|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
إحياء الذكرى وتقديسها
بتاريخ : 28-12-2012 الساعة : 06:33 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام
إحياء الذكرى وتقديسها
إنّ واقعة عاشوراء كانت حدثاً موقظاً للضمائر والوجدان، ودافعاً للناس إلى مقارعة الظلم والقهر، هذا من جانب، وهي من جانب آخر حدث فاضحٌ للحكّام الطواغيت المستغلّين لجهل النّاس وغفلتهم، وكانت سلطتهم باسم الدين سلطة متجبّرة وضدّ الدين.
وكان المظلومون يأخذون عن هذه الملحمة الدرس والبلاغ، أمّا الطغاة الظالمون فكانوا يخافون من ذكر عاشوراء ومن بلاغاتها، ولذا فقد سعى الأمويّون جاهدين إلى التعتيم على حقيقة عاشوراء وإقصائها عن أذهان النّاس وإنسائهم إيّاها، وكانوا واهمين في هذا وخاطئين، أمّا أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقد بذلوا غاية جهدهم في إحياء ذكر عاشوراء وتعظيمها وتقديسها، حتّى تبقى فعّالة ومؤثّرة بصورة مستمرّة. إنّ منهج إحياء ذكرى عاشوراء كان خطّاً مواجهاً لخطّ سياسة السكوت الداعي إلى الانزواء وتحريم إحياء ذكرها الذي كان يعتمده أعداء الحقّ.
وفي نطاق هذه "الذكرى" القائمة على محور عاشوراء وكربلاء تكوّن على مرّ السنين تراث يتضمّن مجموعة من السنن، من قبيل: البكاء على الحسين عليه السلام، إقامة مجالس العزاء الحسينيّ في المحرّم وصفر وعلى مدار السنة، تشكيل هيئات وجمعيات حسينيّة ودينيّة، إنشاء الحسينيّات والتكايا الحسينيّة، وإقامة التشابيه وتمثيل بعض أحداث عاشوراء، إقامة مواقع تقديم الماء والعصير للعطاشى في الطرق والميادين، وإطعام الطعام في مجالس العزاء وفي الطرق لعامّة النّاس، زيارة الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره في مناسباتها الخاصّة وعلى مدار السنة من قرب ومن بُعد، تقديس التربة الحسينيّة واستحباب السجود عليها، واستحباب الذكر والتسبيح بمسبحة التربة الحسينيّة، إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام وأنصاره وأهل بيته وما جرى عليهم، قراءة المقتل وكتابته، وكتابة البحوث التحليليّة والتحقيقيّة في السيرة الحسينيّة، و... وغير ذلك كثير من هذه المراسم، ولكلّ منها أثر ودور في حفظ تلك الفاجعة حيّة خالدة، وتحويلها إلى فكر وتراث شيعيّ عامّ.
ولقد حرص الأئمّة عليهم السلام على إحياء ذكرى عاشوراء في صور مختلفة من الحزن والبكاء وإقامة مجالس العزاء بإنشاد الشعراء الشعر في الحسين عليه السلام، ورغّبوا النّاس في إحياء هذه الشعائر وأكّدوا على جزيل المثوبة فيها، وحثّوا عليها.
ولقد كان لشعراء عظام مثل: دعبل الخزاعيّ، والكميت، والسيّد الحميريّ، وعبد الله بن كثير، وغيرهم في زمن الأئمّة عليهم السلام، ولمئات الشعراء المرموقين في ما بعد ذلك من العصور، دور كبير في حفظ مشعل "ذكرى عاشوراء" متوهّجاً على الدوام وذلك من خلال أشعارهم التي نظموها في الحسين عليه السلام ونهضته ومصابه، تلك الأشعار التي لا زالت إلى اليوم وإلى قيام الساعة تُلهب قلوب المؤمنين بالتفجّع والتأثّر والحماسة، وتشدّهم إلى أخلاقيّات عاشوراء ومناقبيّاتها.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام مخاطباً جعفر بن عفّان الطائيّ وكان من الشعراء المجيدين:
"بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتُجيد. قال: نعم. فأنشده، فبكى ومن حوله حتّى سالت الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال: يا جعفر! والله لقد شهدك ملائكة الله المقرّبون ههنا، يسمعون قولك في الحسين عليه السلام، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر! ولقد أوجب الله لك يا جعفر في ساعتك الجنّة بأسرها وغفر لك. فقال: ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيّدي! قال: ما من أحدٍ قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له!".
إنّ أمثال هذه الأحاديث كثيرة في كتب الشيعة الروائيّة، وهي دليل على ما كان عند الأئمّة عليهم السلام من عناية خاصّة وفائقة باستخدام الشعر والأدب للمحافظة على إبقاء حادثة عاشوراء حيّة مؤثّرة، ذلك لأنّ في حياة هذه الملحمة بناء حياة الآخرين، وبتعبير الإمام الخمينيّ (قدس سره):
"بهذه الضجّة، بهذا البكاء، بهذه النياحة، بهذه القراءة للشعر، بهذه القراءة للنثر، نريد أن نحفظ هذا المذهب كما هو كذلك محفوظ حتّى الآن".
إنّ مجالس العزاء الحسينيّ التي لا تُحصى، كانت السبب في إحياء أمر أهل البيت وحفظ خطّ الأئمّة عليهم السلام وحفظ حقيقة ومحتوى نهضة عاشوراء، بل كان لهذه المجالس ولا يزال بُعدها السياسيّ أيضاً.
يُروى أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال لأحد أصحابه: "بلغني أنّ قوماً يأتونه -أي الحسين عليه السلام - من نواحي الكوفة، وناساً غيرهم، ونساءً يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن قارئ يقرأ، وقاصّ يقصّ، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي.
فقلتُ له: نعم قد شهدتُ بعض ما تصفه.
فقال: الحمدُ لله الذي جعل في النّاس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا...".
ويقول عليه السلام لفضيل: "تجلسون وتحدّثون؟ قال: نعم، جُعِلتُ فداك. قال: إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر!".
ويقول الإمام الخمينيّ (قدس سره) أيضاً:
"هذه المجالس كانت تُقام على طول التأريخ، وبأمر من الأئمّة عليهم السلام كانت تُقام هذه المجالس... كان الأئمّة عليهم السلام يصرّون كثيراً على أن: اجتمعوا، وابكوا... ذلك لأنّ هذا هو الذي يحفظ كيان مذهبنا".
ففي مثل هكذا إحياء لعاشوراء ولعزاء الحسين عليه السلام تتدفّق الدموع تحرس دماء الشهداء، ولتكون شاهداً على شوق وعشق أتباع عاشوراء، ولترسّخ محبّتهم الخالصة لشهداء كربلاء وملحمتهم وتزيدها عمقاً وخلوداً.
وعلاوة على جميع هذه التأكيدات على إحياء ذكرى عاشوراء، كان الأئمّة أنفسهم عليهم السلام من المذكّرين بهذه الفاجعة الأليمة على الدوام، إذ كانوا يبكون لذكرها، وكانوا يقيمون المجالس لأجلها، يقول الإمام الرضا عليه السلام في رواية عالية:
"إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرع لرسول الله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام".
ويوصي الإمام الصادق عليه السلام أصحابه قائلاً:
"تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا".
إنّ الاستفادة من المجالس لإحياء خطّ الأئمّة عليهم السلام كان توصية منهم، وكذلك الذهاب إلى زيارة قبر سيّد الشهداء عليه السلام حيث وردت في ذلك أحاديث كثيرة في الثواب العظيم المترتّب على هذا العمل، ففي ظلّ زيارته عليه السلام يجتمع أهل القلوب الموحّدة في حبّه عليه السلام السائرون على نهج عاشوراء عند قبره الشريف ليعاهدوا دمه المقدّس وطريقه وهدفه على مواصلة المسير والمنهج، وليستلهموا الدروس من حياة وشهادة أولئك الشهداء العظام.
ولم تؤكّد النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام على زيارة قبر من القبور الشريفة كما أكّدت على زيارة قبر الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام في كربلاء، ولقد ورد في الروايات أنّ ثواب زيارته عليه السلام يعدل عشرات ومئات من الحجج والعمرات، وسرُّ ذلك أنّ زيارته عليه السلام إحياء لمبادئ نهضة عاشوراء، وإحياء لثقافة الشهادة، وتجديد للعهد والميثاق مع الشهداء، يقول الإمام الصادق عليه السلام:
"مَن لم يأت قبر الحسين عليه السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعةٌ حتّى يموت، فليس هو لنا بشيعة".
وهناك أدلّة كثيرة على أنّ الحكّام الطواغيت في العصر الأمويّ والعصر العبّاسيّ كانوا قد منعوا النّاس حتّى من زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام، ذلك لأنّ هذه الزيارة علامة على ارتباط الزائرين بنهج وأهداف أبطال ملحمة عاشوراء، وهي أيضاً توحّد جموع الزائرين وتُعّبئهم ضدّ الظالمين، ومن هنا كان الخلفاء العبّاسيّون قد سعوا مراراً لمحو آثار قبر الإمام عليه السلام ونبشه، ولتفريق الزائرين ومنعهم من التجّمع عند القبر الشريف.
في رواية عن القاسم بن أحمد بن معمر الأسديّ الكوفيّ قال: "بلغ المتوكّل جعفر بن المعتصم أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير، فأنفذ قائداً من قوّاده، وضمّ إليه كنفاً من الجند كثيراً ليشعّث (ليشعب خ) قبر الحسين عليه السلام ويمنع النّاس من زيارته والاجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطفّ وعمل ما أُمر، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين، فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه، وقالوا: لو قُتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منّا عن زيارته، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا...".
وقد أُخرب قبر الإمام الحسين عليه السلام سبع عشرة مرّة بأمر المتوكّل العبّاسي.
لقد كانت كربلاء وتربة سيّد الشهداء عليه السلام الدامية والفرات ونهر العلقميّ و... في التأريخ على الدوام منبعاً للإلهام والإمداد الفكريّ والروحيّ عند عشّاق الحريّة والشرف.
وكان لعاشوراء ومزار قبر سيّد الشهداء عليه السلام الأثر العظيم في هذا الشأن.
كما أنّ السجود على تربة الإمام الحسين عليه السلام يحمل نفس هذا التذكير بعاشوراء وبثقافة الشهادة، كتب الشهيد المطهّري في هذا الصدد يقول:
"قال أئمّتنا: الآن حيث يجب السجود على التراب، فالأفضل أن يكون ذلك التراب من تربة الشهداء إذا كان بإمكانك أن تُهيّئ لنفسك من تراب كربلاء الذي يعبق بعطر الشهيد. أنت حيث تعبد الله، إذا سجدت على أيّ تُراب فصلاتك صحيحة، ولكن إذا سجدت على ذاك التراب الذي له صلة، أو قرابة، أو مجاورة ولو قليلة بالشهيد، ويعبق بعطر الشهيد، فإنّ أجرك وثوابك يصير مائة ضعف ثواب السجود على أيّ تراب".
كان الأئمّة يتّخذون مسبحاتهم من تربة قبر "سيّد الشهداء عليه السلام " ويستعملونها في ذكر الله، وكانوا عليهم السلام يوصون بتحنيك المولود بتربة قبر الحسين عليه السلام:"حنّكوا أولادكم بتربة الحسين فإنّها أمان"، وما ذاك إلّا لهذا التعاهد والارتباط مع الاعتقاد بالشهادة والإيثار، الذي كانت عاشوراء أبرز وأسنى تجلّياته.
إنّ إقامة مواكب العزاء، وقراءة المراثي، والمآتم الحسينيّة التقليديّة، من البرامج المهمّة في إحياء ذكرى عاشوراء.
إنّ عشّاق خطّ "ثار الله" الثوريّ من خلال تشكيلهم المواكب الحسينيّة وهيئات العزاء، وفي ظلّ الأعلام واللّافتات والشعارات الحسينيّة، يعبّرون عن عواطف حبّهم وتعلّقهم الصادق بالحسين عليه السلام ويحافظون بذلك على تلك العواطف حيّة دافقة، وبنشرهم لراية العزاء الحسينيّ يستشعرون حقيقة ولذّة انتمائهم الفكريّ والروحيّ لعاشوراء، وفي ظلّ تلك الراية يخلّدون دروس وبلاغات عاشوراء.
خلاصة الكلام في نفس هذه الجملة الأخيرة، وبلاغ عاشوراء في مجال "الذكرى" لعصرنا الحاضر أيضاً هو هذا بالذات: أن نحافظ بأيّ شكل من الأشكال على ملاحم الشهداء الدامية، الباعثة على الأمل والمحفّزة على التحرّك، فنذكّر بها سواء بالبرامج المدروسة بدقّة، أو من خلال تبيين مباني موضوع الشهادة، الجهاد والمجاهدين، جبهات الحرب، التظاهرات، المواجهات مع الحكم الجائر، الشهداء الأعزّاء، الأسرى الأحرار والمعلولين، العمليّات الجهاديّة، عوائل الشهداء المعظّمة، مزارات قبور الشهداء الكرام، تدوين وتصوير قصص حياتهم وشهاداتهم، الأفلام الحربيّة المتعلّقة بالدفاع المقدّس، والآثار الفنيّة الأخرى المرتبطة بذلك، الرسم، تصميم اللوحات واللّافتات المعبّرة عن مختلف موضوعات هذه القضيّة المقدّسة، وجميع المظاهر المربوطة بثقافة الجهاد والشهادة والإيثار، المستلهمة جميعها من "عاشوراء" حتّى نجعل منها ثقافة جماهيريّة عامّة.
وكما أنّ عاشوراء بجميع مظاهرها ومضامينها احتلّت مكانها في قلوب وأرواح وأذهان وحياة أتباع الإمام الحسين عليه السلام مدى قرون طويلة، وبقيت حتّى اليوم حيّة مؤثّرة من خلال الشعائر المختلفة الكثيرة، ينبغي علينا كذلك أن نخلّد في ذاكرة التأريخ قيم الشهادة والثورة في تأريخنا المعاصر حتّى تنتقل إلى الأجيال القادمة، وأن نستفيد أيضاً أكثر ما يمكن من نفس هذه المنابع بالذّات منابع الإلهام والفكر والتحريك في تربية جيل مؤمن، شجاع، مقدام، عزيز، أبيّ، وصبور، ومقاوم.
نسألكم الدعاء
|
|
|
|
|