العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العلمي والتقني

المنتدى العلمي والتقني المنتدى مخصص للأمور الفنية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

خادم الشيعة
عضو فضي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 1,581
بمعدل : 0.26 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العلمي والتقني
افتراضي الهداية الإلهية في عالم الخلايا
قديم بتاريخ : يوم أمس الساعة : 11:48 AM


الهداية الإلهية في عالم الخلايا

سماحة العلامة الشيخ محمد تقي الفلسفي رحمه الله

الشيخ محمد تقي الفلسفي

يتقدم الانسان دوماً نحو الرقي و التكامل ... كثير من الحقائق كان يجهلها الناس أمس الأول وكشف الحجاب عنها أمس ، و قسم من الحقائق كانت مجهولة أمس ، و إذا بالعلم يكشف عن أسرارها اليوم ... و هكذا فإن هناك كثيراً من الحقائق يجهلها العالم اليوم ، و لكنها ستنكشف لعالم الغد . و على مر الأيام كلما انكشفت زاوية مجهولة في هذا الكون الفسيح و رفع النقاب عن سر مكنون ... إطلع العالم على النظام الحكيم الذي أودعه الله ، فيقف إجلالاً و يركع خضوعاً و خشوعاً حيال عظمته و حكمته .
و حين كان موسى يتكلم مع فرعون حول توحيد الله ... و حين نزل حديث موسى بن عمران بصورة آية من القرآن على نبينا العظيم ، كانت معلومات البشر عن نظام الخلقة ، و أسرارها العجيبة محدودة و ضئيلة جداً ولم يكن الناس ليتوصلوا إلا إلى ما تراه عيونهم المجردة القاصرة غافلين كل الغفلة عن أن الحقائق التي لا تدرك بالعين المجردة ، و الأمواج التي لا تسمع بالأذن العادية أكثر بكثير ن المبصرات و المسموعات العادية للبشر . لكن أئمة الاسلام الهداة ، و القادة المعصومين الذين كانوا ينظرون بنور الوحي و الإلهام و بعين الحقيقة و الواقع التي لا تحجبها الأستار المادية ، كانوا على علم بجميع تلك الحقائق .
يذكر الامام علي ( عليه السلام ) هذه الحقيقة في خطبة من خطبه ، ضمن حمد الله و الثناء عليه قائلاً : « و ما الذي نرى من خلقك ، و نعجب له من قدرتك ، و نصفه من عظيم سلطانك ؟ و ما يغيب عنا منه و قصرت أبصارنا عنه ، و انتهت عقولنا دونه ، و حالت سواتر الغيوب بيننا و بينه ... أعظم » 1 .

الموجودات المجهرية
لم يكن ليعرف الانسان قبل أربعة عشر قرناً شيئاً عن العالم المحير و العجيب للموجوادات المجهرية ، ولم يكن بالامكان للعلماء في عصر نزول القرآن أن يؤمنوا أن في القطرة الواحدة من نطفة الرجل تسبح ملايين الموجودات الحية ... و لكننا نجد في ذلك العصر حينما يسأل ( الفتح بن يزيد الجرجاني ) من الامام الرضا ( عليه السلام ) عن سبب تسمية الله باللطيف يقول الإمام في جوابه : « للخلق اللطيف ، و لعلمه بالشيء اللطيف ... و من الخلق اللطيف ، و من الحيوان الصغار و من البعوض و الجرجس و ما هو أصغر منها ، ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان ـ لصغره ـ الذكر من الأنثى ، و الحدث المولود من القديم » 2 .
هذا الحديث يرينا أن الامام الرضا عليه السلام كان مطلعاً في ذلك الزمان على وجود الحيوانات المجهرية ، و لذلك فهو يذكر السبب في تسمية الله باللطيف ، خلقه تعالى للأشياء الدقيقة الصغيرة بنظم متقن و إبداع عجيب ، حيث أنها لصغرها لا يمكن أن ترى بالعين المجردة .

المستقبل الوضاء
و في تلك الأيام التي كانت معلومات علماء البشر محدودة و كانوا لا يعرفون الكثير من الحقائق المكتشفة اليوم لعدم حصولهم على الوسائل و الآلات العليمة ... و في تلك الأيام بالذات ظهر القرآن الكريم ببشارة سعيدة للبشرية ، و بعث في نفوس البشر الأمل الوطيد في وصولهم إلى حقائق خفية و أسرار مكنونة فقال : ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ... ﴾ 3
فتنطلق هذه البشارة باعثة الأمل في نفوس الباحثين ليعلموا أن المستقبل سيظهر لهم الكثير من آيات الله في الآفاق الكونية ، و في بناء البشر أنفسهم ... ليصلوا إلى النتيجة المطلوبة و هي أن الله هو الحق و الموجود .
... و كأن الله تعالى يقول للبشر في عصر النبي ( صلى الله عليه و آله ) : بالرغم من أنني أظهرت كثيرا من الآيات و الحقائق للبشر ، و لكن الحقائق التي يمكن اكتشافها لهم هي أكثر بكثير من الحقائق المكتشفة لحد الآن . و في المستقبل القريب ، سأظهر لهم من الآيات الجديدة و الحقائق الكثيرة ما يكفل لهم إتضاح الحق و القدرة الإلهية أكثر .
و كأن الأئمة عليهم السلام كانوا يتنبأون بالتقدم العلمي للبشر ، و التعمق الذي سيبذلونه في بحوثهم في العصور التالية ، و لذلك فكانوا يذكرون ذلك في الأوقات المناسبة ...
« سئل علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن التوحيد ، فقال : الله عز و جل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون ، فأنزل الله : ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ 4 و الآيات من « سورة الحديد » ... » 5 .
إن مما لا شك فيه هو أن البشر اليوم قد اكتشفوا ـ بفضل التقدم العلمي ـ كثيراً من الحقائق و الأسرار في الآفاق الكونية و النفس الإنسانية مما لم يكن يحدس به أصحاب القرون السابقة ، فمثلاً كان السابقون يستفيدون من قوله تعالى : « ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى » بمقدار ما كان يعرف البشر من أسرار العالم حينذاك ، فكانوا يعرفون مثلاً أن النحلة تملك الأدوات اللازمة لها في صنع غذائها و كذلك تعرف بفضل الهداية الفطرية كيفية استخدامها . أو أن الحمامة تعرف ـ بالهداية الفطرية ـ كيف و أن تضع عشها ، وكيف تحافظ على فروخها .
أما العلماء اليوم فإنهم عبروا المراحل التي تدرك بالعين المجردة . و شاهدوا الموجودات الحية التي ليست قابلة للرؤية ، بواسطة العين المسلحة ( بسلاح المجهر ) ، و تمكنوا أن يراقبوا نشاط الخلية التي تعتبر الوحدة الأولى لجميع الأحياء في العالم . إن ما لا شك فيه هو أن هذه الاكتشافات العلمية قد كشفت الستار عن كثير من آيات الله الخفية و أرتنا قدرة الله العظيم في الهداية الفطرية التي أودعها في هذه الموجودات لمزاولة نشاطها بصورة أوسع مما مضى .

عالم الخلية
لقد قام الدكتور ( الكسيس كارل ) 6 بتجارب دقيقة حول حياة الخلايا خارج محيط البدن و توصل إلى كشف رموز دقيقة في اختباراته العلمية ، و من خلال قراءة بعض الفقرات من عباراته يتضح لنا أن الخلية الصغيرة الدقيقة لم تحرم أيضاً من فيض الهداية الفطرية التي أودعها الله تعالى في هذا الكون ، إنه يقول :
« ولقد عرف علماء التشريح و الفسيولوجيا الصفات المميزة للأنسجة و الأعضاء أي جمعيات الخلايا ، منذ أمد بعيد و لكنهم نجحوا حديثاً فقط في تحليل صفات الخلايا نفسها و لقد أمكن دراسة الخلايا الحية في قنينة بسهولة كما يمكن دراسة النمل في الخلية . و ذلك بسبب الطرق الحديثة المستخدمة في توزيع الأنسجة . و لقد كشفت هذه الخلايا عن نفسها و عما وهبته من قوى لا يرقى إليها الشك ذات صفات مذهلة ... و مع أن هذه الصفات تقديرية في أحوال الحياة الطبيعية ، فإنها تصبح حقيقة تحت تأثير المرض حينما يتعرض الوسط العضوي إلى تغييرات ( طبيعية ـ كيماوية ) معينة » 7 .
« و الخلايا ، كالحيوانات ، تنتمي إلى أجناس مختلفة ، و هذه الأجناس أو الأنواع تعين بصفات تكوينها و وظائفها المميزة لها » 8 .
« وحينما تربى مختلف هذه الأنواع من الخلايا في قنينة فإن صفاتها المميزة تصبح من الوضوح مثل الصفات المميزة لمختلف الجراثيم . فلكل نوع صفاته الفطرية الملازمة له والتي تظل محدودة حتى بعد أن تنقضي بضعة أعوام على انفصاله من الجسم ... » 9 .
« ويبدو أن الخلايا تتذكر وحدتها الأصلية حتى حينما تصبح عناصر مجهرة لا عدد لها .. أنها تعرف ، من تلقاء ذاتها ، الوظائف المطلوب منها تأديتها في الجسم كوحدة . فلو أننا زرعنا خلايا أبثيلية عدة أشهر ، و هي بعيدة عن الحيوان الذي تنتسب إليه ، فإنها تنظم نفسها تنظيماً يشبه الفسيفساء كما لو كانت ستحمي سطحاً تاماً و مع ذلك فان هذا السطح يكون غير موجود ، كذلك فإن كرات الدم البيضاء التي تعيش في قنينة تبذل قصارى جهدها للفتك بالجراثيم و الكرات الحمراء على الرغم من عدم وجود جسم تتولى حمايته من غزو هذه الأعداء . و ذلك لأن إلمامها الفطري بالدور الذي يجب عليها أن تلعبه في الجسم إن هو إلا وسيلة للبقاء تلتزمها جميع عناصر الجسم ».
« و تختص الخلايا المعزولة بقوة إعادة إنشاء التكوين الذي يتميز به كل عضو من غير إرشاد أو من غير غرض معين ، فلو أن عدة كرات حمراء انسالت بفعل الجاذبية ، من قطرة من الدم وضعت في وسائل البلازما و كونت مجرى دقيقاً ، فانها سرعان ما تنشىء له شاطئين و لن يلبث هذان الشاطئان أن يغطيا نفسيهما بخويطات من الليفين و يصبح المجرى أنبوية تنسال فيها الكرات الحمراء مثلما تنسال في وعاء دموي ، وتحيط نفسها بغشائها المتماوج . و في هذه الأثناء يتخذ مجرى الدم مظهر وعاء شعري مغلف بطبقة من الخلايا القابضة و هكذا فإن كرات الدم الحمراء والبيضاء المعزولة تستطيع أن تنشىء قطاعاً صغيراً من جهاز الدورة الدموية على الرغم من عدم وجود قلب أو دورة دموية أو أنسجة لترويها » 10 .

القيام بالواجب في الخلية
إن ما كان يعرفه علماء البشر بالأمس عن الهداية الفطرية للموجودات الحية كان مقتصراً مثلاً على أن القطة التي هي من الأحياء قد جهزت بالوسائل و الأدوات اللازمة لإدامة الحياة ، و جهزت بجهاز خاص لتربية صغارها لغرض بقاء النسل ... أولاً ، و أنها تعرف كيف تستعمل تلك الأدوات و الوسائل في حياتها و الاستفادة منها ، و كيف تحمل و تضع و بأي صورة تربي صغارها ... ثانياً .
أما علماء اليوم فقد توصلوا إلى أن القطة تعني آلاف الملايين من الخلايا الحية التي تمتاز بخصائص معينة ، اجتمعت كل مجموعة منها لصنع عضو خاص و المهم أن كل واحدة من هذه الخلايا الحية التي لا ترى بالعين المجردة قد جهزت بلوازم إدامة الحياة و كل منها تعرف ـ بفضل الهداية الفطرية ـ الطريق إلى تكاملها و الوصول إلى غايتها ، و كما شرح لنا العالم الاختصاصي بمعرفة الخلايا ، فان هذه الخلايا لا تنسى واجبها حتى في خارج بدن الموجود الحي ( أي في المختبرات العلمية ) بل تستمر في أداء وظيفتها بأحسن وجه قرره لها الله تعالى بقلم قضائه .

الجنين المختبري
قبل سنتين نشرت الجرائد و الصحف المحلية خبراً حول توصل البروفسور الايطالي ( دانيل بتروجي ) إلى إيجاد طفل في المختبر من نطفة الرجل و المرأة ...
« باريس / 14 كانون الثاني / وكالة الأنباء الفرنسية ، لقد أعلن اليوم أن البروفسور دانيل أحد علماء ـ الأحياء ـ الايطاليين استطاع أن يلقح نطفة الرجل و المرأة في خارج رحم الأم و أن يوجد جنيناً يقوم بتربيته بصورة صناعية » 11 .
« لقد أكد العالم الايطالي أن الفلم الذي صوره يوضح كيفية دخول ( الحيمن المنوي ) في ( البويضة ) داخل أنبوبة الاختبار . و النطفة التي انعقدت بهذه الصورة استمرت في النمو لمدة 29 يوماً » 12 .
« إن المحافل الكاثوليكية و مجلس الفاتيكان يرون أن هذه الاختبارات تفسد روح البشرية و أخلاقها و يعتقدون بأن علماء العالم يجب أن يجتنبوا عن مثل هذه التجارب التي تؤدي إلى وجود موجود حي ثم قتله » 13 .

الهداية الالهية في عالم الخلية
إننا لا نريد أن نبحث عن أساس هذا العمل و حكم قتل هكذا طفل من الوجهة الشرعية ، و لكننا نقول : إنه من الجانب العلمي نجد أن هذا العمل مقتبس من أحد القوانين الكونية ، و هذا هو دليل الهداية الفطرية الإلهية في عالم الخلية . إن ( الحيمن المنوي ) هو أحد مصاديق ( كل شيء ) الذي تحدث عنه موسى بن عمران بقوله : ﴿ ... رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ 14 .
هذا الموجود المجهري مجهز بلوازم الحياة ، و مضافاً إلى ذلك فإن الله قد منحه جميع جميع الهدايات اللازمة له ، و التي منها : العشق إلى بويضة المرأة . إن الوضع الاعتيادي للبويضة هو في عنق الرحم ، و الحيامن مأمورة ـ بحكم الهداية الالهية الفطرية ـ أن توصل أنفسها إلى البويضة ، و تظهر جميع النشاطات في سبيل الوصول إليها ... و تكون النتيجة أن أحد تلك الحيامن يلقح البويضة و يصير سبباً لظهور الإنسان .
و كما أشرنا سابقاً فإن تجارب العلماء قد أثبتت أن الخلايا تستمر في عملها حتى خارج البدن ، و لا تنسى واجبها ، و لهذا فإذا استطاع البروفسور الايطالي من أن يضع بويضة المرأة في أنبوبة الاختبار بدلاً من عنق الرحم و هيأ الظروف اللازمة لذلك ، فإن الحيامن لا تقف عن أداء وظيفتها التي خلقت لأجلها ، بل نلقح البويضة هناك و توجد طفلاً .
و هكذا فإن لكل مجموعة من الخلايا وظيفة معينة ، تؤديها في محيطها الاعتيادي ، و لا تكف عن إتيانها في الظروف غير الاعتيادية أيضاً ، و هذا السر العظيم للخلقة دقيق إلى درجة أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى كثير من رموزه .
« تتميز أنواع الخلايا بطريقتها في الحركة ، و في اتحاد إحداها مع الأخرى و شكل مجموعاتها ، و درجة نموها و استجابتها لمختلف الكيميائيات ، و المواد التي تفرزها و الطعام الذي تحتاجه ، كما تتميز بشكلها و بنيانها ... إن قوانين تنظيم كل مجموعة خلايا ـ أي كل عضو ـ مستمدة من هذه الخصائص العنصرية . و إذا كانت خلايا النسيج تملك فقط الصفات التي ينسبها علم التشريح لها ، لما كان في استطاعتها أن تنشئ جسماً حياً ... انها تملك قوى أخرى ، تكون مخبأة عادة و لكنها تصبح فعالة حينما تستجيب لتغييرات معينة في الوسيط ، و هكذا تتاح لها فرصة علاج الحوادث غير المتوقعة إبان الحياة العادية أو في أثناء المرض ... و تتحد الخلايا في جماهير كثيفة هي الأنسجة و الأعضاء التي يتوقفها تنظيمها الهندسي على الاحتياجات التكوينية و الوظيفية للجسم في مجموعة » 15 . « و جميع الخلايا الحية تعتمد كل الاعتماد وبصفة خاصة على الوسيط الذي غاصت فيه وهي تعدل هذا الوسيط من غير توقف ، و تتعدل هي به من غير توقف أيضاً . بل الحقيقة أنها غير قابلة للانفصال عنه مثلما لا ينفصل جسمها عن نواته . و بنيانها يتبعان الأحول المادية ( الطبيعية ـ الكيميائية ) و الكيميائية للسائل المحيط بها ... » 16 .
و تملك الخلايا نشاطات مختلفة في الحالات الاعتيادية و غير الاعتيادية و غير الاعتيادية و إن الظروف البيئية تؤثر فيها . و في حالة المرض حيث يكون وضع البدن غير اعتيادي تقوم الخلايا بنشاطات خاصة دقيقة و غير واضحة تماماً لصالح البدن و لدفع المرض . و كذلك أيام الحمل تكون وضعاً لا اعتيادياً بالنسبة إلى المرأة . و بالرغم من أن الخلية التناسلية الأولى تنتج من تلقيح البويضة بالحمين ، ـ و لا يختلف محيط الرحم مع محيط المختبر من هذه الجهة ـ لكن ما لا شك فيه هو أن خلايا بدن الأم تقع تحت تأثير العوامل البيئية للحمل طيلة التسعة أشهر حيث يتم خلالها نمو الطفل في الرجم و تؤثر تلك التأثيرات في البناء الطبيعي للطفل بلا ريب ، و لهذا السبب فإن البروفسور الايطالي قد قطع التجربة في اليوم التاسع و العشرين بالنسبة إلى أيجاد الطفل في المختبر .
« إن الجنين أخذ شكله اللازم له طيلة ( 25 يوماً ) ، و توقفت التجربة في اليوم ( 29 ) عمداً . لقد أعلن العالم لايطالي أنه أوقف التجربة عمداً ، لأنه كان من المحتمل أن ينشأ من نمو هذا الجنين عملاق ضخم ، و يكون النمو التالي للجنين غير طبيعي ».
« هذا الأمر يدلنا على أن العلماء لم يستطيعوا بعد ، من إيجاد الظروف اللازمة لتربية النطفة و تحويلها إلى طفل جديد خارج بدن الإنسان . و يبدو أن هناك أسراراً دقيقة حول تغيير أشكال الأنسجة ، و نفوذ الهورمونات بين نطفتين إنسانيتين لم تكشف لحد الآن » 17 .
إن بعض الجهال و المنحرفين الذين يستغلون الفرص المناسبة لاسداء الضربة القاضية إلى التعاليم الدينية . قد استغلوا هذه المناسبة فراحوا يقولون إن البشر استطاع أن يخلق بشراً مثله ، و بهذا لا داعي لموافقة المتألهين حول حصر نسبة الخالقية إلى الله . و لتوضيح الموضوع والرد على هذه الشبهة لا بد من تمهيد بعض المقدمات .

جهاز التفقيس
إن الطريقة الطبيعية في تربية فروخ الدجاج هي أن يستقر البيض تحت جناحي الدجاجة و ريشها ، و يفقس البيض بعد ثلاثة أسابيع ... و لقد فكر البعض فيما مضى في إيجاد حرارة مشابهة لحرارة جسد الدجاجة في الدرجة في جهاز خاص و ذلك لغرض التفقيس بلا دجاجة . و لقد تم هذا العمل فعلاً ، و اليوم يفقس عدد كثير من البيض عن كتاكيت بواسطة الحاضنات الاوتوماتيكية ... و لكن لم يظهر لحد الآن من يتمكن من صنع البيضة ـ التي هي بمنزلة خلية كبيرة لنطفة الكتكوت ـ و سوف لن يستطع من ذلك في المستقبل ، بل يجب عليه أن يحصل على البيض من نفس الطريق الذي قرره خالق الكون ، أي عن طريق الدجاجة 18 .
و اليوم نجد أن البروفسور الايطالي قد أخذ نطفة الرجل و المرأة ـ التي هي بمنزلة البيضة ـ من مجراها الطبيعي ، و لقحها في المختبر ـ الذي هو بمنزلة مكائن التفقيس ـ مع فارق واحد هو أن جهاز التفقيس يؤدي عملاً واحداً هو تنظيم درجة الحرارة و تقليب البيضات ظهراً لبطن يومياً لمنع الترسب ... بينما يجب على البروفسور الايطالي أن يقوم بمائة عمل أو مئات الأفعال لتهيئة الظروف المتنوعة من الحرارة و الرطوبة و المحيط المساعد ، و المواد الغذائية الصالحة ، و تغذية الجنين ... و غيرها من العوامل . نعم ! لا شك في أنه قام بعمل مهم من الناحية العلمية ، و لكنه لم يصنع الحيمن و البويضة ، بل إنه حصل على أساس الخلقة البشرية و خليته الأولى بواسطة الرجل و المرأة ، و من بين أحضان الطبيعة و المجرى الطبيعي للقضاء و القدر الآلهيين ، و لكنه قام بتلقيحهما و تربيتهما و تغذيتهما في داخل المختبر . و إذا أمكن القول بأن جهاز التفقيس أو المتصدي لتنظيم درجة حرارة الجهاز أو واضع الزيت فيه هو خالق الكتكوت ( الفرخ ) الذي يخرج منه ، أمكن القول هنا أيضاً بأن البروفسور و المختبر قد خلقا الجنين !!!

سر الحياة المجهول
إن العالم لم يتوصل بعد إلى كشف رمز الحياة ، و حل سر الوجود على وجه الكرة الأرضية . فكيف بقدرته على صنع خلية حية تكون منشأ ظهور البشر أو الحيوان . إن علماء الحياة بعد القيام بجهود عظيمة في هذا الميدان يبعثون الأمل في نفوس الناس بإمكان معرفة كيفية ظهور الموجود الحي بعد ألف سنة ...
« و بعد ألف سنة ، يتوصل الانسان إلى كشف سر الحياة و لكن لا يدل هذا على أن باستطاعة البشر أن يوجد ذبابة أو حشرة أخرى أو حتى خلية حية . لقد أعلن هذا الموضوع في مؤتمر انعقد باسم ( داروين ) . و قد أعلن ( البروفسور هانز ) العالم الأمريكي أن العلماء سيبحثون عن سر الحياة خلال الألف سنة القادمة » 19 .
أما بالنسبة إلى تلقيح البيضة بالحيمن في المختبر ، و التجربة الناقصة التي قام بها البروفسور الايطالي ، فلو فرض أن العلماء توصلوا إلى جميع الخصائص الخلوية المجهولة في بدن الأم ، و تفاعلاتها الكيميائية في أيام الحمل ، و استطاعوا من إيجادها في محيط المختبر ، و أوجدوا طفلاً كاملاً و سالماً ... فليس هذا العمل غير مناف لأساس التوحيد فحسب ، بل يبقى سنداً قوياً على النظام الدقيق الذي يسود الكون ، و دليلاً بارزاً على وجود الخالق الحكيم العالم الذي أوجد حتى الذرات غير المرئية في هذا العالم حسب نظام دقيق و تقدير مطابق . و هنا يتبين قوله تعالى : ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ 20 . إذ أنه لا شك في أن الطبيعة الجاهلة و الصدفة العمياء لا يمكن أن يصدر منها هذا النظام العجيب .
نستنتج مما سبق أن الحيوانات و الحشرات وحى الخلايا تملك قسطاً وافراً من الهداية الفطرية الالهية ، و لا تحتاج في الوصول إلى كمالها اللائق بها إلى التعليم و التربية . إن النحل و العناكب تعرف منهجها التكاملي على نحو الغريزة الفطرية ، وكذلك الحيامن و الكريات البيض تعرف وظائفها عن طريق الهداية الالهية.
إن بعض النشاطات التي تظهر من الحيوانات و الحشرات بإرشاد من هدايتها الغريزية دقيقة و مهمة إلى درجة أنها تبعث الانسان على التعجب و الحيرة !

حشرة الآموفيل
« إن حشرة الآموفيل لا تأكل الديدان ، بل هي تتغذى على الأعشاب ، لكن صغارها تحتاج إلى الديدان في تغذيتها في أولى أدوار حياتها ، و لهذا فإن هذه الحشرة تلسع الديدان و تخدرها بالسم المخصوص الذي تفرزه و لكن لا تقتلها ... و ذلك لكي تولد صغارها فتستطيع التغذي على هذه الديدان . إن حشرة الآموفيل تعلم أن الديدان لو قتلت قبل ولادة صغارها فانها تتعفن و لا تصلح غذاء لها . إن هذه الحشرة قد اكتشفت أنه لو لم تخدر الديدان بالدرجة الكافية فإنها تستعيد نشاطها و تأخذ بالفرار ... فتموت صغارها جوعاً ، لذلك فإنها تلسع الدودة بصورة غير قاتلة بل مخدرة فقط » 21 .
إن الحيوانات و الحشرات تسير بأحسن ما يكون من الانتظام في طريق حياتهما و تكاملها ـ في كنف الهداية الفطرية ـ و لا تحتاج في ذلك إلى التربية و التعليم .

الخصائص المشتركة بين الانسان و الحيوان
أما البشر فإن جانباً من مناهجه الحياتية و قوانينه التكاملية تدار بواسطة لهداية الفطرية من قبل الله تعالى ، و في ذلك يشبه الحيوانات و الحشرات في أنه لا يحتاج إلى مرشد و معلم . فالمعدة في هضمها للطعام ، و الكبد في تصفية الغذاء و تحويله إلى دم ، يعرفان واجباتهما على أكمل وجه و لا يحتاجان في ذلك إلى من يرشدهما و يهديهما . و كذا مبيض المرأة فانه يعمل بصورة تلقائية على صنع بيضة واحدة في كل شهر . و كذلك الرحم في صنع الجنين ، و غدد الثديين في صنع الحليب للطفل . فكل هذه الأعضاء قد تلقت دروسها في مدرسة الخلقة و الابداع .
و الانسان لا يحتاج في إحساسه بالجوع و العطش و التعب و الرغبة في النوم و إدراك البلوغ و الرغبة الجنسية إلى دراسة و مدرسة ، إذ أنه يدرك هذه الحقائق بصورة فطرية . لكن الأطفال يحتاجون إلى المربي و المعلم في موردين : الأول في صفات مشتركة بين الإنسان و الحيوان . و الثاني من خواص الإنسان . و سنضرب لكل منهما بعض الأمثلة الموجزة .
أما الموارد التي يتشرك فيها الإنسان مع سائر الحيوانات ، فهي أن الحيوانات تعرف أعداءها و تهرب منها بلا حاجة إلى دراسة و تلقين ، و لكن الانسان يعرف أعداءه عن طريق التعلم و التجربة . الحيوانات تعرف مقدار حاجتها إلى الطعام من ناحية الكم و الكيف ، و تعرف كيفية تربية أطفالها وتغذيتهم أيضاً بلا حاجة إلى معلم ، و لكن الانسان عرف احتياجاته الغذائية و نسب المواد الغذائية التي يجب أن يتناولها بعد تجارب عديدة و محاولات طويلة ، أما تغذية الأطفال بالصورة الصحيحة فيخضع لنظر الطبيب .
إن صغار القط تدرك الفواصل تماماً و تعرف مقدرتها أيضاً ، فلا تقفز إلى الأماكن التي تكون الفاصلة نحوها بعيدة و لا تستطيع القفز نحوها و لكن الأطفال لا يفهمون هذه الأمور فما أكثر ما رأيناهم يسقطون من السطوح العالية و يموتون . و هكذا المهر فانه يفهم خطر الغرق في الماء و لا يرمي بنفسه في ولم يسمع لحد الآن أن مهرة قد اختنقت في نهر القرية أو بركتها جهلاً ، لكن أطفال البشر هم الذين يسقطون في أحواض البيوت و المسابح فيغرقون !
و الحيوانات لا تحتاج في الأمور الصحية و حفظ سلامتها و سلامة صغارها إلى التعليم و التربية ، و لكن البشر نراه ماداً يد الحاجة دائماً إلى العم و العالم لحفظ سلامته و سلامة أطفاله على ضوء إرشاداته . هذه هي بعض الأمثلة البسيطة على المقارنة بين الصفات المشتركة بين الإنسان و سائر الحيوانات .

خواص الإنسان
أما فيما يتعلق بالجانب الثاني . فإن في باطن الإنسان قابليات ومواهب خاصة لا توجد في الحيوانات أصلاً . هذه المواهب و القابليات هي التي تبلغ بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال الإنساني في المدارج الإيمانية و المراحل الأخلاقية ، وبذلك تحفظه عن كل المدنسات والرذائل ... وهي التي تجعله مسيطراً على علام طبيعة في المجال العلمي وإدراك نواحي الخلقة ، وبذلك تخضع له جميع القوى و الطاقات الأرضية ، ثم تفسح له المجال للسيطرة على الأجرام السماوية وتسخيرها أيضاً . لكن هذه الثروة العظيمة التي ينحصر بها الإنسان تكمن في الباطن بصورة استعدادات و قابليات و لا تظهر لوحدها أصلاً ، وفي ظل التربية والتعليم فقط يمكن إخراج تلك الذخائر العظيمة من القوة إلى الفعل ، و من الاستعداد إلى حيز التنفيذ و الاستغلال .
إن أصوات الحيوانات التي تكون كل منها بمنزلة علامة خاصة ، لا تحتاج إلى تمرين و تربية ، و لكن التكلم الذي لا يعدو كونه أبسط الظواهر الإنسانية لا يتم من دون مرشد ومرب ، إذ لو ترك الطفل من أول يوم ولادته وحيداً لا يتكلم معه ، فلا شك في أن قابلية على التكلم تموت ولا تصل إلى عالم الفعلية ، و هكذا سائر الاستعدادات الفطرية في الإنسان فإنها تظهر عن طريق التربية و التعليم فقط 22 .

1. شرح نهج البلاغة لملا فتح الله : 276 .
2. الكافي للكليني : 1 / 119.
3. القران الكريم : سورة فصلت ( 41 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 482 .
4. القران الكريم : سورة الإخلاص ( 112 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 604 .
5. تفسير البرهان : 1228 .
6. من العلماء المعروفين في علم الأجنة ، و معرفة الأنسجة في العالم ، لقد كتب أحدهم عن شخصيته : « و أعظم هذه الاكتشافات هو معرفة الأجنة ( جمع جنين ) التي توصل إليها الكسيس كارل . لقد تمكن من أن يعتني بتربية الأنسجة بصورة دقيقة ، حتى توصل إلى الاحتفاظ بقطعة من قلب دجاجة لمدة ثلاثين سنة في معهد ( روكفلر ) بنيويورك » !!.
7. الانسان ذلك المجهول : 65.
8. المصدر نفسه : 67.
9. الأنسان ذلك المجهول : 68 .
10. الانسان ذلك المجهول :90.
11. جريدة ( إطلاعات ) الايرانية ـ العدد / 10410.
12. جريدة ( إطلاعات ) الايرانية ـ العدد / 10429 .
13. المصدر نفسه ـ العدد / 10411 .
14. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 50 ، الصفحة : 314 .
15. الانسان ذلك المجهول : 68 .
16. الانسان ذلك المجهول : 65 .
17. جريدة إطلاعات الايرانية ـ العدد / 10411 ، تاريخ 26 / 10 / 1339 هجرية شمسية .
18. و هنا نضيف إلى عبارة الاستاذ الفلسفي نكتة مهمة . و هي أنهم على فرض صنعهم للبيضة أيضاً بطريقة ميكانيكية ، فلا يسمى عملهم ذلك خلقاً ، بل هو اقتباس لخلق الله ... إذ لا يتم ذلك على فرض الامكان إلا بعد فحصهم لمكونات البيضة وعناصرها و تحليلها و معرفة ظروف تركيبها من حرارة و ضوء و رطوبة ... الخ ، كي يتمكنوا من صنع بيضة مثلها ، و حينذاك لا يسمى عملهم هذا خلقاً بل هو تقليد لخلق الله .
19. جريدة إطلاعات الايرانية العدد / 10160 ، التاريخ 19 / 12 / 1338 هجرية شمسية .
20. القران الكريم : سورة القمر ( 54 ) ، الآية : 49 ، الصفحة : 530 .
21. آخرين تحول : 74 .
22. المصدر : كتاب الطفل بين الوراثة و التربية و هو مجموعة محاظرات القاها الشيخ محمد تقي الفلسفي في رمضان 1381 هـ بطهران . قام بتعريب الكتاب فاضل الحسيني الميلاني ، طبعة دار التعاريف للمطبوعات ـ بيروت : 146 ـ 158 .





توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 الهداية الإلهية في عالم الخلايا
0 حقوق المجتمع في القرآن الكريم
0 معالم الابداع الاصولي عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر
0 عقيدتنا في أوصاف الله سبحانه وتعالى
0 عظمة فاطمة عليها السلام
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:58 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية