بعد هذه المقدمات الثلاث نرجع الى الكلام عن صلاة ليلة الرغائب وقد طرحنا هذا التساؤل وهو :
ما مدى مشروعية هذه الصلاة ؟ وهل هي بدعة أو لا ؟ وعلى تقدير عدم ثبوت استحبابها وعدم كونها بدعة هل يمكن الالتزام بها وأداؤها بوجه من الوجوه ؟
وبعد ما تقدم من المقدمات سيكون من السهل علينا التعرف على أجوبة هذه التساؤلات إن شاء الله تعالى ، فنقول وعلى الله التكلان :
1. لم يثبت الاستحباب الشرعي لهذه الصلاة لعدم قيام الدليل المعتبر عليها لأنها واردة بطريق عامي وفي سندها المجاهيل والضعاف ولا أقل من أن فيها بن جهضم وقد ذكروا أنه وضّاع كذّاب ، قال ابن الجوزي : ( هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب ، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول : رجاله مجهولون وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم ) (29) ، وقال ابن كثير : ( علي بن عبد الله بن جهضم أبو الحسن الجهضمي الصوفي المكي صاحب بهجة الاسرار ، كان شيخ الصوفية بمكة ، وبها توفي قال ابن الجوزي : وقد ذكر أنه كان كذابا ويقال إنه الذي وضع حديث صلاة الرغائب ) (30) ، وقال الذهبي : ( والحديث موضوع ولا يُعرف إلا من رواية ابن جهضم وقد اتهموه بوضع هذا الحديث ) (31) .
وأما طريق العلامة إليها فلا يعوّل عليها فإنه يرجع الى الطريق العامي ولا أقل من أن فيه بن جهضم هذا الذي ورد في السند بعنوان ( أبي الحسن الهمداني ) مضافاً الى الجهالة والضعف في غيره .
2. مجرد ضعف الطريق الى الرواية واشتماله على المجاهيل والكذّابين لا يعني أنها موضوعة وأن الصلاة بدعة ، وكون سندها مشتملاً على من عُرف بالوضع والكذب لا يورث الجزم بابتداعه الصلاة كما هو واضح ، ورمي العامة لها بالوضع والابتداع لا يكفي ولا يفيد الجزم بذلك ، أولاً / لتسامحهم في التوصيف بالبدعة والوضع كما هو معلوم من حالهم ، فكل ما لا يقوم عليه دليل معتبر من الأعمال يحكمون عليه بأنه بدعة ، ويكفي لكون الشيء بدعة في نظرهم أن لا يثبت فعل النبي والصحابة له ، فالبدعة عندهم كل ما لم يعلم ثبوته في الدين ولذا يسندون كثيراً من الأعمال الى الابتداع لمجرد أنه لم يصح عن الصحابة فعلهم لها ، لكن تقدم أن هذا المسلك غير صحيح فالبدعة ما علم عدم ثبوتها في الدين لا ما لم يعلم ثبوته في الدين فإن عدم العلم بالثبوت لا ينافي الثبوت واقعاً ، وعليه فلعلّ رميهم صلاة ليلة الرغائب وروايتها بالوضع والابتداع من هذا القبيل واكتفاء بضعف الطريق إليها وهذا غير صحيح . وثانياً / الظاهر أن رميهم بن جهضم بالوضع والابتداع ليس مستنداً الى الحس ، وعلى الأقل ليس كل من رماه بذلك فهو مستند الى الحس ، ولذا يعبرون بـ ( ذُكر أنه كان كذاباً ) و ( يُقال إنه الذي وضع حديث صلاة الرغائب ) و ( قد اتهموا به ابن جهيم ) ومثل هذه التعبيرات لا تفيد الجزم بأنه واضع الحديث ، وأكثر من طعن فيه ابن الجوزي والآخرون نقلوا عنه مع أن طعنه له قائم على الاتهام والاحتمال والحدس ، وعلى أي حال غاية ما يثبت من جرحهم له أن الرجل كذّاب لكن لا يلزم من ذلك الجزم بأنه واضع الحديث حتى وإن اتفقت كلمتهم على ذلك أي كونه كذّاباً وضاعاً فهذا لا يورث الجزم بأن الرواية من وضعه ومختلقاته وغاية ما يفيد الظن بذلك وهو لا يكفي لإثبات الابتداع ولو كان راجحاً وإنما يفيد ضعف الخبر وسقوطه عن الحجية وإفادة الاستحباب . وإثبات كون الصلاة بدعة والرواية موضوعة يحتاج الى ما هو أكثر من مجرد رمي أحد رواتها بالكذب والوضع واتهامه بأنه الواضع .
نعم قد يمكن إثبات كون الصلاة بدعة من جهة أخرى غير اتهام راويها بوضعها ، وذلك من خلال بعض القرائن من قبيل مثلاً أن يقال : إن عدم رواية المعصومين عليهم السلام لهذه الصلاة وعدم وجود أثر لها في تراثهم ورواياتهم دليل على عدم صحة صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والا لرووها عنه خصوصاً مع اهتمامهم بهذا الشهر الكريم أي رجب وأعماله ومستحباته وكثرة ما روي عنهم في هذا الصدد ، فلو كانت هذه الصلاة من أعمال شهر رجب ومستحباتها لذكروها ورووها خصوصاً مع هذا الثواب العظيم المذكور لها ، وحيث لم تؤثر عنهم عُلم أنها موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ لو كان لبان ، ونحو ذلك من القرائن التي يبقى التعويل عليها في إثبات الابتداع مرهون بمقدار ما توجبه من قطع أو اطمئنان بذلك . وعلى أي حال فقد تطمئن النفس الى الحكم بكون الصلاة بدعة بشهادة الوجدان لكن قد لا يكون ذلك كافياً الا بعد إقامة البرهان .
3. إن الحاجة الى البحث في كون صلاة ليلة الرغائب بدعة أو لا ، تظهر في إمكان التمسك فيها بقاعدة التسامح في أدلة السنن أو عدم إمكان ذلك ، فإن كانت بدعة لم يصح جعلها صغرى لتلك الكبرى فلا يثبت استحبابها بهذه القاعدة ، وإن لم تكن بدعة تبقى رواية ضعيفة يحتمل فيها صحة الصدور فيصح التمسك فيها بقاعدة التسامح فيثبت استحباب هذه الصلاة بهذه القاعدة ، لكن حيث أن المعروف عدم تمامية هذه القاعدة عند أكثر الفقهاء كما تقدم وأنها لا تفيد الاستحباب ، فحينئذٍ لا جدوى في البحث عن كونها بدعة فإنه حتى على تقدير علمنا بعدم كونها بدعة مع ذلك لا يثبت استحبابها بقاعدة التسامح لعدم تماميتها أصلاً ، نعم من يرى صحة القاعدة فهو معني بهذا البحث ، والظاهر أن لا سبيل الى الجزم بكون الصلاة بدعة ، وغاية ما يمكن إثباته هو الاطمئنان بذلك فإن قلنا بكفايته كما لعله كذلك باعتبار أن الاطمئنان حجة وبمنزلة العلم فحينئذٍ لا يصح معه التمسك بالقاعدة والا أي لم نقطع بكون الصلاة بدعة ولا حصل الاطمئنان بذلك فلا مانع من التمسك بالقاعدة بناء على تماميتها ، والأمر متوقف على حصول الاطمئنان بكون الصلاة بدعة عند القائل بالقاعدة أو عدم حصوله .
4. مما تقدم يعلم أنه لا جزم بكون هذه الصلاة بدعة وغاية ما يفيد الطعن براويها ورميه بالوضع ضعف الخبر وعدم حجيته في ثبوت استحباب الصلاة ومشروعيتها ، لكن هذا لا يمنع من الالتزام بهذه الصلاة وفعلها على أن يكون ذلك بنية رجاء المطلوبية ولا يصح الجزم بالاستحباب لعدم ثبوت الاستحباب بعد ضعف الرواية وعدم تمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن ، فيؤتى بها رجاء المطلوبية ورجاء الحصول على ذلك الثواب المذكور لها ، فإن كانت الصلاة ثابتة واقعاً فقد أتى بها وإن كانت مكذوبة وموضوعة استحق فاعلها ذلك الثواب المذكور لها فيعطيه الله تعالى له جزاء على نيته وقصده كما هو مفاد أخبار من بلغ ، واحتمال كونها بدعة لا يمنع من جواز فعلها بنية الرجاء والحصول على الثواب ، فكما تقدم في المقدمة الأولى أن العامل بالبدعة إنما يؤاخذ ويعاتب على ذلك بشرط أن يكون ملتفتاً الى أنها بدعة وعالماً بابتداعها والا لم يستحق الذم بفعلها لمجرد احتمال ذلك بل هو مأجور ومثاب إن قصد التقرب بها ونيل ثوابها رجاء ، والله العالم .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
.
.
.
.
.
---------------------------
(1) قال ابن الجوزي في الموضوعات ج 2 ص 124 : ( صلاة الرغائب أنبأنا علي بن عبيد الله بن الزاغوني أنبأنا أبو زيد عبد الله بن عبد الملك الأصفهاني أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مندة ح . وأنبأنا محمد بن ناصر الحافظ أنبأنا أبو القاسم بن مندة أنبأنا أبو الحصين علي بن عبد الله ابن جهيم الصوفي حدثنا علي بن محمد بن سعيد البصري حدثنا أبي حدثنا خلف ابن عبد الله وهو الصغاني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ) وذكر الرواية .
(2) إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس : ج 3 ص 186 ، قال : ( وجدنا ذلك في كتب العبادات مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله ، ونقلته أنا من بعض كتب أصحابنا رحمهم الله فقال في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في ذكر فضل شهر رجب ما هذ لفظه : ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة منه ، فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب ، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض الا يجتمعون في الكعبة وحواليها ، ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم : يا ملائكتي سلوني ما شئتم ، فيقولون : ربنا حاجتنا إليك ان تغفر لصوام رجب ، فيقول الله تبارك وتعالى : قد فعلت ذلك . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مامن ا حد صام يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلى بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة و ( انا أنزلناه في ليلة القدر ) ثلاث مرات ، و ( قل هو الله أحد ) اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة ، يقول : اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي الأعظم ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل الله حاجته في سجوده ، فإنه تقضى إن شاء الله تعالى . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة الا غفر الله له جميعا ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وعد ورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار ، فإذا كان أول ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق ، فيقول : يا حبيبي ابشر فقد نجوت من كل شدة ، فيقول : من أنت فما رأيت أحسن وجها منك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك ؟ فيقول : يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاة التي صليتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا ، جئت الليلة لأقضي حقك وآنس وحدتك وارفع عنك وحشتك فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك وانك لن تعدم الخير من مولاك ابدا ) .
(3) لاحظ بحار الأنوار ج 95 ص 395 ، قال : ( قد روى العلامة في إجازته الكبيرة عن الحسن بن الدربي ، عن الحاج صالح مسعود بن محمد وأبي الفضل الرازي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قرأها عليه في محرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة عن الشيخ علي بن عبد الجليل الرازي عن شرف الدين الحسن بن علي ، عن سديد الدين علي بن الحسن
عن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري ، عن الحسين بن علي ، عن الحاج مسموسم عن أبي الفتح نورخان عبد الواحد الأصفهاني ، عن عبد الواحد بن راشد الشيرازي ، عن أبي الحسن الهمداني عن علي بن محمد بن سعيد البصري ، عن أبيه ، عن خلف بن عبد الله الصنعاني ، عن حميد الطوسي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ... ) . وذكره أيضاً عند تعرضه لذكر إجازة العلامة لبني زهرة : ج 104 ص 123 .
(4) وسائل الشيعة : ج 5 ص 232 - 233 ، قال في باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب : ( الحسن بن يوسف المطهر العلامة في إجازته لبني زهرة باسناد ذكره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله رجب شهر الله .... ) وذكر الرواية ، ثم قال : ( ورواه ابن طاوس في الاقبال مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله نحوه ) .
(5) لاحظ مثلاً الكفعمي في المصباح : ص 526 .
(6) قال الشيخ عباس القمي رحمه الله في مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب : ( واعلم أن أول ليلة من ليالي الجمعة من رجب تسمى ليلة الرغائب ، فيها عمل مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله ذو فضل كثير . ورواه السيد في الاقبال والعلامة المجلسي رحمه الله في اجازة بني زهرة . ومن فضله ..... ) .
(7) النجعة في شرح اللمعة للشيخ محمد تقي التستري : ج 3 ص 103 .
(8) وسائل الشيعة : ج 5 ص 232 ، الباب 6 من أبواب بقية الصلوات المندوبة .
(9) الموضوعات لابن الجوزي : ج 2 ص 125 – 126 .
(10) الفتاوى الكبرى لابن تيمية : ج 2 ص 261 - 262 .
(11) مجموعة الفتاوى لابن تيمية : ج 23 ص 132 .
(12) مغني المحتاج لمحمد بن أحمد الشربيني : ج 1 ص 225 .
(13) إعانة الطالبين للبكري الدمياطي : ج 1 ص 312 .
(14) حاشية رد المحتار لابن عابدين : ج 2 ص 27 .
(15) إحياء علوم الدين للغزالي : ج 2 ص 366 .
(16) سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 23 ص 140 - 143 .
(17) تذكرة الموضوعات للفتني : ص 44 .
(18) قال الخليل الفراهيدي في كتاب العين : ج 2 ص 54 : ( البدع : إحداث شئ لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة ) .
(19) لاحظ البدعة مفهومها وحدودها - مركز الرسالة : ص 11 - 14 ( البدعة التي ورد النص بتحريمها هي (إيراد قول أو فعل لم يستن فيه بصاحب الشريعة وأصولها المتقنة) وبعبارة أخرى هي (الحدث في الدين بعد الاكمال) .... ابن رجب الحنبلي عرف البدعة بأنها (ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه ، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة) وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (أصلها ما أحدث على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة ) وقال (المحدثات جمع محدثة والمراد بها - أي في حديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد - ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة) ويرى ابن حجر الهيتمي أن البدعة (ما أحدث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاص أو العام) ويرى الشاطبي (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية - وقال في مكان آخر - يقصد بالسلوك عليها : المبالغة في التعبد لله تعالى) وقال السيد المرتضى (البدعة الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلى الدين) وقال الطريحي في مجمع البحرين (البدعة الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة وإنما سميت بدعة لأن قائلها ابتدعها هو نفسه) أما العلامة المجلسي فإنه عرف البدعة في الاصطلاح الشرعي بأنها (ما حدث بعد الرسول ولم يرد فيه نص على الخصوص ولا يكون داخلا في بعض العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المسلمين وإسكانهم وإعانتهم وكإنشاء بعض الكتب العلمية ، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية ، وكالألبسة التي لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأطعمة المحدثة فإنها داخلة في عمومات الحلية ولم يرد فيها نهي ، وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة كما أن الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كل وقت ولو عين ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة وكما إذا عين أحد سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة . وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص بدعة سواء كان أصلها مبتدعا أو خصوصيتها مبتدعة ) وقال المحدث البحراني ( الظاهر المتبادر من البدعة لا سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو المحرم ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين عليهما السلام : (إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار)) وقال المحقق الآشتياني (البدعة إدخال ما علم أنه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع ) وقال السيد محسن الأمين العاملي (البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين كإباحة محرم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبه أو نحو ذلك سواء كانت في القرون الثلاثة أو بعدها ، وتخصيصها بما بعد القرون الثلاثة لا وجه له ) . هذه جملة مما ورد في تعريف البدعة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي ، وقد أفاد أغلبها أن البدعة بالمعنى الشرعي ، هي : زيادة شئ في الدين على أنه منه وهو ليس منه . واختص تعريف الشريف المرتضى وكذا تعريف السيد محسن الأمين من بين تلك التعريفات بذكر النقصان من الدين على أنه يدخل ضمن البدعة أيضا . ومن هنا فإن تعريف الشريف المرتضى هو أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حد البدعة ومفهومها .
(20) التنقيح - كتاب الصلاة للسيد الخوئي : ج 2 ص 239 .
(21) لاحظ ذيل هامش 19 .
(22) الكافي : ج 1 ص 57 .
(23) غنائم الأيام للميرزا القمي : ج 1 ص 277 .
(24) وهي عدة أخبار منها ما عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه ) لاحظ الكافي : ج 2 ص 87 .
(25) ذهب الى هذا الرأي بعض الفقهاء المعاصرين كالسيد محمد صادق الروحاني لاحظ زبدة الأصول ج 3 ص 277 ، ومنهاج الصالحين ج 1 ص 15 مسألة 32 ، وأيضاً السيد الكلبايكاني لاحظ إرشاد السائل ص 201 .
(26) التنقيح : ج 4 ص 362 .
(27) مصباح الفقاهة : ج 3 ص 799 .
(28) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي : ج 1 مسألة 32 ، وغيره .
(29) الموضوعات لابن الجوزي : ج 2 ص 125 .
(30) البداية والنهاية لابن كثير : ج 12 ص 21 .
(31) تاريخ الإسلام للذهبي : ج 28 ص 351 .