|
بــاحــث مهدوي
|
رقم العضوية : 78571
|
الإنتساب : Jun 2013
|
المشاركات : 2,162
|
بمعدل : 0.49 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الباحث الطائي
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 22-06-2014 الساعة : 01:52 AM
الحلقة (8)
على حافة الظهور!*
هل بعث المهدي رسولا ممهدا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على محمد وآله الطاهرين
وعي الظهور:
استنادا لمنطق السنن!
بمعرفة منطق السنن هذا نمتلك مفاتيح رسم معالم الاحداث ومواقف الاطراف والفرقاء في عصر الظهور، اذ كما جرت سنن الانبياء السابقين على النبي (ص) ومن بعده على الإمام علي(ع)، فكذلك الحال مع الإمام المهدي، كما ينص الخبر عن ابي بصير قال: سمعت ابا عبدالله (ع) يقول: "إن سنن الانبياء (ع)، ما وقع عليهم ..جارية في القائم منا اهل البيت حذو النعل بالنعل". هذا النص يؤسس للدراية، لانه يخضع قضية الظهور الى منطق السنن، فينشأ مدخل لكيف فهم البيت النبوي قضية الظهور، وتنبأ بها، وكيف يمكن لنا -اليوم- ان نتصورها ونحاكم ما شككنا فيه منها والتنبؤ بما هو قادم منها؟!.
فقضية ظهور المهدي تطرد فيها سنن الماضيين الجارية في الباقين، كما يقول الإمام زين العابدين: "في القائم منا سنن الانبياء سنة من آدم، وسنة من نوح، وسنة من ابراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد؛ فاما من آدم ومن نوح فطول العمر، وأما من من ابراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، واما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من ايوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد فالخروج بالسيف".
في هذا النص عرض لبعض أوجه سنن الاولين في جريانها على قضية المهدي، الا ان السنن المشار اليها في النص تذكر على سبيل المثال لا الحصر. ورغم ذلك، فان الخبر يوضح كيف ان السنن تهيمن على قضية المهدي بحيث تفرض عليه كل معلم من معالم شخصيته، وقس على ذلك قضية تحركه، التي ينبغي ان تكون كل خطوة فيها تخضع لثوابت السنن وتكون محكومة بها.
اذا لنعتمد خيار الدراية الذي يفسر حدث الظهور وفق منظومة السنن الثابتة التي حكمت الاولين وهي جارية في الاخرين. فهناك سلسلة من السنن التي يأخذ بعضها برقاب بعض لتمنطق الظواهر على اختلافها ..
1. سنة الاصلاح:
إن حركة الخلاص المؤسسة للظهور الكبير سوف يمهد لها المهدي بتحرك يقوم على بناء القاعدة الموالية له بمواصفات معيارية يفرضها القرآن، مما يتطلب القيام بعملية تصحيح واصلاح لتلك القاعدة المشايعة: "ان اريد الا الاصلاح ما استطعت"، ولما كان الوسط المناصر له تاريخيا وتقليديا هو الوسط الشيعي العراقي الموالي لابائه الطاهرين، فسوف تنطلق حركة التمهيد في هذا الوسط التقليدي، الذي طالما احتضن حركات الائمة وابناء الأئمة على امتداد التاريخ.
وسوف يفكر الإمام المهدي(ع) في إقامة مشروعه الإصلاحي بهدف تقويم الانحرافات وتبديل الرموز بأخرى صالحة ومنهجت التفكير وإفشاء العلم بالطريقة التي تؤدي الى ملائمة الوسط مع ظهوره، فيوفر بذلك عوامل النجاح، فيكون الوسط الشيعي بمواصفاته الجديدة قادرا على احتضان الإمام العادل والإسلام القرآني، فيسهل قيادة ذلك الوسط ليقوم بالمهمة التاريخية في تحرير الارض من أئمة حزب الشيطان.*
إن الصفة الاصلاحية لمشروع الظهور المهدوي ارساها النبي(ص) بالقول: "اذا مات علي فسد الدين ولايصلحه الا المهدي بعده". فالاصلاح هي الصفة الاولى لمشروع الحركة المهدية، واول الاصلاح سيتجلى في صورة اصلاح فكري يهدف الى اعادة المضمون للاسم والمعنى للرسم -بعد ان لم يبق من الاسلام الا اسمه ومن القران الا رسمه- قبل ان يتوسل بقوة السلاح التي معها تشرع الأبواب للظهور الكبير الفاتح للارض.
ان سنة الاصلاح تملي نفسها على الكون متظاهرة في آياته، فمثلا الجسم يصلح نفسه عندما يجرح. كما يقاوم الامراض بصورة تلقائية من خلال نظام المناعة، وقد يحتاج الى دعمه بأدوية خارجية، تعزز عملية الاصلاح التي يقوم بها جهاز المناعة.وعلى الصعيد الاجتماعي تصلح المجتمعات نفسها بخروج المصلحين والحركات الاصلاحية، وتفجر الثورات. والخلاصة، ان الاصلاح سنة من سنن الحياة.
الا ان هذه السنة كاصل تتفصل في سنن فرعية مفصلة، ولما كان للإصلاح أصوله وفروعه، فإن المهدي يعتمد التفكير العبوري فيفهم تجربة الحاضر المتشابهة من خلال ردها الى تجربة الماضي المحكمة، والتي منها تجربة جده النبي محمد(ص)، التي فصلت في سنة الاصلاح ومن أبرز تفاصيلها ما ينص عليه الحديث: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يارسول الله! ومن هما قال: الفقهاء والأمراء".
هنا تفصيل في سنة اﻹصلاح يظهر ان إصلاح الأمة يتقوم من خلال (الدين/ والسياسة)، وبفئتين لهما النفوذ الاكبر على اﻷمة (الأمراء/والفقهاء).
واذا فسد اﻷمراء قوموا بالفقهاء، واذا فسد الفقهاء واﻷمراء تطلب القيام بحركة إصلاح في صفوف الفقهاء الذين هم أقرب الى الدين والصلاح من اﻷمراء والساسة.
ولذلك يتوقع من المهدي ان يسعى الى إصلاح المؤسسة الفقهية ورجالها، وسيكون إصلاح ذلك هو المدخل لإصلاح الأمراء بحشد الأمة ضدهم.
ولكن كيف سيبدأ مشروع الاصلاح؟!
ما هي الطريقة التي سيصلح بها الامام المهدي المؤسسة الفقهية لاسيما وهي موجودة طوال هذه القرون؟ باختصار؛ متى وكيف يبدا الاصلاح؟!
ان مشروع الاصلاح المهدوي بحاجة في البداية الى تفعيل سنتين اثنتين: سنة التغيير للنفوس، وسنة الاستنصار!
2. سنة التغيير:
معنى سنة التغيير ان هناك علاقة شرطية بين محتوى الذات والواقع الاجتماعي، فيه يؤسس الواقع الاجتماعي كبنية فوقية على الواقع النفسي كبنية تحتية، وان التحول الاجتماعي والسياسي رهين تغيير النفوس، فالامام يطاح يه في النفوس قبل ان يطاح به في الواقع الخارجي، هذا معنى قوله تعالى: "ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم".
تتولد البداية بوجود ارادة التغيير عند الامة، فمن دون وجود هذه الرغبة، فان حركات التغيير تبؤوا بالفشل ، فليس المصلحون في الاغلب الا مرشدين للراغبين في التغيير، وللباحثين عن خلاص، وللمتبرمين بالواقع الغارق في السلبية، اكثر من كونهم مولدين لهذه الرغبة.
وان ظاهرة التغيير في الامة وفي العالم اخذت بالظهور نتيجة الاحساس المتزايد بواقع الظلم الناتج عن النظم المحلية والعالمية والمتظاهر في صورة فساد عريض يصيب بشره السواد الاعظم من المؤمنين خاصة وسكان الكوكب عامة، وجراء لغياب العدالة تعالت الصرخات والحركات الاحتجاجية والتظاهرات والانتفاضات والثورات.
اننا نلمح التغير من خلال التامل في الحديث، عن ثوبان مولى رسول الله(ص) قال: قال رسول الله (ص): "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قال قلنا يارسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن! قلنا: وما الوهن قال: حب الحياة وكراهية الموت!".
فالملاحظة، ان هذا الحديث صدق فيما مضى من قرون، ولكن بدأت الامة في العقود المتاخرة تخرج من هذا الوهن وتبارز الموت، بل وتعانقه عندما يعري الشباب صدورهم امام طلقات رصاص الانظمة ابان الثورات، ويلبسون الاحزمة الناسفة في مواجهتهم قوات العدو الاسرائيلي وقوات الحلف الاطلسي، لقد تغيروا لما رأووا بالموت ولادة لارواحهم ولحياة جديدة تبعث في أمتهم!
لقد غيرت الامة الوهن في نفوسها بنبذ حب الدنيا والاقبال على الموت حبا للاخرة. فكان هذا التحول هو بشائر لولادة كوكب الارض من جديد.
3. سنة الاستنصار
ثم ان تغيير ما في الذات كمقدمة لتغيير الواقع الاجتماعي، ينزع الى عدالة الدين ويحن متشوقا إلى الأئمة الصالحين والعدول، كما يصفهم التراث الديني، ويتطلع الى المخلص العالمي، الذي له حضوره العالمي في الاديان على اختلافها، الملقب بالمهدي في الاسلام، وبيسوع في المسيحية، وبدانيال في اليهودية!
بمعنى ان التغيير في النفوس يأتي في سياق التطلع الى خلاص جذري وعدت به السماء وتوارثت هذا الوعد أجيال الأبناء عن الآباء، وعاشت على أمل تحققه، فهو خلاص ذو طابع ديني مصدره القوة العظمى الخالقة للوجود.
ويتجلى ذلك بالاستنصار بالمخلص، اي طلب النصر، من خلال نداءات تصدر عن حناجر الافراد والجماعات والشعوب في عملية استغاثة، تطلب الخلاص وتبكي مسترحمة الله عز اسمه بان يمن عليها، ومستعطفة المخلص بان يستعجل خروجه ليضع حدا لمأساتها!
ان سنة الاستنصار تمثل علاقة شرطية ينص عليها قوله تعالى:"وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر"، وتقضي ان يستجيب المستنصر به للمستنصرين الذين يستصرخونه.
فبداية الاصلاح تلوح تباشيره بوجود ارادته عند الامة، استنادا لمقتضى سنة التغيير، وذلك بالتوق الى ظهور المخلص، وهو الذي يتجلى في اخذ الوسط الشيعي بسنة الاستنصار، التي يذكرها قوله تعالى: "وان استنصروكم فعليكم النصر"، اي ان طلب النصر من الامام المهدي يفرض عليه واجب النصرة.
لقد عبر الامام علي (ع) عن سنة الاستنصار عندما وصف كيف انهال المسلمون مطالبينه بالنهوض بالأمر، بعد يوم الدار الذي قتل فيه عثمان، فلم يكن له ان يتخلف عن الاستجابة بمقتضى سنة الاستنصار، وبذلك صرح:"لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت اخرها بكاس اولها ولالفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز".
ثم ان سنة الاستنصار هذه مارسها ايضا اهل الكوفة تجاه الامام الحسين، حيث انهالت عليه رسائل صادرة عن افراد وجماعات اهل الكوفة تستصرخه وتستنصره وتستحثه على الثورة وترهن نفسها لنصرته:"قد اينعت الثمار واخضر الجناب وانما تقدم على جند مجنده". وبلغت الكتب المرسلة تستنصره اثني عشر ألف كتاب، وخضوعا منه لسنة الاستنصار، تحرك الامام حسين ناصرا الامة التي استنصرته.
كذلك جرت سنة الاستنصار مع الامام المهدي في العقود الاخيرة وتشابه امر الامام المهدي مع امر الامام الحسين، فكما فعَّل اهل الكوفة سنة الاستنصار عندما اكثروا من الرسائل التي تطالب الامام الحسين بالخروج وتعده بالنصر، كذلك فعَّل الشيعة في العقود الاخيرة سنة الاستنصار عندما اكثروا من رسائل الاستغاثة الموجهة للامام المهدي تطالبه بالخروج من خلال مراسيم فردية تقام يوميا تعاهده على النصرة، من خلال (دعاء العهد)، وجماعية تقام في كل جمعة تنادي: "عجل على ظهورك" وتندبه في "دعاء الندبة" وتزوره من خلال "زيار آل يس". وتدعو له بالنصر وان تحظى بنصره من خلال دعاء "اللهم ادفع عن وليك .."، وتشفع استغاثتها بالعيون النازفة دمعا.
يضاف الى هذه الاستغاثات -التي تقام بشكل يومي واسبوعي غير ما يجري في المناسبات- أشكال اخرى من الاستغاثات مثل الفقهاء الذين لقبوا انفسهم بنواب الامام المهدي، وجرت الاستغاثة عبر منابر تخطب في الجماهير باسم المهدي، وتدعو له، وبقصائد تلقى من على المنصات تستنصره، وبمواكب تزحف تستصرخه: "يا ابا صالح!".
لم يقتصر الامر على الادعية والندبة والزيارات والقاء القصائد والخطب، وتسيير المواكب، بل وبلغ الاستنصار أوجه بتشكيل كتائب وجيوش باسم الإمام المهدي في ايران والعراق ولبنان وحاربت تلك الكتائب على الجبهات في البلدان الثلاث تحت شعار (يا مهدي ادركنا!).
ترتب على تفعيل سنة الاستنصار لتبلغ أوجها ان فرضت على الامام المهدي الاستجابه، كما فعل أبواه من قبل الامام علي والامام الحسين عندما تجاوبا مع الامة لما استنصرت بهما. فمع وجود شرط الاستنصار: "فان استنصروكم"، تفرض النصرة وجوبا على الإمام: "فعليكم النصر".
الخلاصة، ان الحياة خاضعة لنظام منطقي يتكون من ثنائية (الثابت/ والمتغير)، ففي الحديث عن سنة الاصلاح التي تاخذ بالتفصل من خلال سنتي تغيير النفوس والاستنصار، فان (المتغير) في المشهد التاريخي او المعاصر هي الامة بعد يوم الدار، المستنصرة بالامام علي. واهل الكوفة بعد موت معاوية المستنصرون بالامام الحسين. والمعاصرون المستنصرون بالامام المهدي.
بينما (الثابت) في كل هذه المشاهد هو الشرط المتمثل بقيام الحجة على الامام بوجود الناصر الذي فرض النصرة عليه، فقام الامام علي مناصرا لمن استنصره، وقام اﻹمام الحسين مناصرا لمن استنصره، وهاهو اﻹمام المهدي استجابة للاستنصار يقوم مناصرا لمن استنصره!
ان (الثابت) هو نصرة الإمام للأمة المستنصرة به، وعدم جواز التخلف بحال عند قيام الحجة بوجود الناصر!.
فما هي السنة التالية التي أعقبت وترتبت على سنة التغيير وسنة الاستنصار؟!
لنتابع ذلك في الحلقة القادمة ان شاء الله!
|
|
|
|
|