قد يبدو العنوان غريبا لاول وهلة ولكن مع تكشف اسطر الحكاية نعرف سبب اختيار هذا العنوان ودوره ومربطه في التنمية البشرية
تبدأ حكايتنا حين كنا في طريق عودتنا من العمل الى البيت
وهو طريق طويل يصل الى ساعة ونصف او ساعتين
وحين نصل محطات الطريق حيث ينزل احد الموظفين اوالتدريسين
وصلنا الى محطة حيث ينزل احد الموظفين
وحرارة ولهيب الشمس القوية المحرقة وخصوصا في العراق
وطبيعي فان تظليل زجاج السيارات بالعراق ممنوع لدواعي امنية
لذا نتجه الى استخدام الستائر او كما درجنا هنا ان نسميها بالبردة
نعود لحكايتنا اثناء وقوف سيارتنا والتي كان فيها ما يقارب العشرين الى خمسه وعشرين زميل في العمل
رفع احدهم الستارة من على زجاج السيارة
فاذا به يصيح
اوووووووووووووه
شوفوا شوفوا هذا الحمار شانقينه
استغرب الجميع
فالحمار جدا غالي هذه الايام وصعد سعره بعد السقوط
نظر الجميع من النافذات
وفجاءة نزل الجميع الى الشارع عابرين الممر الاول الى الممر الثاني
ماذا حصل
ما الذي حدث
لم يركض الجميع
الموقف ليس شنق حمار
بل
ان الموقف تحول من موقف مضحك الى موقف حزين هز وجدان الجميع
اذا تبين
ان هذا الحمار المسكين كان يجر عربة فيها حاوية لماء الشرب
وحيث ان صاحب العربة لم يكن قد ثبت هذه الحاوية التي هي من سعة الطن الواحد
فصادف ان مر ذاك الحمار وعربته وحاوية الماء ذات الطن وصاحب العربة واخوه الصغير الذي كان جالسا في مؤخرة العربة
صادف كل هذا ان صعد سطحا مائلا مرتفعا ومع تعب ذاك الحمار في جر كل هذا الثقل وصعوده
بدأت حاوية الماء باالانزلاق الى خلف العربة
الامر الذي جعل العربة تصبح ككفتي ميزان
فارتفع جانب الحمار المسكين الى الاعلى وانخفض الجانب الثاني الاخير الى الاسفل
وطبيعي ان الحمار مشدود بحبال قوية الامر الذي جعل تلك الحبال تدور حول رقبته بقوة وتخنقه ولا يكاد يتنفس من شدة الحبل على رقبته
وهو يصارع من اجل حياته مرفوعا في الهواء مشنوقا على النفس الاخير
وهل انتهى الامر ها هنا
كلا والف كلا
فالجانب الاخر له موقف اشد واصعب
وقلنا ان الطفل الصغير اخو صاحب العربة
جالس في مؤخرة العربة
وحيث ان العربة نزلت من الاخير الى الارض
هذا النزول المفاجئ
سبب سقوط الصغير الى الارض ووقوع حافة العربة على قدميه
طفل اتذكر في السادسة او الخامسة من عمره
ووقعت على قدميه
عربه ذات حمل طن كامل وايضا ثقل العربة وثقل الحمار المرتفع
كل هذا على قدمي الصغير المسكين
وبين ذاك الحمار المسكين الذي يصارع من اجل ذرة هواء يستنشقها
وبين هذا الصغير المسكين الذي يصرخ ويصرخ من شدة ثقل على قدميه
كان هذا الاخ الكبير
محتارا ولا معين
الا من شابين
كانا بقربه لم يستطيعا ان يرفعا ثقل العربة الى الاعلى
لانقاذ الطفل والحمار
ها هنا
تبين سبب ركض زملاءنا
لانقاذ الموقف
والحمد لله كان عدد الزملاء كبير
وبسرعة
انقسموا نصفين
نصف رفع مؤخرة العربة
لانقاذ الطفل وتخليص قدميه
ونصف سحب الحمار الى الاسفل
وباقل من دقيقة انتهى موقف العربة
لا
لم ينتهي
اذ ان مربط قصتنا
مع الاخ
الاكبر
طبيعي ان يركض باخيه الى المستشفى ليطمئن على ساقيه علهما تهشما
تكسرت العظام
وقف متحيرا بين الحمار وبين اخيه
بين ان يترك الحمار ها هنا ويذهب الى المستشفى
يخاف على حماره من السرقة والضياع
وبين
خوفه على اخيه
الامر الذي جعل احد الزملاء يقول له
اذهب باخيك فالحمار لا شي عليه
قال هو
سبب عيشتنا فلولاه لا نستطيع ان نبيع الماء او نعيش
فان ضاع ضعنا
موقف يا سبحان الخالق الكريم
والفقر والمشاعر الانسانية
كيف تتغير وتتاثر
وكيف الفقر يجبرنا على اشياء تجاه اخرين قد لا نريدها ولكن نضطر اليها
والحمد لله تبرع احد الخيرين
قال انا ابقى بجانب الحمار الى حين عودتك من المستشفى
ركض صوب اخيه المسكين الذي
يصطرخ من الالم
وهذا الاخ الكبير المسكين
يبكي دمعا وهو يحمل اخيه بين يديه وضعه بالسيارة حمله الى المستشفى
تاركا الحمار امانة عند هذا الرجل الخير كما نسميه بالعراق
من الخيرين
وقلبه بين سبب عيشته وعيشة اهله ورزقهم بواسطة هذه العربة
وهذا الحمار
وبين وجعه على اخيه والمه وخوفه على ساقيه
وخوفه من اين يجلب علاجا لاخيه ودواءا
ومن يعينه
هذا الفقر الذي جعل طفلا عمره ست او خمس سنوات يعمل في عربه يبيع الماء
هذا الفقر
الذي جعل الاخ يتحير بين حمار وبين اخيه
هذا الفقر الذي يسلبنا احيانا بعض المشاعر رغم ارادتنا
فرفقا رفقا بهم
فلو كان الفقر رجلا لقتلته
حميد الغانم