قد يستشكل البعض على هذه الروايات أنه كيف يصلي الإمام علي (ع) خلف الظلمة ، والحال أنه يشترط في إمام الجماعة أن يكون عادلاً ؟
الجواب : هذا الإشكال لايأتي على طبق مباني أهل السنة والجماعة ، لأنهم يقولون بجواز الصلاة خلف الفاسق ، فلا يشترط عندهم أن يكون إمام الجماعة عادلاً .
فهذا الإشكال لايصح أن يصدر من أهل السنة والجماعة .
وأما على طبق مباني الشيعة الإمامية ، فهذا الإشكال قد يرد ، لأنهم يشترطون في إمام الجماعة أن يكون عادلاً ، فكيف صلى أمير المؤمنين (ع) خلف غاصب الخلافة التي تعتبر من الفسق الأكبر .
الجواب : بعد أن ثبت عند الإمام علي (ع) ظلم القوم وفسقهم وعدم أهليتهم للإقتداء ، فلذلك كانت صلاته خلفهم لأحد أمور :
الأول : أنها كانت تقية ، والتقية جائزة
الثاني : أن صلاته خلف القوم كانت انفرادا ، ولم يكن الإمام فيها مأموماً ، وأبو بكر إماما ، فالامام كان يصلي خلفه وهو ينوي الإنفراد ، لا الجماعة .
الثالث : أنها كانت عن اضطرار ، ولدفع الضرر عن النفس ، فلو لم يحضر الجماعة ، فلربما اتهموه بأنه فارق الجماعة ، ومفارق الجماعة حكمه القتل والسيف ، فلكي يدفع الإمام الضرر الأكبر عن نفسه صلى في جماعتهم .
الرابع : أنّه كان يصلي خلفهم لرفع التهمة التي ربما سوف يتهم بها من قبل السلطة وهي : أنّ الإمام لايصلي ، بدليل انه لا يحضر الجماعة والمسجد ، ومن ثمّ الدعاية بأنّ الذي يعارض السلطة هو رجل لايصلي ، ولايحضر الجماعة .
فصلاة الإمام خلف القوم كانت لأجل رفع هذه التهمة .
إذ نتيجة هذه التهمة هي :
1- التشهير وتشويه السمعة : كما فعل معاوية ، فحينما سمع أهل الشام أنّ الإمام علي (ع) قتل في المسجد ، فصاروا يتعجبون ويقولون أنه ماذا كان يفعل علي (ع) في المسجد ، إذ كانوا يظنون أنه لايصلي .
2- القتل ، كما فعلوا بمالك بن نويرة الذي امتنع عن دفع الزكاة لسلطة ذاك اليوم ، مع انه لم ينكر فريضة الزكاة ، بل امتنع عن دفعها لابي بكر ، باعتبار انه ليس هو الخليفة الشرعي ، وانما الخليفة الشرعي هو الإمام علي (ع) .
الخامس : إنّ صلاة الإمام كانت خلف القوم لأجل كشف هذه النوايا التي كانوا يضمرونها تجاهه ، فلو لم يصلي الإمام (ع) خلف القوم فمن أين كنا نعرف أنّ القوم يحملون تجاهه هذه النية الخبثة السيئة ، فالامام (ع) بصلاته هذه أثبت لنا عملياً هذه النية تجاهه ، واظهر وأبرز هذه النية من القوة الى الفعل ، وكشف عن سوء سريرة القوم .
فالامام (ع) يريد ان يقول لنا عمليا : أنظروا أيها المسلمون أنّ هؤلاء القوم لأجل هذه السلطة والحكومة ينوون قتلي ، لأجل تثبيتها ، وتشييد دعاءمها وأركانها .
لأجل هذه الخلافة ـ التي اعترف عمر بن الخطاب انها كانت فلتة ـ أرادوا قتل علي (ع) ، مع أنه (ع) هو الخليفة الشرعي .
فحب الدنيا أشرب في قلوبهم ، وسيطر على عقولهم ، لأجل هذه الدنيا يفعلون جميع الأفاعيل ، ولو كان قتل خليفة النبي (ص) الشرعي .