|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 480
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 18,076
|
بمعدل : 2.67 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
melika
المنتدى :
المنتدى العقائدي
الدور الديني للمراقد
بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 03:05 PM
غير خفيّة آثارُ ومعالم هذه الناحية على أحد، إذ أن الظاهرة الدينية في المجتمعات الإسلاميّة التي فيها مراقد الأئمّة عليهم السّلام تطغى على غيرها من الظواهر بشكل واضح وظاهر للعيان، فتُصبَغ التعاملات والسلوكيات والعلاقات الإنسانية بطابع ديني لا سبيل لإنكاره.
ويبدو واضحاً أن الدافع الديني والرغبة في بناء مجتمع فاضل كان الدافع الأساس لهجرة الناس وسكنهم بجوار المراقد، ولعل بناء وتشييد حاضرة مدينة كربلاء المقدسة المثالُ الصادق لما نقول.
وقد ترتّب على ضوء التزام أبناء هذه المدينة المقدسة وانقيادهم طواعية لأحكام وقواعد هذه الظاهرة منافع جمة، أهمها: أنّ الصفة الغالبة للعلاقة الاجتماعية والأُسرية التي تربطهم هي الحب والود والرحمة والتسامح والسلام، وهي أخلاق وشمائل جاهد صاحب هذه البقعة الشريفة وبذل النفس من أجل ترسيخها وزرعها في النفوس، حيث تختفي النزاعات والمشاكل الاجتماعية بينهم إلى حد بعيد، وأصبح من النادر مراجعتهم السلطات القضائية لحل نزاعاتهم وشكاواهم بل يميلون للذهاب إلى علمائهم وكبارهم لفصل الخصومات وللتحكيم، وعلى هذا الأساس يشير النفيسي إلى ما لمرقد الإمام الحسين عليه السّلام وأخيه العباس عليه السّلام من دور عظيم في حل الخصومة والنزاع فيقول: « ولهذه المقامات المقدّسة حرمتها القضائية، إذ أنّ القاضي الشرعي لا يقبل القَسَم إذا كان حلّ الدعوى يتطلب القسم إلا أن يكون داخلَ الحرم؛ لأنه أوقعُ في النفس وأقرب إلى الواقع ». ويضيف قائلاً: « وأصبحت المراقد وقبور الأئمّة والأولياء، مراكزَ يُقسَم بحرمتها في جميع أنحاء الفرات الأوسط والأسفل... وأهم المراقد حرمة مرقد العباس بن علي في كربلاء، والعباس عندهم رجل شديد الغَيرة يقولون عنه بلغتهم ـ رأسه حار ـ ويريدون بذلك أنه لا يتغاضى عن إثم رجل يستعمل اسمه في قَسَمٍ كاذب » (74).
هذه الفكرة وهذه القدسية بحد ذاتها تساعد على خلق وإشاعة جوّ روحيّ بين الناس، بعيدٍ عن الكذب والنفاق، فيسلم الناس وتتحصّن علاقتهم الاجتماعية من فتك مرضٍ اجتماعي خطير، فيعيشون حياتهم بعيداً عن أجواء المحاكم والعقوبات (75) وما تجرّه من تبعات ومشاكل، ويأمنون على أموالهم وأنفسهم بنسبة كبيرة بالقياس مع بقية المدن الأخرى وتلك التي لا تعتقد بذلك.
يقول النفيسي في محلّ آخر: « لا يستطيع امرؤ خارج نطاق الشيعة أن ينكر ما لهذه المراقد المقدسة من خير ونفع، ولا سيّما لدى المحاكم الشرعية التي تلجأ أحياناً في فضّ الخصومات والدعاوى إلى القَسَم في إحداها لتجريم المذنب أو لتبرئة البريء، إنّ انتشار هذه المراقد عاملُ استقرار في حقل الاتفاقات التجارية والمعاهدات القِبلية، ويخلق جواً من الثقة المتبادلة في حقل العلاقات الاجتماعية » (76).
ويكاد ينعدم في مثل هذه المجتمعات الدينية المحافظة أيُّ أثر للمنكرات والمفاسد والصراعات والآفات الاجتماعية بشتى صورها، فالمواد الكحولية مثلاً ونوادي الفساد الليلية معدومة ومحظورة عرفاً وقانوناً في مثل هذه المدن المقدسة، على رغم سعي بعض الأنظمة الحاكمة لتغيير هذه المجتمعات المحافظة والملتزمة بمعتقداتها وتحويلها إلى مجتمعات مهزوزة ومفكّكة، وذلك بذرائع مختلفة ووسائل متنوعة، وعلى سبيل المثال أقدمت السلطات العراقية في نهاية القرن الرابع عشر الهجري على استقدام الأيدي العاملة من بلدان عدة (77) إلى مدينة كربلاء بشكل لا يتناسب ومكانة هذه المدينة المقدسة وقدرتها واستيعابها وطبيعة جوها الفكري والديني المحافظ، وإيغالاً في التخريب فقد أنشأت مراكزَ وبُؤرَ فساد على بحيرة الرزّازة القريبة من المدينة بغرض نزع واقتلاع الصفة الدينية والثقافية المحافظة لأبناء هذه المدينة وخاصة الشباب منهم، وحاولت السلطة الحكومية تدنيس المدينة عبر إرسالها الوفود النسائية السافرة والخليعة لخلق جوّ من الميوعة والاستهتار والفساد وإسقاط هيبة وحرمة المدينة، إلاّ أن الفشل كان حليفها على الدوام (78).
إن المجتمعات الدينية التي خلقتها هذه المراقد لها ميزاتها الحسنة التي يشعر فيها الإنسان بالراحة والطمأنينة والأمان بعيداً عن القلق والرعب.
لقد كان للمرقدَين: العلويّ والحسينيّ، أثرهما البالغ والعميق في تشيّع جنوب العراق وزرع بذوره وأنواره في المنطقة، وفي هذا الصدد يقول حنّا بطاطو (79): « قبل قرابة ألف سنة خلت كان أبو بكر الخوارزميُّ (80) قد حسد شعب العراق لأنه كما قال: يوجد بينهم مقاما أمير المومنين عليه السّلام والحسين سيد الشهداء عليه السّلام (81)، وفي تلك الأيام لم يكن اسم العراق يشير إلى حدود العراق اليوم بل فقط إلى ذلك الجزء من جنوب الخط الذي بين الأنبار (82) على الفرات وتكريت (83) على دجلة، أي أن عراق تلك الأيام كان يتطابق مع ما هو موطن الشيعة وكان قلب الطائفة يومها ـ كما هو اليوم ـ في الفرات الأوسط، وفي كربلاء سُفك في العام 680 م دم الحسين البذرة الحقيقية ـ للعقيدة الشيعية ـ (84) إضافة إلى قوة الاستمرارية التي هي طبيعة الأديان، وخصوصاً المضطهدة؛ فإنّ أحد العوامل الواضحة التي ضمنت ديمومة النفوذ الشيعي كان وجود المقامات الشيعية في النجف وكربلاء » (85).
شبکة الامام الرضا علیه السلام
|
|
|
|
|