العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:23 AM


وقد كتب ابن البيع أن البخاري روى في صحيحه عن ألف ومئتين خارجي وناصبي من قبيل عمران بن حطان(21).
وإني أتعجب وأتأسف من رأي بعض أعلامكم إذ يرون بأن أتباع الأئمة الأربعة مسلمين مؤمنين، ولكن شيعة آل محمد وأتباع الإمام جعفر الصادق (ص) كفرة ومشركين، فيفترون على طائفة كبيرة من المسلمين وعددا كثيرا بالكفر والشرك. فلو قسنا الشيعة بأتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة من أهل السنة لوحدهم فالشيعة هم الأكثر، فإن أتباع الإمام الصادق (ع)، أكثر من أتباع محمد بن إدريس وهكذا لو قسناهم مع أتباع أبي حنيفة لوحدهم وأتباع أحمد بن حنبل لوحدهم، لوجدنا شيعة الإمام الصادق (ع) أكثر عددا، وإني أعلن بأننا نحن الشيعة ندعوا إخواننا السنة إلى التقارب والوحدة ونبرأ إلى الله تعالى من التنافر والتفرقة.
الحافظ: إني أؤيد كثيرا من كلامك وأعترف بأن هناك بعض التعصبات حاكمة على كثير من أهل السنة، ولكن لو تحققنا عن الأسباب لعرفناها ترجع إليكم، لأنكم أنتم ـ علماء الشيعة ومبلغيهم ـ لا ترشدون عوام الشيعة إلى الحق ولا تنهونهم عن الباطل، فهم يتكلمون بكلمات تنتهي إلى الكفر والشرك.
قلت: أرجوك أن توضح لي كلامك وتبين لي أمثالا من كلام عوام الشيعة الذي ينتهي إلى الكفر!!

مطاعن الشيعة في الصحابة وزوجات النبي (ص)
الحافظ: مما لاشك فيه أن المطاعن التي تروونها على الصحابة المقربين لرسول الله وبعض زوجاته الطاهرات رضي الله عنهم كفر صريح، إذ أن هؤلاء الصحابة هم الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا الكفار تحت راية النبي وقد قال سبحانه فيهم: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)(22) فالذين يعلن الله تعالى رضاه عنهم، ورسول الله يكرمهم ويحترمهم ويحدث عن فضائلهم، وهو كما قال سبحانه في سورة النجم (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(23).
فالطعن فيهم إنكار للقرآن والنبي، وهو كفر، والمنكر كافر.
قلت: إني لا أحب أن يخوض في هكذا مسائل فالرجاء أن تترك هذا السؤال ولا تطالبني بالجواب في حضور هذا الجمع، بل أجتمع بك وحدك وأعطيك الجواب.
الحافظ: الحقيقة، إن هذا السؤال والموضوع مطروح من قبل الجماعة الذين معي لأنهم ألحوا علي وأكدوا في الليلة الماضية حينما انتهينا من البحث وخرجنا إلى البيت، على أن أطرح هذا البحث فكلهم يحب أن يسمع جوابكم.
النواب: صحيح يا مولانا كلنا نحب أن نسمع جواب هذا السؤال.
قلت: إني أتعجب من جنابكم وما كنت أتوقع طرح هذا السؤال، مع ما بيناه في الليالي الماضية وأوضحنا لكم معنى الكفر والشرك وأثبتنا بأن الشيعة سائرون في طريق أهل البيت (ع)، وتابعون لآل محمد (ص)، وهم المؤمنون حقا.
وأما الموضوع الذي طرحه جناب الحافظ، فهو ذو جهات، وليس موضوعا واحدا، ولابد لي أن أبسطه وأشرحه، حتى يعرف الحاضرون حقيقة الأمر ويقضوا بالحق، وحتى نزول الشبهات الواقعة في نفوسهم ضد الشيعة.

سب الصحابة لا يوجب الكفر
أما قول الحافظ: بأن سب الصحابة والطعن فيهم ولعنهم، ولعن بعض زوجات النبي (ص) من قبل الشيعة موجب لكفر الشيعة، فهو حكم غريب! ولا أدري بأي دليل من القرآن والسنة النبوية صدر هذا الحكم؟!!
فإن بيان الطعن وكذلك السب واللعن إذا كان مستندا إلى دليل وبرهان فلا إشكال فيه(24).
وإن كان من غير دليل وبرهان فهو فسق، حتى إذا كان على أصحاب النبي (ص) وزوجاته(25) وهذا رأي بعض أعلامكم كابن حزم حيث يقول في كتابه " الفصل ج3/257 ".
وأما من سب أحدا من الصحابة (رض)، فإن كان جاهلا فمعذور، وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق، كمن زنى وسرق وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله (ص) فهو كافر، وقد قال عمر (رض) بحضرة النبي (ص) عن حاطب، وحاطب مهاجر بدري: دعني أضرب عنق هذا المنافق!
فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا، بل كان مخطئا متأولا... الخ.
وقد أفرط أبو الحسن الأشعري [ وهو إمامكم في مثل هذه المسائل ] فإنه يرى: إن من كان في الباطن مؤمنا وتظاهر بالكفر، فهو غير كافر، حتى إذا سب الله ورسوله (ص) من غير عذر بل حتى إذا خرج لحرب النبي! [ والعياذ بالله ].
ويستدل على ذلك بأن الكفر والإيمان محلهما في القلب وهما من الأمور الخفية الباطنية، فلا يمكن لأحد أن يطلع على باطن الإنسان وما في قلبه إلا الله سبحانه(26)!!
فكيف يكفر جناب الحافظ وأمثاله، شيعة آل محمد (ص) لمجرد سبهم بعض الصحابة وبعض زوجات النبي؟
مع العلم بأن كثيرا من علمائكم وأعلامكم السابقين ردوا هذا الحكم الجائر ونسبوا قائليه إلى الجهل والتعصب. وحكموا بأن الشيعة مسلمون مؤمنون.
منهم القاضي عبدالرحمن الايجي الشافعي في كتابه المواقف، رد كل الوجوه التي بينها بعض المتعصبين من أهل السنة في تكفير الشيعة وأثبت بطلانها.
ومنهم الإمام محمد الغزالي، صرح بأن سب الصحابة لا يوجب الكفر ، حتى سب الشيخين ليس بكفر.
ومنهم سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح العقائد النسفية، تناول هذا البحث بالتفصيل وخرج إلى أن ساب الصحابة ليس بكافر.
ثم إن أكثر مَن كتب مِن أعلامكم في الملل والنحل وكتب في المذاهب الإسلامية: عد الشيعة من المسلمين وذكرهم في عداد المذاهب الإسلامية الأخرى.
منهم العلامة بن الأثير الجزري في كتابه جامع الأصول، ومنهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل.
ومما يذكر في عدم كفر الساب لبعض صحابة رسول الله (ص) أن أبا بكر قد سبه أحد المسلمين وشتمه فما أمر بقتله، كما جاء في مستدرك الحاكم النيسابوري ج4/355 أخرج بسنده عن أبي برزة الأسلمي (رض) قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) فقلت: يا خليفة رسول الله ألا أقتله؟! فقال: ليس هذا إلا لمن شتم النبي (ص).
وأخرجه الإمام أحمد في المسند ج1/9 بسنده عن ثوية العنبري قال: سمعت أبا سوار القاضي يقول: عن ابن برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟
قال فانتهره وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله.
ورواه الذهبي في تلخيص المستدرك، والقاضي عياض في الشفاء ج4/ الباب الأول، والإمام الغزالي في إحياء العلوم ج2.
فإذا كان الأمر كذلك، إذ يسمع الخليفة من رجل السباب والشتم ولا يحكم بكفر ولا يقتله.
فلماذا أنتم علماء تغوون أتباعكم العوام وتكفرون الشيعة عندهم بحجة أنهم يسبون الصحابة ويشتمون الخلفاء، ثم تبيحون لهم قتل الشيعة المؤمنين!!
وإذا كان سب صحابة الرسول (ص) موجبا للكفر، فلماذا لا تحكمون بكفر معاوية وأتباعه الذين كانوا يسبون ويلعنون أفضل صحابة رسول الله وأعلمهم وأروعهم، ألا وهو أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) ؟!
وإذا كان سب الصحابة يوجب الكفر، فلماذا لا تكفرون عائشة ـ أم المؤمنين ـ إذا كانت تشتم عثمان وتحرض أبناءها على قتله فتقول: اقتلوا نعثلا فقد كفر؟!
كيف تحكمون في موضوع واحد بحكمين متناقضين؟!
فإذا سب أحد الشيعة ولعن عثمان، تكفروه وتحكمون بقتله. ولكن عائشة التي كفرت عثمان وحرضت المسلمين على قتله تكون عندكم محترمة ومكرمة!! فما هذا التهافت والتناقض؟!
النواب: ما معنى نَعْثَل؟ ولماذا كانت أم المؤمنين تسمي عثمان بنعثل؟
قلت: معنى نعثل ـ كما قال الفيروز آبادي [ وهو من أعلامكم ] في القاموس ـ معناه: الشيخ المخرف.
وقال العلامة القزويني في شرحه على القاموس: ذكر ابن حجر في كتابه تبصرة المنتبه: أن نعثل يهودي كان بالمدينة هو رجل لحياني يشبّه به عثمان.
نرجع إلى بحثنا، فأقول:
إذا كان سب الصحابة يلزم منه الكفر، فإن أول من بدأ بالسب هو أبو بكر لما سب الإمام علي بن أبي طالب (ع) على المنبر في المسجد، وعلي هو أفضل الصحابة وأقربهم إلى رسول الله (ص) وأعظمهم قدرا وأكبرهم شأنا عند الله عز وجل.
ومع ذلك أنتم لا تقبحون عمل أبي بكر، بل تكرموه وتعظموه!!
الحافظ: هذا افتراء وكذب منكم على الصديق، فإن أبا بكر أجل وأكرم من أن يسب عليا كرم الله وجهه، وما سمعنا بهذا إلا منكم، وأنا على يقين بأن الصديق بريء من هكذا أفعال وأعمال قبيحة.
قلت: لا تتسرع في الحكم ولا تتهمني بالكذب والافتراء وقد ثبت لديكم بأني لا أتكلم بغير دليل وبغير شاهد من كتبكم ولكي تعرف صدق كلامي وتعلم بأن أبا بكر ارتكب هذا العمل القبيح فراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 /214 و 215 ط. إحياء التراث العربي، قال:
فلما سمع أبو بكر خطبتها [ أي خطبة سيدة النساء فاطمة (ع) ] شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس......
إنما هو[ أي علي (ع) ] ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كأم طحال أحب أهلها إليها البغي(27).
فإذا حكمتم بكفر من سب أحد الصحابة، فيلزم أن تحكموا بكفر أبي بكر وبنته وعائشة، وكذلك معاوية وأنصاره وتابعيهم، وإذا لم تحكموا بكفر هؤلاء لسبهم ولعنهم عليا (ع) فيلزم أن تعمموا الحكم ولا تكفروا الشيعة الموالين للعترة الهادية (ع) لسبهم بعض الصحابة.
كما أفتى وحكم كثير من فقهائكم وعلمائكم بأن الساب للصحابة غير كافر ولا يجوز قتله وذلك باستناد الخبر الذي رواه أحمد ابن حنبل في مسنده ج3، والقاضي عياض في كتاب الشفاء ج4 الباب الأول، وابن سعد في كتاب الطبقات ج5 /279 أخرج بسنده عن سهيل بن أبي صالح أن عمر بن عبد العزيز قال: لا يقتل أحد في سب أحد إلا في سب نبي.
واستنادا على ما مر من الخبر الذي نقلناه عن الحاكم النيسابوري في مستدركه ج4/355، وأخرجه أحمد في مسنده ج1/9 كلاهما عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر، فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره ـ أبو بكر ـ وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله (ص).

احترام النبي (ص) لأصحابه
وأما قول الحافظ: بأن النبي (ص) كان يحترم أصحابه ويكرمهم.
فلا ننكر ذلك... ولكن العلماء أجمعوا على أن احترام النبي للناس كان بسبب أعمالهم حتى أنه كان (ص) يقدر ويحترم عدل كسرى، و جود حاتم وهما كافران، فكان يحترمهما للعدل والجود.
وربما غضب (ص) على أحد أصحابه لذنب ارتكبه وقبيح فعله.
فاحترام النبي وتكريمه لأي شخص من الصحابة لا يدل على حسن عاقبة ذلك الشخص ولا يدل على أنه مورد احترام رسول الله (ص) إلى الأبد، بل يكون احترامه وتكريمه للأشخاص مرهونا بأعمالهم، فما داموا محسنين فهو يحترمهم، وإذا عصوا الله سبحانه وخالفوه ترك احترامهم وغضب عليهم.
فكان رسول الله (ص) يحترم أصحابه قبل أن يصدر منهم ذنبا أو خلافا لأن عقاب المجرم وإهانته قبل أن يرتكب جرما، يكون قبيحا وخلافا للعقل والشرع.
كما أن سيدنا الإمام علي (ع) كان يعلم بعلم من الله سبحانه وإخبار من رسول الله (ص) بأن ابن ملجم المرادي قاتله وكان (ع) يخبر أصحابه وشيعته بذلك، ولكن تركه وشأنه، فلم يسجنه ولم يحاصره ولم يضيق عليه، ولما أشار عليه بعض الناس أن يقتل ابن ملجم، قال (ع): لا يجوز القصاص قبل الجناية.
وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 80 في أواخر الفصل الخامس من الباب التاسع:
أن عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله، ثم قال رضي الله عنه: أريد حياته ويريد قتلي غديري من خليلي من مرادي ثم قال: هذا والله قاتلي!

رضا الله سبحانه عن الصحابة
وأما قول الحافظ: إن الله سبحانه أعلن رضاه عن أصحاب نبيه، فالطعن فيه إنكار لرضا الله عز وجل، وهذا كفر!
أقول في جوابه: نحن لا ننكر بأن الله تعالى أعلن رضاه عن الصحابة في بيعة الرضوان بقوله سبحانه:
(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)(28).
ولكن نقول ما قاله العلماء المحققون: بأن الآية الكريمة لا تتضمن رضا الله سبحانه عن المؤمنين ـ الذين اجتمعوا تحت الشجرة ـ على جميع أعمالهم إلى آخر حياتهم.
إنما عنت الآية الشريفة رضا الله عز وجل عن المؤمنين بمبايعتهم النبي الكريم (ص) تحت الشجرة ـ البيعة المعروفة ببيعة الرضوان ـ والتاريخ يشهد بأن كثيرا من أولئك المبايعون نزلت فيهم آيات النفاق بعد تلك البيعة وانضموا مع المنافقين وأصبحوا من الخاسرين.
فرضا الله سبحانه ما تعلق بهم لأنهم أصحاب النبي (ص)، بل تعلق رضاه بهم لأنهم كانوا مؤمنين بالله ورسوله ورضاهما بهم ما داموا مؤمنين، فإذا خرجوا من الإيمان وارتدوا، فرضا الله العزيز ينقلب إلى غضبه عليهم ـ نعوذ بالله من غضبه ـ والشيعة يحمدون كل عمل حسن صدر من إنسان وخاصة أصحاب رسول الله (ص)، ويقدحون كل عمل قبيح صدر من أي شخص سواء أكان صحابيا أو غير صحابي، فإن أصحاب رسول الله (ص) ما كانوا معصومين وقد صدر من بعضهم أعمال غير حميدة ومعاصي عديدة.
الحافظ: إن هذا القول افتراء على الصحابة!
فنحن لا نعتقد بعصمتهم، لكن النبي (ص) قال فيهم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وقد أجمع المسلمون على صحة هذا الحديث الشريف إلا أنتم الشيعة.

أصحابي كالنجوم!
قلت: أترك النقاش حول سند الحديث و صحته أو سقمه، وأبدأ معك في مدلوله حتى لا نبتعد عن صلب الموضوع والبحث الذي نحن فيه.
فأقول: أولا: اتفق المسلمون وأجمعوا على أن كل من أدرك رسول الله (ص) وسمع حديثه فهو صحابي، سواء أكان من المهاجرين أم الأنصار، أم من الموالين وغيرهم.
ومن الخطأ أن نحسب كل أولئك هادين مهديين، لوجود المنافقين بينهم والفاسقين، وذلك ثابت بالنص الصريح في القرآن الحكيم(29).
حتى أن التاريخ يحدثنا بأن جماعة من أصحاب النبي (ص) الذين كانوا يتظاهرون بحبه وطاعته، تآمروا عليه عند رجوعه من غزوة تبوك وأرادوا قتله في بطن عقبة في الطريق، إلا أن الله تعالى عصم رسول الله (ص) من كيد أولئك الأشرار المنافقين.
الحافظ: لقد روى قضية العقبة جماعة من علماء الشيعة وهي عند علمائنا غير ثابتة.
قلت: انك قلت رهجا وذهبت عوجا، فإن قضية العقبة اشتهرت بين المؤرخين والمحدثين حتى ذكرها كثير من أعلامكم: منهم الحافظ أبو بكر البيهقي الشافعي، في كتابه دلائل النبوة، ذكرها مسندا، ومنهم احمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن أبى الطفيل، ومنهم ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، حتى لعن رسول الله (ص) في تلك الليلة جماعة من أصحابه وهم المتآمرون عليه والقاصدون قتله.

مؤامرة لقتل النبي (ص)
النواب: أرجوك أن تبين لنا قضية العقبة وقصة المتآمرين على قتل النبي الكريم ولو باختصار.
قلت: ذكر علماء الفريقين: أن جماعة من المنافقين الذين كانوا حول النبي (ص) تآمروا على قتله عند رجوعه من غزوة تبوك.
فهبط جبرئيل على رسول الله (ص) وأخبره بتآمر القوم وأعلمه بمكان اجتماعهم وحذره من كيدهم، فبعث النبي (ص) حذيفة بن اليمان على المكان ليعرفهم، فرجع حذيفة وذكر للنبي (ص) أسماء المتآمرين فكانوا أربعة عشر نفرا، سبعة من آل أمية.
فأمر النبي (ص) حذيفة بكتمان الأمر وكتمان أسمائهم.
وأما مكان المؤامرة المدبرة.. فقد كانت عقبة خطرة في الطريق، وكانت رفيعة وضيقة بحيث لا يتسع إلا لعبور راكب واحد فحمل المنافقون دبابا كثيرة على الجبل الذي يعلو تلك العقبة وكمنوا هناك ليدحرجوها عند وصول ناقة رسول الله (ص) إلى تلك النقطة الخطرة، حتى تنفر الناقة من أصوات الدباب المدحرجة فيسقط النبي (ص) عن ظهرها إلى عمق الوادي فيتقطع ويموت ويضيع دمه، كل ذلك يتم في سواد الليل.
أما النبي (ص) عند عبوره من تلك العقبة أمر بن ياسر أن يأخذ بخطام الناقة ويقودها، وأمر أيضا حذيفة بن اليمان ليسوقها فلما دحرج القوم الدباب وأرادت الناقة أن تنفر صاح النبي (ص) عليها فسكنت وقرت، وانهزم المنافقون وتواروا.
وهكذا عصم الله سبحانه نبيه (ص) وفضح أعداءه، نعم إنكم تعدون هؤلاء المنافقين من أصحاب النبي (ص)، فكيف يمكن أن نقول بأن الاقتداء بهم جائز، أو نعتقد بعدالتهم وأنهم هداة مهديون؟!

صحابة ولكن كاذبون
ثانيا: هذا أبو هريرة الكذاب ـ وقد أشرنا في بعض المجالس السابقة إلى تاريخه الأسود من كتبكم، وأثبتنا بأن عمر بن الخطاب ضربه بالسياط حتى أدماه، لأنه كان يكذب كثيرا على رسول الله في نقله الأحاديث المجعولة عنه (ص).
أما كان أبو هريرة من أصحاب رسول الله (ص)؟
وكذلك سمرة بن جندب الكذاب الفاسق وغيره من الذين كانوا يفترون على النبي (ص) وينقلون عنه أحاديث ما كان فاه بها أبدا!!
وهم يعدون من أصحابه (ص).
فهل من المعقول أن يسمح النبي (ص) لأمته أن يتبعوا الكاذبين ويأخذوا دينهم عنهم؟!
ثم إذا كان هذا الحديث.. " أصحابي كالنجوم الخ " "، صحيحا فما تقولون لو اختلف صحابيان في حكم وتنازعا في أمر، أو قاتلت طائفتان من الصحابة ـ كما حدث بعد النبي (ص) ـ فالحق مع من؟
وفي متابعة أي الفريقين تكون السعادة والنجاة؟!
الحافظ: نستمع قول كل واحد منهما فمن كانت دلائله أقوى وحجته أعلى فنتبعه.
قلت: إذن صاحب الدلائل القوية والحجة العلية يكون صاحب الحق ومخالفه يكون على باطل! فحينئذ لا اعتبار لحديث " أصحابي كالنجوم " وهو ساقط عقلا ، لأن الهداية لا تحصل في الاقتداء بالباطل.

بمن نقتدي في خلافة السقيفة؟
ثالثا: اذا كان هذا الحديث ـ أصحابي كالنجوم ـ صحيحا، فلماذا تطعنون في الشيعة وتحكمون عليهم بالخروج عن الدين ورفض الحق عندما اقتدوا في عدم قبول خلافة أبي بكر وبطلان السقيفة بعدد من الصحابة المقربين للنبي (ص) كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد وأبي أيوب الأنصاري وحذيفة بن اليمان وخزيمة ذي الشهادتين وغيرهم ممن كان النبي (ص) يحترمهم ويكرمهم ويشاورهم في أمور العامة كالحرب والصلح وما شابه ذلك بل نجد في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة أحادث كثيرة عن رسول الله (ص) في فضل كثير منهم وقد ذكرنا بعضها في المجالس السابقة وكما ذكرنا احتجاجهم ودلائل مخالفتهم لرأي السقيفة وخلافة أبي بكر.
فإذا كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحا، فلماذا تسمون الشيعة بالرافضة ولماذا تحكمون على مذهبهم بالبطلان؟!
أما كان سعد بن عبادة من كبار الصحابة وسادات الأنصار؟ وهو بإجماع المؤرخين والمحدثين ما بايع أبا بكر وخالف خلافته حتى قتل على عهد الخليفة الثاني عمر، وسعد ما بايع عمر أيضا.
فالحديث يصرح بأن الاقتداء به ـ وهو مخالفة أبي بكر وعمر ورفض خلافتهما ونسبتهما إلى الظلم والغصب والبطلان ـ صحيح وفيه الهداية والسعادة.

انحراف بعض الصحابة
رابعا: لا أظن أحد المؤمنين ينكر انحراف بعض الصحابة وخروجهم على الحق وميلهم عن الصراط المستقيم، وذلك بقتالهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو إذ ذاك ـ حسب قولكم ـ كان الخليفة الرابع وآخر الخلفاء الراشدين الذين بايعه أهل الحل والعقد، وأجمعوا على خلافته، فنكث بعض الصحابة بيعته وخالفه آخرون ، حتى أعلنوا عليه الحرب وقادوا الجيوش لقتاله.
فهذا طلحة والزبير وهما من أصحاب بيعة الرضوان، قد أخرجوا معهما عائشة زوجة رسول الله (ص) إلى البصرة وكانت بسببهم وقعة الجمل التي قتل فيها ألوف المسلمين وسفكت دماء المؤمنين.
وهذا معاوية وابن العاص، سببا معركة صفين، وكم زهقت فيها نفوس المؤمنين وأريقت دماء المسلمين.
أفهل كانوا هؤلاء الذين نكثوا البيعة ونقضوا العهد وشقوا عصا المسلمين وأوقعوا فيهم الخلاف والشقاق وعملوا لصالح أهل الكفر والنفاق، هل كانوا على الهداية والحق أم كانوا على الباطل والضلال؟!
وقد أجمع العلماء والمحققون وأئمة المسلمين على أن عليا (ع) مع الحق والحق مع علي وهو قول النبي (ص) فيه، فكل من خالفه يكون على باطل، ولو كان من الصحابة وحتى إذا كانت عائشة زوجة رسول الله (ص)(30).
وأما معاوية وابن العاص والوليد بن عقبة ومروان وحزبهم الذين سنوا لعن الإمام علي (ع) وسبه على منابر الإسلام وفي خطب الجمعات وحتى في قنوت الصلوات، مع علمهم بقول النبي (ص):
من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى(31).
أ فهل مع كل هذا تقولون بأن الاقتداء بهؤلاء الفسقة المنافقين والفجرة المضلين هدى ونجاة؟!

ضعف سند حديث ((أصحابي كالنجوم))
خامسا: إضافة على إباء العقل السليم من قبول هذا الحديث وتصحيحه لما ارتكبه بعض الصحابة بعد رسول الله (ص) من الظلم الفاحش والجرم المبين، ومخالفتهم لكتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم، مضافا إلى ذلك فقد رد كثير من أعلامكم سنده وضعفوا رجاله.
منهم القاضي عياض بعدما ذكر الحديث في كتابه شرح الشفاء ج2/91 ذكر بأن الدار قطني وابن عبدالبر قالا بعدم حجية سنده، فالحديث مردود عندهما، وذكر بأن عبد ابن حميد ذكر في مسنده عن عبدالله بن عمر، وعن البزاز: بأنهما أنكرا هذا الحديث وأعلنا عدم صحته.
ونقل ابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن عبدالله بن عمر أنه ضعّف الحديث ولم يؤيده.
ونقل عن البيهقي أنه قال: سند الحديث ضعيف، وإن كان نصه مشتهرا بين الناس. انتهى كلام القاضي عياض.
وحيث نجد في سند الحديث الحارث ابن غضين وهو مجهول، وحمزة بن أبي حمزة النصيري وهو متهم عند المحققين بالكذب وجعل الحديث، فالحديث مردود وملغي يجب تركه.
وابن حزم أيضا رد الحديث وقال فيه: إنه موضوع وباطل.

هل تلتزمون بعصمة الصحابة؟
والجدير بالذكر... إنكم لا تلتزمون بعصمة الأنبياء بل وكثير منكم يعتقد بإمكان صدور الخطأ من سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص) ومع ذلك يتعصب لهذا الحديث الموضوع!!
وينكر على الشيعة إذا انتقدوا الصحابة وناقشوا في أفعالهم، وما صدر منهم بعد النبي (ص) من الحروب والفتن التي أشعلوا نيرانها وأحرقوا بها المؤمنين الأبرياء و المسلمين الأتقياء!
الحافظ: نحن لا نعتقد بعصمة أصحاب رسول الله (ص) ولكن نلتزم بعدالتهم ولذلك نقول: كلما صدر منهم كان عن عدالة ونية صحيحة حقة، فإنهم أرادوا إحقاق الحق، فلذلك يؤجرون عليه ولا يؤاخذون عليهم.
قلت: ولكن الأخبار التي نقلها كثير من أعلامكم تكشف أن كثيرا من الصحابة كانوا يعصون الله سبحانه وكانوا يتبعون الهوى ويميلون إلى الدنيا.
الحافظ: لم نسمع بهذا القول قبل اليوم، فالرجاء بين لنا تلك الأخبار.

صحابي يشرب الخمر!
قلت: ذكر ابن حجر في كتابه فتح الباري ج10/30 قال: عقد أبو طلحة زيد بن سهل مجلس خمر في بيته ودعا عشرة أشخاص من المسلمين، فشربوا وسكروا، حتى أن أبا بكر أنشد أشعارا في رثاء قتلى المشركين في بدر!!
النواب: وهل ذكر أسماء المدعوين الحاضرين في ذلك المجلس؟
قلت: نعم يا حضرة النواب ذكرهم علماؤكم قالوا: إنهم كانوا:
1ـ أبا بكر بن أبي قحافة 2ـ عمر بن الخطاب 3ـ أبو عبيدة الجراح 4ـ أبي بن كعب 5ـ سهل بن بيضاء 6ـ أبو أيوب الأنصاري 7ـ أبا طلحة " صاحب البيت " 8ـ أبا دجانة سماك بن خرشة 9ـ أبا بكر بن شغوب 10 ـ أنس بن مالك، وكان عمره يومذاك 18 سنة فكان يدور في المجلس بأواني الخمر يسقيهم.
وروى البيهقي في سننه ج8/29 عن أنس أنه قال: وكنت أصغرهم سنا وكنت الساقي في ذلك المجلس!
فيقوم الشيخ عبدالسلام متعصبا ويقول: والله هذا الخبر من مفتريات أعدائنا، وجعل مخالفينا!
قلت ـ وأنا أتبسم ـ: لا تتهم أحدا بالجعل والافتراء ولا تحلف بالله عز وجل فإن كبار علماؤكم كتبوا هذا الخبر في صحاحهم ومسانيدهم منهم، البخاري في صحيحه، في تفسير الآية الكريمة: ( وإنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (32).
ومسلم في صحيحه كتاب الأطعمة والأشربة / باب تحريم الخمر.
والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 / 181 و 227.
وابن كثير في تفسيره ج2 / 93 و 94.
وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج2/321.
والطبري في تفسيره ج7/24 ـ وابن حجر العسقلاني في الاصابة ج4/22 ـ وفي فتح الباري ج10/84.
والبيهقي في سننه 286 و 290.
وغير هؤلاء كثير من أعلامكم الذين ذكروا خبر اجتماع المذكورين في مجلس الخمر!
الشيخ عبد السلام: ربما كان ذلك قبل تحريم الخمر!
قلت: حسب نزول آيات القرآن في بيان مضار الخمر وإثمها وتحريمها ، وحسب بعض المفسرين، نعرف أن بعض الصحابة وبعض المسلمين كانوا يشربون الخمر حتى بعدما حرمها الله!
نقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره الكبير ج2/203 روى مسندا عن أبي القموس زيد بن علي، بأن الله سبحانه أنزل آيات عن الخمر ثلاث مرات، المرة الأولى أنزل: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)(33).
ولكن المسلمين ما تركوا الخمر، حتى شربها إثنان من المسلمين فوقفا للصلاة وهما لا يشعران بما يقولان، فأنزل الله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)(34).
ومع ذلك ما انتهى كثير من المسلمين وما امتنعوا من شرب الخمر!
إلى أن سكر أحد المسلمين يوما وأنشد أبياتا في رثاء قتلى المشركين يوم بدر [ حسب رواية البزار وابن حجر وابن مروديه كان ذاك السكران أبو بكر ](35).
فلما أخبر النبي (ص) غضب وجاء إليه وأراد أن يضربه بشيء كان في يده.
فقال الرجل: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله، فوالله لا أشرب الخمر بعد يومي هذا. فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)(36).
والحاصل: إن الصحابة كسائر الناس والأصناف، فيهم الطيب المحسن والعاصي المسيء، منهم من أدرك برسول الله (ص) أعظم الدرجات العالية وسعد في الدنيا والآخرة بالطاعة والامتثال لأوامر النبي (ص) ومنهم من تبع الهوى وأطاع الشيطان واغتر بالدنيا فضل و أضل.
فنحن حينما نطعن في أحد الصحابة لابد وأن يكون لدينا دليل وبرهان نستند عليه، حتى أن كثيرا من تلك المطاعن إضافة على أنها مذكورة في كتبكم المعتبرة فهي مصدقة بشواهد من القرآن الحكيم، وإن كان عندكم رد معقول ومقبول على ما نطعن به على بعض الصحابة فأتوا به حتى نوافقكم ونترك الطعن، وإذا لم يكن عنكم رد، فأقبلوا قولنا واتركوا التهجم على الشيعة بأنهم يطعنون في الصحابة والخلفاء، وإذا سمعتم منا بأنا نقول: إن بعض الصحابة أو بعض الخلفاء قاموا بأعمال قبيحة وأفعال غير حميدة، فطالبونا بالشواهد والدليل حتى نوضح ونبين لكم.
الحافظ: طيب... بين لنا كيف صدرت أعمال قبيحة وأفعال غير حميدة من بعض الصحابة وبعض الخلفاء، بين ذلك فان كان مستندا بدليل وبرهان فنحن أيضا نقبل منكم، ولسنا أهل تعصب وعناد.
قلت: أتعجب من جناب الحافظ محمد رشيد وسؤاله، بعدما بينا نماذج من جرائم بعض الصحابة ومعاصيهم فيسأل عن القبائح التي ارتكبها بعض الأصحاب والخلفاء!
فأذكر نموذجا واضحا في هذا الباب تلبية لطلب الحافظ محمد رشيد ولكي يزداد علما فأقول:
لقد اتفق أعلام الفريقين على أن أكثر الصحابة نقضوا العهد ونكثوا البيعة التي أمر الله تعالى بها في كتابه ونهى عن نقض العهد بقوله: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها)(37).
ولقد لعن الناقضين في قوله تعالى:
(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)(38).
وكما حكم علماء الفريقين وأثبتوا أن نقض العهد من أكبر الذنوب والمعاصي، وخاصة إذا كان العهد والميثاق بأمر الله عز وجل وتبليغ حبيبه المصطفى محمد (ص) فنقض الصحابة لذلك العهد والميثاق من أقبح القبائح التي تؤخذ عليهم.
الحافظ: أي عهد هذا؟ وأي ميثاق أخذه الله على الصحابة، وبلغه النبي (ص) ثم نقضه الأصحاب؟ فالخبر في هذا الباب لا يكون إلا من مفتريات ومجعولات الشيعة، ونحن على علم واعتقاد بأن أصحاب رسول الله (ص) هم أجل وأكرم من نقض العهد الإلهي.

من هم الصادقون؟
قلت: لقد أكدت وكررت عليكم بأن الشيعة حيث يتبعون الأئمة الصادقين من العترة الهادية الطاهرة، فلا يكذبون ولا هم بحاجة في إثبات عقائدهم إلى جعل خبر، أو وضع حديث.
فعلماؤهم وعامتهم على حد سواء في هذا الأمر، وكلهم يتبعون الصادقين الذين أمر الله عز وجل بمتابعتهم بقوله:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(39).
وقد صرح كثير من أعلامكم أن المقصود من الصادقين في الآية الكريمة محمد المصطفى (ص) وعلي المرتضى (ع)، وممن صرح بذلك:
الثعلبي في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والحافظ أبو نعيم في " ما نزل من القرآن في علي "، والخطيب الخوارزمي في " المناقب "، والحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب 39، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب 62 عن تاريخ ابن عساكر...، هؤلاء كلهم قد اتفقوا على المقصود من الصادقين: النبي الكريم (ص) والإمام علي (ع).
وقال بعض بأن المقصود من الصادقين في الآية الشريفة هم رسول الله (ص) والأئمة من أهل بيته وعترته(40).
فالشيعة مع الصادقين، يتبعونهم ويطيعونهم ويحذون حذوهم، وما لم يكونا كذلك فليسوا بشيعة حقا.
فكن على يقين ـ أيها الحافظ ـ بأننا لا نقول شيئا في حوارنا ونقاشنا إلا ويكون مصدره ومستنده كتب أعلامكم وأقوال علمائكم، فإن يكن لكم اعتراض فاللازم أن تعترضوا على علمائكم الذين كتبوا تلك الروايات والأدلة!
الحافظ: لم أعهد أحدا من علمائنا الأعلام كتب: بأن الصحابة بعد رسول الله قد نقضوا عهدا أو نكثوا بيعة كانت عليهم في حضور النبي (ص) أو أخذها عليهم رسول الله (ص) فنكثوها.

نقض بعض الصحابة للعهود
قلت: لقد نقض بعض الصحابة عهودا أخذها منهم النبي (ص)، ولكنهم نقضوها في حياته أو بعد وفاته، وأهمها عهد الخلافة والولاية وبيعة يوم الغدير.

حديث الولاية في غدير خم
لقد اعترف جمهور علماء المسلمين من الفريقين: بأن النبي (ص) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في العام العاشر من الهجرة النبوية عند رجوعه من حجة الوداع إلى المدينة المنورة، نزل عند غدير في أرض تسمى " خم " وأمر برجوع من تقدم عليه وانتظر وصول من تخلف عنه، حتى اجتمع كل من كان معه (ص) وكان عددهم سبعين ألفا أو أكثر، ففي تفسير الثعلبي وتذكرة سبط ابن الجوزي وغيرهما: كان عددهم يومئذ مائة وعشرين ألفا وكلهم حضروا عند غدير خم.
فصعد رسول الله (ص) منبرا من أحداج الابل، وخطب فيهم خطب عظيمة ، ذكرها أكثر علماء المسلمين والمحدثين من الفريقين في مسانيدهم وكتبهم الجامعة، وذكر في شطر منها بعض الآيات القرآنية التي نزلت في شأن أخيه علي بن أبي طالب (ع)، وبين فضله ومقامه على الأمة، ثم قال:
معاشر الناس! ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى.
قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
ثم رفع يده نحو السماء ودعا له ولمن ينصره ويتولاه فقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
ثم أمر (ص)، فنصبوا خيمة وأجلس عليا (ع) فيها وأمر جميع من كان معه أن يحضروا عنده جماعات وأفرادا ليسلموا عليه بإمرة المؤمنين ويبايعوه، وقال (ص): لقد أمرني ربي بذلك، وأمركم بالبيعة لعلي (ع).
ولقد بايع في من بايع أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، فأقام ثلاثة أيام في ذلك المكان، حتى أتمت البيعة لعلي (ع)، حيث بايعه جميع من كان مع النبي (ص) في حجة الوداع، ثم ارتحل من خم وتابع سفره إلى المدينة المنورة.
الحافظ: كيف يمكن أن يقع هكذا أمر هام وعظيم ولكن العلماء الكبار لم يذكروه في كتبهم المعتبرة؟!




من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:26 AM


قلت: ما كنت أنتظر منك ـ وأنت من حفاظ الحديث عند أهل السنة والجماعة ـ أن تجهل أو تتجاهل حديث الولاية في الغدير وهو أشهر من الشمس في رابعة النهار، ومن أوضح الواضحات عند ذوي الأبصار، ولا ينكره إلا الجاهل أو العالم المعاند!
ولكي يثبت عندك وعند الحاضرين زيف مقالك وبطلان كلامك حيث قلت: ولكن العلماء الكبار لم يذكروا هذا الحديث!
لا بد لي أن أذكر قائمة بأسماء بعض من رواه من علمائكم الأعلام وأشهر محدثي الإسلام، وإلا فذكر جميعهم أمر لا يرام فأقول منهم:
الفخر الرازي في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.
الثعلبي في تفسيره كشف البيان.
جلال الدين السيوطي / في تفسيره الدر المنثور.
الحافظ أبو نعيم في كتاب ما نزل من القرآن في علي (ع) ـ وحلية الأولياء ـ.
أبو الحسن الواحدي النيسابوري في تفسير غرائب القرآن.
الطبري في تفسيره الكبير.
نظام الدين النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن.
" كلهم ذكروا الحديث في تفسير الآية الكريمة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)(41).
محمد بن اسماعيل البخاري في تاريخه ج1 / 375.
مسلم بن الحجاج في صحيحه ج2 / 325.
أبو داود السجستاني في سننه.
محمد بن عيسى الترمذي في سننه.
ابن كثير الدمشقي في تاريخه.
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج4/281 و 371.
أبو حامد الغزالي في كتابه سر العالمين.
ابن عبد البر في الاستيعاب.
محمد بن طلحة في مطالب السؤل.
ابن المغازلي في " المناقب ".
ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة: ص 24.
البغوي في مصابيح السنة.
الخطيب الخوارزمي في المناقب.
ابن الأثير الشيباني في جامع الأصول.
الحافظ النسائي في الخصائص وفي سنته.
الحافظ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودة.
ابن حجر في الصواعق المحرقة، بعدما ذكر الحديث في الباب الأول ص25 ط الميمنية بمصر، قال ـ على تعصبه الشديد الذي اشتهر به ـ: إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدا.
الحافظ محمد بن يزيد المشهور بابن ماجة القزويني في سننه.
الحاكم النيسابوري في مستدركه.
الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني في الأوسط.
ابن الأثير الجزري في كتابه أسد الغابة.
سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة: 17.
ابن عبد ربه في العقد الفريد.
العلامة السمهودي في جواهر العقدين.
ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.
ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب وفي فتح الباري.
جار الله الزمخشري في ربيع الأبرار.
أبو سعيد السجستاني في كتاب الدراية في حديث الولاية.
عبيد الله الحسكاني في كتاب دعاة الهدى إلى أداء حق المولى.
العلامة العبدري في كتاب الجمع بين الصحاح الستة.
الفخر الرازي في كتاب الأربعين، قال: أجمعت الأمة على هذا الحديث الشريف.
العلامة المقبلي في كتاب الأحاديث المتواترة.
السيوطي في تاريخ الخلفاء.
المير علي الهمداني في كتاب مودة القربى.
أبو الفتح النطنزي في كتابه الخصائص العلوية.
خواجة بارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب.
جمال الدين الشيرازي في كتابه الأربعين.
المناوي في فيض الغدير في شرح الجامع الصغير.
العلامة الكنجي في كتابه كفاية الطالب / الباب الأول.
العلامة النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات.
شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين.
القاضي ابن روزبهان في كتاب إبطال الباطل.
شمس الدين الشربيني في السراج المنير.
أبو الفتح الشهرستاني الشافعي في الملل والنحل.
الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
ابن عساكر في تاريخه الكبير.
ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.
علاء الدين السمناني في العروة لأهل الخلوة.
ابن خلدون في مقدمته.
المتقي الهندي في كنز العمال.
شمس الدين الدمشقي في كتاب أسنى المطالب.
الشريف الجرجاني الحنفي في شرح المواقف.
الحافظ ابن عقدة في كتاب الولاية.
ذكرت لكم المدارك والمصادر التي جاءت في خاطري وحضرت في ذهني ولو راجعنا كل مصادر هذا الحديث لوصلت إلى ثلاثمائة مصدر من كبار أعلامكم ومحدثيكم ، رووه بطرق شتى عن أكثر من مائة صحابي من أصحاب النبي (ص).
ولو جمعناها لاحتاجت إلى مجلدات عديدة، كما أن بعض علمائكم قام بهذا الأمر الهام وألف كتابا مستقلا في حديث الولاية، منهم ابن جرير الطبري، المفسر والمؤرخ المشهور من أعلام القرن الثالث والرابع الهجري، روى حديث الولاية عن خمس وسبعين طريقا في كتاب أسماه: " الولاية ".
والحافظ ابن عقدة أيضا من أعلام القرن الثالث والرابع الهجري ألف كتابا في الموضوع، أسماه " الولاية " جمع فيه مائة وخمس وعشرين طريقا نقلا عن مائة وخمسة وعشرين صحابيا من أصحاب رسول الله (ص) مع تحقيقات وتعليقات قيمة.
والحافظ بن حداد الحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري ألف كتابا أسماه: " الولاية " تطرق فيه إلى الحديث وإلى واقعة الغدير بالتفصيل.
وذكر كثير من محدثيكم الأعلام: أن عمر بن الخطاب كان يظهر أو يتظاهر بالفرح ذلك اليوم فصافح عليا عليه السلام وقال: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

تأكيد جبرئيل (ع) بالبيعة لعلي عليه السلام
ذكر المير علي الهمداني (وهو فقيه شافعي من أعلام القرن الثامن الهجري) في كتابه مودة القربى / المودة الخامسة / روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: نصب رسول الله (ص) عليا فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم.
قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح، قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله عقدا لا يحله إلا منافق.
فأخذ رسول الله (ص) بيدي فقال: يا عمر! إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرئيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي عليه السلام!!
فأسألكم أيها الحاضرون.. هل كان يحق للصحابة أن ينقضوا ذلك العهد والميثاق الذي عهده الله تعالى لهم؟
وهل من الإنصاف أن ينكثوا بيعتهم لعلي عليه السلام التي عقدها خاتم النبيين (ص) لأمير المؤمنين وسيد الوصيين؟!
هل كان صحيحا أن يهجموا على بيت علي وفاطمة عليهما السلام ويشعلوا النار عند بابه ويهتكوا حرمة فاطمة سيد النساء؟
هل كان يحق لهم أن يسحبوا عليا إلى المسجد ويهددوه بالقتل إن لم يبايع أبي بكر ويجردوا عليه سيوفهم؟!
وقد صدر كل ذلك منهم طلبا للدنيا ومتابعة للهوى... ليس إلا!!
الحافظ: نحن ما كنا نتوقع من حضرتكم أن تنسبوا لصحابة النبي (ص) المقربين، متابعة الهوى وطلب الدنيا، علما بأن رسول اله أمر أمته بمتابعتهم والاقتداء بهم.
قلت: رجاء.. لا تكرروا الكلام، لقد أثبتنا لكم أن الصحابة كغيرهم من أفراد البشر يجوز عليهم الخطأ والعصيان والطغيان، ولم يأمر النبي الأكرم (ص) أمته بالاقتداء بمطلق الصحابة، لأنه مناف للعقل السليم، وإنما أمر أمته بالاقتداء بالصالحين من الصحابة، فقد أثبتنا ضعف سند حديث " أصحابي كالنجوم " ونقلنا لكم كلام القاضي عياض المالكي وهو من أعلامكم حيث قال: حديث أصحابي كالنجوم ضعيف ولا نلتزم به لأن من رواته حارث بن قضين وهو مجهول الحال، وحمزة بن أبي حمزة النصيبي وهو متهم بالكذب.
وكذلك البيهقي وهو من كبار علمائكم ومن أشهر أعلامكم، رد الحديث ورفضه لضعف إسناده.

بعض الصحابة اتبعوا الهوى
وأما قول الحافظ: بأني نسبت صحابة النبي (ص) المقربين إلى طلب الدنيا ومتابعة الهوى، ولم يكن يتوقع مني هذا الأمر.
فأقول له: أنا لم أنسب ذلك إليهم، وإنما هو قول بعض أعلامكم، منهم: العلامة سعد الدين التفتازاني حيث قال في كتابه شرح المقاصد:
إن ما وقع بين أصحابه من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن الطريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسات والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير مرسوما(42).
هذا كلام أحد أعلامكم، فإما أن تخضعوا لكلامه، فتكونوا معنا في هذا الاعتقاد بأن كثيرا من الصحابة الذين حاربوا عليا عليه السلام وخالفوه وآذوه ، إنما آذوا رسول الله (ص): " من سبك فقد سبني ومن آذاك فقد آذاني ومن حاربك فقد حاربني " وغير هذه الأحاديث التي تدل على أن عليا عليه السلام يمثل رسول الله (ص) في أمته، وهذا لا ينكره أي فرد من علماء المسلمين، وكتبكم ومسانيدكم مشحونة بهكذا أحاديث وأخبار وقد صححها علماؤكم ومحدثوكم، فإما أن تقبلوها، أو تطرحوها وتلغوها ، وهذا غير ممكن، لأن ذلك ينتهي إلى إلغاء علمائكم وإبطال أقوال محدثيكم وأعلامكم ، فلا يبقى في مذهبكم حجر على حجر.
فعندما نقول بأن بعض الصحابة فسقوا بعد رسول الله (ص) واتبعوا الباطل، ما قلنا شططا، ولم نكن منفردين في قولنا بل يوافقونا بعض أعلامكم أيضا كما نقلنا قول العلامة سعد الدين التفتازاني.
وأنقل لكم أيضا قول الغزالي، وهو أيضا من أشهر أعلامكم وأكبر علماؤكم.

كلام الغزالي في نقض الصحابة عهد الولاية
لقد تطرق الإمام الغزالي في كتابه " سر العالمين " إلى قضايا الإسلام وما حدث بعد رسول الله (ص) فقال في المقالة الرابعة:
أسفرت الحجة وجهها، و أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته ص في يوم غدير خم باتفاق الجميع و هو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن! لقد أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة!!
هذا تسليم و رضى و تحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرئاسة، و حمل عمود الخلافة و عقود البنود و خفقان الهواء في قعقعة الرايات و اشتباك ازدحام الخيول و فتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول (فنبذوه وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)(43)!!
ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته: إيتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر وأذكر لكم من المستحق لها بعدي!
قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر!! وقيل يهذو!!
فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص أيضا، فإن العباس وأولاده وعليا وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي ثم خالفهم الأنصار.انتهى.
فانتبهوا أيها الحاضرون! واعلموا بأن الشيعة لا يقولون إلا ما قاله بعض أعلامكم المشتهرين وعلماؤكم المعتبرين.
ولكن لسوء ظنكم بل سوء نظركم بالنسبة إلى الشيعة.. لا تقبلون منهم حتى إذا كان مصدر كلامهم مسانيدكم وكتب علمائكم!
الشيخ عبد السلام: كتاب سر العالمين لم يكن من تأليف الإمام الغزالي وإنما أنتم تنسبونه إليه لتحتجوا به علينا.
والإمام الغزالي هو أجل شأنا وأعظم قدرا، من أن يتكلم بهذا الكلام على الصحابة.

كتاب سر العالمين تأليف الغزالي
قلت: لقد أيد بعض أعلامكم أن كتاب سر العالمين من مصنفات الإمام محمد بن محمد الغزالي، منهم ـ كما يخطر ببالي ـ:
سبط ابن الجوزي وهو من أعلامكم، ولا يشك أحد في التزامه بمذهب السنة والجماعة، بل تعصبه في ذلك، وقد اشتهر بدقة النظر والاحتياط في صدور الحكم في مثل ما نحن فيه، قد ذكر في كتابه تذكرة خواص الأمة في ص36 فنقل قول الغزالي في الموضوع من كتاب سر العالمين ونسبه إليه من غير تعليق أو تشكيك ونقل عنه العبارات التي نقلتها لكم حول الصحابة والخلافة.
وحيث أن سبط ابن الجوزي لم يعلق على عبارات الغزالي بل استشهد بها فيعلم أنه أيضا موافق لذلك الكلام ومؤيد له.
ولكن جناب الحافظ وأمثاله حينما يواجهون بالحقائق الناصعة والبراهين الساطعة، لا يجدون مفرا إلا الإنكار، فأما أن ينفي تأليف المؤلف ويقال بأن هذا الكتاب منسوب إليه، وأما أن ينفي المؤلف نفسه من مذهبه ويقال أنه ليس منا بل هو شيعي منكم!!
وفي بعض الأحيان يفسقون ويكفرون المؤلف وينسبونه إلى الإلحاد.

ضريبة تجاهر السنة بالحق

أ ـ اتهام ابن عقدة بالرفض
ولقد يحدثنا التاريخ عن رجال من أعلامكم، حاربهم أهل الزمان وهجرهم الإخوان وكتب ضدهم الخلان، لأنهم كانوا ينطقون بالحق ويبينون الحقائق باللسان والبنان، فحرم العلماء المتعصبون من أهل مذهبهم، كتبهم ونسبوها إلى الضلال عن بغض وشنآن وحركوا ضدهم الجهلة والعوام وأبناء الوقت والزمان.
الشيخ عبد السلام: هذه مفتريات الشيعة علينا وإلا فعلماؤنا الأعلام يحترمون كل عالم سواء من مذهبهم أو غير مذهبهم ويأمرون العوام باحترام العلماء لعلمهم ولا يسمحون لأحد من الجهلة أن يهتك عالما سواء أكان من أهل السنة والجماعة أم من غيرهم.
قلت: لا داعي للشيعة أن يفتروا عليكم هذا الكلام، ولو كنت تطلب مني شاهدا للكلام لأجبتك بأن أحد الرجال الأعلام الذي أشرنا إليهم، هو الحافظ ابن عقدة، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني المتوفى عام 333 هجري، وهو من كبار علمائكم ومن مشاهير أعلامكم وقد وثقه الرجاليون من علمائكم كالذهبي واليافعي وقالوا في ترجمته: إنه كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث مع إسنادها وكان ثقة وصادقا، ولكن حيث كان في المجالس والمجتمعات في الكوفة وبغداد، كان ينتقد الشيخين ويذكر معائبهم ومثالبهم، اتهمه العلماء بالرفض وتركوا رواياته وطرحوا مروياته.
قال ابن كثير والذهبي واليافعي في ترجمته: إن هذا الشيخ كان يجلس في جامع براثا ويحدث الناس بمثالب الشيخين ـ أبي بكر وعمر ـ ولذا تركت رواياته وإلا فلا كلام لأحد في صدقه وثقته!!
والخطيب البغدادي في تاريخه، يذكره بالخير والمدح وبعد ذلك يقول: إلا أنه خرج مثالب الشيخين وكان رافضيا!

ب ـ دفن الطبري في بيته ومقاطعة تشييعه!!
محمد بن جرير الطبري وهو المفسر الشهير والمؤرخ الكبير ويعد من أشهر أعلام القرن الثالث الهجري بلغ من العمر ستا وثمانين عاما ومات سنة ثلاثمائة وعشر من الهجرة في مدينة بغداد فمنعوا تشييع جثمانه فدفن ليلا في داره!!
كل ذلك لأنه كتب بعض الحقائق في تاريخه وتفسيره ونشر بعض الأخبار والوقائع التي أغاظت المتعصبين والمعاندين من أهل نحلته، وإن أخفى كثيرا من الحقائق إلا أنهم لم يرضوا عليه وقاطعوه حيا وميتا!!

ج ـ قتل النسائي
ومن أعجب هذه الوقائع قتل الحافظ أحمد بن شعيب بن سنان النسائي وهو أحد الأعلام وأئمة الحديث وجامع أحد الصحاح الستة عندكم، ورد مدينة دمشق سنة ثلاثمائة وثلاث من الهجرة النبوية فوجد أهلها سائرين على البدعة السيئة التي سنها معاوية وحزبه في البلاد، ألا وهي لعن وسب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد كل صلاة وفي خطب الجمعة!
فتأسف لذلك الوضع الفجيع المزري وألزم نفسه أن ينشر ما وصله مسندا عن النبي (ص) في فضائل ومناقب الإمام علي عليه السلام فكتب كتابه المسمى بخصائص مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان يقرأه على المنبر في الملأ العام، فهجم عليه في يوم من الأيام جماعة من الطغاة والجهلة اللئام فضربوه ضربا مبرحا وأنزلوه من على المنبر وسحقوه بأقدامهم حتى أغمي عليه وبعد قليل مات على أثر تلك الضربات واللكمات. فحملوا جثمانه إلى حرم الله سبحانه ودفن في مكة المكرمة حسب وصيته!!
فهذه الوقائع بعض جرائم المتعصبين أهل العناد واللجاج والجهل الذين يقتلون علماءهم ويسحقون مفاخرهم بأقدامهم، ليس لهم ذنب سوى أنهم نطقوا بالحق وكشفوا عن الواقع ومدحوا من مدحه الله تبارك وتعالى في كتابه.
وقد غفل الجاهلون وما دروا بأنهم لم يتمكنوا من إخفاء الحق بهذه الأعمال الوحشية ولا يمكن حجب الشمس في الضحى بالحركات الهمجية.
أعتذر إليكم لابتعادي عن موضوع البحث.
والحاصل: إن حديث: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " مقبول لدى أعلامكم كما هو مقبول عند علمائنا، واتفق محدثو الفريقين بأن النبي (ص) بأمر من الله تعالى أعلن يوم الغدير هذا الحديث الشريف في حضور ما لا يقل عن سبعين ألف.
صعد النبي (ص) على منبر صنعوه له من أحداج الإبل، وأصعد علي بن أبي طالب وأخذ بكفه والملأ ينظرون إليهما، فنادى فيهم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه... إلخ.

ما معنى كلمة مولى؟
الحافظ: نحن لا ننكر واقعة الغدير وحديث الولاية، ولكن قضية الغدير ما كانت على النحو الذي تقولون به أنتم الشيعة، وليس معنى المولى ما تقولون به أنتم بمعنى الأولى بالتصرف، وإنما المولى كما ثبت في اللغة بمعنى المحب والناصر والصديق الحميم، وحيث كان النبي (ص) يعلم بأن ابن عمه عليا له أعداء كثيرون فأراد أن يوصي به الأمة فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، أي من كان يحبني فليحبب عليا، ومن كان ينصرني فلينصر عليا " كرم الله وجهه " وقد قام النبي (ص) بهذا العمل حتى لا يتأذى علي من بعده من الأعداء.
قلت: لو تنصفنا أيها الحافظ، وتترك التعصب لمذهب الأسلاف ودين الآباء، وتنظر إلى القرائن الموجودة في القضية والواقعة بدقة وإمعان لعرفت الحقيقة واعترفت بما نقول!!
الحافظ: ما هذه القرائن التي تثبت قولكم في المقام، بأن معنى المولى هو الأولى بالتصرف في الأمر العام وفي شؤون الإسلام؟
قلت: القرينة الأولى: نزول الآية الكريمة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(44).
الحافظ: من أين تقولون بأن هذه الآية نزلت في يوم الغدير وبشأن تبليغ الولاية؟ ما هو دليلكم على هذا القول؟
قلت: دليلنا وحجتنا قول كبار علمائكم وأعلامكم، منهم:
1ـ جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور: ج2 ص298.
2ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه الولاية.
3ـ الحافظ أبو عبد الله المحاملي في أماليه.
4ـ الحافظ أبو بكر الشيرازي في " ما أنزل من القرآن في علي عليه السلام ".
5ـ الحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.
6ـ الحافظ ابن مردويه في تفسيره الآية الكريمة.
7ـ الحافظ ابن أبي حاتم في تفسير الغدير.
8ـ الحافظ أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل.
9ـ أبو الفتح التطنزي في الخصائص العلوية.
10ـ معين الدين المبيدي في شرح الديوان.
11ـ القاضي الشوكاني في فتح القدير:ج3 ص75.
12ـ جمال الدين الشيرازي في الأربعين.
13ـ بدر الدين الحنفي في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ج8 ص584.
14ـ الإمام الثعلبي في تفسير كشف البيان.
15ـ الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير: ج3 ص636.
16ـ الحافظ أبو نعيم في " ما نزل من القرآن في علي (ع) ".
17 ـ شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين.
18ـ نظام الدين النيسابوري في تفسيره: ج6 ص170.
19ـ شهاب الدين الآلوسي البغدادي في روح المعاني: ج2 ص348.
20 ـ نور الدين المالكي في الفصول المهمة: ص 27.
21ـ الواحدي في أسباب النزول: ص 150.
22ـ محمد بن طلحة في مطالب السؤل.
23ـ المير سيد علي الهمداني في مودة القربى / المودة الخامسة.
24ـ القندوزي في ينابيع المودة / الباب 39.
وغير هؤلاء المذكورين في كثير من أشهر أعلامكم قد كتبوا ونشروا بأن هذه الآية نزلت يوم الغدير، حتى أن القاضي فضل بن روزبهان المشهور بالتعصب والعناد، كتب عن الآية: فقد ثبت هذا في الصحاح أن هذه الآية لما نزلت أخذ رسول الله (ص) بكف علي بن أبي طالب وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
وأعجب من هذا الكلام أنه قال وروى ـ كما في كشف الغمة ـ عن رزين بن عبد الله أنه قال: كنا نقرأ هذه الآية على عهد رسول الله (ص) هكذا:
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) أن عليا مولى المؤمنين (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)!
ورواه السيوطي في الدر المنثور عن ابن مردويه.
وابن عساكر وابن ابي حاتم عن أبي سعيد الخدري وعن عبد الله ابن مسعود وهو أحد كتاب الوحي.
ورواه القاضي الشوكاني في تفسير فتح القدير كذلك.
والحاصل: إن تأكيد الله سبحانه لنبيه بالتبليغ وتهديده على أنه إن لم يفعل ما أمره تلك الساعة، فكأنه لم يبلغ شيئا من الرسالة، هذه قرينة واضحة على أن ذلك الأمر كان على أهمية كالرسالة فمقام الخلافة والولاية تالية لمقام النبوة والرسالة.

القرينة الثانية
وأما القرينة الثانية: الذي يؤيد ويوضح قولنا … أن نزول آية إكمال الدين كانت بعد ما بلغ رسول الله (ص) رسالته وأمر ربه في ولاية الإمام علي عليه السلام.
الحافظ: اتفق علماؤنا أن آية إكمال الدين نزلت يوم عرفة.
وبعض العلماء جمعوا بين القولين وقالوا بأن الآية نزلت مرتين منهم سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة / آخر الصفحة 18 حيث قال: احتمل أن الآية نزلت مرتين مرة بعرفة ومرة يوم الغدير كما نزلت (بسم الله الرحمن الرحيم) مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة.
وأما الذين وافقونا من أعلامكم وقالوا بأن آية إكمال الدين نزلت في الغدير بعد نصب رسول الله (ص) عليا وليا من بعده. كثيرون منهم:
1ـ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور: ج2 ص256، وفي الإتقان: ج1 ص31.
2ـ الإمام الثعلبي في كشف البيان.
3ـ الحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي عليه السلام.
4ـ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.
5ـ ابن كثير في تفسيره: ج2 ص14.
6ـ المؤرخ والمفسر الشهير محمد بن جرير الطبري في كتابه الولاية.
7ـ الحافظ أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل.
8ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: ص18.
9ـ أبو اسحاق الحمويني في فرائد السمطين / الباب الثاني عشر.
10ـ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.
11ـ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج8 ص290.
12ـ ابن المغازلي في المناقب.
13ـ الخطيب أبو مؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب / فصل 14، وفي مقتل الحسين / الفصل الرابع.
وكثير من أعلامكم غير من ذكرنا أيضا قالوا: بأن رسول الله (ص) بعدما نصب عليا وليا من بعده وعرفه للمسلمين فأمرهم وقال:
سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فأطاعوا وسلموا على علي بن أبي طالب بإمرة المؤمنين وقبل أن يتفرقوا من المكان نزل جبريل على رسول الله (ص) بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (45).
فصاح النبي (ص): الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب بعدي.
ولو أحببتم توضيح القضية وكشف الحقيقة فراجعوا مسند أحمد بن حنبل وشواهد التنزيل للحافظ الحسكاني فإنهما شرحا الموضوع أبسط من غيرهما. فلو أمعنتم النظر ودققتم الفكر في الخبر لعلمتم و لأيقنتم أن النبي (ص) ما قصد من كلمة المولى إلا الإمامة والخلافة والأولوية وذلك بالقرائن التي ذكرتها وبقرينة كلمة " بعدي " في الجملة.
ثم فكروا وأنصفوا... هل الأمر بالمحبة والنصرة كان هاما إلى ذلك الحد بأن يأمر النبي (ص) الركب والقافلة وهم مائة ألف أو أقل أو أزيد، فينزلوا في ذلك المكان القاحل وفي ذلك الحر الشديد، ثم يأمر برجوع من سبق ولحوق من تأخر وينتظر حتى يجتمع كل من كان معه وتحت حرارة الشمس حتى أن كثيرا من الناس مد رداءه على الأرض تحت قدميه ليتقي حر الرمضاء وجلس في ناقته ليتقي أشعة الشمس، ثم يصعد النبي (ص) المنبر الذي صنعوه له من أحداج الإبل ويخطب فيهم ويبين فضائل ومناقب ابن عمه علي بن أبي طالب كما ذكرها الخوارزمي وابن مردويه في المناقب والطبري في كتاب الولاية وغيرهم، ثم يبقى (ص) ثلاثة أيام في المكان الذي كان معهودا بنزول القوافل وما كان قبل ذلك اليوم منزلا للمسافر، ويتحمل هو والمسلمون الذين معه مشاقا كثيرة ، حتى بايع كلهم عليا (ع) بأمر رسول الله.. فهل كان من المعقول أنه (ص) كان يريد من كل ذلك ليبين للناس أن يحبوا عليا ويكونوا ناصريه!!
مع العلم أنه (ص) قبل ذلك كان يبين للمسلمين كرارا ومرارا أن حب علي من الإيمان وبغضه نفاق، وكان يأمرهم بنصرته وملازمته، فأي حاجة إلى تحمل تلك المشاق ليبين ما كان مبينا ويوضح ما كان واضحا للمسلمين!! فإذا في تلك الظروف الصعبة التي كانت في قضية الغدير لم نقل بتبليغ الولاية والخلافة من بعده ونقول بما يقوله الحافظ وبعض العلماء من أهل السنة والجماعة، لكان عمل النبي (ص) مع تلك الظروف سفها ولغوا ـ والعياذ بالله من هذا القول ـ بل النبي منزه من اللغو والسفاهة وأعماله كلها تكون على أساس العقل والحكمة.
فنزول هذه الآيات التي ذكرناها في الغدير وتلك التشريفات الأرضية والسماوية، كلها قرائن دالة عند العقلاء والعلماء بأن الأمر الذي بلغه خاتم الأنبياء هو أهم من أمر النصرة والمحبة، بل هو أمر يساوي في الأهمية أمر الرسالة بحيث إذا لم يبلغه رسول الله (ص) لأمته في تلك الساعة فكأنه لم يبلغ شيئا من رسالة الله عز وجل. فهذا الأمر ليس إلا الإمامة على الأمة بعد النبي (ص) وتعيين رسول الله خليفته المؤيد من عند الله والمنصوب بأمر من السماء، وتعريفه للناس، لكي لا تبقى الأمة بلا راعي بعده ولا تذهب أتعابه أدراج الرياح.
ولقد وافقنا بعض أعلام أهل السنة والجماعة في معنى كلمة المولى وأن المقصود منها ـ يوم الغدير ـ الأوْلى.
منهم سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / الباب الثاني / ص20 فذكر لكلمة المولى عشر معاني وبعدها قال: لا يطابق أي واحد من هذه المعاني كلام رسول الله (ص) والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعين الوجه العاشر وهو الأوْلى ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به... ودل عليه أيضا قوله (ص): ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته انتهى كلامه ويوافقنا في هذا المعنى أيضا... الحافظ أبو الفرج الإصفهاني يحيى بن سعيد الثقفي في كتابه مرج البحرين، حيث يروي باسناده عن مشايخه: أن النبي (ص) أخذ بكف علي (ع) وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه.
ويوافقنا في أن المولى بمعنى الأولى... العلامة أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة القرشي العدوي، إذ قال في كتابه مطالب السؤول / في أواسط الفصل الخامس من الباب الأول / قال بعد ذكره حديث " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ": أثبت رسول الله (ص) لنفس علي (ع) بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه (ص) على المؤمنين عموما فإنه (ص) أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد المؤمنين وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله (ص) فقد جعله لعلي (ع) وهي مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة علّية ومكانة رفيعة خصصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم عيدا وموسم سرور لأوليائه... إلخ.
الحافظ: لاشك أن لكلمة المولى معاني متعددة وأنتم تعترفون بهذه الحقيقة، فلماذا تخصصون معنى الأولوية للمولى؟ وهذا تخصيص من غير مخصص.
قلت: لقد اتفق العلماء في علم الأصول بأن الكلمة التي يفهم منها أكثر من معنى، وكان أحد المعاني حقيقيا فالمعاني الأخر تكون مجازية. والمعنى الحقيقي مقدم على المجاز إلا أن يتضح بالقرائن أن المراد من الكلمة معناها المجازي.
أو كان للكلمة معاني مجازية متعددة، فنعين المراد منها بالقرينة.
ونحن نعلم أن المعنى الحقيقي لكلمة المولى إنما هو الأولى في التصرف، والمعاني الأخرى تكون مجازية.
فمعنى ولــي النكـاح = الأولى في أمر النكاح.
وولي المرأة زوجها = أي الأولى بها.
وولي الطـفـل أبــوه = أي هو الأولى بالتصرف في شأن الطفل.
وولــــي العــــهــــد = هو المتصرف في شؤون الدولة بعد الملك ، أي في غيابه، وأكثر استعمال كلمة الولي جاء في هذا المعنى في اللغة العربية في الكتابات والخطابات.
ثم هذا الاشكال يرد عليكم حيث إن لكلمة المولى معان متعددة، فلماذا تخصصونها في معنى المحب والناصر وهذا تخصيص بلا مخصص على حد زعمكم، فالتزامكم بهذا المعنى يكون باطلا من غير دليل.
وأما نحن إذا خصصنا كلمة المولى بالمتصرف والأولى بالتصرف، فإنما خصصناها للقرائن الدالة على ذلك من الآيات والروايات وأقوال كبار علمائكم مثل سبط ابن الجوزي ومحمد بن طلحة الشافعي، كما مر.
وقد ذكروا في تفسير الآية الكريمة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) أي في ولاية علي وإمامة أمير المؤمنين، وقد ذكر أحاديث كثيرة بهذا المعنى والتفسير ، العلامة جلال الدين السيوطي في ذيل الآية الشريفة في تفسيره المشهور، الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور.

احتجاج علي (ع) بحديث الغدير
لقد ذكر المؤرخون والمحدثون بأن الإمام علي (ع) احتج على خصمائه بحديث الغدير في مواطن متعددة، يريد بذلك إثبات خلافته للنبي (ص) مباشرة، ويستدل على إمامته على الأمة بعد رسول الله. فنفهم من احتجاجه (ع) بجملة " من كنت مولاه فعلي مولاه " أن المستفاد والمفهوم من المولى، الإمامة والخلافة وهي التصرف في شئون الأمة والدولة الإسلامية.
ذكر كثير من أعلامكم احتجاجه (ع) بحديث الغدير في مجلس الشورى السداسي الذي شكّله عمر بن الخطاب لتعيين خليفته وكان يريد باحتجاجه على القوم إثبات أولويته بمقام الخلافة والإمامة، وأنه أولى من غيره بإمرة المؤمنين وإمامة المسلمين.
منهم: الخطيب الخوارزمي في كتابه المناقب: ص 217.
وشيخ الإسلام الحمويني في كتابه فرائد السمطين / باب 58.
والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية.
وابن حاتم الدمشقي في كتابه الدر النظيم.
وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: 6 ص 168، ط. دار إحياء التراث العربي.
وقد ناشد (ع) مرة أخرى أصحاب رسول الله (ص) في رحبة مسجد الكوفة فقال: أنشدكم الله! من سمع رسول الله (ص) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه فليشهد!
فشهد قوم، وفي بعض الأخبار فشهد له ثلاثون نفرا من الصحابة، وفي رواية بضعة عشر رجلا من الصحابة.
روى خبر مناشدته في الرحبة: أحمد بن حنبل في مسنده: ج1 ص 119 وج4 ص 370.
وابن الأثير الجزري في أسد الغابة: ج3 ص 307 وج5 ص 205 و 276.
وابن قتيبة في معارفه: ص 194.
والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج4 ص 74 ط. إحياء التراث العربي.
والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج5 ص 26.
وابن حجر العسقلاني في الاصابة: ج2 ص 408.
والمحب الطبري في ذخائر العقبي: ص 67.
والنسائي في الخصائص: ص 26.
والعلامة السمهودي في جواهر العقدين.
وشمس الدين الجزري في أسنى المطالب: ص3.
والعلامة القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب 4.
والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية أو الموالاة.
وغير هؤلاء الأعلام الأكابر رووا خبر احتجاج الإمام علي (ع) ـ في رحبة مسجد الكوفة ـ بحديث الغدير وناشد الحاضرين قائلا:
أنشدكم الله! من سمع منكم رسول الله (ص) يوم الغدير يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليقم وليشهد!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:28 AM


فقام ثلاثون رجلا وشهدوا، وكان إثنا عشر نفرا منهم ممن حضر بدرا، كلهم شهدوا لعلي (ع) وقالوا: نحن رأينا النبي (ص) يوم غدير خم وسمعناه يقول للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، قال (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه إلخ.
ولم يشهد بعضهم وكتم منهم أنس بن مالك وزيد بن أرقم. فدعا عليهما الإمام علي (ع) فعمي زيد وأصيب أنس بالبرص في جبهته بين عينه لأن عليا (ع) قال: اللهم ارمه بيضاء لا تواريها العمامة(46).
فاحتجاج أمير المؤمنين (ع) بحديث الغدير على خصومه لإثبات خلافته وإمامته على الأمة، هو اكبر دليل على أن المقصود من كلمة المولى في حديث النبي (ص) الأولوية والتصرف في شئون الأمة والدولة الإسلامية.
وهنا علا صوت المؤذن لصلاة العشاء وانقطع كلامنا.

القرينة الرابعة
وبعدما انتهى القوم من صلاة العشاء وشربوا الشاي وتناولوا الفاكهة، ابتدأت بالكلام فقلت:
وأما القرينة الأخرى التي تدل على أن معنى المولى في كلام رسول الله (ص) يوم الغدير هو الأولية في التصرف في شئون الأمة والدولة، قوله (ص): ألست أولى بكم من أنفسكم؟، يشير صلوات الله وسلامه عليه إلى الآية الشريفة: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(47).
فقال الحاضرون كلهم: بلى يا رسول الله! فقال حينئذ: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فسياق الكلام واضح والمرام أوضح وهو تثبيت ولاية علي (ع) وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن النبي أولى بهم.
الحافظ: لقد ذكر هذه الجملة بعض المحدثين وهم قليل فأكثر المحدثين وأعلامهم لم يذكروا بأن النبي (ص) قال: ألست أولى بكم من أنفسكم!
قلت: صحيح أن عبارات المحدثين وألفاظهم في نقل حديث الغدير وخطبة النبي (ص) في ذلك اليوم مختلفة،ولكن الذين ذكروا جملة " ألست أولى بكم من أنفسكم " عن لسان رسول الله غير قليلين، إضافة إلى جمهور علماء الشيعة ومحدثيهم وإجماعهم على ذلك. وأما أعلامكم الذين ذكروا هذه الجملة من حديث النبي (ص) وخطبته يوم الغدير فكثير منهم:
1ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: ص 18.
2ـ أحمد بن حنبل في / المسند.
3ـ ابن الصباغ المالكي في / الفصول المهمة.
4ـ الحافظ أبو بكر البيهقي في / تاريخه.
5ـ أبو الفتوح العجلي في / الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة.
6ـ الخطيب الخوارزمي في / المناقب / الفصل 14.
7ـ والعلامة الكنجي الشافعي في / كفاية الطالب / الباب الأول.
8ـ والعلامة القندوزي الحنفي في / ينابيع المودة / الباب 4.
نقله من مسند الإمام أحمد ومشكوة المصابيح وسنن ابن ماجة وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ومناقب ابن المغازلي الشافعي وكتاب الموالات لابن عقدة، وكثير من أعلامكم غير من ذكرنا أسماءهم، كلهم ذكروا فيما رووا عن النبي (ص) يوم الغدير أنه قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟
فقالوا: بلى! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه... الخ.
والآن لكي يتبرك مجلسنا أنقل لكم نص ما رواه إمام أصحاب الحديث أحمد بن حنبل في مسنده ج4 ص 281.
أخرج بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله (ص) في سفره فنزلنا بغدير خم ونودي فينا بالصلاة جامعة فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك، فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
رواه المير علي الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الخامسة.
ورواه الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع.
ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء.
رووه مع اختلاف يسير في ألفاظه والمعنى واحد.
وروى ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة عن الحافظ أبي الفتح ما نصه، فقال (ص): أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فعلي مولاه.
وروى ابن ماجة في سننه والنسائي في خصائصه في باب / ذكر قول النبي: من كنت وليه فهذا وليه(48).
أخرج بسنده عن زيد بن أرقم انه (ص).. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قال: بلى نشهد، لأنت أولى بكل مؤمن من نفسه.
قال: فإني من كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي عليه السلام.
ونقل ابن حجر خطبة النبي في يوم الغدير وذكر فيها قول النبي (ص) أنه قال: أيها الناس! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليا ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه / الصواعق المحرقة 25 / ط/ المطبعة الميمنية بمصر.
وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفي 463 هجرية في تاريخه: ج8 / 290 / بسنده عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي (ص) بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه الخ(49).
أظن أنه يكفي ما ذكرناه في خصوص قول رسول الله (ص): " ألست أولى بكم من أنفسكم "؟ فلما أقروا له قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذه الجملة بعد ذلك الإقرار، دليل واضح على أن المراد من المولى الأولوية الثابتة للنبي (ص) بنص القرآن الحكيم.

القرينة الخامسة
لقد أثبت المؤرخون وسجل المحدثون أن حسان بن ثابت الأنصاري أنشأ أبياتا في محضر رسول الله (ص) يوم الغدير بعد أن نصب عليا بالخلافة والإمامة وشرح ذلك الموقف الخطير في شعره الشهير بمناسبة الغدير.
فقال له رسول الله (ص) كما ذكر سبط ابن الجوزي وغيره: يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك.
وقد ذكر ذلك كثير من أعلامكم منهم:
الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر والمحدث الشهير في القرن الرابع الهجري المتوفي سنة 352 في كتابه المناقب.
وصدر الأئمة الموفق بن أحمد الخوارزمي وفي المناقب والفصل الرابع من كتابه مقتل الحسين عليه السلام.
وجلال الدين السيوطي في كتابه " رسالة الأزهار ".
والحافظ أبو سعيد الخركوشي في " شرف المصطفى ".
والحافظ ابو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.
والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.
والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.
وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب 12.
والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.
وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص /20.
والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.
وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرخيهم ذكروا عن أبي سعيد الخدري انه قال: أن حسان بن ثابت قام بعدما فرغ رسول الله (ص) من خطابه يوم الغدير ، فقال: يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتا؟
فقال له النبي (ص): قل على بركة الله تعالى.
فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات:
يناديهم يوم الغدير نبيــهمبخـــم فاسمع بالرسول منادياوقال فمن مولاكم و وليكمفقالوا و لم يبدوا هناك التعامياإلهك مولانا و أنت ولينــاولم تلف منا لك اليوم عاصـيافقال له قم يا علي فإننــيرضيتك من بعدي إماما و هاديامن كنت مولاه فهذا وليـهفكونوا له أتباع صدق مـواليـاهناك دعا اللهم وال وليـهو كن للذي عادى عليا معاديـا
فيتضح لكل منصف من هذه الأبيات: أن الأصحاب والحاضرين في يوم الغدير فهموا من حديث النبي (ص) وخطابه وعمله أنه (ص) نصب عليا (ع) إماما وخليفة على الناس، وأن رسول الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية الأولوية والتصرف في شئون العامة. فلذا صرح بذلك حسان في شعره بمسمع منه (ص) ومرأى:
فقال له قم يا علي فإننــي رضيتك من بعدي إماما و هاديا(50)
ولو كان النبي (ص) يقصد غير ما قاله حسان لأمر بتغير شعره ولكنه (ص) أيد شعر حسان وقال له: لا تزال مؤيدا بروح القدس. وفي بعض الأخبار: لقد نطق روح القدس على لسانك! وهذا البيت يؤيد ويصدق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبي (ص) في يوم الغدير فقال فيما قال (ص):
اسمعوا وأطيعوا فإن الله مولاكم وعلي إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة.
معاشر الناس هذا أخي ووصيي و واعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي.

الذين نقضوا العهد
على أي تقدير، سواء تفسرون حديث رسول الله (ص) بما نفسره نحن الشيعة، أو بتفسيركم أنتم بأن النبي (ص) أراد من قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أي المحب والناصر، فمما لاشك فيه أن الأصحاب خالفوا عليا (ع) بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ولم ينصروه، فنقضوا العهد الذي أخذه منه نبيهم في الإمام علي (ع)، وهذا لا ينكره أحد من أهل العلم والاطلاع من الفريقين.
فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر، وأن النبي يوم الغدير أمر أصحابه أن يحبوا عليا وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم النار ، وتهديدهم بحرق الدار ومن فيها، وترويعهم أهل البيت الشريف، وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها، وإخراجهم عليا من البيت كرها مصلتين سيوفهم عليه، يهددونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر، وضربهم حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتى أسقطوا جنينها المحسن!!
فهل هذه الجرائم والجنيات التي ارتكبها كثير من الصحابة كان امتثالا لأمر النبي (ص) يوم الغدير؟! أم كان خلافا له وهل كل ما فعلوه من حين السقيفة وبعدها إلى السيدة فاطمة الزهراء (ع)، يوافق ما فسرتموه من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!
وهل هذه الأعمال الوحشية، كانت المودة التي فرضها الله على المسلمين لقربى رسول الله (ص)؟ ومن أقرب إلى رسول الله (ص) من فاطمة؟!
والله سبحانه يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )(51).
وأمرهم النبي (ص) بصلة أقربائه وأمرهم النبي (ص) أن يصلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم، وذكره الحمويني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.
ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج9 / 170 / الخبر الثاني عشر / ط. دار إحياء التراث العربي:
قال رسول الله (ص): من سره أن يحيا حياتي، و يموت مماتي، و يسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي و ليوال وليه و ليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي و رزقوا فهما و علما، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.
وكلهم عاهدوا رسول الله (ص) على مودة أهل بيته ولكنهم نقضوا العهد، وكأنهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)(52).
فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!
الحافظ: لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول الله (ص) إلى نقض العهد والميثاق، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في سوح القتال والمتحملون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!
كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد والميثاق؟!
إن تهجمكم على الصحابة الكرام وتجرؤكم عليهم بنسبة ما لا يليق إليهم سبب لتكفيركم عند أكثر أهل السنة.
قلت: إن كان هذا الأمر سبب تكفيرنا، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأننا ننقل عنهم، ولا نقول شيء بغير دليل، وإنما دائما نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.
ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى أفعال الصحابة وأفعالهم، فنمدح محسنهم ونؤيد حسناته ليرغب المؤمنون بالتأسي والاقتداء بهم، ويحبونهم لحب الله وحب الخير والحق والإحسان.
ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمهم لسيئاتهم ومنكراته وما عملوا من الباطل، حتى يتبرأ المؤمنون منهم، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان والوجدان وللسنة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرروها بحجة الاقتداء بالصحابة، فإن منهم الصاحون ومنهم الطالحون.
ملخص الكلام: نحن إنما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من الصحابة، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر، ولكي نعطي كل ذي حق حقه.
فإن تنكرون علينا هذا الأمر وتكفرونا من أجله، فالأحرى أن تنكروا على صحابة الرسول وتكفروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضا ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتسابون ويتقاتلون!! وإن أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار فاطمة (ع) وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل وصفين أدل دليل على ذلك.
وأنتم إما تجهلون الحقائق أو تتجاهلون، ومحبتكم للصحابة وصلت إلى حد المثل الشائع:
" حب الشيء يعمي ويصم "، لذلك حينما تسمع مني بأن الصحابة بعضهم نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول الله (ص) فتغضب وتتعصب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني بالدليل قبل أن تغضب وتتعصب.
الحافظ: الآن أطالبك بدليلك، فأت به إن كنت من الصادقين!

أكثرهم نقضوا العهد
أولا: ثبت عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير، أن النبي (ص) يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب علي ونصرته وموالاته وطاعته، فيا ترى هل نصروه في أحداث السقيفة وما بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول الله (ص) في الغدير وخالفوه؟!
ثانيا: قد صدر منهم في حياة النبي (ص) نقض العهد أيضا، فإنهم بايعوا رسول الله (ص) وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ولا يتركوه في المعركة ولا يولوا الدبر للأعداء، بل يقابلوهم وجها لوجه حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في القتال والجهاد فقال:
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)(53).
وقد ذكر كثير من محدثيكم ومؤرخيكم أن كثيرا من الأصحاب انهزموا وفروا يوم حنين، وأجمعوا أن جلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان وعثمان:
أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج15 / 24 / طبع دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال:... و كان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عامر... و لقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب و تقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به!!
و احتج أيضا من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية قال: قال عمر يومئذ: يا رسول الله، أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرّف مع المعرّفين و هدينا لم يصل إلى البيت و لا نحر؟!! فقال رسول الله (ص): أ قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا.
قال (ص): أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسي و رءوسكم ببطن مكة و أعرّف مع المعرّفين، ثم أقبل (ص) على عمر و قال: أ نسيتم يوم أحد (إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ)(54) و أنا أدعوكم في أخراكم!
أ نسيتم يوم الأحزاب (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وتظنون بالله الظنونا)(55)!
أ نسيتم يوم كذا! و جعل (ص) يذكرهم أمورا.
أ نسيتم يوم كذا!
فقال المسلمون صدق الله وصدق رسوله، أنت يا رسول الله أعلم بالله منا.
فلما دخل عام القضية و حلق رأسه قال: هذا الذي كنت وعدتكم به، فلما كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال (ص): ادعوا لي عمر بن الخطاب، فجاء فقال (ص): هذا الذي كنت قلت لكم.
قالوا: فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال (ص) له: أ نسيتم يوم أحد (إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ )(56).
هذا الخبر... حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه، ولكن نحن الشيعة إذا نقلناه، فأنتم علماء العامة تتعصبون وتتهجمون علينا وتحركون الجهلة والعوام وتقولون بأن الرافضة يهينون الصحابة وينالون من الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حد قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلةولكن عين السخط تبدي المساويا
ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا بالكفر! وتؤيدون الذين ظلموا، ومن رضي بعمل قوم حشر معهم، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(57).
الحافظ: نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين، وهذا افتراء علينا.
قلت: الظلم الذي جرى علينا كثير، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا نعفو عن هجومهم على بيت أمي فاطمة الزهراء عليها السلام، وإيذائها وغصبهم حقها ، فإني من ذراريها ويحق لي أن أقيم الدعوى على من ظلمها وضربها وأسقط جنينها واغتصب فدكها!!
الحافظ: نحن ما كنا في ذلك الزمان حتى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى تحتاج إلى الإثبات.
قلت: نعم نحن ما كنا في ذلك الزمان، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة، لا سيما إذا كان الرواة والمؤرخون من أعلامكم.

فدك وما يدور حولها
فدك وعوالي سبع قرى زراعية حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.
قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان: ج6/343.
واحمد البلاذري في تاريخه.
وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 210 / واللفظ للأخير: عن كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم و يسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي ص خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.
قال أبو بكر: و روى محمد بن إسحاق أيضا، أن رسول الله ص لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم، و كانت فدك لرسول الله (ص) خالصة له، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال: و قد روى أنه صالحهم عليها كلها، الله أعلم أي الأمرين كان! انتهى كلام الجواهري.
وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.

فدك حق فاطمة عليها السلام
بعدما رجع النبي (ص) إلى المدينة نزل جبرئيل من عند الرب الجليل بالآية الكريمة: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا)57.
فانشغل فكر النبي بذي القربى، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرائيل ثانيا عليه (ص) وقال: إن الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة (ع) فطلب النبي (ص) ابنته فاطمة (ع) وقال: إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا، فمنحها وتصرفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.
الحافظ: هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجود في كتب علمائنا أيضا؟ أم يخص تفاسيركم؟
قلت: لقد صرح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامكم منهم: الثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور: ج4 رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام 352، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمال وابن كثير الدمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب 39 نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنه لما نزلت: (وآت ذا القربى حقه) دعا النبي (ص) فاطمة فأعطاها فدك الكبير.
فكانت فدك في يد فاطمة (ع) يعمل عليها عمالها، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبي (ص) وهي كانت تتصرف فيها كيفما شاءت، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.
ولكن بعد وفاة رسول الله (ص) أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرفوا فيها تصرفا عدوانيا!
الحافظ: حاشا أبو بكر أن يتصرف في ملك فاطمة تصرفا عدوانيا، وإنما كان سمع من النبي (ص) قوله: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة ". وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدك.

هل الأنبياء لا يورّثون؟
قلت: أولا: نحن نقول: بأن فدك كانت نحلة وهبة من النبي (ص) لفاطمة (ع) وهي استلمتها وتصرفت فيها فهي (ع) كانت متصرفة في فدك حين أخذها أبو بكر . وما كانت إرثا.
ثانيا: الحديث الذي استند عليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.
الحافظ: ما هي اشكالاتكم؟ ولماذا يكون مردودا؟
قلت: أولا: واضع الحديث عندما وضع على لسانه بأنه صلى الله عليه وآله قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم، في توريث الأنبياء، ولو كان يقول: سمعت النبي (ص) يقول: أنا لا أورث لكان له مخلص من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نص القرآن الحكيم، فتكذيب أبا بكر ورده أولى من نسبة النبي (ص) إلى ما يخالف كتاب الله عز وجل.
كما أن فاطمة الزهراء (ع) أيضا احتجت على أبي بكر وردته وردت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدل دليل واكبر برهان.

استدلال الزهراء عليها السلام وخطبتها
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج6 /211 / طبع دار إحياء التراث العربي، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء (ع) وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه (ع) وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ (ع) وإلى عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط (ع) قالوا جميعا: لما بلغ فاطمة (ع) إجماع أبي بكر على منعها فدكا، لاثت خمارها، و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص)، حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء ـ و قال بعضهم: قبطية، و قالوا قبطية بالكسر و الضم ـ ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم.
و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها: فاتقوا الله حق تقاته، و أطيعوه فيما أمركم به، فإنما يخشى الله من عباده العلماء، و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة. و نحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصته و محل قدسه، و نحن حجته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه.
ثم قالت: أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا، فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية! ثم قالت: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)(58) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم... ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره: ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي!
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(59) ؟ إيها معاشر المسلمين! ابتز إرث أبي!
يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي!! لقد جئت شيئا فريا!! إلى آخر خطبتها(60).
وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره، أنها قالت في خطبتها:
أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!
إذ يقول الله جل ثناؤه: (وورث سليمان داود)(61).
واقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)(62).
وقال تبارك وتعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)(63).
فزعمتم أن لا حظ لي و لا أرث لي من أبي!
أ فخصّكم اللّه بآية أخرج منها أبي؟!
أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أ و لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي (ص).
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(64) ـ انتهى كلام الجوهري ـ.

احتجاج علي عليه السلام في فدك
روى المحدثون أن عليا عليه السلام جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد، و حوله حشد من المهاجرين و الأنصار. فقال (ع): يا أبا بكر لم منعت فاطمة نحلتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقد ملكتها في حياته؟!
فقال أبو بكر: فدك في‏ء للمسلمين، فإن أقامت شهودا أن رسول الله أنحلها فلها و إلا فليست حقّ لها فيه.
قال علي (ع): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى؟
قال: لا.
قال (ع): فإن كان في يد المسلمين شي‏ء يملكونه، فادعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟
قال: إيّاك أسأل.
قال: فما بال فاطمة سألتها البينة منها على ما في يديها! وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) وبعده.
فسكت أبو بكر هنيئة، ثم قال: يا علي! دعنا من كلامك، فإذا لا نقوى على حجتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهي فيء للمسلمين، لا حق لك ولا لفاطمة فيها!!
فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله!
قال: نعم.
قال (ع): أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(65) فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا؟
قال: بل فيكم!
قال (ع): فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله عليها السلام بفاحشة ـ والعياذ بالله ـ ما كنت صانعا بها؟
قال: أقمت عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين!!
قال (ع): كنت إذا عند اللّه من الكافرين!
قال: و لم؟ قال: لأنّك رددتّ شهادة اللّه بطهارتها و قبلت شهادة الناس عليها!
كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وزعمت أنها فيئ للمسلمين، وقد قال رسول الله (ص): البينة على المدعي، واليمين على من ادعي عليه.
فدمدم الناس وأنكروا على أبي بكر، وقالوا: صدق ـ والله ـ علي.

رد الخليفة على فاطمة وعلي عليهما السلام
نقل ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج‏ البلاغة ج: 16/ 214 ـ 215/ ط دار إحياء التراث العربي عن أبي بكر الجوهري بإسناده إلى جعفر بن محمد بن عمارة قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال: أيها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله (ص)؟! ألا من سمع فليقل! و من شهد فليتكلم! إنما هو ثعالة، شهيده ذنبه، مربّ لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، و يستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحق من لزم عهد رسول الله (ص) أنتم! فقد جاءكم فآويتم و نصرتم، ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا.
ثم نزل فانصرفت فاطمة (ع) إلى منزلها.
بالله عليكم أنصفوا!!!
أيليق هذا الكلام البذيء والبيان الرديء لمدعي خلافة النبي (ص) ؟!
أيجوز لشيخ كان صاحب رسول الله (ص) أن يمثل بنت رسول الله وبضعة لحمه، بالثعلب أو بأم طحال الفاجرة؟!
ويمثل الإمام علي عليه السلام بذنب الثعلب وهو الذي عظم الله قدره وأكبر شأنه في كتابه وجعله نفس رسول الله (ص) في آية المباهلة بلا منكر!!
إلى متى تغمضون أعينكم وتصمون آذانكم وتختمون على قلوبكم بالتغافل والتعصب؟! فتنكرون ضوء الشمس في الضحى وتعيشون الجهل والعمى!!
افتحوا أعينكم وآذانكم وقلوبكم، واخرجوا عن الغفلة والتعصب، وادخلوا مدينة العلم والحكمة من بابها التي فتحها النبي (ص) واعرفوا الحق وتمسكوا به وكونوا أحرارا في دنياكم!
أيها الحافظ: فلو إن قائلا في هذا المجلس يقول بأن الحافظ كالثعلب والشيخ عبد السلام ذنبه، ويقول: أن زوجة الحافظ تكون مثل فلانة الفاجرة!!
ما كنت تصنع به؟ أ كنت تسكت على تجاسر؟ أم تقولون: إن كلامه ليس بتجاسر؟!
حتما تحسب كلام القائل بالنسبة إليك سبا صريحا وشتما وقيحا، يستحق أن ترده بأخشن جواب! وربما أمرت أتباعك ومحبيك بضربه وتأديبه وتعذيبه وتأنيبه، والكل يعطونك الحق في ذلك، إذا.. كيف تريدون منا أن نصبر على تجاسر أبي بكر وسبه وشتمه لأبينا أمير المؤمنين وجدتنا فاطمة عليهما السلام؟ كيف نتحمل من أبي بكر وهو يدعي خلافة جدنا النبي فيصعد منبره ويعبر بتلك التعابير الركيكة عن جدتنا الزهراء وأبينا أمير المؤمنين، فيشتمهم ذلك الشتم القبيح ويسبهم السباب الوقيح، ملوحا أو مصرحا؟!

استغراب ابن أبي الحديد(66)
يستغرب ابن أبي الحديد ويتعجب من جواب أبي بكر فلذلك يقول: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري، و قلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت لو صرح لم أسألك. فضحك و قال: بعلي بن أبي طالب (ع). قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله؟! قال: نعم، إنه الملك يا بني! قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي، فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم.
فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف أي: الاستماع و الإصغاء، و القالة: القول، و ثعالة: اسم الثعلب، علم ممنوع من الصرف، و مثل: ذؤالة للذئب، و شهيده ذنبه، أي: لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه و جزء منه... و مرب: ملازم، أرب بالمكان، و كروها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة و الهرج. و أم طحال: امرأة بغي في الجاهلية، و يضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال!!
لا أدري كيف تسنى لأبي بكر أن يتكلم بذلك الكلام البذيء؟ وكيف سنحت له نفسه أن يعبر بذلك التعبير المسيء ويؤذي فاطمة ويغضبها وقد سمع قول رسول الله (ص): فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني؟!
وهل بذلك يجاب احتجاج الإمام علي (ع)؟ أشتمه علي وسبه؟ أم استدل له بحكم الله وبالعقل والمنطق؟
ما ضره لو قبل الحق وعمل به، ولا سيما وقد سمع رسول الله (ص) يقول: علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيثما دار علي (ع).
ليت شعري بأي دليل ولماذا يسب عليا وفاطمة ويشتمهما وقد سمع قول النبي (ص) فيهما وفي أبنائهما: أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم؟؟(67)

عقاب من سب عليا عليه السلام
لا شك أن الله سبحانه يعذب ساب علي عليه السلام أشد العذاب، كائنا من كان، وقد فتح العلامة الكنجي الشافعي بابا في كتابه كفاية الطالب وهو الباب العاشر في كفر من سب عليا عليه السلام، روى بسنده عن يعقوب بن جعفر بن سليمان قال حدثنا أبي عن أبيه قال: كنت مع أبي عبد الله بن عباس و سعيد بن جبير يقوده، فمر على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علي بن أبي طالب عليه السلام! فقال لسعيد بن جبير ردني إليهم، فوقف عليهم، فقال: أيكم الساب لله عز و جل؟ فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب الله، فقال: أيكم الساب رسول الله؟ قالوا: ما فينا أحد سب رسول الله ص. قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب ع؟ فقالوا: أما هذا فقد كان!! قال: فأشهد على رسول الله ص سمعته أذناي و وعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب: من سبك فقد سبني و من سبني فقد سب الله و من سب الله أكبه الله على منخريه في النار.




من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:30 AM


وروى كثير من أعلامكم ومحدثيكم أن النبي (ص) قال في علي وفاطمة : من آذاهما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.
وقال (ص): من آذى عليا فقد آذاني.
وقال (ص): من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله(68).

الدليل الثاني في رد أبي بكر
قلنا بأن الدليل الأول على رد الحديث الذي نقله أبو بكر عن النبي (ص): نحن معاشر الأنبياء لا نورث، أنه مخالف لنص القرآن، فإن الآيات الكريمة صريحة في توريث الأنبياء.
وأما الدليل الثاني في رده: هو أننا نعلم بأن الإمام علي (ع) هو عَيْبَة علم رسول (ص) وهو الذي قال فيه النبي (ص) كما نقله علماء الفريقين: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأنا دار الحكمة وعلي بابها، ومن أراد العلم والحكمة فليأت الباب ".
والحديث النبوي الآخر، الذي اشتهر أيضا بين المحدثين من الفريقين قوله (ص):
" علي أقضاكم ".
فكيف يمكن أن يبين النبي (ص) حكما خاصا في الإرث وقاضي دينه وباب علمه، لا يعلم ذلك؟ ولا سيما الحكم الذي يكون في شأن فاطمة (ع) وهي زوجة علي (ع) وهو وصي رسول الله (ص).
فكيف يقبل عقلكم أن النبي (ص) يكتم هذا الأمر عن أخص الناس إليه وعمن يخصهم الحكم وقوله لأبي بكر الذي لا يرتبط بالموضوع؟! والمفروض أنه (ص) يقول ذلك الحكم لوارثه أو وصيه، وهذا أمر بديهي يعرفه كل أحد حتى عامة الناس والسوقيين ، فكيف بسيد المرسلين وخاتم النبيين؟!
الشيخ عبد السلام: أما حديث أنا مدينة العلم، غير مقبول عند محدثينا، وكذلك لم يثبت عند جمهور علمائنا بأن عليا وصي رسول الله (ص)، وهذا الأمر غير مقبول، بل عندنا مردود ما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة (رض) أنه ذكر عندها أن رسول الله (ص) أوصى. قالت: ومتى أوصى؟ ومن يقول ذلك؟ إنه دعا بطست ليبول، وإنه بين سحري ونحري، فانخنث في حجري فمات وما شعرت بموته.
فكيف يمكن أن يوصي رسول الله (ص) لأحد ويخفى ذلك على أم المؤمنين عائشة(رض)؟!
قلت: أما نفيك الحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها فهو تحكم وتعصب، لأن كثيرا من أعلامكم ذكروه في كتبهم وإسنادهم وحسنوه وصححوه، منهم:
الثعلبي، والحاكم النيسابوري، ومحمد الجزري وبن جرير الطبري والسيوطي والسخاوي والمتقي الهندي والعلامة الكنجي ومحمد بن طلحة والقاضي فضل بن روزبهان والمناوي وابن حجر المكي والخطيب الخوارزمي والحافظ القندوزي والحافظ أبو نعيم وشيخ الإسلام الحمويني وابن أبي الحديد المعتزلي والطبراني وسبط بن الجوزي والنسائي وغيرهم(69).

الإمام علي وصي النبي (ص)
وأما أن النبي (ص) اتخذ عليا وصيا لنفسه فهو أمر ثابت للنصوص المتوافرة والروايات المتكاثرة حتى عده العلماء من الأمور المتواترة، ولا ينكره إلا المعاند الحقود والمتعصب العنود.
النواب: خليفة رسول الله هو الذي ينفذ وصاياه، وينظم شئون أهله وزوجاته، كما أن الخلفاء الراشدين كانوا يضمنون لزوجات النبي كلما احتجن وكانوا يتكفلون بمعاشهن ورزقهن. فلماذا تخصصون عليا كرم الله وجهه بالوصاية؟
قلت: نعم... لا ريب أن وصي النبي خليفته، وقد ذكرت لكم في المجالس السابقة النصوص الواردة في أن عليا هو خليفة رسول الله (ص)، والآن أذكر لكم النصوص المتظافرة والأحاديث المتوافرة في أن عليا (ع) هو وصي النبي (ص) وليس غيره، والجدير بالذكر أني أنقل هذه الأخبار من كتب أعلامكم وإسناد علمائكم الموثقين لديكم، فلا يصح بعد ذلك أن يقول الشيخ عبد السلام: أن خبر تعيين النبي عليا بالوصاية مردود عند علمائنا للخبر المروي عن أم المؤمنين عائشة، فإن الخبر الواحد لا يمكن أن يعارض مجموع الأخبار المقبولة عند الأعلام والمروية عن الطرق الموثقة عن الأصحاب الكرام، فيؤخذ بالجمع ويسقط الواحد.
1ـ روى الثعلبي في تفسيره وفي كتابه المناقب، و، وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب، والمير علي الهمداني في مودة القربى / المودة السادسة، كلهم عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص) لما عقد المؤاخاة بين أصحابه، قال: هذا علي أخي في الدنيا والآخرة وخليفتي في أهلي ووصيي في أمتي ووارث علمي وقاضي ديني، ماله مني مالي منه، نفعه نفعي وضره ضري، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني.
2ـ خصص الحافظ سليمان القندوزي في كتابه ينابيع المودة بابا في الموضوع وهو: الباب الخامس عشر " في عهد النبي (ص) لعلي (ع) وجعله وصيا " هكذا عنونه، ثم نقل فيه عشرين خبرا ورواية عن طريق الثعلبي وشيخ الإسلام الحمويني والحافظ أبي نعيم، وأحمد بن حنبل وابن المغازلي والخوارزمي والديلمي، وأنا أنقل إليكم بعضها:
عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان: سل النبي (ص) عن وصيه. فقال سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ فقال: يا سلمان! من وصي موسى؟ فقال: يوشع بن نون، قال (ص): وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي، علي بن أبي طالب.
هذا الحديث! أخرجه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 26، وأخرجه أيضا ابن المغازلي في مناقبه.
3ـ وينقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده عن بريدة قال: قال النبي (ص): لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي.
هذا الحديث أخرجه العلامة الكنجي أيضا في كتابه كفاية الطالب بسنده عن بريدة عن أبيه، وبعد نقله قال: هذا حديث حسن، أخرجه محدث الشام في تاريخه، كما أخرجناه سواء.
4ـ ونقل شيخ الإسلام الحمويني عن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): أنا خاتم النبيين، وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين.
ونقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي أيضا بسنده عن أم سلمة ـ أم المؤمنين ـ قالت: قال رسول الله (ص): إن الله اختار من كل نبي وصيا، وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي بعدي.
6ـ ونقل عن مناقب ابن المغازلي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: قال علي (ع) في بعض خطبه: أيها الناس! أنا إمام البرية، ووصي خير الخليقة، وأبو العترة الطاهرة الهادية، أنا أخو رسول الله (ص) ووصيه ووليه وصفيه وحبيبه، أنا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين.
حربي حرب الله وسلمي سلم الله وطاعتي طاعة الله وولايتي ولاية الله، وأتباعي أولياء الله، وأنصاري أنصار الله.
7ـ وروى أيضا ابن المغازلي بسنده عن ابن مسعود عن النبي (ص) أنه قال: انتهت الدعوة إلي وإلى علي، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا.
8ـ روى المير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الرابعة / عن عتبة بن عامر الجهني قال: بايعنا رسول الله (ص) على قول: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا نبيه وعليا وصيه فأي من الثلاثة تركناه كفرنا الخ...، وبعدها روى عن علي (ع) عن رسول الله (ص) قال: إن الله تعالى جعل لكل نبي وصيا، جعل شيث وصي آدم، ويوشع وصي موسى، وشمعون وصي عيسى، وعليا وصيي، ووصيي خير الأوصياء الخ....
9ـ نقل القندوزي في الباب الخامس عشر من ينابيعه عن أبي نعيم الحافظ انه روى في حلية الأولياء بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله ( ص): إن الله عهد إلي في علي عهدا وقال عز وجل: إن عليا راية الهدى، و إمام أوليائي، و نور من أطاعني، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين. من أحبه أحبني و من أبغضه أبغضني. فبشره بذلك، فجاء علي فبشره بذلك، فقال: يا رسول الله! أنا عبد الله و في قبضته فإن يعذبني فبذنبي، و إن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي وأكرم بي. قال (ص): قلت: اللهم أجل قلبه و اجعله ربيعة الإيمان فقال جل شأنه: قد فعلت به ذلك. ثم قال تعالى: إن عليا مستخص بشيء من البلاء لم يكن لأحد من أصحابك! فقلت: يا رب، إنه أخي ووصيي، فقال عز وجل: إن هذا شي‏ء قد سبق في علي ، إنه مبتلى و مبتلى به.
10ـ ونقل القندوزي أيضا في الباب عن مناقب الموفق بن أحمد الخوارزمي روى بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال: أن فاطمة سلام الله عليها أتت في مرض أبيها (ص) وبكت، فقال رسول الله (ص): يا فاطمة! إن لكرامة الله إياك زوجتك من أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما، إن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا، ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أزوجه إياك و أتخذه وصيا. قال القندوزي: وزاد ابن المغازلي في المناقب: يا فاطمة! إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين و لا يدركها أحد من الآخرين، منا أفضل الأنبياء و هو أبوك، و وصينا خير الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا خير الشهداء و هو حمزة عمك، و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء و هو جعفر ابن عمك، ومنا سبطان وسيدا شباب أهل الجنة ابناك، والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة يصلي عيسى بن مريم خلفه وهو من ولدك. قال القندوزي: وزاد الحمويني: يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يا فاطمة! لا تحزني و لا تبكي فإن الله عز وجل أرحم بك و أرأف عليك مني و ذلك لمكانك مني و موقعك من قلبي.
قد زوجك الله زوجا وهو أعظمهم حسبا و أكرمهم نسبا، و أرحمهم بالرعية و أعدلهم بالسوية و أبصرهم بالقضية. انتهى ما نقله القندوزي(70).

مات النبي (ص) ورأسه في حجر علي عليه السلام
أما ما نقله الشيخ عبد السلام عن عائشة: إن رسول الله (ص) مات ورأسه بين سحري ونحري، فهو مردود عند أهل البيت (ع) لأنهم رووا إلى حد التواتر وأيده كثير من أعلامكم أن النبي (ص) مات ورأسه في حجر علي يناجيه.
الشيخ عبد السلام: لا أظن أحدا من علمائنا الأعلام ينقل هذا الخبر ويؤيده، لأنه معارض لرواية أم المؤمنين عائشة!
قلت: إذا أحببت أن تعرف حقيقة الأمر وينكشف لك الواقع فراجع:
1ـ كنز العمال: ج4/55 و ج6/392 و400.
2ـ طبقات ابن سعد: ج2 /51.
3ـ مستدرك الصحيحين للحاكم: ج3 /139.
4ـ وتلخيص الذهبي وسنن ابن أبي شيبة والجامع الكبير للطبراني ومسند أحمد بن حنبل: ج3، وحلية الأولياء / ترجمة الإمام علي (ع)، ومصادر كثيرة أخرى، رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، عن أم سلمة وعن جابر بن عبد الله الأنصاري وحتى عن عائشة وغيرهم: أن رسول الله (ص) حينما قبض كان رأسه في حجر الإمام علي عليه السلام، وقد أشار الإمام في نهج البلاغة إلى هذا الأمر حيث يقول (ع): و لقد قبض رسول الله (ص) و إن رأسه لعلى صدري و قد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، و لقد وليت غسله (ص) و الملائكة أعواني، إلى آخر خطبته الشريفة، ومن أراد أن يطلع عليها كاملة ويعرف رموزها ومغزاها فليراجع شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج10/179 / ط دار إحياء التراث العربي.
وفي صفحة 365 من نفس المجلد، قال: ومن كلام له (ع) عند دفن سيدة النساء فاطمة (ع)، كالمناجي به رسول الله (ص) عند قبره: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك.. على أن يقول: فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَ فَاضَتْ َ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نفسك فإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إلى آخر كلامه(71).
ولقد أيد هذا الكلام والمعنى كل من شرح نهج البلاغة من ابن أبي الحديد ومن قبله ومن بعده الى الشيخ محمد عبده.
هذه دلائل كافية لرد الخبر المروي عن عائشة، ولا يخفى أن عائشة كانت تحمل حقدا وبغضا على الإمام علي (ع) بحيث كانت ترى جواز وضع روايات تنفي بها فضائل علي عليه السلام ومناقبه!!

مفهوم الوصاية وأهميتها
نعرف مفهوم الوصاية من الروايات والأحاديث التي ذكرناها فالمعنى هو الذي تداعى للنواب إذ قال: الخليفة هو الذي يقوم بتنفيذ وصايا النبي (ص) ولا حاجة إلى آخر.
وصحابة النبي (ص) أيضا كانوا يفهمون أن الوصي هو الذي يقوم مقام النبي (ص)، لذلك قام بعض المتعصبين المعاندين من أهل السنة بإنكار وصاية الإمام علي لأنهم عرفوا بأن الإقرار بذلك يلازم الإقرار بخلافته عليه السلام.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج1 / 139 و140 / ط دار إحياء التراث العربي: أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليا عليه السلام كان وصي رسول الله (ص)، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد.
ثم نقل في صفحة 143 وما بعدها أبياتا وأراجيز في إثبات وصاية علي (ع)، منها و قال عبد الله بن العباس حبر الأمة:
وصي رسول الله من دون أهلهو فارسه إن قيل هل من منازل
وقول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يخاطب عائشة، منها:
وصي رسول الله من دون أهلهو أنت على ما كان من ذاك شاهده
و قال أبو الهيثم بن التيهان
إن الوصي إمامنا و ولينابرح الخفاء و باحت الأسرار
وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى يجد الأراجيز والأشعار في
هذا الإطار(72).
الشيخ عبد السلام: إذا كانت هذه الأخبار صحيحة، فلماذا لا نجد في كتب التاريخ والحديث وصية رسول الله (ص) لعلي كرم الله وجهه كما نقلوا وصية أبي بكر وعمر وقت موتهما رضي الله عنهما؟
قلت: روى أئمة أهل البيت (ع) وصايا النبي (ص) للإمام علي (ع)، نقلها علماء الشيعة وسجلوها في كتبهم، ولكني حيث التزمت من أول نقاش أن لا أنقل خبرا وحديثا إلا من كتب علمائكم وأعلامكم، فأشير في هذا الموضوع أيضا وأجيب سؤالك من مصادركم الموثقة وأسانيدكم المحققة.
فأقول: لكي يتضح لكم الأمر وينكشف لكم الحق، راجعوا الكتب الآتية:
1ـ طبقات ابن سعد: ج2 / 61 و63.
2ـ كنز العمال: ج4 / 54 وج 6 /155 و393 و403.
3ـ مسند أحمد بن حنبل: ج4 /164.
4ـ مستدرك الحاكم: ج3 /59 و111.
وسنن البيهقي ودلائله، والاستيعاب والجامع الكبير للطبراني، وتاريخ ابن مردويه، وغير هؤلاء رووا عن النبي وصاياه لعلي بعبارات مختلفة وفي مناسبات عديدة، خلاصتها قوله (ص): يا علي أنت أخي ووزيري، تقضي ديني وتنجز وعدي وتبري ذمتي، وأنت تغسلني وتواريني في حفرتي.
إضافة إلى ما نقله علماء الحديث في هذا المجال، فقد أجمعوا على أن الذي قام بتغسيل النبي (ص) وتكفينه وباشر دفنه فأنزله في قبره وواراه في لحده، هو الإمام علي (ع).
وذكر الحافظ عبد الرزاق في كتابه الجامع: أنه كان على النبي خمسمائة ألف درهم،ن فأداه علي بن أبي طالب (ع).
الشيخ عبد السلام: قال الله سبحانه: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)(73) وبناء عليها كان يلزم أن يوصي النبي عند الاحتضار حينما تيقن بموته كما أوصى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
قلت: أولا... لم يكن مراد الآية الكريمة من (إذا حضر أحدكم الموت) أي: حال الاحتضار واللحظات الأخيرة من الحياة. فإنه في تلك الحالة قل من يكون في حالة استقرار نفسي وتمهيد روحي بحيث يتمكن من بيان وصاياه، وإنما المراد من الآية الكريمة، أي إذا ظهرت علامات الموت من الضعف والشيخوخة والمرض وما إلى ذلك فليبين وصاياه.
ثانيا:... لقد ذكرني كلامك بأمر فجيع، إذا ذكرته هاج حزني وتألم قلبي وذلك أن كلنا نعلم أن رسول الله كثيرا ما كان يؤكد على المسلمين في أن يوصوا ولا يتركوا الوصية بحيث إنه قال (ص): من مات بغير وصية مات ميتة الجاهلية.
ولكنه (ص) لما أراد أن يكتب وصيته في مرضه الذي توفي فيه، وأراد أن يؤكد كل ما كان طيلة أيام رسالته الشريفة يوصي بها عليا (ع) في تنفيذ أمور تتضمن هداية الأمة واستقامتها وعدم انحرافها وضلالتها، فمنعوه من ذلك وحالوا بينه وبين كتابة وصيته!!
الشيخ عبد السلام: لا أظن أن يكون هذا الخبر صحيحا والعقل لا يقبله بل يأباه، لأن المسلمين كانوا في طاعة رسول الله وذلك لأمر الله سبحانه إذ يقول: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(74)، ولقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)(75).
ولا ريب أن مخالفة كتاب الله عز وجل ومعاندة رسول الله كفر بالله سبحانه. وكان أصحابه على هذا الاعتقاد. فكيف يخالفوه ويعاندوه؟! فهذا الخبر ليس إلا كذبا وافتراء على الصحابة الكرام، وأنا على يقين بأن الملحدين وضعوا هذا الخبر ونشروه حتى يصغروا شأن النبي وينزلوا مقامه بأن محمدا ما كان مطاعا في أمته، وأن نبيا لا تطيعه أمته لجدير بأن لا يطيعه الآخرون!

خبر إن الرجل ليهجر
قلت: هذا ظنكم ( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)(76).
والخبر الذي تقولون: بأنه كذب وافتراء، رواه أعلامكم وحتى أصحاب الصحاح لا سيما البخاري ومسلم، وهما عندكم على مكانة عظيمة من الاحتياط في نقل الأحاديث، ولقد كانا يحتاطان أن لا يرويا حديثا يستند إليه الشيعة في طعن الصحابة، وتضعيف خلافة الثلاثة الذين سبقوا عليا (ع).
فقد اتفق المحدثون وأجمعوا على أن النبي قال لمن حضر عنده وهو في مرضه الذي توفي فيه: إئتوني بورق ودواة لأكتب لكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي!!
فعارضه جماعة فقال أحدهم: إن الرجل ليهجر كفانا كتاب الله!! وعارضه آخرون فقالوا: دعوا رسول الله (ص) ليوصي.
فكثر اللغط، فقال (ص): قوموا عني فإنه لا ينبغي النزاع عند نبي!
الشيخ عبدالسلام: أكاد أن لا أصدق هذا الخبر! من كان يتجرأ من الصحابة أن يعارض رسول الله (ص) ويقابله بهذا الكلام؟!
وهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حيث يقول تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(77).
فلا أدري لماذا خالفوا النبي (ص) وعارضوه أن يوصي، علما أن أي مؤمن ومؤمنة لا يحق لهما أن يمنعا أحدا من الوصية، وإن الوصية حق على كل مسلم ومسلمة، فكيف بالنبي (ص) الذي طاعته واجبة على الأمة، ومخالفته عناد كفر وإلحاد؟ فلذلك يصعب علي قبول هذا الخبر وتصديقه!
قلت: نعم إنه خبر ثقيل على مسامع كل مؤمنين، ومؤلم لقلوب كل المسلمين، وإنه يثير تعجب كل إنسان و يستغربه كل صاحب وجدان وإيمان!!
فإن العقل يأبى أن يقبله ويصعب على قلب أن يتحمله. إذ كيف يروم لجماعة، يدعون بأنهم أتباع نبي الله، ثم يمنعوه من أن يوصي عند وفاته بشيء يكون سبب سعادتهم، ويضمن لهم هدايتهم ويمنعهم عن الضلال والشقاء بعده أبدا؟! ولكن هذا ما حدث!!

تأسف ابن عباس
إنه مؤسف لكل غيور، فإن كل مسلم إذا سمع الخبر يتأسف ويتألم كما كان عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله (ص) إذا تذكر ذلك اليوم يتأسف ويبكي.
ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج2/ 54 و 55 / ط. دار إحياء الثراث العربي قال: و في الصحيحين، خرجاه معا عن ابن عباس أنه كان يقول: يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى. فقلنا: يا ابن عباس، و ما يوم الخميس؟
قال: اشتد برسول الله (ص) وجعه، فقال: ائتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبدا. فتنازعوا، فقال (ص): إنه لا ينبغي عندي تنازع، فقال قائل: ما شأنه؟ أ هجر؟!(78).
الشيخ عبد السلام: هذه الرواية مبهمة، لا تصرح بأن النزاع لأي شيء حدث؟ ثم من هو القائل؟: ما شأنه؟ أهجر؟
قلت: لإن كانت هذه الرواية مبهمة فإن هناك روايات صريحة على أن القائل هو عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي منع بكلامه من أن يأتوا للنبي (ص) بالقرطاس والدواة ليوصي!
الشيخ عبدالسلام: هذا بهتان عظيم! نعوذ بالله تعالى من هذا الكلام، وأنا على يقين أن هذا البهتان على الخليفة عمر ما هو إلا من أقاويل الشيعة وأباطيلهم، فأوصيك أن لا تعدها!
قلت: وأنا أوصيك يا شيخ: أن لا تفوه بكلمة من غير تفكر، فإن لسان المؤمن خلف قلبه وقلب المنافق خلف لسانه، يعني ينبغي للمؤمن أن يفكر قبل أن يتكلم، فإن المنافق يتكلم قبل أن يفكر في مقاله ومعنى كلامه، ثم ينكشف له بطلانه وزيفه، وكم رميتم الشيعة المؤمنين، في هذه المناقشات، ونسبتم كلامنا للأباطيل والأقاويل، ثم انكشف للحاضرين أنها ما كانت كذلك وإنما كان كلامنا من مصادر ومنابع أهل السنة وعلمائهم وأعلامهم!!
وسأثبت لكم أننا لسنا أهل افتراء وبهتان ولا أهل الأقاويل والبطلان، وإنما ذاك غيرنا!!
ولكي يظهر لك الحق ويتضح الأمر، بأن القائل: أهجر؟ أو يهجر!
وأن المانعين من أن يكتب النبي (ص) وصيته، هو عمر.
فراجع المصادر التي سأذكرها من علمائكم:
1ـ صحيح البخاري: ج2/ 118.
2ـ صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية.
3ـ الحميدي في الجمع بين الصحيحين.
4ـ أحمد بن حنبل في المسند: ج1 / 222.
6ـ والنووي في شرح صحيح مسلم، وغيرهم كابن حجر في صواعقه، والقاضي أبو علي، والقاضي روزبهان، والقاضي عياض، والغزالي، وقطب الدين الشافعي ، والشهرستاني في الملل والنحل وابن الأثير، والحافظ أبو نعيم، وسبط ابن الجوزي. وجل علمائكم أو كل من كتب من أعلامكم عن وفاة النبي (ص) ذكر هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم والخبر الأليم.
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج2 / 55 / ط. دار إحياء التراث العربي بيروت قال: و في الصحيحين أيضا، خرجاه معا عن ابن عباس رحمه الله تعالى قال: لما احتضر رسول الله (ص) و في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي (ص): هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده، فقال عمر: إن رسول الله (ص) قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله!
فاختلف القوم و اختصموا، فمنهم من يقول قربوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، و منهم من يقول: القول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عنده (ع)، قال لهم: قوموا فقاموا.
فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية: ما حال بين رسول الله (ص) و بين أن يكتب لكم ذلك الكتاب.
ونقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / 64 و65 / ط. مؤسسة أهل البيت بيروت، قال: وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب " سر العالمين ": ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته بيسير: إئتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لا تختلفوا فيه بعدي، فقال عمر:
دعوا الرجل فإنه يهجر!!
إن هذه المخالفة والمعارضة من عمر لرسول الله (ص) ما كانت أول مرة بل كانت مسبوقة بمثلها كما في صلح الحديبية وغيرها... ولكن هذه المرة سببت اختلاف المسلمين وتنازعهم في محضر رسول الله (ص)، وكان أول نزاع وتخاصم وقع بين المسلمين في حياة النبي (ص) ودام ذلك حتى اليوم، فعمر بن الخطاب هو مسبب هذه الاختلافات والضلالات التي أدت بالمسلمين إلى القتال والحروب، وسفك الدماء وإزهاق النفوس، لأنه منع النبي (ص) من كتابة ذلك الكتاب الذي كان يتضمن اتحاد المسلمين وعدم ضلالتهم إلى يوم الدين!!
الشيخ عبدالسلام: لا ننتظر من جنابكم هذا التجاسر على مقام الخليفة الفاروق! وأنت صاحب الخلق البديع والأدب الرفيع فكيف لا تراعي الأخلاق والآداب؟!
قلت: بالله عليكم! اتركوا التعصب! وتجردوا عن حب ذا وبغض ذاك ! وأنصفوا! هل تجاسر الخليفة على سيد المرسلين وخاتم النبيين (ص) ومخالفته ومعارضته للنبي (ص) ونسبته رسول الله (ص) إلى الهجر والهذيان أعظم أم تجاسري على الخليفة كما تزعمون؟! ولعمري ما كان تجاسري إلا كشف الواقع وبيان الحقيقة!
وليت شعري... أنا لا أراعي الأخلاق والآداب أم عمر بن الخطاب؟ إذ سبب النزاع والصياح، وتخاصم الأصحاب عند رسول الله (ص) حتى رفعوا أصواتهم وأزعجوا النبي (ص) بحيث أخرجهم وأبعدهم وغضب عليهم لأنهم خالفوا الله سبحانه إذ يقول:
(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)(79).
الشيخ عبد السلام: لم يقصد الخليفة من كلمة الهجر معنى سيئا وإنما قصد أن النبي (ص) بشر مثلنا، وكما نحن في مثل تلك الحالة نفقد مشاعرنا، فرسول الله (ص) كان كذلك! لأن الله تعالى يقول: (قل إنما أنا بشر مثلكم)(80) ... فهو (ص) إذا مثلنا في جميع النواحي: في الغرائز والعواطف، ويعرض عليه من العوارض الجسمية كضعف القوى والأعضاء كما يعرض على غيره من البشر، وحالة الهجر والهذيان في حال المرض أيضا من عوارض الجسد البشري، فربما يعرض عليه كما يعرض على كل أفراد البشر!!
قلت: أولا: إني أتعجب من انقلابك واستغرب تبدل حالك! إذ كنت قبل هذا تقول: لا ريب إن مخالفة كتاب الله كفر ومعاندة رسول الله (ص) إلحاد، والآن طفقت توجه كلام معانديه وعمل مخالفيه! فما عدا مما بدا؟!
ثانيا: أتعجب أيضا أنك لا تتأثر من كلام عمر على رسول الله (ص) وهو سيد الأولين والآخرين. وتتغير هذا التغير الفظيع من كلامي على عمر، وهو إنسان عادي غاية ما هنالك أن أحد صحابة رسول الله وكم له في الصحابة من نظير!!
والجدير بالذكر أنه بعد تلك الصحبة الطويلة ما عرف النبي (ص) حق معرفته وكان جاهلا بمقامه المنيع وشأنه الرفيع فنسب إليه الهجر، وهذا رأي بعض أعلامكم مثل القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفاء والكرماني في شرح صحيح البخاري والنووي في شرح صحيح مسلم فإنهم يعتقدون من ينسب الهجر والهذيان إلى رسول الله (ص) فقد جهل معنى النبوة والرسالة، ولا يعرف قدر النبي وشأنه، لأن الأنبياء العظام كلهم في زمان تبليغ رسالتهم وإرشادهم للناس يكونون معصومين عن الخطأ والزلل، لأنهم يأخذون عن الله تعالى ومتصلون بعالم الغيب والملكوت، سواء أكانوا في حال الصحة أم المرض.
فيجب على كل فرد من الناس أن يطيعهم ويمتثل لأوامرهم. فمن خالف النبي (ص) في طلبه البياض والدواة ليكتب وصيته (ص) وخاصة بمثل ذلك الكلام الشنيع:
" إن رسول الله يهجر "! " إنما هو يهجر "! " قد غلب عليه الوجع "!
وما إلى ذلك من كلام فجيع وبيان فظيع، إنما يدل على جهل قائله وعدم معرفته لمقام النبي وشخصيته العظيمة!
ثالثا: أطلب من جناب الشيخ أن يراجع كتب اللغة في تفسير كلمة " يهجر " حتى يعرف مدى تجاسر قائلها على رسول الله (ص)!!
فقد قال اللغويون: الهُجر بالضم = الفُحش، وبالفتح = الخلط والهذيان، وهو بعيد عن مقام النبوة وقد عصم الله سبحانه رسوله عن ذلك بقوله عز وجل : (بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(81) لذلك أمر المسلمين بالإطاعة المحضة له من غير ترديد وإشكال، فقال سبحانه: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(82).
وقال تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)(83).
فمن استشكل في كلام رسول (ص) أو تردد في إطاعته وامتثال أمره، فقد خالف الله تعالى وأصبح من الخاسرين.
الشيخ عبد السلام: ولو فرضنا بأن عمرا قد أخطأ، فهو خليفة رسول الله (ص) وكان يقصد بذلك حفظ الدين والشريعة ولكنه اجتهد فأخطأ فيعفى عنه والله خير الغافرين.
قلت: أولا: حينما تكلم عمر بذلك الكلام الخاطئ لم يكن خليفة رسول الله، بل شأنه شأن أحد الناس العاديين.
ثانيا: قد قلت: إنه اجتهد فأخطأ! فلعمري هل الرأي أو الكم المخالف لنص القرآن، اجتهاد؟ أم ذنب لا يغفر!
ثالثا: وقلت: إنه كان يقصد حفظ الدين والشريعة.
فمن أين تقول هذا؟ والله من وراء القصد.
ثم هل أن النبي (ص) كان أعرف بحفظ الشريعة أم عمر بن الخطاب؟ فإن رسول الله (ص) كان موكلا من الله في ذلك وكان (ص) حريصا على الدين وحفظ الشريعة أكثر من غيره، ولأجل ذلك أراد أن يوصي ويكتب كتابا لا يضل المسلمون بعده أبدا.
ولكن عمر منع من ذلك وصار سببا لضلالة من ضل إلى يوم القيامة، فأي عفو وغفران يشمل هذا المجتهد الخاطئ!!
الشيخ عبد السلام: ربما الخليفة الفاروق رضي الله عنه كان يعرف الأوضاع الاجتماعية والظروف الراهنة، وثبت عنده بأن الوصية وكتاب النبي (ص) يحدث فتنة عظيمة من بعده (ص)، فكان بمنعه ورفضه الكتاب والوصية، ناصحا للنبي و ناويا الخير للإسلام والمسلمين.
قلت: إن أستاذي المرحوم الشيخ محمد علي الفاضل القزويني وكان يحوي علم المعقول والمنقول، كان ينصحني ويقول: توجيه الخطأ يولد أخطاء أخرى، فلو اعترف العاقل بخطئه لكان أسلم له وأجمل، وقالوا قديما: الاعتراف بالخطأ فضيلة. وأنا أراك هويت في مهوى توجيه خطأ من تهوى فنسيت كلام الله تعالى حيث يقول:
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(84).
الشيخ عبد السلام: تظهر نية الفاروق الحسنة من آخر كلامه حيث قال:

حسبنا كتاب الله!!
قلت: هذه الجملة تدل على عدم معرفة الخليفة لمقام النبوة وعدم معرفته بحقيقة كتاب الله أيضا، لأن القرآن كلام ذو وجوه وله بطون، ولابد من مفسر(85) وموضح يعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والمتشابه والمحكم منه، وهذا لا يكون إلا من أفاض الله عليه من الحكمة وفتح في قلبه ينابيع علومه، فلذا قال سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )(86).
فإذا كان القرآن وحده يكفي لما قال سبحانه: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(87). ولما قال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)(88).
ولقد عرف رسول الله (ص) لأمته الراسخين في العلم وأولي الأمر الذين يرجع إليهم في تفسير القرآن وتوضيحه، في حديثه الذي كرره على مسامع أصحابه وقد وصل حد التواتر في النقل، إذ قال حتى عند وفاته: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، إن تمسكتم بهما نجوتم ـ لن تضلوا أبدا(89).
فرسول الله (ص) لا يقول لأمته: كفاكم كتاب الله وحسبكم. بل يضم إلى القرآن أهل بيته وعترته.
أيها الحاضرون! فكروا وأنصفوا أي القولين أحق أن يؤخذ به قول عمر: حسبنا كتاب الله. أم قول النبي (ص): كتاب الله وعترتي؟
لا أظن أحدا يرجح قول عمر على قول رسول الله (ص)، فإذا كان كذلك، فلماذا أنتم تركتم قول النبي (ص) وأخذتم بقول عمر؟! فإذا كان كتاب الله وحده يكفينا، فلماذا يأمرنا الله تعالى ويقول: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(90) والذكر سواء كان القرآن أو رسول الله (ص) فأهل الذكر هم عترة رسول الله وأهل بيته الطيبين.
وقد مر الكلام حول الموضوع في الليالي السالفة، ونقلت لكم عن السيوطي وغيره من أعلامكم أنهم رووا بأن أهل الذكر هم عترة رسول الله (ص) الذين جعلهم النبي (ص) عدل القرآن ونظيره.
وأنقل لكم ـ الآن ـ مضمون كلام أحد أعلامكم وهو قطب الدين الشيرازي، قال في كتابه كشف الغيوب: لابد للناس من دليل ومرشد يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ولذا أتعجب من كلام الخليفة عمر (رض): حسبنا كتاب الله! وبهذا الكلام رفض الهادي والمرشد فمَثَله كمن يقبل علم الطب وضرورته ولزومه للناس إلا أنه يرفض الطبيب ويقول حسبنا علم الطب وكتبه ولا نحتاج لطبيب!
من الواضح إن هذا الكلام مردود عند العقلاء، لأن الطبيب وجوده لازم لتطبيق علم الطب كما يلزم علم الطب الناس، والعلم من غير عالم وعارف بمصطلحاته ورموزه، يبقى معطلا لا يمكن أن يستفاد منه، فكما لا يمكن لآحاد البشر أن يعرفوا علم الطب ورموزه، ولا بد من أطباء في كل مجتمع يعالجون المرضى بمعرفتهم لعلم الطب ورموز العلاج، كذلك القرآن الكريم وعلومه لا يعقل بأن الناس كلهم يعرفون علومه ورموزه ومصطلحاته، فلا بد أن يرجعوا إلى العالم لعلومه ورموزه والمتخصص بتفسيره وتأويله وقد قال سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)(91).
وقال عز وجل: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)(92). فالكتاب المبين وحقيقته إنما يكون في قلوب أهل العلم، كما قال سبحانه:
(بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)(93).


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.34 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:32 AM


ولهذا كان علي كرم الله وجهه يقول: أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت. انتهى مضمون مقال وخلاصة مقال قطب الدين.
أقول: كل عاقل منصف، وكل صاحب وجدان وإيمان يعرف أن عمر بن الخطاب ارتكب ظلما كبيرا بمنعه النبي (ص) أن يكتب لأمته كتابا لن يضلوا بعده أبدا!!
وأما قولك أيها الشيخ: إن أبا بكر وعمرا أوصيا ولم يمنعهما أحد من الصحابة: فهو قول صحيح وهذا الأمر يثير تعجبي واستغرابي. كما يهيج حزني ويبعث الألم في قلبي، فقد اتفق المؤرخون والمحدثون على إن أبا بكر أملا وصيته على عثمان ، وهو كتبها في محضر بعض أصحابه وعرف عمر بن الخطاب ذلك ولم يمنعه، وما قال له: لا حاجة لنا بوصيتك وعهدك، حسبنا كتاب الله!
ولكنه مع رسول الله (ص) عن الوصية وكتابة عهده لأمته، قائلا: أنه يهجر.. كفانا أو حسبنا كتاب الله!! وقد كان ابن عباس وهو حبر الأمة كلما يتذكر ذلك اليوم يبكي ويقول: إن الرزية كل الرزية: ما حال بين رسول الله (ص) و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم / صحيح البخاري بحاشية السندي: ج4 / كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وج 4 / 271 / باب كراهية الخلاف.
نعم كان ابن عباس يتأسف ويبكي، ويحق لكل مسلم منصف أن يتأسف ويبكي، وأن يتألم ويتأثر ويتغير، ونحن على يقين أنهم لو تركوا رسول الله (ص) يكتب وصيته، لبين أمر الخلافة من بعده وعين خليفته مؤكدا عليهم بأن يطيعوه ولا يخالفوه ، ولذكرهم كل ما قاله في هذا الشأن وفي شأن وصيه وخليفته ووارثه من قبل. والذين منعوا من ذلك، كانوا يطمعون في خلافته كما كانوا يعلمون أنه يريد أن يسجل خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب، ويكتبه ويأخذ منهم العهد والبيعة له في آخر حياته، كما أخذ عليهم ذلك في يوم الغدير، لذلك خالفوه بكل وقاحة ومنعوه من ذلك بكل صلافة!
الشيخ عبد السلام: كيف تدعي هذا ومن أين تبين لك أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يوصي في أمر الخلافة ويعين علي بن أبي طالب لهذا الأمر من بعده ؟!
قلت: من الواضح أنه (ص) بين جميع أحكام الدين للمسلمين، وما ترك صغيرة ولا كبيرة من الفرائض السنن إلا بينها، حتى قال تعالى في كتابه: (اليوم أكملت دينكم)(94)، فكان من هذه الجهة مرتاح البال، ولكن الذي كان يشغل باله هو موضوع خلافته وولي الأمر بعده، لأنه (ص) كان يعرف عداوة كثير من الناس لعلي بن أبي طالب، وكان يعلم حقدهم وحسدهم له (ص) وكان يعرف طمع بعض الصحابة، وحرصهم على خلافته في أمته، لذلك كان يتخوف من مناوئي الإمام علي عليه السلام ومخالفيه، أن لا يخضعوا لإمارته ولا يقبلوا خلافته، فأراد أن يؤكدها عليهم في آخر ساعات حياته، إضافة على ما بينه في هذا الأمر طول حياته كرارا ومرارا، كما روى الغزالي في كتابه " سر العالمين " في المقالة الرابعة، أنه (ص) قال: إيتوني بدوات وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي.
ثم كلنا نعلم أن الأمر الذي آل اختلاف المسلمين بعد رسول الله (ص) وكان سبب سفك وإزهاق النفوس، إنما هو أمر الخلافة لا غير، فتبين أنه (ص) أراد أن يوضح أمر الخلافة لا غير، فيتبين أنه (ص) أراد أمر الخلافة للمسلمين ويوصي بها لرجل منهم يستحقها، حتى يبايعوه ويخضعوا لإمارته وخلافته ولكي لا يؤول أمرهم إلى التخاصم والتنازع، ولا يقعوا من بعده في هوة الاختلاف ومزلة الانحراف.
ثم إن النبي (ص) في مواطن كثيرة عين وصيه وعرفه للناس، وقد نقلنا لكم بعض الأخبار والأحاديث في هذا الشأن ولا حاجة لتكرارها.
ولا ينكر أحد من المسلمين المنصفين بأن النبي (ص) عين عليا وصيا لنفسه وأودعه الوصايا التي أراد أن يكتبها حتى لا يضلوا من بعده أبدا، ولكنهم منعوه ورفضوها بقولهم: إنه ليهجر. كفانا أو حسبنا كتاب الله!!
الشيخ عبد السلام: خبر تعيين النبي (ص) عليا وصيا لنفسه غير متواتر فلا يصح الاستناد به.
قلت: هو خبر متواتر عن طريق العترة النبوية الطاهرة والأمر ثابت من غير شك ولا ترديد.
وأما عن طرقكم، فربما لم يكن لفظه متواترا ولكن معناه قد تواتر عن طرقكم في ألفاظ متفاوتة وجمل متعددة.
ثم إذا كان التواتر عندكم مهما إلى هذا الحد بحيث لو كان الخبر واصلا عن طريق موثوق وبسند حسن وقد صححه العلماء المتخصصون، ومع ذلك ترفضونه بحجة أنه غير متواتر، فأسألكم هل كان حديث: " لا نورث ما تركناه صدقة " متواترا؟! لا .. بل هو خبر واحد رواه أبو بكر(95)، وصدّقه عصابة كانت لهم منفعة ومصلحة في تصديقهم إياه!
ولكن في كل عصر ينكره ملايين المسلمين ويرفضه آلاف العلماء الصالحين.
وقد أنكره الإمام علي (ع) وهو باب علم الرسول، ورفضته فاطمة الزهراء (ع) بضعة رسول الله الطاهرة المطهرة التي عصمها الله من الزلل وطهرها من الرجس والدنس بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة المستندة على كتاب الله الحكيم والمنطق القويم والعقل السليم.
ولو لم يورث الأنبياء فكيف قال النبي (ص): لكل نبي وصي ووارث، وأن عليا وصيي ووارثي؟(96)
وأثبتنا أن المقصود وراثة المال والمقام. وحتى إذا كان المقصود وراثة العلم فوارث علم النبي (ص) أحق بخلافته من فاقد علمه.
والجدير بالذكر أن أبا بكر وعمر في كثير من القضايا رجعا إلى الإمام علي (ع) وعملا برأيه وأخذا بقوله، ولكن في هذه القضية بالذات خالفوه، ولم يقبلوا حتى شهادته في فدك بأنها منحة رسول الله (ص) لفاطمة (ع)، فرفضوا شهادته وشتموه بقولهم: إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة الخ.
الحافظ: إن أبا بكر وعمر كانا في غنى عن علي وعلمه ولم يرجعا إليه في بعض الأحكام لجهلهما بالحكم بل كانا يحترمانه ويشاورانه.
قلت: إن قولك هذا منبعث عن حبك للشيخين وقد قالوا: حب الشيء يعمي ويصم.
وإن قولك رأي شخصي لم يقل به قائل، بل هو مخالف لصريح ما نقله أعلامكم عن نفس أبي بكر وعمر.
وإليكم نماذج منها:

الحكم في امرأة ولدت لستة أشهر
نقل المحدثون منهم أحمد بن حنبل في مسنده والمحب الطبري في ذخائر العقبى وابن أبي الحديد في شرح النهج والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون فصل: في ذكر كثرة علم علي، قال: وروي أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر! فقال علي (ع) في كتاب الله: (وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(97) ثم قال:(وفصاله في عامين)(98) فالحمل ستة أشهر، فتركها عمر، وقال عمر: لو لا علي لهلك عمر. قال القندوزي: أخرجه أحمد والقلعي وابن السمان.
ونقل القندوزي في الباب قبل هذا الخبر بقليل فقال:
وأخرج أحمد [ ابن حنبل ] في المناقب: أن عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء اخذ من علي رضي الله عنه.
ولو تصفحنا كتب التاريخ والحديث لوجدنا كثيرا من هذه القضايا المشكلة التي كان يعجز عن حكمها الخلفاء فيرجعون فيها إلى علي (ع) ويأخذون بقوله ويعملون برأيه.
فيا أيها العلماء! وأيها الجمع! فكروا: لماذا رفضوا شهادة علي (ع) في أمر فدك ولم يقبلوا حكمه في قضية فاطمة (ع) وقالوا ما قالوا وافتروا عليه وشتموه!!
ثم إذا كان الحديث الذي رواه أبو بكر صحيحا وكان قد سمعه من رسول الله (ص) فلماذا لم يحكم في سائر ممتلكات النبي (ص) بحكم فدك ولم يضمها إلى بيت المال لعامة المسلمين، أو يجعلها صدقات ينتفع بها المساكين.
بل ترك حجرة فاطمة (ع) لها، وترك حجرات زوجات الرسول لكل واحدة منهن حجرتها، من باب الإرث(99).
إضافة على هذا: إذا كان أبو بكر يؤمن بما يقول ويعتقد بالحديث الذي رواه: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة " وعلى هذا المبنى أخذوا فدك وأخرجوا عمال فاطمة منها. فلماذا رد فدك ـ بعد أيام ـ على فاطمة وكتب لها كتابا في ذلك إلا أن عمر أخذ منها الكتاب ومزقه، ومنعها من التصرف في فدك؟!
الحافظ: هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل! فمن أي مصدر وبأي دليل تقول: بأن أبا بكر (رض) رد فدك على فاطمة ثم منعها عمر في خلافة أبي بكر ومزق كتابه؟!!
قلت: يبدو أن مشاغل الحافظ كثيرة بحيث لا يجد فرصة ليطالع كتب أعلام السنة من أهل مذهبه ونحلته، وإلا لما كان هذا الخبر جديدا على مسامعه، فقد روى هذا الخبر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم علي بن برهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية: ج3/391وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 247/ ط دار إحياء التراث العربي / قال: روى إبراهيم بن سعيد الثقفي عن إبراهيم بن ميمون، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب (ع) عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال: جاءت فاطمة (ع) إلى أبي بكر و قالت: إن أبي أعطاني فدك، و علي و أم أيمن يشهدان فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحق قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها، فخرجت فلقيت عمر فقال: من أين جئت يا فاطمة؟ قالت جئت من عند أبي بكر. أخبرته أن رسول الله (ص) أعطاني فدك و أن عليا و أم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها و كتب لي بها. فأخذ عمر منها الكتاب. ثم رجع إلى أبي بكر، فقال: أعطيت فاطمة فدك و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن عليا يجر إلى نفسه، و أم أيمن امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه و خرقه!
والعجب إن عمر الذي كان بهذه الشدة في قضية فدك أيام خلافة أبي بكر، لما وصلت أيامه وصارت الخلافة في يده رد فدك على أولاد فاطمة وكذلك بعض الخلفاء من بعده!
الحافظ: إن هذا الخبر من أعجب الأخبار لتناقضه، وإني حائر في تصديقه ورده!
قلت: لا تتحير ولا ترد الخبر بل راجع كتاب وفاء الوفاء في تاريخ مدينة المصطفى للعلامة السمهودي وهو من أعلامكم، ومعجم البلدان لياقوت الحموي.
رويا أن أبا بكر أخذ فدك من فاطمة، ولكن عمر في خلافته رده على العباس وعلي بن أبي طالب، فإذا كان فدك فيء المسلمين وقد أخذه أبو بكر حسب الحديث الذي سمعه من النبي (ص)، فبأي سبب رده عمر وجعله في يد علي والعباس دون سائر المسلمين؟!
الشيخ عبد السلام: لعله جعلهما من قبله حتى يأخذا حاصله ويصرفاه في مصالح المسلمين.
قلت: ولكن ظاهر بعض العبارات التاريخية أنهما ادعيا عند عمر ميراثهما فأعطاهما فدك وكانا يتصرفان فيها تصرف المالك في ملكه(100).
الشيخ عبد السلام: لعل مراد المؤرخين من عمر هو عمر بن عبدالعزيز!

رد عمر بن عبد عبدالعزيز فدك
فتبسمت ضاحكا من قوله وقلت: علي (ع) والعباس ما كانا في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وحكم عمر بن عبدالعزيز فدك على أولاد فاطمة (ع) خبر آخر وقد ذكره العلامة السمهودي أيضا، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 / 216 قال: ... فلما ولي عمر ابن عبد العزيز الخلافة الأموية كانت أول ظلامة ردها، [ أنه ] دعا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) و قيل بل دعا علي بن الحسين (ع) فردها عليه، و كانت بيد أولاد فاطمة ع مدة ولاية عمر بن عبد العزيز.
فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها، حتى انتقلت الخلافة عنهم فلما ولي أبو العباس السفاح ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني الحسن ما حدث، ثم ردها المهدي ـ ابنه ـ على ولد فاطمة (ع) ثم قبضها موسى بن المهدي و هارون أخوه، فلم تزل أيديهم حتى ولي المأمون.

المأمون ورده فدك
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج16 في صفحة 217: قال أبو بكر [ الجوهري ] حدثني محمد بن زكريا قال: حدثني مهدي بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها و بكى، و قال للذي على رأسه: ناد أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه دراعة و عمامة و خف تعزى، فتقدم فجعل يناظره في فدك و المأمون يحتج عليه و هو يحتج على المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل و قرئ عليه، فأنفذه، فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكابرد مأمون هاشم فدكا
ونقل ياقوت الحموي في معجم البلدان في كتاب المأمون إلى واليه على المدينة في شأن فدك، جاء فيه:
كان رسول الله (ص) أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدكا وتصدق عليها بها، وأن ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عند آله عليهم الصلاة والسلام.

فدك كانت نحلة فاطمة (ع)
لقد ثبت في موضعه أن فدكا كانت نحلة لفاطمة أنحلها رسول الله (ص) وذا كان بعض الخلفاء يردونها على أولاد فاطمة وكان آخرون يغصبونها اقتداء بأبي بكر!!
الحافظ: إن كانت فدكا، نحلة أنحلها رسول الله فاطمة، فلماذا ادعتها من بابا الإرث ولم تدعيها نحلة؟
قلت: لا شك أنها ادعت فدكا بادئ الأمر من بابا النحلة وأقامت شهودا على ذلك، فلما ردوا شهودها ادعتها من باب الإرث.
الحافظ: هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل ولعلك مشتبه!
قلت: إني على يقين فيما أقول ولست مشتبها، ولم تنفرد الشيعة بهذا الخبر بل نقله كثير من أعلامكم منهم: علي بن برهان الدين في كتابه السيرة الحلبية، والفخر الرازي في تفسير الكبير، وياقوت الحموي في معجم البلدان، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ج16 / 214 / ط. دار إحياء التراث العربي، يروي عن أبي بكر الجوهري، قال: و روى هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر : أن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله (ص) أعطاني فدك، فقال لها يا ابنة رسول الله .... إن هذا المال لم يكن للنبي (ص)، و إنما كان مالا من أموال المسلمين(101)، يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه.
قالت: و الله لا كلمتك أبدا! قال: و الله لا هجرتك أبدا! قالت: و الله لأدعون الله عليك! قال: و الله لأدعون الله لك.
فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا... الخ.

توجيه العامة عمل أبي بكر
الحافظ: نحن نعلم أن أبا بكر أسخط فاطمة رضي الله عنها، وماتت بنت رسول الله (ص) وهي واجدة عليه، ولكنه أبا بكر برئ، لأنه عمل بحكم الله وطالبها بالشهود لإثبات حقها، وأنت جد خبير بأنه يجب في هذه القضايا أن يشهد رجلان أو رجل وامرأتان، وهذا حكم عام وفاطمة جاءت برجل وامرأة وما أكملت الشهود، ولذا لم يصدر أبو بكر الحكم لها، فغضبت!!
قلت: فلنختم مجلسنا وندع الجواب إلى الليلة القابلة فإن الحاضرين تعبوا، وأخاف أن يطول الكلام فيملوا.
النواب: كلنا شوق وشغف لنعرف حقيقة الأمر، فإن موضوع فدك مهم جدا وحساس، وإذا أنتم ما تعبتم، فنحن راغبون إلى الاستماع لكلامكم وجوابكم.
قلت: أنا لا أتعب من هذه المجالس والمناقشات الدينية أبدا، بل مستعد أن أبقى معكم حتى الصباح.
وأما الجواب: فقد قال الحافظ: بأن أبا بكر عمل بحكم الله وطالب فاطمة بالشهود لإثبات حقها!
قلت: لقد كانت فاطمة (ع) متصرفة في فدك، وكانت في يدها فبأي شرع وقانون يطالب ذو اليد بإقامة الشهود على إثبات حقه فيما يكون تحت تصرفه وفي يده ؟! فإن الأصل المجمع عليه في قانون القضاء الإسلام ي أن ذو اليد هو المالك فإذا ادعى أحد على ما في يده فعلى المدعي إقامة الشهود والبينة، وليس على المنكر إلا اليمين، فأبو بكر كان مدعيا لفدك التي كانت في يد فاطمة (ع) وتحت تصرفها، فحينئذ كان عليه أن يأتي بالبينة لإثبات ما يدعي، وليس له أ، يطالب السيدة الزهراء (ع) بالشهود والبينة.
ولكن.. إذا كان خصمي حاكمي فكيف أصنع؟!
فأبو بكر خالف حكم الله سبحانه وسحق القانون وقلب أصول القضاء!!
وأما قول الحافظ: بأن الحق يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وهذا حكم عام.
فأقول: ما من عام إلا وقد خص.
الحافظ: هذه القاعدة لا تجري في القضاء، فإن قوانين القضاء تجري على الأغنياء والفقراء وعلى الفساق والأولياء، على حد سواء، ولا يستثنى حتى الأنبياء.
قلا: إن هذا الكلام يخالف سنة رسول الله (ص) وسيرته المسجلة في صحاحكم، والثابتة في مسانيدكم.

خزيمة.. ذو الشهادتين
ذكر ابن أبي الحديد ترجمة ذي الشهادتين في شرح النهج:ج10 / 108 و109 ط دار إحياء التراث العربي / قال: هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس، جعل رسول الله (ص) شهادته كشهادة رجلين، لقصة مشهورة الخ.
والقصة كما ذكرها الأعلام في ترجمته وفي كتب الحديث وأنا أنقلها من كتاب أسد الغابة لابن الأثير قال: روى عنه ابنه عمارة أن النبي (ص) اشترى فرسا من سواء بن قيس المحاربي، فجحده سواء! فشهد خزيمة بن ثابت للنبي (ص) فقال له رسول الله: ما حملك على الشهادة، ولم تكن حاضرا معنا؟
قال: صدقتك بما جئت، وعلمت أنك لا تقول إلا حقا.
فقال رسول الله (ص): من شهد له خزيمة أو عليه فهو حسبه.
فما ظنك برسول الله (ص) لو كان علي يشهد عنده في قضية هل كان يصدقه أم يرده؟!
وهو القائل في حقه: " علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيث ما دار علي " فكما أن النبي (ص) خصص شهادة خزيمة وأحله محل شاهدين وصارت شهادته بشهادتين، كذلك أصحاب آية التطهير الذين عصمهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقولهم لا يرد، فإن الراد عليهم كالراد على الله سبحانه، وقد أثبتنا فيما سبق أن عليا (ع) شهد لها بأن رسول الله (ص) أنحلها فدك، ولكنهم ردوا شهادته بحجة أن عليا يجر إلى نفسه، فكذبوه وصدقه الله في كتابه الحكيم بقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(102).
الحافظ: من أين تقول هذه الآية نزلت في شأن علي كرم الله وجهه ؟

من هم الصادقون
قلت: أجمع علماء الشيعة استنادا على الروايات الواصلة عن طريق أهل البيت (ع) والعترة الهادية، بأن الصادقين هم خاتم النبيين وعلي أمير المؤمنين والعترة، وقد وافقنا كثير من أعلامكم وذهبوا إلى هذا الرأي، منهم: الثعلبي في تفسيره كشف البيان وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور، عن ابن عباس، والحافظ أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي في كتاب شرف المصطفى عن الأصمعي. والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء رووا عن النبي (ص) أنه قال: الصادقون أنا وعلي.
وقال القندوزي في ينابيع المودة / الباب التاسع والثلاثون: أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي صالح عن ابن عباس (رض) قال: الصادقون في هذه الآية محمد (ص) وأهل بيته. أيضا أبو نعيم الحافظ والحمويني أخرجاه عن ابن عباس بلفظه، انتهى.
وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين والعلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب 62/وابن عساكر في تاريخه رووا بإسنادهم عن النبي (ص) قال: كونوا مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب.
وهناك آيات أخرى أنقلها إليكم بالمناسبة:
1ـ (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)(103) روى جماعة من أعلامكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: الذي جاء بالصدق محمد (ص)، والذي صدق به علي بن أبي طالب (ع). منهم جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور، والحافظ ابن مردويه في المناقب، والحافظ ابو نعيم في الحلية، والعلامة الكنجي في كفاية المطالب / باب 62، وابن عساكر في تاريخه يروي عن فئة من المفسرين.
2ـ (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم)(104).
روى أحمد بن حنبل في المسند والحافظ أبو نعيم في كتابه: " ما نزل في علي من القرآن (ع) " عن ابن عباس أنها نزلت في شأن علي بن أبي طالب (ع) فهو من الصديقين.
3ـ (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)(105).
وقد صرحت الأحاديث المروية عن طرقكم والتي نقلها أعلامكم في كتبهم ومسانيدهم: بأن عليا (ع) أفضل الصديقين، ولكي تعرفوا حقيقة مقالنا راجعوا ... مناقب ابن المغازلي الحديث 293 و294، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه)(106).
والدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى: (واضرب لهم مثلا)(107) في سورة ياسين... وقال: اخرجه أبو داود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى وفيض القدير للمناوي: ج4/238 في المتن وقال في الشرح ـ بعد لفظة وابن عساكر عن أبي ليلى ـ: وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى، وذخائر العقبى: ص 56 والرياض النضرة: ج2/ 153 للمحب الطبري، وقال فيهما رواه احمد بن حنبل في كتاب المناقب.
هؤلاء كلهم رووا بإسنادهم عن رسول الله (ص) أنه قال: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس.. وحزقيل مؤمن آل فرعون.. وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم.
ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة في ضمن الأربعين حديثا في فضائله (ع) ـ الحديث الحادي والثلاثون ـ ونقله القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثاني والأربعون قال: الإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم وابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجوا بالاسناد عن أبي ليلى وعن أبي أيوب الأنصاري (رض) قال: قال رسول الله (ص): الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس.. وحزقيل مؤمن آل فرعون.. وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم.
ورواه العلامة الكنجي إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب الباب الرابع والعشرون بسنده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): سباق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون، حبيب النجار مؤمن آل ياسين و حزئيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب ع و هو أفضلهم. ثم قال: هذا سند اعتمد عليه الدار قطني واحتج به(108).
انظروا إلى هذه الأحاديث والأخبار المروية عن رسول الله (ص) في كتبكم ومسانيدكم واتقوا الله بترك التعصب والعناد، ومزقوا الغشاوة التي ضربها أسلا فكم على قلوبكم وعقولكم، واكسروا الأقفال التي جعلوها على أفهامكم وبصائركم، وحرروا أنفسكم من قيود وأغلال التقليد من آبائكم وأجدادكم، ثم فكروا واعقلوا بقلوب متفتحة، وبعقول متنورة، وانظروا هل يحق أن تلقبوا أحدا غير علي بن أبي طالب بالصديق؟!
ليت شعري بأي دليل من القرآن الحكيم لقبتم أبا بكر بالصديق، بعد أن كذب أفضل الصديقين، ورد شهادة الصديق الأكبر في حق الصديقة الطاهرة فاطمة (ع)؟!
وبأي دليل لقبتم الذي مالأ أبا بكر وسانده على غصب حق الزهراء (ع)، وأطلقتم عليه لقب الفاروق؟!
(إن هي إلا أسماء سميتموهما أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)(109).

علي (ع) مدار الحق والقرآن معه
أما قال رسول الله (ص): علي مع الحق والحق معه، وعلي مع القرآن والقرآن معه؟
هل من المعقول أن من كان مع الحق ومع القرآن وهما لا يفارقانه، يكون كاذبا؟! أو يشهد باطلا؟!
النواب: إنني كثيرا أجالس علماءنا وأستمع إلى حديثهم، ولا أغيب عن خطب الجمعة أبدا، ولكني ما سمعت منهم هذين الحديثين، فهل نقلهما علماؤنا الأعلام ومحدثونا الكرام في كتبهم؟
قلت: نعم نقلها كثير من أعلامكم، وقد أعلنت كرارا بأني لا أنقل لكم حديثا انفرد بنقله علماء الشيعة، بل كل ما أذكره في هذه المناقشات منقول من مصادر علمائكم وكتب أعلامكم، حتى يصدق عليه اسم الاحتجاج ويكون أوقع في نفوسكم وأرضى لقلوبكم وألزم لكم. وأذكر لك بعض المصادر المقبولة لديكم حول الحديثين الشريفين، وهي كثيرة منها:
في تاريخ بغداد: ج4 / 321 ذكر الخطيب البغدادي، والحافظ ابن مردويه في المناقب، والديلمي في الفردوس، والمتقي الهندي في كنز العمال: ج6 / 153، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج3 / 124، وأحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في الأوسط والخطيب الخوارزمي في المناقب، والفخر الرازي في تفسيره: ج1 / 111، وابن حجر المكي في الجامع الصغير: ج2/74 و 75 و 140، وفي الصواعق المحرقة / الفصل الثاني / من الباب التاسع / الحديث الحادي والعشرين من الأربعين حديثا التي نقلها في فضل الإمام علي (ع)، ونقل الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودة / الباب 65 / 185 / ط. إسلامبول نقل عن الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، ونقل أيضا في الباب العشرين عن جمع الفوائد والأوسط والصغير للطبراني، ونقل الحمويني في الفرائد وعن ربيع الأبرار للزمخشري عن ابن عباس وعن أم سلمة.
والسيوطي في تاريخ الخلفاء / 116 والمناوي في فيض القدير: ج4 / 356 عن ابن عباس أو أم سلمة.
وفي مجمع الزوائد ج9 / 134، وج 7 / 236، والشبلنجي في نور الأبصار: ص 72 رووا عن أم سلمة، وبعضهم عن ابن عباس عن رسول الله (ص) أنه قال: علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض.
ونقل ابن حجر في الصواعق أيضا في أواخر الفصل الثاني من الباب التاسع(110).
قال: وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته:
أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم: ألا إني مخلف فيكم كتاب الله ربي عز و جل، و عترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي (ع) فرفعها فقال هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي لا يفترقا حتى يردا علي الحوض فاسألوهما ما خلفت فيهما.
وجاء في بعض الروايات: الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا.
وحديث: " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار " قد نقله أكثر محدثيكم(111).
وفي كتاب تذكرة الخواص(112) عند نقله حديث: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، قال:... وكذا قوله (ص): " وأدر الحق معه حيثما دار وكيف ما دار " ، فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي (ع) وبين أحد الصحابة إلا وكان الحق مع علي (ع) وهذا بإجماع الأمة.

من أطاع عليا فقد أطاع الله ورسوله
وكذلك نرى في كتب أعلامكم وأسناد محدثيكم حديثا مرويا عن رسول الله (ص) إذ قال: من أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أنكر عليا فقد أنكرني، ومن أنكرني فقد أنكر الله (113).
ونقل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل أن رسول الله (ص) قال: لقد كان علي على الحق في جميع أحواله يدور معه الحق حيثما دار.
كيف وبماذا توجهون عمل أبي بكر ورده شهادة علي (ع) في حق الزهراء (ع) مع وجود هذه الأخبار في كتبكم المعتبرة؟! فلا بد أن تعترفوا بأن عمل أبي بكر كان مخالفا لكتاب الله ولسنة رسول الله (ص) وأنه جحد حق فاطمة ومنعها فدكا من غير حق، وأنه كذب الله (ص) وأنه جحد حق فاطمة ومنعها فدكا من غير حق، وأنه كذب تلك الصادقة المصدقة، وكذب عليا (ع) وأهانه برد شهادته والهجوم على داره وسحبه من البيت إلى المسجد لأخذ البيعة منه كرها....
فأين هذه الأعمال مما رواه أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، أن رسول الله (ص) قال: من أكرم عليا فقد أكرمني، ومن أكرمني فقد أكرم الله، ومن أهان عليا فقد أهانني، ومن أهانني فقد أهان الله؟!!
أيها الحاضرون، وخاصة أنتم العلماء، قايسوا أحداث السقيفة وما بعدها وما جرى على آل رسول الله (ص) من بعده، قايسوها مع هذه الأخبار والأحاديث المروية في كتب أعلامكم، ثم أنصفوا واحكموا: هل الصحابة عملوا بأوامر رسول الله (ص) ووصاياه في حق عترته وأهل بيته أم خالفوها؟؟! وهل عمل أبو بكر بحكم الله والشرع المبين في قضية فدك أم أنه أجحف فاطمة وجحد حقها؟!
لأننا قلنا: أولا.. ما كان له أن يطالب البينية من فاطمة لأنها كانت متصرفة في فدك، وكانت فدك في يدها، فكان هو المدعي وعليه البينة، لا على فاطمة (ع).
ثانيا: إذا كان أبو بكر محتاطا في القضية كما تزعمون، وأنه أراد أن يتيقن من تمليك رسول الله (ص) فاطمة فدكا، فطالبها بالشهود والبينة، فلماذا ترك هذا الاحتياط حينما ادعى الصحابة الآخرون مالا بوعد من رسول الله (ص) وعده، فأعطاه أبو بكر ذلك المبلغ من بيت مال المسلمين ولم يطالبه بالبينة والشهود ؟ فكيف يحكم في قضيتين متشابهتين بحكمين متناقضين؟!
ولعمري.. لماذا يحتاط في أمر فاطمة (ع)؟ أكان أبو بكر يظن كذبها؟! وهي التي يشهد الله سبحانه بطهارتها من كل رجس، وكانت عند عامة الناس أيضا صادقة ومصدقة، فقد قال أبو نعيم في حلبة الأولياء: ج2 / 42 / راويا عن عائشة قال: ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 / 284 / ط. دار إحياء التراث العربي:
و سألت علي بن الفارقي، مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له : أ كانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم.
قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك و هي عنده صادقة؟
فتبسم.. ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، لجاءت إليه غدا و ادعت لزوجها الخلافة، و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشي‏ء، لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيها تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة و لا شهود.
و هذا كلام صحيح، و إن كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل.
" انتهى كلام ابن أبي الحديد ".
فالحقيقة التي هي اليوم ظاهرة ومكشوفة لعلمائكم كيف كانت مبهمة وغير منكشفة يوم أمس عند معاصريها والذين أدركوها من قريب؟! فكانت أوضح لهم وأظهر ، إلا أن السياسة وحب الرياسة اقتضت منهم إنكار الحقيقة وجحد حق الزهراء المظلومة (ع)!!
الحافظ: لمن أعطى الخليفة (رض) مال المسلمين بغير بينة وشهود؟
قلت: ادعى جابر بعد وفاة النبي (ص) أنه وعده بأن يعطيه من مال البحرين حين وصوله. فأعطاه أبو بكر ألف وخمسمائة دينار، من مال المسلمين الذي وصل من البحرين، وما طلب من جابر بينة وشهودا على ما ادعاه.
الحافظ: أولا: ما وجدت هذا الخبر في كتب علمائنا، ولعلكم انفردتم أنتم الشيعة به!
وثانيا: من أين عرفتم أن الخليفة ما طالب جابرا بالبينة والشهود على ما ادعاه؟
قلت: إني أتعجب من قولك! كيف ما وجدت هذا الخبر في كتب علمائكم؟ وهم يستدلون ويستشهدون بهذا الخبر على أنه خبر الصحابي الواحد العادل مقبول.
كما أن شيخ الإسلام الحافظ أبا الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني طرحه في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري / باب من يكفل عن ميت ديْنا ـ وبعد نقله الخبر قال: إن هذا الخبر فيه دلالة على قبول خبر العدل من الصحابة ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه.
ونقل البخاري هذا الخبر أيضا في صحيحه: ج5 / 218 / ط. دار إحياء التراث العربي تحت عنوان " قصة عمان والبحرين ":
روى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله (ص): لو قد جاء مال البحرين، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وثلاثا.
فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله (ص).
فلما قدم على أبي بكر، أمر مناديا فنادى من كان له عند النبي (ص) ديْن أو عدة فليأتني.
قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي (ص) قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا. قال: فأعطاني..... ـ وفي آخر الرواية ـ فقال لي أبو بكر: عدها.
فعددتها فوجدتها خمسمائة. فقال خذ مثلها مرتين.
ونقله السيوطي أيضا في كتابه تاريخ الخلفاء / قسم خلافة أبي بكر.
والآن أيها الحاضرون... فكروا وأنصفوا! لماذا هذا التبعيض؟ يصدق جابر على ما مدعاه من غير بينة وشهود، وترد بنت رسول الله (ص) وشهودها! وقد شهد الله تعالى لها ولبعلها وابنيهما في آية التطهير!

إشكال في شمول آية التطهير
الحافظ: إن سياق الآية خطاب لزوجات الرسول (ص) ولذا ذهب البيضاوي والزمخشري وغيرهما من أئمة التفسير إن الآية تشمل زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولكم بأنها تشمل عليا وفاطمة وابنيهما قول ضعيف لأنه خارج عن سياق الآية وظاهرها، فإن صدر الآية وآخرها يخاطب نساء النبي.

آية التطهير لا تشمل زوجات النبي (ص)
قلت: كلامك مردود من جهات عديدة.
أولا: كلامك بأن صدر الآية آخرها يخاطب نساء النبي (ص) فيقتضي أن يكون وسطها أيضا ـ وهو آية التطهير ـ خطابا لنساء النبي (ص).
أقول: أولا: إن البلاغة تقتضي غير ذلك، فقد ثبت عند العلماء إن من فنون البلاغة في القرآن الحكيم، أن يتوسط كلام جديد بين الجمل المتناسقة، اتقاء من أن يمل السامع من الكلام المسجع والجملات المرتبة على نسق واحد، فتغير الأسلوب يكون تنويعا في الكلام، وقد تكرر نمط هذا الأسلوب في القرآن الكريم.
ثانيا: إذا كان المقصود من أهل البيت هم زوجات الرسول (ص) لاقتضى أن يكون الضمير ضمير جمع المؤنث المخاطب على نسق الضمائر التي وردت قبلها وبعدها، فيكون " ليذهب عنكن الرجس ويطهركن "، ولكن الله سبحانه ذكر الضمائر في هذه القطعة من الآية على صيغة جمع المذكر المخاطب فقال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(114)، فأخرجها عن مخاطبة زوجات النبي ونسائه.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:06 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية