العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى القرآن الكريم

منتدى القرآن الكريم المنتدى مخصص للقرآن الكريم وعلومه الشريفة وتفاسيره المنيرة

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

الصورة الرمزية نرجس*
نرجس*
شيعي حسيني
رقم العضوية : 45442
الإنتساب : Nov 2009
المشاركات : 20,041
بمعدل : 3.78 يوميا

نرجس* غير متصل

 عرض البوم صور نرجس*

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : نرجس* المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 26-03-2013 الساعة : 12:45 AM


/صفحة 40/
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه أبتر لا عقب له، فيما يفهمه هذا الرجل، من أن الامتداد في وجود هذا الإنسان يتمثل بوجود ذرية له، وبين التعميم الذي لاحظناه في كلمة: «الكوثر»، التي جاءت مطلقة، صالحة لشمول كل ما هو قابل للتكثير من أمور الخير، ولم تقتصر على أمر النسل؛ وإن كان النسل هو أعز مصاديقه وأسماها مادام أنه سيتجلى بأئمة الهدى الذين هم خيرة الله وصفوته من خلقه. وذلك ليكون إعطاؤه «الكوثر» غير المحدود هو الرد القوي والحاسم على النظرة الضيقة لأمثال ذلك الحاقد والشانىء، ليفهم هو وأمثاله أن مجرد وجود ذرية للإنسان، لا يصلح لأن يعتبر ذلك امتداداً وبقاءً له عبر الأعصار والأزمان. بل قد يكون سبباً للتراجع، والخسران، والفناء، حينما يكونون يعملون على هدم ما بناه، فكيف إذا كانت ذرية تعيث في الأرض فساداً، وتملؤها ظلماً وتكون وبالاً حقيقياً في الدنيا والآخرة على من تنسب إليه تلك الذرية. الأمر الذي يعني أن يكون عطاء الذرية له، لا من موقع الكرامة، ولا عن
/صفحة 41/
حقيقة الجدارة، وأنما على سبيل الإملاء والاستدراج الموجب للهلاك.
وذلك كله يعطينا:أن الميزان في الخلود ليس هو الأبناء والذرية، وإنما الميزان للخلود، والامتداد، والبقاء شيء آخر، وهو: أن يكون عنده الكوثر المتنامي في نفسه، وفي حقيقته، بل إنه هو نفس التنامي، وحقيقة الازدياد في الخير، والذرية الصالحة تكون بعض تجلياته.
وقلنا الازدياد في الخير، وفي الأمور الصالحة ومنها الذرية، لأن ما عدا ذلك يحمل في داخله الخُسر والبوار، والتراجع والقلة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا..﴾ وقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..﴾.
الحاجة إلى عنصر الازدياد والاستحقاق:

وبعد أن يملك الإنسان عنصر التنامي والازدياد، فإن شكره لهذه النعمة بالعمل بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ
ــــــــ
/صفحة 42/
وَانْحَرْ﴾ يكون بمثابة توفير عنصر الاستمرار لهذا الازدياد، والاستحقاق له. ويكون الحاصل على هذا التنامي بواسطة العمل والجهد.
وهذا هو العمل الصالح الذي أشارت إليه سورة «العصر»، وسورة «التين»، والذي لولاه لكانت النتيجة هي الخسر والتراجع: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..﴾(1).
وبذلك يتضح: أن إعطاء الكوثر يمثل المبرر المقبول والمعقول للطلب إليه بأن يصلي لربه، وينحر، لأنه نعمة عظيمة توجب الشكر وإخلاص العبودية والعبادة لله سبحانه، لأنه عطاء كرامة، وإعزاز، ومحبة، وتشريف، وخير، وصلاح، لا عطاء إملاء وهلاك، كما قلنا.
قال تعالى: ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(2).
ـــــــــــــــ
(1) سورة العصر، آية رقم3.
(2) سورة التوبة، آية رقم55.
ـــــــــــ
/صفحة 43/
كما أن قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ رد على أهل الشرك والكفر، الذين كانوا يعبدون غير الله، ليقربوهم إلى الله زلفى، رغم معرفتهم بأن الله هو الذي يخلقهم ويرزقهم، وينعم عليهم!!.
التشريف والتكريم:

ومن الواضح: أن هذا العطاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جاء على سبيل الكرامة والإعزاز، والتشريف له، وليربط على قلبه، وليقويه بهذا العطاء، مع العلم أن الكثرة لا تعني لرسول الله (صلى الله عليه وآله) سوى الاستزادة في الخير، ونيل درجات الرضى الإلهي، ولم يكن ليلهيه (صلى الله عليه وآله) التكاثر كما كان يلهي غيره من الناس، الذين يرون وجودهم، وحياتهم، ومقامهم، هو بما يملكون من أموال، وعشيرة، وذرية، تمتد عبر الأزمان والأحقاب.
القيمة بين الحقيقة والتزييف:

وقد أراد الله عز وجل أن يقول لهم: إن هذه الكثرات ليست هي القيمة الحقيقية، فليست القيمة للنسل لمجرد أنه نسل، وإنما القيمة للنسل الذي يكون هبة حقيقية من

ـــــ
/صفحة 44/
الله، وتشريفاً وتكريماً منه، حين يكون فيه تقوية حقيقية للوجود الإنساني والإيماني الذي يريد الله له أن يبقى، وأن يتقوى بهذا التنامي المطرد، الذي يرفده مصدر الكثرات الصالحة، والميمونة، والمباركة.
وهذا هو الميزان في الصلاح وفي الفساد، وفي القيمة واللاقيمة، من حيث هو امتداد لشخصيته الإنسانية، والإيمانية، والرسالية، في مختلف معاني الخير، ومن جملتها النسل الصالح.
وبذلك نعرف لماذا جاء في الروايات: أن «الكوثر» هو فاطمة (عليها السلام) والتي ولدت الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والصالحين من ذريتها، الذين ملأوا الدنيا، رغم كل ما حاق بهم من قتل واضطهاد؟ وكذا ما ورد من أن المقصود بالكوثر نهر في الجنة، أو علم النبوة والرسالة التي نشرها الأئمة الطاهرون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم العلماء من بعدهم؟ أو أن المقصود هو الخير الكثير الذي نالته الإنسانية بواسطة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو الحوض؟ أو غير ذلك من مصاديق للكوثر ذكرت

/صفحة 45/
الروايات، أو أشار إليها العلماء. وقد ذكر العلماء الطباطبائي: أنها بلغت ستة وعشرين قولاً.
فظهر الفرق الواضح، والتقابل الصريح، بين نظرة الإنسان الإلهي المؤمن، وبين نظرة غيره، فيما يرتبط بما به بقاء الشخصية الإنسانية ودوامها وامتدادها عبر الأزمان والأحقاب.
الوعد والإخبار بالصادق:

ونشير هنا إلى أن هذه السورة قد تضمنت إخبارات غيبية من نوع معين، منها ما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ حيث أخبر الله رسوله (صلى الله عليه وآله) في بدء الدعوة، وحيث لم يكن (صلى الله عليه وآله) يملك شيئاً بأن الله قد أعطاه كوثراً، وهذا تطمين لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وربط على قلبه بالوعد الإلهي المحقق جزماً وحقاً، بأنه سيأتي زمن تتغير فيه الحال من حالة الفاقدية ـ بنظر المشركين ـ إلى حالة الواجدية، والتنامي، والازدياد المستمر في كل عناصر الخير، وقد أخبر تعالى عن ذلك بصيغة الماضي، ليفيد أنه أمر محقق جزماً.
ــــــــــ
/صفحة 46/
وإن نفس الوعد الإلهي من شأنه أن يبعث حالة الأنس في نفسه (صلى الله عليه وآله)، فضلاً عن أنه يقويه، ويزيده صلابة على صلابة في مواجهة التحدي. وذلك نظير قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا..﴾(1)، حيث أراد الله سبحانه وتعالى أن يُرِيَ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعض الآيات ليزيده ذلك قوة وعزيمة وصموداً وصلابة في مواجهة المشكلات والتحديات الكبيرة والخطيرة، وفي مواجهة الطواغيت والجبارين، لأن رؤية الآيات تزيده معرفة بالله سبحانه، وهذا بالذات هو ما يميز أولي العزم عن غيرهم..
يأس حاقد:

ومن جهة أخرى فإن إعطاء هذا الكوثر لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، حين تنقّص ذلك الحاقد له، وشماتته به، من شأنه أن يزرع اليأس في قلوب المشركين، وأن تهيمن عليهم مشاعر الإحباط، خصوصاً وأن الوعد
ـــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء، آية
ـــــــــ
/صفحة 47/
الإلهي قد جاء بهذه القاطعية، والجزم، واليقين، حسبما أوضحناه.
كماأن ذلك، ربما دفع جماعة الحاقدين إلى مراجعة حساباتهم، وهم يواجهون هذا اليقين، وهذه الصلابة، وهذه القناعة المطلقة، لدى النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي لم يكن آنئذٍ يملك شيئاً من عناصر القوة التي يفكرون فيها.. فإن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه (صلى الله عليه وآله) يجد شيئاً لا يجدونه، ويشعر بما لا يشعرون به، ويعلم ويرى أموراً لا يعلمون بها، ولا يرونها.
والأشد من ذلك عليهم أنه تعالى يخبره في هذه الآيات عن المستقبل والمصير للفريقين معاً.. إنه يخبرهم على لسان نبيه، وهو الصادق الأمين بما لا يتوقعونه ولا يخطر لهم على بال، ويعاكس كل حساباتهم الظاهرية، ومشاهداتهم..
فها هم يرون النبي (صلى الله عليه وآله) ـ وفق حساباتهم ـ ليس له نسل، وليس له امتداد، أو عقب، وليس لديه قوة يستطيع أن يعتمد عليها، ولا يملك شيئاً من الوسائل
ــــــ
/صفحة 48/
التي تهيء له الامتداد في أعماق المستقبل.
ويرون أنفسهم في المقابل يملكون كل ذلك، فلديهم أموال، وأبناء، وعلاقات، وموقع، وهيمنة، وسلطة، وقدرات مادية، تمكنهم من الامتداد في المستقبل، ثم هم يواجهون قول الله سبحانه وتعالى لرسوله أولاً: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ أي مصدر الكثرات، فليست الكثرات تصل إليك من جهة الغير، ليمكنهم قطعها عنك، ثم يواجهون قول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله)، ثانياً: عنهم أنهم ستنقطع الكثرات التي لديهم، وسينتهون إلى البوار، وإلى الانقطاع.
فما عليهم إذن إلا أن يعيدوا حساباتهم، وأن يقولوا لأنفسهم هل هناك شيء لم نفهمه، ولم نعقله، ولم نلتفت إليه؟!
فهذه الإخبارات من شأنها تثبيت وتقوية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتضعيف وتوهين أمر أهل الشرك، وهي بمثابة دعوة لهم لإعادة حساباتهم، فإن الإنسان الذي لا يرتبط بالله، ولم تكتمل معرفته به، ولا هو
ـــــــــ
/صفحة 49/
من العارفين ولا المتوكلين، أضعف ما يكون أمام المجهول خصوصاً إذا كان له مساس بمستقبله، حيث يرى نفسه عاجزاً حياله، لا يملك تجاهه أية حيلة أو وسيلة، فينهار ويضيع، ولذلك تجده يستسلم للمشعوذين الذين يعرف أنهم يكذبون عليه، ويخترعون له الأباطيل، وهم يتكلمون عن مستقبله المجهول، ويحاول أن يطبق كلامهم على واقعه، فإن قال له المشعوذ: ستأتيك رسالة، فسيقول: من قريبي، أو من صديقي فلان، وإذا قال له: لك عدو يكيد لك، فسينتقل ذهنه تلقائياً إلى فلان من الناس، الذي لا يرتاح إليه، ويقول: لعله هو.. وهكذا.
ولأجل ذلك نجد: أن الذين يريدون تضليل الناس يعتمدون على أمور من هذا القبيل، فقد يزعم لك أنه رأى مناماً يرتبط بك، وبمستقبلك، ثم يحدثك عن إلهامات وكشوفات حصلت له، ويستمر على هذا المنوال حتى تعلق في حبائله، ويصير يتلاعب بك كيفماشاء..
ـــــــــــــ
/صفحة 50/
ولكن عندما تتوجه لنور الدليل والبرهان، وتقول له: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾، فإنه سيلتمس المسارب والمهارب للفرار، ثم هو يتركك إلى غير رجعة.
فضل قراءة سورة الكوثر: 2

لماذا خصصنا الكوثر بأمور الخير:

والمقصود بالكوثر ليس أية كثرة كانت، ولو لأمر عادي، فإن الرمل ـ مثلاً ـ كثير، لكنه ليس مقصوداً قطعاً، لأنه تعالى في مقام الامتنان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا العطاء، بهدف إظهار الكرامة له، وذلك يتقضي أن يكون ما يعطيه له أمراً محبوباً ومرغوباً فيه، ويسعى إليه الإنسان وينسجم مع رغباته، وطموحاته، وآماله؛ كما أن المقصود ليس هو كثرة المال ولا غيره مما هو زينة الحياة الدنيا، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يحب المال أو المقام الزائل؟ بل كان يحب ما هو أغلى، وأعلى، وأسمى، وأهم من هذه الدنيا، وأشرف منها..
وإذا كان علي (عليه السلام) ـ وهو تلميذ النبي (صلى الله عليه وآله) ـ يقول: «إن دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز»، فهل يعقل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) ـ وهو مربى علي (عليه السلام) ـ محباً لها،
ـ/صفحة 51/
ومتعلقاً بها، وهل يمكن أن يكون (صلى الله عليه وآله) على خلاف سائر الأولياء فضلاً عن الأنبياء، فيما عرفناه من حياتهم وسيرتهم، وأهدافهم، وتعاليمهم. هذا ونبينا الأكرم هو الأفضل، والأعظم من بينهم.
إن المراد بالكوثر لابد أن يكون أمراً ينسجم مع أهداف النبي (صلى الله عليه وآله)، ومع ما كان يهتم به، ويفكر فيه، ويطمح له، كسائر الأنبياء، والأولياء، وهو الخير كل الخير في الآخرة، والخير في الدنيا إذا كان يؤدي ويوصل إلى خير الآخرة. وقد أعطاه الله ذلك. وليس هو زينة الحياة الدنيا قطعاً.
فالكوثر إذن يراد به: مصدر الكثرات التي هي من هذا السنخ، وهذا النوع، دون سواها.

/صفحة 52/

/صفحة 53/
تفسير قوله تعالى:

﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾


/صفحة 54/
ـــــــ
/صفحة 55/
صفات الألوهية في من يعطي الكوثر:

بما أن الذي يعطي هذا النوع من الكثرات، لا يمكن أن يكون عاجزاً، ولا ناقصاً، ولا محتاجاً إلى غيره، ليدبر أمره وشؤونه، وليعطيه القدرة، وليمنحه الحياة، وليرفع نقصه وعجزه بل لا يمكن إلا أن يكون إلهاً مستحقاً للعبادة.
كما أنه لابد أن يكون حكيماً عالماً، مدبراً رحيماً، خالقاً رازقاً، جامعاً لكل شؤون الربوبية يستحق الشكر على هذا العطاء العظيم، وهذا يعني أن هذا الخطاب لابد أن يعتبر رداً قوياً على الذين يتشبثون بهذه الأصنام العاجزة، والفاقدة للعقل، وللقدرة، وللتدبير، وللحياة، وللعلم، ولكل شيء. ولا يمكن أن تجد فيها أي خير، أو أي كمال، بل هي محض النقص، والفاقدية في الدنيا، فكيف تكون مصدراً للخير وللواجدية في الدنيا والآخرة معاً.
فآية الكوثر إذن تستبطن الاستدلال على واجدية

/صفحة 56/
المعطي لكل الصفات التي تؤهله للعطاء، ولكنها ليست كسائر صفات الذين يُعطون، هذا الذي يعطي مصدر الكثرات لابد أن يملك صفات الألوهية والربوبية معاً، لأن الرب الذي يعطي، لاسيما إذا كان هذا العطاء هو الكوثر «أي مصدر الكثرات» لابد أن يكون غنياً بذاته، والغني لابد أن يكون عزيزاً، والعزيز يكون قوياً، والقوي حكيماً، والحكيم عادلاً، وهكذا ولابد أيضاً أن يكون منزهاً عن النقائص مثل الضعف والظلم «وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف»، ومن هنا قلنا إن الرب الذي يعطي هذا النوع من العطاء لابد أن يكون هو الإله المستجمع لكل صفات الكمال: ككونه خالقاً، رازقاً، قادراً، قدرة شاملة، في الدنيا والآخرة، حياً، قيوماً، عالماً، مدبراً، حكيماً.. إلى آخر ما هنالك.
فعلام إذن يتشبثون بعبادة الأصنام، ويكيدون لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويحقدون عليه، ويتنقصونه، ويشنأونه من أجلها، ومن أجل تأكيد دورها في حياة الإنسان؟!!

/صفحة 57/
فإذا اتضح ذلك نفهم لماذا جاء الأمر له بالصلاة بالخصوص، فإن الصلاةة هي أبرز مظاهر العبودية والعبادة والشكر الأتم الله سبحانه، لأن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ دليل على استحقاق المعطي للعبادة، ويكون قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ..﴾ بمثابة النتيجة لتلك المقدمات..
لماذا لم يقل: فاعبد الله؟

وقد يقال: لماذا قال: ﴿فَصَلِّ..﴾، ولم يقل فاعبدني، فإن الصلاة من جملة العبادة؟
ونقول: إن العبادة قد تكون عن خوف، وقد تكون عن طمع، وقد تكون عن شكر وامتنان، أو عن إحساس بالاستحقاق.
فلو قال هنا: فاعبد، لم يعرف جهة هذه العبادة، فهل هي لأجل استحقاق المعبود لها؟ أم هي لأجل الشعور بالامتنان؟ أم هي لأجل شكر نعم أنعمها؟ بل ليس في كلمة العبادة إشارة إلى النعم أصلاً، وإنما هي تشير إلى الألوهية فقط.

/صفحة 58/
لكنه حين قال: ﴿فَصَلِّ..﴾. فإن الصلاة تستبطن العبادة، وتستبطن أيضاً الشكر في ثلاثة اتجاهات:
1ـ الشكر في القلب، بمعنى الشعور بالامتنان وبالعرفان بأنك مدين لهذا الإله الذي تفضل عليك، وغمرك بنعمه.
2ـ الشكر باللسان، بمعنى الثناء على المنعم، لأجل تلك النعم.
3ـ الشكر بالجوارح، وهو العبودية، والخضوع، والخدمة وما أشبه ذلك من مظهرات الانقياد، والاستسلام أمام المعبود والمبادرة إلى مواقع رضاه سبحانه وتعالى.
فإذا كان المقام مقام إعطاء لمصدر الكثرات لكل ما هو من سنخ الخير والخيرات، مما ينسجم مع أهداف رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي هي أسمى من الحياة الدنيا، فإن المناسب أن يكون الشكر شاملاً أيضاً لجميع مظاهره: للشكر في القلب، واللسان، والجوارح.
إذن، فالمناسب في مثل هذا المقام هو التعبير

/صفحة 59/
بـ «صَلِ» لأن مسارها الطبيعي هو قضاء حق الربوبية لأنها العبادة الشاكرة، التي هي أسمى من عبادة الخائف من العقاب والطامع في الثواب. وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»(1).
وعنه (عليه السلام): «إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار»(2).
العبادة الشاكرة:

إن الله تعالى بعد أن تحدث عن إعطاء رسوله (صلى الله عليه وآله) أتم النعم، وأكملها، وأشملها، فرّع الأمر بالصلاة على هذا الإعطاء، وهو ترتب طبيعي، يدركه الإنسان العاقل الحكيم، المتوازن في تفكيره، وفي تصرفاته، وفي
ـــــــــــــــ
(1) البحار ج67 ص186و197و234 وج69 ص278 وج38 ص14.
(2) نهج البلاغة ج3 ص205و206، فصل قصار الجمل رقم237، مطبعة الاستقامة. والبحار ج67 ص196و2121 وراجع ص236و255 وج38 ص14 وج75 ص69و117و1ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 60/
وعيه، وفهمه للأمور، حيث يجد نفسه منساقاً لأن يقف موقف العابد لهذا الإله المتصف بالعزة والعظمة والهيمنة والغنى، والقهارية، ثم أن يقف موقف الشاكر لمقام الربوبية على هذا العطاء العظيم، وبما أن الصلاة هي التي تعطي مفهوم العبادة للإله ومفهوم الشكر له في تجلياته العبادية، فقد جاء التعبير بكلمة: «فَصَلِ» منسجماً مع السياق، ومع حدود وآفاق المعنى المراد.
فظهر أن مضمون الآية الأولى الذي هو من تجليات الألوهية المستبطنة في الربوبية التي ظهرت بهذا العطاء قد تبلور في الآية الثانية، وعمَّق مضمونها في وعي الإنسان؛ من حيث كون الصلاة تجسيداً للعبادة في معنى الألوهية. وكانت هذه العبادة هي الشاكرة في أجلى مظاهر الشكر للعطاء الربوبي.
وقد أكّد ذلك أن النعمة الشاملة المعطاة بذاتها تؤكّد هذا الاستحقاق للشكر.
وقد جاء هذا الأمر بالصلاة منسجماً كل الانسجام مع مقتضيات هذين المعنيين، مادام أن الصلاة للربّ

/صفحة 61/
تستبطن إخلاص الشعور القلبي بالامتنان له سبحانه وتعالى، من دون أن يكون هناك أي شرك في هذه العبادة، المشتملة على الثناء على الله من أول كلمة فيها: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ..﴾.
فإن كل هذا وسواه إضافة إلى ما في الصلاة من تعظيم له سبحانه، في مثل: «الله أكبر»، ومن تنزيله في مثل: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وبِحَمْدِهِ.. سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى وبِحَمْدِهِ.. وغير ذلك من مظاهر الشكر لله سبحانه، بالثناء عليه بما يستحقه، في نصوص إلهية خالصة في معانيها ومراميها.. لا تشوبها أية شائبة، ولا تعاني من أيّ إخلال بحقيقة الصفات، التي يصحُّ نسبتها إليه تعالى، وينبغي أن تطلق عليه بما لها من معنى حقيقي دقيق وعميق.
عبادة الخائفين والطامعين:

أضف إلى ما تقدّم أنّ الصلاة تعني الخضوع العملي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 62/
الجوارحي، بما فيها من سجود وركوع، ووقفة، وجلسة العبد الذليل.
وهذا بالذات هو الذي يناسب هذا المقام؛ لأنّ عبادة الطامعين بالثواب، وكذلك عبادة الخوف من العقاب، لا تناسب هذه النعم، ولا تشير إليها، ولا إلى استحقاق العبادة، بل النعم هي التي تشير إلى استحقاق العبادة لمن يعطيها، من حيث استجماعه لصفات الألوهية الظاهرة من خلال الربوبية.
بالإضافة إلى أن صلاة الخائف وعبادته، لا تناسب هذا العطاء العظيم، مادام أن الإنسان قد يخاف من غير الله.
كما أن عبادة الطامع تعني أن العابد يرى أن الله لم يتم نعمته عليه، وذلك يمثل نوعاً من الابتعاد عن الموقع الرضي والحفي منه تعالى.
ولأجل ذلك استبعد أمير المؤمنين (عليه السلام)، هذين النوعين فقال: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك».
/صفحة 63/
وهذه هي العبادة الحقيقية السامية..
كما أن عبادة الطامعين، وعبادة الخائفين، لا تستبطن الإشارة إلى استجماع الذات الإلهية للكمالات: وأقصد بها صفات الجمال والجلال. مثل: القادر، والخالق، والرازق، والعالم والحكيم، والرحمن والرحيم، والحي والقيوم.. الخ، ومثل كونه تعالى منزهاً عن أي نقصٍ، أو ظلمٍ، أو جهلٍ، أو عجزٍ، أو ضعفٍ وما إلى ذلك.
أما الصلاة فهي التي تذكر الإنسان بالأمور الأساسية في العقيدة، والتي من شأنها أن تمنحه الثبات والاستمرار في خط الاستقامة، وفق ما يرضي الله، لأنها فضلاً عن تذكيرها إياه بالدار الآخرة، فإنها تذكره أيضاً بالله، وبصفات ذاته، أعني به صفات الجمال والجلال، حسبما ألمحنا إليه آنفاً. وما عليك إلا أن تراجع نصوص الصلاة؛ فإنك ستجدها صريحة في ذلك كله..
وكفى دلالة على التَّنزيه المطلق للذات الإلهية عن

/صفحة 64/
كل نقص، وظلم، وجهل، وغير ذلك أنك تقول في كل ركوع وسجود: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى وبِحَمْدِهِ، وسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وبِحَمْدِهِ.
وليس من قبيل المصادفة، أن تكون سورة الفاتحة، هي السورة التي تجب قراءتها في كل صلاة، أكثر من مرّة، حتى إنه لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، لأنّها قد اشتملت على كلّ العناصر الأساسية التي تدفع الإنسان للاستمرار بالإحساس بألوهيّته تعالى، وبرقابته، وهيمنته، وتفضّله.
لماذا قال: لربّك؟

وأما لماذا قال: «لِرَبِكَ»، ولم يقل: الله سبحانه وتعالى؟
فلعلَّه لأجل: أن الربوبية تعني استمرار الرعاية الإلهية وتعاهد المخلوقين، وحفظهم، وتدبير أمورهم، من موقع الحكمة، والعلم، والمحبة.
كما أن هذا الرب المدبِّر لأمورهم، يدفع العوادي

/صفحة 65/
عنهم، ويحبوهم بكل خير، ويدفعهم إلى كل صلاح، ويحرص على تكاملهم وتناميهم بطريقة سليمة وحكيمة.
والاستمرارية داخلة أيضاً في موضوع هذه الرعاية، إذ بدونها لا يكون هناك تربية ولا تكامل.. ولا معنى لأن تطلق كلمة: «رب» على من يتصدى إلى عمل ما كحفظ ورعاية مخلوق بعينه للحظات قصيرة، فإن من يرعى عائلة لمدة يوم واحد في حياته؛ مثلاً، لا يصبح رباً لها، وإنما يقال له: «رب»؛ إذا كان هناك استمرار لهذه الرعاية، التي تفيد في التكامل، والتنامي التدريجي لهم.
فقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ تستبطن هذه الاستمرارية من جهة، وتستبطن أيضاً: أن ثمة رعاية حانية، من موقع المحبة والرحمة، وترتبط بالناحية المشاعرية، إن صح التعبير، من جهة أخرى.
فمن يغرس شجرة، مثلاً، أو يزرع بعض النبات والأزاهير، فإنه لا يزرعه من موقع الرحمة له، بل

/صفحة 66/
يزرعه، ويحافظ عليه، ويريد له أن يتنامى ويصل إلى درجة النُضج، لإحساسه بحاجته إليه لطعامه، او إلى ظل الشجرة، أو ثمرتها، أو جمالها الطبيعي، وليس للرحمة، والحنو، والمحبة أي أثر في ذلك.
وحتى حينما يربِّي الإنسان الدابة؛ فيقال له: «رب الدابة»، فإن هذا الإطلاق فيه نوع من التجوز، لأنه لا يريد لها أن تتكامل، بل هو يربيها ويحفظها من أجل نفسه، ولكي تقضي حاجته، وتزيد من قدراته هو، لا أكثر ولا أقل، فهي أشبه بالسيارة التي يقتنيها.
أما التربية الإلهية للبشرية، فهي تبدأ بالرحمة، وتنتهي بها ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
إن التربية الإلهية الحقيقية تستبطن الحرص على أن يتكامل الطرف الآخر ليصبح غنياً، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى غيره، بل كل شيء محتاج إليه..
وهكذا حالنا حين نهتم بتربية أولادنا، فإننا نريد لهم

/صفحة 67/
أن تغنى أنفسهم بالكمالات، وأن تبتعد عنهم النقائص والعثرات والمشكلات، وبذلك يتضح أنه تعالى لو كان قال: «فَصَّلِ لله..» فذلك وإن كان يشير إلى صفات الجمال والجلال في الذات المقدسة، ولكنه لا يشير إلى نوع الصلة والعلاقة به سبحانه، وأنها صلة المربي الرحيم، الذي يحب لنا أن نتكامل ونتنامي باستمرار، لتغني أنفسنا بالكمالات، لا لحاجة منه سبحانه إلى ذلك.
فالنعمة المعطاة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وهي: «الكوثر» ليست أمراً عارضاً، منحه الله إياه مرة واحدة، وانتهى الأمر وإنما هي في سياق تربيته ورعايته له، والحفاظ عليه، وتناميه، وتكامله..
لربك مع كاف خطاب المفرد:

وعن كاف الخطاب في قوله تعالى: ﴿.. لِرَبِكَ..﴾ نقول: إنه تعالى قد جاء بكاف الخطاب للمفرد، ولم يقل: للرب أو لربكم، لأن الأمر يرتبط بشخص هذا الإنسان، بما له من فردية وتعيُن، تتجسد فيه المحبة،
/صفحة 68/
والارتباط الحقيقي والمباشر، وليس الأمر قد جرى على وفق السنن الإلهية العامة، التي لا تعني الأفراد في خصوصياتهم.
بدأ بالألوهية وانتهى بالربوبية:

ويرد هنا سؤال، وهو: أنّ من يكون مصدر الكثرات، فلابد من أن يكون مستجمعاً لصفات الألوهية، فيستحق العبادة. هذا بالإضافة إلى أن ثمة إلماحاً إلى مقام العزة والعظمة، من خلال التعبير بـ «إنّا» و «أعطينا»، بصيغة الجمع. فكان من المناسب أن يقول: «صَلِّ لله» أو «فَصَلِّ لنا»؛ فلماذا انتقل من الحديث عن الألوهية إلى الحديث عن الربوبية، وقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ..﴾؟
وللإجابة على هذا السؤال نقول: أشرنا في السابق، إلى أن الإلماح إلى الألوهية قد جاء في سياق الحديث عن الربوبية المتسجدة بهذا العطاء الذي هو تجسيد للحكمة والرحمة، والنعمة والتدبير وما إلى ذلك.. فاحتاج ذلك إلى تجسيد الشكر بأجلى مظاهره وأتمها في الفعل العبادي لمستحق العبادة من حيث أن الصلاة

/صفحة 69/
تمثل شكراً لله في مظاهره الثلاث المتقدم ذكرها على هذا العطاء.
وحيث إن التأكيد على ناحية الألوهية قد جاء بطريقة إعطاء نعمة جلَّى، لا يعطيها إلا الله سبحانه، بما له من صفات.
وبما أن العطاء الذي قصد به إغناء المعطى قد نشأ من موقع ربوبيته تعالى له، وبما هو يرعاه رعاية فعلية.
فإن ذلك يُبطل ما يتخيله الذين يعبدون غير الله من الأصنام أو غيرها، حيث يرون أنها هي التي ترعاهم رعاية مباشرة، وتقضي لهم حاجاتهم، وتشفي مرضاهم، وتحل مشكلاتهم، وتقضي ديونهم، وتواكب حركتهم العملية، وتقربهم إلى الله زلفى، كما جاء في القرآن الكريم.
فالله سبحانه يرد هنا إلى من يعتقد هذا الاعتقاد، ويوجههم إلى الربوبية الحقيقية التي ترعى الإنسان، وتدبر أموره، وتحل مشاكله.

/صفحة 70/
والخلاصة:
إن هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه، سواء فسرناه بالخير الكثير، أو بمصدر الكثرات، أو بغير ذلك مما يعد نعمة يصلح الامتنان بها؛ فإنه مظهر ربوبي وينفي بصورة واقعية وملموسة أن يكون سواه ـ مما زعموا ـ أرباباً صالحة للتأثير في الحياة، وفي حل المشكلات.
النعم تصل الإنسان بالله:

ومن الواضح: أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقرب هذا الإنسان إليه، ويصله به، ليتعامل معه من مواقع القرب هذه تعاملاً حضورياً أما هذه النعم التي يتكرم ويتفضل الله بها عليه، وهذه الرعاية له، فهي صلة الوصل الأولى التي تقربه إلى الله، وتجعله يشعر بوجوده، وحضوره وبرعايته، وبحاجته إليه سبحانه. وعليه أن يصلح علاقته به، ومعه.
ومن الناحية الفكرية والتصورية، فإن هذا الإنسان مهما حاول أن يتصور مقام الألوهية، فسيبقى عاجزاً عن ذلك، وستكون محاولاته غير واقعية، وغير مجدية،

/صفحة 71/
فإن كل ما سيصوره في وهمه، فهو مخلوق له، مردود عليه، والله غيره. وسيكون تأثيره في تحريكه، وإثارة كوامنه الإيمانية محدوداً، يحتاج لإعطائه المزيد من القوة، والإندفاع إلى التماس أنحاء أخرى من المعرفة، تشارك فيها الأحاسيس والمشاعر، وهي تلك التي تتكون من خلال مظاهر ربوبيته سبحانه، ورعايته، وألطافه القريبة التي يتلمس آثارها في مختلف جهات حياته ووجوده، فتكون معرفة الربوبية هي الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يدرك عظمة الألوهية ولو إدراكاً ناقصاً بحسب استعداداته وقابلياته.
وهذه المعرفة ـ معرفة الألوهية عن طريق الربوبية ـ هي الأعظم والأقوى في تحريك كوامن وجوده، والأشد تأثيراً باتجاه الانسجام والتناغم مع حركة أهدافه في الحياة الدنيا والآخرة على حد سواء.
وكمثال على ذلك نقول: إننا إذا نظرنا إلى أمر الموت والآخرة فإنهما إذا تيقن هذا الإنسان بوجودهما، استناداً إلى دليل العقل أو النقل عن الصادق المصدق، فإن يقيناً

/صفحة 72/
كهذا، لا يعدو أن يكون مجرد صورة تبقى في نفسه، لا يكون لها ذلك التأثير القوي في حياته، موقفاً وممارسة، واندفاعاً نحو العمل من أجل الحصول على الأمن في الدار الآخرة، أو على الخير الموعود به.
أما لو تلمس الموت أو الحياة الآخرة في الأشياء التي يراها، ويتعامل معها، ويباشرها بأحاسيسه. فإن تأثيره سيكون أقوى وأعمق، والتزامه أشد.
وهذا كما لو رأى من يموت، أو ذهب إلى المقابر ليرى ما انتهى إليه أمر الذين من قبله، وحيث يتذكر أصدقاءه الذين فقدهم، وكذلك الحال لو وقع في أخطار تهدد حياته، أو أمراض تخيفه من الموت والآخرة، فإن ذلك يدفعه إلى إعادة حساباته، لتكون منسجمة مع هذا الواقع الذي عاشه، وتلمسه وأحس به.
إننا حين نصدق أن هناك موتاً وبعده حساب، وعقاب، فإننا نرتدع عن أمور كثيرة في حياتنا، وفي ممارساتنا. ونكون مصداقاً لقول الإمام الصادق (عليه السلام)

/صفحة 73/
لإسحاق بن عمار: «يا اسحاق خف الله كأنك تراه، وإن كنت لا تراه فإنه يراك»(1).
وبذلك يتضح السبب فيما ورد من التاكيد على حضور جنائز المؤمنين، وزيارة قبورهم، وزيارة المرضى حيث إن ذلك يجعلنا نشعر بضعفنا. وبأن هناك أخطاراً تواجهنا، لابد أن نحسب لها حساباتها، وأن ننظر إلى ما هو أبعد من حياتنا الحاضرة هذه.
وبعدما تقدم، فإننا نفهم بعمق معنى قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾(2). مادام أن الغفلة تستتبع الشعور بالإستغناء عن النصير والمعين، والأمن من الخطر، فكيف إذا كان لا يعتقد بالآخرة من الأساس، فإن الأمر حينئذٍ أشد خطراً وأعظم ضرراًَ.
وخلاصة الأمر: إننا بحاجة دائماً إلى الحديث عن
ـــــــــــــــ
(1) الكافي، ج2، ص68، والبحار ج67، ص355، عنه راجع ص386و390 وج5، ص324 عن ثواب الأعمال ص13 وعن فقه الرضا(عليه السلام).
(2) سورة الأنبياء، آية رقم1.

/صفحة 74/
الزواجر الرادعة عن التواجد في واقع غضب الله الذي هو شديد العقاب. وعن الحوافز التي تجعلنا نعيش الرغبة والاندفاع إلى مواقع الرضا للرب المنعم، والرازق، والشافي، والقادر على حل مشكلاتنا، ورفع نقائصنا، وفي تقوية ضعفنا، فإن ذلك يسهل علينا الانقياد والطاعة لله، والالتزام بأوامره، وزواجره. وتكون صلاتنا له حينئذٍ أكثر إخلاصاً وأشد صفاءً؛ لأن تعلقنا به سبحانه يكون أعظم. وبذلك نستحضر المعاني الصلاتية في قلوبنا، فتخرج صلاتنا عن أن تكون مجرد إسقاط واجب، ولقلقة لسان، وركون، وسجود، وقيام..
عطاء الإعزاز والتكريم:

ثم إن هذا العطاء من الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) يستحيل أن يكون لأجل الإملاء له، لأنه النبي الكريم، وموضع كرامة الله، ولأن سياق الآيات نفسه، يشهد بذلك، لأنه تعالى في مقام الامتنان على نبيه (صلى الله عليه وآله) بعطاء يستحق الشكر عليه، وقد جاء على سبيل المحبة، والرعاية، ومن موقع الربوبية. وذلك لعدة جهات:

/صفحة 75/
ـ جهة الإعزاز.
ـ جهة التكريم.
ـ جهة التربية، والتنامي، والتكامل، وإعطاء ما يدخل في نطاق نصرته، وتوفير عناصر القوة في حركته، وامتداده في الحياة، وفي المجتمع الإنساني، وذلك: بإعطائه مصدر الكثرات؛ بحيث يصير عبر حصوله على هذا الكوثر منشأ كل خير، في الدنيا وفي الآخرة..
لربك! لماذا؟:
ثم إنه تعالى قد صرح بأن الصلاة لابد أن تكون: ﴿.. لِرَبِّكَ..﴾ وقد كان يمكن أن يقول: ﴿فَصَلِّ.. وَانْحَرْ﴾.
ولعل هذا التنصيص قد جاء ليؤكد على لزوم الإخلاص في الصلاة، وخُلوصها عن أي نوع من أنواع الشرك، مهما كان خفياً؛ فإن الشرك أخفى من دبيب النمل، وإن الرياء عبادة لغير الله سبحانه.
أما العُجُب فهو عبادة للذات حين يرى الإنسان نفسه فوق مستواها الحقيقي.

شكرا لكم



توقيع : نرجس*
قد تكون النهايه قريبة جداً

فـ سأمحوني
من مواضيع : نرجس* 0 اربعة اشياء تمرض الجسم
0 لاتترك شخص محتاج اليك فربما انت اخر مالديه من امل
0 إحصاء عن ثورة كر بلاء
0 وأشــــــــــرقت الأرض بنور ربــــــــــــها
0 أنا شيعي يهنئكم بميلاد الحجة ابن الحسن عليه السلام
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 12:32 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية