|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 24054
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 78
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
حسن الروح
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بتاريخ : 16-04-2009 الساعة : 11:55 PM
تجربة حكم
علي بن أبي طالب عليه السلام
طريقة وصوله عليه السلام إلى الحكم:
انشق الحزب القرشي الحاكم على نفسه أيام عثمان ، واستحكم الانشقاق سنة 27هجرية ، بسبب إيثار عثمان أسرته بني أمية بالولايات والأموال ، وبسبب سوء ولاته منهم .
وكان المتذمرون من الحزب القرشي الحاكم يحرضون الناس على عثمان وفيهم رجالات ووجوه بارزة أمثال :
عبد الرحمن بن عوف ،
وطلحة ،
والزبير ،
وعائشة ،
وعمرو بن العاص ، وغيرهم .
وتصدعت سيطرة السلطة القرشية في المنع من نشر الأحاديث النبوية ، لأن القرشيين المتذمرين أنفسهم أخذوا ينشرون بعض كلمات النبي صلى الله عليه وآله في عثمان وبني أمية.
اغتنم الإمام علي عليه السلام فرصة تصدع الحزب القرشي الحاكم وانشقاقه ، فتحرك بشكل سلمي وعلني لإحياء سيرة النبي صلى الله عليه وآله وأحاديثه وتجربته في الحكم التي تحفظ التعددية في الرأي ولا تفرض راياً واحداً على الناس ، وتثقيف الأمة بالمواد القانونية والحقائق التاريخية والأحاديث النبوية التي منعت حكومة قريش من نشرها .
وكان للعراقيين وجودٌ بارزٌ ومؤثرٌ في حركة علي عليه السلام هذه ، ومنهم وجوه بارزة أمثال :
مالك الاشتر ،
وحجر بن عدي ،
وكميل بن زياد،
ونظرائهم ، إلى جنب صحابة بارزين ومسلمين أوائل أمثال :
أبي ذر ،
ومقداد ،
وعمار ،
وغيرهم ، الذين نال البعض منهم أذى كثيراً بل النفي أحيانا من قبل السلطة القرشية بسبب ذلك.
انتهت حركة المتذمرين من قريش على عثمان بقتله في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة على يد طلحة بن عبيد الله التيمي (1) ، وكانوا يتوقعون أن يبادر الناس إلى بيعة واحد منهم . ولكنهم فوجئوا بانصراف الناس إلى بيت علي عليه السلام يطلبون منه البيعة.
ولبّى الإمام علي عليه السلام طلبهم بعد إصرارهم وواعدهم في المسجد لتكون بيعته على مرأى ومسمع من كل الناس قائلاً لهم (2): (إن بيعتي لا تكون خَفْياً ، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين وفى ملأ وجماعة)، ولم يُكرِه احدا على البيعة (3).
وكانت فرحة الناس شديدة يوم بايعوه في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 هجرية (4).
وكانت فرحتهم أشد يوم سمعوا قوله في خطابه عليه السلام الأول : (أنا متبع ولست بمبتدع) ، حيث أدركوا أنهم أمام دولة القانون الذي جاء به محمد عليه السلام ، وليسوا أمام اجتهادات وآراء شخصية ، كما أدركوا أنهم أمام حكومة تقوم على بيعة الشعب باختياره لمن ينص عليه القانون(5).
مبادئ سياسته عليه السلام في الحكم :
أعلن علي عليه السلام في اليوم الأول عن سياسته التي يتبناها وهي:
- اتباع القانون الذي آمن به الناس تبعا لما جاء به محمد صلى الله عليه وآله ، وكان علي عليه السلام يقول: (منهج باقٍ عليه الكتاب والسنة وآثار النبوة) (6) ، (انا متبع ولست بمبتدع) (7). ثم طلب من الصحابة أن ينشروا كل ما يعرفون من الحقائق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله ، وكان عليه السلام يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وآله يومياً صباحاً ومساءاً.
ـ إن سلطة الحاكم مدنية شعبية ، بمعنى أنها تقوم بقدرات الناس وباختيارهم ، ومن هنا حث الإمام علي عليه السلام الناس على مراقبة الحاكم ومحاسبته ، ليتدربوا على ذلك حين يكون الحاكم غير معصوم ولينكروا عليه عند مخالفته القانون ، (انظروا فإن أنكرتم فأنكروا ، وإن عرفتم فآزروا. حق وباطل ، ولكل أهل ، ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء) (8).
ـ إن البيعة لا تؤخذ بالإكراه.
ـ إن الناس سواسية أمام القانون.
ـ إن المواقع العليا في المجتمع لفقهاء القانون الأمناء عليه الكفوئين في تطبيقه الخبراء بمصالح الناس ، وليس لفئة خاصة من الناس.
ـ إن الكفالة الإجتماعية شاملة لكل الناس بغض النظر عن دينهم أو موالاتهم لشخص الحاكم وارائه.
ـ إن حرية الرأي ترجع إلى ما كانت عليه زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولا يعاقب من يحمل رأيا مخالفا للدولة ما لم يحمل سلاحاً ليفرضه على الآخرين (9).
ـ وأن الفئات تنعم بالعدل في ضوء القوانين العامة وفي أحوالها الشخصية تحكمها قوانينها الدينية الخاصة بها:
(لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول: يا رب إنَّ عليا قضى بين خلقك بقضائك).
انعكست هذه السياسة على العراقيين وشهدوا تطبيقاتها الرائعة حيث عاش علي عليه السلام بين ظهرانيهم أيام حكمه:
شهدوا منه سكوته عن الخوارج حين استغلوا سماحه لكل مواطن أن يعبر عن رأيه فانطلقوا في عاصمة الدولة / الكوفة / يشوِّشون عليه(10) ويخطِّئون مواقفه ، ولم يخرج عن سياسته هذه معهم إلا بعدما حملوا السيف لفرض ارائهم بالقوة ، وبعد أشاعة حالة الإرهاب وقتل المواطنين الابرياء(11). حيث تصدى لحربهم وتخليص المجتمع من شرهم.
وشهدوا منه عليه السلام أيضا دأبه وحرصه على تثقيفهم رجالاً ونساءاً بالقانون وبحقوقهم كمواطنين (12).
وشهدوا منه تشجيعا لهم على السؤال عن الصغيرة والكبيرة في المعارف المختلفة وكان يحثهم على كتابة ذلك كله (13).
ثم شهدوا منه عدلاً رائعا في الحكم (14).
وعدم العقوبة على التهمة والظن (15).
وتقسيم المال بالسوية (16).
وكفالة العاجز ولو كان غير مسلم (17).
وسيرته الشفافة إزاء المواطنين في جمع الضرائب (18).
وسيرته الشفافة في تاديب الجاهلين (19).
وسيرته المبدعة في إنشاء بيت الشكاوى للمحافظة على عزة وكرامة المواطن (20).
وشهدوا منه أيضا رعاية حقوق الحيوان بما لا يخطر على بال أحد اليوم (21).
ثم شهدوا منه سيرته المتميزة في نفسه زهداً وورعاً وعبادة.
______________________
(1) ولهذا السبب قتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم غيلة في حرب الجمل ، مع أنهما في معسكر واحد ضد علي عليه السلام ، قال ابن حجر في الإصابة 3/523 : طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أحد الستة أصحاب الشورى . روى بن عساكر من طرق متعددة أن مروان بن الحكم هو الذي رماه فقتله . وأخرج أبو القاسم البغوي بسند صحيح عن الجارود بن أبي سبرة قال: لما كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم فنزع له بسهم فقتله. وفي الطبقات الكبرى في ترجمة طلحة: روى عن روح بن عبادة قال أخبرنا عوف قال: بلغني أن مروان بن الحكم رمى طلحة يوم الجمل وهو واقف إلى جنب عائشة بسهم فأصاب ساقه ثم قال: والله لا أطلب قاتل عثمان بعدك أبدا. وفيه أيضا قال محمد بن سعد أخبرني من سمع أبا حباب الكلبي يقول حدثني شيخ من كلب قال سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه هو الذي قتل طلحة ما تركت من ولد طلحة أحداً إلا قتلته بعثمان بن عفان . وفي تهذيب التهذيب 5/19 بترجمة طلحة قال ابن حجر: وقال الحميدي في النوادر عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن أبي مروان قال: دخل موسى بن طلحة على الوليد فقال له: الوليد ما دخلت علىَّ قط إلا هممت بقتلك لولا أن أبي أخبرني أن مروان قتل طلحة ، وقال أبو عمر بن عبد البر لا تختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة.
(2) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 9 ص 196. وهذا نظير قوله لعمه العباس لما عرض عليه أن يبايعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في مجموعة خاصة قال له إني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج وأحب أن أصحر به.
(3) نعم قاتل معاوية فيما بعد لانه لم يسلم ما بيده وكان على معاوية اذا لم يكن من رأيه ان يبايع مع وجوب ذلك عليه أن يعتزل لا أن يحتفظ بما عنده من ولاية وأموال المسلمين.
(4) قال عليه السلام يصف حال بيعته: (وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهِيم على حياضها يوم وِردها ; حتى انقطعت النعل ، وسقط الرداء ، ووطئ الضعيف ، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب.) (التداك الازدحام الشديد. والإبل الهِيم: العطاش. وهدج إليها الكبير: مشى مشياً ضعيفاً مرتعشا ، والمضارع يهدج بالكسر ، وتحامل نحوها العليل تكلف المشى على مشقة. وحسرت إليها الكعاب: كشفت عن وجهها حرصاً على حضور البيعة ، والكعاب: الجارية التى قد نهد ثديها ، (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 13 ص 3.).
(5) وكان جزء هذا القانون هو أن علياً واحد عشر من أهل بيته عليهم السلام أئمة هدى أوصياء للنبي صلى الله عليه وآله. لهم ما له صلى الله عليه وآله من العلم واختصاص الحكم بهم إلا النبوة والأزواج.
(6) شرح نهج البلاغة ج2/56.
(7) شرح نهج البلاغة 1/275.
(8) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 1 ص 276. أقول: وعلي عليه السلام يقول هذا مع أنه من أهل البيت الذين يقول عنهم في الخطبة نفسها في مقام آخر (انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا) (ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرناومعنا راية الحق ، من تبعها لحق ، ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم) إن هذا القول منه عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام ، ليبين مقامهم الإلهي وكونهم شهداء على الناس في بيان القانون وأنهم معصومون في بيانه وعلى الرغم من أنهم معصومون في تطبيقه أيضا الا انه عليه السلام يريد أن ينبه الأمة إلى حقيقة أن القدرة السياسية للحاكم حتى لو كان معينا بشخصه من الله ورسوله إنما هي ناشئة من بيعة الناس فهي مدنية وليست إلهية بمعنى أنَّ تنفيذ القانون إنما هو بقدرات الناس وليس بقدرات إلهية خارقة ، ومن ثم يريد أن يربّي الأمة على مراقبة الحاكم بصفته أمينا على قدراتها ويكسبها تجارب ناجحة ، لتستفيد منها حين يكون الحاكم من غير الاثني عشر من أهل بيته عليهم السلام ، لأن قضية الحكم مفتوحة وغير مقيدة بعدد معين بخلاف الإمامة الإلهية فهي محصورة بعد النبي صلى الله عليه وآله بعدد محدود وفي أسرة معينة مضافا إلى أن الإنسان في موقع الحكم مهيأ أكثر من أي موقع آخر لأن يسيء استعمال القدرات التي بين يديه أو يسخرها لأهوائه وقد نجح علي عليه السلام في تربيته هذه بشكل لم يملك نفسه معاوية حين كان يواجه من وفود العراقيين رجالاً ونساءاً فقها وجرأة على مناقشته في أمور الحكم يقول: (هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا) (لقد لـمَّظكم علي الجرأة على السلطان وبطئ ما تفطمون).
(9) أبرز مثال لهذه السياسة قصة حج التمتع وصلاة التراويح ، فإن فتوى الخليفة الثاني كانت تحريم متعة الحج وتأسيس جماعية صلاة النافلة في شهر رمضان ، مع أن متعة الحج مما أمر به القرآن والرسول صلى الله عليه وآله ، أما صلاة التراويح فقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها ، ولما عرَّفهم علي عليه السلام بتلك الحقيقة وأنه ليس لأحد الحق في تجاوز أمر النبي صلى الله عليه وآله ونهيه ، بقي جماعة ممن يرى أن الخليفة له الحق في سن السنن ولو كانت مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يستعمل علي عليه السلام معهم القوة بل تركهم وما يعتقدون ما دامت القضية ترتبط بسلوك فردي أو سلوك جماعي محدود ليس له أثر في بلبلة النظام.
(10) روى أنس بن عياض المدني ، قال: حدثنى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن أبيه عن جده أن عليا عليه السلام ، كان يوماً يؤم الناس ، وهو يجهر بالقر اءة ، فجهر ابن الكواء من خلفه: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ، فلما جهر ابن الكواء وهو خلفه بها سكت علي عليه السلام ، فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام ، فأتم قراءته ، فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك الآية ، فسكت علي عليه السلام ، فلم يزالا كذلك يسكت هذا ، ويقرأ ذاك مرارا ، حتى قرأ علي عليه السلام: (فاصبر إنَّ وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، فسكت ابن الكواء ، وعاد إلى قراءته. (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 2 ص 311).
(11) أفسد الخوارج على علي عليه السلام أجواء الكوفة مدة سنة ونصف تقريباً ، حين انتشروا في الكوفة بعد رجوعهم من حرب صفين يخطئونه وهو لا يستعمل قدرته بصفته حاكماً في ردهم ، وإنما يقابل ذلك بالحجة والموعظة الحسنة حتى بدأوا يقتلون الأبرياء ممن هم على خط علي عليه السلام: أمثال عبد الله بن خباب بن الأرت. روى ابن ديزيل في كتاب صفين قال : كانت الخوارج في أول ما انصرفت عن رايات علي عليه السلام تهدد الناس قتلا ، قال : فأتت طائفة منهم على النهر إلى جانب قرية فخرج منها رجل مذعورا آخذاً بثيابه فادركوه فقالوا له : رعبناك ، قال : أجل فقالوا له : قد عرفناك أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال : نعم ، قالوا : فما سمعت من ابيك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله. فحدثهم: (أن طائفة تمرق من الدين كما يمرق السهم من الرميه يقرءون القرآن صلاتهم أكثر من صلاتكم) ، فضربوا رأسه فسال دمه في النهر ما أمذقر أي ما اختلط بالماء كأنه شراك ، ثمَّ دعوا بجارية له حبلى فبقروا عما في بطنها (شرح نهج البلاغة ج2/269-271). فلما تورطوا في الدماء تصدى لقتالهم.
(12) قال الباقر عليه السلام : كان عليّ عليه السلام إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس ، فيعلّمهم الفقه والقرآن ، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك (شرح نهج البلاغة : 4 / 109 عن أعين ; بحار الأنوار : 41 / 132 ). وروى العباس بن بكار الضبي في كتابه الوافدات على معاوية / 39 ، في قصة وفود عكرشة بنت الأطش على معاوية في سنوات الصلح والأمان انه لما رأى منها فقهاً في خصوص موارد صرف الصدقات والضرائب إضافة إلى ولائها لعلي عليه السلام قال: هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي بن أبي طالب فلن تطاقوا. وكان يأمر ولاته بتعليم الناس . أيضا: الإمام علي عليه السلام من كتاب له إلى قُثَم بن العبّاس ، وهو عامله على مكّة : أمّا بعد ، فأقم للناس الحجّ ، وذكّرهم بأيّام الله ، واجلس لهم العصرين ، فأفتِ المستفتي ، وعلِّم الجاهل ، وذاكر العالم (نهج البلاغة : الكتاب 67 ، بحار الأنوار : 33 / 497 / 702 ).
(13) روى الأزرقي عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يخطب على المنبر وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به ، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل . وروى ابن جرير الطبري بسنده عن أبي الطفيل قال: سمعت علياً عليه السلام يقول : لا تسألوني عن كتاب ناطق ولا سنة ماضية إلا حدثتكم . وفي رواية أبي الصهباء : لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته فقام ابن الكوا فسأله عن (والذاريات ذروا) ، قال: الرياح . وروى ابن عدي عن عامر بن واثلة قال: خطب علي بن أبي طالب عليه السلام في عامة فقال: يا أيها الناس إن العلم ليقبض قبضا سريعاً وإني أوشك أن تفقدوني فسلوني فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها وفيما أنزلت وأنكم لن تجدوا واحداً من بعدي يحدثكم . وكان عليه السلام يصعد المنبر ويقول: من يشتر مني علماً بدرهم فسئل كيف ؟ قال تشترِ قرطاساً وتجلس تحت المنبر تكتب الحديث.
(14) قال الإمام الباقر عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر قنبر أن يضرب رجلاً حدّاً ، فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط ، فأقاده علي عليه السلام من قنبر ثلاثة أسواط. وقال عليه السلام: إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بالحق ، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. وقال عليه السلام: أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلاّ مجلوداً في حدّ لم يتُب منه ، أو معروف بشهادة زور ، أوظنين (أي مُتَّهم في دينه ; فعيل بمعنى مفعول ، من الظُّنّة : التُّهَمة) .
(15) روى الطبري 5 / 13 عن جندب : لمّا بلغ عليّاً عليه السلام مصابُ بني ناجية وقتلُ صاحبهم ، قال : هوت اُمّه ! ما كان أنقصَ عقلَه ، وأجرأه على ربّه ! فإنّه جاءني مرّة فقال لي : في أصحابك رجال قد خشيتُ أن يفارقوك ، فما ترى فيهم ؟ فقلت له : إنّي لا آخذ على التهمة ، ولا اُعاقب على الظنّ، ولا اُقاتل إلاّ من خالفني وناصبني ، وأظهر لي العداوة ، ولستُ مقاتلَه حتى أدعوه وأعذر إليه ، فإن تاب ورجع إلينا قبلنا منه ، وهو أخونا ، وإن أبى إلاّ الاعتزام على حربنا استعنّا عليه الله ، وناجزناه .
(16) روى ابراهيم الثقفي: عن أبي إسحاق الهمداني: أن امرأتين أتيتا علياً عليه السلامعند القسمة إحداهما من العرب والأخرى من الموالي ، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكراً من الطعام ، فقالت العربية : يا أمير المؤمنين إني إمرأة من العرب وهذه المرأة من العجم ؟ ! فقال علي عليه السلام إني لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق.
(17) عن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام : مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هذا ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نصراني! قال : فقال أمير المؤمنين(ع) : أستعملتموه ، حتى إذا كبر وعجز منعتموه ؟ ! أنفِقوا عليه من بيت المال (تهذيب الأحكام : 6 / 293 / 811 ).
(18) روى الكليني في الكافي 3/540 عن مهاجر عن رجل من ثقيف : استعملني علىّ بن أبي طالب عليه السلام على بانِقيا وسواد من سواد الكوفة ، فقال لي والناس حضور: انظر خَراجك فَجِدَّ فيه، ولا تترك منه درهماً ، فإذا أردتَ أن تتوجّه إلى عملك فمُرّ بي . قال : فأتيتُه ، فقال لي : إنّ الذي سمعتَ منّي خدعة ، إيّاك أن تضرب مسلماً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً في درهم خراج ، أو تبيع دابّة عمل في درهم ، أورزقاً يأكلونه ، ولا كسوة شتاء ولا صيف. وفي رواية السنن الكبرى قال : قلتُ : يا أمير المؤمنين ، إذاً أرجع إليك كما ذهبتُ من عندك ! قال : وإن رجعتَ كما ذهبتَ ، وَيحك إنّما اُمِرنا أن نأخذ منهم العفوَ ـ يعني الفضل. ايضا تاريخ دمشق : 42 / 487 ، اُسد الغابة: 4 / 98 / 3789. (بانقيا : ناحية من نواحي الكوفة (معجم البلدان : 1 / 331).
(19) روى ابن أبي الحديد في شرح النهج قال: كان علي عليه السلام في السوق ، وأقبلت السماءُ بالمطر ، فدنا إلى حانوت ، فأستأذن ، فلم يأذن له صاحب الحانوت ودفعه ، فقال : يا قنبر ، أخرجه إليّ ، فعلاه بالدرّة ، ثمّ قال : ما ضرَبتُك لدفعِك إيّاي ، ولكنّي ضربتُك لئلاّ تدفع مسلماً ضعيفاً فتكسر بعض أعضائه فيلزمك .
(20) قال في صبح الأعشى : كان أوّل من اتّخذ بيتاً تُرمى فيه قِصَص أهل الظلامات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . وكان عليه السلام يقول لأصحابه: من كانت له إليّ منكم حاجة ، فليرفعها في كتاب ، لأصون وجوهكم عن المسألة. (العقد الفريد : 1 / 203) .
(21) وكان عليه السلام يوصي عمال صدقاته بوصية مفصلة آخرها: ولا تأخذنّ عَوداً ، ولا هَرِمة ، ولا مكسورة ، ولا مهلوسة ، ولا ذات عوار ، ... ثمّ احدُر إلينا ما اجتمع عندك نُصيِّره حيث أمر الله به . فإذا أخذها أمينُك فأوعز إليه ألاَّ يَحولَ بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يمصُر لبنها فيضرّ ذلك بولدها ، ولا يَجهدنّها ركوباً ، وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها ، وليُرفِّه على اللاغب . وليَستأنِ بالنَّقِبْ والظالِع ، وليوردها ما تمرّ به من الغُدُر ، ولا يَعدِل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرقِ ، وليُروِّحها في الساعات ، وليُمهِلها عند النِّطافِ والأعشاب ; حتى تأتينا بإذن الله بُدّنا مُنقِيات غير مُتعَبات ولا مَجهودات ، لنقسمها على كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله ; فإنّ ذلك أعظم لأجرك ، وأقرب لرشدك ، إن شاء الله ) شرح المفردات. (والعود: المسن من الابل ، والهرمة: المسنة أيضا ، والمهلوسة: المريضة قد هلسها المرض وأفنى لحمها ، والهلاس: السل. والملغب: المتعب ، واللغوب: الاعياء. وحدرت السفينة وغيرها - بغير ألف أحدرها بالضم. وقوله عليه السلام: "ولا تمصر لبنها" المصر حلب ما في الضرع جميعه ، نهاه من أن يحلب اللبن كله فيبقى الفصيل جائعا، ثم نهاه أن يجهدها ركوبا ، أي يتعبها ويحملها مشقة ، ثم أمره أن يعدل بين الركاب في ذلك، لا يخص بالركوب واحدة بعينها ، ليكون ذلك أروح لهن ، ليرفه على اللاغب ، أي ليتركه وليعفه عن الركوب ليستريح. والرفاهية: الدعة والراحة. والنقب: ذو النقب ، وهو رقة خف البعير حتى تكاد الارض تجرحه: أمره أن يستأني بالبعير ذى النقب، من الاناة ، وهى المهلة. والظالع: الذى ظلع ، أي غمز في مشيه ، والغُدُر: جمع غدير الماء. وجواد الطريق: حيث لا ينبت المرعى. والنطاف: جمع نطفة ، وهى الماء الصافي القليل. والبدن بالتشديد: السمان ، واحدها بادن. ومنقيات: ذوات نقي ، وهو المخ في العظم ، والشحم في العين من السمن ، وانقت الابل وغيرهاسمنت وصار فيها نقي ، وناقة منقية ، وهذه الناقة لا تنقي. (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 51 ص 156).
|
|
|
|
|