منتديات أنا شيعـي العالمية

منتديات أنا شيعـي العالمية (https://www.shiaali.net/vb/index.php)
-   منتدى القرآن الكريم (https://www.shiaali.net/vb/forumdisplay.php?f=196)
-   -   الإيمان في القران الكريم (https://www.shiaali.net/vb/showthread.php?t=212736)

خادم الشيعة 19-05-2025 12:04 AM

الإيمان في القران الكريم
 
الإيمان وأحكامه

الإيمان ، من الأمن ، وله في اللغة معنيان متقاربان ، أحدهما : الأمانة ، التّي هي ضدّ الخيانة ، و معناها سكون القلب. والآخر : التصديق ، والمعنيان متدانيان. (۱)

و المراد هنا هو المعنى الثاني ، فيقال : آمن به ، إذا أذعن به وسكنت نفسه واطمأنّت بقوله ، وهو تارة يتعدّى بالباء كما في قوله تعالى : ( آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ ) (۲) ، وأُخرى باللام ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ) (۳) و قوله تعالى : ( فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ) (٤).

وهذه الآيات تدلّ على أنّ الإيمان هو التصديق القلبي ، و يؤكّده قوله سبحانه ( أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ )(٥) ، وقوله سبحانه : ( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٦) ، وقوله سبحانه : ( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (۷).

وتؤكّده آيات الطبع و الختم ، فانّها تعرب عن كون محلّ الإيمان هو القلب ، كما يقول سبحانه : ( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (۷) ويقول سبحانه ( وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) (۸). والختم على السمع و البصر لأجل كونهما من أدوات المعرفة التّي يستخدمها القلب.

والمآل هو القلب. فالامعان في هذه الآيات يثبت أنّ الايمان هو التصديق القلبي ، وأمّا أنّ هذا المقدار من الايمان يكفي في نجاة الانسان أو لا ، فهو بحث آخر ، إذ من الممكن أن يكون للإيمان في مجال النجاة شروط أُخر.

سؤال :

لو كان الإذعان القلبي كافياً في صدق الإيمان ، فلماذا يندد سبحانه بجماعة من الكفّار بأنّهم جحدوا الحقيقة بألسنتهم وإن استيقنوها بقلوبهم ، مع أنّهم على التعريف الّذي ذكرناه ، مؤمنين. يقول سبحانه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) (۹) ، و يقول سبحانه : ( فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) (۱۰) ، و يقول سبحانه : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (۱۱). فهذه الآيات تدلّ على عدم كفاية التصديق القلبي في صدق الايمان.

جوابه :

إنّ الايمان هو التصديق ، وأمّا التنديد ، فلأنّ ظاهرهم كان مخالفاً لباطنهم ، فكانوا يتظاهرون بالنفاق ، ولولا التظاهر بالخلاف ، بأن لا يجحدوا بعد الاستيقان ، و لا يكفروا باللسان ما عرفوه قبلاً ، لكانوا مؤمنين حقّاً.

نعم ، لا يمكن الحكم بإيمانهم في مجال الإثبات إلّا إذا دلّ الدليل على إذعانهم قلباً ، وهذا خارج عن موضوع البحث.

سؤال :

ما هو الأثر المترتّب على التصديق القلبي ؟

جوابه :

الإيمان بهذا المعنى ، موضوع للأثر في الدنيا والآخرة. أمّا في الدنيا ، فحرمة دمه وعرضه وماله ، إلّا أن يرتكب قتلاً أو يأتي بفاحشة.

وأمّا في الآخرة ، فصحة أعماله ، واستحقاق الثواب عليها ، وعدم الخلود في النار ، واستحقاق العفو والشفاعة في بعض المراحل.

سؤال :

إنّ التصديق اللساني ، أيضاً له أثره الدنيوى من حرمة الدم والعرض والمال ؟

جوابه :

إنّ التصديق اللساني بما أنّه كاشف عن التصديق القلبي ، يترتّب عليه ذلك الأثر فالأثر للمكشوف عنه لا للكاشف ، وإلّا فلو تبيّن نفاقه ، وأنّه يتظاهر بما ليس في القلب ، فلا حرمة لدمه وماله وعرضه في الواقع.

نعم ، يجب علينا مجازاته حسب إقراره واعترافه إلّا إذا كشف بقوله وإقراره عن سريرته ، هذا.

وإنّ السعادة الأُخرويّة رهن العمل ، لا يشكّ فيه من له إلمام بالشريعة والآيات والروايات الواردة حول العمل ، والتصديق القلبي إذا لم يقترن بالعمل ، لا ينجو الإنسان من عذاب الآخرة.

هذا هو الحقّ في الإيمان ، وها هنا أقوال أخر ، نشير إليها :

الأوّل : إنّ الايمان هو التصديق بالقلب واللسان معاً ، ولا يكفي التصديق القلبى وحده ، وهذا القول للمحقّق الطوسي مستدلّاً بما مضى من قوله سبحانه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) (۱۳).

يلاحظ عليه : إنّ التنديد بهم سببه نفاقهم ، وعدم مطابقة لسانهم لما في قلوبهم. فلو كانوا مستيقنين غير منكرين بألسنتهم لكانوا مستحقّين للثناء.

الثاني : إنّ الإيمان هو الاقرار باللسان. واستدلّ القائل به بأنّ من أعلن بلسانه شهادة الإسلام فهو مسلم محكوم له بحكم الإسلام.

أضف إليه قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في السوداء : « اعتقها فإنّها مؤمنة ». (۱٤)

يلاحظ عليه : إنّ الحكم لهم بالإسلام أو بالإيمان انّما هو بحسب الظاهر ، وليس هو حكماً بحسب الواقع ، ففي هذا المقام يجعل الاعتراف اللساني طريقاً إلى التصديق الجناني ، ولو علم خلافه ، لحكم بالنفاق. قال سبحانه ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ) (۱٥).

فانّ الرسول وأصحابه كانوا مكلّفين بالحكم حسب المعايير الظاهريّة التّي تكشف عادة عن الإيمان القلبي ، قال رسول الله : أُمرْتُ أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله ، ويؤمنوا بما أُرسلْت به ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها ، وحسابهم على الله » (۱٦).

و بذلك يظهر وجه حكمه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في السوداء بأنّها مؤمنة. روى ابن حزم عن خالد بن الوليد أنّه قال : رُبّ رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « إنّي لم أُبْعَثُ لأشُقّ عن قلوب الناس ». (۱۷)

وكيف يكتفي القائل بالتصديق اللساني ، مع أنّ صريح الكتاب على خلافه ، قال سبحانه : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (۱۸) والأعراب صدّقوا بألسنتهم ، وأنكروا بقلوبهم فرد الله عليهم بأنّكم لستم مؤمنين لأنّكم مصدّقون بألسنتكم لا بقلوبكم.

الثالث : إنّ الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان مع العمل ، فالعمل عنصر حقيقي مقوّم للإيمان ، والفاقد له ليس بمؤمن بتاتاً ، والقائلون بهذا هم الخوارج والمعتزلة (۱۹) ، غير أنّ بينهما فرقاً في المقام.

فالخوارج يرون العمل مقوّماً للإيمان ، فالمقرّ قلباً ولساناً إذا فقد العمل ، ارتكب الكبيرة ، فقد صار كافراً ، ولأجل ذلك يُكفّرون مرتكب الكبيرة ، ويحكمون عليه بالخلود في النار ، اذا لم يتب.

والمعتزلة ، مع أنّهم يرون العمل مقوّماً للإيمان ، غير أنّهم لا يُكَفّرون تارك العمل ، ومرتكب الكبيرة ، بل يجعلونه في منزلة بين الإيمان والكفر ، والمكلّف عندهم على ثلاث حالات :

إيمان ، اذا قام بالتصديقين ، وعمل بالوظائف.

وكُفْر، إذا فقد التصديق القلبي ، أو هو واللساني.

ومنزلة بين المنزلتين إذا قام بالتصديقين ، ولكن فقد العمل.

والكلام مع هؤلاء في مقامين :

۱ ـ نقد هذا المذهب عن طريق الكتاب والسنّة.

۲ ـ تحليل ما تمسّكوا به في اثبات عقيدتهم.

أمّا الأوّل ، فالآيات الدالّة على أنّ العمل ليس عنصراً مقوّماً للإيمان « وإن كان مؤثّراً في النجاة » كثيرة نشير إلى بعضها.

قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، فالعطف يقتضي المغايرة ، ولو كان العمل داخلاً في الايمان للزم التكرار. واحتمال كون المقام من قبيل ذكر الخاصّ بعد العام ، يحتاج إلى نكتة ومسوغ له.

قوله تعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) (۲۰) فالجملة حالية ، المقصود منها : « من عمل حال كونه مؤمناً » ، وهذا يقتضي المغايرة.

قوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ) (۲۱).

فأطلق المؤمن على الطائفة العاصية ، وقال ما هذا معناه : فإن بغت إحدى الطائفتين من المؤمنين على الطائفة اللأخرى منهم ».

نعم ، يحتمل أن يكون إطلاق المؤمن عليهم باعتبار حال التلبس ، أيّ باعتبار كونهم مؤمنين قبل القتال ، لا بلحاظ حال صدور الحكم.

قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (۲۲).

فأمر الموصوفين بالايمان ، بتقوى الله ، وهو الإتيان بالطاعات والاجتناب عن المحرّمات ، فدلّ على أنّ الإيمان يجتمع مع عدم التقوى ، وإلّا كان الأمر به لغواً وتحصيلاً للحاصل.

واحتمال أنّ الآية أمرٌ على الاستدامة ، خلاف الظاهر.

هذا حسب الآيات ، وأمّا السنّة فهناك روايات تدلّ على أنّ الاقرار المقترن بالعرفان ايمان ، منها ما رواه الصدوق بسند صحيح عن جعفر الكناسي قال : قلت لأبي عبدالله ـ عليه السَّلام ـ : ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً ، قال : يشهد أن لا إله الله وأنّ محمداً عبده و رسوله ، ويقرّ بالطاعة ، ويعرف إمام زمانه ، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن ». (۲۳)

وأمّا الثاني : وهو تحليل ما استدلّوا به على أنّ العمل عنصر مقوم للإيمان بحيث لولاه فهو إمّا كافر أو في منزلة بين المنزلتين. فقد استدلّوا بآيات :

۱ ـ قوله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ) (۲٤) ، فلو كان الايمان هو التصديق ، لما قبل الزيادة والنقيصة ، لأن التصديق أمره دائر بين الوجود والعدم ، وهذا بخلاف ما لو كان العمل جزءاً من الايمان ، فإنّه عندئذ يزيد وينقص حسب زيادة العمل ونقيصته ، والزيادة لا تكون إلّا في كمّية عدد لا فيما سواها ، ولا عدد في الاعتقاد(۲٥).

يلاحظ عليه : إنّ الايمان ـ بمعنى الاذعان ـ أمرٌ مقول بالتشكيك ، ولليقين مراتب بشهادة أنّ يقين الانسان بأنّ الاثنين نصف الأربعة ، يفارق يقينه في الشدّة والظهور بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس ، كما أنّ يقينه الثاني يفارق يقينه بأن كلّ ممكن فهو زوج تركيبي من ماهية ووجود ، وهكذا يتنزل اليقين من القوّة إلى الضعف إلى أن يصل إلى أضعف المراتب التّي لو تجاوز عنها لزال وصف اليقين وانقلب إلى الظنّ أو الشكّ. فمن ادّعى بأنّ أمر الايمان ـ بمعنى التصديق والاذعان ـ دائر بين الوجود والعدم ، فقد غفل عن حقيقته ومراتبه ، فهل يصحّ لنا أن ندّعي أنّ ايمان الأنبياء ، كإيمان سائر الناس ، كلّا ، لأنّ الأنبياء معصومون ، وعصمتهم ناشئة من يقينهم بآثار المعاصي ، الّذي يصدهم عن اقترافها ، فلو كان اذعانهم كإذعان سائر الناس ، لما امتازوا عنهم بالعصمة عن المعصية.

وما ذكروه من أنّ الزيادة تستعمل في الكميّة العدديّة ، فهو منقوض بآيات كثيرة استعملت فيها الزيادة في غيرها ، قال سبحانه : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) (۲٦) ، وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ) (۲۷) والمراد شدّة خشوعهم ، وشدّة نفورهم ، لا كثرة عددهما. وغير ذلك من الآيات التّي استعمل فيها ذلك اللفظ فيما ير جع إلى الكيفيّة لا الكميّة.

۲ ـ قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (۲۸). والمراد من الايمان ، صلاتهم الى بيت المقدّس قبل أن ينسخ بالأمر باستقبال الكعبة (۲۹).

يلاحظ عليه : إنّه لو أخذ بظاهر الآية ، فيجب أن يكون الايمان نفس العمل ، وهو مجمع على خلافه. أضف إلى ذلك أنّه استعمل الايمان وأريد منه العمل في المقام ، والاستعمال أعمّ من الحقيقة ، ولا شكّ أنّ العمل أثر الايمان ورد فعل له ، فمن الشائع إطلاق السبب وارادة المسبّب.

۳ ـ قوله سبحانه ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (۳۰).

أقسم سبحانه بنفسه أنّهم لا يُؤمنون إلّا بتحكيم النبي والتسليم بحكمه ، وعدم وجدان الحرج في قضائه. والتحكيم غير التصديق ، بل هو عمل خارجي (۳۱).

يلاحظ عليه : إنّ الآية وردت في شأن المنافقين ، فانّهم كانوا يتركون النبي ويرجعون في دعاويهم إلى الأحبار ، وهم مع ذلك يدّعون الايمان والاذعان والتسليم للنبي. فنزلت الآية بأنّه لا يقبل منهم ذلك الادّعاء حتّى يرى أثر الايمان في حياتهم ، وهو تحكيم النبي في المرافعات ، والتسليم العملي أمام قضائه ، وعدم إحساسهم بالحرج ، وهذا هو الظاهر من الآية ، لا أنّ التحكيم بما أنّه عمل ، جزء من الايمان. وهذا نظير ما إذا ادّعى إنسان حبّاً لرجل فيقال له : ان كنت صادقاً فيجب انْ يُرى أثر الحبّ في حياتك فاعمل له كذا وكذا.

٤ ـ قوله سبحانه : ( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (۳۲) فسمّى سبحانه تارك الحجّ كافراً (۳۳).

يلاحظ عليه : إنّ المراد كفران النعمة ، حيث إن ترك فريضة الحجّ مع الاستطاعة ، كفران لنعمته سبحانه ، وقد استعمل الكفر في مقابل شكر النعم ، قال سبحانه : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) (۳٤).

كما ربّما يكون المراد من الكفر جحد وجوب الحجّ. وغير ذلك ممّا استدلّوا به من الآيات. وأنت اذا احطت بما ذكرنا ، تقدر على الاجابة عن استدلالهم بها (۳٥).

نعم ، هناك روايات عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ تعرب عن كون العمل جزءاً من الايمان ، نظير قول الصادق ـ عليه السَّلام ـ : « ملعونٌ ، ملعونٌ من قال : الايمان قول بلا عمل » (۳٦) والظاهر أنّ هذه الروايات وردت لردّ المرجئة التّي تكتفي في الحياة الدينيّة بالقول والمعرفة ، وتؤخّر العمل ، وترجو رحمته وغفرانه ، مع عدم القيام بالوظائف. وقد تضافرت عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ لعن المرجئة (۳۷).

سؤال :

لو كان الايمان هو التصديق ، فهل هو يزيد وينقص.

الجواب :

قد علم هذا ممّا ذكرنا من كون الايمان ذا مراتب ، وأن نفس الاذعان ، له درجات. وليس القول بزيادة الايمان ونقصانه مختصّاً بمن جعل العمل عنصراً مقوّماً للايمان ، بل هو يتحقّق أيضاً عند من يقول بأنّ الايمان هو التصديق القلبي ، وليس العمل جزءاً منه. إلى هنا تبيّنت حقيقة الأقوال الأربعة في بيان حقيقة الايمان ، وقد عرفت أنّ الصواب هو الأوّل منها ، وهو التصديق القلبي (۳۸).

الهوامش

۱. مقاييس اللغة ، ج ۱ ، ص ۱۳۳. ولو جعل سكون القلب تفسيراً للمعنى الثاني أيّ التصديق لكان أحسن.

۲. سورة آل عمران : الآية ٥۳.

۳. سورة يوسف : الآية ۱۷.

٤. سورة العنكبوت : الآية ۲٦.

٥. سورة المجادلة : الآية ۲۲.

٦. سورة الحجرات : الآية ۱٤.

۷. سورة النحل : الآية ۱۰٦.

۸. سورة النحل : الآية ۱۰۸.

۹. سورة الجاثية : الآية ۲۳.

۱۰. سورة النمل : الآية ۱٤.

۱۱. سورة البقرة : الآية ۸۹.

۱۲. سورة البقرة : الآية ۱٤٦.

۱۳. كشف المراد ، ص۲۷۰ ، ط صيدا.

۱٤. الفصل ، ج ۳ ، ص ۲۰٦.

۱٥. سورة البقرة : الآية ۸.

۱٦. الفصل ، ج ۳ ، ص ۲۰٦.

۱۷. المصدر السابق نفسه.

۱۸. سورة الحجرات : الآية ۱٤.

۱۹. شرح الأصول الخمسة ، ص ۱۳۹.

۲۰. سورة طه : الآية ۱۱۲.

۲۱. سورة الحجرات : الآية ۹.

۲۲. سورة التوبة : الآية ۱۱۹.

۲۳. البحار ، ج ٦٦ ، ص ۱٦ ، نقلاً عن معاني الأخبار للصدوق .

۲٤. سورة الفتح : الآية ٤.

۲٥. الفصل ، لابن حزم الظاهري ج ۳ ، ص ۱۹٤.

۲٦. سورة الاسراء : الآية ۱۰۹.

۲۷. سورة الاسراء : الآية ٤۱.

۲۸. سورة البقرة : الآية ۱٤۳.

۲۹. البحار ، ج ٦٦ ، ص ۱۸.

۳۰. سورة النساء : الآية ٦٥.

۳۱. الفصل ، ج ۳ ، ص ۱۹٥.

۳۲. سورة آل عمران : الآية ۹۷.

۳۳. البحار ، ج ٦٦ ، ص ۱۹.

۳٤. سورة إبراهيم : الآية ۷.

۳٥. مثل قوله سبحانه : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) [ البينة ٥ ] مستدلّين بأنّ المشار اليه بلفظة « ذلك » ، جميع ما ورد بعد الأمر ، من عبادة الله سبحانه بالاخلاص وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، استدلّ به ابن حزم في الفصل ، ج ۳ ص ۱۹٤ وقد أجاب عنه الأستاذ دام ظله في الجزء الثالث من بحوثه في الملل والنحل ، فلاحظ.

۳٦. البحار ، ج ٦٦ ، باب أنّ الايمان مبثوث على الجوارح ، الحديث ۱ ، ص ۱۹ ، ولاحظ سائر الروايات في هذا الكتاب.

۳۷. لاحظ الوافي ، للفيض الكاشاني ، ج ۳ ، أبواب الكفر ، والشرك ، باب أصناف الناس ، ص ٤٦.

۳۸. بقي هنا المرجئة ، وهو لا يفترق كثيراً عن القول الثالث من الاكتفاء بالتصديق اللساني ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الجزء الثالث من أبحاث الشيخ الاستاذ حفظه الله في الملل والنحل.


الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 12:07 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025