ليس العجيب أن ترتكب إسرائيل قانا أخرى ، بل العجيب ألا تفعل" قالها أحد المتحدثين في فضائية عربية بعد ملحمة قانا التي واجه الطفلُ فيها الجنديَّ وسلاحُ الأولِ لُعبةٌ أو قنينةُ حليب فيما الآخر مُدجّجٌ بأعتى سلاحٍ قادم من بلد الحريةِ يردفهُ سلاحُ الكراهيةِ والحقد .. وكثيرٍ من رعب تصنعه ابتسامات الطفولة ولفتات الأمل في عيونها .
فتاريخ هذا الشعب ضاربٌ في عمق الخيانات على مر العصور ، وليس من شعبٍ أعمل سيف الفتك كما فعل ، ولم يكن الأطفال وحدهم الأضاحي على مسلخ التقرب إلى الله ، بل حتى رسل الله وأولياؤه ساروا على ذات الدرب فكانوا قرابين يتقرب بها الشعب المختار إلى ربه .
وحقيقة الخيانة في صميم فكرهم لم تردعهم عن خيانة كليم الله موسى عليه وعلى نبينا وآله السلام، فهذا كتاب الله يرسم ملامح فكرهم ومنطقهم المفعم بالخسة والدناءة حين صاحوا بالكليم (إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) .
اليوم ، وحادي النصر يردد من أعماق الإيمان واليقين الذي يغلف القلوب الطاهرة " نصرٌ من الله وفتحٌ قريب" تكشفت لنا ملامح ، لعلها ليست الأولى ، لكنها بلا شك الأقبح في مشروع التوأمة الذي تفتقت عنه القناعات والأفكار ذاتها بين شعب الله المختار وشعب الله المختار الآخر .. فالكل يرى نفسه شعباً مقرباً نال الحظوة الكبرى في القرب من عرش الله ، فيما بقية البشر من درجة أخرى ، والكل يرى أن المجد والعزة يمكن أن يُبنى على حساب الأطفال ولُعبِهِم وقناني الحليب الصغيرة .
لك أن تتقيأ من فرط القبح الذي يغلف أفكارهم المعوجّة ومنطقهم الخائن ، لكنك بعقلٍ يربط الماضي بالحاضر ، بل قُل يربط الخيانات ببعضها ستتلمس مدى التقارب الذي يطبع العلاقة بين الشعبين المختارين ، لكن نظرة متفحصة من عينٍ تنشد الإنصاف ستصعقك بحقيقة ما كنت تنتظرها إذ سيغدو الصهاينة في نظرك أقل خيانة ، وأكثر إحتراماً للذات رغم خيانتهم العظمى ورغم فقدانهم لمعنى الإحترام للذات ، إذ سترى أن شعب الله المختار المسلم بعد أن اخرج من حظيرة الله كل الناس وأفتى بحرمة حتى الدعاء للمقاومين عن فكر هذه الأمة الرافض للذل والهوان ، ستراهم ركبوا موجة الخيانة الأعظم وسبحوا في دم أطفال قانا ومروحين وصريفا ، فهم مع كل صلواتهم ولحاهم الطويلة وآثار السجود على جباههم وخرزات التسبيح في أيديهم ، ستراهم يتضاحكون ويشربون نخب دم الطفولة ويكرعون الخيانة معه لتُسكرهم لحظات الانتقام الإلهي المزعوم من فئة لم تكن يوماً داخلة في الحظيرة المقدسة ولن تكون ، فالقرب من رحمة الله لن يناله أحدٌ لم يُطل لحيته ويُقصر ثوبه ثم يرمي بعقله وأخلاقه والإنسان في ذاته في مزبلة القيم المهترئة والدين المتهلهل والوحشية في شكل الإنسان.
مع كل ما يعتقدون – ويا لقبح ما أعتقدوا – تراهم بصفاقة وجوه ولا استحياء يديروا العين وملؤها الشماتة تجاه الجند المؤمن الواقف في الصف الأول مدافعاً عن لُعب الأطفال وقناني الحليب وعز الأمة وكرامة الإنسان ثم إنسانيته بكل مفرداتها ، تراهم يتهامسون ويتسائلون " لم لم يفعلوا هكذا ؟؟ وحتى متى سيفعلوا هكذا ؟ ومتى سيدمروا الصهاينة ومتى سيسحقوا العدا ؟ لعنات الرب عليهم .. تأخروا كثيراً ، ربنا وأنت القادر دمرهم تدميراً لأنهم إلى الآن لم يدمروا قتلة الأنبياء"
ستكتشف حينها المنطق الذي تعامل به هؤلاء مع حرب الوحوش ضد الأطفال وما يملكون ، تعاملوا معها بذات المنطق الذي خاطب به أولئك نبي الله ، خاطبوا هم جند الله وحُماة الإنسانية في عالم الوحوش الذي نحياه " أذهب أنت و (الأطفال) فقاتلوا .. إنا هاهنا (منبطحون)" ندعو عليكم وعلى أولئك ، يُسكرنا كأس الدم من عروقهم وعروق أطفالكم ، نغنم أسلحتهم وعتادهم ولُعب أطفالكم وقناني الحليب خاصتهم ، فكل ذلك من عطاء الله ، الله الذي اختارنا نحن وقربنا وأبعدكم ولو تسميتم باسمه وحملتموه في قلوبكم ثم قاتلتم لتبقى الطفولة وعالمها بريئاً لا يشرب الدم في القناني ولا يلعب لعبة القتل والتدمير، ولِتُبقوا راية الله وكلمته هي العليا ولتبقى جذوة الإيمان تنير درب الصامدين .. ولو كره الكافرون.