|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 20133
|
الإنتساب : Jul 2008
|
المشاركات : 814
|
بمعدل : 0.13 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
اللجنة العامة
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 26-03-2010 الساعة : 02:40 AM
اقتباس :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ** مسلمة سنية **
[ مشاهدة المشاركة ]
|
اللهم صلّ على محمد و آل محمد و عجّل فرجهم الشريف
بشكر اللجنة العامة على جهودها المستمرة ... و بشكرهم لحسن اختيارهم في هذا الموضوع ... و بإذن الله تعالى من توفيق الى توفيق ...
مشرفنا الكريم بارك الله فيك لقبولك الدعوة و التواجد بيننا للإجابة عن بعض اسئلتنا ...
لي سؤالين أخي الكريم ... و باختصار :
أولا : ما هي حدود استخدام التقية في الحياة ؟؟؟ هل يجب أن يكون هناك خطر على الحياة لاستخدام التقية؟؟؟ أم أنّ وجود التضييق و المشاكل يرخّصان لنا استخدامها ؟؟؟
|
๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ اللهم صل على فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
-------------------------------------
الجواب :
أولاً ...
أوضح لكم وللجميع مفهوم التقية لأن الكثير يسألني عنها كثيراً وخصوصا من هم حديثي عهد بالتشيع ....
التقية هي أن يظهر الإنسان خلاف ما يعتقده قولاً أو عملاً إتقاء شر يعلم ، أو يحتمل إصابته له أو لمن يليه ، او للمداراة مع الناس .
تجب التقية فيما يعلم أو يحتمل ضرراً بليغاً بشرط أن لايكون ما يقوم به إتلاف نفس محترمة ، وجائزة في غيره من الموارد .
وهي نوع من الموازنه بين مصلحة الاظهار و الكتمان ... فاذا احسّ المسلم ان اظهار ايمانه يعود عليه بالضرر البليغ في نفسه او عرضه او ماله ، فانه يجوز له ان يدفع الضرر عن نفسه باظهار خلاف ما يعتقده .. وهذا امر طبيعي يمارسه الناس في حياتهم العاديه وبشكل تلقائي ، فان قانون التزاحم بين الاهم والمهم قانون فطري ، وان وقع الاختلاف في تشخيص الاهم والمهم بين شخص وآخر وكلٌ على حسب ظروفه بشكل عام .
وهي رخصة شرعية في كتاب الله و سنة رسول (صلى الله عليه و آله و سلم) تُعمل في موارد الخوف والخطر والضرر. وقد جرت سيرة الانبياء والاولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدل لجوازها بالادلة الاربعة .
الدليل الاول : القرآن:
قال تعالى : (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه…) فنجد مؤمن آل فرعون يكتم ايمانه خوفاً من الضرر.
وقال تعالى : (من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌ بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب الله ولهم عذاب عظيم) . فنجد الصحابي الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقية ، والنبي (صلى الله عليه وآله) يمضي عمله ويجوّز له العمل بها . ولقد اشتهر في كتب التفسير أن هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عذّب في الله حتى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن عادوا فعد .
بل وقد عمل الأئمة عليهم السلام أنفسهم بالتقية في موارد كثيرة وعديدة وكلٌ على حسب ظرفه وظىمة زمانه وأهله وملوك وأمراء عصره، ومن أوضحها - مثلاً - تعبيرهم عن الخلفاء الظلمة بأمير المؤمنين وهكذا .....
ولقد سئل الامام الصادق (عليه السلام) عن التقية فقال: التقية من دين الله ، قلت: من دين الله ؟ قال: أي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف: (ايتها العير انكم لسارقون) والله ما كانوا قد سرقوا شيئاً ، ولقد قال ابراهيم : (إني سقيم) والله ما كان سقيماً . (( الكافي 2: 172/3 ، المحاسن 258،303 )).
ثانياً ( موارد التقية ) ...
تجوز التقية في كل مورد يخاف الانسان الضرر على نفسه او عرضه او ماله المعتد به او على بعض من يتعلق به ممن يهمه أمره .. فيجوز بذلك كل عمل محرم إذا كانت حرمته لكونه من حقوق الله تعالى إلا إذا ترتب عليه فساد الدين واضمحلال حوزة المؤمنين ونحو ذلك من المهمات . وأما إذا كانت حرمته لكونه من حقوق الناس فلا يجوز إن كان قتلاً للنفس المحترمة . وفي غير ذلك لابد من الموازنة بين الأمرين وتقديم ماهو الأهم شرعاً . والتقية لاتختص بالشيعة بل هي أمر يلتجئ إليها كل عاقل ، وقد قال تعالى ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاه ) وقال ( إلاّ من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وإنما عرفت الشيعة بها بين المسلمين لكثرة ابتلائهم في طول تاريخ الحكومات الجائرة .
ثالثاً ...
أن وجوب التقيّة ليس بمطلق تماماً كما يتصور البعض ، بل هو تكليف مشروط بشروط ، وله أدلّته ، وله أحكامه . تماماً كما كان الائمة وأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكبار الأئمة والعلماء عند أهل السنة من التابعين فمن بعدهم يستعملون التقية في قضايا ثابتة في التاريخ وكما أرنا أعلاه ومثلنا سابقاً . وتنتفي بل ولا تجوز إذا أنتفى شرطها وزوال الخوف او الخطر نفسه وهذا يعتمد على تقدير المتقي نفسه وعلى حسب ظرفه وزمانه وبيئته ( بلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ).
وأخيراً ...
أنبه الى أن هناك تقية محرمة وتقية واجبة ...
فالأولى منها - المحرمة - ما إذا كان الشخص بحيث لو عمل على طبقها لم يتوجه الضرر إلى شخصه، ولكن يوجد في التقية ضرر عام أهم يترتب على ذلك مثل الفساد في الدين ومجتمع المسلمين، أو يستمر الفساد فيهما، بحيث يعلم أن الشارع لا يرضى بوجود هذه المفسدة واستمرارها، ففي مثل ذلك لا يجوز فعل التقية.
أما الأخرى - التقية الواجبة - على العكس مما ذكر أعلاه ، حيث يترتب على رعايتها الخلاص من المفسدة يكون في تركها والعمل بالوظيفة الأولية إلاّ مصلحة غير لازمة الاستيفاء، وفي هذه الصورة تكون التقية غير واجبة.
والله تعلى أعلم وهو المستعان .
----------------------------------------
اقتباس :
|
ثانيا : ما رأيكم مشرفنا الكريم بالخطبة الافتخارية لأمير المؤمنين عليه السلام ؟؟؟
هل أنّ كل عباراتها قابلة للتأويل ؟؟؟ ما تعليقك عليها ؟؟؟
و ما هي أكثر الخطب لأمير المؤمنين عليه السلام التي تحب الاستماع لها ؟؟؟
|
-------------------------------------
لقد أرتقيت بي مرتقاً عظيم أختي الكريمة فالله المستعان فيه كله ...
الجواب :
للعلم أختي الكريمة الفاضلة الصابرة أن الخطبة الافتخارية ذكرت في بعض مصادرنا فقد أوردها ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب، ورجب البرسي في مشارق أنوار اليقين ونقلها عنهما جملة من الأعلام كالمجلسي في البحار والشيخ علي النمازي في مستدرك سفينة البحار والشيخ أبو الحسن المرندي في مجمع النورين وآخرون.
وهذه الخطبة تشبه في مضامينها مضامين خطبة البيان المنسوبة إليه (ع) وتشبه ما ورد في حديث النورانية الذي ذكره الشيخ المجلسي في بحار الأنوار.
ويثبتها كذلك بغير المصادر أسلوب نظمها وبلاغتها يقترب كثيراً من أسلوب خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) الأخرى الواردة في نهج البلاغة..
وكذلك ورد في متفرقات الأخبار كلمات لا تختلف معنىً عما ورد في الخطبة الافتخارية أو خطبة البيان، وكذا اشتملت على جانب من مضامين هذه الخطبة بعض الأدعية والزيارات، كدعاء الحجة (في كل يوم من شهر رجب) وكالزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها، ومنها زيارته (عليه السلام) التي وردت في كتب الزيارة المشهورة، فقد جاء في زيارته في إقبال الأعمال: ((السلام عليك يا عين الله الناظرة في العالمين ويده الباسطة ولسانه المعبر عنه)) وفي كتاب المزار للمجلسي ((السلام عليك يا عين الله الناظرة ويده الباسطة وإذنه الواعية وحكمته البالغة ونعمته السابغة... الخ)).
فمن يعتقد بصحة هذه المعاني ولا ينكرها لا يسعه أن ينكر ما ورد في خطبة الإفتخار وخطبة البيان.
ومن جملة ما يوجه الاعتقاد بصحة نسبتها إليه (عليه السلام) الإطلاع على ما ورد في كتب الحديث من عظيم منزلة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقاماتهم العالية وكذا ما جاء من أن لهم أحاديث صعبة مستصعبة لا يؤمن بها إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن وهي مبثوثة في مصادرنا المعتبرة كالكافي وبصائر الدرجات ومناقب آل أبي طالب والثاقب في المناقب ومختصر البصائر وغيرها.
وللتفصيل فيه وبيان إثباتها وصحتها يقول صاحب (الذريعة ج7 ص198):
(وقد عقد الشيخ رجب البرسي في مشارق الانوار فصلاً أورد فيه خطبة الافتخار برواية الاصبغ بن نباته يشبه مضامينها مضامين خطبة البيان التي لم يذكرها البرسي بهذا الاسم كما أن ابن شهر آشوب لم يذكر خطبة البيان وإنما ذكر خطبة الافتخار فلذا يحتمل اتحادهما كما سنشير اليه).
وفي (ص200) من نفس الجزء السابع ذكر صاحب (الذريعة):
(وكذا لم يذكره ابن شهر آشوب في المناقب في عداد خطبه المشهورة نعم ذكر فيه من خطبه التي لا توجد في النهج خطبة الافتخار كما أشرنا إليها ولعل المراد منها هذه الخطبة ـ ويقصد خطبه البيان ـ فان من اولها ما يقرب من سبعين من خصاله وصفا له بعنوان انا كذا انا كذا....).
والنتيجة فإن هذه الخطبة مرويّة بطريق معتبر في الكتب المعروفة المشهورة، ومع ذلك فإن بعض فقراتها مؤيَّدة ببعض الروايات والأدلة الأخرى، ولا شك أنّ أسرار أمير المؤمنين عليه السلام ومنازله ومقاماته كثيرة ولا تنالها الأفكار والعقول ولا يحيط بها قلب بشر أو غيره ....
وعلى الجملة، فإن جميع الحقائق أودعها الله سبحانه نبيّه الكريم، وكان علي عليه السلام باب مدينة تلك الحقائق والعلوم والحكم، ونسأل الله التوفيق للفهم والمعرفة ..
أما بخصوص بعضٌ من فقراتها فقد فسروا صلوات الله عليهم أجمعين بعضٌ من هذه الفقرات الواردة منهم في مختلف ما وردنا وصح منهم أرواحنا لهم الفداء في مجمل أحاديثهم ومآثرهم بما يرفع الألتباس ويدفع الغلو الذي قد يوهمه البعض.
فمثلاً ان قوله صلوات الله عليه (انا الاول والاخر) فسر عن النبي (ص) انه الأول في النبوة والآخر في البعثة وفسر عن الإمام علي (عليه السلام) انه أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانه اخر من نظر فيه كما كان في لحده.
وبقوله: (انا الظاهر) فسر الإمام علي (عليه السلام) كونه ظاهر الاسلام.
وقوله: (ان الباطن) كونه بطين العلم.
وقوله: (وأنا بكل شيء عليم) كونه عليماً بكل شيء أخبر الله به نبيه فاخبرني به ومصداقه قوله تعالى ( ومن عنده علم الكتاب ) وقرينته قوله تعالى ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ).
وقوله: (انا عين الله) كونه عينه على المؤمنين والكفرة.
وقوله: (انا جنب الله) اشارة الى قوله تعالى: ( يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ).
وقوله: (انا احيي) كونه يحي سنة رسول الله.
وقوله: (انا أميت) كونه يميت البدعة ويميت رؤوس فواغرها ومبتدعها.
وقوله: (انا حي لا اموت) اشارة الى قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون).
وفي رواية أخرى نقلها الشيخ المفيد في (الاختصاص):
فسر لهم قوله: (انا الذي علو فقهرت) بكونه علاهم بهذا السيف فقهرهم حتى آمنوا بالله ورسوله.
وقوله: (انا احيي واميت) بكونه يحيي السنة ويميت البدعة.
وقوله: (انا الاول) بكونه اول من آمن بالله واسلم.
وقوله: (انا الاخر) بكونه آخر من سجى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه ودفنه.
وقوله: (انا الظاهر والباطن) بكونه عنده علم الظاهر والباطن.
هذا نموذج مما ورد في تفسير كلامهم الصعب المستصعب.
وعليه أقول أنه لابد اذن من فهم عباراتهم بما لا يصطدم بالقواعد اليقينيه القطعية، فلا بد من نفي الغلو عنهم وكونهم عباداً مربوبين، وهذا مما لا شك فيه، فلذا ورد التفسير منهم بما ينسجم مع هذه القاعدة القطعية.
والحق يُقال أخيتي في عدم إدراك حقيقة ومقام الأمير العالم علي بن ابي طالب صلوات الله عليه
الموضوع كبير ولكنه يستحق ويحتاج إلى التركيز وصفاوة الذهن وقلب مفتوح مليء بالنورانية
وكيف يعرف الناس عليا ويحيطون به خُبراً وذلك باب قد سده النبي الأمين الذي لا ينطق عن الهوى كل الطرق الموصلة إلى معرفته والوصول إليه ، فقال وقوله الحق ما عرفك إلا الله وأنا ، وما عرفني إلا الله وأنت ، وما عرف الله إلا أنا وأنت ) .
هذا حديث صحيح والناس مع صحته يدعون معرفة الله ورسوله ، وصدق الحديث يوجب كذب دعواهم ، وصدق دعواهم يوجب كذب الحديث ، ولكن الحديث صادق ، فدعواهم في معرفة حقيقة الله ورسوله كاذبة ، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ، لأن حقيقة معرفة الله ومعرفة حقيقة الله غير معلومة للبشر ، وكذا معرفة حقيقة محمد وعلي صلوات الله عليهما ، وإليه الإشارة بقوله : ما عرف الله فها أنا قد خبرت بك البرايا فأنت محك أولاد الحلال وليس يطيق حمل ثناك إلا كريم الأصل محمود الفعال وجه آخر في معنى قوله : ( ما عرف الله إلا أنا وأنت ) ، وذاك أن العظمة التي رآها رسول الله ليلة المعراج واختراقه الحجب السماوية ، ووصوله إلى قاب قوسين والكلام الذي خوطب به بغير واسطة ، مما لم ينله ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وأن ذلك كله وصل إلى أمير المؤمنين ورآه كما رآه ، وإليه الإشارة بقوله : ( إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع ) فما عرف الله سبحانه من جميع الخلائق بهذه المعرفة إلا هم ، وكذلك ما عرف محمدا وعليا على ما هم عليه إلا الله الذي أوجدهم من نور عظمته ، وخصهم بسره وكرامته ، وجعلهم في علو المقام تحت ذاته ، وفوق جميع مخلوقاته ، ومن ذا الذي يحصي عدد أوراق الأشجار ، وقطرات الأمطار ، وذرات القفار ، ورشحات البحار ؟ !!
ووجه آخر في معنى قوله : ما عرف الله إلا أنا وأنت ، والمراد أنه ليس بيننا وبين الله واسطة من المخلوقات ، بل نحن أول المخلوقات والخلائق ، وعين الحقائق ، ونحن في مقامنا اللاحق سادة العبيد ، وعبيد الحق .
ولعمري ماذا عرف الناس من معنى علي العلي ، إنما شاهدوا منه ليثا جائلا ، وهزبرا صائلا ، وغضبا قاتلا ، وبليغا قائلا ، وحاكما بالحق قاضيا ، وغيثا هاملا ، ونورا كاملا ، فشهدوا صورة الجسم ، وموقع الاسم ، ذلك مبلغهم من العلم أنى يؤفكون!!
وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمت الأمور ، ودهرت الدهور ، والاسم الذي هو روح كل شئ ، والهاء التي في هوية كل موجود ، وباطن كل مشهود ، وإن الذي خرج إلى حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر ، وذلك لأن ذات الله تعالى غير معلومة للبشر كما مر ، فلم يبق إلا معرفة الصفات ، والناس في معرفتها قسمان : قسم حظهم منها الذكر لها والتقديس بها ، فجعلوها في السر أورادهم ، ومركبهم إلى مطلبهم ومرادهم ، فتجلى عليهم نور الجمال ، من سبحات الجلال ، فصاروا في القميص البشرية ، أشخاصا سماوية ، تخضع لهم السباع ، وتذل لهم الضباع .
وهذا سر تلاوة الأسماء ، وكذلك الناس في معرفة آل محمد ، قسم عرفوا أنهم أولياء الله والوسيلة إلى عفوه ورضاه ، فقدموهم في حاجتهم لديه ، وتوسلوا بهم إليه ، وقسم عرفوا أنهم الكلمة الكبرى ، والآية العظمى ، لأن أقرب الصفات إلى حضرة الأحدية ، جمال الوحدانية ، لأن الواحد إما أن يكون أول الأعداد ومنبع الآحاد ، والواحد الفاضل عن الاثنين ، وهو الذي لا يكون زوجا ولا فردا ، ذلك هو الأحد الحق ....
وأما الواحد الذي هو منبع الموجودات ، فهو الواحد المطلق الذي لا يحد ولا يعد ، ولا لأمره دفع ، ولا لسلطانه نفاد ، ولا لملكه فناء ، وهي الكلمة التي تخضع لذكرها الموجودات ، وتنفعل بسماعها الكائنات ، وهي مستورة بين حرفين كن فيكون .
فمن تجلى على مرآة نفسه بوارق سرهم الخفي ، واسمهم العلي خرق لهم الجدران ، وسخرت لهم الأكوان ، وكان من أولياء الرحمن ، وأمن العذاب والهوان .
يؤيد هذا المدعى ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : يا طارق ، الإمام كلمة الله وحجة الله ، ووجه الله ونور الله ، وحجاب الله ، وآية الله ، يختاره الله ، ويجعل فيه منه ما يشاء ، غير الله ، وما وحد الله غير محمد رسول الله ) .
وكذا حقيقة محمد وعلي ما عرفها إلا الله ، وهم وقليل من أوليائهم ، ممن وصل إلى الدرجة العليا العاشرة من الإيمان .
يدل على صحة هذه الدعوى ، والشاهد ما ورد في كتاب البشائر : أن عمر دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده يوما وبين يديه أمير المؤمنين فقال عمر : فما لي سألته الله قلت أصدقكم لهجة أبو ذر ، فقال : هو كما قلت ، فقال عمر : فما لي سألته عنك فقال : هو في مسجده ، فقلت : ومن عنده ؟ فقال : رجل لا أعرفه ، وهذا علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : صدق أبو ذر يا عمر ، هذا رجل لا يعرفه إلا الله ورسوله .
وبيان ما أشار إليه النبي وأحال عليه أن من عرف محمدا وعليا كمعرفة الله لهم ، عرف الله كما عرفوه ، لكن الأول ممتنع فالثاني كذلك ، مثاله من القرآن : قوله سبحانه لموسى : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فعلق الرؤية على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل عند تجلي نور الكبرياء محال ، فرؤية الرب الكبير المتعال بعين البصر محال .
علق الممتنع على الممتنع فامتنع الثاني لامتناع الأول .
فما لهم إذاً هؤلاء المرتابون كلما وضح الدليل لهم ازدادوا ضلالا عن السبيل ، وكلما لاح ضوء الصباح وفاح أقاح الإيضاح ، زادتهم زكاما ، وهل هذا ضلال عن الحق وشك في عين اليقين وإمام الصدق ، فإذا كان المنافق إذا تليت عليه آيات علي أبى واستكبر ، والموافق إذا تليت عليه آياته أنكر واستكثر ، فما الفرق إذا بين من عمي ومبصر ؟!!! .
ويوجب له بذلك الطاعة والأمر على جميع خلقه ، فهو وليه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه فهو يفعل ما يشاء ، وإذا شاء الله شيئا يكتب على عضده ، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ، فهو الصدق والعدل ، ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق ، ويرى ما بين الشرق والغرب فلا يخفى عليه شئ من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته .
فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ، يؤيده بكلمته ، ويلقنه حكمته ، ويجعل قلبه مكان مشيئته ، وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ، ويحكم له بالطاعة ، وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ، ومنزلة الأصفياء ، وخلافة الله وخلافة رسل الله ، فهي عصمة وولاية ، وسلطنة وهداية ، لأنها تمام الدين ، ورجح الموازين ، الإمام دليل للقاصدين ، ومنار للمهتدين ، وسبيل للسالكين ، وشمس مشرقة في قلوب العارفين .
ولايته سبب النجاة ، وطاعته معرفة للحياة ، وعدة بعد الممات ، وعز المؤمنين وشفاعة المذنبين ، ونجاة المحبين وفوز التابعين ، لأنها رأس الإسلام وكمال الإيمان ، ومعرفة الحدود والأحكام ، تبين الحلال من الحرام ، فهي رتبة لا ينالها إلا من اختاره الله وقدمه ، وولاه وحكمه .
فالولاية هي حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وهي بعدد الأيام والشهور ، الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدال على الهدى ، المطهر من الذنوب ، المطلع على الغيوب ، فالإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار ، فلا تناله الأيدي والأبصار .
وكما يقول الطاهرون " فمن ذا ينال معرفتنا ، أو ينال درجتنا ، أو يدرك منزلتنا" وأنى لنا هذه ولو أجتمعت الأنس والجن وكنا بعضنا لبعض ظهيراً ...!!!
وإن الذي خرج إلى الملائكة من معرفتكم قليل من كثير ، وكيف يعرفكم الناس مع جلالة قدركم ؟
وأنتم النور الذي بهر عيون العقول ، فحنأت عن إدراك مجدكم ، وكيف تدرك عين الشمس أبصار الخفافيش ؟
ومعذور من أنكر غامض سركم ، وخفي أمركم ، وباهر نوركم ، لأن الناظر في صحائف مجدكم ، حجبهم النظر إلى الظاهر عن إدراك السرائر ، وصدهم عن المعنى الشاهد زخرف الشاهد ، فطوفوا بقصور المغنى ، قصورا عن المعنى ....
وعظمة الولي من عظمة النبي صلى الله عليه وآله ، وعظمة النبي من عظمة الرب العلي ، لأنه آية الله وآية النبي ، وكلمة الله وكلمة النبي ، ونائب وحي الله ووارث النبي ، وبه يتم توحيد الله ودين النبي ، وبيان هذا الشأن العظيم أنه أخذ له العهد على الأرواح ، وجعل له الولاية المطلقة من الأزل ، ولم تزل ....
والله من ورائكم محيط وهو المستعان
-------------------------------------
|
|
|
|
|