بسم الله الرحمـن الرّحيم والصلاة والسّلام على سيّد الخلق أبا القاسم محمّد وعلى أهل بيته الطيّبيـن الطّاهريـن واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأوّلين و الآخرين
يقول مولى الموحّدين وقائد الغرّ المحجّلين ـ سلام الله عليه ـ
(( وأعلموا أنّكم لن تعرفوا الرُشدَ حتّى تعرفوا الذي تركهُ . ولن تأخذُ بميثاق الكتاب حتّى تعرف الذي نقضهُ . ولن تُمسكوا به حتّى تعرفوا الذي نبذهُ . وألزموا ذلك من عند أهله ))
إخوتي الأفاضل :
سلام من الله عليكم رحمته تعالى وبركاته
فإنّ من أعظم ما أنعم به المولى سبحانه وتعالى على هذه الفرقة النّاجيّة ـ إن شاء الله ـ والطائفة المُحقّة . أن سخّر لها في كلّ عصر منها رجال أفنوا أعمارهم في سبيلها . والعمل على إعلاء كلمتها ورفع مقامها . وإقامة الحجّة لها على غيرها .. كلّ هذا بالرغم من الابتلاءات التّي مُنيت بها من مكائد وافتراءات وحروب ومؤامرات
ممن ناصبها العداء .. و كثير ممن يدّعون الإنتماء لها .
شمـوع من على درب النّجاة
1- بحث في الذّات والمعشوق : منذ الطفولة وحتّى الصبى كان لدي ّ معشوق ، وكنت ألتقيه في كلّ سنة شهرا . حيث يحلّ طيفهُ مع حلول شهر رمضان المبارك ، وذلك عبر صفحات كتاب كان والدي ـ رحمه الله ـ يعتبره من المقدّسات لديه ، فكان يلفّه في قُماشة خضراء ولن يدعه يبصر النّور إلاّ في الشهر المبارك .. فكان وسيلة السّمر الوحيدة في غياب التلفاز والراديو وحتّى الكهرباء .. وبين صفحات ذلك الكتاب كانت صولات وجولات لبطل لا يهزم إسمهُ ((عليّ .. أسدُ الله الغالب)) . وفي كلّ ليلة كنت أنتظر الإنتهاء من الإفطار والصلوات حتّى يجمعني به اللقاء .. وبقدر ما أكون سعيدا بحلول ليلة العيد أكون حزينا للفراق .. وهكذا كان اللقاء يتجدد عبر السنين ، ومعها بدأ السؤال عن حقيقة مثل هذه القصص ، وهذه الشخصيّة الفذّة التي أذعنت لها الأعناق والعقول بأسا وعلما .. وهل يمكن أن تحتوي حقيقته سلفيّة مُتعفّة ، ومالكية مُتحجّرة وحقيقة ضائعة بين التحريفات والخرافات .. عندها إزداد حرصي على أن يأخذ اليقينُ منّي موضع الشكّ ..
وبين غادة كربلاء ـ لزيدان ـ و فتنة ـ طه حسين ـ وعشرات الكتب والقصص ، لم أبلغ مُنيتي في معرفة الحقيقة .
ولكن : (( لا يعدم الصبور الظفر ، وإن طال به الزّمان ))
2 - وقل جاء الحقّ : أقبل الشتاء بطقسه المعتاد ، ولكن في الشرق كان له إستثناء ، حيث بلغت حرارته درجة الغليان ، و جعل أحفاد سلمان المحمديّ من شتائهم بركانا يلتهم بشراره أزلام الطواغيت و أشياعهم ، والإستثناء الآخر بأنّ قادة هذه الثورة المباركة لا يرتـدون لباسا عسكريّا ، ولا رابطة النّفاق السياسي .. بل عمائم تحتها جلابيب التّقوى .وشاء الله أن تسيل الدماء الزكيّة على الثّرى تحت رايات وشعارات لم نعهدها ، بل لم نسمع بها .. هل من المعقول أن يكون معشوق الصبى حقيقة تجسّمه صورة يحملها الشباب الثائر .؟ .. أم يكون رمزا للثائرين حتّى يهتفوا بإسمه ..وتيمّنا به يطلبون المدد من الله سبحانه وتعالى ..؟
حقّا بقيت مشدودا لمثل هذه المشاهد التي لم نعهدها ولا في الأفلام الخياليـة .. ومع الإعجاب والدهشة ينتابني الخوف من عدم إستمرار أو إنقطاع هذا الحلم الجميل حتّى يُصبـح حقيقة ..
وبين الخوف والرّجاء ، يُطلُّ علينا ومن على سلّم الطائرة صاحب العمامة السوداء.. فمـاذا عسانا نُسمّيه ..؟ قائدٌ ..إمامٌ .. فقيه ٌٌٌٌ .. وليّ ... بل كلّهم إجتمعن فيه . وأصدقها عندي \" الممهّد \" [ لدولة صاحب العصر والزمان ـ روحي له الفداء ـ بعد أن أقام له قاعدة ] وأنت تنظر في خطواته ونظراته وحركة يُمناه تعي بأنّ له حبل وصلٍ بالمعشوق. وأعلن الإعلام العالمي التّعبئة ..وبين موال ومناوئ جاءت أبجديّة لم تكن مألوفة من قبل ، وبدأـ الألفاظ والمصطلحات تأخذ صيّغا غير معروفة لدينا ..الإمامية الإثنى عشرية ..؟ الجمهورية الإسلامية ..؟ ولاية الفقيه .؟ الجعفريّة ..؟ شيعة عليّ وبنيه ..؟ . بحرٌ متلاطم من العبارات تلوكها وسائل الشرق والغرب .. وبين هذا وذاك يتردد إسم المعشوق .. وأدركت حينها بأنّ له عُشّاقٍ كُثُر وأنّه من أعظم ما أنجبت الإنسانيّة ..لكن ما السبيل لمعرفة اليقين في هذا كلّه ..؟
(( إن كان رأس الدين معرفةُ اليقين ))
3 - رُبّ يسيـر أنمى من كثير : وأخذ صدى المشرق يُحدثُ إنعكاسات على الساحة الإسلامية في منطقة المغرب العربي . وخاصة بعض الفشل الذي شهدته عدّة تحرّكات وانتفاضات ذات صبغة إسلاميـة في الوطن العربي من قبل .. وبدأ السؤال الملحّ في سرّ وماهيّة النجاح الذي أنعم به الله سبحانه وتعالى على هذه الفئة المؤمنة ، وليس لها من السلاح إلاّ شعارات يستلهمون منها القوة والعزّة (( الله أكبر )) , (( لبيك يا حسين )) , (( يا عليّ مدد )) , (( كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء )). بنداء الطاعة أمام العليٍّ القدير أعلن الشعب بأكمله أمام العالم أجمع إصراره على قلب أكثر نظم الحكم تعسّفا وإرهاقا للدماء عرفه التاريخ ..
(( الله )) معنى كلمة لا يمكن تمثيلها تحت أي صيغة (( الله )) هو العلم ، الحقيقة ، العدالة (( أكبر )) انه اللفظ النهائي ،الجامع لكلّ مميزاته . (( الحسين )) هو رمز الإيثار والعطاء ، فهو الجود بمعناه الشمولي . (( عليّ )) إسم يسمُو بك عند سماعه إلى منتهى الكمال البشري .. وحين تُذكر كربلاء .. يُستمدُّ من إسمها معنى الشهادة في أسمى مدلولاتها بهذا يكون النصر ، وبهذه المبادئ تذلُّ الصعاب ، وبمثل هذه الولاية يكون الفتح .. وليبقى أصحاب الفكر المادي يتخبّطون في ماديتهم .. ولن يجدوا لسؤالهم جوابا إلاّ بالعودة إلى النّهج القويم . ولكن الباحثين على درب النّجاة من هذه الأمّة فالسبيل معروفة ، والمسالك واضحة لمن إبتغاها ...
4 - من وثق بماء ، لن يظمأ : وتشهد الساحة الإسلاميّة عناوين جديدة ، وأخذ الفكر الشيعي في طرح البديل على الأمّة ومَدّها بسبل الخلاص . وانطلقت العقول النيّرة والنّفوس الطاهرة ، تتبـع موارد الماء الزلال ، وسرتُ في ركب الباحثين ، وتلقّفت ما وسعت كفّاي ، وشربت بملء فمي حتّى ارتويت ، بما أنغمت به علينا أيادي الخيّرين من أهل المراكز والجمعيات والمعارض.. وكان السعي من مدريد بإسبانيا حتّى مشهد المقدّسة وما بينهما .. واعتمد بحثي في ذلك على كتب الفريقين .. حتّى أيقنت بأنّ الإسلام قد رُزي برزيّة في أهله وابتلي ببليّة من قومه وأصيب بمصائب من أبنائه.. بعد أن تركوه ونبذوه وراء ظهورهم بعدم تعبُّدهم بالنّصوص الجليّـة التي جاء بها الكتاب المقدّس ، والسنن النبويّة الشريفة .. فليس بغريب بعد ذلك كلّه أن تقع سفينة النّجاة [1]، بما لها من حرمة وقدسيّة ، هدفا لسهام الزور ، وغرضا لنبال البهتان والإفتراء .. سعيا لإغراقها ، ولكن أنّ لهم ذلك والله مُتمّ نوره ومصدّق وعده ..ومن هنا عَقدتُ العزم على أن أكون جنديا مدافعا على ثغور الولاية ، ولسانا ذابا على حرمات أئمة الهداية ، وعينا ساهرة في إنتظار حامل الأمانة والوصايا .. ـ روحي لمقدمه الفداء ـ
5 - جاهدوا أهواءكم كما تُجاهدون أعداءكم :إلى ما التعنّتُ والصدود ، وحتّى متى النّكوص والجحود بل أيّن يُتاهُ بكم ، أبَيْنَ ضلالة وجهالة لسلفٍ غابر، أم تعنّت وافتراءٍ لحاضر خاسرٍ .. أَمَا آن لكم أن تنتبهوا وتستيقظوا من غفلتكم ونومتكم .؟ وحتّى متى الأحقاد الموروثة ، والإقتداء بأئمّةِ السوء كابن تيميّة وابن حزم وابن كثير.. ومن هم على شاكلتهم في العصر الحاضر منَ المُتزلّفين لسُلطان الجبت والطاغوت طمعا في دنيا خلاّبة ، باعوا بها دينهم [ كما كانت سجيّةُ سلفهم ] طلبا لحطامها الزائلة وهكذا اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فما ربحت تجارتهم ، وفي الآخرة هم من الخاسرين ..
ولازال أصحاب الأقلام المأجورة والضمائر المسحوقة تستسقي من المنابع السيّالة التي خلّفها أسلافهم من رواة السّوء كرجال المضيرة وأذنابهم من عبيد الدّرهم الرنّان .. حيث أحاطوهم بهالة القداسة الزّائفة ، وبنوء حولهم حصنا حصينا يُحرّمُ على أوليائهم ومن شايعهم التّدبّر والتّفكّر والتّأمّل .. فِمَا وضعوه لهـم من منهاج عقائد لا يُمكن لأحد من أتباعهم النّقد فيه ولا التّحوّل عنه ، رغم ما امتازت به هذه المدرسة من مُخالفة كلّ ما دلّت الضرورة عليه ، وما قاد القرآن إليه .. والباحث المُنصف لا تُعييه الحيلة في معرفة الغث من السميـن والحقّ من الباطل والنّور من الظلمات لمجرّد القيام بمقارنة نزيهة بين معتقدات الفريقين ..
ورغم محدوديّتي في العلوم الدّينيّة من بحث واستدلال .. إلاّ أنّ مسألة التمييز بين أحقّيّة مدرسة أهل البيت (ع) في الأصول العقائدية مثلا ومخالفيهم من أوضح الواضحات ولن تتطلّب أكثر من الإنصاف مع الإبتعاد عن التقليد والتّعصب .. وأن لا يكون للباحث دليله في ذلك هواه ، بل يجعله خاضعا للحجّة القاطعة ، والأدلّة الثابتة ، دون انحياز لعقيدةٍ إبتداء ، ولا إتّكال على ما ورّثَ الآباء ..
- يقول الله تعالى : (( .. فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب )) الزمر 17 ـ 18 .
وحتّى لقاء مع السفر الطويل حتّى حياض العترة "ع" ..
أستودعكم الله والسلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهـد مقيـمـا .
أخوكم أبو مرتضى عليّ
الفهرس
1-- قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق )) فهو من الأحاديث المتواترة عند المسلمين : في المستدرك ج 2 ص 343 ، وج 3 ص 150 .. مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 168 . عيون الأخبار لإبن قتيبة ج 1 ص 211 . كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 95 . إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص 113 . الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 414
2 -- تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 2 / 464 ح 984 – 997 ، شواهد البنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 / 334 ح 459 ، المستدرك للحاكم ج 3 ص 126 و 127 و صححه ، أسد الغابة ج 4 / 22 . تاريخ الخلفاء للسيوطي ص170. الميزان للذهبي ج 1 / 415 و ج 2 / 251 و ج 3 / 182. الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 276. منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد ج 5 / 30.
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
** هذا البحث المطوّل كان السبيل الهادي إلى حياض سُفن النّجاة "ع" .. حيث أيقنت من بعده ، بأنّ الإسلام أصبح إسلامان : محمّدي، وعمري ، ولكلّ منهما شرائع وأتباع .. ومن يبتغي منكم سُبُلَ النّجاة فعليه :
- قراءة هذا البحث لنهايته ..
- ذو بصيرة حرّة من قيود الموروث..
- الحكم بيننا كتاب الله والمتّفق عليه من السنة الشريفة .**
--- بحث في الخلافة " الراشدة "
يقول مولى الموحّدين وقائد الغرِّ المُحجّلين الإمام عليّ –عليه السلام – :
* نفسُ المرء خُطاه إلى أجلــــــه ..
.. من هنا يكون الحرص على عدم إضاعة العمر في لا شيء أو في التوافه .. فبين المرء وأجله مسؤولية الربط التكاملي من استعمال الإنسان لطاقته في الدنيا ، وبين الجزاء الذي سيلاقيه في الآخرة عن كيفية الاستعمال وعن ماهية النتائج .. وهذا ما جاء في دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجّاد "ع" ": واستعملني في ما تسألني عنه غدا ..:" والكتاب المقدّس يضع لذلك ثلاث أسئلة سيتعرّض لها الإنسان يوم الجزاء ..
1- قوله تعالى ": فاستمسك بالذي أوحي إليك ، انّك على صراط مستقيم ، وانّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ..:"
هنا يكون التأكيد على التمسّك بكتاب الله تعالى وجعله منهاجا في الحياة .
2 - قوله تعالى ": فلنسألنّ الذين أرسلَ إليهم ، ولنسألن المرسلين .:" وهنا التأكيد على الالتزام بأمر القيادة المنصوص عليها من قبلِ الله تعالى اسمه .. والمتمثلة في الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - .
3 - ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة ، ولكن يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ، ولتسألن عما كنتم تعملون .:" وهنا التفويض التام الإنسان على اختيار مسلكه في الحياة والذي يصل به إلى الآخرة .. وحتّى تستقيمَ منافذ الوعيّ والإدراك لسُبُل الخير . لا بدّ من التمسّك بأمر القيادة الشرعيّة جميعها . والمتمثّلة في الرسول الأكرم –صلى الله عليه وآله - وذلك من قوله تعالى "ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .:" .. وبعده يأتي دور قيادة الإمام المنصوص عليه من قبل الرسول عنِ الله تعالى ، ومع الغيبة يكون دور العلماء والمرجعيّة الشريفة .. وعند التمسك بهذه القيم والمبادئ تجد الأمة مسالك النجاة والرشاد والسعادة الأبدية ..
وعلى ضوء ما تقدّم نستطيع أن نقول بأنّ الإنسان محكوم بزمن محدّد لا يستطيع تغييره أو نقيصتهُ ، لذا كان منَ المنطق والعقل أن لا يُبدّده دونَ مُحاسبة النّفس وتوجيهها نحو سبل الخير والفلاح واكتساب الفضائل وترويضها على معاكسة الأهواء والشهوات .. حتّى تكون الجنّة هي المأوى .. ولن يبلغ ذلك الكمال الإنساني من العلم والمعرفة الربّانيّة ، حتّى يبلُغَ مرحلة الانسجام الكامل بين الروح والعقل ، والنفس والوجدان ، والقلب والمشاعر... إلاّ أنّ النّفسَ منْ طبعها الجموح لحنينٍ نحو مُوالاةٍ لماضٍ ورجال ومواقفَ ..وكنت أصدّها تارة وأتجاهلها أخرى ، ولكن كثيرا ما كانت تُساءلني على رجال أثْروا التاريخ الإسلامي بتناقضاتهم ومواقفهم حتى اختلفت فيهم الأمة بين موال ومعاد أو محبّ ومبغض .. وأخصّ بالذكر بطل رزية الخميس[*]، ومؤسس أركان السقيفة .. عمر بن الخطّاب .[*]
* شيطان كلّ إنسان نفسهُ *
-- الصراع مــــــــــع النّفس :
وهذه المرّة ، وكعادتها سألت ، ثمّ كررت السؤال .. لكنّي لم أعِرها اهتماما .. همست ": هل تدّع لنفسك التفوّق في العلم والمعرفة على كلّ منْ أبدا لهم الولاء والانتماء منَ الأمّة في ماضيها وحاضرها . ومن أبد لهم الثناء الجميل على ما قدّموه للإسلام والأمّة من أعمال جليلة وخيّرة كانت السبب في نشر الإسلام وعزّته .. حتى كُتب تاريخهم بأحرف من ذهب ، انحنى لعظمته القاصي والداني ، وسيبقى إشعاعه ما بقيت الأيام والسنين .. بل أين يُتاه بك ، بعد أن كنت من مواليهم وأشياعهم ، وكنت الذاب عن حياضهم وكرماتهم .. بل كنت تهيمُ بحبّهم ، وقد رأيتك تُناجيهم وتٌحابيهم ، وكثيرا ما كنتَ تأنسُ بمجالستهم في رؤياك وأحلامك ، وكان لسانك دائما يتباه بمآثرهم ومناقبهم .. فما حدا ممّا بدا ..؟
ثمَّ إنكفأت للحظات لتدع المجال للحافظة تستشير العقل والوجدان على ما فرّطنا مع سنوات التيه في مُنعطفات التقليد المتداعية ، ومسالك السلف المعتّمة ، حيث طُمست الحقيقة بين ثنايا الأوهام وطيّات الافتراء ، ممّا حال بين البصيرة ورؤية نور الحقيقة ، فتبدّدت معها معالمُ النّجاة ومسالك اليقين .. ولكن أين لها ذلك بعد أن امسكنا بمصابيح الهداية ، وسفن النجاة . فمن الذي يتجرّأ بعد هذا أن يقول بأنَّ الحقّ في ما تركت ، وأن الباطل في ما اتخذت من ولاء لأهل بيت العصمة – صلوات الله عليهم وسلامه- ..
هنا وكزها صوت الضمير ..": لما لا تُحاولي .. وما يضير ..؟ فإنَّ الهدى على انبثاق بين يديك ، فقرّبي وخُذي ممّا أعطيتُ حتّى يُفَجَّرَ النّور على أرجائك .. فتسعدي بذلك وتُسعديني . لكن بحالة اللامبالية استقبلت النصيحة وهي تنازعني قيادها.. عندها جذبتها نحو سوحِ المناظرة وليكن الميزان في ذلك كتاب الله وما اتفقَ عليه من السنّة الصحيحة مع الإجماع والعقل .. لم تنصاع لدعوتي من أوّل وهلة ، بل شككت وتعلّلت وذاك ديدنها ..": وما نفعُ ذلك والأمّةُ لا تمتلك تاريخا يُستفادُ منه في هذا المضمار، وقد لعبت بمنابعه الأهواء السياسية ، والمنازعات السلطويّة ، والتجاذبات المذهبية منْ تحت ضلال السيوف والبيارق [1]، ساندها في ذلك جنود العسل [2] ومهور البغايا [3]. نعم أنَّ كلُّ ما لدينا هو من صنع الحكام والسلاطين .. من أمثال معاوية والمنصور..وأئمة الجور كشريح وابن تيمية .. وأشباه العلماء .. كابن حزم وابن كثير ..ومن هنا ليس بغريب بأن يكون الاعتماد على الأحلام والتخيلات في العديد من مفاصل التاريخ وقد تتهمُ الذاكرة بالنسيان [4]، أو الأذن بالصمم [5]، كما قد يُعطى للجنّ دور في تصفيّة بعض الرموز المعارض للتاريخ السّلطوي وأهله [6]..؟
* من إبتاعَ نفسهُ أعتقهـــا :
وبنظرة المشفق أجبتها ": صَدَقْتِي في كلّ ما أَدّعَيْتِي .. وقد كفيتني مئونة التوضيح ، بل لذلك أعدتُ قراءة التاريخ ، وأبيتُ طاعتك للعودة إلى عقيدة الابتداء ، وموالاة من وال الآباء عن جهل وغباء .. ولكن لا بأس بأن ننظر الجوانب الإيجابية في تاريخ الأمة ، وهو من أغنى تواريخ الأمم على الإطلاق ، بل ويمتاز عليها بالدقة والشموليّة كما يملك من النصوص الصحيحة الشيء الكثير شريطة البحث العميق والتدبر بعيدا عن اللجاج والتعصب .. مع ما يمتلك من قواعد ومنطلقات يستطيع أن يوفّر الباحثُ لنفسه من خلالها وسائل التمييز ما بين الغث والسمين وما بين الحق والباطل والصحيح والسقيم ..وما علينا إلاّ أن نتخذ السبل المجمع عنها لبلوغ الغاية ، بعيدا عن المهاترات والمشاحنات والعناد .. وقد ذكرت لَكِ موازين القسط المعتمدة لدى عشاق الحقيقة والباحثين عن النجاة والسعادة الأبدية .. ولا بأس بأن يكون البحث في الأسانيد المعتمدة ، والتمسّك بما أجمع عليه أكبر عدد من أهل الفرق حتى تكون النتيجة مقبولة لدى الجميع ، ويجب أن تُتّخذَ منَ المبادئ الإسلامية والقرآنية وشخصيّة الرسول الأعظم "ص" الروحيّة والأخلاقية أساسا لتقييم عديد النصوص والحكم عليها أو لها ، ثمّ أخذ بعين الاعتبار مسألة تناقض الأحاديث ومع كونها تتعارض في الزمان والمكان مع شخصيّة السند الراوي للحدث أو التي محطّ البحث ..:"
شعرت عندها وكأنّي بها تريد توضيحا حول الدافع من جعل شخصيّة الرسول الأعظم "ص" بين المقاييس المتّبعة وما الجدوى من ذلك ..؟ فلاطفتها مِنْ همسٍ ..": .. ألا تعلمي بأنّ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - هو الخليفة الشرعي لله على الأرض ، بحيث يُمثّل صفات الإنسانية الفاضلة من علم وعقل وكمال وشجاعة وهدى وتقوى و كمالات رفيعة لا يُرى معها خلل ولا زلل في أعماله وأقواله ، بحيث يكون مبرئ من النواقص ، فكان الأسوة الحسنة للإنسانية جمعاء مدى الدهروذلك من قول الله تعالى": ولكم في رسول الله أسوة حسنة " وقوله تعالــــى ": ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " ومن هنا يجب أن يكون حكمه الفصل في ما جاء عنه أو فيه بعد عرضها على موازين العصمة المحمّدية ، وكلّ ما دون ذلك فهو تهيأت وأضغاث أحلام ووسوسة شياطين الإنس والجنّ .. ولا بأس وبعد هذا التوضيح المطول أن نبحث في ما جاء من فضائل ومناقب ولو بشكل مختصر في الخلفاء الثلاثة ، وما مدى صحتها ، والغاية منها .. ولك أن تسألي فيما تبلغين به خيوط المعرفة ، وملامسة الحقيقة :"
.. لكن هذا الواقع الجديد فرض عليها وضعا جرّدها من قصاوة الجموح . مع ما أوقعت بها سياطُ التأنيب من قبل العقل والوجدان والضمير من عذبات العزلة أدّت بها إلى الإنصياع لإرادة الأغلبية ، فسلّمتني قيادها وأعطتني زمامها مع بقايا من التّعنّت ، و منهُ استمدّت أحرف البيان ..
": لو نظرنا للموضوع نظرة شموليّة ، لعلمنا بأنّ خلافة أبي بكر كانت صنيعة عمر ، وكذلك كانت خلافة عثمان وبل حتّى خلافة معاوية ومن جاء بعده .. وبذلك يكون منَ الأجدى أن ننظر في حال الخليفة الثاني عمر ، فهو يُعتبرُ القطب الذي أدارعجلات الأحداث لهيكلة الخلافة " الراشدة " ..
فلو صحّتْ أسس سخصيّته المستمدّة ممّا حباه التاريخ والسيرة من فضائل وكرمات.. صحّ معها ما شيّده بها وعليها . وإن كانت أسسه تلك على جرفٍ هارٍ ، فحتما سينهار ما بناه على رؤوس أصحابه ، ومن والاهم أو تمسّك بحبالهم الثائبة أو إستظلّ بظلهم الزائف .. وليكن البدء من البداية ، حيث إسلام عمر وما جاء فيه من فضائل وكرمات بأمر الله ورسوله ..:
يتبـــــــــــــع
موفقين وبعين الله تحرسكم
أبو مرتضى عليّ
الفهـــــرس
[*] -- أحداث نتناولها بالتفصيل في الأجزاء القادمة - ان شاء الله - .
1 – ما فعلوه أوّلا مع مالك بن نويرة وعشيرته ، من قتل وتنكيل وهتك الحرمات ..وما فعله عثمان مع أصحاب رسول الله : كأبي ذر وابن مسعود .. ثمّ جرائم معاوية في حقّ أولياء الله كعمر بن حمق الخزاعي الصحابي وحجر بن عدي الكندي الصحابي ومحمّد بن أبي بكر وكيف وضعه في جيفة حمار ثمّ أحرقه ...
2 – كفريات معاوية عندما بلغه إستشهاد الإمام الحسن "ع" قال ": سبحان الله ..؟ إن لله جنودا من العسل ..:"
3 -- وتلك البغيّة التي إشترطت على اللعين إبن ملجم قتل الإمام عليّ "ع" كمهر لزواجها ..
4 -- ما فعله أنس أبن مالك بكتمانه لشهادة يوم الرحبة بدعوة النسيان تارة وكبر السنّ أخرى ..؟ حتى أصابته دعوة الإمام عليّ "ع" كما ذكر ذلك ابن قتيبة في معارفه ص 194، وابن أبي الحديد في نهجه ج1ص362 ..
5 -- وزيد بن الأرقم كتم الحقيقة فأصيب بالعمى ، راجع مناقب علي بن أبي طالب لإبن المغازلي الشافعي ص23 وشرح النهج لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1ص362 .. ومن رجع عن الإسلام كجرير بن عبد الله البجلي راجع أنساب الأشراف للبلاذري ج2ص156 .
6-- ما فعلوه من مقتل سعد بن عباد الصحابي . وقالوا قتله الجن ..؟ بل من شعراءها ..
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم
على أعدائهم من الأوليـــــــــــن والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
يقول هارون الأمّة -- عليه االسّلام -- ": .. أنظروا أهل بيت نبيّكم فألزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يُخرجوكم من . هدى ، ولن يُعيدوكم في ردا ..:"
--- بحث في الخلافة " الراشدة "
ما أراد الله ورسوله .. وكرهته قريش وعمر ..
.. وعود إلى بدء لتصفُّحِ ما جاء به التاريخ وكتب السيرة والحديث من فضائل ومناقب - لو شاء الله لعمر أن يُبعث لأنكرها واستنكرها - ، لما فيها من مغالاة وتطاول على ساحة الرسول الأكرم "ص" ، بل وتجاسُر على قداسته – صلى الله عليه وآله – مثلُ فريتهم بأن رسول الله "ص" قال ": .. لو كان الله مهلكنا ، ما نجا إلآّ عمر ..:" ؟ لها الله وهكذا أخذتهم سُفنِ الأهواء عبر أمواج الضلالة وأعماق الباطل .. ظنّا منهم بأن شمس الحقيقة لن تُشرق يوما ، لتزيل ضباب الباطل وتقشّع من أفق العقيدة السمحاء عتمة الافتراء وما أوحت به شياطين الإنس والجنّ لبعضها من سفاسف القول أدّت بشيعتهم ومواليهم لتعصّب والتحجّر والجهل .. مع قلوب لا يفقهون بها وبصيرة عمياء وعقول ملئت غباء .. [ .. بل ها هم القتلة منهم يجددون تارات أسلافهم ، ويتّخذون من اسمه عنوانا للواء ضلالهم وبغيهم في بلاد الرافدين لمقاتلة الموالين لأهل البيت –عليهم السلام - .. فكما أرعب أسلافهم طفولة زينب والحسين "ع" بالهجوم على بيتهم .. فهاهم الأحفاد ينحرونها في بغداد الجديدة مستمدّين فتاوى الكفر والفجور من أئمة الضلال الأحياء منهم والأموات .. بل وحتّى الصلاة غدروا بها في مساجد المسيب ولاهور.. فإلى الله المشتكى .] وهذا في الواقع ليس بغريب على من قرأ التاريخ .. فقد جمع أسلافهم الحطب حول بيت الزهراء وعلي والحسن والحسين وزينب – سلام الله عليهم لإحراقهم بالنار..[*] . فالشيء من مأتاه لا يُستغرب .. فهم ذريّة بعضها من بعض ..والله المستعان عمّا يؤفكون .
ثم تعالوا بها لنبحث – ولو باختصار – فيما جاء به التاريخ عن عمر ولعمر من سيرة وأفعال . مع الاعتماد على ما اعتمدوا هم عليه في بناء شخصيته الوهمية من كتب ومراجع .. وعلى طالب الحقيقة أن لا يرُعنّهُ ما يراه من التهويـــل و الإرعاد و الإبراق في تلكم الكتب و المراجع ما دام الحكم بيننا كتاب الله تعالى و سنّة نبيه الصادق الأمين "ص" المجمع عنها . و منهما نجزم بأنّ الهدى و الضلال و السنّة و البدعة ليست موقوفة على جعجعات الأقوال من التأويلاتِ و التمحلات التّي ينصرون بها أفعال أوليائِهم - بل الهدى هديُّ محمّد و آله و السنّة ما هم عليه و من اقتدى بهديهــــم - و ما خالف ذلك فهو ضلال و بدعة و كلّ ضلالة في النار و نِعْمَ القول قولُ شيخنا السيد ابن شهــــاب :
إلــى الـــتــأويـل و الـتحـريــف لاذوا *** فــذا كـذب يـريـــك و ذا خـــداع
و خـــالـــوا ان فـي الــتـمـويــه فـوزا *** و ان الــحــقّ يــشـرى أو يـبـاع
لـئـن كـان اقــتـفـــاء كـتـــاب ربــــي *** و ســـنـــة مـصـطفــاه و الاتباع
ضـــلالا و ابـــتــداعًـــا ان ديـــنــــي *** و ان رغـــموا ضـلال و ابتـداع
.. ونجعل بحثنا على ثلاث أجزاء :
-- 1 -- من إسلام عمر إلى هجرته .
-- 2 – من المدينة إلى وفاة الرسول الأكرم "ص"
– 3-- ومن السقيفة إلى وفاته . و باسم الله أبدأ من:
** الأحاديث عن إسلام الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وقول الرسول الأعظم :صلى الله عليه وآله وسلم -- ..
-- أوّلا ": اللهم أعزّ الإسلام بعمر .. أو أيد الإسلام بعمر .:"[10]
-- ثانيا":عن ابن عمر قال : أنّ "ص" قال ": اللهم أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك .. بأبي جهل أو بعمر ابن الخطاب قال : وكان أحبُّهما إليه عمر ...[11]
-- ثالثا ": قالوا أنّ إسلام عمر كان فتحا ، وإنّ هجرته نصرا ، وإنّ إمارته كانت رحمة ، وإنّهُ لمّا أسلم قاتل قريش حتّى صلى المسلمون عند الكعبة .. [12] وقد استغرب الترمذي هذه الأحاديث ، رغم تصحيحه لبعضها ..؟ ولكن هل من مُسائل واضع هذه الأحاديث بما تكون عزّة الفرد ..؟ لنكفيه عبأ الإجابة .. وإنّي وإنْ لا يروقني خدشُ عواطف الرجل بذكر مواقف جبنه وذلّته لكن لن أرضى لنفسي بأن تقف موقف الغباء و التغافل أمام كلّ كبيرة موبقة بدعوى حُرمةِ الصحبة و شعار الصحابة .. [ و إن كانت الفخر كله لو صحّت لصاحبها مع الإلتزم بشرطها و شروطها ...] ألَا ترى أنّ للكعبة و للمسجد حرمة و كذلك للعاملين فيها من سدنةٍ و خدم و من هو بداخلها .. لكن لو أحد من هؤلاء بال فيها أو أحدث عمدًا ، أو سرق أمتعة المصلين .. هل تبقى له حرمة و إن كان بداخلها ، و من ظنّ أنّه يلزمنا احترامه لحرمتها بعدما ارتكب تلكم المعاصي ..
فهو في أقصى درجات الغباوة و أشدّ مراتب العناد و المراغمة و إتباع الهوى.
" و من أظلم ممن إتبع هواه بغير هدى من الله إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين "
... غير أنّي أرى الدفاعة على ساحة الرسول الأعظم "ص" أجلّ وأقدس ، فأقول ": من المتعارف عليه عند العقلاء ، بأن العزّة تكون بالعشيرة ، أو بما يمتلكه ذاك الفرد من شجاعة وشهامة وفضل ومال ... ثمّ ننظر ماذا يمتلك عمر من هذه الصفات والكماليات .. قبل البحث بالسند المفتعل ..
• دع عنك : أظنُّ ، وأحسبُ ، وأرى ..:
-- هذا الأحاديث وحسب مقاييس العقلاء .. لا تصح بل نُجزم بعدم صحّتها وذلك لوجوه :
-1- لأنه لا يمكن بأي شكل أن تكون عزّةُ الإسلام في من ليس له عزّة في نفسه وعشيرته ، - والتي يبتغيها الإسلام في بداية ظهوره - .
-2- لم تكن لعمر مواقف تنمّ على شجاعة أو إباء .. وهذا ابنه عبدا الله يصف حاله عند إعلان إسلامه على ما رواه البخاري في صحيحه حيث يقول ": بينما عمر في الدار خائفا ، إذ جاءه العاص ابن وائل السهمي ... إلى أن قال ": ما بالك .؟ قال ": زعم قومك أنهم سيقتلوني إنْ أسلمت .:" قال : لا سبيل إليك . بعد أن قالها أمِنْتُ .. ثم ذكر إرجاع العاص الناس عنه .. وأضاف الذهبي قول عمر ": فعجبتُ من عزّه :"..[13] .. فمن يُهددهُ الناس بالقتل ، ويخاف ويختبئ في داره .. فلن يكون عزيزا ولن يُعتزَّ به .. بل عكرمتهم الذي هو من أفاضل التابعين و الثقات الممدوحين ، قد كذّب هذا الحديث و غلّطه ، و عاذ بالله من التقول بهذا اللفظ و نسبته إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله ، و إن لم تصدقني ، فانظر الى الدرر المنتثر للسيوطي ، حيث قال فيه بعد ما سبق من تعديد حديث رواة حديث اللهمّ أعزّ الإسلام :
«... عن عكرمة أنّه سئل عن حديث : ( اللهمّ أيّد الإسلام بعمر ) فقال : معاذ الله ، الإسلام أعزّ من ذلك ، و لكنه قال : ( اللهمّ أعزّ عمر بالدين أو أبا جهل ) .
-- ومن طريف ما رواه الزمخشري من أنَّ ابن مُدركة أغار على سرح قريش في الجاهلية ، فذهب به ، فقال له عمر في خلافته ": لقد إتّبعناك تلك الليلة ، فلو أدركناك .؟ فقال لو أدركتني لم تكن للنّاس خليفة .:"[14] .. وقد أمهلناه لسنين طويلة في صحبة رسول الله "ص" وآيات كتابه الكريم عساه يتلقف من نبعيهما الزلال نفحات عزّة وبصمات كرامة .. " والعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين ." لكن الطبع غلب التطبّع .. وكانت حادثة الحديبية حينما أراد رسول الله "ص" إرساله إلى أشراف قريش برسالة تتعلّق بأمر الذي جاء له ، فرفض ذلك وقال "ص" إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عديّ أحد يمنعني ..[15]" هذه شواهد على بأسه وشجاعته .. وأمّا سمو فضله وقدره بين قومه وعشيرته لا يقل شأنا عليها .. على ما جاء في المأثور من كتب أولياءه . -- خطب لنفسه أو لإبنه – حسب الروايتين - بنت نعيم اللحّام ، فردّه نعيم ، وقال له ": لا أدعُ لحمي تُرابا .:" وزوجها النعمان بن عدي بن نضلة .[16]
-- كما كان ردحا من الزمن يرعى الإبل في واد ضجنان – بمكّة – يُرعب ويُتعب إذا عمل ، ويُضربُ إذا قصّرَ [17].
-- وكان مدّة يقف في سوق عكاض وبيده ترع الصبيان به ، وكان يوم ذاك يسمّى عُميْرا .. [18] .
-- وكيف يُعزُّ الإسلام بعمر وقد كان عسيفا ومستهانا به مع الوليد بن المغيرة .. بل لم يكن يوما سيدا في قومه .. [19] أبمثل هذه الملكات تُصان عزّة الإسلام أم بهذه النفسيات تُرفع المقامات .. حتى وإن كانت الرسالة الخاتمة تسير في طورها الأول وكأنّها تحبو ، فلسيت بمثل عمرتمتلك القدرة لتعدو دون أن تتمكّن من صدّها حصون الشرك أو تُثنيها مؤامرات بيت الندوة .. بل بمثل شيخ الأبطح أبو طالب –رض- ، أو حمزة أسد الله ورسوله ، أو صهره وأخاه عليا سيف الله الغالب .. لكن حينما تحكم الأهواء تُفقد موازين القسط ... " إن يتّبعون إلاّ الظنّ وما تهوى الأنفس .. ولقد جاءهم من ربّهم الهدى ."
وإلى لقاء ، نستودعكم الله والسّلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيمـــــــــا ..
الفقير لدعائكم أبو مرتضى عليّ
الفهـــــرس
[*] -- أحداث نتناولها بالتفصيل في الأجزاء القادمة - إن شاء الله - .
9-- لنا معا حديث مطوّل في الجزء الثالث – إن شاء الله تعالى - ..
10و11و12و13 – البدء والتاريخ ج5ص88 . جامع الترمذي ج3ص315 . البداية والنهاية لإبن كثير ج3ص79 . تاريخ الإسلام لذهبي ج2ص102 . وتاريخ الخميس والسيرة الحلبية وسيرة ابن هشام ومسند أحمد .. وغيرها كثير.
الدرر المنتثرة للسيوطي : 19 .
14-- ربيع الأبرار للزمخشري جص707 .
15- البداية والنهاية ج 3 ص 168 و عن ابن إسحاق وحياة الصحابة ج2 ص
16 -- نسب قريش لمصعب الزبيري ص380 .
17-- الإستعاب لإبن عبد البر ج2ص428 . الرياض النظرة ج2ص50 . تاريخ أبي الفداء ج1ص165 .
18 -- الإستعاب بهامش الإصابة ج4 ص291 والإصابة 29 .
19 -- المنمّق لإبن الحبيب ص 147 وشرح النهج ج12ص183 ..
هنيئاً يا أبتي لكَ رُكوب السفينة ..
وأيُّ ركوب عن معرفةٍ وبحث ..؛
لا ما ألفينا عليه الآباء والأجداد
نعم هذا هو الفضل الكبير الفضل في البحث والتقصي
والوقوف عند الحقائق ..
حقيقة يا ابي الحبيب اقرأ ما كتبت
وانا في حالة من السعادة لقد رسمت رحلتك بأسلوب أدبي وفكري كبير وعالي المضمون
فمنحتها استحقاقها فلذا معك في السفينة حتى نصل واياك لبر الأمان
متابعة بكلي
ارجو تثبيت الموضوع
طال بي الوقوف هنا لكني لم أستطع المغادرة فقد أسرني حديثك وأبكاني وفتح لي ابواب من الذكريات
إن الوقوف بين كلماتك الرائعة يشدني الى اعادة قراءتها مرات ومرات وكأنها لم تمر علي من قبل
هنيئا لك اخي هذا الابحار الرائق
دمت بحفظ الباري
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم
على أعدائهم من الأوليـــــــــــن والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
يقول هارون الأمّة -- عليه االسّلام -- ": .. أنظروا أهل بيت نبيّكم فألزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يُخرجوكم من . هدى ، ولن يُعيدوكم في ردا ..:"
--- بحث في الخلافة " الراشدة "
ما أراد الله ورسوله .. وكرهته قريش وعمر ..؟
وأمّا إذا أردنا الحديث على كيفية إسلامه ، فلن نجد لذلك مسلكا واضحا ، ولا سندا راجحا.. فهي كبيت العنكبوت تداخلا وهوانا .. وهذه نبذة مختصرة من تلكم الروايات :
- و في رواية أنّ قريشًا اجتمعت و تشاورت في من يقتل محمّدا فقال : عمر أنا لها فقالوا : أنت لها يا عمر ، فخرج متقلّدًا السيف فالتقى بسعد بن أبي وقّاس و جرت بينهما مشادة حتّى سلّ كلّ منهما سيفه فاخبره سعد بخبر أخته ...
- و في ثانية أنّه كان صاحب خمر في الجاهليّة فقصد ليلة المجلس المألوف له فلم يجد فيه أحدا ، فطلب فلانا الخمّار.. ، فذهب ليطوف ، فوجد محمّدا يصلّي ، فأحبّ الاستماع إليه فدخل تحت ثياب الكعبة و سمع فدخل الإسلام في قلبه ، فلمّا انصرف الرّسول صلّى الله عليه و آله و ذهب إلى داره الّتي يسكنها المعروفة بالرقطاء لحقه في الطريق ، و أسلم ثمّ انصرف إلى بيته [20]
و في العمدة قيل أسلم عمر ثلاثة و ثلاثين رجلا و ستّ نسوة و قال ابن المسيب بعد أربعين و عشر نسوة و قال عبد الله ابن ثعلبة : بعد خمس و أربعين و إحدى عشر امرأة ، و قيل أنّه أسلم تمام الأربعين فنزل قوله تعالى « يـــا أيّها النبيّ حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين » كاد هذا أن يكون مجمع عليه من المؤرخين و المحدّثين .
- إنّهم يقولون إنّه أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة حتّى لقد رقّ لهم لمّا رآهم يستعدّون للرحيل حتّى رجوا إسلامه منذئذ. [21]
- إنهم يقولون : إنّه قد أسلم بعد صلاة الظهر فصلّى رسول الله صلّى الله عليه و آله الظهر معلنا تحت حماية عمر ثم صلى الظهر معلنا .[22]، مع أنهم هم أنفسهم يقولون : إنّ صلاة الظهر قد فرضت حين الإسراء و المعراج الذي كان – عندهم – في الثانية عشر أو الثالثة عشرة من العثة ... فكلامهم متناقض و قد وجّه البعض ذلك بأنّ المقصود هو صلاة الغداة أي الصبح كالحلبي و لكنّه توجيه لا يصحّ إذ كيف يؤخر النّبي صلّى الله عليه و آله صلاته عن وقتها بلا عذر ظاهر؟..
- إ نّ عبد الله بن عمر يصرّح : أنه حين أسلم أبوه كان له من العمر ستّ سنين ، و يرى البعض أنّ عمره كان خمس سنين ، و يدلّ على ذلك أنّ ابن عمركان حين إسلام أبيه على سطح البيت و رأى أنّ الناس قد هاجوا ضدّ أبيه ، و حصروه في البيت ، فجاء العاص بن وائل ففرّقهم عنه و قد استفسر بن عمر أباه حينئذ عن بعض الخصوصيات و غدا يتبعه و ينظر ما يفعل يقول : و أنا غلام أعقل ما رأيت ، ممّا يدلّ على أنّ بن عمر كان عند إسلام أبيه مميّزًا مدركا ، وذلك يدلّ على أنّ عمر قد أسلم في السنة التاسعة من البعثة – كما ذهب إليه البعض – لأنّ بن عمر ولد الثالثة من البعثة و تم عمره الخمسة عشر سنة في عام الخندق سنة خمس من الهجرة حيث أجازه صلّى الله عليه و آله فيها كما هو مشهور ... [23] بل نقول إنّه لم يسلم إلاّ قبل الهجرة بقليل و يدلّ على ذلك :
أولا : أنه بلغه أنّ أخته لا تأكل الميتة و واضح أنّ تحريم الميتة إنّما كان في سورة الإنعام التي نزلت في مكّة جملة واحدة و كانت كما تقول بعض الروايات أسماء بنت يزيد الأوسيّة آخذة بزمام ناقته صلّى الله عليه وآله ، و إسلام الأوس و أهل المدينة إنما كان بعد الهجرة إلى الطائف و مجيء نسائهم إلى مكة إنّما كان بعد بيعة العقبة الأولى .[24]
ثانيا : لقد استغرب البعض أن يكون قد أسلم بعد أربعين أو خمس و أربعين ممن أسلم بعد الهجرة إلى حبشة ، و يرد ذلك أنّ الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلا ...[25]
و إن كان ابن الجوزى يعدّ الذين أسلموا قبل عمر فيذكر أسماء من هاجروا إلى الحبشة ، و يؤيّد ذلك أيضا : تلك الروايات التي تصرح بأنّه أسلم في السنة السادسة من البعثة ، و إنّه رقّ للمهاجرين إلى الحبشة حتّى رجوا إسلامه ... أنّ المهاجرين كانوا حينئذ خمسة و أربعين أو أقل أو أكثر بقليل - و ابن هشام عدّهم نحو سبعين -
و هذا يدل على أنّ عمر قد أسلم قبل الهجرة بقليل ثم هاجر و لعلّه لأجل ذلك لم يتعرض للتعذيب في مكة .
ثالثا : لقد جاء في روايات في إسلام عمر : أنّه دنا من رسول الله صلّى الله عليه و آله و هو يصلي و يجهر بالقراءة فسمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقرأ آيات « و ما كنت تتلو من قبله من كتاب ، و لا تخطّه بيمينك ... حتّى بلغ الظالمون » .. وهذه دعوى بلا علم ، حيث أنّ الآيتان هما من سورة العنكبوت . وهي إمّا آخر ما نزل في مكّة ، أو هي قبل الأخيرة ..[26]
رابعا : لقد روى البخاري في صحيحه " أنّ النّاس يتحدثون عن بن عمر أسلم قبل عمر ... ثم حاول نافع راوي الحديث بأن ابن عمر بايع تحت شجرة قبل أبيه ثم قال فهي التي يتحدث الناس أنّ ابن عمر أسلم قبل أبيه ، و لكنّي أقول لنافع : ألم يكن الناس يعرفون اللغة العربية ؟ فلم لم يقولوا أنّه بايع قبل أبيه و قالوا أسلم قبل أبيه ؟ ...
ثم ألم يكن أحد منهم يعرف هذا الكلام لا يدلّ على ذلك و لا يشير إليه ، فكيف يصحّ أن يكون هو المقصود منه ... و اعتقد أنّ ما بقول النّاس في ذلك الزمان هو الصحيح الظاهر ،
أي أن ابن عمر قد أسلم و هو ابن عشر سنين قبل الهجرة بسير ثمّ أسلــــــــم أبوه و هاجر . [27]..
*** وإنّ أهون البيوت ، لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.. ***
وإلى لقاء ، نستودعكم الله والسّلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيمـــــــــا ..
الفقير لدعائكم أبو مرتضى عليّ
الفهـــــرس
20و21و22-- مجمع الزوائد للهيثمي ج9ص91 . تاريخ الطبري حوادث سنة 23 . طبقات لابن سعد ج3ص191 سيرة ابن هشام ج1ص322 . البداية والنهاية لإبن كثير ج3ص31 . السيرة الحلبية ج1ص329و330 السيرة الحلبية لدحلان ص132و137 . شرح النهج للمعتزلي ج12ص182 . أسباب النزول للواحدي وحياة الصحابة ج1ص274-276 والدر المنذور للسيوطي ج3ص200 ... وغيرها من كتب الحديث والتاريخ .
23-- السيرة النبوية لإبن كثير ج2ص39 والبداية والنهاية ج3ص82 . مروج الذهب للمسعودي ج2ص321 .
24-- المصنّف للحافظ عبد الرزاق ج5ص326 . الدر المنثور للسيوطي ج3ص2 عن الطبري وابن مردوبة..
25-- تاريخ عمر بن الحطاب لإبن الجوزي ص28 و29 ..
26– المصنف للحافظ عبد الرزاق ج5 ص326 . وما تقدّم من مصادر في أسلام عمر ..
27– صحيح البخاري ط. مشكول ج 5ص 163 .
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
**يقول الحقّ تعالى : (( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إنّ الله عليم بما يصنعون ..))
- بحث في الخلافة (( الراشدة ))
** عمر وتيجان العنكبوت .. **
* لا كرامة لكذّاب :
.. كانت الهجرة من مكّة إلى المدينة ، حيث استقرت الرسالة الجديدة و صاحبها الأقدس (ص).. رسالة لم تنزل بعد في إطارها القشيب ، فهي لا تزال مع بعض ممن صحب الرسول الأكرم (ص) إلى مقرّه الجديد مجرّد أحاديث مبعثرة ، لم تتمرّس بها النفوس على كفايةٍ و قد اختطفوها كحقّ من حقوقهم ، و مع قلتهم كلٌ استوعب حسب قدرته الذهنيّة ، و غاياته و حاجاته . و لكن صاحبها الأمين (ص) و بعد هجرته المبارك أراد أن يجعل من ذاك الشعور بالانتماء الجديد و الذي ينساب ابتداءًا حثيثًا إلى الخواطر، أن يصبح حاجة تنساق إليها الخواطر و الأفئدة و العقول . فتنقلب بذلك كنفًا يلجؤُ إليه المستظلون و ليبرز بين جنباتِ حامليها مفهوم الانتماء إلى مجتمع يكون قادرًا على تحمّل المسؤولية وحماية الرسالة و الدفاع عنها .. و يكون على مستوى المسؤولية المنتظرة و من هنا إرتأ صلّى الله عليه و آله بناء المسجد ليكون الوسيلة الفضلى للتثقيف الفكري [ وأجزم بأنه لا زال كذلك لو وعت الأمّة ذلك] ، فهو مصدر إلهام فكري مع شعور بالقدسيّة و الارتباط بالله و مع وضع الأحجار الأولى لأسس المسجد أرادوا أن يضعوا معها الأسس الواهميّة (( للخلافة الراشدة )).
- و جاءوا بقول إفتراء عن عائشة أنّها قالت : أوّل حجرٍ حمله النبيّ صلّى الله عليه و آله لبناء المسجد ثمّ أبوبكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ؟ . فقال : يا عائشة ، هؤلاء الخلفاء بعدي .[1] و هذا لا يصحّ بعد أن ضعّفه الذهبي معلّقًا : لو صحّ هذا لكان نصًا في خلاقة الثلاثة ، لكن من أين لهم ذلك ، لأنّ عائشة لم تكن يومئذٍ دخل بها النبي - صلى الله عليه و آله - فهي مازالت محجوبة صغيرة في جوار أمّها .. كما استغربه ابن الكثير .. و هو من الأصل يخالف عقيدة (( أهل السنة )) في كون رسول الله - صلى الله عليه و آله – نص أو استخلف ..
- و يذكرون أن تشريع الأذان كان تبعا لإلهام ربّاني إختصّ به الله تعالى عمرا وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة و قيل في الثانية ...
- كما زعموا بأن من وضع التاريخ الهجري هو عمر و ذلك في أيام خلافته عند فتح دمشق أمّا سنة 16 أو 17 هجري ... و لكن ثمّة جواب أوضح و أظهر ، و هو أنه صلى الله عليه و آله قد أمر بالتاريخ من أوّل قدومه للمدينة و جعل مبدآه أول ربيع الأول ... و استعمله - صلى الله عليه و آله- نفسه حين كتب لنصارى نجران وإلاّ فليُدِلُّونا على الطريقة التي أرّخَ بها النبيّ الأكرم (ص) ومن بعده أبا بكر في معاملاتهم ومراسلاتهم ... و قد قال السيخاوي : فان ثبت فيكون عمر متبعًا لا مبتكرًا [2] ..
كما ذكروا بأن أم سلمة قالت :
• كان عمر قد رأه قبل ذلك . فكتمه عشرين يومًا ، ثم أخبره النبيّ - صلى الله عليه و آله - فقال : ما منعك أن تخبرني ؟ قال : سبقني عبد الله بن زيد ، فاستحيت ، فقال الرسول - صلّى الله عليه و آله - : يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ...؟ [3]
• و في رواية أخرى تقول أن جبرئيل أذّن في سماء الدنيا فسمعه عمر و بلال ، فسبق عمر بلالا فاخبر النبي صلى الله عليه و آله ثمّ جاء بلال . فقال له : (( سبقك بها عمر )) .
• و في أخرى : إن زيد رآه ، و أخرى تقول : إن سبعة من الأنصار رأوه ، و قيل أربعة عشر..و رواية تقول إن بلالا كان يقول : (( أشهد أن لا إلاه إلاّ الله حي على الصلاة )) . فقال له عمر : أشهد أن محمّد رسول الله . فقال النبيّ - صلى الله عليه و آله - لبلال :قل كما قال عمر ...؟
إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي لا مجال لذكرها [4].
و بعد كل ما تقدّم لابدّ أن نقول إنّ حكم النبيّ - صلّى الله عليه و آله - العمل برؤيا ابن زيد يكون كمن نطق عن الهوى...؟ و عدم الاستناد إلى الوحي - و مشورة النبيّ - صلى الله عليه و آله - لأصحابه في أمر ديني مستحيلة لأنّه مستغن عنهم بالوحي - ..
فانظر الإمام الصادق – عليه السلام - لمّا سئل : بأنهم يقولون : إن أُبَيُّ ابن كعب الأنصاري رآهُ في المنام .. فقال عليه السلام : (( كذبوا و الله ، إن دين الله تعالى أعزّ من أن يّرى في النوم ..))
و لكنهم لا يأنسوا إلاّ بوضع الأكاذيب و نحت الافتراءات ، عسى أن يرتقوا بأوليائهم إلى مراتب من اصطفاهم الله و اجتباهم .. و لكن حين تمسّ سفاسفهم بالشريعة السمحاء . فلا سبيل للتقاضي . فالوضع في أحوج ما يكون عندها تشديدًا في كشف الحقيقة .. [ و كيف لرسول الله – صلى الله عليه وآله - لو شاء الله له أن يستشير .. أن يلجأ لأمثال عمر في الأمور الشرعيّة مع علمه (ص)بجهله فيها وقلّة علمه .- و قد نبين ذلك لاحقًا - بعد أن استشاره (ص) في ماهو أيسرلعقله وتدبيره ، و لكن صَحِبَت جوابه خيبة ُ الأمل ..على ما رواه مسلم في صحيحه : (( أنه حين بلغ النبيّ صلّى الله عليه و آله إقبال أبي سفيان نحو بدر شاور أصحابه ، فتكلّم أبوبكر فاعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فاعرض عنه ..)) [5]
فكيف لمن ليس له رأي سديد و فكر رشيد مّما اضطر رسول الله - صلى الله عليه و آله - إلى الإعراض عنه في مسألة تخصّ معركة بدر.. فكيف يكون له رأي في تشريع إلهيّ يخصّ الدّين الخاتم و الشريعة السمحاء..؟ ] .
وحتّى الجزء الآخر منها نستودعكم الله ،
والسلام فــــي البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيمــــا
أبو مرتضى عليّ
الفهرس
[1] - البداية والنهاية ج3 ص 218 , تاريخ الخميس ج1 ص 334و 344 ، مستدرك الحاكم ج3 ص96 .
[2] - التراتيب الإدارية ج1 ص181 .
[3] - مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص190 عن طريق الطبري ولم يطعن في سنده إلاّ في سعد بن طريف وليس ذلك إلاّ لأنّه شيعي .؟
[4] - سنن ابن داود ج1 ص335 ، الموطأ ، مسند أحمد ج4 ص 42 ، صحيح الترمذي ج1 ص 358 ، سنن ابن ماجة ج1 ص124 ، سيرة ابن هشام ج2 ص154 ، تاريخ الخميس ج1 ص359 .. وغير ذلك من المصادر..
[5] - صحيح مسلم – غزوة بدر ج5 ص170 ، مسند أحمد ج3 ص 219 ، السيرة لإبن كثير ج2 ص 394 ...
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
.... ولو اكتفوا بهذا الحدّ في الوضع والكذب على الله ورسوله (ص) .. لأغضضن الطرف ، وتجاهلنا الموضوع .. من أجل الأهمّ والأقدس .. ألا وهي وحدة الأمّة والكلمة ، في ظروف هي في أمسّ الحاجة فيها لرصّ الصفوف ، ولمّ الشعث لتّصدّي لما يحاك ضدّها من مؤامرات تمسّ ديننا ومقدّساتنا وأعراضنا ومصيرنا .. ولكنّ العقبة المهلكة حينما تصل سجيّة التّعصب الذميم بهم إلى النيل المباشر من شخص الرسول الأعظم (ص) ، والإساءة الى حضرته المقدّسة . وذلك لا لشيء سوى نحت الفضائل ووضع المناقب لأوليائهم وسادتهم ، مقابل الإساءة الأدبية والمعنوية والدينية .. للحبيب المصطفى (ص) .. ثمّ جاء من بعدهم قوم أغلقوا عقولهم وكلّ المنافذ المؤدية إلى معرفة نور الإيمان والعقيدة : واللذان لا يتأتّيان من كتم الحقيقة . بل إنهما ينتجان من بحث وتحقيق ونقد علمي خالص .على أن لا ينبعث ذلك من هوى النفس بدافع الحبّ والبغض .. وذلك لهو الصراط المستقيم لمن ابتغى لنفسه الوصول لسعادة الدارين .. ولمن أراد معرفة حقيقة ما أدعيت ، فلينظر بعين البصيرة وروح الإيمان الحقيقية الناصعة بأنوار البرهان ، بعيدا عن أسهم ونبال البهتان والافتراء.. لهذه الأمثلة:
* ظلُّ الأعـــرجِ أعـــوج
فقال عمر : أضحك الله سنّك يا رسول الله .
قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب .
قال عمر : فأنت يا رسول الله ، كنت أحقّ أن يهبن ،
ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني و لاتهبن رسول الله - صلّى الله عليه و آله -
قلن : نعم ، أنت أفظّ و أغلظ من رسول الله - صلّى الله عليه و آله - .
قال رسول الله - صلّى الله عليه و آله - : و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطّ سالكًا فجًّا إلاّ سلك فجًّا غير فجّك .[6] .. لها الله .
* و ما عُزي إليه - صلّى الله عليه و آله - من قوله : (( و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطُّ ، إلاّ سالكً فجًّا غير فجّك ..))فما بال الشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجًّا غير فجِّه و لا تروعه عظمة النبيّ - صلّى الله عليه و آله - و لا قوّة إيمانه ؟ فيسلك في فجِّه فلا يدعه أن ينهي عن المنكر ، و يحدو بصواحب المنكر إلى أن يتظاهرون به أمامه . بل الشيطان لعنه الله يعرض له - صلّى الله عليه و آله - ليقطع عليه صلاته و إن رجع عنه خائبًا كما أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما أخرجا بالإسناد عن أبي هريرة قال : صلّى رسول الله صلاة فقال : إنّ الشيطان عرض لي فشدّ عليّ بقطع الصلاة عليّ فأمكنني الله منه فذعته الحديث . [7] ..
- عن بريدة : خرج رسول الله – صلّى الله عليه و آله – في بعض مغازيه ، فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله . إنّي كنت نذرت إن ردّك الله صالحًا أن أضرب بين يديك بالدفّ و أتغنّى ؛ فقال رسول الله – صلّى الله عليه و آله - : إن كنت نذرت فاضربي و إلاّ فلا . فجعلت تضرب فدخل أبوبكر و هي تضرب ، ثمّ دخل عليّ و هي تضرب ، ثمّ دخل عثمان و هي تضرب ، ثمّ دخل عمر فألقت الدفّ تحت إستها ثم قعدت عليها ، فقال رسول الله – صلّى الله عليه و آله - : إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر . إنّي كنت جلسًا و هي تضرب ، ثمّ دخل عليٌّ و هي تضرب ، ثمّ دخل عثمان و هي تضرب ، فلمّا دخلت أنت يا عمر . ألقت الدفّ .
- و في لفظ أحمد : إنّ الشيطان ليفرق منك يا عمر.
- و عن جابر قال : دخل أبوبكر رضي الله عنه على رسول الله – صلّى الله عليه و آله – و كان يضرب بالدفّ عنده ، فقعد و لم يزجر لما رأى من رسول الله – صلّى الله عليه و آله - ، فجاء عمر رضي الله عنه فلمّا سمع رسول الله صوته كفّ عن ذلك ، فلمّا خرج قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسوا الله . كان حلالاً فلمّا دخل عمر صار حراما ؟ فقال عليه السلام : يا عائشة . ليس كلّ النّاس مرخًا عليهم .[9] .. فهل من مُتفَيْهــق يشرح لنا قولهُ (ص) : إن كنت نذرت فاضرب ، وإلاّ فلا .؟ .. أوليس القائل (ص) ( لا نذرا في معصيّة ، ولا يمينًا في قطيعة ..)) ,وما معنى قوله (ص) : (( ليس كلّ النّاس مرخا عليهم ..؟)) وهل دون الحقّ إلاّ الضلال ..؟ (( ولكن زيّن لهم الشيطان سوء عملهم ، فرأوه حسنـــا )).
كما روى الترمذي في فضائل عمر عن عائشة : .. كان رسول الله - صلّى الله عليه و آله و سلم - جالسًا فسمعنا لغطًا و صوت صبيان ، فقال (ص) : فإذا حبشيّة تزفن و الصبيان حولها فقال : يا عائشة تعالى فانظري ، فجئت فوضعت لحيتي على منكبه - صلّى الله عليه و آله و سلم - ، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه فقال لي : أما شبعت أما شبعت ..؟ قالت : فجعلت أقول لا . لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر ، قالت : فانفض الناس عنها ، قالت : فقال رسول الله (ص) : إنّي لأنظر إلى شياطين الإنس و الجنّ قد فرّوا من عمر ، قالت فرجعت : ... حديث صحيح غريب من هذا الوجه [10]
- لعنهم الله و أخزاهم ما أجرأهم على الكذب و الافتراء على حضرة الرسول الأكرم (ص) ...
ونكتفي بهذه الكفريات .. وحتّى الجزء الآخر منها نستودعكم الله ،
والسلام فــي البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيمــــــــــا
أبو مرتضى عليّ
الفهرس
[6] - البخاري في صحيحه – باب ما لا يجوز من عمل في الصلاة ج1 ص143 ، ومسلم ج1 ص 204 ..
[7] - حلية الأولياء ج2 ص 46 من طريق الأسود بن سعيد .
[8] - مسند أحمد ج5 ص 353 ، والترمذي في جامعه ج2 ص 393 .
[9] - الجامع الكبير للترمذي ج 6 ص 63 ..
[10] - مرقاة المفاتيح لعليّ القاري ج10 ص 406 .