|
شاعر
|
رقم العضوية : 39574
|
الإنتساب : Aug 2009
|
المشاركات : 1,995
|
بمعدل : 0.35 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زكي الياسري
المنتدى :
المنتدى الثقافي
الجزء الاخير من قصة المنعطف
بتاريخ : 16-07-2012 الساعة : 09:29 AM
الجزء الثالث و الاخير
ليلة المنعطف
سالي ... نعم هي القطة التي تعيش في بيت اهل ناتاليا .. كانت تسير بسرعة امامي و انا اتبعها و الارض تُطوى امامنا الى ان وصلنا الى مشارف النجف الاشرف ... حيث قبر مولاي امير المؤمنين علي عليه السلام و مسقط رأسي ..
فور ما دخلنا الى محيط المدينة القديمة .. بدأت القطة تكبر و تكبر .. وصلنا الى جوار مرقد امير المؤمنين و قد تحولت سالي من قطة الى نمر .. دخل ذلك النمر الى ( مدرسة البروجردي الدينية ) المقابلة للصحن الحيدري الشريف .. و بالتحديد دخلت القطة النمر الى الحجرة المقابلة لمدخل المدرسة .. تبعتها لكي ادخل الى تلك الغرفة و فتحت الباب لكي ادخل و إذا بي اجد هناك أمير المؤمنين عليه السلام ... كان طويلاً و عريض المنكبين و يرتدي عمامة خضراء داكنة و عبائة غامقة اللون تحتها جبة بنيّة اللون وقد تدلت اطراف عمامتهِ الخضراء على كتفيه من الجانبين .. قلت له فوراً :
سيدي و مولاي .. كيف اذنت لي بزيارتك و انا المذنب العاصي ... و قبل ان استرسل بالكلام .. قال لي : اصمت و اتبعني ... و مشى الامام أمامي بوقار متوجهاً الى جدار الصحن المقدس و انا امشي خلفة مطأطئاً راسي خجلاً منه... وصلنا الى جدار المرقد على يسار باب الساعة فاقتلع امير المؤمنين ع حجرين من جدار المرقد و اخفاهما في حزام كان مشدوداً على وسطهِ عليه السلام
افقت من منامي و انا مبهور مما شاهدته في تلك الرؤيا العجيبة ... و هيبة امير المؤمنين لم تفارق مخيلتي و انا بين السعيد برؤيته و بين الوجل المرعوب من تصرفه عليه السلام .. و بعد تفكير عميق ايقنت انه لم يأتيني مبشِراً او زائراً .. و انما بأقتلاعهِ الحجرين من الجدار .. كان يحذرني من امرين : اولهما حذفي من شجرة الانتماء اليهم - و انا انتمي بالنَسَب اليهم - و التحذير الثاني هو : حذفي من الانتماء الى مذهب التشيع الذي اتخذه منهجاً لحياتي .. يا الهي .. انا لا علم لي بتفسير الاحلام إلا ان الرؤيا كانت واضحة التفسير .. و عليك ان تأخذ قرارك و إلا هلكت .. هذا ما حدثت به نفسي في تلك الثواني الرهيبة ...
بقيت طوال ذلك اليوم افكر في تفاصيل الرؤيا العجيبة
لم اذهب الى العمل في ذلك اليوم.. و بعد ان خضت حرباً ضروساً مع مشاعري و عواطفي و ميول نفسي الامارة .. قررت أخيراً ان ارحل عن تلك القرية الصغيرة الى مدينة كبيرة شرط ان يكون فيها مسجداً و شيعة لكي اعود فيه معهم الى سابق عهدي و لعلي اجد فيها بعض ما تعودت عليه في طفولتي و شبابي من تقاليد و اعراف ..
كان السؤال الاكبر و الاصعب هو كيف أفاتحها بهذا الأمر .. خصوصاً بعد ان تعلقت بي كل ذلك التعلق و انا بها كذلك ..
قاومت اخر محاولات قلبي للفرار .. و اتصلت بها طالباً منها الحضور في اقرب فرصة .. و لم تمضى سوى سويعات قليلة حتى دق جرس الباب ..
كيف حالك يا عزيزي ؟؟
قلت : لست بخير
قالت : لماذا
قلت : انا احبك حباً جماً و انت تعلمين بذلك اليس كذلك ؟؟
قالت : اجل اعلم ذلك .. و انا احس به و سعيدة لاجله
قلت : لكني قررت الرحيل من هذه المدينة .. و من حياتك !!!!!
قالت : بالتأكيد انك تمزح معي كعادتك !!!
قلت : بل هي الحقيقة .. ثم سردت لها تفاصيل رؤياي بالاضافة الى حربي الطويلة الشعواء مع ضميري الذي ما قبل بهدنةٍ قط .. و حكيت لها كل مخاوفي من ضبابية صورة المستقبل الذي سيجمعنا تحت سقف لا يخلوا من ثغرات و فطور قد تتسبب في حزن مزمن ... وضياع أكيد ..
انفجرت بالبكاء فور ما بُحت لها بتلكم الكلمات ... لم اتمالك نفسي .. حتى اختطلت دموعنا على خدود الوجَع و نحن في آخر عناقٍ تحت ظل غيمة الافتراق ... حاوَلت ان تثنيني عن ذلك القرار بشتى السبل .. لكن رؤياي الرهيبة كانت اقوى من كل عواطفي .. فهي رسالة واضحة لكي ابتعد عن ذلك الواقع الطارئ و اتوجه الى اقرب نقطةٍ تعيدني الى ذاتي ..
و بالفعل ... وهبتها آخر فصول العهد الذي تم بيننا ... تحت زخات الدموع ... و شهقات الفؤاد
تركت كل شئ خلف ظهري و بدأت رحلة السفر الى .. عاصمة الشمال .. على شواطئ البلطيق .. كان فيها مسجداً .. و مكتبة .. تماماً كما تمنيت .. و تعرفت على الكثير من ابناء جلدتي في تلك المدينة و كنت دائم التواجد في ذلك المسجد و تلك المكتبة في اوقات فراغي .. خصوصاً ان الله تعالى رزقني بعمل في دكان يقع تحت ذلك المسجد الصغير .. الذي وفقني الله تعالى الى توسعتهِ بمعية بعض الشباب الذين اقنعتهم بالعمل مجاناً في بنائهِ .. ليكون لنا صدقة جارية لنا ما دام فيه ذاكرٌ لله تعالى ..
كنت في بعض الاحيان اسافر بمشاعري الى ناتاليا و الذكريات .. لكنني لم اندم ابداَ على رحيلي عنها و دخولي في منعطف النجاة العلوي و اصبحت بين ليلةِ وضحاها من الشباب المحبوبين في ذلك المسجد الذي تحول ببركات اهل البيت الى مركز اسلامي كبير يقصده الناس من كل المدن .. ثم اوكل القائمون عليه لي شرف قرائة الدعاء و بعض الاناشيد التي تخص احياء شعائر اهل البيت من افراح و احزان ... و نمَت من جديد موهبتي القديمة في كتابة الشعر التي كادت ان تضمحل بين سنادين مزرعة فولتمان .. فصقلتها و صقلتها حتى اطلق علي بعض من سمعني و قرأ ما اكتب لقب شاعر اهل البيت .. يا الهي .. يا له من لقب جميل لقد كانت امنيتي الكبرى منذ الطفولة ان اخدم اهل البيت كما كان يفعل اخي الشهيد رحمه الله .. و كما يفعل باسم و جليل و نزار اصحاب الاصوات الجميلة .. و تحققت كل تلك الامنيات في ذلك المكان .. و صار جل وقتي يصب في مَجرى خدمة الدين و المذهب ..
2003 سقوط الصنم
عمت الدنيا افراح سقوط اعتى دكتاتور عرفه التاريخ الحديث .. و كنت من ضمن الملايين الذين فرحوا بذلك الخبر السعيد ... و كباقي رواد الغربة .. اتفقت مع صديق لي بان نسافر في شهر رمضان الى هناك .. الى حيث ذكريات الطفولة .. و تراب الوطن .. و القباب الذهبية المقدسة التي تناطح السحاب علوّا و ارتفاعا ... وبالفعل .. اقترب يوم الرحلة التي ستعيدني الى احضان امي و الوطن ...
لم يمر يوماً دون ان اتذكر رؤياي العجيبة .. و حبي الاول كان مقيماً هو الاخر على هامش الذكريات
رمضان 1425 المصادف اكتوبر 2004
جاء ذلك اليوم .. قررت و انا في الطائرة ان اذهب الى مرقد سيدي امير المؤمنين عليه السلام و اجدد له بيعتي بعد طول الفراق .. كما قررت امراً اخراً ساقوم به قبل ذلك مع صديق الطفولة الاول ياسر الذي كان ابوه يملك دكاناً يكاد يكون ملاصقاً لباب قبلة صحن الامير الشريف ... و حينما داست اقدامي للمرة الاولى بعد ثمانية سنواتٍ من الغربةِ تراب الوطن سجدت لله شكراً .. و توجهت الى هناك .. كانت الخشية تتملكني و الخوف يسيطر علي لشعوري بالتقصير بواجبي تجاه ديني و امامي ...
جدار الحجرين !
كان الامر الآخر الذي قررت القيام به بمعية صديقي الحبيب ياسر هو التوجه قبل اداء مراسم الزيارة الى الحائط الذي شاهدته في رؤياي ليكون شاهداً عليه معي .. و لا ادري لماذا اخترت ياسر بالذات !! .. قصصت رؤياي عليه اولاً و من ثم توجهنا الى هناك .. و في اعماقي خوف شديد ... وصلنا الى هناك و كانت المفاجأه بالنسبة الينا نحن الاثنين !! يا الهي .. ان مكان الحجرين فارغاً .. لكنه يختلف بعض الشي عن مكان الحجرين الذين اقتلعهما امير المؤمنين ع في رؤياي .. لقد تأكد لي ان رؤياي كانت صحيحة .. و لكن لماذا لم يعيد الامام الأحجار الى موضعهما بعد ان غيرت مجرى حياتي كما اراد مني امامي .. كان لسان حالي يقول : مولاي لماذا ؟؟ لماذا لم ترجعني بنيانك وقد تركت اجمل ذكرياتي في سبيلك و اعتقت هواي من اجل هواك ... و هجرت عينيها لاجل عينيك ؟؟ تألمت كثيراً و دخلت الى داخل الضريح وانا احس بدموعي تخرج من اعماق فؤادي و ليس من محاجر الدمع في عيوني و صديقي يحاول طمأنَتي قائلاً لا تحزن لعلك لم تفسر رؤياكَ بشكل صحيح .. وقال لي ان اهل بيت الرحمة من المستحيل ان يظلموا احداً .. خففت كلماته بعض ما الم بي من الحزن .. و كاد يزيح اخر خيوط همّي .. يقيني بِأنهم اعدل الناس ... لكن كل ذلك لم يُنسيني ان الحجرين لم يكونا هناك ...
كنت قد قررت قضاء شهر رمضان كله هناك .. كان اجمل رمضانٍ في حياتي .. بين اهلي و احبتي و اصدقائي القدامى .. مر الشهر بسرعة .. كعادة الزمن الجميل .. بين زيارات مراقد اهل بين النبوة و الاقارب و الاصدقاء .. و مدرستي القديمه .. و ازقة المدينة التي تجولت بها كثيرا باحثاً عن بعض ذكريات تلك الطفولة الشاحبة .. اقترب موعد الإياب الى غربة الجَسد .. و ودّعت اغلب اصدقائي و اقاربي .. إلا ياسر لم اودعه معهم .. و تركته ليكون اخر دمعه من دموع الوداع .. كما كان هو اول من التقيتهُ من اصدقاء ذلك الزمن الجميل و توجهت الى متجرهم .. و حصلت المفاجئة العظمى التي اخمدت كل نيران الخوف .. بمجرد ان وقعت عيناه عليّ .. توجه الي قائلا انه كان ينتظرني طوال النهار
قلت له : مابك ؟؟ لماذا انت مرتبك لهذا الحد .. مالذي حصل ؟؟
قال : انا اريد ان اخبرك بأمر لكن داخل الصحن الحيدري الشريف
قلت : ما الذي حصل .. أبى ان يخبرني الا داخل المرقد
توجهنا الى هناك بسرعة .. دخلنا و جلسنا في احد الاروقة المقابلة للقبر المقدس .. بداً بالكلام قائلاً :
لقد رأيت ليلة البارحة رؤياً جليلة .. وهي لا تخصني بل تخصك انت!!
قلت متعجباً : انا ؟؟؟؟؟ و كيف ذلك ؟؟؟ تكلم فقد اخفتني
قال وهو يكاد يبكي : لقد رأيت رجلاً نوراني الطلعة بهي الشكل أسمر اللون وهو يلبس البياض و هو قد حمّلني رسالة لك !!!
قلت : لي انا ؟؟ كيف ؟؟؟ من هو ؟؟ تكلم !!!
قال : الرجل قال لي انه مبعوثٌ من امير المؤمنين و هو يطلب منك ان لا تحزن بشأن الحجرين الذين لم يكونا في الجدار في يوم الاياب .. و قال ان الحجران الذَان يخصانك قد ارجعهُما الامير عليه السلام الى جدار صحنهِ المقدس منذ ان اتخذت قرارك بالهجرة في سبيل الله .. و هذين الحجرين هما لشخص آخر يمر بنفس المنعطف .
تمت بحمد الله
و في اواخر سنة 2010 سافرت الى وطني من جديد .. ذهبت هذه المرة الى احد اصدقائي القدامى و اسمه صباح .. و هو يبيع الكتب في دكانه الصغير في سوق الحويش .. و لا ادري كيف اخذنا الحديث الى الرؤى و الاحلام فسردت عليه رؤياي تلك و كان كله آذان صاغية وقد تعجب منها اشد العجب .. و سألته ان كان يعرف المدرسة .. فاخبرني ان مدرسة البروجردي الدينية قد فتحت ابوابها من جديد لطلاب العلم .. و يمكن لاي احد ان يزورها .. طلبت منه ان يصطحبني الى هناك .. ذهبنا الى هناك .. فتحت الباب و إذا بي ارى نفس البناء الذي رأيتهُ في منامي .. نفس الباب و نفس الحجرة التي خرج منه امير المؤمنين ع .. فتعجبت .. رغم اني لم ادخل الى تلك المدرسةً في حياتي قط .. فقد كانت خربةً مغلقة قبل سقوط صنم بغداد ..
توجهت فوراً الى باب تلك الحجرة التي خرج منها امير المؤمنين ع في الرؤيا لأقبِّل بابها تبركاً .. هنالك خرج حارس المدرسة من احدى الغرف الجانبية .. أعتذرت منه ظنا مني بعدم رضاه عن دخولنا الى المدرسة دون اذن منه .. لكنه تبسم ضاحكاً و طلب مني ان اخبره بسر تقبيلي لتلك الباب .. فأخبرته على عجالة بالامر .. فأخبرني ان مثلي الكثير من الناس يأتون خصيصاً و يتوجهون الى تلك الباب .. تماماً كما فعلت انا ... و كلهم قد شاهدوا ما يشابه ما شاهدته في رؤياي العجيبة
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ...
نعم يا احبائي امير المؤمنين عليه السلام .. حي يراكم و يرعاكم كما فعل معي و الله تعالى يقول في كتابهِ العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم {}
يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {} وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ {} وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ..
و جاء في تفاسير اهل البيت عليهم السلام ان أمير المؤمنين علي عليه السلام هو المعني بالآية الكريمة في سورة يس :
و كل شي احصيناهُ في إمامٍ مبين
صدق الله العلي العظيم
زكي الياسري النجفي
|
|
|
|
|