يحاول الجميع بحذر التكيف مع الحقائق الجديدة والدراماتيكية لاقتراع المحافظات. سؤالها الكبير هذه اللحظة: هل نضرب المالكي بقوة ونعزله عن حكم ٩ محافظات، ام نحتفظ بدرجة جنونه الحالية ونعمل على تهدئته كي لا يقوم بتصرف مجنون في الشهور الاخيرة التي بقيت له على كرسي السلطنة؟
ان اللعبة الانتخابية في الشرق الاوسط تعاني من عيب واحد. الاقتراع كوسيلة حديثة للحكم، يخضع لحسابات ما قبل الحداثة السياسية.
وداخل الساحة الشيعية التي شهدت انتخابات كاملة بلا تأجيل كالذي حصل في نظيرتها السنية، يقف فريق "شيعة ضد الحرب" متفوقا بمقاعده على أمة "ما ننطيها" بشكل واضح. اي ان في وسع الصدر والحكيم وباقي معارضي التصعيد مثل التيار المدني ومرشحي مجموعات النفوذ المستقلة ورجال الاعمال الساخطين، ان يبدأوا تصحيحا للمسار داخل الحكومات المحلية. اربع اعوام مرت على المحافظات سارت فيها الامور بمنطق الاخضاع وضيعت فرص التقدم، وجرى خلط الخدمي بالسياسي، كما تم ابتلاع كل شيء تقريبا من مديريات ومخصصات وحق صناعة القرار.
التصحيح ليس مجرد امر منطقي، بل يمكن ان يبدد اليأس من امكانية التغيير، ويشجع الناخبين الذين قاطعوا الصناديق، على الذهاب الى انتخابات ٢٠١٤ بأمل تقدم بات هناك ما يشجعه.
لكن "شيعة ضد الحرب" يدركون انهم في مواجهة حكومة مركزية استولى عليها طرف واحد. وهذا الطرف اذا ما تعرض لتقليم اظافر قاس، فسيتفاقم جنونه ويدخل مثل "فيل في دكان فخاريات" حسب التشبيه المفضل لدى الكواكبي، ويقوم بإدخال الجميع في حفلة "تكسير" رهيبة لكل شيء. لذلك وبدل ان تكون مفاوضات تشكيل الحكومات المحلية، فرصة لتصحيح سياسي وإداري وصناعة بديل عن النموذج الفاشل في عشرات المدن، فإن التفاوض سيظل محاولة "ضبط للنفس" ومساومات حذرة، ندفع ثمنها جميعا، وتهدر جزءا اساسيا من معنى المكاسب الديمقراطية. وفي هذا شيء من خسارة فرص المراجعة التي تكبدها الجميع عام ٢٠١٠.
ولذلك يقول العارفون ان "التغيير" سيبقى هادئا نسبيا في الحكومات المحلية، رغم ان "امة ما ننطيها" ستتكبد خسارات واضحة، وعلينا الانتظار حتى اقتراع ٢٠١٤ كي نرى مزيدا من التقدم في محاصرة ذلك الفريق السياسي المتسرع والمتهور والذي لم يعد مورد ثقة احد.
ان اللعبة الانتخابية في الشرق الاوسط تعاني من عيب واحد. الاقتراع كوسيلة حديثة للحكم، يخضع لحسابات ما قبل الحداثة السياسية. هناك دوما دبابة تتحرك حول صندوق الناخبين وترمق النتائج بحذر. وهناك دوما احكام قضائية يمكن ان تستصدر في اي لحظة للاطاحة بأرفع المحاربين هامة وقامة. ومافيات بيضاء وسوداء يمكنها استخدام اخطر انواع الفيتو.
هنا يواجه السياسي في بلادنا مأزق التوفيق بين حسابات الحداثة السياسية ومفاهيم انتقال السلطة ليبراليا، ومخاطر الارث السلطاني في حكم البلدان، بقواعد القرون الوسطى، حيث لا اخلاق تفاوضية ولا خطوط حمراء.
فبلداننا ظلت عالقة بين خيارات الحداثة السياسية، وإرث الاخلاق السلطانية المليء بالقسوة، ان الحداثة لم تقنع نخبتنا بعد بقواعد عمل مشترك علمي مصممة بعناية لنحتكم إليها ونؤمن بها. وتراث السلاطين العتيق لم يعد قادرا على حماية نفسه في عالم متحول يتغير بسرعة.
اننا فيما يشبه العراء، سنظل دوما نتحرق للتغيير الكبير، وسيظل الحذر من المجانين الممسكين بالسلاح والقوة، عامل ابطاء لتاريخ التحول، كما هو منذ احلام مصلحي الشرق في القرن ١٩.