اسرائيل والربيع الكردي
صحف عبرية
2013-02-28
أحدثت الهزة التي تعصف بالشرق الاوسط في أعقاب الربيع العربي تغييرات جغرافية سياسية بعيدة الاثر في منطقتنا. فمن جهة، أدت هذه الى بعض التردي في الميزان الاستراتيجي لاسرائيل، وعمقت هشاشة الاتفاقات التي وقعت مع مصر، الفلسطينيين والاردن. ومن جهة اخرى، فتحت امامها فرصا جديدة، هي تحصيل حاصل لضعف الدول القومية والانهيار المحتمل لاحدى الوحدات السياسية المصطنعة التي صممت بعد الحرب العالمية الاولى.
احد الامثلة البارزة على الدولة القومية في سياق الانهيار هي العراق. فمنذ قيامه لم ينجح العراق في بلورة هوية قومية عراقية شاملة، تجسر الهوة بين القومية العربية والقومية الكردية التي تطلعت الى تقرير المصير. وبدأت التطلعات الكردية تتحقق مع قيام 'اقليم كردستان'، بعد حرب الخليج في 1991، الخطوة التي تسارعت في أعقاب الاجتياح الامريكي للعراق في 2003 والانسحاب منه في 2011. وخلق ضعف الحكم المركزي في بغداد وآثار الربيع العربي وضعا توجد فيه اليوم دولة كردية بحكم الامر الواقع تؤدي مهامها بشكل مستقل في ظل دفع ضريبة لفظية لوحدة العراق الاقليمية. لقد فهم الاكراد بان الاعلان عن اقامة دولة سيجعلهم فقط يصطدمون بدول مجاورة وسيمس بتطلعاتهم على المدى البعيد. ولهذا فقد امتنعوا عن مثل هذه الخطوة الرسمية.
في باقي الدول الثلاثة التي يتواجد فيها الاكراد ايضا، والذين يبلغ عددهم معا اكثر من 30 مليون نسمة، يحدث اليوم 'ربيع كردي' موازٍ لـ 'الربيع العربي'. فالاحداث في سوريا استغلت من الاكراد الذين يسكنون في شمالي الدولة لاقامة حكم ذاتي في منطقتهم الكردية. هذا الحكم الذاتي يعزز علاقاته مع الحكم الذاتي في كردستان العراقية، ويخلق معها تواصلا اقليميا ايضا. وأدت هذه الخطوات بالتوازي الى تشديد ضغوط الاكراد الاتراك لاقامة حكم ذاتي كردي في تركيا، وكذا الاكراد في ايران لا يصمتون.
ويحث الربيع الكردي سياقات التحول الديمقراطي بسرعة اكبر مما في الانظمة الجديدة في المنطقة التي تعتمد على الاسلام السياسي. وتغير هذه التطورات الخريطة الجغرافية السياسية كما عرفناها حتى الان والسؤال المركزي هو كيف ينبغي لاسرائيل أن تستعد حيالها.
على اسرائيل ان تنظر في النقاط التالية:
هل يوجد مجال 'للخروج من العلبة' ومحاولة اقامة علاقات مع القوة الصاعدة في المنطقة، اي الاكراد؟
هل الاكراد أنفسهم معنيون بمثل هذه العلاقة؟
أي تأثير كفيل بان يكون للعلاقات مع الاكراد على علاقات اسرائيل تركيا؟
كيان كردي مستقر ومتين في العراق كفيل بان يشكل ذخرا استراتيجيا صرفا لاسرائيل، ولا سيما عندما يرتبط مثل هذا الكيان بحبله السري بالاكراد في سوريا، في تركيا وفي ايران، ويخلق حضورا عرقيا ذا مغزى يتمتع بتواصل اقليمي. فالاكراد يرون في اسرائيل نموذجا قدوة، وعلى المستوى الشعبي يوجد عطف تجاه اليهود وتجاه اسرائيل، بسبب ما يعتبر شراكة في المصير بين الشعبين اللذين ترفض الدول المحيطة بهما حقهم في دولة خاصة بهم. وأعلن زعماء الاقليم الكردي في العراق غير مرة بان لا مانع من اقامة علاقات مع اسرائيل حين يجد الحكم المركزي من السليم عمل ذلك. وخلف الكواليس يلمحون ايضا بانهم مستعدون لاقامة كل علاقات مع اسرائيل التي تعتبر حليفا طبيعيا في محيط معادٍ للاكراد. ومع ذلك، ففي الاقليم الكردي في العراق توجد مخاوف كبرى من ردود فعل العالم العربي، ولا سيما ايران على اقامة علاقات مع اسرائيل.
الفكرة السائدة في اسرائيل هي أن العلاقات مع الاكراد ستمس بشدة بالعلاقات مع أنقرة. مثل هذا الفهم يتجاهل التغييرات التي وقعت في علاقات تركيا والاكراد وعلاقات تركيا واسرائيل. فقد تحولت تركيا نفسها الى شريان الحياة المركزي، وربما المؤسسة بالفعل لكردستان العراقية. كما أن أنقرة تعمل بكد على حل المشكلة الكردية الداخلية. وعليه فلم يعد هناك مجال للخوف من العلاقات مع الاكراد. فعلاقات تركيا اسرائيل على اي حال توجد في درك أسفل غير مسبوق ولا يبدو في الافق تغيير بعيد الاثر.
فالدعم الذي تعطيه أنقره لحماس، والتي هي منظمة ارهابية بكل معنى الكلمة، والتهجمات التي لا تنتهي على اسرائيل والمس بها في كل محفل دولي يستدعي تأسيس بنية علاقات جديدة تقوم على أساس التماثل والتبادلية. واذا ما وعندما يكون تحسين في العلاقات بيننا وبين تركيا، فان على اسرائيل أن تبقي لنفسها حرية اقامة علاقات مع الاكراد مثلما تقيم تركيا علاقات وثيقة مع الفلسطينيين بل وتظهر كسيدة لحماس.
مرغوب فيه جدا محاولة تحسين العلاقات مع تركيا ولكن يجب الفهم بان التغييرات الواسعة التي حصلت في تركيا تجعل الامر صعبا جدا. فليس الاكراد هم الذين سيشكلون العائق امام تحسين العلاقات واسرائيل يمكنها أن تنزع عنها هذا القيد الذي نبع من الرغبة في الحفاظ على شبكة علاقات سليمة مع الاتراك.
يجدر باسرائيل أن تتبنى سياسة نشطة ترى في الكيان الكردي في شمال العراق وفرعه في سوريا حليفا. وتبني مثل هذه السياسة معناه المساعدة الانسانية، الاقتصادية والسياسية. وبالنسبة للاكراد في تركيا، لا ينبغي لاسرائيل أن تظهر كمن ينبش في الشؤون الداخلية لتركيا ومن جهة اخرى عليها أن تبلور موقفا اخلاقيا بالنسبة للموضوع الكردي. كما أنه لا مانع لان تحث اسرائيل العلاقات مع الاكراد في ايران، الذين يوجدون في مواجهة مع النظام الاسلامي. وللمساعدة الاسرائيلة في مرحلة مبكرة كهذه كفيل بان تكون أهمية في المدى البعيد، وكل ذلك بالطبع على فرض انه يوجد اهتمام كردي لمثل هذه المساعدة. في نظرنا يعد هذا جهدا اسرائيليا جديرا.
عوفرة بنجو وعوديد عيران
' البروفيسورة بنجو هي باحثة في مركز ديان في جامعة تل أبيب؛
د. عيران باحث في مركز بحوث الامن القومي جامعة تل أبيب.
هآرتس 28/2013