من هي الطائفة الظاهرة على الحق إلى يوم القيامة؟
مصطفى الهادي.
قال صلوات الله عليه وآله: (لا تزالُ طائفةً من أمتي ظاهرينَ على الحقِ لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).(1)
وفي رواية البخاري قال : قال رسول الله (ص) : (لا يزال قومُ من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمرُ الله وهم ظاهرون).(2)
وفي حديث آخر لمسلم قال : قال رسول الله (ص) : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يأتي أمرُ الله تبارك وتعالى وينزلَ عيسى بن مريم عليه السلام).(3)
وقد اتفق الشيعة مع أهل السنة في رواية هذا الحديث فنقله المجلسي بحذافيره.(4)
هذا الحديث من الأحاديث المستفيضة المشهورة وقد نقله أكثر من عشرين صحابيا، وقد أجمع العلماء على أن هذا الحديث هو بشارة لهذه الأمة ببقاء واستمرار طائفة أو فرقة من بين ثلاث وسبعين فرقة وتبقى هذه الطائفة على الحق وتستمر إلى أن يظهر المهدي وينزل عيسى بن مريم عليهما السلام.
قبل معرفة من تكون هذه الطائفة لابد من تعريف كلمة (طائفة).
في قواميس اللغة فإن طائفة تعني : الجماعة والفرقة، وهم جماعة من الناس يجمعهم مذهب ديني لهم فلسفة واحدة وقيادة واحدة.وباختصار: جماعة، أو فرقة يجمع أفرادها مذهب واحد.(5)
هذه البشارة جعلت كل الفرق الإسلامية تتقاتل من أجل ان تكون هي من يشملها الحديث ابتداء من معاوية ابن ابي سفيان الذي بذل من الاموال ما بذل من اجل أن تكون الرواية في أهل الشام فوضعوا له أحاديث تقول بأن هذه الطائفة هم أهل الشام وإمامهم معاوية. ولكن الإمام النووي نفى وقال : أن هذه الطائفة هم أهل العلم. والإمام أحمد بن حنبل قال : (إنهم أهل الحديث ، وإلا فلا أدري من هم).(6) وقال القاضي عياض : هم أهل السنة والجماعة.(7)
وأقول وبناءا على ما نراه اليوم في حالة الغالبية العظمى من المسلمين وركضهم وراء اليهود والنصارى وتقاتلهم وتناحرهم وتآمر بعضهم على البعض ، فإن الطائفة الناجيةُ المنصورة ، إنما هي طائفة متمسكة بالإسلام الحقيقي، فتكون بما كان عليه النبي وآل بيته صلوات الله عليهم، لا تأخذها في الله لومة لائم وتستمر هذه الطائفة بالوجود والثبات من زمن النبي إلى ظهور المهدي ونزول عيسى حسب الرواية.
والمقصود ببقاء الطائفة أي أنها لا تنقرض بل تستمر من جيل إلى جيل آخر يخلفهم على نفس المنهج والولاء مهما غلت التضحيات. لا تنقسم ولا تتجزأ ، تستمر على مر العصور إلى قيام الساعة، يقوى بها الدين (لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال، وأرحام النساء،سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان).( وهذا مصداق قول العقيلة زينب سلام الله عليها. (فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا).
أما أهل السنة فهم يزعمون أن هذا الحديث نزل فيهم فهم الطائفة الباقية إلى يوم القيامة. ولكن هذا لا يصح من نواح كثيرة جدا.
فأولا : انهم اصبحوا طوائف ومذاهب شتى ولم يكونوا طائفة واحدة ابدا .
ثانيا: أهل السنة ينطبق عليهم حديث الرسول (ص) : (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من امتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان).(9)
يضاف إلى ذلك أن أهل السنة لم يكونوا يوما ظاهرين فقد تسببوا في ضياع ستة امبراطوريات كبرى ابتداء بالإمبراطورية الاموية ثم العباسية ثم الاندلس ثم العثمانية وهكذا كانت لهم دول ضاعت جراء فسادهم وصراعهم وتناحرهم فيما بينهم. ولم يكونوا ابدا طائفة منصورة بل معتدية كل الحركات الإرهابية ظهرت في اوساطهم.
يضاف إلى ذلك ركضهم المحموم وراء دول الكفر.مهزومين امامهم عسكريا و روحيا،وعلميا والغلبة دائما تكون لأهل الكفر عليهم كما نرى في سيطرة الانكليز والأمريكان والفرنسيين وغيرهم على مقدرات الكثير من دول أهل السنة. ناهيك عن تسبب اهل السنة بظلم اخوانهم المسلمين حتى اصبحوا يعقدون الاحلاف مع اليهود والنصارى ضد بعضهم البعض.وهذه هي اخطر قواعد الشر الأمريكي وغيره تملأ اراضيهم.وبات من المعروف أن قوى الشر الإمبريالية العالمية تسيطر عليهم سيطرة تامة وتقوم بتوجيههم نحو اشعال الحروب والتآمر على كل الدول الاسلامية الأخرى التي لا تقل تواطئا ايضا.
وأما ظهورهم السياسي فهو بإذن من سادتهم الغربيين واليهود.فمتى كان ظهور اهل السنة وغلبتهم وقد تهاوت جميع انظمتهم منذ الفجر الأول للإسلام وإلى هذا اليوم، وكراسيهم طافية على بحور من الدماء.
إن من أهم مصاديق هذا الحديث هو انطباقه على الشيعة دون سواهم. وذلك من خلال ظهورهم العلني بالحجة والمنطق المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وما ورد عن آل بيت رسول الله (ص) وأن بقائهم منذ رحيل رسول الله إلى هذا اليوم يُعد من المعاجز الكبرى على الرغم مما تعرضوا له من محن ومصائب تنوء بحملها الجبال.ولعل اقوى دليل على صدق هذا الكلام هو أن الحديث يقول بأنهم (مخذولون ، لا يضرهم من خذلهم). فهم مثل أئمتهم تعرضوا لضروب من المحن والبلاء ومحاربون من بقية المسلمين وقضوا اعمارهم مستضعفين في الأرض ما بين شريد وقتيل ومسجون وهذه مقابرهم الجماعية تملأ الأرض. يضاف إلى ذلك أن الظلم الذي وقع عليهم ، كان من الحكّام الظالمين بالتعاون مع مشايخ السوء ووعاظ السلاطين.
فمع هذا الخذلان والتضييق عليهم ومنعهم من اقامة شعائرهم وممارساتهم الدينية، وحرق كتبهم ومحاولة اقصائهم وتزييف تراثهم مع هذا الذي يحصل لهم فهم باقون صامدون (فرقة ظاهرة على الحق). بعكس أهل السنة من سلفيين ووهابيين ومذاهب أخرى يتنعمون بدعم السلاطين ويتلقون هبات السلاطين ويُلاقون دعم الزعماء والرؤساء والملوك وعلمائهم ومشايخهم محل عناية الحكام الظلمة الخونة. وكان منصب رئيس الافتاء العام وشيخ شيوخهم او ائمتهم يتم تعيينه من قبل الحاكم الظالم وإلى زمن انور السادات الذي أمر أن يكون منصب شيخ الأزهر بمثابة نائب وزير. فاحتج الشيخ عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر واعتكف في بيته وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض استلام راتبه ولم يخرج من بيته إلا بعد أن أصدر أنور السادات مرسوما يتم بموجبه معاملة شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء، فكان أول شيخ من شيوخ الازهر ينال هذا المنصب.
ان سنة الله التي جرت في خلقه أن تكون هناك فئة صالحة مستضعفة ، وفئة مستكبرة كافرة ، قال تعالى حاكيا عنهم : (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون ان صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون).(10) ففي كل الأديان يوجد فئة مؤمنة ، وأخرى كافرة.
ومنذ صدور حديث الطائفة الظاهرة على الحق وحتى عهد معاوية لم يسال أحدٌ عن معنى هذه الحديث ومن هي هذه الفئة الظاهرة وعلى ما يبدو أن المسلمين الأوائل كانوا يعرفوا من هي هذه الطائفة ولذلك لم يسألوا، إلى ان حل زمن الدولة الأموية حيث خاض علماء السلطة في ذلك محاولين سحب الحديث نحو معاوية ودولته.
أما في بيان هذه الطائفة فقد وردت عن طريق أهل السنة أحاديث كثيرة تُشير إلى (الشيعة) كفرقة او طائفة ناجية ، وحتى ألد اعداء الشيعة مثل ابن تيمية قال بذلك حيث وصفهم بالصدق.(11) والروايات في ذلك كثيرة اتفق فيها السنة والشيعة على ان الشيعة هم الفائزون بالجنة وقد جمعوا هذه الأحاديث فكانت سبعة وأربعين حديثا، وردت عن واحد وثلاثين طريقا عن ثلاث عشر صحابيا. وبذلك يحصل التواتر. ويجب علينا الاشارة هنا أيضا أن المذهب الشيعي ايضا انقسم إلى مذاهب انقرضاكثرها ولم يبق منها من حيث الأكثرية سوى الشيعة الإمامية الإثنا عشرية. وأما عن الفاسدين من الشيعة فإن ابناء أنبياء وزوجاتهم دخلوا النار بسبب أعمالهم المخالفة لشرع الله. ولكن عندما يتم قتل الشيعي لا لفساده بل لانتماءه كما يقول معاوية : (انظروا من كان على دين علي فاقتلوه واهدموا داره واقطعوا عطاءه).(12) فهذه مسالة فيها نظر.
ومما روي في ذلك عن زيد بن وهب قال : بينا نحن حول حذيفة إذ قال : كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم (ص) فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟ فقلنا : يا أبا عبد الله وان ذلك لكائن؟ فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان؟ قال : انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر علي فالزموها فإنها على الهدى).(13)
وعن أبي سعيد الخدري قال : نظر النبي إلى علي فقال : هذا وشيعتهُ هم الفائزون يوم القيامة).(14) وقد ورد أن كل الأنبياء وأوصيائهم كان لهم شيعة مثل شيعة موسى وهارون في التوراة وشيعة عيسى الناصري في الإنجيل (15) وقد ذكر تعالى ذلك فقال : (فاستغاثه الذي من شيعته).(16) أي من شيعة موسى ، وكذلك قوله : (فإن من شيعته لإبراهيم).
المصادر:
1- رواه مسلم في صحيحه حديث رقم : (1920).
2- رواه البخاري حديث رقم : (3640).
3- اخرجه أبو داود حديث رقم (2484) وكذلك اخرجه الامام أحمد حديث رقم (19851). وفي رواية : عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَقُولُ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَـنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ).() أخرجه مسلمٌ في كتاب الإيمان (١٥٦).
4- انظر بحار الأنوار، العلامة المجلسي. الجزء 51 الصفحة: 8.
5- انظر قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصرة. وكذلك الرائد ، ولسان العرب، والقاموس المحيط.
6- الخطيب البغدادي ، شرف أصحاب الحديث صفحة: 15.
7- وقال ابن تيمية بأن الطائفة أو الفرقة المذكورة في الحديث هم الطائفة المنصورة اهل السنة.أنظر مجموعة الفتاوى الجزء 3 صفحة : 105.
8- لقد اخبرن الامام علي عليه السلام بأن الايمان باق في شيعته في القول المأثور عنه في نهج البلاغة.انظر : شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - الصفحة ٢٤٧.
9- رواه القرطبي الجزء الأول ، ص : 638.
10- سورة الأعراف آية : 75.
11- جاء عن ابن تيمية في (مسألة تعليق الطلاق) وهو يتحدث عن بعض الأحكام الشرعية في مسائل الطلاق وممن وافق الشافعي فيها، قال ومن وافقه كابن حزم من السنة، وكالمفيد والطوسي والموسوي وغيرهم من شيوخ الشيعة ،وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت إلى أن يقول عن الشيعة: الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع الصدق).ابن تيمية ، مسألة تعليق الطلاق. ص : 697 ـ 698.
12- ما كتبه معاوية إلى جميع ولاته يكشف لنا مؤامرة أموية لإبادة الشيعة (انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة. ومن اتهمتموه ولم تقم عليه بينة أنه منهم فاقتلوه). كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - الصفحة 318.وأعيان الشيعة السيد محسن الأمين ج1 ص : 27.
13- مجمع الزوائد للهيثمي ج7 ص : 236.
14- وقد ورد في الإنجيل بأن هناك فرقة اتبعت السيد المسيح ووصيه كما يقول في سفر أعمال الرسل 24 : 14 (أنني حسب الطريق الذي يقولون له شيعة هكذا اعبد إله آبائي مؤمنا).
15- الحافظ ابن عساكر تاريخ دمشق 42 / 333. و الدر المنثور 6: 379، أنساب الأشراف: 182، المناقب: 111، 291.
16- سورة القصص آية : 28. ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال لبعض اصحابه : (ليهنئكم الاسم. فقلت : ماهو جعلت فداك؟ قال : بسم الله الرحمن الرحيم (وإن من شيعته لإبراهيم).بحار الأنوار ج12 ص : 29.
جزاك الله خير الجزاء
مولاي الهادي
مثل هكذا موضوع يفترض ان يركز عليه من اجل المعرفة
بالدقة .واظهار الحق .
لاننا تعبنا من هذا الاعلام المغرض حتى وصل الحال بنا .فقدنا التمييز بين الصالح والطالح .
وبعضنا ضاع عليه حتى القياس مابين الرجال .
فيضع الرعيع بوزن العظيم . مثل سيدنا معاوية وسيدنا علي ع ويمشي الامر وكأن المعادلة صحيحة .
لابارك الله بالملوك الظلمة ولابارك برجال السياسة .
واعتقد لاننجو اذا ما كثرة علينا مثل هذة الاطروحات النيرة بعيد عن الخوف والنفاق .
ومنها نستنير .
وبالاخير اقول .
حفظك الله ورعاك وسدد خطاك الى ماهو خير .