العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي

المنتدى العقائدي المنتدى مخصص للحوارات العقائدية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 18
قديم بتاريخ : 11-05-2013 الساعة : 08:30 AM


استخدام الولاية لأدوات السلطة على نطاق محدود

لابدّ لأي حكومة ومن أجل أن تتسنى لها إدارة شعبها وتحافظ على بقائها أن تستخدم خمس أدوات نسميها «أدوات السلطة». وهي: القوة القهرية والثروة والقانون والإعلام والعمل السياسي. نحن في هذا الفصل سوف نقف عند شأن هذه الأدوات في الحكومة الولائية وندرس نطاق استخدام الوليّ وقائد المجتمع لها. وفي سبيل اتضاح الحدود المعترف بها عند النظام الولائي في استخدام هذه الأدوات، لابدّ لنا أن نقارن أحيانا بين الأنظمة المتمظهرة بالديمقراطية الحاكمة على ما يسمّى بالبلدان المتطورة الغربية.
قبل الخوض في هذا البحث ينبغي أن نؤكد هنا بأن كلّ ما يدعو إلى الفخر والشرف في مفهوم الولاية إنما هو راجع إلى أسلوب الولاية في استخدام هذه الأدوات. يعني لا ندّعي أن الولاية لا تستخدم هذه الأدوات إطلاقا، بل ما ندعيه هو أنها لا تتعاطاها على سبيل الطغيان وبلا نطاق. فمن أجل اتضاح المعنى، لا بأس قبل الخوض في تفاصيل البحث، نلقي نظرة على الآية 112 من سورة هود المباركة التي أشار إليها النبي (ص) بأنها السبب في مشيبه.[1]
في هذه الآية المباركة، أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه بالاستقامة: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لَا تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير). إنها في الواقع تبيّن منهج الولاية في عملها وحركتها. يقول الله سبحانه للنبيّه استقم كما أمرت، ومعنى هذه الاستقامة هو أن يكون النبيّ بصدد إكمال العمل الذي شرع به ويعدّ خطّته في سبيل استمرار هذه الحركة ودوامها. ولمن نال شيئا من السلطة هناك مئات الأساليب تتاح له حتى يستعين بها على إبقاء دولته ودوام حكومته، أما في هذه الآية يقول الله سبحانه ليس لك إلا أن تستمرّ على أساس ما أمرتك به.
من أجل اتّضاح المراد من «كما أمرت» افترضوا معلّما مندوبا من قبل وزارة التربية والتعليم إلى إحدى القرى لكي يتكلم مع أبناء القرية ويقنعهم بأي نحو كان على تأسيس مدرسة ودراسة أبنائهم فيها. بطبيعة الحال لم يعبأ به أحد في بادئ الأمر، ويزعم الجميع أنه إذا انشغل أبناؤهم بالدراسة سوف لا يعينونهم في المشاغل والأعمال، وقد يواجهونه بشدّة، ولكنه كان يتعامل معهم بالرأفة والتواضع، وبذلك استطاع أن يأخذ مأخذه في قلوبهم وينشئ المدرسة. وبعد مضيّ نيّف من السنين يبلغ عدد طلابها إلى مئتين طالب مثلا. فافترضوا بعد مضي عشر سنين من حصوله على المنصب والقدرة في تلك القرية، يأتي رجل من قرية أخرى ويبادر بشتمه والاستهزاء به، فإذا واجهه هذا المعلم بنفس تلك الابتسامة التي كان يواجه بها أبناء القرية في أيامه الأولى، فقد اتخذ موقفه بمقتضى «کما أمرت». أما إذا عاف ابتسامته الأولى وراح يواجهه بطريقة أخرى، فإنما قد طغى ولم يعمل بمقتضى «کما أمرت».
وكذلك الأمر بالنسبة للولاية، فلابدّ لها أن تمارس الولاية مثل هذا المعلم. فحتى لو كانت الولاية قادرة على استخدام ما ناشته يدها من أدوات في سبيل تعزيز حكومتها، بيد أنها ملزمة باستخدامها ضمن النطاق المسموح لها من قبل الله، وهو نطاق احترام كرامة الناس. ثم في ذيل هذه الآية يخاطب الله نبيه (ص) وأتباعه بقوله «ومن تاب معك» ويمنعهم من الطغيان؛ «ولا تطغوا»، ما يدلّ على أن قوله «کما أمرت» يحكي عن الاستقامة التي لا يصحبها طغيان.
إن استطعنا أن نجسّد منهج الولاية في إدارة المجتمع لجميع أهل العالم، سوف يتلهّف جميع الناس في مختلف أرجاء العالم إلى هذا المفهوم. وبالمناسبة إن سبب مظلومية جميع أولياء الله على مرّ التاريخ راجع إلى أسلوب استخدامهم لأدوات القوة. و سوف يظهر إمام زماننا (عج) بعد ما يأمن المظلومية بالرغم من استخدامه لأدوات القوة على نطاق محدود.

1ـ القوة القهرية

واحدة من أدوات القوة التي هي في متناول الحكّام ليديروا بها المجتمع هي سياسة القوة واستخدام القوة القهرية. طبعا أصبح هذا الأسلوب اليوم غير ممكن للاستخدام الواسع. اليوم حتى أشرس الطواغيت لم يعد قادرا على استخدام هذه الأداة بلا قيد وحدود. كان استخدام هذا الأسلوب أيسر سابقا. ففي الأزمنة الماضية كان إذا تمرّد أحد على رأي الملك يلقى بيد الجلّاد، أما الآن فباتت هذه الأساليب غير ميسورة. طبعا لا تزال بعض الحكومات تتعاطى هذا الأسلوب بلا أيّ حدّ وقيد حفاظا على أريكتها، أمّا في ما يسمى بالبلدان الديمقراطية الغربية، فلم يعد الاستخدام المطلق لهذا الأسلوب أمرا متعارفا.
ولا شكّ في أن الولاية لن تستخدم هذه الأداة بلا قيد وحدود، كما أن في صدر الإسلام لم يتعاطَ النبيّ (ص) ولا أمير المؤمنين (ع) هذه الأداة على نطاق غير محدود. فباعتبار أن هذا الموضوع ليس محلا للنزاع ولا ينادي به أحد في عالمنا اليوم، نكتفي بذكر مثال واحد عن سيرة حكومة أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
بعد هلاك يزيد، تآمر مروان بن الحکم على «معاوية بن يزيد» واتكأ على أريكة الحكم. وبعد فترة من الزمن وعندما قُتل مروان على يد زوجه، تقلّد الخلافة ابنُه «عبد الملك». فعيّن عبد الملك حجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق. فكانت قد خرجت في تلك الفترة بعض الاحتجاجات ضدّ الحكومة في «رامهرمز»، بيد أن أهل الكوفة لم يكونوا مستعدّين لمواجهة المحتجّين وكانوا قد تخلفوا عن جيش مهلّب ورجعوا إلى الكوفة. فاتّجه الحجّاج صوب الكوفة وارتقى منبر الكوفة منذ وصوله مباشرة فخطب بأهلها وقال: «...إني لأرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها , و إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم و اللحى... إن أمير المؤمنين عبد الملك نشر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً و أصلبها مكسراً, فوجهني إليكم...» إلى أن قال: «و الله لتسقيمن على سبيل الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلاً في جسده أو لأهبرنكمبالسيف هبراً يدع النساء أيامى , و الولدان يتامى...». بعد ثلاثة أيام من خطبته جاءه رجل كبير وقال له: "إني شيخ كبير عليل، وهذا ابني حنظلة وليس في بني تميم رجل أشدّ منه ظهرا وبطشا فإن رأيت أن تخرجه مكاني فافعل». فأمر الحجاج بضرب عنقه فضربوا عنقه. بعد ذلك تطايرت عصاة الجيوش إلى جيش مهلّب ولم يتخلف عنه حتى رجل واحد. شاهد الكلام هو أنه ألم يستطع أمير المؤمنين (ع) أن يستخدم هذا الأسلوب في تجييش الجيش ضدّ معاوية؟ فلا شكّ في أن أمير المؤمنين (ع) كان يعرف نفسية أهل الكوفة جيدا،[2] بيد أن الولاية لا تستخدم أيّة أداة من أدوات القوّة بلا قيد وحدود.


يتبع إن شاء الله...


[1]شرح نهج‌ البلاغة لابن أبي الحدید، ج11، ص213.
[2] حيث قال لهم أمير المؤمنين (ع) في كلام يخاطب فيه أهل الكوفة: «عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي...» (الاحتجاج، لأحمد بن علي الطبرسي، ج1، ص256)


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 19
قديم بتاريخ : 13-05-2013 الساعة : 09:02 AM


2ـ الثروة

واحدة أخرى من أدوات القوة التي أصبح لها اليوم دور مهمّ جدا في المعادلات الجارية في العالم، هي الثروة أو بعبارة أخرى المكنة الاقتصادية. إن استخدام هذه الأداة على نطاق غير محدود أمر مشروع ومعترف به لدى الرؤية المادية الغربية. فبمقتضى هذه الرؤية لابدّ من صرف الأموال أحيانا في سبيل تسيير بعض الأهداف. وتارة لابدّ من قطع الرواتب والأجور في سبيل إرغام الناس على الطاعة. بيد أن في الرؤية الولائية لا ينبغي استخدام هذه الأداة بلا عنان وعلى نطاق غير محدود.
فعلى سبيل المثال لم يقطع أمير المؤمنين (ع) راتب الخوارج من بيت المال، مع أنهم لم يكونوا يعترفوا بحكومته (ع) وكانوا يبلّغون ضدّه بكلام سامّ. ولكن بالرغم من اعتراض بعض أصحاب أمير المؤمنين، لم ينفكّ الإمام عن مداراة الخوارج والتعامل معهم كباقي أفراد المجتمع ما داموا لم يشهروا السيف، وكان هذا التعامل الكريم في الوقت الذي لم ينقطع فيه عداء الخوارج تجاه أمير المؤمنين.
في زمن الخليفة الثاني وبعدما جاءت غنائم الانتصار على إيران إلى المدينة، استشار الخليفة بعض الشخصيات ليحدّد سياسة التوزيع. فقال له رجل: إني رأيت سياسة توزيع المال عند العجم (الفرس والروم) حيث إنهم فتحوا سجلّات وقد خصصوا لكل فرد من المجتمع حصّة بحسب مقامه وموقعه. فاستحسن الخليفة الثاني هذا الرأي وأمر بإنشاء دواوين، فبدأ بتقسيم بيت المال على أفراد المجتمع على أساس موقعهم وشأنهم.[1] فهو أوّل من اتخذ سياسة التمييز في تقسيم بيت المال في تاريخ الإسلام. فعندما سئل عن سبب ذلك قال: «إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه رأى في هذا المال رأيا ولي فيه رأي آخر...»[2]دون أن يتطرق إلى سنّة رسول الله (ص). كما أن العقل أيضا يحكم في ظاهر الأمر بالتبعيض في سبيل حفظ الحكومة، بيد أنّ المنهج الولائي في إدارة المجتمع يأبى مثل هذا التبعيض ويخالفه بشدّة.
وبالمناسبة، يعتبر المحللون للأحداث التاريخية أنّ أحد أكبر أخطاء أمير المؤمنين (ع) بعد خلافته، هو سياسته الاقتصادية! حيث كان أمير المؤمنين (ع) يعطي طلحة والزبير من بيت المال بقدر ما يعطي عتقاءهما من العبيد. فمن الطبيعي أن لا يطيق هذه العدالة والمساواة من تمتّع بامتيازات كبيرة في المجتمع الإسلامي لمدة مديدة. هذا هو الأمر الذي أجّج حرب «الجمل» ما جرّأ معاوية على شنّ حرب «صفّین» والتي تمخّضت منها معركة «نهروان». يعني لو كان الإمام منذ البداية لم يتشدّد في مراعاة العدل والمساواة لما حدثت ولا واحدة من تلك المعارك. فهل لابدّ أن نفهم هذه الظاهرة تحت عنوان ضعف تدبير أمير المؤمنين (ع) أم هناك حقيقة أخرى وراءها؟
الحقيقة هي أنه تبدو إدارة المجتمع على أساس الدقائق التي تلتزم بها الولاية، أمرا غير ممكن وهي تقتضي رشد الناس. وبهذا السبب نفسه لم يظهر إمام العصر (عج) بعد. وهل يقدر أحد على مراعاة ذرّة من عدل أمير المؤمنين (ع)؟ ينقل في زمن السلسلة الصفوية التي كان ملوكها قد رفعوا راية التشيع واتباع أمير المؤمنين (ع)، استولى عمّال الحكومة في إحدى مناطق البلاد على أرض رجل، ومهما حاول صاحبها أن يسترجع حقّه لم يصل إلى نتيجة. إلى أن أوصل نفسه إلى قصر حاكم تلك المنطقة فحضر في مجلسه وأخذ يتحدّث بأعلى صوته عن عدل أمير المؤمنين (ع). فاستغرب الحاكم من فعل الرجل والتفت إليه بعد ختام المجلس وسأله هل لك مشكلة؟ فطرح مشكلته. فأمر الحاكم بإعادة أرضه إليه، ولكن طلب منه أن لا يبالغ بالحديث عن عدل أمير المؤمنين(ع). استغرب الرجل وقال له: «ألم تعتبروا أنفسكم من أتباع علي (ع)». فأجابه الحاكم: «بالتأكيد، ولكن قل لي كم سنة حكم علي (ع)». قال له الرجل: «خمس سنين». فقال الحاكم: «هنا القضية؛ فبسب عدل أمير المؤمنين لم تزدد حكومته عن خمس سنين. ونحن لا نريد أن نحكم بهذا القدر. نحن نريد أن نحكم الناس إلى ما شاء الله، ولهذا لا يمكننا أن نقيم دعائم الحكومة على أساس عدل علي (ع)».
طبعا إن الولاية تستخدم الأدوات الاقتصادية في سبيل تسيير أهدافها، ولكن هناك قيود كثيرة أمامها ولا يقوى على مراعاتها إلا من كان أهلا للولاية. فعلى سبيل المثال في أحكامنا الدينية هناك عنوان باسم «تأليف القلوب». ومعناه هو أن الحاكم الإسلامي له أن يعطي بعض أموال الزكاة والخرائج الإسلامية للراغبين عن الإسلام في سبيل تأليف قلوبهم إليه. ولكنّه لا يخلو من القيود والضوابط ولا تمارس الولاية هذا الحكم دون أن تلاحظ الحدود والقيود أبدا. وحريّ بنا أن نفتّش عن أسرار الولاية في مصاديق مراعاتها لهذه القيود والحدود.

يتبع إن شاء الله ...

[1] فتوح البلدان، ص436
[2] کتاب الخراج، ص53 و 54


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 20
قديم بتاريخ : 16-05-2013 الساعة : 10:53 AM


3ـ القانون

إحدى الأدوات التي يستخدمها السياسيون والحكام اليوم في جميع أرجاء العالم بلا أيّ حدود ونطاق، هي «القانون». إنها سياسة لا يستقبحها أحد، بينما استخدام القانون على سبيل الإفراط أمر قبيح وغير صحيح شأنه كشأن استخدام القوّة بلا عنان ولا حدود. صحيح أن القانون محترم، ولكن لا يحقّ لأحد أن يسيطر على أفعال الناس ويرغمهم على تغيير سلوكهم بفرض القوانين بما يفوق عن حدّ اللزوم.
أحد الحدود الموجودة في عملية وضع القوانين، هو إعطاء الفرصة للناس لتحسين سلوكهم. صحيح أن وضع القانون أمر لابدّ منه، ولكن لا ينبغي أن نسلب فرصة إصلاح الذات من الناس، في مسار تنفيذ القانون أو فرضه. لا يحقّ لنا أن نعمد على إصلاح السلوك الاجتماعيّ برمّته عن طريق فرض القوانين المتشدّدة. لا ينبغي أن نطلق عنان القانون في جميع شؤون المجتمع، بل لابدّ أن نكل كثيرا من التعاملات الاجتماعية إلى «الأخلاق».
إذا تشبّع المجتمع بالقانون، تموت الأخلاق فيه. فليس المفترض هو أن ندفع الناس إلى مراعاة الأعراف الاجتماعية مهما بلغ الثمن وحتى لو كان ذلك على حساب سلب اختيارهم الذي يمثل وجه تمايزهم عن الحيوانات. إن القوانين المتشدّدة وإن كانت قد تحقّق نظم المجتمع، بيد أنّها سوف تترك أثرها التدميري في ثقافة المجتمع وأخلاقه العامّة.
نجد في بلاد الغرب قد وضعوا القوانين لكلّ شيء، ويحسبون هذه الظاهرة حسنا لهم. في المقابل، تجد الناس يطبّقون القوانين بدقّة. فهل مجرّد العمل بالقوانين، كقوانين المرور يدلّ على كمال الشعوب الغربية؟ في بعض البلدان الغربية، إن خالف أحد قانون المرور، مثل أن يقف في مكان محظور الوقوف فيه، يغرّم بما يقارب سعر سيّارته. فبطبيعة الحال لن يسمح أحد لنفسه أن يقف في أماكن حظر الوقوف، ولكن هل يدلّ هذا على فضل وكمال؟ ففي الحقيقة قد سلبت قوّة الاختيار من الناس بهذه القوانين المتشدّدة، وهذا هو الذي نستنكره ولا نرضى به. طبعا إن هذا الكلام لا يعني الدفاع عن حالة عدم القانون، كلا، فكما ذكرنا مسبقا، لابدّ من وجود القانون، بيد أنه لا ينبغي أن يتمّ استخدام هذه الأداة على نطاق واسع غير محدود.
وحري بالذكر هنا أن القوانين الشديدة ليست بضمان دائم لتحقيق الهدف والمطلوب. فعلى سبيل المثال هل يمكن في مجال القضايا الثقافية كقضية الأسرة وحقوق المرأة، أن يرغموا الرجال على مراعاة حقوق النساء عن طريق فرض القوانين الشديدة؟ فهل قد استوفت المرأة الغربية جميع حقوقها وهل قد باتت تشعر بالسعادة في حياتها بعد هذا الكمّ الهائل من القوانين التي وضعت لحماية المرأة في الغرب؟ إن حلّ معضلة «تضييع حقوق المرأة في الأسرة» بحاجة إلى طرقه الثقافية ولابدّ من الحديث عنها بالتفصيل في مجال آخر، أمّا الشيء الواضح هو أن طريق حلّها ليس تكثير القوانين.
كذلك في مجال الاقتصاد، نحن بحاجة إلى قوانين واضحة تنظّم العلاقات والمعاملات الاقتصادية في إطار منضبط، ولكن إن التنمية الاقتصادية وفكّ العقد الاقتصادية لم تنجز عن طريق فرض القوانين وحسب. فعلى سبيل المثال، دائما ما كنا نشاهد ازدياد أسعار الفواكه في الأيام الأخيرة من السنة، ومهما كانت الدولة تفرض أشكال القوانين في سبيل حلّ هذه المشكلة، لم تزل مشكلة غلاء الأسعار باقية في مكانها. إلى أن قرّرت الدولة أن تسيطر على الأسعار من خلال استخدام طبيعة السوق نفسه، أي إيجاد وحفظ التعادل بين العرض والطلب. ولهذا نرى منذ كم سنة أن الدولة تشتري الفواكه من الزرّاع قبل أشهر من انتهاء السنة، ثم توزعها في السوق بالسعر المناسب. فبهذه السياسة انحلّت مشكلة ازدياد الأسعار بشكل تلقائي.
وكذلك الأمر في مجال التعليم والأوساط العلمية، حيث إن كثرة القوانين والمقررات لا تؤدي إلى التطوّر العلمي. فلا يمكن تنمية القابليات العلمية لدى الطلاب عن طريق تصعيب القوانين التعليمية. فعندما تكثر القوانين والمقررات التعليمية، تصبّ طاقات الطلاب والأساتذة في مراعاة القوانين وتلبية إلزامات المقررات، وحينها لا يبقى لهم شعور بالمسؤولية تجاه ارتقاء المستوى العلمي والدراسي.
وكذلك الأمر في باقي المجالات. فإن أدركنا هذه الحقيقة وهي أن القانون شيء جيّد أما كثرته فلا، عند ذلك نستطيع أن ندرك ونحلل سبب تساهل النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) في فترة حكمهما. فمن كان هدفه هو إصلاح المجتمع، لا يبالغ باستخدام القانون أكثر من اللزوم.
أصبحنا اليوم مع الأسف نقلّد الغرب في كثير من شؤوننا الاجتماعية، دون أن ندرس مدى صحة هذه القوانين من الناحية الإنسانية. فعلى سبيل المثال هل من الصحيح إنسانيا أن نعاقب الموظف الذي تأخر عن زمن دوامه ولو بدقيقة واحدة ونخصم من راتبه، ونشجّع الموظف الذي حضر الدوام في وقته بلا تأخير ومرّر بطاقته في الجهاز، ونعطيه راتبه بالكامل؟ وأساسا هل يؤيد الدينُ نظامَ الثواب والعقاب المباشرين هذا، الذي لم ينفكّ عن حياتنا منذ الطفولة في المدرسة الابتدائية وقد رسخ في وجودنا وكياننا؟ هل هذا الأسلوب التربويّ صحيح؟ بهذا الأسلوب يمكن تربية الحيوانات أيضا! ولكنه كم يُبعد الإنسانَ عن إنسانيته. إنها من القضايا التي لم نقف عندها مع الأسف، وإنما قلدنا النماذج الغربية فحسب. طبعا هذا الكلام لا يعني أن يصبح الجميع أحرارا في عدد ساعات دوامهم. كلا، لابدّ للجميع أن يلتزموا بالنظم والترتيب، ولكن الكلام هو هل من الصحيح أن ننظم الموظفين عن طريق نظام تمرير البطاقة وما يصحبه من العقاب والثواب؟
كما ذكرنا في الأبحاث المسبقة، لا نجد هذا الكمّ الهائل من القوانين في حكومة صاحب العصر والزمان (عج). فعندما يَرشُد الناسُ جميعا لا داعي حينئذ إلى هذا الكمّ من القوانين. كما لو التزم جميع الناس في زماننا هذا بالأحكام الدينية، لا داعي بعد ذلك إلى كلّ هذه القوانين بشأن المرور أو أن يقف شرطي في كلّ مفترق طرق. إذا رشد الناس جميعا بعد ذلك لا يسمح أحد لنفسه أن يتعدى على حقوق غيره. وهذا ما سوف يحصل في زمن حكومة صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء) إذ يندر ارتكاب الجرائم والمخالفات بسبب رشد المجتمع بشكل عام. سوف لا نحتاج إلى هذا القدر من القوانين بسبب ارتقاء معرفة الناس بماهية المخالفات والذنوب. ولهذا السبب حتى وإن تمّ وضع القوانين في ذلك المجتمع، لا شكّ في أنها لن تزيد عن الحدّ المطلوب.

يتبع إن شاء الله...


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 10:44 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية