|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 32077
|
الإنتساب : Mar 2009
|
المشاركات : 97
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
جعفر المالكي
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 20-09-2009 الساعة : 03:18 PM
عذرا من الاطلة والاسهاب لنكمل ما ورد في تفسير هذه الاية
أما الرواية فهي أجنبية عن المورد فإنها إن صحت فإنما تنفي اجتماع الأمة على خطإ، و لا تنفي اجتماع أهل الحل و العقد منهم على خطإ، و للأمة معنى و لأهل الحل و العقد معنى آخر، و لا دليل على إرادة معنى الثاني من لفظ الأول، و كذا لا تنفي الخطأ عن اجتماع الأمة بل تنفي الاجتماع على خطإ، و بينهما فرق.
و يعود معنى الرواية إلى أن الخطأ في مسألة من المسائل لا يستوعب الأمة بل يكون دائما فيهم من هو على الحق: إما كلهم أو بعضهم و لو معصوم واحد، فيوافق ما دل من الآيات و الروايات على أن دين الإسلام و ملة الحق لا يرتفع من الأرض بل هو باق إلى يوم القيامة، قال تعالى: فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين: «الأنعام: 89» و قوله: و جعلها كلمة باقية في عقبه: «الزخرف: 28» و قوله: إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون: «الحجر: 9» و قوله: و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه: «فصلت: 42» إلى غير ذلك من الآيات.
و ليس يختص هذا بأمة محمد بل الصحيح من الروايات تدل على خلافه، و هي الروايات الواردة من طرق شتى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الدالة على افتراق اليهود على إحدى و سبعين فرقة و النصارى على اثنتين و سبعين فرقة، و المسلمين على ثلاث و سبعين فرقة كلهم هالك إلا واحدة، و قد نقلنا الرواية في المبحث الروائي الموضوع في ذيل قوله تعالى: و اعتصموا بحبل الله جميعا: «آل عمران: 103».
و بالجملة لا كلام على متن الرواية إن صح سندها فإنها أجنبية عن مورد الكلام، و إنما الكلام في معنى عصمة أهل الحل و العقد من الأمة لو كان هو المراد بقوله: و أولي الأمر منكم.
ما هو العامل الموجب لعصمة أهل الحل و العقد من المسلمين فيما يرونه من الرأي؟ هذه العصابة التي شأنها الحل و العقد في الأمور غير مختصة بالأمة المسلمة بل كل أمة من الأمم العظام بل الأمم الصغيرة بل القبائل و العشائر لا تفقد عدة من أفرادها لهم مكانة في مجتمعهم ذات قوة و تأثير في الأمور العامة، و أنت إذا فحصت التاريخ في الحوادث الماضية و ما في عصرنا من الأمم و الأجيال وجدت موارد كثيرة اجتمعت أهل الحل و العقد منهم في مهام الأمور و عزائمها على رأي استصوبوه ثم عقبوه بالعمل، فربما أصابوا و ربما أخطئوا، فالخطأ و إن كان في الآراء الفردية أكثر منه في الآراء الاجتماعية لكن الآراء الاجتماعية ليست بحيث لا تقبل الخطأ أصلا فهذا التاريخ و هذه المشاهدة يشهدان منه على مصاديق و موارد كثيرة جدا: فلو كان الرأي الاجتماعي من أهل الحل و العقد في الإسلام مصونا عن الخطإ فإنما هو بعامل ليس من سنخ العوامل العادية بل عامل من سنخ العوامل المعجزة الخارقة للعادة، و يكون حينئذ كرامة باهرة تختص بها هذه الأمة تقيم صلبهم، و تحفظ حماهم و تقيهم من كل شر يدب في جماعتهم و وحدتهم و بالآخرة سببا معجزا إلهيا يتلو القرآن الكريم، و يعيش ما عاش القرآن، نسبته إلى حياة الأمة العملية نسبة القرآن إلى حياتهم العلمية فكان من اللازم أن يبين القرآن حدوده و سعة دائرته، و يمتن الله به كما أمتن بالقرآن و بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، و يبين لهذه العصابة وظيفتهم الاجتماعية كما بين لنبيه ذلك، و أن يوصي به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته، و لا سيما أصحابه الكرام و هم الذين صاروا بعده أهلا للحل و العقد، و تقلدوا ولاية أمور الأمة، و أن يبين أن هذه العصابة المسماة بأولي الأمر ما حقيقتها، و ما حدها و ما سعة دائرة عملها، و هل يتشكل هيئة حاكمة واحدة على جميع المسلمين في الأمور العامة لجميع الأمة الإسلامية؟ أو تنعقد في كل جمعية إسلامية جمعية أولي الأمر فيحكم في نفوسهم و أعراضهم و أموالهم؟.
و لكان من اللازم أن يهتم به المسلمون و لا سيما الصحابة فيسألوا عنه و يبحثوا فيه، و قد سألوا عن أشياء لا قدر لها بالنسبة إلى هذه المهمة كالأهلة، و ما ذا ينفقون، و الأنفال قال تعالى: «يسألونك عن الأهلة» و «و يسألونك ما ذا ينفقون» و «يسألونك عن الأنفال» فما بالهم لم يسألوا؟ أو أنهم سألوا ثم لعبت به الأيدي فخفي علينا؟ فليس الأمر مما يخالف هوى أكثرية الأمة الجارية على هذه الطريقة حتى يقضوا عليه بالإعراض فالترك حتى ينسى.
و لكان من الواجب أن يحتج به في الاختلافات و الفتن الواقعة بعد ارتحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينا بعد حين، فما لهذه الحقيقة لا توجد لها عين و لا أثر في احتجاجاتهم و مناظراتهم، و قد ضبطها النقلة بكلماتها و حروفها، و لا توجد في خطاب و لا كتاب؟ و لم تظهر بين قدماء المفسرين من الصحابة و التابعين حتى ذهب إليه شرذمة من المتأخرين: الرازي و بعض من بعده!.
حتى أن الرازي أورد على هذا الوجه بعد ذكره: بأنه مخالف للإجماع المركب فإن الأقوال في معنى أولي الأمر لا تجاوز أربعة: الخلفاء الراشدون، و أمراء السرايا، و العلماء و الأئمة المعصومون، فالقول الخامس خرق للإجماع، ثم أجاب بأنه في الحقيقة راجع إلى القول الثالث فأفسد على نفسه ما كان أصلحه فهذا كله يقضي بأن الأمر لم يكن بهذه المثابة، و لم يفهم منه أنه عطية شريفة و موهبة عزيزة من معجزات الإسلام و كراماته الخارقة لأهل الحل و العقد من المسلمين.
أو يقال: إن هذه العصمة لا تنتهي إلى عامل خارق للعادة بل الإسلام بنى تربيته العامة على أصول دقيقة تنتج هذه النتيجة: أن أهل الحل و العقد من الأمة لا يغلطون فيما اجتمعوا عليه، و لا يعرضهم الخطأ فيما رأوه.
و هذا الاحتمال مع كونه باطلا من جهة منافاته للناموس العام و هو أن إدراك الكل هو مجموع إدراكات الأبعاض، و إذا جاز الخطأ على كل واحد واحد جاز على الكل يرد عليه أن رأي أولي الأمر بهذا المعنى لو اعتمد في صحته و عصمته على مثل هذا العامل غير المغلوب لم يتخلف عن أثره فإلى أين تنتهي هذه الأباطيل و الفسادات التي ملأت العالم الإسلامي؟.
و كم من منتدى إسلامي بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتمع فيه أهل الحل و العقد من المسلمين على ما اجتمعوا عليه ثم سلكوا طريقا يهديهم إليه رأيهم فلم يزيدوا إلا ضلالا و لم يزد إسعادهم المسلمين إلا شقاء و لم يمكث الاجتماع الديني بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أن عاد إلى إمبراطورية ظالمة حاطمة! فليبحث الباحث الناقد في الفتن الناشئة منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما استتبعته من دماء مسفوكة، و أعراض مهتوكة، و أموال منهوبة، و أحكام عطلت و حدود أبطلت! ثم ليبحث في منشئها و محتدها، و أصولها و أعراقها هل تنتهي الأسباب العاملة فيها إلا إلى ما رأته أهل الحل و العقد من الأمة ثم حملوا ما رأوه على أكتاف الناس؟.
فهذا حال هذا الركن الركين الذي يعتمد عليه بناية الدين أعني رأي أهل الحل و العقد لو كان هو المراد بأولي الأمر المعصومين في رأيهم.
فلا مناص على القول بأن المراد بأولي الأمر أهل الحل و العقد من أن نقول بجواز خطئهم و إنهم على حد سائر الناس يصيبون و يخطئون غير أنهم لما كانوا عصابة فاضلة خبيرة بالأمور مدربين مجربين يقل خطؤهم جدا، و أن الأمر بوجوب طاعتهم مع كونهم ربما يغلطون و يخطئون من باب المسامحة في موارد الخطإ نظرا إلى المصلحة الغالبة في مداخلتهم فلو حكموا بما يغاير حكم الكتاب و السنة، و يطابق ما شخصوه من مصلحة الأمة بتفسير حكم من أحكام الدين بغير ما كان يفسر سابقا أو تغيير حكم بما يوافق صلاح الوقت أو طبع الأمة أو وضع حاضر الدنيا كان هو المتبع، و هو الذي يرتضيه الدين لأنه لا يريد إلا سعادة المجتمع و رقيه في اجتماعه كما هو الظاهر المتراءى من سير الحكومات الإسلامية في صدر الإسلام و من دونهم فلم يمنع حكم من الأحكام الدائرة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يقض على سيرة من سيره و سننه إلا علل ذلك بأن الحكم السابق يزاحم حقا من حقوق الأمة، و أن صلاح حال الأمة في إنفاذ حكم جديد يصلح شأنهم، أو سن سنة حديثة توافق آمالهم في سعادة الحياة، و قد صرح بعض الباحثين أن الخليفة له أن يعمل بما يخالف صريح الدين حفظا لصلاح الأمة.
و على هذا فيكون حال الملة الإسلامية حال سائر المجتمعات الفاضلة المدنية في أن فيها جمعية منتخبة تحكم على قوانين المجتمع على حسب ما تراه و تشاهده من مقتضيات الأحوال، و موجبات الأوضاع.
و هذا الوجه أو القول - كما ترى - قول من يرى أن الدين سنة اجتماعية سبكت في قالب الدين، و ظهرت في صورته فهو محكوم بما يحكم على متون الاجتماعات البشرية و هياكلها بالتطور في أطوار الكمال التدريجي، و مثال عال لا ينطبق إلا على حياة الإنسان الذي كان يعيش في عصر النبوة و ما يقاربه.
|
|
|
|
|