الزواج في المسيحية، بدع لا نهاية لها.
مصطفى الهادي.
في التوراة وصايا الزواج كثيرة ونزلت نصوص حول الزواج وفوائده حتى أنها أوصت بالبنات فأمرت الآباء أن يعطوا بناتهم للمتقين كما يقول : (أعطوا بناتكم لمن يخاف الله). (1) وقد اوصت التوراة بالزواج فقالت : (من يجد زوجة يجد خيرا وينال رضى من الرب).(2)
أما في الإنجيل فلم ترد كلمة زواج في إنجيل المسيح بل كل ما ورد إما كوبي من التوراة ، أو عن طريق بولص شاول اليهودي الغارق في اليهودية حتى أذنيه، حيث أنه لمّا رأى خلو الاناجيل من مسألة الزواج وغموضها عمد إلى سد هذا النقص، ولذلك نرى ذكر بعض نصوص الزواج في رسائل بولص فقط، وهي التي خلقت فوضى عارمة من خلال الاختلاف في احكام الزواج التي وضعها بولص ، فهو مثل الذي مات ولم يعرف معنى (الكلالة).
يضاف إلى ذلك عدم وجود نص في الاناجيل تخبرنا هل تزوج المسيح في حياته او لا. ولكننا بالرجوع إلى أقوال السيد المسيح نراه يُشجع على العزوبية وعدم الزواج وبرر ذلك بقوله : (في القيامة لا يُزوّجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء).(3) فهل امتناع السيد المسيح نفسه من الزواج هو رغبته في أن يكون كملائكة السماء؟ وحتى تلاميذ المسيح ألاثني عشر ورسله السبعين لم يرد في الأناجيل أنهم تزوجوا او قاموا بإجراء طقوس الزواج على أحد على الرغم من انهم يعيشون وسط دولة مدنية تمارس يوميا طقوس الزواج ، وكذلك اليهود حولهم يُمارسون طقوس الزواج ، فخرجت المسيحية عن المسار ولم تُبين لأتباعها كيف تجري طقوس الزواج.
فبينما نرى بولص يحث على الزواج كما نقرأ : (ليكن الزواجُ مكرّما عند كل أحد، والمضجع غير نجس).(4) نراه في مكان آخر يحض على عدم الزواج بحجج لا يقبلها العقل فيقول : (من زوّج فحسنا يفعل، ومن لا يُزوّجُ يفعلُ أحسن).(5) وعندما سأله الناس بأنهم لم يفهموا قصده . كيف من لا يتزوج يفعل أحسن قال : (أنهُ حسنٌ لهم إذا لبثوا كما أنا. فأريد أن تكونوا بلا هم).(6) ولأن بولص لم يتزوج لسبب ما ــ لربما بسبب انه شاذ جنسي كما يذكر في إنجيله ــ يطلب من الناس (أن يكونوا مثله).ولذلك نرى الحيرة الكبيرة لدى كبار رجال الدين المسيحي هل يستجيبوا لنداء الفطرة او لا ، لأن الإنجيل يعطيهم صورة غامضة عن الحياة الاجتماعية لسيدهم المسيح فلا يوجد تصريح في الانجيل هل تزوج عيسى أو بقى اعزب إلى حين رحيله؟ وكذلك زاد من حيرتهم بولص الذي يأمرهم ثم ينهاهم فهو يقول لهم : (ليكن الزواج مكرما عند كل أحد). ولكنه يتراجع فيقول لهم : (أن يلبثوا كما هو من دون زواج لكي يكونوا بلا همّ).
ثم يقوم بولص بسنّ قوانين زواج الاساقفة والبابوات كما نقرأ : (فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم،بعل امرأة واحدة). (7) ولكن الأساقفة لم يلتزموا بقول بولص لعدم اعترافهم به رسولا ، والتزموا بسلوك السيد المسيح في عدم زواجه فحرموا الزواج على أنفسهم، وهذا التقليد سار إلى هذا اليوم كما قرءنا في تصريح البابا تواضروس الثاني عندما سأله رئيس البرتغال عن علة عدم زواج الباباوات والأساقفة فقال : (أن بابا الكنيسة وكل الاساقفة آباء ورهبانا لا يتزوجون). ( لقد كان رد البابا مبهما لم يُبين سببا منطقيا لعدم زواجهم.إنه الجهل والحيرة التي ولدتها نصوص الاناجيل المضطربة.
ألا يتساءل هؤلاء البابوات ، لماذا خلق الله لهم آلات جنسية بين أرجلهم، ولماذا خلق ارحاما للنساء. ولذلك نرى أن من بين (117) اسقفا وبابا تناوبوا على قيادة المسيحية ثلاث منهم فقط تزوجوا (زواجا بتوليا) الاتفاق مع الزوجة ان يعيشوا معا من دون مقاربة جنسية كما يزعمون لكل واحد سرير في غرفة مختلفة.
بعيدا عن الصيغ القانونية المُلزمة التي تضمن للزوجين حقوقهم الاجتماعية فإن الزواج في المسيحية هو مجرد عبارات دينية تختلف من قسيس لآخر، يُلقيها على اسماع الزوجين قسيس حرّم الزواج على نفسه واعتبره تدنيسا. ولكن في المقابل ثبت تاريخيا وعبر وسائل الاعلام الحديثة أن البتولية والامتناع عن الزواج جرّ القساوسة إلى القيام بممارسات جنسية سرية فاضحة مارسوها بين جدران الكنائس وأغلب ضحاياها من الأطفال.
والغريب أن القرآن بيّن لنا وبكل وضوح أن الزواج سنة الحياة وهو من سنن الذين من قبلنا يهود او نصارى او غيرهم فيقول تعالى : (يُريد الله ليُبين لكم ويهديكم سُنن الذي من قبلكم).(9)
المصادر:
1- سفر طوبيا 7 : 12.
2- الأمثال 18 : 22.
3- إنجيل متى 22 : 30.
4- العبرانيين 13 : 4.
5- رسالة بولس الاولى كورنثوس 7 : 38.
6- كورنثوس الاولى 8 : 7.
7- تيموثاوس 3 : 2.
8- صحيفة الدستور المصرية الألكترونية ، عدد الجمعة 13.إبريل .2018. وقد سبقه البابا شنودة إلى الحث على البتولية والامتناع عن الزواج مقتبسا كلام بولص : حسن للرجل ألا يمس امرأة.
9- سورة النساء آية : 26. بينما القرآن يحث على الزواج ويتشدد فيه نرى كبار رجالات المسيحية يطلقون اقوالا غريبة كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أحد أشهر آباء الكنيسة : (إذا كنتم تريدون الطريق الأسمى والأعظم، فالأفضل ألا يكون لكم علاقة مع أية امرأة كانت). وكذلك يقول القديس ترتليانوس : (ما أكثر الذين نذروا البتولية وما اكثر الذين منعوا أنفسهم من الزواج ، فجعلوا أنفسهم خصيانا من أجل ملكوت السموات). ما ادري ما علاقة الخصيان بملكوت السماوات. وترتليانوس يأخذ قوله هذا من إنجيل متى 19 :12. الذي يقول فيه : (لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات). فهل امر الله بذلك ؟ انظر كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية ، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية للبابا شنودة الثالث : نظرة المسيحية إلى البتولية.