الطفل كائن رقيق سهل التشكيل وسهل التأثر بما يدور حوله ومن هنا تكون مسؤولية الآباء والأمهات كبيرة في تنشئة الطفل وتوجيهه .. إما إلى الطريق الصحيح فينشأ شاباً على نهج سليم بعيداً عن الاضطرابات والمشاكل النفسية .. وإما أن ينشأ مليئاً بالعقد النفسية التي تؤدي به إما إلى الجنوح أو المرض النفسي.
نستعرض في هذا القسم الأسباب التي تؤدي إلى المشاكل النفسية للطفل والتي علينا أن نضعها دائماً في الاعتبار ونتجنبها قدر الإمكان حتى ننعم بأطفال يتمتعون بصحة نفسية جيدة.
أسباب مصدرها الأب والأم و أسباب مصدرها الأم و أسباب مصدرها الأب أسباب مصدرها الطفل نفسه.
المعاملة القاسية للطفل والعقاب الجسدي والإهانة والتأنيب والتوبيخ.. يؤدي إلى توقف نمو ثقته بنفسه ويملأه الخوف والتردد والخجل في أي شيء يفكر في القيام به ويصبح عرضة للمعاناة النفسية.
الخلافات العائلية التي تجبر الطفل على أن يأخذ جانباً إما في صف الأم أو الأب مما يدخله في صراع نفسي.
التدليل والاهتمام بالطفل الجديد ... فمجيء وليد جديد يعتبر صدمة قوية قد ينهار بسببها كثير من الأطفال .. والطفل يتضايق إلى حد الحزن حين يرى طفلا آخر قد حظي بما كان يحظى به ويمتلك أشياء لا يمتلكها أحد سواه وكل هذا بسبب تدليل الوالدين للطفل الجديد أمامه وعدم الاهتمام به كما كان من قبل.
الصراع بين الأب والأم للسيطرة على الطفل والفوز برضاه فيجد الطفل منهما توجيهات وأوامر متناقضة مما يضع الطفل في حيرة شديدة وعجز عن الاختيار يعرضه لمعاناة نفسية كبيرة ويؤهله للأمراض النفسية فيما بعد.
إحساس الطفل بالكراهية بين الأب والأم سواء كانت معلنة أو خفية.
عدم وجود حوار بين الأب والأم وأفراد الأسرة.
عدم وجود تخطيط وتعاون بين الأب والأم لتنمية شخصية الطفل و تنمية قدراته العقلية.
التقتير الشديد على الطفل وحرمانه من الأشياء التي يحبها رغم إمكانات الأسرة التي تسمح بحياة ميسورة.
الإغداق الزائد وتلبية كل طلبات الطفل والمصروف الكبير الذي يعطى له بما لا يتلاءم مع عمره وما يصاحب ذلك من تدليل زائد يفقد الأب والأم بعد ذلك السيطرة والقدرة على توجيه الطفل وتربيته.
إدمان احد الوالدين للمخدرات (غالباً الأب).
انغماس احد الوالدين في ملذاته مضحياً بكرامة أسرته ومسبباً المعاناة الشديدة لأطفاله (غالباً الأب)
أسباب مصدرها الأم:
تعرض الأم لبعض أنواع الحمى أثناء الحمل أو تناولها عقاقير تضر بالجنين أثناء الثلاثة أشهر الأولى من الحمل أو ممارستها لعادة التدخين السيئة مما يؤثر على قدرات الجنين العقلية.
الأم غير السعيدة أثناء فترة الحمل.
الطفل الذي يربى بعيداً عن أمه وخاصة في السنوات الأولى من عمره.
الأم المسيطرة التي تلغي تماماً شخصية الأب في البيت مما يجعل رمز الأب عند الطفل يهتز.
إهمال تربية الطفل وتركه للشغالة أو المربية.
انشغال الأم الزائد باهتماماتها الشخصية وكثرة الخروج من البيت وترك الطفل.
تخويف الطفل من أشياء وهمية كالعفاريت والحيوانات المخيفة من خلال الحكايات التي تحكى له والتي تترك أثراً سيئاً على نفسيته.
أسباب مصدرها الأب:
الأب الذي يمحو تماماً شخصية الأم و يلغي دورها و أهميتها.
تتأثر نفسية الطفل كثيراًً حينما يرى أباه وهو يشتم أمه و يضربها أمامه.
الأب السكير الذي يعود آخر الليل مخموراً و يزعج أفراد الأسرة يؤثر كثيراً على رمز الأب لدى الطفل.
عندما يكتشف الطفل أن أباه يكذب أو أن أباه رجل غير شريف عندها يفقد احترامه لأبيه ويبدأ في المعاناة التي قد لا تظهر إلا عندما يكبر.
انشغال الأب الزائد بعمله وعدم تخصيص وقت كاف للجلوس مع الطفل والاهتمام به.
هجرة الأب خارج الوطن مما يجعل الطفل يفتقده كمثل أعلى وكمعلم ومرب وقدوة.
أسباب مصدرها الطفل نفسه:
تواضع قدرات الطفل الذكائيه مقارنة بزملائه في الفصل, مما يجعله يشعر بالنقص والخجل و خاصة إذا تعرض إلى ضغط زائد من مدرسته.
وجود عاهة عند الطفل تعرضه لسخرية بقية الأطفال, كشلل الأطفال أو ضعف السمع أو ضعف أو تشويه في جسده.
وهناك عدة أعرض سيئة تصيب الأطفال خاصة عندما يغفل الآباء عنها, منها :
1- المحبة: لو تعمقتم في المعنى الصحيح للمحبة لأدركتم حتما تلك المضار الناشئة بسبب الإفراط أو التفريط التي تصيب الأطفال عادة فالإفراط في المحبة يمهد الأجواء لدلال الطفل وزيادة توقعاتهم منكم، فنراه يستغل المحبة لتحقيق العديد من أهدافه اللامشروعة، بل إن بعض التجارب أثبتت بأن الطفل سيشعر بالحقارة في حياته المستقبلية بسبب الإفراط في المحبة لأنه سيفتقدها في تعامله مع الآخرين.
أما التفريط بالمحبة وعدم حصول حالة الإشباع فإنه يمهد الأجواء لظهور العديد من الجرائم والانحرافات المختلفة. فقد يسلك الطفل الذي لا يحصل على الحب الكافي من أمه وأبيه سلوكا انفعاليا يؤدي به إلى الاستسلام للآخرين، أو اللجوء إلى ممارسة العنف والانتقام من المجتمع.
2- الاهتمامات: لا بد من الاهتمام بالطفل، وهذا أحد حقوقه إذ يجب أن يهتم الأب بسلامته الجسمية والنفسية لكي لا تهدده الأخطار. غير أن الملاحظة المهمة هي حالة الأفراط والتفريط التي يلجأ الوالدان أحيانا.
فالإفراط في الاهتمام بالطفل يؤدي إلى ارتباطه الشديد بوالده واتكاله عليه وفقدانه الحياة. أما التفريط في الاهتمام فإنه يدفع الطفل لممارسات خاطئة ومنحرفة أو أن يعرض سلامته للخطر.
3- الدعم: كما ويحتاج الطفل إلى الدعم أيضا، وينبغي أن يواصل طريقة في الحياة معتمدا على دعم أبيه وأمه، وأن يطمئن بأنه سينال دعمهما فيما لو تعرض لأية مشكلة في طريقة.
فهناك بعض الآباء الذين يتوقفون عن دعم الطفل من أجل أن يحقق أولادهم استقلالهم السريع، أوإنهم يمارسون الدعم بشكل مفرط فينشأ الطفل متكلا عليهم بشكل كامل ويفقد استقلاله مما يشكل خطأ كبيرا ومضرا في الوقت نفسه.
4- الإرتباط: إن من أخطاء الأب أن يدفع أولاده إلى الارتباط به بشدة فلا يتمكنوا من التحرك بملء إرادتهم وعندما يبعدهم عنه يشعروا بالغربة.
إن من غير الصحيح أن يطرد الأب ولده بسبب إثارته للضوضاء أو شيطنته، وكذا ليس صحيحا أن يرتبط به بشدة بسبب حبه المفرط. فقد تبرز في الحياة اليومية صعوبات عديدة ومشاكل جمة لا يمكن التنبؤ بها مما تؤثربقوة على الأطفال المرتبطين بآبائهم. كما إنه سيشعر بالغربة والوحدة بسبب تلك المشاكل مما يؤثر عليه سلبا ما لم تمتد إليه يد العون والدعم.
ولا بد أن يستعين الأب بخبرته وكفاءته فيلجأ إلى مراعاة حد الاعتدال في هذا الأمر.
5- توقعاتنا من الطفل: ينسى بعض الآباء من خلال عملهم أن لهم أطفالا صغارا وقاصرين، فلا يتمكنون مثلا من رفع حاجات ثقيلة بأيديهم الصغيرة، ولا يملكون القدرة على اتقان بعض الأعمال، لكننا نرى أن أولئك الآباء يشددون على أطفالهم ويحملونهم فوق طاقاتهم مما يدفعهم ذلك إلى التشرد والهروب أو انهيار معنوياتهم وتحطيم شخصياتهم.
كما إنه من غير الصحيح أيضا أن لا نتوقع من الأطفال شيئا فنتركهم بذريعة صغر سنهم. فالمهم هو أن نكلفهم بمستوى ذكائهم واستطاعتهم قدرتهم. أما توقعاتنا المفرطة فتؤدي إلى ظهور حالة الهيجان عندهم فيحتقروا أنفسهم فيما لو لم يحققوا ذلك أمر. وإن عدم تكليفهم بأي شيء يضرهم في الوقت نفسه ويؤثر سلبا على حياتهم المستقبلية.
6- التدخل: ينبغي أن يراقب الأب طفله في عمله، بل أن يراقبه في لعبه أيضا لكي لا يصاب بمشكلة معينة غير انه من غير الصحيح التدخل في جميع أموره وشؤونه.
فالتدخل في جميع أمور الطفل وإبداء وجهات النظر بشأن لعبه ونوعه يؤدي إلى عدم تحقق نمو الإرادة عند الطفل وتؤثر على قابلية اتخاذه للقرار وتجعله لا يطور عمله أبدا.
كما يؤدي هذا الأمر أحيانا إلى نفاذ صبر الطفل والعمل في الخفاء.
يخضع الأطفال عادة لضعاف النفوس ممن لا إرادة لهم، لذا يجب الاهتمام بهم ومراقبتهم دون تدخل بشؤونهم إلا عند الضرورة وفي حالة وجود أخطار تهدد أجسامهم أو نفوسهم.
7- الخضوع للقانون: يحتاج الطفل في نموه وتكامله إلى النظم والقانون، وإنه للالتزام ببعض الضوابط. وإن عدم تطبيق القانون بشأن الطفل يؤدي إلى ظهور حالة الإهمال عنده، وإن القسوة في ذلك تبعده عنكم.
ومن أخطاء الأب أن ينادي باستمرار بتطبيق القانون في البيت ويطالب بالاتزام بالنظم فنراه يضغط بشدة على أولاده غافلا عن أن هذا الإجراء يؤدي إلى توقف عملية النمو في جميع أبعادها.
فحاكمية الأب ضرورية ولكن بشرط أن لا تكون مطلقة لأنها تؤدي إلى تبعية عمياء من قبل الطفل فيستسلم لوالده دون إرادة منه، وهذا ليس صحيحا من الناحية التربوية.
8- الغضب وممارسة الاقتدار: ليس صعبا أن نفرض على الطفل شيئا ما أو أن نغضب عليه، ولكن علينا أن نحذر ذلك كثيرا ".
وثمة آثار سيئة أخرى للغضب كما وردت في الحديث الشريف: "شدة الغضب تغير المنطق وتقطع مادة الحجة وتفرق الفهم".
وعادة، فإنه من غير الصحيح أن يكون الأب كائنا مخيفا ويجب على الطفل أن يخشاه ويحذره، بل عليه أن يكون مثالا للاقتدار، وفي الوقت نفسه قدوة في الحب والاعتدال والعطف، وهذا يحتاج إلى فن خاص
9- التهديدات: ينبغي أن يخشى الطفل أباه، ويقيم له وزنا غير أن هذا لا يعني أن يرتجف أمامه باستمرار فلا يرغب بلقائه أبدا.
وليس صحيحا أن يكون الأب لينا في الوقت نفسه فيفقد شأنه عند الطفل، أو أن يهدده باستمرار ويخوفه.
إن حالة الاعتدال معرضة للاهتزاز في البيت فيما لو أقدم الوالدان على استخدام الصراخ مع أولادهما وخلقا وضعا إرهابيا في الأسرة. مع العلم أن الصراخ لا ينفع دوما لتطبع الأولاد عليه أولا لأنه مجرد صراخ، وإنهم سوف لا يكترثون به ثانيا عندما يصبحوا أحداثا ومراهقين.
10- العقاب: ليس صحيحا أن لا نعاقب الطفل أبدا، أو أن نعرضه لعقاب مستمر دائما.
يعتقد بعض الآباء أن فدرتهم نازلة من السماء، وعليهم أن يمارسوا قوتهم مع أولادهم، غافلين بأنهم مكلفون بهداية أطفالهم وبنائهم، لا أن يمارسوا معهم القوة والاقتدار.
والمهم في الموضوع هو أن نعي موارد العقاب وحدوده، فمتى يحق لنا أن نعاقب الطفل، ومتى لا يحق لنا ذلك؟ ثم هل إن العقاب هو من أجل أن نشقي غليلنا أم من أجل بناء الطفل؟ وهل إن المطلوب من العقاب هو تنبيه الطفل أم جعله يشعر بالأذى والألم؟