|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
التوحيد في العقيدة والعمل
بتاريخ : 06-12-2012 الساعة : 12:48 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام
التوحيد في العقيدة والعمل
الاعتقاد بالله وب-"التوحيد" لا ينحصر في ذهن الإنسان المسلم الموحّد فحسب، بل تمتدّ ظلاله في جميع شؤون وظروف وزوايا حياته، فالله من هو؟ وما هو؟ وهذه المعرفة ما تأثيرها في حياة الإنسان المسلم العمليّة وفي مواقفه الاجتماعيّة؟ هذه التساؤلات تكشف عن مكانة وتأثير هذه العقيدة في الحياة.
الاعتقاد بالله وبأنّه هو الحقّ، وأنّه لا يقول إلّا الحقّ، ولا يخلف وعده، وأنّ طاعته واجبة، وأنّ سخطه سبب الدخول إلى جهنّم، وأنّه حاضر لا تخفى عليه خافية في كلّ حال، قد أحاط علمه بكلّ صغيرة وكبيرة من أعمال الإنسان، بل قد أحاط بكلّ شيء علماً، و... مجموعة هذه الاعتقادات حينما ترقى إلى مستوى "اليقين" تكون أقوى دوافع الخير أو موانع الشرّ تأثيراً في حياة الإنسان.
إنّ مفهوم التوحيد لا ينحصر في الفكر والتصدّيق النظريّ، بل يتحوّل في البعد العمليّ إلى "التوحيد في الطاعة" و"التوحيد في العبادة".
لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يعلم بشهادته من قبل، بل كان يعلم بجزئيّات وتفاصيل وقائع شهادته، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر هذه الفاجعة مراراً، لكنّ هذا العلم والاطّلاع المسبق لم يضعف من رأيه وتصميمه على مواصلة الطريق وورود ميدان الجهاد والشهادة، ولم يشكّكه في يقينه، بل زاد في حبّه للشهادة وفي الإقبال عليها.
لقد ورد الإمام الحسين عليه السلام ميدان كربلاء بنفس هذا الإيمان وهذا اليقين وجاهد جهاد العاشق المتلهّف إلى لقاء الله، تماماً كما ورد في الشعر الذي يُذكر عن "لسان حاله":
تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا وأَيتمتُ العيالَ لكي أَراكا
هكذا كان يقين الإمام عليه السلام سامياً راسخاً في كلّ القضايا، وخصوصاً قضيّة عزمه على الشهادة، إذ لم يتذبذب رأيه لضعف، ولم يتزعزع يقينه بشكّ، حتّى في الموارد المتعدّدة التي سعى فيها بعض أهل بيته وأخوته وأبناء عمومته وبعض وجهاء قومه إلى منعه عن القيام أو عن الخروج إلى العراق، بدافع النصح والإشفاق عليه من القتل والاضطهاد، حيث حذّروه من التوجّه إلى الكوفة، ومن غدر أهلها وعدم وفائهم، وذكّروه بمظلوميّة أبيه وأخيه الحسن عليهما السلام من قبل وما عانيا من أهل العراق.
لقد كانت واحدة من هذه النصائح والتوسّلات تكفي لإثارة الشكّ وتضعيف اليقين في قلب الإنسان العادي، لكنّ عقيدة الإمام عليه السلام الواضحة، وعلمه الإلهيّ، ويقينه الصادق الذي لا ريب فيه، في اختياره هذا الطريق وهذا المصير الكريم، كان السبب في ثباته عليه السلام حيال كلّ محاولات التشكيك وإيجاد اليأس والتردّد، وفي تقديمه التسليم لأمر الله وقضائه ومشيئته على كلّ شيء.
فحينما طلب منه ابن عبّاس أن يتوجّه في أيّ طريق آخر غير طريق العراق وألّا يواجه بني أميّة، قال له الإمام الحسين عليه السلام في معرض حديثه عن أهداف ونيّات الأمويّين: "إنّي ماضٍ في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث أمرني، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون"، حيث ربط عليه السلام تصميمه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ استرجع، وذلك ليقينه بحقّانيّة طريقه وغايته، وبصدق وعد الله تبارك وتعالى.
إنّ "اليقين" مؤشّر دالّ على وضوح الإيمان بالدين وبأمر الله وبحكم الشريعة، وجوهرة اليقين في أيّ قلب حلّت، صنعت منه قلباً مقداماً مصمّماً لا يعرف الخوف، ولقد تجلّى اليقين في ميدان كربلاء يوم عاشوراء أتمَّ التجلّي في أُفق معسكر الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره، اليقين بحقّانيّة سبيلهم واليقين بضلال أعدائهم واليقين بأنّ المعاد حقّ والحساب حقّ واليقين بحتميّة الموت ولقاء الله، فكان ذلك اليقين هو الموجّه والباعث على المقاومة وكيفيّة المواجهة والجهاد، والثبات على الطريق الذي اختاروه.
إنّ "الاسترجاع" وهو عبارة: "إنا لله وإنّا إليه راجعون" التي تقال عند السماع بخبر موت أو شهادة أحدٍ ما، وتقال عند كلّ مصيبة، كانت في منطق الإمام الحسين عليه السلام - فضلاً عن بعدها المعروف- تذكيراً بالحكمة العالية للوجود والحياة والمصير: "منه وإليه"، وكثيراً ما كان ينطق بها الإمام عليه السلام أثناء مسيره منذ خروجه من المدينة حتّى ساعة استشهاده، كيما تكون هذه العقيدة هي الموجّه لكلّ تصميم وعمل.
لقد استرجع الإمام مراراً في منزل الثعلبيّة بعد أن سمع بخبر شهادة مسلم وهاني، وفي نفس هذا المنزل أيضاً كان الإمام عليه السلام في وقت الظهيرة قد وضع رأسه فرقد، ثمّ استيقظ " فقال: قد رأيتُ هاتفاً يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم إلى الجنة.
فقال له ابنه عليُّ: يا أبه! أفلسنا على الحقّ؟
فقال: بلى يا بنيّ والذي إليه مرجع العباد.
فقال: يا أبه! إذن لا نبالي بالموت!
فقال له الحسين عليه السلام:جزاك الله يا بنيّ خير ما جزى ولداً عن والد...".
كان تذكيره المتواصل على طول الطريق بحقيقة الارتباط بالله تبارك وتعالى، وبالرجوع إليه، وتأكيده المستمرّ عليها، من أجل إعداد أصحابه إعداداً روحيّاً عالياً للتضحية الكبرى في سبيل العقيدة، ذلك لأنّ المقاتل لا يستطيع بدون العقائد الصافية الواضحة أن يبقى إلى النهاية مقاوماً صلباً لا يكلُّ في دفاعه عن الحقّ.
لقد كان "اليقين" يتجلّى في معسكر الحسين عليه السلام في "الموضوع"، أي المعرفة الواضحة بالهدف وبالطريق وبالظروف، ويتجلّى كذلك في "الحكم"، يعني كون التكليف هو الجهاد والاستشهاد، وأنّ ذلك في صالح الإسلام في تلك الظروف، كما تجلّى أيضاً في الإيمان ب-"الله" و"اليوم الآخر"، هذا الإيمان الذي هو الباعث الأساس للإقدام في ميدان الفداء والتضحية، نقرأ هذه الحقيقة في مضامين الرجز الذي أنشده وهب بن عبد الله في نزلته الثانية إلى الميدان، حيث كان يعرّف نفسه "المؤمن بالرّب" و"الموقن بالرّب".
ومن التجلّيات الأخرى لدور العقيدة الخلاّق في العمل: التوحيد في طلب النصرة والمعونة من الله تبارك وتعالى، والاعتماد على الله فقط.
لقد كان الإمام الحسين عليه السلام متوكّلاً ومعتمداً على الله تعالى وحده، لا على رسائل أهل الكوفة، ولا على ما ادّعوه من حمايتهم له، ولا على شعاراتهم.
فحينما منع جيش الحرّ بن يزيد الرياحيّ الطريق على ركب الإمام عليه السلام خطب فيهم الإمام عليه السلام خطبته التي عرّفهم فيها أنّه ما جاء إلّا استجابة لرسائل أهل الكوفة، وفي ختام هذه الخطبة قال عليه السلام داعياً إيّاهم إلى الوفاء بالبيعة ومحذّراً من نقضها: "وإنْ لم تفعلوا، ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم... فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم...".
وفي الطريق لمّا التقى عليه السلام الضحّاك بن عبد الله المشرقيّ ورفيقه، فحدثّاه عن أوضاع الكوفة، وتعبئة أهلها لمحاربته، كان جوابه عليه السلام على ذلك: "حسبي الله ونعم الوكيل".
وفي صبيحة عاشوراء أيضاً، لمّا أحاط الجيش الأمويّ بمعسكر الإمام عليه السلام، رفع الإمام عليه السلام يديه المباركتين بالدعاء إلى الله تعالى قائلاً:
"اللّهمَّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقلُّ فيه الحيلة، ويخذلُ فيه الصديق، ويشمتُ فيه العدوّ، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة".
هذه الحالة الروحيّة السامية، تجلّي ظاهريّ رائع لعقيدة القلب وإيمانه بالله تبارك وتعالى، ولليقين الراسخ بنصرة الله عزَّ وجلَّ، وللتوحيد الخالص في الدعاء والطلب.
إنّ الهدف الأساس المنشود من المعارف الدينيّة هو تقرّب العباد إلى الله تبارك تعالى، وهذا المحتوى ظاهرٌ بيّنٌ أيضاً حتّى في نصوص زيارات شهداء كربلاء وخصوصاً زيارات الإمام الحسين عليه السلام المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام حيث نجد من خلال نفس ثقافة الزيارة خطوة من أجل التقرّب إلى الله، وهذا توحيد خالص.
لنقرأ مثلاً هذا النصّ المبارك من إحدى زيارات الإمام الحسين عليه السلام:
"اللّهمّ من تهيّأ وتعبّأ وأعدَّ واستعدَّ لوفادة إلى مخلوق، رجاء رفده وجوائزه ونوافله وفواضله وعطاياه، فإليك يا ربّ كانت تهيئتي وإعدادي واستعدادي وسفري، وإلى قبر وليّك وفدت، وبزيارته إليك تقرّبتُ رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك وعطاياك وفواضلك...".
وفي مواصلة هذا الدعاء الشريف أيضاً نقرأ هذه الفقرة التوحيديّة الخالصة التي جاءت على سبيل الحصر، حيث يقول الزائر ضارعاً إلى الله تبارك وتعالى: "... فإليك قصدتُ، وما عندك أردتُ...".
هذه المتون الشريفة كاشفة بوضوح عن البعد التوحيديّ في التعاليم الشيعيّة، التي تعتبر مراقد المعصومين عليهم السلام وزيارة أولياء الله معبراً وممرّاً إلى التوحيد الخالص، وتعبّداً بالأمر الإلهيّ الذي أوصى بإحياء وتخليد هذه الشعائر.
نسألكم الدعاء
|
|
|
|
|