العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي

المنتدى العقائدي المنتدى مخصص للحوارات العقائدية

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

عاشق داحي الباب
عضو برونزي
رقم العضوية : 2770
الإنتساب : Mar 2007
المشاركات : 630
بمعدل : 0.09 يوميا

عاشق داحي الباب غير متصل

 عرض البوم صور عاشق داحي الباب

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : عاشق داحي الباب المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-03-2011 الساعة : 01:20 PM


ورثة الكتاب الذين عندهم علمُه

القرآن الكريم هو النور الذي أنزله الله تعالى على نبيه؛ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء: 174) ، والهداية بهذا النور لا تتحقّق إلاّ لمن شاء الله تعالى: (وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52) . ومن القوانين التي تُجسِّد مشيئة الله تعالى أنّ هذه النورانية تتفعَّل ببيان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44) ، ومن هُنا تمت نسبة إخراج الناس من الظلمات إلى النور إلى النبي: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم: 1) ؛ هذا بعد أن كان التعبير: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة: 257) ؛ وهذا يعني أنّ هداية الله تعالى بنور القرآن تتمّ عبر دور النبي صلى الله عليه وآله.

ومن مظاهر مشيئة الله تعالى أيضاً أنّ الاهتداء بِهذه النورانية يحتاج إلى إنابة وتوبة إلى الله تعالى وتقوى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 2) ، (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:17 ـ 18) .

ومن هنا لم يكن لكل أحد أن يفهم القرآن الكريم بصورة قطعية في جميع آياته الكريمة، وحتى كبار المفسّرين نجدهم يتحيّرون في العديد من الآيات، وحين يختارون وجهاً فإنما ينطلقون في ذلك من وجوه ترجيحية ظنية، ولا يمتلكون في الأعم الأغلب رؤية علمية واضحة يجزمون في ضوئها.

ومن هنا كان لا بُد من مبيّن للقرآن الكريم يأخذ بأيدي المتّقين في اتجاه نور القرآن الكريم، فيخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد عرفنا أنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قام بِهذا الدور كوظيفة ألقيت على عاتقه كما قرأنا في صريح القرآن الكريم.

ولكننا نتساءل: هل كان في هذه الأمّة أحدٌ غير النبي يمتلك هذه الكفاءة العلميّة والروحيّة؟

حين نتدبّر القرآن الكريم سنجد أن القرآن الكريم تحدّث عن أناس من هذه الأمّة لديهم نفس الكفاءة التي عند رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد قال الله تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (العنكبوت: 49) .

فالناس جميعاً بحاجة إلى بيان النبي صلى الله عليه وآله حتى يتبين لهم القرآن الكريم، وأمّا هؤلاء فإنّهم قد أوتوا العلم، والقرآن في صدورهم آيات بينات واضحات في غنى عن البيان والتفسير.

ومن هنا ندرك السرّ في عدم ذكر النبي في قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران: 7) ؛ فإنّ الله تعالى ضمّ النبي والذين أوتوا العلم تحت عنوان (الراسخون في العلم) ؛ ليُفهمنا بذلك أنّ مستوى الكفاءة العلمية فيما يرتبط بنورانيّة القرآن الكريم هو على حدّ سواء أو في مستوى متقارب جداً بحيث يُبرِّر هذا الاندراج تحت عنوان واحد.

وقد أكّد القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (سـبأ: 6) ؛ فإنّ الذين أوتوا العلم ليسوا مجرّد مؤمنين ومعتقدين بحقّانية القرآن وهدايته إلى الصراط، بل هم يبصرون ذلك ويرونه؛ وهذا يعني أنّهم يلمسون هذه النورانية حِسّياً، وليست القضية مجرّد اعتقاد بأمر غائب عنهم أُخبروا به عن طريق النبي صلى الله عليه وآله.

وقد اقترب بنا القرآن الكريم من هؤلاء العلماء المتميِّزين بقوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 77 ـ 79) .

فمع أنّ سائر الناس ينظرون إلى القرآن باعتباره كتاباً ذا كلمات مسطورة وألفاظ مقروءة، إلاّ أنّ هذا القرآن في بُعده النوراني ينتمي إلى (كتاب مكنون) وهي المرتبة التي لا يدركها إلاّ المطهّرون.

والسر في انحصار إدراكه على المطهّرين هو أن حقيقة القرآن هو أنه نورٌ مطهّر: (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً) (البينة: 2) ، وقال تعالى: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) (عبس: 13 ـ 14) .

فيتبيّن من ذلك أنّ أولي العلم الراسخين فيه هم هؤلاء المطهّرون، وهم يدركون المضامين النورانية للقرآن الكريم في مكنون عظمته ورفعته وطهارته.

وإذا أردنا أن نبحث عن هؤلاء المطهّرين في القرآن الكريم، فلا بدّ أن نتذكّر عنصرين في استقرائنا: الأول أنّ المطلوب هو العثور على مطهّرين يتصفون بالعلم بالقرآن الكريم بتمامه وكماله لأنّنا عرفنا أنّ القرآن الكريم آيات بينات في صدورهم. والعنصر الثاني الذي لا بد من مراعاته: أنّ الطهارة لا بد أن تكون طهارة تامّة، لا طهارة نسبية؛ فإنّ المؤمن يحب أن يتطهّر، وهو ينال بوضوئه وغُسله وتيممه ـ مثلاً ـ نصيباً من هذه الطهارة، كما نلاحظ في آية الوضوء: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة: 6) ، وكذا في قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) (لأنفال: 11) ، إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذه الطهارة لا تؤهّله لفهم نور القرآن كلّه وإدراك مكنونه في سماء رفعته وطهارته؛ ولهذا لا تنتفي الحاجة إلى المبيِّن بالنسبة إلى المؤمن الاعتيادي ولو توضّأ مراراً وتكراراً.. وهذا واضح.

فمن هم الطاهرون بتمام الطهارة حتى يكونوا المقصودين بقوله تعالى (لا يمسّه إلاّ المطهّرون) ؟

الإجابة ـ بكل وضوح ـ في آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33) .

فالمطهّرون الذين يمسّون القرآن (يدركونه) في الكتاب المكنون المصون عن إدراك من لا طهارة تامة له، هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله.

فإن سألتني: وما الدليل على أنّهم علماء بالكتاب، وما الدليل على أنّ طهارتَهم تامّة حتى يكونوا مصداق (لا يمسُّه إلاّ المطهَّرون) ؟

أجبتك: الدليل على ذلك هو أنّ أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هم ذرية إبراهيم ـ عليهم السلام ـ الذين خاطبهم الله تعالى بقوله: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) (الحج: 78) ، فيثبت بذلك أنّهم المصطفون الذين قال عنهم الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (فاطر: 32) ؛ فميراث الكتاب معناه أنّهم أوتوا علم الكتاب. وهذا بنفسه دليل على أنّ طهارتَهم التي ذكرها القرآن الكريم في سورة الأحزاب / 33 ، هي طهارة تامّة كاملة تؤهِّلهم لمعرفة وإدراك نور القرآن كله. ويؤكّد ذلك أنّ الاصطفاء هو مقام الأنبياء والمعصومين في القرآن الكريم، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33) ، ولقوله تعالى: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (لأعراف:144) ، ولقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130) ، ولقوله تعالى عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ) (ص:47) ، ولقوله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (الحج:75) . أضف إلى ذلك أنَّ الله قرن الاصطفاء بالتطهير في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42) .

أضف إلى ذلك أنّ القرآن الكريم أكّد التطهير بتكرار لفظ التطهير في قوله (يطهِّركم تطهيراً) ، وهو ما لم يقع في جميع مواضع التطهير في القرآن الكريم، وتأكيد التطهير معناه أنّ التطهير في منزلة عالية رفيعة، وهو ما نعبر عنه بتمامية التطهير.

فإن قيل: إنما هو تأكيد لفظي لا يتضمن هذه الدلالة؟

أجبنا: إنّ كلام الله تعالى لا يحتمل اللّغْويّة أو مجرّد التجميل والتزويق، بل لا بد من غرض معنوي فيه يستحق الذكر في كتاب النور والهداية، وليس إلاّ تأكيدَ التطهير الذي يعني تتميمه وكونه ليس في مرتبة ضعيفة كسائر التطهير المذكور في القرآن الكريم، ومن هنا ندرك السرّ في خلو التطهير في سائر آيات القرآن الكريم عن التوكيد.

فإن قيل: ولكنه قال يريد، ولم يقُل إنه نفّذ إرادته، فما الدليل على تحقّق ما أراد أي التطهير التّام؟

أجبنا: أنّ ذلك يثبت بملاحظة موقع أسلوب الحصر الْمُفاد بـ (إنما) في آية التطهير ، فيكون معنى الآية: أنّ الله تعالى يريد بأهل البيت عليهم السلام التطهير التام، ولا يريد ذلك بغيرهم؛ لأنّ هذا هو معنى الحصر والقصر.

ولمّا كان الله يريد التطهير لغيرهم بوساطة أفعالهم، كما قرأنا في آية الوضوء وغيرها؛ فإنّه يلزم أن يكون المراد من الإرادة هنا إرادة خاصة تختلف عن الإرادة التي في آية الوضوء وغيرها، والتفريق الوحيد الممكن هو أن تكون تلك الإرادة التي لا تختص بأهل البيت بل هي عامة لجميع المكلفين، هي الإرادة التشريعية، أي التي تتحقق بوساطة قيام المكلف بما كلفه الله تعالى تحقيقاً للتطهير، ولما كان المكلّّف يمكن أن يقوم بذلك ويمكن ألاّ يقوم، فإن الإرادة التطهيرية يمكن أن تتحقّق ويمكن ألاّ تتحقق، ثم هي تتحقق في المستوى الانضباطي للمكلف في سائر ما يؤثّر في الطهارة، والأعم الأغلب من العباد لا يتمّمون الطهارة، وهذا واضح بيِّن؛ وبذا تفهم السر في عدم تأكيد الطهارة في سائر آيات القرآن الكريم.. فإن قلنا بذلك في الإرادة العامة وسميناها تشريعية، لزمنا أن نقول بأنّ الإرادة في آية التطهير إرادة تكوينية؛ أي التي لا ينيطها الله تعالى على عُهدة المكلف، بل يقوم بإعمالها هو تبارك وتعالى، وذلك على أساس (إذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (البقرة: 117 ، آل عمران: 47 ، مريم: 35 ، غافر: 68) ، و (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل: 40) ، و (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس: 82) .

فتحصّل أنّ أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هم الْمُصطفَون الْمُجتبَون من ذرية إبراهيم الذين أورثهم الله الكتاب، فهم العلماء به، والتطهير الذي تعلق بأهل البيت ـ عليهم السلام ـ هو تطهيرٌ تامّ ونافذ بالإرادة التكوينية. وبناء عليه: أهل البيت هم المطهرون الذين يدركون القرآن الكريم في الكتاب المكنون.

وهذا الذي ثبت لدينا بالتدبر في آيات القرآن الكريم يستوجب القول بعصمة أهل البيت عليهم السلام؛ لأنّ من يكون مصوناً من الذنب بإرادة الله تعالى، ومطهراً في مرتبة التمام والكمال، وله اطلاع على علم الكتاب كله؛ فإنّه لا ريب يكون معصوماً في عمله وعلمه، وهو ما يستوجب إمامة أهل البيت ووجوب اتباعهم عليهم السلام




طلب مني أحد الكرام أن أقوم بطرح السؤال التالي والإجابة عنه:

إن التقسيم بـ (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) دليل على أن (الذين اصطفينا من عبادنا) هم جميع الأمة الإسلامية، ولو كان خصوص المعصومين لما صح التقسيم، فما هو الجواب عن هذا الإشكال؟

الإجابة ـ وبالله التوفيق ـ :

1 ـ لا ريب أنّ الله لا يصطفي عبثاً وبغير أساس يبرّر اصطفاءه واجتباءه؛ ممّا يدلِّل على أنّ لهؤلاء المصطفَين استحقاقاً عند الباري تعالى في ضوء تميّزهم، وهذا يمنع من القول بأن قسم (الظالم لنفسه) هو ضمن المصطفين؛ فإن هذا يوجب خللاً في مفاد الآية، فإن من غير المتصور أن يتم اصطفاء أناس ثم يذكر في سياق الإشادة بهم كونهم ظالمين لأنفسهم؛ فإن هذا النحو من الكلام لا يليق بالمتكلم المتزن فضلاً عن الباري تبارك وتعالى في كلامه المعجز من حيث البلاغة والرصانة.

2 ـ إن التعبير بالاصطفاء في القرآن الكريم لم يستعمل إلا بمعنى سام وعال، فهو مقام الأنبياء والمعصومين في القرآن الكريم، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33) ، ولقوله تعالى: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (لأعراف:144) ، ولقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130) ، ولقوله تعالى عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ) (ص:47) ، ولقوله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (الحج:75) .
وأنَّ الله قرن الاصطفاء بالتطهير في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42) .
فمن المستبعد جداً أن تكون الآية محل النظر بصدد تسمية الظالمين وأهل المعاصي بالمصطفين على خلاف جميع السياقات القرآنية التي ورد فيها الاصطفاء كوصف للأنبياء والمعصومين في تاريخ البشرية.

3 ـ إن الضمير في (فمنهم) يصلح للرجوع ـ من الناحية اللغوية ـ إلى (الذين اصطفينا) و كذا إلى (عبادنا) ؛ وإذا دار الأمر بين رجوع الضمير إلى البعيد والقريب، يرجح أهل الفهم والعلم رجوعه إلى الأقرب، والأقرب هنا هو (عبادنا) ، فمعنى أن التقسيم الذي فيها الظالم هو للعباد، وأما المصطفين فلم يتم تقسيمهم. وقد عرضت هذه الفكرة على أحد علماء الزيدية المعاصرين في حوار مقتضب بيني وبينه فأفحم واكتفى بالقول: أنت خطير!

4 ـ إن التدبر في حال الأمة في مسارها، وكذا التدبر فيما ورد فيها من نصوص، يجعلنا نجزم بأنها ليست مصطفاة، بل هي كسائر الأمم إن لم تكن شراً منها، فهذه الأمة هي التي تكالبت على هضم حقوق الله وحقوق النبي وحقوق أهل البيت، حتى وقعت مصائب كبيرة لأولياء الله في الأرض جراء عداوة العدو وخذلان الخاذل، والعدو والخاذل من هذه الأمة.. كما ورد النص على أن هذه الأمة ترتكب جميع ما ارتكبته الأمم السالفة من الظلم والانحرافات. فمع كل هذا كيف يصح معنى للاصطفاء لأناس هذا حالهم؟ فيتيعن القول بأن المصطفون هم أناس مخصوصون من هذه الأمة.

5 ـ إن التعبير بـ (ثم) يعني أن هناك شيء ورثه المصطفون بعد النبي صلى الله عليه وآله، ولو كان المقصود أن الأمة أصبحت صاحبة القرآن الكريم بمعنى أنها مسلمة تعتقد بحقانية القرآن الكريم، فهذا لا يصح فيه (ثم) لأن الاعتقاد بحقانية القرآن كان متزامناً مشتركاً بين النبي ومن عاصروه، فلا معنى أن يتم الفصل بينهم بـ (ثم) ، وهذا يعني أن (أورثنا) ليس معناها جعلناهم مؤمنين، بل إن كلمة (أورثنا) أيضاً دليل على أن المراد ليس مجرد الإيمان والاعتقاد؛ لأن الإيمان والاعتقاد لا يعبر عنه بـ (أورثنا) ، فيتبين من ذلك أن الميراث هنا بمعنى لا يتحقق في المصطفين إلا بعد مرحلة النبي، وهو أيضاً شيء غير الاعتقاد والإيمان، فلا يبقى بد من القول بأن الميراث هو علم الكتاب، فيكون المعنى أن علم القرآن الكريم انتقل وانحفظ بعد النبي كميراث آتاه الله لأناس اصطفاهم. وهذا لا يمكن أن يكون لجميع الأمة؛ لأن معظم الأمة غارقة في الجهل بتعاليم الكتاب، فيتيعن القول بأن المصطفين أناس مخصوصون من هذه الأمة.

نكتفي بهذا القدر لضيق الوقت، والتدبر ما قيل في متن الموضوع أعلاه، كفيل باكتشاف ينابيع نورانية أخرى تدل على أن المقصود بالمصطفين هم أناس مخصوصون، وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام.. كالتدبر في مفردة (السبق بالخيرات) ، وكذا التدبر في العلاقة بين (الاصطفاء) و(التطهير) وغير ذلك مما نسأل الله أن يوفق إليه أولي الألباب.

منقوول




توقيع : عاشق داحي الباب
من مواضيع : عاشق داحي الباب 0 اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية يجب بغض عبد المطلب وأبي طالب وعدم محبتهما (وثيقة)
0 فتاوى لابن تيمية تفرَّد بحفظها المرجع الشيعي السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (وثائق)
0 الأمر بلعن علي بن أبي طالب بعد صلاة الجمعة بشهادة ابن قيِّم الجوزية (وثيقة)
0 اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية : خبر هجرة عمر بن الخطاب علناً ليس له أصل (وثيقة)
0 الشيخ السعدي أما تعتذر أو تحرم الدم العراقي
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 04:08 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية