شمس غربت قبل الشروق
(قصة حقيقة وقعت في محافظة البصرة في العراق)
قد يتساءل الانسان كم حرفا نملك اليوم عشرين وبضع حرف
وقد يتساءل كم لهذه الحروف من كلمات معبرة صادقة مبحرة في عالم الاحساس
وقد يتساءل الانسان بين وبين نفسه كيف لهذه الكلمات احيانا ان توجع قلبا تنزف جرحا ودما ودمعا وروحا واحساسا و.....
كل هذا الكمات من حروف قليلة
تمر هذه الاسئلة في بالي كثيرا وكثيرا فما وجدت لها من جواب
الا
ذات صباح
اذ افقت من نومي على بكاء طفل صغير واي بكاء
صك اذاني ومزق كل حجب العقل
ودخل شغاف القلب بدون اذن
ولا طرق ابواب الروح
وحط رحاله في وطن احساسي ومحبتي ووجداني
ركضت بلا وعي بلا هدي بلا دليل بلا سبيل
كيف لا ادري
ما السر لا اعرف
ما الغريب لا مجيب
الا شئ في داخلي جرني نحو ذاك البكاء
وكانه ليس بكاء
كانه انشودة عذبة ما اعذبها
اغنية صافية نقية رقية كثر طالبها
عزفتها اوتار روح صادقة لتصدح بنشيد الاخوة المقدس
امي
امي
امي
ما الخبر
ماذا جرى
خبرني على قلبي يسكت عن هيجانه
خبريني علني ارقد مما احتلني وحواني
خبريني عن شئ ما علمته قبل اليوم احتوش سمعي واذاني وعيني
وقلبي وروحي وكل كياني
اماه
تبسمت
امي تبسمت
الحمد لله اي بسمة هي بسمة امي كان ثغر الكون لي تبسم
اي بسمة بسمة امي هي الامن
هي للجرح بلسم
رفعته بين يديها الحانيتين
طفلا صغيرا
احتواه القماط
صرخت بلا صوت
صحت بلا حركة لسان
بلا نطقها الوجدان
اخي
اخي
اخي
اول مرة اقولها في حياتي
يا الله
يا الله
يا الله
ما اعظم لطفك وحنانك
ما اعظم رحمتك وغفرانك ونعمك
اي رب مثل ربي الله
أي رب مثل ربي الله
كررتها وكررتها و كررتها
فما كلت الروح
وما مل الجسد
وما بطئ اللسان
أي رب مثل ربي الله
مرت الايام وكان اخي يسرق قلبي كل يوم اكثر واكثر
ياخذ روحه معه وان كنت بعيدا
صار عقلي معه............ اخي
صارت روحي معه ....... اخي
وسرى نسيمه في سماء دنياي يطفئ لهيب الصيف المحرق
وبان نور شمسه في دنياي ليطرد شيئا فشيئا
رويدا رويدا
ذاك الظلام القابع في وطني
لتتفتح مع هذا النور ازهار قلبي
ليفوح عطرها في كل ذرة من ذراتي
لتعلوا الاشجار وتنمة الثمار ويكثر الخضار
وتفرح من قلبي الديار حيث
الاطفال تلعب هنا وهناك
تركض تمرح
تجرح ولا تبكي لسرورها
تدمع فرحا عيونها لا من حزنها
وكان ارض الاعاجيب الطيبة نمت مع نمو اخي
كبرت معه شطئاني وبحاري وعذبت انهاري
وامطرت دنياي بمطر الغوث بعد سنين عجاف
وداعبت امواج بحري الهادئة خدود شطئاني حنانا ولطفا ولينا
فاذ
هبت ريح عاتية سوداء مظلمة باعاصيرها تقلع شجري وتطشر ثمري
تدهس كل خضري
وتمزق وردي وزهري
امي .... امي ...... امي
ركضت نحوها وقلب البنت نحو امه دائما يركض
صرخت
امي...امي.....امي
ماهذه الريح ... ماهذه العواصف ... ماهذه الاعاصير
قالت
ان اخيك مريض
ويلاه
ويلاه
ويلاه
اخي مريض
وجعي متطاول الان لا نهاية له
وجعي يمزق حلمي يجز نحره
وجعي يهدم وطني ويجفف انهره
وجعي يمزق جسدي يفرك ظهره
نزلت رغما عن ارادتي
امي
خذي دمي لاخي
خذي روحي ولا يبكي
فان بكاءه يمزقني
فان دمعته تحرقني
فان اه تذبحني
ويلي
ركضت امي للطبيب
جلست بباب البيت انتظر
الى القادم من بعيد انظر
الى المجهول فرحا استبشر
طاش العقل حار الفؤاد
تاخرت امي ودمع العين سيال
تاخرت امي وضاع مني كل بال
تاخرت امي
رفعت يدي يارب
يارب الذي ليس لي رب سواه
يارب
شافي اخي
ولاح طيف امي وهي تسير ثقيله
كان جبال الارض حطت على راسها
تسير وهي مذهولة
الحجر الصغير يعثرها
رجلاها مقيدتان الى الارض
ارى عينيها قد علاها ظلام الحزن
ارى يدهان ترتجفان رجفة من عمره الدهر
ركضت
تعثرت
طحت على الارض
انهطرت
لا ارى الا اخي
لا ارى العثرة
لا ارى الشجرة او السدرة
لا ارى الكون بارضه او بحره
اخي
وحار قلب امي
بين بكاءها على اخي
او
صمتها خوفا على قلبي
حيرة واي حيرة
واي قلب
هو قلب امي
واي روح هي روح امي
ومرت الايام
تحسنت حالة اخي
عادت الى شفاه امي الذابلات بسمة
واي بسمة
مشوبه بحزن خفي
يخوطها الحزن يمينا وشمالا
خوفا على اخي
وعاد اخي الى مرضه
يأن
يبكي
جلست عند راسه ارقب امي وهي تضعها في حضنها الحنون الملائكي
مال اخي براسه الى الشمال
وكان الكون اهتزت فيه الجبال مرة واحده
مال براسه اخي الى اليمين
وكان هاجت ماجت وهي تقول لا لن استكين
من الصباح الباكر
امي ..... ابي
سارعا لاخذه الى البصرة حيث الاطباء افضل العلاج افضل
المستشفيات افضل
وعدت الى الباب
جلست انتظر اترقب
عله ياتي طارش منهم يخبرني
عله خبر لروحي الفزعة يسكنني
عله وعله وعله
مرت الساعات
واي ساعات
كان الدقيقه فيها سنين وسنين
وكان الانتظار صارلابد الابدين
وكان الطريق صارمن الاميال الملايين
وكان روحي ذهبت وبقي الجسد على الباب مسكين
من بعيد
مر طيف ابي لوحده بلا امي بلا اخي
أه ه ه ه ه ه ه ه
صرخت الروح قبل اللسان
ابي اين ابن والدي
اي ابن والدي
اخي
مر بيده الحنونه على شعري
قال بنيتي في المستشفى ليكمل العلاج
خبرني اي
قال خيرا بنيتي
يكمل العلاج ويعود
ومعه امك ترعاه
ليلة في العمر واي ليلة
اول مرة يبتعد اخي عن ناظري
ومر الحزن لا بل سكن دياري وخاطري
خيم في وجداني لا بل اعتمر سري وجاهري
ونزلت الدموع سيلانا في تلك الليلة في فراشي
بللت خدودي
ليتني مت قبل هذا
ليتني كنت انا من به مرضك
ليتني انا التي اتوجع
ليتني انا ,,, ليتني انا ,,,ليتني انا
غفوت مع هذه الكلمات
في الصباح الباكر
واي صباح
جاءت امي خالية الا من همها وغمها
رجعت امي بلا طفلها وحدها
صرخت امي امي امي
اين
اخي اخي اخي
فلذه كبدي ..روحي.. جسدي
فزع ابي
وقبل ان يسال
اجابت امي
ان اخي قد مات
حتى ضربت على راسي
حتى نفشت شعري
حتى لطمت خدودي
حتى علا صراخي
حتى رجف قلبي تمزقت اوصالي
وحتى وحتى
ابي كيف
وصمت رهيب خيم في الوجود
امي خبريني
اي يد اثمة غادرة مزقت فؤادي
اي يد اثمة غادرة مزقت حشا القلب والروح
انها
الحاضنة
صعق الجميع
صمت خيم في الوجود ولا حركة
اي حاضنة
اين المرض اي الالم اين الدواء اين الاطباء
الحاضنة قالتها امي والحزن يتناثر من فوقها
الحاضنة احرقت ابني
قالتها امي ممزقة الفؤاد والوجدان ممزقة الروح والكيان
مهدمة الاركان ضائعة في اللااكوان
حيث الضياع بلا قاع
حين اللاقرار بلا استقرار
ان الحاضنة التي وضعوا بها اخي كانت عاطلة فعلت حراراتها متسارعة
لتحرق اخي وتحرقني وتحرق كل فرحي وسروي
لتسلب روحي قطرة قطرة مع كل انة وانة
مع كل صرخة علت مع بكاءه مستنجدا بامي
وجدران الحاضنة الضعيفة تسجنه تحجبه تجره الى قيعان الموت بلا حياة
كانها جدران فولاذ بعمق البحر بطول عمر بسمك الجبال
خفت صوتهرويدا رويدا ضاع بكاءه مع امواج الاثير شيئا فشيئا
رمق امي بنظرة وداع اخير كانه يقول
امي قبلي لي اختي الحنونه
امي ودعي لي اباي
امي القاك غدا يوم الحشر
ساعد الله قلبك سيدي ومولاي ابا عبدالله وابنك الرضيع عبدالله مذبوح بين يديك ممزقا قماطه قائلا ابي يا حسين
ابي يا حسين كلنا فداءا لك يا ابي يا حسين
رضيعا كنت كبيرا صرت فديتك سيدي بالروح والجسد
مزقه قماطه حضن ابيه من رقبته
وداعا ابديا الى يوم الحشر
ساعد الله قلبك سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء
ساعدالله قلبك يا رسول الله
ساعد الله قلبك امير المؤمنين علي بن ابي طالب
ساعد الله قلبك سيدتي ومولاتي زينب
ركضت امي لتصيح للممرضات
صرخت وصرخت وصرخت
ولا مجيب الا العبث والاهمال
اي اهمال اي عبث اي استهانه اي لا مبالاة
لطبيب او ممرض او مسؤول
يهمل شيئا بسيطا في نظره ولكنه كبيرا في الاخرين
سنكتب ما قدموا واثارهم
ومذ ذاك اليوم مرت سنين وسنين وسنين
وكبرت
ولكن بقي صوته في كل اركان البيت
بكاءه يمزق اذني
صداه يجلب معه الاه
لن انساه لن انساه لن انساه
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
كتبتها هدى المالكي
احدى طالبات قسم اللغة العربية
حررها حميد الغانم