العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى القرآن الكريم

منتدى القرآن الكريم المنتدى مخصص للقرآن الكريم وعلومه الشريفة وتفاسيره المنيرة

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية صدى المهدي
صدى المهدي
عضو فضي
رقم العضوية : 82198
الإنتساب : Aug 2015
المشاركات : 1,585
بمعدل : 0.43 يوميا

صدى المهدي غير متصل

 عرض البوم صور صدى المهدي

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي هل تقرأ سورة المؤمنين أم تعيشها؟
قديم بتاريخ : يوم أمس الساعة : 08:22 AM




روي عن الإمام الصادق عليه السّلام‌ «من قرأ سورة المؤمنين ختم اللّه له بالسعادة إذا كان يدمن قراءتها في كلّ جمعة، و كان منزله في الفردوس الأعلی مع النبيّين و المرسلين» [روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة ٢.]٢.

‏و نؤكّد أنّ فضيلة السورة، ليست فقط في تلاوتها، و إنّما يجب أن يرافق ذلك التمعّن في معانيها و العمل بما أوجبته، لأنّ هذا الكتاب يبني الذات الإنسانية و يربّيها، فهو برنامج عملي لتكامل الإنسان، و لو طابق المرء برنامجه العملي مع محتوی هذه السورة- حتّی إن طابق مع آياتها الأولی التي تبيّن صفات المؤمنين- لنال النصيب الأوفر من لدن العلي القدير.



في رواية عن الرّسول صلی اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال حين نزلت الآيات الأولی من هذه السورة: «لقد أنزل إليّ عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة» [روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة ٢.]٣.

‏عبارة «أقام» التي ذكرت مكان «قرء» تعبّر عن الحقيقة التي ذكرناها أعلاه، فالهدف تطبيق ما تضمنّته هذه الآيات و ليس تلاوتها فقط.

‏مضمون سورة المؤمنين:

‏القسم المهمّ من هذه السورة- كما يبدو من اسمها- تحدّث عن صفات المؤمنين البارزة، ثمّ تناولت السورة العقيدة و العمل بها، و هي تتمّة لتلك الصفات.

‏و يمكن إجمالا تقسيم مواضيع هذه السورة إلی الأقسام التالية:

‏القسم الأوّل: يبدأ بالآية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ‌ و ينتهي بعدد من الآيات التي تذكر صفات هي مدعاة لفلاح المؤمنين، و هذه الصفات دقيقة و شاملة تغطّي جوانب الحياة المختلفة للفرد و المجتمع.

‏و بما أنّ أساسها الإيمان و التوحيد، فقد أشار القسم الثّاني من هذه المواضيع إلی علائم أخری للمؤمنين، التوحيد و آيات عظمة اللّه و جلاله في عالم الوجود، فعدّدت نماذج لذلك العالم العجيب في خلق السّماء و الأرض و الإنسان و الحيوان و النبات.

‏و لإتمام الجوانب العمليّة، شرح القسم الثّالث ما حدث لعدد من كبار الأنبياء، كنوح و هود و موسی و عيسی عليهم السّلام، و بيّن شرائح من تأريخ حياتهم للعبرة و الموعظة.

‏و في القسم الرّابع وجّه الخطاب سبحانه و تعالی إلی المستكبرين يحذّرهم ببراهين منطقيّة تارة، و أخری بتعابير دافعة عنيفة، ليعيد القلوب إلی طريق الصواب بالعودة إليه عزّ و جلّ.

‏و بيّن القسم الخامس- في بحث مركّز- المعاد.

‏و تناول القسم السادس سيادة اللّه علی عالم الوجود، و إطاعة العالم و لأوامره. و أخيرا تناول القسم السابع حساب يوم القيامة، و جزاء الخير للمحسنين، و عقاب المذنبين. و ينهي السورة ببيان الغاية من خلق الإنسان.

‏فالسورة مجموعة من دروس العقيدة و العمل، و قضايا التوعية و شرح لنهج المؤمنين من البداية حتّی النهاية.

‏إنّ هذه السورة- كما سبق أن ذكرنا- نزلت في مكّة، إلّا أنّ بعض المفسّرين ذكروا أنّ عددا من آياتها نزل في المدينة، و كان الدافع لذلك وجود آية الزكاة فيها، لأنّ الزكاة شرّعت لأوّل مرّة في المدينة اثر نزول الآية خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً التوبة (١٠٣)، حيث أمر الرّسول صلی اللّه عليه و آله و سلّم بجمع الزكاة من المسلمين.

‏إلّا أنّه يجب الانتباه إلی أنّ للزكاة مفهوما واسعا يشمل الواجب و المستحبّ، و لا يتحدّد معناه بالزكاة الواجبة فقط، لهذا نقرأ في الأحاديث أنّ الصلاة و الزكاة مترادفتان‌ [جاء في حديث عن الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السّلام:« فرض اللّه الزكاة مع الصلاة».]٤.

‏و إضافة إلی ذلك فإنّ بعض المفسّرين يرون أنّ الزكاة كانت واجبة في مكّة أيضا، غير أنّها كانت بصورة مجملة أوجبت علی كلّ مسلم مساعدة المحتاجين بمقدار من ماله، ثمّ أصبحت وفق برنامج محدّد و دقيق بعد تشكيل الحكم الإسلامي في المدينة، حيث حدّد نصابها، و عيّن العاملين عليها، و بعثهم الرّسول صلی اللّه عليه و آله و سلّم إلی المناطق الإسلامية لجمع الزكاة [تفسير روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة ٢.]٥.

‏الآيات [سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١ الی ١١]

‏صفات المؤمنين البارزة:

‏إختيار اسم المؤمنين لهذه السورة- كما تقدّم- لأنّه جاء في بدايتها آيات شرحت بعبارات وجيزة معبّرة صفات المؤمنين، و ممّا يلفت النظر أنّها أشارت إلی مستقبل المؤمنين السعيد قبل بيان صفاتهم، استنارة للشوق في قلوب المسلمين‌ للوصول إلی هذا الفخر العظيم باكتساب صفة المؤمنين. تقول الآية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ‌.

‏كلمة «أفلح» مشتقّة من الفلح و الفلاح، و تعني في الأصل الحرث و الشقّ، ثمّ أطلقت علی أي نوع من النصر و الوصول إلی الهدف و السعادة بشكل عام، و الحقيقة أنّ المنتصرين يزيلون من طريقهم كلّ الموانع و الحواجز لينالوا الفلاح و السعادة، و يشقّون طريقهم لتحقيق أهدافهم في الحياة. و لكلمة الفلاح معنی واسعا بضمّ الفلاح المادّي و المعنوي، و يكون الاثنان للمؤمنين.

‏فالفلاح الدنيوي أن يحيا الإنسان حرّا مرفوع الرّسول عزيز النفس غير محتاج، و لا يمكن تحقيق كلّ ذلك إلّا في ظلال الإيمان و التمسّك باللّه و برحمته.

‏أمّا فلاح الآخرة فهو الحياة في نعيم خالد إلی جانب أصدقاء جديرين طاهرين، حياة العزّ و الرفعة.

‏و يلخّص الراغب الاصفهاني خلال شرحه هذه المفردة بأنّ الفلاح الدنيوي في ثلاثة أشياء: البقاء و الغنی و العزّ، و أمّا الفلاح الاخروي ففي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، و غناء بلا فقر، و عزّ بلا ذلّ، و علم بلا جهل.

‏ثمّ تشرح الآية هذه الصفات فتؤكّد قبل كلّ شي‌ء علی الصلاة فتقول: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ‌.

‏«خاشعون» مشتقّة من خشوع، بمعنی التواضع و حالة التأدّب يتخذها الإنسان جسما و روحا بين يدي شخصيّة كبيرة، أو حقيقة مهمّة تظهر في الإنسان و تبدو علاماتها علی ظاهر جسمه.

‏و القرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنين، و ليس إقامة الصلاة، إشارة منه إلی أنّ الصلاة ليست مجرّد ألفاظ و حركات لا روح فيها و لا معنی، و إنّما تظهر في المؤمن حين إقامة الصلاة حالة توجّه إلی اللّه تفصله عن الغير و تلحقه بالخالق، و يغوص في ارتباط مع اللّه، و يدعوه بتضرّع في حالة تسود جسمه كلّه، فيری نفسه ذرّة إزاء الوجود المطلق لذات اللّه، و قطرة في محيط لا نهاية له.

‏لحظات هذه الصلاة درسا للمؤمن في بناء ذاته و تربيتها، و وسيلة لتهذيب نفسه و سمو روحه.

‏وقد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم صلی اللّه عليه و آله و سلّم‌ حين شاهد رجلا يلهو بلحيته و هو يصلّي قوله: «أمّا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» [تفسير الصافي، و تفسير مجمع البيان، في تفسير الآية موضع البحث.]٦.

‏إشارة منه صلی اللّه عليه و آله و سلّم إلی أنّ الخشوع الباطني يؤثّر في ظاهر الإنسان. و كان كبار قادة المسلمين يؤدّون صلاتهم بخشوع حتّی تحسبهم في عالم آخر، يذوبون في اللّه، حيث نقرأ عنهم‌

‏في حديث عن رسول اللّه صلی اللّه عليه و آله و سلّم‌ «إنّه كان يرفع بصره إلی السّماء في صلاته، فلمّا نزلت الآية طأطأ رأسه و رمی ببصره إلی الأرض» [تفسير مجمع البيان، و تفسير الفخر الرازي، للآية موضع البحث.]٧.

‏و ثاني صفة للمؤمنين بعد الخشوع ممّا تذكره الآية وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ‌ حقّا نری جميع حركات و سكنات المؤمنين تتجّه لهدف واحد مفيد و بنّاء، لأنّ «اللغو» يعني الأعمال التافهة غير المفيدة، و كما قال بعض المفسّرين فإنّ اللغو كلّ قول أو عمل لا فائدة فيه، و إذا فسّر البعض اللغو بالباطل.

‏و بعض فسّره بالمعاصي كلّها.

‏و آخر بمعنی الكذب.

‏و آخر: السباب أو السباب المتقابل.

‏و البعض الآخر قال: إنّه يعني الغناء و اللهو و اللعب.

‏و آخر: إنّه الشرك. فإنّ هذه المعاني مصاديق ذلك المفهوم العام.

‏و طبيعي أنّ اللغو لا يشمل الأفعال و الكلام التافه فقط، و إنّما يعني الآراء التافهة التي لا أساس لها، التي تنسي العبد ربّه و تشغله بها دون الأمور المفيدة، إذن فاللغو يتضمّن كلّ هذا، و الحقيقة أنّ المؤمنين لم يخلقوا من أجل الانشغال بآراء باطلة أو كلام تافه، بل هم معرضون عنها، كما قال القرآن الكريم.

‏و تشير الآية الثّالثة إلی ثالث صفة من صفات المؤمنين الحقيقيين، و هي ذات جانب اجتماعي و مالي حيث تقول: وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ‌ [الزكاة تعني هنا أنّ لها مصدرا، و لهذا استعملت عبارة« فاعلون» بعدها. و قال مفسّرون آخرون: إنّه يمكن أن تعني الزكاة ذلك المعنی المعروف عنها، أي مقدار من المال، و لهذا تكون( فاعلون) بمعنی مؤدّون.]٨.

‏ربّما تكون السورة مكّية، كما قلنا سابقا، نزلت في وقت لم تشرّع فيه الزكاة بعد بمعناها المعروف، لذلك نجد اختلافا بين المفسّرين في تفسير هذه الآية، و لكن الذي يبدو أصوب هو أنّ الزكاة لا تنحصر بالزكاة الواجبة الأداء، و إنّما هناك أنواع كثيرة منها مستحبّة، فالزكاة الواجبة شرعت في المدينة، إلّا أنّ الزكاة المستحبّة كانت موجودة قبل هذا.

‏و ذهب مفسّرون آخرون إلی احتمال أن تكون الزكاة واجبة كحكم شرعي في مكّة لكن دون تحديد، حيث كان الواجب علی كلّ مسلم مساعدة المحتاجين بما يتمكّن، إلّا أنّه أصبح للزكاة أسلوبها الخاص عقب تشكيل الحكم الإسلامي و تأسيس بيت مال المسلمين، حيث تحدّدت أنصبتها من كلّ محصول و مال.

‏و أصبح لها جباة يجبونها من المسلمين بأمر من الرّسول صلی اللّه عليه و آله و سلّم.

‏أمّا ما يراه بعض المفسّرين أمثال الفخر الرازي و الآلوسي في «روح المعاني» و الراغب الاصفهاني في مفرداته من أنّ الزكاة هنا تعني عمل الخير أو تزكية المال أو تطهير الروح، فبعيد، لأنّ القرآن المجيد كلّما ذكر الصلاة مع الزكاة يقصد بالزكاة الإنفاق المالي، و لو فسّرناه بغير هذا، فذلك يحتاج إلی قرينة واضحة لا توجد في هذه الآيات.

‏و رابع صفة من صفات المؤمنين هي الطهارة و العفّة بشكل تامّ، و اجتناب أي معصية جنسية، حيث تقول الآية: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ‌ يحفظونها ممّا يخالف العفّة إِلَّا عَلی‌ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‌.

‏بما أنّ الغريزة الجنسية أقوی الغرائز عند الإنسان تمرّدا، و لضبط النفس عنها يحتاج المرء إلی التقوی و الإيمان القوي، لهذا أكدّت الآية التالية علی هذه المسألة فَمَنِ ابْتَغی‌ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ‌.

‏إنّ عبارة المحافظة علی «الفروج» قد تكون إشارة إلی أنّ فقدان المراقبة المستمرة في هذا المجال تؤدّي بالفرد إلی خطر التلوث بالانحرافات الكثيرة.

‏أمّا عبارة أَزْواجِهِمْ‌ فهي تشمل الزوجين الذكر و الأنثی، رغم أنّ بعض مفسّري أهل السنّه وقعوا في خطأ في تفسير هذه الآية سنشير إليه لا حقا.

‏و يمكن أن تكون عبارة غَيْرُ مَلُومِينَ‌ إشارة إلی الرأي الخاطئ عند المسيحيين الذي أصبح يشكّل انحرافا في عقيدتهم، و هو أنّ أي اتّصال جنسي يعتبر فعلا غير لائق بالإنسان و تركه فضيلة له، حتّی نری القساوسة الكاثوليك- نساء و رجالا- ممّن طلّق الدنيا يحيون عزّابا و يتصوّرون الزواج بأي شكل كان خلافا لمنزلة الإنسان الروحية و هذه القضيّة شكلية فحسب، حيث يختار هؤلاء لإشباع غرائزهم سبلا خفيّة متعدّدة. ذكرتها كتبهم) [يراجع بهذا المورد قصّة الحضارة لويل ديورانت.]٩.

‏و علی كلّ حال فإنّ اللّه لم يخلق في الإنسان غريزة كجزء من مكوّناته المثلی، ثمّ يعتبرها تناقض منزلة الإنسان عنده.

‏و كون الزوجات حلّا للأزواج في علاقتهنّ الجنسيّة باستثناء أيّام العادة الشهرية و أمثالها، لا تحتاج إلی شرح. و كذلك كون الجواري حلالا عند ما يكنّ علی وفق شروط ذكرتها الكتب الفقهيّة و ليس كما يتصوّر البعض أنّ كلّ واحدة منهنّ و دون شرط حلّ لمالكها، و في الحقيقة لهنّ شروط الزوجة في حالات كثيرة. و أشارت الآية الثامنة- موضع البحث- إلی الصفتين الخامسة و السادسة من صفات المؤمنين البارزة، حيث تقول: وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ‌ إنّ المحافظة علی «الأمانة» بالمعنی الواسع للكلمة، و كذلك الالتزام بالعهد و الميثاق بين يدي الخالق و الخلق من صفات المؤمنين البارزة. و تعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة اللّه و رسوله إضافة إلی أمانات الناس، و كذلك ما أنعم اللّه علی خلقه.

‏و تضمّ أيضا أمانة اللّه الدين الحقّ و الكتب السماوية و تعاليم الأنبياء القدماء، و كذلك الأموال و الأبناء و المناصب جميعها أمانات اللّه سبحانه و تعالی بيد البشر، يسعی المؤمنون في المحافظة عليها و أداء حقّها. و يحرسونها ما داموا أحياء.

‏و يرثها أبناؤهم الذين تربّوا علی أداء الأمانات و الحفاظ عليها.

‏و الدليل علی عموميّة مفهوم الأمانة هنا، إضافة إلی سعة المفهوم اللغوي لهذه الكلمة، هو أحاديث عديدة وردت في تفسير الأمانة بأنّها (أمانة الأئمّة المعصومين) أي: ينقلها كلّ إمام إلی وارثه‌ [تفسير البرهان، المجلّد الأوّل، صفحة ٣٨٠.]١٠.

‏و أحيانا تفسير الأمانة بأنّها الولاية بشكل عامّ.

‏و ممّا يلفت النظر رواية زرارة أحد تلاميذ الإمام الباقر عليه السّلام و الإمام الصادق عليه السّلام عن قوله تعالی‌ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی‌ أَهْلِها [سورة النساء، ٥٨.]١١ «أدّوا الولاية إلی أهلها ...» [المصدر السابق.]١٢.

‏و هكذا يكشف عن أنّ الحكومة وديعة إلهيّة مهمّة جدّا يجب إيداعها بيد من هو أهلها.

‏و هناك تعابير قرآنية عديدة تدلّ علی عمومية و شمولية العهد، منها: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ إِذا عاهَدْتُمْ‌. و الجدير بالملاحظة أنّ بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة و عدم خيانتها و المحافظة عليها، و «رعاية الأمانة» التي استعملت في الآية السابقة تضمّ معنی الأداء و المحافظة.

‏فعلی هذا فانّ التفسير في المحافظة علی الأمانة و الذي يؤدّي إلی وقوع ضرر أو تعرّضها للخطر، يوجب علی الأمين إصلاحها (و بهذا تترتّب ثلاثة واجبات علی الأمين: الأداء، و المحافظة، و الإصلاح) فلا بدّ أن يكون الالتزام بما تعهّد به المرء و المحافظة عليه.

‏و أداء الأمانة من أهمّ القواعد في النظام الاجتماعي، و دون ذلك يسود التخبّط في المجتمع. و لهذا السبب نری شعوبا لا تتمسّك عامّتها بالدين، إلّا أنّها- سعيا منها لمنع الاضطراب- تفرض علی نفسها رعاية العهد و الأمانة، و تعتبر نفسها مسئولة أمام هذين المبدأين- في أقلّ تقدير- في القضايا الاجتماعية العامّة (و قد بيّنا بإسهاب أهميّة الأمانة في تفسير الآية (٥٨) من سورة النساء. و في تفسير الآية (٢٧) من سورة الأنفال، و شرحنا الوفاء بالعهد في تفسير الآية الأولی من سورة المائدة و في تفسير الآية (٩١) من سورة النحل).

‏و بيّنت الآية التاسعة من الآيات موضع البحث آخر صفة من صفات المؤمنين حيث تقول: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلی‌ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ‌.

‏و ممّا يلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، و آخرها المحافظة عليها، بدأت بالصلاة و انتهت به. لماذا؟ لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بين الخالق و المخلوق، و أغنی مدرسة للتربية الإنسانية.

‏الصلاة وسيلة ليقظة الإنسان و خير وقاية من الذنوب.

‏و الخلاصة، إنّ الصلاة إن أقيمت علی وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعا.

‏و جدير بالذكر إلی أنّ الآيتين الأولی و الأخيرة تضمنّت كلّ واحدة منها موضوعا يختلف عن الآخر، فالآية الأولی تضمّنت الصلاة بصورة مفردة، و الأخيرة بصورة جماعية. الأولی تضمنّت الخشوع و التوجّه الباطني إلی اللّه. هذا الخشوع الذي يعتبر جوهر الصلاة، لأنّ له تأثيرا في جميع أعضاء جسم الإنسان، و الآية الأخيرة أشارت إلی آداب و شروط صحّة الصلاة من حيث الزمان و المكان و العدد، فأوضحت للمؤمنين الحقيقيين ضرورة مراعاة هذه الآداب و الشروط في صلاتهم.



‏و قد شرحنا أهميّة الصلاة في المجلّدات المختلفة لهذا التّفسير. فليراجع تفسير الآية (١١٤) من سورة هود و كذلك تفسير الآية (١٠٣) من سورة النساء و في تفسير الآية (١٤) من سورة طه.

‏بعد بيان هذه الصفات الحميدة، بيّنت الآية التالية حصيلة هذه الصفات فقالت:

‏أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ‌.

‏أولئك الذين يرثون الفردوس و منازل عالية و حياة خالدة الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ‌.

‏«الفردوس»- علی قول- هي مفردة رومية. و ذهب آخرون إلی أنّها عربية، و قيل فارسية بمعنی «البستان». أو بستان خاص اجتمعت فيه جميع تسميتها بالجنّة العالية، و أفضل البساتين.

‏و يمكن أن تكون عبارة «يرثون» إشارة إلی نيل المؤمنين لها دون تعب مثلما يحصل الوارث الإرث دون تعب. و صحيح أنّ الإنسان يبذل جهودا واسعة و يضحي بوقته و يسلب راحته في بناء ذاته و التقرّب إلی اللّه، إلّا أنّ هذا الجزاء الجميل أكثر بكثير من قدر هذه الأعمال البسيطة، و كأنّ المؤمن ينال الفردوس دون تعب و مشقّة.

‏كما يجب ملاحظة حديث‌

‏روي عن النّبي الأكرم صلی اللّه عليه و آله و سلّم‌ «ما منكم من أحد إلّا و له منزلان: منزل في الجنّة، و منزل في النّار، فإن مات و دخل النّار ورث أهل‌ الجنّة منزلة».

‏كما يمكن أن تكون عبارة «يرثون» في الآية السابقة إشارة إلی حصيلة عمل المؤمنين، فهي كالميراث يرثونه في الختام، و علی كلّ حال فإنّ هذه المنزلة العالية- حسب ظاهر الآيات المذكورة أعلاه- خاصّة بالمؤمنين الذين لهم هذه الصفات، و نجد أهل الجنّة الآخرين في منازل أقلّ أهميّة من هؤلاء المؤمنين.

‏ملاحظات‌

‏١- إختيار الفعل الماضي «أفلح» لنجاح المؤمنين، تأكيد أقوی‌

‏أي إنّ نجاحهم طبيعي و كأنّه تحقّق من قبل. و جاءت كلمة (قد) أيضا لتأكيد هذا الموضوع ثانية. و جاءت عبارات (خاشعون) و (معرضون) و (راعون) و (يحافظون) بصيغة اسم فاعل أو فعل مضارع دليلا علی أنّ هذه الصفات البارزة ليست مؤقتة في المؤمنين الحقيقيين، بل هي دائمة فيهم.

‏٢- الزوجة الدائمة و المؤقتة

‏يستفاد من الآيات المذكورة أعلاه علی أنّ هناك نوعين من النساء يجوز الدخول بهما: الأولی الزوجات، و الثّانية الجواري (بشروط خاصّة)، لهذا استندت الكتب الفقهيّة علی هذه الآية في مواضيع عديدة خلال بحث النكاح.

‏و لكن بعض المفسّرين و الفقهاء من أهل السنّة حاولوا الاستفادة من هذه الآية في إثبات حرمة الزواج المؤقت.

‏و مع ملاحظة هذه الحقيقة، و هي أنّ من الثابت المسلّم به هو أنّ الزواج المؤقت (المتعة) كان حلالا علی عهد الرّسول صلی اللّه عليه و آله و سلّم و لم ينكره أحد من المسلمين، إلّا أنّ البعض يری أنّه كان في صدر الإسلام و عمل به الكثير من الصحابة، إلّا أنّه‌ نسخ، و قال آخرون: إنّ عمر بن الخطاب منعه.

‏و مفهوم كلام هذه المجموعة من المفسّرين السنّة- بعد ملاحظة هذه الحقائق- هو أنّ النّبي صلی اللّه عليه و آله و سلّم (و العياذ باللّه) أجاز الزنا في أقلّ تقدير لفترة محدّدة، و هذا غير صحيح أبدا.

‏إضافة إلی أنّ «المتعة» خلافا لتصوّر هؤلاء، هي نوع من الزواج المؤقت بعظم شروط الزواج الدائم، و علی هذا فإنّ عبارة: إِلَّا عَلی‌ أَزْواجِهِمْ‌ هي بالتأكيد تتضمنّه. و لهذا السبب تستخدم صيغ الزواج الدائم (أنكحت و زوّجت) مع ذكر مدّة الزواج عند قراءة صيغة الزواج المؤقت، و هذا خير دليل علی كون المتعة زواجا.

‏و قد بيّنا بالتفصيل الأمور المتعلّقة بالزواج المؤقت و أدلّته الشرعيّة في الإسلام، و عدم نسخ هذا الحكم الإلهي، و كذلك فلسفته الاجتماعية، في تفسير الآية (٢٤) من سورة النساء.

‏٣- الخشوع روح الصلاة

‏إذا اعتبر الركوع و السجود و القراءة و التسبيح جسم الصلاة، فالتوجّه الباطني إلی حقيقة الصلاة، و إلی من يناجيه المصلّي، هو روح الصلاة. و الخشوع ما هو إلّا توجّه باطني مع تواضع. و علی هذا يتبيّن أنّ المؤمنين لا ينظرون إلی الصلاة كجسم بلا روح، بل إنّ جميع توجّههم إلی حقيقة الصلاة و باطنها.

‏و هناك عدد كبير من الناس يودّ بشوق بالغ أن يكون خاشعا في صلاته، إلّا أنّه لا يتمكّن من تحقيق ذلك.

‏و لتحقيق الخشوع و التوجّه التامّ إلی اللّه في الصلاة و في سائر العبادات، أوصي بما يلي:

‏١- نيل معرفة تجعل الدنيا في عين المرء صغيرة تافهة، و تجعل اللّه كبيرا عظيما، حتّی لا تشغله الدنيا بما فيها عن الذوبان في اللّه عند مناجاته و عبادته.

‏٢- الاهتمام بالأمور المختلفة يمنع الإنسان من تركيز أفكاره و حواسّه، و كلّما تمكّن الإنسان من التخلّص من مشاغله حصل علی توجّه إلی اللّه في العبادة.

‏٣- إختيار مكان الصلاة و سائر العبادات له أثر كبير في هذه المسألة، لهذا فإنّ الصلاة مع انشغال البال بغيرها تعدّ مكروهة، و كذلك في موضع مرور الناس أو قبال المرآة و الصورة، و لهذا الأسباب تكون المساجد الإسلامية أفضل إن كانت أبسط بناء و أقلّ زخرفة و أبّهة، ليكون التوجّه كلّه للّه فاطر السموات و الأرض.

‏٤- اجتناب المعاصي عامل مؤثّر في التوجّه إلی اللّه، لأنّ المعصية و الذنب تبعد الشقّة بين قلب المسلم و خالقه.

‏٥- معرفة معنی الصلاة و فلسفة حركاتها و الذكر عامل مؤثّر كبير علی ذلك.

‏٦- و يساعد علی ذلك أداء المستحبّات، سواء كانت قبل الدخول في الصلاة أو في أثنائها.

‏٧- و علی كلّ حال فإنّ هذا العمل هو كبقيّة الأعمال الأخری يحتاج إلی تمرين متواصل، و يحدث كثيرا أن يحصل الإنسان علی قدرة التركيز الفكري في لحظة من لحظات الصلاة، و بمواصلة هذا العمل و متابعته يحصل علی قدرة ذاتية يمكنه بها إغلاق أبواب فكره في أثناء الصلاة إلّا علی خالقه (فتأمّلوا جيدا).

‏١ تفسير مجمع البيان، المجلّد السابع، صفحة ٩٨.

‏٢ روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة ٢.

‏٣ روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة ٢.

‏٤ جاء في حديث عن الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السّلام:« فرض اللّه الزكاة مع الصلاة».

‏٥ تفسير روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة ٢.

‏٦ تفسير الصافي، و تفسير مجمع البيان، في تفسير الآية موضع البحث.

‏٧ تفسير مجمع البيان، و تفسير الفخر الرازي، للآية موضع البحث.

‏٨ الزكاة تعني هنا أنّ لها مصدرا، و لهذا استعملت عبارة« فاعلون» بعدها. و قال مفسّرون آخرون: إنّه يمكن أن تعني الزكاة ذلك المعنی المعروف عنها، أي مقدار من المال، و لهذا تكون( فاعلون) بمعنی مؤدّون.

‏٩ يراجع بهذا المورد قصّة الحضارة لويل ديورانت.

‏١٠ تفسير البرهان، المجلّد الأوّل، صفحة ٣٨٠.

‏١١ سورة النساء، ٥٨.

‏١٢ المصدر السابق.


من مواضيع : صدى المهدي 0 صلح الإمام الحسن عليه السلام
0 هل تقرأ سورة المؤمنين أم تعيشها؟
0 التعريف بنهج البلاغة
0 الغيبة الكبرى.. فلسفتها
0 الحكم الشرعي في مخالفة القوانين الوضعيّة للمرور
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 02:16 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية