لا يأت الاطمئنان عبر نسيان ذنوبك الماضية، أو الغفلة عن الموت والعقاب في المستقبل. إن الغفلة عن الماضي والمستقبل لا ينتج سوى اطمئنانا سطحيا وكاذب. أما الاطمئنان العميق والحقيقي فهو في أن تتحدث مع عن ماضيك ومستقبلك وتناجيه مرارا وكرارا. ثم يأت الله بنفسه ويثبّت فؤادك ويلطف بك.
إنّ إحساس الله والشعور بوجوده بعمق، أمر صعب وبحاجة إلى زمن طويل، ولكن إن توجّه الإنسان إلى الله واستطاع أن يشعر به، سوف لن يغفل عنه حتى لآن واحد. من الممكن أن يعيش الإنسان بلا أن يكوّن علاقة مع ربّه، ولكن إن حدثت هذه العلاقة فبعد ذلك لا يستطيع الإنسان أن يتركها.
إذا أردنا أن نملأ قلوبنا حبّا لله، لابدّ أولا أن نفرغها من حبّ أشياء كثيرة. إن قطع التعلق عن الدنيا أمر عسير ولكن إن انقطع هذا التعلق، ينعقد القلب بالله بسهولة. متى ما بدأت بقطع التعلق عن الدنيا يبدأ الله بجذبك وإلقاء حبّه في قلبك.
إن كثيرا من مظاهر سوء الأخلاق والآلام الروحية بين الناس، بسبب أنهم لم يعشقوا. إن العشق يطمئن قلب الإنسان ويجعله رؤوفا. إن كان حب الإنسان العاشق عميقا، يشعر بأنه قد نال كلّ شيء، فبدلا من أن ينشغل بعيوب الناس ينشغل بحسن حبيبه ويغرق في لذة الأنس بحبيبه.
إن ما يقال بأن العشق والغرام لا يستأذن أحدا ويدخل قلب الإنسان بلا مقدمة، فهو كلام غير صائب في ما يرتبط بعشق الله وأوليائه. إذ لابدّ من تهيئة مقدمات عشق الله، وحتى قد يستغرق هذا التمهيد عمرا كاملا. لابدّ من كنس القلب وتطهيره لتبلور هذا الحبّ فيه، وفي آخر المطاف لابدّ أن تخرج بنفسك من قلبك.