قصة إسماعيل الهرقلي
قال العالم الفاضل علي بن عيسى الإربلي في ( كشف الغمة).
حدثني جماعة من ثقاة إخواني أنه كان في بلاد الحلة شخص يقال له : إسماعيل الهرقلي من قرية يقال لهاهرقل)، مات في زماني وما رأيته حكى لي ولده شمس الدين قال:
حكي لي والدي أنه خرج (فية) وهو شاب على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان وكانت في كل ربيع تتشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه آلمها عن كثير من أشغاله، فحضر إلى الحلة يوماً ودخل إلى مجلس السيد رضي الدين علي بن طاووس وشكا إليه ما يجده، فأحضر له السيد أطباء الحلة وأراهم الموضع فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطرا فمتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.
فقال له السيد: أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها وأعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فصحبة فأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره فقال له السيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس.
فقال والدي: إذا كان الأمر هكذا وقد حصلت في فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى ثم توجه إلى هناك.
يقول صاحب (كشف الغمة): حدثني ولده قال : قال لي أبي:
لما دخلت المشهد وزرت الإمامين الهمامين علي النقي والحسن العسكري (عليهما السلام) نزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبصاحب الأمر (ع) وقضيت الليل في السرداب حتى إذا كان الصباح مضيت إلى دجلة فاغتسلت وغسلت ثيابي وملأت إبريقاً كان معي وصعدت أريد المشهد لمعاودة الزيارة فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين يتقلد كل منهما سيفاً وشيخاً منقباً بيده رمح. والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح بين الطريقين ووضع كعب رمحه في الأرض ووقف الشابان عن يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابلاً لي ثم سلموا علي فرددت عليهم السلام فقال لي صاحب الفرجية: أتروح إلى أهلك غداً؟ قلت نعم، قال تقدم حتى أبصر ما يوجعك.
قال: فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثم إنني مع ذلك تقدمت إليه فلزمني بيدي ومدني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة. فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرج فرسه كما كان فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.
فتعجبت من معرفته باسمي فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله، فقال هذا هو الإمام فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه فقال: ارجع فقلت: لا أفارقك أبداً! فقال المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ ما تستحي يقول لك الإمام مرتين: ارجع، وتخالفه؟
فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت إلي وقال إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.
ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم حتى بعدوا، وحصل عندي آسف لمفارقته فقعدت على الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حوالي وقالوا نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء؟ قلت: لا قالوا خاصمك أحد؟ قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم فقلت بل هو الإمام (ع) فقالوا الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت هو صاحب الفرجية، فقالوا أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضة بيده وأوجعني ثم كشف رجلي فلم أرى لذلك المرض أثراً فتداخلني الشك من الدهش فأخرجت رجلي لآخر الأخرى فلم أر شيئاً فانطبق الناس على ومزقوا قميصي فأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عني.
وكان ناظر (بين النهرين) بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه فراح ليكتب الواقعة وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد فرجعوا عني ووصلت إلى (أواني) فبت بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون كل من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم ومزقوا ثيابي وكادت روحي تفارق مني الجسد. وكان ناظر (بين النهرين) كتب إلى بغداد وعرفهم الحال وخرج السيد رضي الدين ومعه جماعة فردوا الناس عني وسألني أعنك يقولون؟ قلت نعم فنزل عن دابته وكشف فخذي فلم ير شيئاً فغشي عليه ساعة ثم انتبه فأخبرني أن الوزير طلبه وأدخلني على الوزير وكان قيماً فقال له يا مولاي هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي.
فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فأحضر الأطباء الذين أشرفوا على علتي فسألهم عنها وعن مداواتها فقالوا: ما دواؤها إلا القطع ومتى قطعها مات فقال فتقدير أن يقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا في شهرين ويبقى في مكانها حضيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟ قال منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ التي كان فيها الألم فإذا هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً.
فصاح أحد الأطباء- وكان نصرانياً- هذا والله من عمل المسيح! فقال الوزير حيث لم يكن من عملكم فنحن نعرف من عملها.
ثم إن الوزير بعث بي إلى الخليفة المستنصر فسألني عن القصة فعرفته بها كما جرت فتقدم لي بألف دينار فقال: خذ هذه فأنفقها فقلت: ما أجسر أخذ منها حبة واحدة فقال: ممن تخاف؟ فقلت من الذي فعل بي هذا قال لي لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً فبكى الخليفة وخرجت من عنده ولم آخذ شيئاًَ.
يقول صاحب (كشف الغمة) كان من محاسن ما اتفق لي أني كنت يوماً أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان شمس الدين محمد ولد إسماعيل عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت له هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا فقد كنت صغيراً ولكني رأيتها بعدما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر، وكان أبي يحضر إلى بغداد كل سنة ويزور سر من رأى كل يوم من إقامته هناك عله يفوز برؤيته(ع) فلم يكتب له ذلك وقد زار سامراء أربعين مرة ثم مات رحمه الله بحسرته
كتب العلامة النوري عن الثقة العدل الشيخ محسن الأصفهاني عن السيد : محمد القطيفي
أنه قال : قصدت مع جمع من الطلاب مسجد الكوفة إحدى ليالي الجمعة ‘ وكان ذلك في زمان
مخوف لايتردد فيه احد إلى المسجد إلا مع عدة لكثرة من كان في أطراف النجف الأشرف
من قطَاع الطرق واللصوص .
ولما دخلنا المسجد لم نجد فيه أحد إلا رجلاً واحداً من الطلبة كان مشغولاً بالدعاء ‘ فشرعنا
بأداء أعمال المسجد حتى حان وقت غروب الشمس فعمدنا إلى باب المسجد فأغلقناه وطرحنا خلفه
من الأحجار والأخشاب ما وثقنا معه بعدم فتح الباب من الخارج عادة .
ثم إشتغلنا بالصلاة والدعاء ‘ ولما فرغنا جلسنا في دكة القضاء مستقبلين القبلة ‘ أما ذلك الرجل
فقد كان مشغولاً بقراءة دعاء ( كميل ) في الدهليز القريب من باب الفيل بصوت عالٍ وشجي .
كانت السماء في تلك الليلة صافية فأجلت نظري فيها متاملاً ‘ وفجأة شممنا عطراً أزكى من المسك
الأذفر قد إنتشر في فضاء المسجد ‘ ونوراً قشع ظلام تلك الليلة في أرجاء المسجد وخمد صوت
ذاك الرجل الداعي ‘ فالتفت في المسجد مندهشاً فإذا انا بشخص جليل قد دخل المسجد من جهة
الباب المغلق ‘ وهو يرتدي لباس أهل الحجاز وعلى كتفه سجادة كما هي عادة أهل الحرمين
إلى الآن . وكان يمشي في سكينة ووقار وهيبة وجلا ل فبهتنا جماله ‘ وتاه القلب متحيراً في أمره
حتى اقترب منا من جهة القبلة فسلم علينا .
اجتهدت كثيراً حتى استطعت رد سلامه أما رفيقي فلم يتمكن من ذلك . وعندما خرج من المسجد متوجهاً نحو مرقد ( مسلم بن عقيل ) وغاب عنا تراجعت القلوب إلى الصدور ‘ وهدأ الروع ‘ فتسأئلنا عن هوية هذا الشخص وكيف دخل المسجد ؟!
ثم التفتنا إلى ذلك الرجل الداعي فوجدناه يبكي بكاء الواله الحزين ‘ وبعد أن سألناه الخبر قال:
إني واظيت على زيارة هذا المسجد مدة أربعين ليلة جمعة طلباً لرؤية صاحب الأمر ( عجل الله فرجه )
وكانت هذه الليلة الليلة الأربعين فلم انل مرادي كاملاً حيث كنت مشغولاً بالدعاء إذ وقف
الإمام ( عليه السلام ) عندي وقال لي : ماذا تفعل ؟ لم أتمكن من الجواب لشدة إنبهاري بجماله وهيبته حتى مضى عني ! قمنا وفحصنا الباب الذي دخل منه فوجدناه على النحو الذي أغلقناه .!!!
قال صاحب (جنة المأوى) ومن ذلك ما حدثني به رجل من أهل الإيمان بلادنا يقال له الشيخ قاسم وكان كثير السفر إلى الحج قال: تعبت يوماً من المشي فنمت تحت شجرة فطال نومي ومضى عني الحاج كثيراً فلما انتبهت علمت من الوقت أن نومي قد طال وأن الحاج بعد عني وصرت لا أدري إلى أتوجه فمشيت على الجهة وأنا أصيح بأعلى صوتي: قاصداً بذلك صاحب الأمر (ع).
فبينما أنا أصيح كذلك وإذا براكب على ناقة وهو على زي البدو، فلما رآني قال لي: أنت منقطع عن الحاج؟ فقلت: نعم فقال راكب خلفي لألحقك بهم فركبت خلفه فلم يكن إلا ساعة وإذا قد أدركنا الحاج فلما قربنا أنزلني وقال لي: امض لشأنك! فقلت له: إن العطش قد أضر بي فأخرج من شداده ركوة فيها ماء، وسقاني منه فو الله أنه ألذ وأعذب ماء شربته.
ثم إني مشيت حتى دخلت الحاج والتفت إليه فلم أره ولا رأيته في الحاج قبل ذلك، ولا بعده حتى رجعنا.
حدثني العالم الجليل والحبر النبيل مجمع الفضائل والفواضل الصفي الوفي المولى علي الرشتي طاب ثراه وكان عالما براً تقياً زاهداً حاوياً لأنواع العلم بصيراً ناقداً من تلامذة خاتم المحققين الشيخ المرتضى أعلى الله مقامه والسيد السند الأستاذ الأعظم دام ظله ولما طالت شكوى أهل بلاد (لار) ونواحيها إليه من عدم وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم أرسله إليهم وعاش فيهم سعيداً ومات هناك حميداً (رحمه الله) وقد صاحبته مدة سفراً وحفراً ولم أجد في خلقه وفضله نظيراً إلا يسراً.
قال: رجعت مرة من زيارة أبي عبدالله (ع) عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج رأيت أن ركابها من أهل الحلة ومن طويرج تفترق طريق الحلة والنجف واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح ورأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم عليه آثار السكينة والوقار فلا يمازح ولا يضحك وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء فيه قليلاً فأخرجنا صاحب السفينة فكنا نمشي على شاطئ النهر.
فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه وذمهم إياه وقدحهم فيه فقال هؤلاء من أقاربي من أهل السنة وأبي منهم وأمي من أهل الإيمان وكنت أيضاً منهم ولكن الله من علي بالتشيع ببركة الحجة صاحب الزمان (ع) فسألته عن كيفية إيمانه فقال:
اسمي ياقوت وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلة فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلة فبعدت عنها بمراحل إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريده منه وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلة ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جمعياً وكان طريقنا في برية قفر ذات سباع كثيرة ليس في أطرافها معمورة إلا بعد فراسخ كثيرة فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفه فضل عني الطريق وبقيت خائفاً من السباع والعطش فأخذت استغيث بالخلفاء والمشايخ واسألهم الإعانة وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى وتضرعت كثيراً فلم يظهر منهم شيء فقلت في نفسي إني سمعت من أمي أنها كانت تقول إن لنا إماماً حياً يكن أبا الصالح يرشد الضال ويغيث الملهوف ويعين الضعيف فعاهدت الله تعالى عن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أمي.
فناديته واستغثت به فإذا برجل من جانبي وهو يمشي معي وعليه عمامة خضراء وكانت خضرتها مثل خضرة هذه النبات وأشار إلى نبات على حافة النهر ثم دلني على الطريق وأمرني بالدخول في دين أمي. وذكر كلمات نسيته وقال ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جمعياً من الشيعة فقلت: يا سيدي أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية؟ فقال لا لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد أريد أن أغيثهم ثم غاب عني فما مشيت إلا قليلا حتى وصلت إلى القرية وكانت على مسافة بعيدة ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم.
فلما دخلت الحلة ذهبت إلى سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني طاب ثراه وذكرت له القصة فعلمني معالم ديني فسألته عملاً أتوصل به إلى لقائه (ع) مرة أخرى فقال: زر أبا عبدالله (ع) أربعين ليلة جمعة.
قال: فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجمع إلى أن بقي واحدة فذهبت من الحلة يوم الخميس فلما وصلت إلى باب البلد إذا جماعة من أعوان الظالمين يطالبون الواردين بالتذكرة وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها متحيراً والناس متزاحمون على الباب فأردت مراراً أن أتخفى وأجوز عنهم فيما تيسر لي وإذ بصاحبي صاحب الأمر (ع) في زي لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد فلما رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه وأدخلني من الباب مما رآني أحد فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس فبقيت متحسراً على فراقه عليه السلام
أنقلها - أي القصة - عن صاحبها بواسطة واحدة ، فقد كان لنا أستاذ في مشهد قبل سفري الى النجف ، له درس خصوصي لعدد من الطلبة، وكنت يومها كما أنا اليوم في عداد صغار الطلبة ، وكان الدكتور صاحب القصة يحضر ذلك الدرس، ولم أسمعها منه بل سمعتها من المرحوم الشيخ علي أكبر النهاوندي، وكذا من المرحوم الشيخ علي أكبر نوغاني ، وقد سمعاها من صاحبها ، وأذكر لكم هنا خلاصتها ، قال ذلك الدكتور :
كنت في غزو روسيا لإيران ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، أعمل قريباً من الجبهة طبيباً جراحاً ، وذات يوم جاءني شخص وقال لي:أصابتني رصاصة فأجْرِ لي عمليةً الآن، واستخرجها . قلت له: العملية ليس شيئاً بسيطاً ، لابد أن يحضر طبيب التخدير ويعطيك المخدر. قال: لا تنتظر المخدر، جئ بوسائلك وأجر لي عملية الآن .
فرأيت نفسي أتحرك لتنفيذ أمره كالمُسَيَّر بإرادته ، فأحضرت وسائلي وتمدد هو وقال: بسم الله النور، بسم الله النور، ثم تلفظ بإخفات بكلمتين أو ثلاث ، فرأيته نام كأنه بدن بلا روح ! عرفت أنه رجل له قدرة على خلع روحه وتجريدها من بدنه ، فقلت في نفسي لقد وجدت كنزاً !
وما أن أتممت العملية ولم تكن صغيرة ، وأكملت خياطة الجرح حتى رأيته حرك شفتيه بهدوء وأعاد نفس الكلمات ، وجلس !
فسألته وتحدثت معه حتى عرفت أن له ارتباطاً بصاحب الزمان صلوات الله عليه ، فسألته هل رأيته؟ فقال: هيهات ، هيهات! وهل أنا بمستوى من يراه ويتحدث معه؟! أين أنا منه ؟!
قلت له: إذن ما هو عملك؟ قال: أنا مأمور أن أتواجد هنا !
قلت له:أليس للمولى عناية بنا؟ ماذا يلاقي المسلمون من هذا الجيش الروسي والآذربيجاني من مصائب لا تحتمل ! فنظر اليَّ ، ثم قال: ليرحلوا .. وغاب عني ! فقط قال هذه الكلمة ، وغاب عني !
وفي ذلك اليوم عصراً وصلت برقية من مركز القيادة الروسية بالإنسحاب الفوري ، وأخذ الجيش الروسي والآذري بالإنسحاب من فورهم !
يومها عرفت أني وجدت ما أبحث عنه! فهمت أن الشخص من أصحاب الإمام المهدي روحي فداه وأنه يملك شعاعاً من تلك الإرادة الربانية القاهرة فهو يقول: ليرحلوا ، فيرحلون !
قال الدكتور: قلت له هل رأيته نفسه ؟ قال: لا، هيهات... أنا ارتباطي بسبعة أشخاص ، هم يرونه . فأين مقامه صلوات الله عليه ؟ وفي أي درجة ومرتبة ذلك الإكسير الأعظم ؟ الذي يتصل به سبعة أشخاص فيكونون كالكبريت الأحمر ، ويملكون هم ومن يتصل بهم من تلاميذهم ، ما شاء الله من اسمه الأعظم ؟!"
يقول آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخرساني دام ظله الشريف : " روحي وأرواح العالمين لك الفداء من جوهرة مخزونة بالأسرار.. طالما جهلناك وانشغلنا بغيرك عنك، وابتعدنا بأفكارنا عنك! وسنبقى بعيدين ما لم تعطف علينا بنظرة ، كما عطفت على ذلك الرجل الحلي ، فعَمَرَ الله قلبه بحبكم أهل البيت ، فهل تكون قلوبنا كقلبه ونفوز منك بنظرة تكون إكسيراً لقلوبنا !
ذلك المؤمن لم يكن يطيق أن يسمع أو يتذكر ظلامة الصديقة الكبرى الزهراء عليها السلام حتى يندفع في ذكر مثالب ظالميها . كان لا يستطيع أن يتصور كيف هاجموا بيت الزهراء عليها السلام وضربوها وكسروا ضلعها .
كان يفقد صبره كلما تصور أن الظلامة وصلت الى أن الزهراء عليها السلام عاشت بقية عمرها بعد أبيها صلى الله عليه وآله تعاني من ذلك اليوم ، حتى نحلت وصار جسمها كالخيال ، هيكلاً من جلد وعظام ، وأوصت أن يواروها في قبرها ليلاً حتى لا يشارك ظالموها في تشييعها ! فكان ينطلق لسانه في مثالب قاتليها !
وصل خبره إلى الوالي ، فأمر بالقبض عليه وتعذيبه ، فضربوه حتى كسروا جميع أسنانه وقطعوا لسانه ، فقال بعضهم لبعض كفى! فثقبوا أنفه وربطوا فيه خيطاً ، وطافوا به في الأسواق ليكون عبرة لغيره ! ثم أخذوه الى بيته جنازة وألقوه في داره ، وانصرفوا !
وفي اليوم الثاني تفاجأ الجميع عندما رأوه يصلي سليماً معافىً لا أثر فيه لشئ مما حدث له ! بل كان حيوياً مشرق الوجه كأنه شاب رغم شيخوخته !
سألوه عما حدث له فقال: عندما رموا بي هنا عرفت أني في آخر ساعة من عمري ، فقد شاهدت الموت بأم عيني ! أردت أن أنادي مولاي الحجة بن الحسن عليه السلام فلم أستطع ، فناديته بقلبي (يا صاحب الزمان) وإذا به جالسٌ إلى جنبي ، فنظر اليَّ نظرةً ووضع يده على جسمي وقال لي: إنهض واسع في تحصيل قوت عيالك ! فنهضت كما تروني أحسن مما كنت !
ما الذي حدث ، وكيف التأمت جراحه ، وصار له لسان بدل لسانه ، وعادت اليه أسنانه، والتأمت جروحه؟! وصار وجهه العادي المتجعد وجهاً جميلاً مشرقاً ؟! أي إكسير هذا الذي صنع كل ذلك بمسحة واحدة ، على مكان واحد من بدن ذلك المؤمن ؟!"
يقول آية الله العظمى الوحيد الخراساني دام ظله الشريف " نقل المجلسي رحمه الله من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان ، قضية عجيبة فيها كلمة من الإمام عليه السلام تفتح أبواباً من المعرفة، قال المجلسي رحمه الله : (ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا الصالحين من خطه المبارك ما صورته: عن محيي الدين الإربلي أنه حضر عند أبيه ومعه رجل ، فنعس فوقعت عمامته عن رأسه ، فبدت في رأسه ضربة هائلة فسأله عنها فقال له: هي من صفين !
فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة ؟! فقال: كنت مسافراً إلى مصر فصاحبني إنسان من غزة ، فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين ، فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه ! فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه ! وها أنا وأنت من أصحاب علي عليه السلام ومعاوية لعنه الله فاعتركناعركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرمياً لما بي ! فبينما أنا كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه ، ففتحت عيني فنزل إليَّ ومسح الضربة فتلاءمت ، فقال: إلبَثْ هنا ، ثم غاب قليلاً وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعاً والدواب معه ، فقال لي: هذا رأس عدوك ، وأنت نصرتنا فنصرناك: وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. فقلت من أنت؟ فقال: فلان بن فلان ، يعني صاحب الأمر عليه السلام ، ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه الضربة ،فقل ضربتها في صفين!).