(الشريعة والديمقراطية) لقاء مجلة فيض الكوثر مع المرجع ا
بتاريخ : 17-06-2007 الساعة : 03:50 PM
(الشريعة والديمقراطية) لقاء مجلة فيض الكوثر مع المرجع اليعقوبي ( احد علماء الشيعه حفظه الله)
-----------------------------------------------
الشريعة والديمقراطية
لقاء مجلة فيض الكوثر مع سماحة المرجع الديني الشيخ محمد موسى اليعقوبي دام ظله الشريف
س1/ما هو تعريفكم للديمقراطية ومبادىء حقوق الإنسان وهل هي من مبتكرات الحضارة الغربية أم أن الشريعة الإسلامية سبقت في طرحها وتأصلها لهذه المفاهيم؟
ج/بسم الله الرحمن الرحيم
يوكل تعريف الديمقراطية إلى الذين وضعوا المصطلح ونحن مسؤولون عن مفاهيمنا وشرح مصطلحاتنا ولكن باعتبار أن تجارب الشعوب تتلاقح،والحضارات تتكامل ويمكن لأمة أن تستفيد من معطيات الأمم الأخرى فنتعامل مع المصطلح من هذه الجهة ونقول:إن للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة،فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون(الشعب مصدر السلطات) وأن الأغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز موت الرحمة-كما يسمونه-
أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل بالمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانون ويكون نافذاً وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))،((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))،((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))،((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))،((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
فلا يحق لأي شخص أن يسن تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث(التشريعية والقضائية والتنفيذية)،أن تفهم صلاحياتها وحدودها،وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه وهذا مما لا بأس فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) فأستعمل ضمير(هم)أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم الحياتية فهذا موكول لهم وتركت تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء(قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ،وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى
أن المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب فمثلاً المطلوب من باب حفظ النظام الاجتماعي العام تأمين الطرق للناس بين النجف وبغداد ولكن يمر الطريق عبر الحلة أو كربلاء وكم عدد ممرات الشارع وغيرها من التفاصيل فهذه مما يقررها من تختارهم الأمة وتفوضهم النظر في شؤونها وتوكلهم في تدبير أمورها.
وبهذا المعنى من الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقدير مصيره فإن الإسلام أول من وضع أصوله ومبادئه وسار عليه قادة الإسلام بمنتهى الصراحة والشفافية فتجد في سيرة الرسول(ص) أنه حينما خرج مع المسلمين على غير استعداد للقتال لأعتراض قافلة قريش التجارية ولما أفلتت القافلة وأصبح المسلمون في مواجهة مع قريش استشارهم رسول الله(ص) في المضي نحو القتال أو الرجوع وقبل معركة(أحد) استشارهم(ص)في معركة التصدي لقريش داخل شوارع المدينة وأزقتها أو خارج المدينة واستشارهم في كيفية مواجهة الأحزاب حتى أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق.
وحتى في ممارسة قيادة الأمة فبالرغم من أن النبي(ص)هو سيد الخلق والمبعوث رحمة للعالمين وأولى بالناس من أنفسهم فإنه لم يؤسس دولته المباركة في المدينة ويمارس صلاحياته كقائد حتى طالبه أهل المدينة بالهجرة إليهم واشترط عليهم النصرة والدفاع عنه كما يدافعون عن نسائهم وأموالهم وكذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) المنصوب خليفة من بعد الرسول(ص) بنص إلهي لم يمارس قيادته للأمة إلا بعد أن أنثالت عليه تبايعه وهو(ع) يردهم حتى اجمعوا أمرهم على إمامته وهو الذي لا يحتاج إلى ذلك وإنما لإلقاء الحجة عليهم
ومطالبتهم،باستحقاقات هذا الموقف لذا قال(ع)لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها)،وفي ضوء هذا نفهم أن ولاية شؤون الأمة لا تكون بالإدعاء ولا بالتسليط ولا بالقهر وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة وأما حقوق الإنسان فإن الإسلام هو رائدها ومؤسسها وألتزم بها قادة الإسلام ورسموا له أنبل الصور
التزاماً بقوله تعالى((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)،وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم.كما ورد في كتاب العشيرة راجع كتاب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد(ع)،وعهد الإمام أمير المؤمنين(ع) إلى مالك الأشتر لما ولاه مصر ومما جاء فيهواستشعر الرحمة للرعية فإنهم صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)
فمن زعماء الدول التي تدعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله(ص) حينما جمع أصحابه وقال لهميوشك أن ادعى فأجيب فمن كانت له قبلي مظلمة فليقتصها مني قبل أن يأتي يوم القصاص الإلهي العادل)،فيقوم له أحد أصحابه ويقول له:إنك في يوم كان ازدحام الناس شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع علي خطأ فدعا رسول الله(ص) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للأقتصاص.
ورأى(ص) أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال له:أستعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول:رب أسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.
ومن هؤلاء الزعماء(الديمقراطيين) المدعين لحقوق الإنسان الذين تسمع يومياً بسوء تصرفهم بالمال العام والاستفادة منه بطرق غير مشروعة يقف كأمير المؤمنين(ع) على منبر مسجد الكوفة بعد أربع سنوات من توليه شؤون الأمة وتصرفه بدولة مترامية الأطراف يقول للناسان خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فأنا خائن).
س2/ما هو ردكم على من يدعي ان لا ديمقراطية في الإسلام باعتبار الآية الشريفة((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)،تذوب إرادة الفرد في إطار عام من بين الضوابط والواجبات ولا نلمس حرية الفرد؟
ج/ان هذه النظرة مبتورة للنظام الإسلامي،وينطبق عليها قوله تعالى((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ))،فإنه كما توجد الآية توجد الآية المتقدمة((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) وقوله تعالى((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ)) ،فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة
وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة ويمثل مرجعية القوانين التي عمل بها ولا يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ من الشريعة التي أنزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم.أما النظم الوضعية فهي من صنع البشر القاصر المحكوم لأهوائه ونزعاته الذي يجهل حقيقة الكون الذي يحيط به.
س3/هل ترون ان مقتضى الديمقراطية أن يرى الإنسان الاعتقاد الذي يريد؟
ج/كل إنسان له حرية الاعتقاد..وقال تعالى((مَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ))،((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً))،((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)) ،فالإنسان مخير في عقيدته ونمط حياته التي يسير عليها ولولا هذا التخيير والحرية لبطل الثواب والعقاب ولما أستحق المحسن الثواب على إحسانه،ولا المسيء يستحق العقاب على إساءته ما داموا مكرهين على
هذا الشيء فحرية الاختيار هو الأساس في استحقاق الثواب والعقاب،فلا يحق لولي الأمر أن يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين وإنما وظيفته تقريب الناس إلى طاعة الله تبارك وتعالى بتكثير فرصها وتيسيرها وتجنبهم معصية الله بسد منافذها،وقد كان الإمام علي بن أبي طالب(ع)
رئيساً للدولة ويوجد بين رعاياه ناس على غير دينه وقد امتنع عدد من أهل المدينة عن بيعته كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ولم يجبرهم على ذلك رغم أن امرأته صحيحة وملزمة بكل المقاييس،غاية ما أشترط عليهم أن لا يحدثوا فساداً وفتنة في الأمة وحينما حمل قادة الإسلام السيف فليقضوا على هذه الفتن وليزيلوا العقبات التي تمنع الناس من اختيار العقيدة الصحيحة لا لكي يكرهوا أحداً على الإيمان.
س4/ما هو ردكم على من يقول:ان في الإسلام انتهاكاً لحقوق المرأة وعدم مساواتها مع الرجل؟وما هي حدود تولي المرأة للوظائف العامة؟ وهل يجوز لها تولي القضاء؟
ج/هذه شبهة وفرية يرددها أعداء الإسلام لخلط الأوراق وتضليل الناس بإثارة هذه الأمور لينفروا المرأة من الإسلام من خلال إيهامها بوجود ظلم لها في الشريعة وقد أستعر هذا الهجوم بعد مجيء قوات الاحتلال وانفتاح الساحة على جميع الاتجاهات حتى الإباحية لذا بادرنا ووجهنا إلى تأليف كتاب يشرح فلسفة تشريعات المرأة ليجد فيها المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل،قال تعالى(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى))،((إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)).
فالمساواة موجودة.نعم،لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة لكل منهما ولتقريب الفكرة ننقل المثال التالي:لو أن شخصاً أراد أن يوزع أمواله على أولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بقدر مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون دينار ومزرعة بقيمة مليون دينار وكان أحد أولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيد الزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب،فالأب هنا ساوى بين أولاده
يماثل بينهم مراعياً ما يناسب كل واحد منهم وهكذا الرجل والمرأة فأنهم متساوون من حيث المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرة مقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا،ولا تعني المساواة أبداً إعطائهم نفس الوظائف وتستطيع أن تكتشف أن هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين
ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الأسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة فإذن هم سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للأمور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لإبعاد الأمة عن عقيدتها وأخلاقها.وهذا هو ما
درج عليه الإسلام في تشريعاته فإن القضاء بما يتطلبه من احتكاك واسع بالناس والتعرض لمماحكات طويلة لا يناسب طبيعة المرأة وكذا ولاية أمر الأمة ويدعوها إلى التصدي للوظائف التي تناسبها كالتعليم والتمريض ورعاية الأسرة وتربية الجيل وصناعة الإنسان.