 الساعة : 11:52 PM
تجربة حكم قريش المسلمة (1)
كان للمسلمين الأوائل من قريش أطروحتهم الخاصة في فهم الإسلام ، وطريقة تطبيقه التي أعلنوا عنها زمن النبي صلى الله عليه وآله في العهد المدني من خلال مواقفهم وشعارهم الذي قالوه صراحة بمحضر من النبي صلى الله عليه وآله: (حسبنا كتاب الله) ، ومفاد هذا الشعار أن السنة النبوية ليست ملزمة لهم ، وأن القانون من الناحية العملية هو اجتهاد الحاكم وإن خالف النص .
ومن هنا نجد السلطة القرشية بعد النبي صلى الله عليه وآله تنهى عن نشر حديثه وسيرته(2).
وتأمر بإتلاف الصحف الحديثية التي كتبها الصحابة(3) ، وتنهى عن تفسير القرآن ، وتأمر بإتلاف المصاحف التي كتب الكثير من الصحابة بهامشها التفسير الذي أملاه النبي صلى الله عليه وآله عليهم (4).
تبنت قريش المسلمة في نظريتها للحكم حصرَ حق الحكم بها خاصة دون بقية المسلمين ، في حين أنَّ النبي صلى الله عليه وآله جعل حق الحكم للعالم بالكتاب والسنة من أي أسرة كانت ، نعم استثنى فترة أوصيائه الاثني عشر حيث ينحصر حق الحكم بهم في زمانهم وحضورهم كانحصاره بالنبي صلى الله عليه وآله في زمانه .
ورفعت بوجه الأنصار في اجتماع السقيفة شعار (لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لقريش) (5).
وعطل الحاكمون من قريش العمل بكثير من السنن ، كتعطيلهم سنة التسوية في العطاء ، وتأسيس طريقة التفاوت في العطاء على أسس نهى عنها الإسلام(6)، وتحريمهم العمل بسنن النبي صلى الله عليه وآله في الحج حين فصل بين اعماله ومناسكه وجعلها على قسمين تخفيفا على الناس من جهد السفر ومشقة المناسك (7).
وفرضوا أموراً جديدة في الدين ، كأمرهم بأن تصلى نوافل شهر رمضان جماعة (8) وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك.
وأمرهم بحذف حي على خير العمل ، وغيرها من المخالفات .
نفَّذت قريش المسلمة الحاكمة آراءها تلك بالقوة ، وفرضت حالة الرأي الواحد على المجتمع ، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وآله كان قد سمح بالتعددية في أروع صورها للأفراد أو الجماعات ، واكتفى بالتنبيه على الخطأ والانحراف في المعتقد وبيان عاقبته (9).
قتلت قريش المسلمة مالك بن نويرة جهارا ، وطوقته بتهمة الإرتداد ، لأنه لم يكن يؤيد حكومتهم بل وامتنع من أداء الزكاة إليها اعتقاداً منه أن علياً أحق بالحكومة للنصوص التي سمعها من النبي صلى الله عليه وآله في حقه (10).
وتسبب سوء سيرة ولاة حكومة قريش المسلمة في جباية الزكاة بحروب سميت فيما بعد بحروب الردة (11).
واغتالت حكومة قريش المسلمة سعد بن عبادة ، وأشاعت أن الجن قتلته ، لأنه لم يبايع من عينته قريش للخلافة (12).
وأكرهت علياً عليه السلام على البيعة بعد قصة السقيفة ، وهددته بالقتل إن لم يبايع (13).
وفرضت الإقامة الجبرية على بعض الصحابة ممن لم يمتنع عن نشر الحديث .
وعاقبت البعض ممن لم يمتنع عن السؤال عن تفسير القرآن بالضرب الشديد والحرمان من العطاء ، والمقاطعة الإجتماعية.
انعكست هذه السياسة بتفاصيلها على العراقيين ، فكانوا حينما يسألون الصحابة بأن يحدثوهم عن النبي صلى الله عليه وآله يأتيهم الجواب أن الخليفة نهاهم عن ذلك .
وقد كانت أول عقوبة على جريمة السؤال عن تفسير القرآن من نصيب أحد العراقيين ، وهو صبيغ التميمي ، عوقب من قبل الخليفة نفسه بأشد مما يعاقب به شارب الخمر ، حيث ضربه ضرباً شديداً جعل الدم يتفجر من رأسه وظهره ، ثم أصدر أمراً بقطع راتبه ، ومقاطعته اجتماعيا(14).
وتناهى إلى سمع العراقيين أن الخليفة فرض الإقامة الجبرية على عدد من الصحابة ، ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم خالفوا السلطة القرشية في سياستها التي فرضت التعتيم على الحقائق وحاولوا الكشف عنها(15).
شهد العراقيون في عهد الخليفة القرشي الأموي عثمان احتكار خيرات البلد ، ورفع ولاته من أسرته شعار (أن العراق بستان لقريش) .
ثم شهدوا نَفْيَ مالك الأشتر وأصحابه من الكوفة إلى الشام بسبب اعتراضهم على السياسة الجائرة لولاة عثمان (16).
بسبب هذا ، وغيره كثير أعرض العراقيون عن الولاء لقريش المسلمة وعن تجربتهم التطبيقية للإسلام .
______________________
(1) لا نريد من هذا العرض أن نطعن بالخلفاء ، فهم يتحملون مسؤولية رأيهم واجتهادهم وتقديرهم للمصلحة ونتائج ذلك ، ولسنا مسؤولين عن ابتغاء العذر لهم بأنهم اجتهدوا فاخطأوا ، لأن الذي يحاسب ويعاقب هو الله تعالى وهو أعرف بما في القلوب ، ثم لا نريد منه أيضا أن نجرح من يؤمن بهؤلاء الخلفاء أو يرى صحة تلك الاجتهادات ، فإن لكل إنسان الحرية في أن يعتقد ما يشاء ، بل الذي نريده من حديثنا هذا هو بيان الدوافع الحقيقية التي جعلت غالبية العراقيين يرتبطون بعلي عليه السلام ويدفعون الثمن غالياً من أجله ، وبيان السر الذي جعل معظم الحكام الأمويين والعباسيين وغيرهم يعارضون مدرسة علي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام ، ويعادون شيعتهم ويعملون على تصفيتهم ، ويتهمونهم بشتى التهم لتطويق حركتهم في المجتمع.
(2) روى ابن عبد البر القرطبي فـي جامع بيان العلم 2/147 ، والذهبي في تذكرة الحفاظ: عن قرضة بن كعب قال: لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا إلى صرار ، ثم قال أتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا أردت أن تكرمنا قال مع ذلك لحاجة ، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النّحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا شريككم ، قال قرضة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ، وفي رواية أخرى ، فلما قدم قرضة بن كعب قالوا حدثنا، فقال: نهانا عمر! وقد كانت رجالات قريش تحمل هذا الرأي زمن النبي صلى الله عليه وآله قال عبد الله بن عمرو: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك وقالوا تكتب ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول في الغضب والرضا فأمسكت حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقا. (مسند احمد 2/162 ، 192 ، 207 ، 215 ، سنن الدارمي 1/163 ، سنن ابي داود3/318 ، المستدرك على الصحيحين 1/187 ، المعجم الأوسط للطبراني 2/332 ) ، وكانت قريش مصرة على موقفها هذا لما تدخلت بشكل فاضح حين أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكتب وصية الهدى لأمته في مرضه الذي توفي فيه ، روى البخاري ومسلم وابن حنبل وغيرهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه ! فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. (صحيح البخاري 6/2680 ، 3/111 ، 4/1612 طبعة الموسوعة الذهبية) . (صحيح مسلم 3/1257) ، ورووا أيضا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال: لما حضر النبي صلى الله عليه وآله قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله . واختلف أهل البيت (أي الحاضرون فيه) واختصموا ، فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول: ما قال عمر فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله قال: قوموا عني ، قال عبيد الله فكان أبن عباس يقول: إن الرّزية كل الرّزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم . (صحيح مسلم 3/1259 ، صحيح البخاري 6/2680 ).
(3) روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 5 عن عائشة « انَّ ابا بكر جمع خمسمائة من حديث النبي صلى الله عليه وآله ودعابنار فاحرقها». وروى الخطيب البغدادي فى كتابه تقييد العلم: 52 ط مصر 1974 بسنده إلى القاسم بن محمد « أن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهر فى أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها ، وقال: أيها الناس إنه قد بلغنى أنه قد ظهرت فى أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى فيه رأيي ، قال فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب». وفي طبقات ابن سعد5: 188 « قال عبد الله بن العلاء: سألت القاسم بن محمد بن ابي بكر يملي علىَّ أحاديث ، فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها . ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب ، فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا». وروى الخطيب عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة « أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده منها شيء فليمحه ». تقييد العلم: 53 ، جامع بيان العلم 1: 65. وروى الخطيب أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: « جاء علقمة بكتاب من مكة او اليمن صحيفة فيها احاديث في أهل البيت بيت النبي ، فاستأذنا على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه ، قال فدفعنا اليه الصحيفة ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن أنظر فيها فإن فيها أحاديث حِسانا ، قال فجعل يميثها فيها ويقول: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه ». (ماث يميث مَيْثًا أذاب الملح في الماء). وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: « جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال: يا أبا عبد الرحمن إلا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فأخذ الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله فقال: يا جارية آتيني بالإجّانة مملوءة ماء، فجاءت به فجعل يدلكها ويقول: (الم تلك آيات الكتاب المبين... نحن نقص عليك أحسن القصص) اقصصا احسن من قصص الله تريدون أو حديثا أحسن من حديث الله تريدون » . تقييد العلم: 54.
(4) انظر تفصيل ذلك في كتاب القرآن وروايات المدرستين للعلامة العسكري.
(5) هذا كلام الخليفة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ، رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، وأراد بالأمر هنا السلطة الدينية الحاكمة على السلطة السياسية ، السلطة التي تملك حق بيان الدين والتشريع ، وكانت قريش قد ادعت السلطة الدينية في الجاهلية وخضعت العرب لها. أما السلطة السياسية فقد كان لكل قبيلة سلطة خاصة بها وعلى المكان الذي تسكن فيه. انظر تفصيل ذلك في كتابنا شبهات وردود ط4 فصل السقيفة برواية عمر / 179-187.
(6) وذلك بان ميّزت أهل بدر أو أهل بيعة الرضوان أو المسلمين العرب على غيرهم.
(7) كل من حج من المسلمين يدرك المشقة التي يتحملها الحاج من حالة الإحرام وتروكه ، وكلما طالت مدته طالت مشقته ، وكانت قريش في الجاهلية قد شددت على الناس أمر الحج لأجل تمييز أنفسهم عن الناس بميزات خاصة فمنعت الحاج الذي يدخل مكة للحج من الإحلال من الإحرام قبل التاسع من ذي الحجة وفرضت على الناس مواصلة الإحرام وابتدعت في ذلك بدعا، وجاء الإسلام بسماحته فشجب بدع قريش وأعاد للحج الإبراهيمي يسره وسهولته ، وأمر النبي صلى الله عليه وآلهمن لم يسُق هدية معه أن يحِلَّ قبل يوم التاسع من ذي الحجة وشرط عليه أن يصل عرفة عند الظهر من يوم التاسع من ذي الحجة محرما للحج ، وهذا يعني أنه يمكنه أن يحرم للحج في اليوم الثامن من ذي الحجة بل صبح اليوم التاسع إذا ضمن لنفسه أن يصل إلى عرفة عند الزوال محرما ، فإن كان قد وصل إلى مكة محرماً في الأول من ذي الحجة فهو يستطيع أن يكمل أعمال العمرة في نفس اليوم ويحل من إحرامه ويبقى محلا إلى اليوم الثامن أو إلى صبح التاسع. وسمي هذا الحل بمتعة الحج. وسمي هذا النوع من الحج بحج التمتع ، وفي قباله حج القِران حيث يقرن الحاج إحرامه بسوق الهَدْي معه ووضع علامة عليه على إنه هدي ، وفي هذا النوع من الحج لا يجوز لصاحبه أن يحل من إحرامه إلا بعد أن يذبح هديه يوم العاشر من ذي الحجة. وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله أفضل أنواع الحج وأكثره ثواباً هو حج التمتع . فلما استلمت قريش المسلمة السلطة نهت عن هذا الحج ومنعته ، وأمرت بالحج الذي كانت عليه أيام الجاهلية. وأول خليفة قرشي نهى عن متعة الحج هو عمر بن الخطاب حين قال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء) كنز العمال ج 16/591 ، الطحاوي في كتابه شرح معاني الأثار ج 2/195). ومتعة النساء هي (الزواج المؤقت) ، وهو أحد أنواع الزواج التي جاء بها الأسلام لحل المشكلة الجنسية واستئصال الفساد الجنسي من المجتمع ، انظر تفصيل مسألة متعة الحج في كتابنا شبهات وردود الفصل السابع قصة متعة الحج /213-224. أما متعة النساء فقد كتبت فيها كتب كثيرة منها الزواج المؤقت للعلامة السيد محمد تقي الحكيم (رحمه الله) وغيره.
(8) روى البخاري عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر: نعم البدعة هذه (صحيح البخارى ج 2 ص 252) . وروى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 21 ص 285: عن أبي الفرج عبد الرحمن بن عليبن الجوزي بروايته عن شيخه محمد بن ناصر عن شيوخه ورجاله إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى نافلة شهر رمضان في جماعة يأتمون به ليالى ثم لم يخرج وقام في بيته وصلى الناس فرادى بقية أيامه وأيام أبى بكر وصدرا من خلافة عمر فخرج عمر ليلة فرأى الناس أوزاعا يصلون في المسجد فقال: لو جمعتهم على إمام ! فأمر أبي بن كعب أن يصلي بهم فصلى بهم تلك الليلة ثم خرج فرآهم مجتمعين إلى أبي بن كعب يصلى بهم فقال: بدعة ونعمة البدعة).
(9) من الثابت تاريخيا أن النبي لم يعاقب أصحاب شعار (حسبنا كتاب الله) على الرغم من مخالفته الصريحه للشعار الذي حث فيه النبي صلى الله عليه وآله على التمسك بالكتاب والعترة ، بل اكتفى بالتأكيد على خط أهل بيته والتاكيد على أولهم علي عليه السلام الذي ضرب أروع الأمثلة في التقيد بسنة النبي صلى الله عليه وآله وحرصه على متابعتها وكتابتها بتفاصيلها ، كما أكد على خطأ أطروحة شعار (حسبنا كتاب الله) ، وصرح النبي صلى الله عليه وآله أن قريشاً سوف تضل الأمة وأن عاقبة من يتبعهم خاسرة في الآخرة ، ووضح ذلك بما لا مزيد عليه وقد سجلت كتب الحديث المعتبرة روايات صحيحة كثيرة في هذا الموضوع بعنوان أحاديث الحوض ، ونحن نستفيد من هذه الظاهرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان بصدد تأسيس حالة التعددية في دولة المدينة ومجتمعها ، ليستوعب المجتمع والدولة أقصى اليمين وأقصى اليسار كما يقال ، وليقوم المسلمون بتكليفهم واختيارهم وتحمل مسؤولية ونتائج ما يختارون ، وكان صلى الله عليه وآله على ثقة تامة أن العاقبة لخط أهل بيته عليهم السلام على المدى الطويل وإن كان ثمن هذه السياسة غالياً وبخاصة عندما يطول الزمن وتشتد المحن.
(10) انظر تفصيل ذلك في كتاب عبد الله بن سبأ ج1.
(11) أثبت العلامة العسكري في بحوثه في كتابه عبد الله بن سبأ الجزء الثاني أن أكثر الحروب التي سميت بحروب الردة بعضها لم يقع أساسا وبعضها الآخر كان بسبب سوء سياسة عمال جباية الزكاة.
(12) روى البلاذري في أنساب الاشراف 1 / 589 ، والعقد الفريد 3/64-65: (أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر ، وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلا ، وقال: أدعه إلى البيعة واحتل له فإن أبى فاستعن الله عليه ، فقدم الرجل الشام فوجد سعداً في حائط بحُوّارين (إحدى قرى حلب) فدعاه إلى البيعة ، فقال: لا أبايع قرشياً أبداً. قال: فإني أقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة ؟ قال: أما من البيعة فإني خارج. فرماه بسهم فقتله). وفي تبصرة العوام: أنهم أرسلوا محمد بن مسلمة الأنصاري فرماه بسهم. وقيل إن خالداً كان في الشام يومذاك فأعانه على ذلك ، قال المسعودي في مروج ا لذهب 1/414 ، 2/194: " وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع فصار إلى الشام فقتل هناك سنة 15 هـ ". وفي رواية ابن عبد ربه 3/64: " رُمِيَ سعد بن عبادة بسهم فوجد دفينا في جسده فمات ، فبكته الجن فقالت:
وقتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
وقد ذكر موته قتلاً ابن سعد في الطبقات الكبرى 3 ق 2 / 145 وابن قتيبة الدينوري في المعارف ص 113. وقال ابن أبي الحديد ج 10/111: ويقول قوم: إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا ، وهو خارج إلى الصحراء بسهمين ، فقتله لخروجه عن طاعة الإمام ، وقد قال بعض المتأخرين في ذلك:
يقولون سعد شكت الجن قلبه ألا ربما صححت دينك بالغدر
وما ذنب سعد أنه بال قائما ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر
(13) انظر تفصيل ذلك في كتابنا شبهات وردود ط4/189-209.
(14) روى الدارمي في سننه والسيوطي في تفسيره وابن كثير في تفسيره وابن عساكر في تاريخه وابن ابي الحديد في شرح النهج قالوا: أن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه ، فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل ، قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة ، فأتاه به ، فأرسل إلى رطائب من جريد (وفي رواية: وكان أعد له عراجين النخل) فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة (وفي رواية الدارمي حتى أدمى رأسه) ، ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ ، فدعا به ليعود له قال فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلا وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري ، أما بعد: فإن صبيغ تكلف ما يخفى وضيَّع ما وُليّ ، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه وإن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه. وأن لا يجالسه أحد من المسلمين ، وأن يحرَم عطاءَه ورزقَه. فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم ، قال أبو عثمان النهدي: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا. وقال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجي إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونهِ فتناديهم الحلقة الأخرى عَزْمَة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويَدَعونه. وفي تفسير السيوطي 2/152 قال: وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإمام الشافعي عنه قال: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ ، أن يُضرَبوا بالجريد ويُحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.
أقول: إن صبيغا ضُرب وعوقب لسؤاله عن تفسير (والذاريات ذروا) ، فما هو وجه الإستدلال بذلك على عقوبة من يدرس علم الكلام ليتعلم كيف يواجه الشبهات على العقائد.
(15) روى الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ ترجمة عمر بن الخطاب قال: أن عمر حبس ثلاثة ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري بسبب تحديثهم عن النبي صلى الله عليه وآله ، وروى في كنز العمال عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي افشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الآفاق ؟ ثم أقامهم في المدينة وقال لهم: لا والله لا تفارقوني ما عشت... فما فارقوه حتى مات.
(16) أخرج أبو الفرج في الأغاني عن أبي عبيد والكلبي والأصمعي وعمر بن شبة ، وأخرج المسعودي واللفظ له قال: إن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أول الليل إلى الصباح ، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج منفصلاً في غلائله فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح فصلى بهم أربعا ، وقال: أتريدون أن أزيدكم ؟ وقيل إنه قال في سجوده وقد أطال /قول واحد/: (إشرب واسقني). فقال له عتاب الثقفي وكان في الصف الأول: ما تريد لا زادك الله مزيد الخير. والله لا أعجب إلا ممن بعثك إلينا واليا وعلينا أميرا: فحصبه الناس بحصباء المسجد ، وخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر أبو زينب ، وجندب بن زهير ، وأبو حبيبة الغفاري والصعب بن جثامة، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبد الرحمن بن عوف: ماله أجن ؟ قالوا: لا ولكنه سكر ، قال: فأوعدهم عثمان وتهددهم ، وقال لجندب: أنت رأيت أخي يشرب الخمر ؟ قال: معاذ الله ولكني أشهد أني رأيته سكران يقلسها من جوفه وإني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم ; فنادت عائشة: إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود . وأخرج أبو الفرج عن الزهري أنه قال: خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال: كلماغضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل ؟ لئن أصبحت لأنكَِّلن بكم ، فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلظة فقال: أما يجد مُرّاق أهل العراق وفُسّاقهم ملجأ إلا بيت عائشة ! فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل ، فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل: أحسنت ، ومن قائل: ما للنساء ولهذا ؟حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ثم عزله لما بايع العراقيون الأشتر على عزله في قصة طويلة ذكرتها كتب التاريخ.
روى البلاذري ق4 /ج1/528 قال: لما عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة ولاها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها ، فكان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالك بن الحارث الاشتر النخعي ، وزيد وصعصعة إبنا صوحان العبديان وجندب بن زهير الازدي ، وغيرهم فانهم لعنده وقد صلوا العصر إذ تذاكروا السواد والجبل ففضلوا السواد وقالوا: هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل ، وكان حسان بن محدوج الذهلي الذي إبتدأ الكلام في ذلك فقال عبدالرحمن بن خنيس الأسدي صاحب شرطه: لوددت أنه للأمير وأن لكم أفضل منه. فقال له الأشتر: تمنَّ للأمير أفضل منه ولا تمنَّ له أموالنا. فقال عبدالرحمن: ما يضرك من تمنىَّ حتى تزوي ما بين عينيك فوالله لو شاء كان له. فقال الأشتر: والله لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب سعيد ، وقال: إنما السواد بستان لقريش. فقال الأشتر يجيب ابن خنيس: والله لو رامه أحد لقُرِع قرعاً يتصأصأ منه ، فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان وقال: إني لا أملك من الكوفة مع الأشتر وأصحابه الذين يدْعَوْن القُرّاء وهم السفهاء شيئا. فكتب إليه أن سيِّرهم إلى الشام.
|
|
|
|
|