بسم الله الرحمن الرحيم
من وصايا وتوجيهات الامام الخميني قدس سره الشريف
1- تأمّل أيها الشخص المرائي... يا منْ أودعت العقائد الحقّة والمعارف الإلهية بيد عدوّ الله، وهو الشيطان، وأعطيت مختصّات الحق تعالى للآخرين، وبدّلتَ تلك الأنوار التي تضيء الروح والقلب وهي رأسمال النجاة والسعادة الأبدية ومنبع اللّقاء الإلهي وبذرة القرب من المحبوب، أبدلتها بظلماتٍ موحشة وشقاءٍ أبدي وجعلتها رأسمال البُعد والابتعاد عن ساحة المحبوب المقدّسة، والابتعاد عن لقاء الله تعالى.
2- تهيّأ، أيها المرائي، للظلمات التي لا نور بعدها، وللشدائد التي لا فرج لها، وللأمراض التي لا يرجى شفاؤها، وللموت الذي لا حياة معه، وللنار التي تخرج من باطن القلب فتحرق ملكوت النفس وملك البدن حرقاً لم يخطر على قلبي وقلبك، والتي يخبرنا عنها الله تعالى في كتابه المنزل في الآية الشريفة: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾.
3- الله تعالى هو صاحب القلب والمتصرّف فيه، وأما العبد الضعيف العاجز فلا يستطيع أن يتصرّف بقلبه دون إذنه، بل إنّ إرادته قاهرة لإرادتك ولإرادة جميع الموجودات. إذاً، فمراءاتك تملّقك، إذا كانا لأجل جذب قلوب العباد، ولفت نظرهم، ومن أجل الحصول على المنزلة والتقدير في القلوب والاشتهار بالصلاح، فإنَّ ذلك خارج كلية عن تصرفك، وهو تحت تصرّف الله، فإله القلوب وصاحبها يوجّه القلوب نحو من يشاء.
4- إذا كنتَ مخلصاً فلماذا لا تجري ينابيع الحكمة من قلبك على لسانك مع أنك تعمل أربعين سنة قربة إلى الله حسب تصوّرك؟ في حين أنه ورد في الحديث الشريف عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا خَلُصَ عَبْدٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً إلاَّ جَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ"، إذاً؛ فاعلم أنّ أعمالنا غير خالصة لله، ولكننا لا ندري، وها هنا الداء الذي لا دواء له.
5- أُطلبْ من الله الرحيم في كل حين، وخصوصاً في الخلوات، وبتضرّع وعجز وتذلّل، أن يهديك بنور التوحيد، وأن ينوّر قلبك ببارقة غيب التوحيد في الإيمان والعبادة، حتى تعلم أنّ جميع العالم الواهي وكل ما فيه يكون لا شيء. واسأل الذات المقدّسة بكل تضرّع أن يجعل أعمالك خالصة وأن يهديك إلى طريق الخلوص والولاء.
6- لا تعيبوا على أحد، حتى في قلوبكم، وإن كان كافراً، فلعلّ نور فطرته يهديه، ويقودكم تقبيحكم ولومكم هذا إلى سوء العاقبة.
7- أيها المسكين! أنت في حضرة الله جلَّ جلاله، وفي محضر الملائكة المقرَّبين، تعمل خلاف رضا الله تعالى، والعبادة التي هي معراج القرب من الله، تؤدّيها لأجل النفس الأمَّارة بالسّوء ولأجل الشيطان.
8- إنّ الصلاة التي لا تَنهى عن الفحشاء ولا تحافظ على القلب، بل لكثرتها تبعث على ضياع القلب، إن مثل هذه الطاعة ليست بصلاة. إنّ صلاتك التي تحافظ عليها كثيراً وتحرص على إقامتها، إذا كانت تقرّبك من الشيطان وخصيصته من الكِبر، فهي ليست بصلاة، لأنّ الصلاة لا تستدعي ذلك.
9- إن الكِبر من أخلاق الشيطان الخاصة. فقد تكبّر على أبيك آدم، فطُرد من حضرة الله، وأنت أيضاً مطرود لأنّك تتكبّر على كل الآدميين من أبناء آدم.
10- إذا كنت من أهل الإيمان الناقص والصوري، فعليك أن تطهّر نفسك من هذا الغشّ حتى تنضمّ إلى زمرة السعداء والصالحين. والغشّ يزول بنار التوبة والندم، وبإدخال النفس في أتون العذاب واللّوم، وصهرها في حرارة الندامة والعودة إلى الله. عليك أن تعمل في هذا العالم، وإلا فإنّ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ سوف تذيب قلبك. والله أعلم كم قرناً من قرون الآخرة يستغرق إصلاحك هذا!
11- أيها الأخ، ما دمت في مقتبل عمرك، وزهرة شبابك، وأوج قوتك، وحرية إرادتك، سارع لإصلاح نفسك، ولا تُلقِ بالاً لهذا الجاه والمقام، وطأ على هذه الاعتبارات بقدميك، إنك إنسان، فابعد نفسك عن صفات الشيطان.
12- إنّ الضيق والضغط والكدر والظلام الذي يحصل في القلب بسبب الحسد قلّما يوجد في خُلق فاسد آخر. وعلى أي حال إنّ صاحب هذا الخُلق يعيش في الدنيا معذّباً مبتلىً، ويكون له في القبر ضيق وظلمة، ويحشر في الآخرة سكيناً متألماً.
13- فيا عزيزي؛ إنّ الوقوف منذ البداية دون تسرّب المفاسد الأخلاقية أو العملية إلى مملكة ظاهرك وباطنك، أيسر بكثير من إخراجها بعد توغّلها، لأنّ ذلك يتطلّب الكثير من العناء والجهد. وإذا تسرّبت، فإنّك كلّما أخّرت التصدّي لإخراجها، ازداد الجهد المطلوب منك وضعفت قواك الداخلية.
14- كلّما ازداد التلذّذ بالدنيا، اشتدّ تأثر القلب وتعلّقه بها وحبّه لها، إلى أن يتّجه القلب كُلّياً نحو الدنيا وزخارفها، وهذا يبعث على الكثير من المفاسد.
15- إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود والتعزيرات وسائر التعاليم السياسية الدينية والعقلية، لا يكون إلاّ في ظلّ القوة الغضبية الشريفة. وعلى ذلك، فإن الذين يظنون أن قتل غريزة الغضب بالكامل وإخماد أنفاسها يعدّ من الكمالات والمعارج النفسية إنّما يرتكبون خطيئة عظيمة، ويغفلون عن حدّ الكمال ومقام الاعتدال.
16- إن القلب إذا غطّاه صدأ حُبّ الذات والأرحام والتعصّب القومي الجاهلي، فلن يكون فيه مكان لنور الإيمان، ولا موضع للاختلاء مع الله ذي الجلال تعالى.
17- إن الإنسان العارف بالحقائق يعلم أن جميع العصبيات والارتباطات ليست سوى أمور عرضية زائلة، إلاّ تلك العلاقة بين الخالق والمخلوق. وتلك هي العصبية الحقيقية التي هي أمر ذاتي غير قابل للزوال، وهو أوثق من كل ارتباط، وأقوى من كل حسب وأسمى من كل نسب.
18- إن أولياء الله لم يخلدوا إلى الراحة أبداً، وكانوا دائمي الخوف من هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر. إن حالات علي بن الحسين عليه السلام، الإمام المعصوم، تثير الحيرة، وأنين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، الوليّ المطلق، تبعث على الدهشة. ما الذي جرى لنكون على هذا القدر من الغفلة؟ مَنْ الذي جعلنا نطمئن؟ إنّه لا يُغرينا أحد بتأجيل عمل اليوم إلى الغد إلاّ الشيطان.
19- إذا انتزع الشيطان، لا سمح الله، وسائل الإيمان من يدك، فلن تكون جديراً بالرحمة والشفاعة. نعم، رحمة الله واسعة في الدّارين. فإذا كنت تطلب الرحمة، فلماذا لا تستفيد من فيوضات الرحمة المتتالية في هذه الدنيا، وهي بذور الرحمات الأخرى؟
20- إذا لم يقف الإنسان بوجه هذه الصفة ولم يردعها، وترك نفسه وشأنها، فلن يمضيَ وقت طويل حتى يفلت الزّمام منه، ويصبح كلّ همّه واهتمامه منصباً على تلك الرّذيلة، حتى أنه لا يلتقي شخصاً إلاّ وعامله معاملة ذي الوجهين وذي اللّسانين، ولا يعاشر أحداً إلاّ وخالطت معاشرته تلك الصفة من التلوّن والنفاق، دون أن يخطر له شيء سوى منافعه الخاصة وأنانيته وعبادته لذاته، واضعاً تحت قدميه الصداقة والحميّة والهمّة والرجولة، ومتّسماً في كل حركاته وسكناته بالتلوّن، ولا يمتنع عن أي فساد وقبح ووقاحة. إن شخصاً هذا شأنه يكون بعيداً عن البشرية والإنسانية، ومحشوراً مع الشياطين.
21- يا من تدّعي الإيمان وخضوع القلب في حضرة الله ذي الجلال، إذا كنت تؤمن بكلمة التوحيد، ولا يعبد قلبك غير الواحد، ولا يطلب غيره، ولا ترى الألوهية تستحق إلاّ لذاته المقدسة، وإذا كان ظاهرك وباطنك يتفقان فيما تدّعي، فلماذا نجدك وقد خضع قلبك لأهل الدنيا كل هذا الخضوع؟ لماذا تعبدهم؟ أليس ذلك لأنك ترى لهم تأثيراً في هذا العالم، وترى أن إرادتهم هي النافذة، وترى أنّ المال والقوة هما الطاقة المؤثرة والفاعلة؟ وأن ما لا تراه فاعلاً في هذا العالم هو إرادة الحق تعالى، فتخضع لجميع الأسباب الظاهرية، وتغفل عن المؤثر الحقيقي وعن مسبّب جميع الأسباب، ومع كل ذلك تدّعي الإيمان بكلمة التوحيد. إذاً، فأنت أيضاً خارج عن زمرة المؤمنين، وداخل في زمرة المنافقين ومحشور مع أصحاب اللّسانين.
22- يا من تدّعي الزهد والإخلاص، إذا كنت مخلصاً حقاً، وأنك لأجل الله ولأجل دار كرامته تزهد عن مشتهيات الدنيا، فما الذي يحملك على أن تفرح بمدح الناس لك والثناء عليك بقولهم إنك من أهل الصلاح والسداد، فيملأ السرور قلبك؟ ولماذا لا تبخل بشيء في سبيل مجالسة أهل الدنيا وفي سبيل زخارفها، وتفرّ من الفقراء والمساكين؟
فاعلم أن زهدك وإخلاصك ليسا حقيقيين، بل إن زهدك في الدنيا هو من أجل الدنيا، وأن قلبك ليس خالصاً لوجه الله، وأنك كاذب في دعواك، وأنك من المتلوّنين المنافقين.
23- يا أيتها النفس اللّئيمة التي تتظاهرين بالتفكير للخروج من الأيام المظلمة والنجاة من هذه التعاسة، إذا كنت صادقة، وقلبك يواكب لسانك، وسرّك يطابق علنك، فلماذا أنتِ غافلة إلى هذا الحد؟ ولماذا يسيطر عليكِ القلب المظلم والشهوات النفسانية وتتغلّب عليك، دون أن تفكري في رحلة الموت المليئة بالمخاطر؟
24- لقد تصرّم عمرك دون أن تبتعد عن أهوائك ورغباتك. لقد أمضيت عمراً منغمساً في الشهوة والغفلة والشقاء وسيحلّ الأجل قريباً، وأنت ما زلت تمارس أعمالك وأخلاقك القبيحة. فأنت نفسك واعظ غير متّعظ، ومن زمرة المنافقين وذوي الوجهين. ولئن بقيت على هذا الحال فستحشر بوجهين ولسانين من نار...
25- يا أخي، إذا كنت تعرف أنك من أتباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وتريد أن تحقق هدفه، فاعمل على أن لا تضعه موضع الخجل بقبيح عملك وسوء فعلك. ترى إذا كان أحد من أولادك والمقرّبين إليك يعمل القبيح وغير المناسب من الأعمال التي تتعارض وشأنك، فكم سيكون ذلك مدعاة لخجلك من الناس وسبباً في طأطأة رأسك أمامهم؟