خامسا: محاور المشروع السياسي عند السيد الحكيم
كان السيد محمد باقر الحكيم يتحرك في مرحلة تدويل القضية العراقية، منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم حتى السنوات الثلاث الاولى من الالفية الثالثة، بمشروع سياسي متكامل من اجل اسقاط النظام الطاغوتي المتحكم بالعراق. وفي قرائتي للمشروع السياسي للسيد الحكيم في تلك المرحلة اجده يستند على ركنين مهمين هما:
1- الارتكاز على كل المعطيات والمكاسب النضالية السابقة اي منذ اوائل الثمانينيات بل حتى قبل ذلك منذ بداية المواجهة الحقيقية مع النظام زمن مرجعية الامام السيد محسن الحكيم اعلى الله مقامه وقدس نفسه الطاهرة. وانطلاقة الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر مفجر الثورة الشعبية ضد النظام العفلقي.
2- دراسة المتغيرات السياسية الكبيرة الداخلية والاقليمية والعالمية بعد الشهر الثامن من سنة 1990، واخذها بالحسبان في عملية النضال المستمر من اجل اسقاط الدكتاتورية. ومن هنا فاننا لا نرى تناقضا بين الخطاب السياسي للسيد الحكيم في فترة الثمانينيات عن خطابه السياسي اللاحق . بل نرى التكامل بين المرحلتين واستيعاب كل ايجابيات العمل المنجز بالمرحلة السابقة لصالح الانطلاقة الاقوى في المرحلة اللاحقة.
ولعله من المناسب الان الاشارة ولو بصورة مختصرة الى اهم محاور عمل السيد الحكيم التي تكوّن مشروعه السياسي النضالي. ترتكز اطروحة السيد على المحاور التالية:
1- محور المعارضة العراقية الاسلامية: الحركات الاسلامية والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية فيلق بدر والمجاميع الاسلامية المنتشرة هنا وهناك...الخ
2- محور المعارضة العراقية الاخرى والتي لا تتبنى الدعوة للحكم الاسلامي رغم ايمانها بالاسلام باعتباره ديناً. ولا نطلق عليها العلمانية لانه مصطلح غير دقيق.
3- محور الجيش العراقي
3- محور الحكومات المعادية لنظام صدام في العالم العربي والاسلامي ولا سيما الدول المجاورة للعراق. وابرزها ايران وسوريا.
4- محور الحكومات التي كان لها موقف ايجابي من نظام صدام وتحولت الى الصف المعادي بعد غزو الكويت. وابرزها الكويت والسعودية ودول خليجية اخرى ومصر.
5- محور المجمتع الدولي لا سيما الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي.
6- المنظمات الدولية والاقليمية ذات التاثير على الموقف السياسي والرأي العام العالمي او التاثير غير المباشر على القضية العراقية مثل منظمات الدفاع عن حقوق الانسان.
السيد الحكيم كان واضحا ودقيقا في تحركه على العامل الدولي وكان حذرا من التبعية والانسياق بالمخططات الاجنبية. كانت اهداف السيد من تحركه الدولي هو الامور التالية:
1- تحقيق الاعتراف الدولي والاقليمي بالمعارضة العراقية.
2- تعريف دول العالم والمنطقة على مظلومية الشعب العراقي وطبيعة النظام الدكتاتوري الصدامي وطبيعة المعارضة العراقية ومشروعها السياسي.
3- ايجاد حلفاء لنضال الشعب العراقي مما يؤدي الى تولد مزيدا من الضغط.
4- وضع خطة شاملة متكاملة للتغيير تعتمد على فكرة التكامل في العمل بين العمل السياسي والثقافي والاعلامي والعمل على توفير الظروف المناسبة لتنفيذها.
5- رسم الخطوط العامة للتحرك والعمل اليومي. السياسي والاعلامي واللوجستي على النظام.
كان السيد يقول: لا يمكن للحركة الاسلامية ان تقطع صلاتها مع الكيانات السياسية الاخرى في العالم وتفرض على قضيتها عزلة خانقة دون مبرر حقيقي والا فقدت القدرة على تحقيق اهدافها وفرضت على نفسها الموت البطيء وعلى اساس ذلك وجدنا ان القيادة الشرعية تبارك حركة الانفتاح السياسي للحركة الاسلامية العراقية على سائر الجهات الدولية واطراف المعارضة.
ولكن السيد مع ادراكه لاهمية العامل الدولي الا ان تعويله الاساسي كان على الداخل العراقي. لذلك كان يركز بكل قوته وبجدية كامله على العمل الجهادي داخل العراق وكذلك الجهد الاعلامي والتعبوي الموجه للداخل.
ومن اقوال السيد الحكيم التي تعبر عن مشروعة السياسي ننتخب الكلمة التالية لاطلاع القارئ العزيز: هدفنا من التغيير ليس السلطة والحكم، وانما هدفنا الاصلاح في امة رسول الله وإصلاح الشعب العراقي.
كان يهدف السيد الحكيم في مشروعه السياسي النضالي ضد نظام صدام الدكتاتوري الى اسناد ودعم حركة الشعب العراقي من اجل التغيير الحقيقي مادياً ومعنوياً. وتوضيح الصورة والرؤية حول اهداف وحركة الشعب العراقي في التغيير. وكشف النقاب عن النشاطات المشبوهة او المعادية لاهداف الشعب. وبيان حقيقة ان النظام لا يزال يشكل تهديداً حقيقياً للامن والسلام بالاضافة الى تهديد الشعب العراقي. اضافة الى بيان حقيقة الاوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب العراقي.
ولم يكتف السيد الحكيم بذلك بل طرح رحمه الله اليات للتحرك الجاد، فيقول: إن مساعدة الشعب العراقي في تحريره من الدكتاتورية والعنصرية والطائفية التي يمارسها النظام الحاكم ضده هي من الواجبات التي تفرضها المواثيق الدولية وقرارات مجلس الامن لكن المطلوب هو التعامل معها بصدق وشجاعة لا تترك مجالاً للمخاوف والآثار التي تتداولها الاوساط السياسية والشعبية في العراق والعالم العربي والدولي.
وكان السيد يدعو الى تطبيق قرارات ومواثيق مجلس الامن ومنها القرار 688، ويذكر سماحته: إن الشعب العراقي في الداخل هو المعارضة الحقيقية الفاعلة والقادرة على إيجاد التغيير في العراق يفرض أن يكون للأمة الدور الأساس في علمية التغيير، وفي الاستعداد لملأ الفراغ السياسي والأمني الذي قد يواجهه العراق في المستقبل. ويلخص السيد الحكيم دور الامة من خلال الملامح التالية:
1- المساهمة الواعية المسؤولة في انتخاب القيادة.
2- المشاركة الفعالة في انتخاب الأدارات المدنية للمجمتع.
3- تقديم المشورة للقيادة العليا للامة من جهة ويصاحبها تقديمها للقيادات التنفيذية والادارية.
4- ممارسة دور الرقابة على اداء وسلوكية وحركة القيادة والإدارة.
5- الدعم والاسناد المسؤوليين للقيادة المتصدية لحمل الراية في المسيرة.
رسالة السيد الحكيم لاجتماع صلاح الدين 2003
في رسالته هذه لاجتماع لجنة المتابعة والتنسيق المنبثقة عن مؤتمر المعارضة العراقية والمنعقد في مدينة صلاح الدين في كردستان العراق بتاريخ 26 شباط 2003. قدم السيد الحكيم رؤيته لتواصلة النضال من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري في العراق واقامة النظام الذي يختاره الشعب العراقي.
ان رسالة السيد الحكيم هذه جديرة بالمراجعة والدراسة فقد حوت على العمود الفقري لفهمه لعملية التغير واسقاط النظام الدكتاتوري واقامة النظام الذي يريده الشعب العراقي وقد تضمنت الدور الذي ينبغي ان تضطلع به القوى السياسية العراقية المعارضة التي اصبحت فيما بعد القوى المتحالفة الحاكمة للعراق الديمقراطي الجديد.
في الوقت الذي يحي فيه السيد الحكيم المجتمعين ويقول لهم:
انكم تجتمعون الان في هذا الوقت الحساس وفي بلدكم الكريم تحاولون ان تكملوا العمل الذي بدأتم به في مؤتمركم السابق وهذا العمل لو تم يمثل انجازا اخر يضاف الى انجازاتكم السابقة لتؤكدوا فيه ارادتكم المستقلة وعزيمتكم القوية ورؤيتكم الواضحة وقدرتكم العالية على العمل والنشاط. واني اذ اشكر لكم ذلك وهذه الفرصة الثمينة التي اتحتموها لي للحديث اود ان اشير بهذه المناسبة الى عدة نقاط ارى من الضروري تاكيدها في هذا اللقاء مضافا الى القضايا الاخرى التي ذكرتها في كلمتي السابقة.
ويبدأ بعد هذه المقدمة العامة يقدم السيد الحكيم نقاط مشروع العمل واحدة بعد الاخرى. ولان هذه الرسالة وثيقة مهمة جدا حسب تصوري في تاريخ العمل السياسي العراقي، وقد سعيت ان اجد منها نسخة في المواقع الالكترونية لتضمينها بهذه المذكرات فلم اتمكن من الحصول عليها، وقد لفت ذلك نظري اذ ان الكثير من تراثنا السياسي لم يخدم بالشكل الكافي والمناسب. ففي الوقت الذي نجد به تلك المواقع تغص بالغث والسمين نجدها غير مهتمة بالتراث السياسي الاسلامي المعاصر. وحتى المواقع ذات العلاقة بالمجلس الاعلى او بالسيد الحكيم مع انها تقوم بدور مشكور في الحفاظ على التراث الا انها لا تخلو من تقصير اتمنى عليها ان تتلافاه. وحيث اني امتلك نسخة مطبوعة ورقية فارسلتها الي اخي الحبيب العزيز السيد ابو ضياء احسان الحكيم ممثل المجلس الاعلى في بريطانيا فتفضل مشكورا مع كثرة مشاغلة فاعاد طبعها لذلك اقتضى مني الشكر له والتنويه به فهو جندي مجهول. ولكي نطلع على الوعي المبكر والفهم الدقيق العميق عند السيد محمد باقر الحكيم، سنضع تفاصيل الرسالة بين يدي القارئ الكريم للتذكير بمضامينها المهمة. لقد ثبت السيد في رسالته هذه النقاط التالية:
اولا: المواصلة
ابتداءً يؤكد السيد الحكيم على ان مواصلة العمل واكماله هو المنهج الصحيح انطلاقا من ايمانه بضرورة ارتكاز الحاضر على منجزات الماضي فيقول: اكمال العمل الذي بدأه مؤتمركم العتيد في لندن يتوقف بصورة اساسية على تشكيل لجان متابعة قوية وفاعلة بعناصرها واهدافها ومعتمدة بدرجة عالية لتتحمل مسؤوليات المرحلة القادمة وملئ الفراغات السياسية المتوقعة وان تاخذ القوى السياسية الاصلية دورها الحقيقي في تحمل المسوؤلية الكبيرة في هذا المجال.
ثانيا: برنامج العمل
وثبت السيد الحكيم قضية مهمة في ضرورة نجاح الاعمال وهي كما اسلفنا من اهم خصائص عمله السياسي وهي وجود البرنامج فيقول: وجود برنامج عملي شامل يقوم على اسس قوية ومتينة تقوم به القوى السياسية للمعارضة العراقية فان عراقنا الجريح هو بأشد الحاجة الى الافاق الجديدة والصالحة لهذا المستقبل بعد الكم الهائل من الدمار والخراب والتخلف الذي لحقه بسبب سياسة النظام الحاكم.
ثالثا: احترام ارادة الشعب العراقي
وامام التوجهات المشبوهة في السعي لتغيب ارادة الشعب يقول السيد الحكيم: ضرورة الاصرار والتاكيد والصمود والاستقامة على مبادئ احترام حرية واستقلال ارادة الشعب العراقي دون هيمنة او وصاية او قيمومة ولا يمكن ان تتحقق الديمقراطية الحقيقية دون ذلك والوقوف بقوة وصلابة امام إي محاولة لتجاوز هذه الارادة والاستهانة بها والتقليل من قيمتها او الطعن في رشدها وصلاحها.
رابعا: النضال المستمر حتى استحصال كامل الحقوق
كما يذكر السيد الحكيم ان المهمة النضالية لا تتوقف بالحصول على مكسب او مكاسب معينة لذا قال: ان الشعب العراقي الذي جاهد وناضل وكافح وقدم التضحيات العظيمة من الشهداء والمشردين والمغتربين طيلة العقود السابقة وذلك من اجل اهدافه المقدسة المشروعة لهو على استعداد ايضا للاستمرار في هذه المسيرة لمواجهة جميع التحديات الجديدة التي تقف امام حركته وطموحه وان ضعف النظام وعزلته وهوانه والاجماع العالمي على محاصرته والضغط عليه انما كان بسبب هذه الجهود العظيمة التي بذلها الشعب العراقي في عملية الخلاص والانقاذ من الطغيان والاستبداد ولايمكن لهذه الجهود الا ان يكون لها استحقاقاتها الطبيعية في تحقيق هذه الاهداف المقدسة.
خامسا: خطر الهيمنة الخارجية
ومن اهم النقاط التي تميز بها نهج السيد الحكيم ودفع حياته ثمنا لها هو موقفه من الهيمنة الاجنبية على العراق، وهو ما اكده بقوله: ان من اهم الاخطار التي نواجهها بسبب الحرب المتوقعة هو خطر الهيمنة الخارجية على العراق ومقدراته مضافا الى الخسائر في الارواح والممتلكات والبنية التحتية واذا كان هناك مبرر حقيقي للحرب مقبول سياسيا واخلاقيا فانما هو انقاذ الشعب العراقي من نظام الدكتاتورية والعنصرية والطائفية ومن الارهاب والدمار الذي يمارسة هذا النظام ضد الشعب.
وان الهيمنة الاجنبية بعد الحرب هي من اعظم الاخطار على الشعب العراقي والمنطقة كلها واذا اردنا ان نصفها بعيدا عن الاتهامات في النوايا التي يتحدث عنها العالم الان وحديثنا له مبرراته المنطقية فان هذه الهيمنة تمثل خطأً كبيرا له تداعياته المدمرة ونحن نعيش الان حالة القلق الشديد من ارتكاب خطأ اخر تقوم به الولايات المتحدة الامريكية ودول اوربا الغربية يشبه الاخطار السابقة الكبيرة التي تعترف بها الان ولكن بعد فوات الاوان كالخطأ الكبير في مساعدة صدام على قمع انتفاضة شعبان اذار 1991 او الخطأ الاخر في تاييد حركة طالبان التي اصبحت منظمة ارهابية ذات ابعاد دولية تكاد ان تكون سببا في حرب عالمية ثالثة طويلة الامد او الخطأ الثالث الذي ترتكبه في حق شعوب المنطقة في العيش بامن وسلام وحرية عندما قامت بدعم الحكومات الدكتاتورية القمعية على حساب الحرية والديمقراطية.
سادسا: رفض الاحتلال
وقد اعلن السيد الحكيم موقفه بما لا يشوبه اللبس من الاحتلال، وقدم حول هذه المسألة الخطيرة تصوره وتوجيهه الى الملتقى بقوله: ان لقائكم هذا لابد ان يعبر بقوة عن رفضه لهذه الفكرة الخطيرة الساذجة لما ينطوي عليه من اخطار جسيمة . ولخص الموقف بالنقاط التالية:
1- ان الشعب العراقي ومعه شعوب المنطقة كلها وجميع الخيرين من ابناء العالم يرفضون بقوة اعادة اسلوب الاستعمار المباشر تحت شعارات الحرية والديمقراطية الى الحياة السياسية في العلاقات الدولية .
2- ان ذلك سوف يفسر بصورة طبيعية انه لون جديد من الوان الحروب الدينية والعقائدية ضد الشعب العراقي والمنطقة ويثير بدرجة عالية حساسية جميع الاوساط الدينية والوطنية.
3- سوف يتحول ذلك ايضا الى عمل مضاد لاحدى مرتكزات السياسة الاستراتيجية التي اعلنتها الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب وهي معالجة جميع اسباب اعمال العنف السياسي والارهاب الدولي فان هذه الهيمنة سوف تكون وبدون رغبة من إي طرف سببا من اسباب اثارة دوافع العنف والارهاب وعاملا يفسح المجال لجميع قوى الشر او التضليل او الجهل لتجد الطريق امامها مفتوح لبدء سلسلة جديدة من القهر والعنف العدواني وعلى حساب مصالح الشعب العراقي.
4- ان الشعب العراقي ليس قاصرا ليحتاج الى القيمومة والوصاية وقد اثبت من خلال التجربة الناجحة في كوردستان العراق انه يملك القدرة على ادارة اموره بنفسه كما ان وحدة الرؤيا والموقف والارادة المستقلة التي تجسدت في مؤتمر المعارضة العراقية خير دليل على قدرة قوى الشعب العراقي على التعاون فيما بينها وتطور هذا التعاون في عمل جماعي مشترك يشترك فيه السني الى جانب الشيعي والعربي الى جانب الكوردي والتركماني والاشوري وغيرهم من الاقليات الاخرى وابن كوردستان الى جانب ابن الجنوب والوسط والغرب والعسكري الى جانب المدني وابن الريف والعشيرة الى جانب ابن المدينة والمقاتل في جبال كوردستان الى جانب المقاتل في اهوار الجنوب، ان هذه الوحدة القوية لابناء الشعب العراقي لابد لنا ان نحافظ عليها الى اقصى درجات القوة والحب والمودة والولاء والعمل الصالح والهموم المشتركة والمصالح العامة.
سابعا: ضرورة مشاركة الجميع وعدم الاقصاء
من يعرف السيد الحكيم عن قرب يعلم انه من اكثر المؤيدين بل المؤمنين بالعمل التعاوني بين مختلف الاطراف. ومن هنا كانت مبادرته الدؤوبة بهذا الاتجاه والتي ظهرت عبر الكثير من المواقف في مؤتمرات ولقاءات المعارضة العراقية وقد مررنا على قسم منها. وبعد مؤتمر لندن الذي عبر عن إلتقاء الطيف الاكبر من المعارضة العراقية نراه يؤكد على هذا المبدأ مبدأ عدم الاقصاء واحتراء كل الطيف العراقي المتنوع وهو ما يظهر بوضوح بقوله: اننا في هذا اللقاء نحتاج الى ان نتقاسم العمل الجهادي والسياسي في مسؤولياته وتضحياته وصلاحياته ونشاطه من خلال هذه اللجان لنجسد بذلك الرؤية المستقبلية التي تعاهدنا عليها باذن الله تعالى ونخطو بها خطوة الى الامام.
ويبين ميادين الالتقاء وآليات العمل الوطني المشترك فيحدد النقاط التالية:
1- مشاركة جميع العراقيين بجميع طوائفهم ومذاهبهم واعراقهم في مواقع القدرة وتحمل المسؤوليات واداء الواجبات .
2- احترام الخصوصيات القومية والمذهبية والدينية والاعتراف بها دستوريا في اطار الوحدة الوطنية والقانون.
3- التكامل في العمل الدفاعي بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية وأيجاد الوحدة الحقيقية بين القوى الشعبية المسلحة والجيش العراقي الجديد.
4- التعاون مع المجتمع الدولي في القضايا العالمية مثل الحرب ضد الارهاب وتحرير الشعوب المضطهدة ونزع اسلحة الدمار الشامل والجرائم ضد الانسانية وحقوق الانسان عامة والمرأة خاصة لما يعبر عن قيمنا واخلاقنا وحضارتنا الاسلامية الاصلية التي تدعو الى الحق والعدل والسلم والامن وكرامة الانسان والمساواة وان قضية فلسطين والقدس الشريف وتحريرها من الاحتلال تاتي في مقدمة هذه القضايا.
ويقول الحكيم: اننا في الوقت الذي نؤكد استعدادنا الشجاع للتعاون مع المجتمع الدولي في جميع القضايا نؤكد ايضا موقفنا الرافض للاحتلال والتسلط والهيمنة.
ويختتم السيد رسالته الى المجتمعين بتذكيرهم:
اننا امام امتحان عسير وتحد كبير وخيارات صعبة نحتاج فيها بعد الاستعانه بالله تعالى والتوكل عليه الى وحدة الموقف وشجاعة القرار وقوة الارادة والعزيمة وثبات الاقدام واستقامة الطريق والصبر والصمود امام الضغوط والحكمة في العمل وحُسن الاداء.
سادسا: الدخول للعراق..
قبل عودته الى وطنه العراق، القى سماحة اية الله السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله كلمة قبل صلاة الجمعة في طهران يوم 9/5/2003 اعرب فيها عن شكره لقائد الثورة الاسلامية والمسؤولين والشعب الايراني. وقال سماحته في كلمته القيمة: لقد عاهدنا هنا وقبل 23 عاماً وأمام حشود المصلين للمضي قدماً على طريق الاسلام الصحيح والجهاد، وها نحن اليوم نجدد العهد والميثاق مع كل الارواح الطيبة مع الوجود الخيّر، مع هذا الشعب الايراني البطل، مع قيادته الربانية مع روح الامام الراحل رحمه الله، مع ارواح كل الشهداء الابرار من الجيش والحرس وقوات التعبئة الشعبية الايرانية واسرهم واسر المفقودين والمضحين. وكانت هذه الكلمات تعبيرا عن الوفاء للضيافة التي عاشها العراقيون في ايران والدعم الذي قدمته الاخيرة لهم.
عاد سماحته رحمه الله الى العراق في 10/5/2003 واستقر في مدينة النجف الاشرف في 12/5/2003 وبعد وصوله باسابيع قليلة اقام صلاة الجمعة في صحن امير المؤمنين الامام علي "ع" ورغم كثرة مشاغله فقد واظب على امامته لها. حتى استشهد.
في يوم السبت 10/5/2003 ومن نقطة الشلامجة الحدودية دخل موكب سماحة السيد الحكيم ارض العراق وكان في استقباله حشد كبير من الجماهير العراقية التي رددت شعارات الترحيب والولاء للاسلام المرجعية. وفي نفس اليوم، الذي يعد من الايام التاريخية في محافظة البصرة وصل موكب السيد الحكيم الى مركز المدينة حيث القى كلمة في الحشود الكبيرة التي اجتمعت في ملعب رياضي هناك، قائلاً فيها:
* نريد الاستقلال ولا نريد حكومة مفروضة
* ان العراقيين لا يحتاجون لأحد لمساعدتهم على بناء الحكومة الجديدة
* نريد ان يحكم الشعب نفسه بنفسه، نريد حكومة ديمقراطية، نريد حكم الشعب للشعب.
* نريد حكومة تمثل المسلمين جميعاً شيعة وسنة وتمثل المسيحيين ايضاً وكل طوائف العراق التي تمثل جميع ابناء الشعب.
* ان اولوياتنا هي وحدة الكلمة نحن في خدمة المرجعية، لتتوحد العشائر... نعم نعم للعشائر، يا مجاهدينا الابطال اتحدوا في كلمتكم، لتكونوا كلمة واحدة وموقفاً واحداً.
* ايها الاخوة، علماؤنا، وسادتنا، انتم لا تقبلون ان يعيش بقية ازلام النظام بين العراقيين، نحن نرفض التواجد البعثي بين ابناء الامة.
*واضاف في اشارة للتواجد الاجنبي في العراق ليتركوا العراق للعراقيين وسيجدون العراقيين يستطيعون ان يحققوا الامن وان يحموا العراق.
* جهادنا هو جهاد الامن والبناء بعد جهاد الطغيان ويجب ان تكون المسيرة مستقلة.
* كما قلنا في السابق نعم نعم للحرية، نقول الان نعم نعم للاستقلال، ولجميع فئات الشعب من عرب وكرد ومسيحين ومسلمين نحن نريد العدالة للجميع ولا نقبل غير العدالة.
* اشكر آية الله السيستاني وآية الله محمد سعيد الحكيم، وجميع المراجع واشكر العلماء ومنهم الشهيد محمد صادق الصدر وجميع العراقيين الذين استجابوا لنداء الشهادة.
* الجمهورية الاسلامية الايرانية التي احتضنت العراقيين ولجميع الدول العربية والغربية التي ساعدت العراقيين والى سوريا بشكل خاص على موقفها.
وفي مقابلة اجرتها معه قناة العربية الفضائية اعلن السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ان قواته قادرة على ضبط الامن في العراق لو تركت قوات التحالف لها مهمة القيام بدور امني.
وبعد ان اعتبر سماحته انه من موقعه كعالم دين يتحمل مسؤوليات شرعية ودينية وسياسية تجاه الشعب العراقي حدد اربع اولويات لابد من تحقيقها لحل مشاكل مرحلة ما بعد نظام صدام البائد. واوضح ان الاوليات هي:
المشكلة الاولى: هي العمل على حل مشكلة الاوضاع الحياتية والامن.
المشكلة الثانية: تتمثل في ان بقايا النظام لا زالوا يعيثون فساداً ويعملون على تدمير البنية التحتية للعراق
المشكلة الثالث: تتعلق بوجود القوات الاجنبية في العراق وهي مشكلة كبيرة جداً لابد من معالجتها.
المشكلة الرابعة: العمل على تحكيم ارادة الشعب العراقي في قيام نظام ينتخبه ابناء الشعب العراقي ويمثل الشعب العراقي بسنته وشيعته واكراده وتركمانه وحتى اقلياته الدينية.
ولم ينس السيد الحكيم ان يشير الى الاعداد الكبيرة من العلماء والافاضل والمدرسين الذين استشهدوا على يد الطاغية صدام خصوصاً في انتفاضة عام 1991 حين حصلت ابادة بشرية ضد الحوزة العلمية ورفع شعاد لا شيعة بعد اليوم. وكشف ان نظام صدام هدم ايضاً 350 مؤسسة بينها مدرسة دار الحكمة في النجف الاشرف ومدارس اخرى في كربلاء والديوانية والحلة.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده سماحته في البصرة قال:
· نريد ان نبني دولة عصرية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، دولة تعرف مفاهيم الاسلام وجوانبه الروحية.
· البعض قد يتصور ان المتدينين سيحجبون المرأة عن المجتمع وهذا غير صحيح لأن المرأة نصف المجتمع.
· المرأة المتعلمة الشريفة القادرة على اداء دورها سواء في اسرتها او في مجتمعها يجب ان يكون لها دور رئيسي في بناء هذا المجتمع.
· عندما يكون النظام العراقي بهذه الخصاص يكون نظاماً اسلامياً عصرياً ينسجم مع اساليب هذا العصر والزمان ومع التطورات الاجتماعية الموجودة في هذا الزمان.
· عندها سيكون بالامكان ارجاع العراق الى موقعه الطبيعي في العالم الاسلامي والعربي بصورة آمنة ويصبح عراق الجهاد من اجل الاعمار وعراق المحبة والمودة لا عراق العدوان والاضرار بالاخرين في اشارة ضمنية منه الى الحرب ضد الجمهورية الاسلامية عام 1980 والى اجتياح الكويت عام 1990.
· شدد السيد الحكيم على ضرورة نبذ الطائفية وقال بلهجة منفتحة: ان العراق يجب ان يكون عراق المحبة والمودة بين ابنائة وسنته وشيعته مضيفاً نحن نلتزم بتشيعنا لكننا لسنا طائفيين ولا نريد ان نفرض تشيعنا على احد، وللسني ان يلتزم بمذهبه وان يكون مع اخيه المسلم الاخر.
· يجب ان نكون متحدين في قضايانا الاسلامية وان تحكمنا المودة والحب والتناغم لكي نقيم حكومة العدل.
· اننا نرفض بعض الخطوط السلفية
· من يعادي المسلمين الاخرين يعادي اهل البيت.
· اذا كانت لهذه الحرب اثار وخيمة بالنسبة الى اوضاعنا كعراقيين فان احد مكاسبها هذا القدر من الحرية الذي يشاهده العراقييون حالياً.
· واوضح انه اذا كان المجلس الاعلى رفض الحرب الاميركية فلأنه كان بالامكان تحقيق هذه الحرية بمساعدة المجتمع الدولي مع الشعب العراقي من دون الحرب.
· واعتبر ان العراقيين يملكون اليوم شيئاً من الحرية لكنها غير كاملة لأن هناك قوى اجنبية تحدد حركتنا والعراقيين يحتاجون الى حرية كاملة.
· كما طالب بأن يكون النظام القادم يحترم الاسلام لأنه دين الاكثرية الساحقة، مشيداً في الوقت نفسه بالمسيحيين الذين تمكنوا ان يعبروا عقبات التاريخ دون ان يتعرضواً لمشاكل مع المسلمين.
· ودعا الى ان تكون الشريعة الاسلامية من مصادر قانون هذا البلد وقال: لا يمكن ان يكون قانون ذلك القانون الحالي الذي لا يحترم الشريعة والقرآن وسنة النبي ص الى غير ذلك من القضايا التي نراها في العالم العربي والاسلامي.
· كما دعا الى ان يحترم النظام الجديد خصوصيات ومكونات الشعب من شيعة وسنة واكراد وتركمان ومسيحيين وان يكون معبراً عن وحدة العراق وشعبه وارضه.
ثم غادر السيد الحكيم بعد ذلك محافظة البصرة باتجاه الناصرية ووصل محافظة النجف الاشرف يوم الاثنين 13/5/2003 حيث تجمع مئات الالاف من اهالي المدينة واطرافها في استعداد غير مسبوق لاستقبال سماحته، وحمل الحشد صور السيد الحكيم الذي تقدم موكبه بصعوبة نحو ضريح الامام علي ع في المدينة واطلقت هتافات نعم، نعم للحكيم مرحبة بقدومه. وبعد ادائه مراسم الزيارة وجه خطابه الى الجمهور الذي تجمع في صحن المرقد الشريف للامام علي ع وجاء فيه:
· عملت الحوزة على خطين جهاديين رئسيين هما خط الجهاد والمواجهة مع النظام، وخط الصمود والصبر في النجف من اجل ابقاء هذه الحوزة. وان هذه الحوزة حوزة متحدة واحدة وهذه المرجعية، مرجعية واحدة ومتحدة ومن يريد ان يفرق بينها انظروا اليه بريب وشك.
· ايها الاخوة الاعزاء لابد ان نعرف، اننا كما نقبل يد الامام الحكيم ونقبل يد الشهيد الصدر، ونقبل ايدي كل الشهداء من العلماء الذين سبقونا بالايمان، نقبل يد الامام الخوئي وكل المراجع العظام لانهم صمدوا في حوزة النجف وواجهوا كل هذه المشكلات من اجل ان تبقى هذه الحوزة دائمة ان شاء الله.
· نحن نريد حكومة عراقية تمثل جميع الفئات والطوائف عرباً واكراداً، سنة وشيعة واقليات اخرى.
· سنقاوم أية حكومة نفرض علينا بالاحتجاجات والتجمعات والتظاهرات والاضرابات.
· اقول لكم ان الذي يضمن استقلال العراق هو الاسلام والانتخابات الحرة.
· اننا امام مشوار طويل هو جهاد الامن والاعمار وعليكم جميعاً ان تتكاتفوا للوصول الى هذا الهدف لأن النظام الصدامي دمر العراق وبدد ثرواته.
لقد اعلنها السيد الحكيم وقبل وصوله الى النجف بصراحة كاملة: نحن لسنا عبيداً الا لله ولسنا اسرى ولا تخيفنا القوات التي تحيط بنا. وقال: سألت الاميركيين هل تقبلون بأن يحكمكم الانجليز؟ قالوا: لا، عندها قلت لهم: اذن لماذا نقبل نحن ان يحكمنا احد؟.
من افاق بناء الدولة العراقية الجديدة
كما كان السيد الحكيم صاحب رؤية في عملية التغير فهو صاحب رؤية كذلك في عملية بناء الدولة بعد سقوط نظام الدكتاتورية في العراق. وقد عبر السيد عن رؤاه هذه عن طريق خط صلوات الجمعة التي كان يؤمها في الصحن العلوي المبارك حتى اخر خطبة تلتها شهادته المفجعة. ففي النجف الأشرف وتحديدا في الصحن الحيدري الشريف بتاريخ 28/ ربيع الأول/ 1424هـ الموافق 30/5/2003م، وبعد سقوط حكم العفالقة الصداميين كان السيد الحكيم يؤكد على ان البلاد تعيش ظروفاً حرجة وصعبة، ويلخص السيد طرحه في نقطتين هما:
الأولى: ترتبط بالوضع العام الذي نعيشه.
يؤشر السيد على القضايا الاساسية التي تواجه الشعب وهي قضية انعدام الامن والاحتلال وانعدام النظام، فيقول: فيما يتعلق بالوضع العام نحن يمكن أن نشاهد عدة قضايا رئيسة وأساسية:
الأولى: قضية الأمن، وتعتبر أهم قضية يعيشها الناس هذه الأيام، وأهم مشكلة، إذ إن أي مجتمع إذا فقد الأمن لا يمكن أن يمارس دوره في الحياة مهما كان هذا الدور، سواء كان علمياً أم ثقافياً أم اجتماعياً أم اقتصادياً، أم أي دور آخر يمكن أن يكون في المجتمع. إذن، تحقيق الأمن يعتبر قضية أولى ومهمة.
الثانية: قضية الاحتلال، فقد كانت العمليات العسكرية التي شنّت على النظام البائد عمليات يُراد منها الإطاحة بالنظام، حيث سميت عمليات حرية العراق ولا شكّ أن هدف الإطاحة بهذا النظام كان هدفاً لجميع الشعب العراقي، ولذلك استبشر أبناء هذا الشعب بصورة عامة بهذه الإطاحة وزوال النظام بالرغم من كل المنغصات الكثيرة التي يعرفها العراقيون والعالم التي اقترنت بزوال النظام، ولكن بالرغم منها فالعراقيون مستبشرون بهذه النتيجة الكبيرة ويحمدون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي تفضّل بها عليهم، نعمة زوال هذا النظام البائد وسقوطه إلى جهنم وبئس المصير وإلى مزابل التاريخ. هذه النتيجة بالرغم من كونها نعمة من الله سبحانه وتعالى، لكن وضع العمليات العسكرية من الناحية القانونية أصبح عمليات احتلال.
ولكن السيد الحكيم يقول حول هذا الموضوع: لابدّ أن يدرس قانونياً من قبل رجال القانون والمختصين، ويبحث أيضاً سياسياً من قبل القوى السياسية، وما هو الموقف من قوى الاحتلال، والآثار القانونية المترتبة على الاحتلال في المجتمع الدولي والقانون الدولي، حيث نصّ القرار الأخير لمجلس الأمن على أن هذه السلطة ـ باعتبار القانون الدولي المعترف به دولياً ـ هي سلطة احتلال. ولا توجد الآن فرصة لأشرح أبعاد الاحتلال، ولذلك لابدّ للقانونيين من ناحية، والقوى السياسية من ناحية أخرى، أن تدرس ذلك من أجل أن نعرّف الأمة والشعب على مدلول سلطة الاحتلال ومعنى سلطة الاحتلال.
الثالثة: فقدان النظام، وعدم وجود دولة تدير شؤون الناس، وهذه تعتبر من أكبر المشكلات التي يعانيها المجتمع بصورة عامة، ويعانيها المظلومون والمستضعفون والمقهورون والمحرومون في هذا المجتمع بصورة خاصّة. إذا كان هناك من يتمكن أن يتحمل هذه المشكلة، بما قدّر الله سبحانه وتعالى له من إمكانيات وقدرات وأموال ورجال، فما شأن المحرومين والمستضعفين من أبناء أمتنا؟! هؤلاء الذين لا يتمكنون أن يتحملوا عبء هذه الفوضى والأضرار البالغة التي تمس قضاياهم وأهم أمور حياتهم.
ومن هنا يبين السيد الحكيم فيقول: نجد هذا الاضطراب الواسع الذي يشكّل معضلة في الحياة المعيشية للناس، إذ ليس هناك استقرار في حياتهم المعيشية. لا لدى الموظفين، ولا لدى الكسبة، ولا التجار ولا العمال ولا المزارعين ولا حتى أولئك الدارسين في الجامعات أو في الحوزات العلمية، هناك اضطراب عام في الحياة المعيشية لهؤلاء.
ويعتبر السيد هذه المشكلة مشكلة كبيرة ومهمة، ولابدّ من اتخاذ الموقف الحازم الواضح تجاهها، وعدم التعامل معها باللامبالاة والانتظار لإيجاد تحول من التحولات.
ويؤكد ان: الأمة بما وهب الله سبحانه وتعالى لها من فرصة الحرية وسقوط الطغيان والاستبداد، لابدّ من اتخاذها موقفاً واضحاً تجاه هذا الموضوع.
الثانية: تشخيص الموقف تجاه هذا الوضع العام.
بعد هذا التحليل لا يترك السيد الحكيم الموقف دون تشخيص ما يجب اتخاذه ازائه فيقول: هناك موقف أتصوره أنا ـ وأتحدث هنا عن نفسي، ولا أريد أن أضع الواجبات على الآخرين، لكن أعتقد أنه واجب على الجميع ـ وهو أن يتصدّى لهذه المشكلات بصورة رئيسية المراجع العظام، والعلماء الأعلام، هؤلاء بما وهبهم الله سبحانه وتعالى من مواقع وقدرة على المعرفة والفهم والتفكير والمتابعة، وما يحصلون عليه من تأييد واسع في أوساط الأمة، يتحملون مسؤوليات كبيرة في مواجهة هذه المشكلات.
كما أن هناك واجباً آخر على القوى السياسية في عراقنا الجريح، سواء القوى الإسلامية ـ التي تحملت القسط الأوفر والعبء الأعظم من مواجهتها للطغيان والاستبداد في الفترات السابقة وقدمت مئات الآلاف من الشهداء والتضحيات في سبيل الإطاحة به، وتمكنت من عزل الطاغية عن الشعب، وإيجاد التواصل الكبير بينه وبين الشعب ـ أم القوى السياسية الأخرى التي دخلت الميدان، ولا أريد أن أتحدث عن واقعية ذلك وعدم واقعيته، أو عمق وجودها في الأمة وحدود هذا الأمر، هذا له مجال آخر، لكن هذه القوى موجودة في الساحة، ولابدّ لها أن تتحمل مسؤولياتها بشكل موحد وحازم وجريء وشجاع، وبذلك تؤدي امتحانها أمام الأمة والشعب.
إن هذه القوى الآن أمام امتحان عسير، حيث إن الشعب يواجه ويلاحظ ويتابع مواقعها، وبمقدار ما تتمكن هذه القوى أن تقوم بدورها في حل هذه المشكلات ومواجهتها بصورة موحدة وقوية، يمكن لها أن تكسب ثقة الأمة وثقة الشعب. وبمقدار ما تقصّر أو تتهاون أو تتخاذل في مواجهة هذه المشكلات سوف تجد نفسها أمام الشعب، فالشعب الآن قادر على أن يعبّر عن موقفه ورأيه بعد أن اكتسب الحرية.
ويقول الحكيم: أنا أدعو أيضاً الشعب العراقي، والأمة أن تتحمل أيضاً القسط الآخر من المسؤولية، فالمسؤولية لا تنحصر بالعلماء والمراجع، ولا تنحصر بالقوى السياسية، وإنما الأمة لها دور كبير في هذه المسؤولية عندما تكون قادرة على تشخيص أهدافها بصورة دقيقة.
وهنا يشير الحكيم الى هذه الاهداف عبر نقطتين هما:
- أهدافها في إقامة الحكم العراقي الوطني ...
- أهدافها المشروعة في الاستقلال وتحقيق العدالة ...
ويقول: عندما تكون الأمة قادرة على تشخيص هذه الأهداف في إقامة شعائر الإسلام واحترام الإسلام في شعائره وقيمه وشريعته، وعندما تكون قادرة على الصمود في مسيرتها وتحقيق أهدافها، وعندئذٍ تكون ـ بإذن الله ـ قادرة على أن تحقق آمالها الكبيرة وأهدافها المقدسة التي تسعى إليها.
ويعلن عن مدى ايمانه بقدرات الامة فيقول: أمتنا أمة بطلة مجاهدة مضحية قادرة على تحقيق الانسجام فيما بينها، وقد رأيتموها في مسيرة عاشوراء والأربعين ومسيرة وفاة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله كيف كانت منسجمة وقادرة على أن تمارس دورها الحقيقي في مواجهة هذه الأحداث.
الموقف إذن، حسب تشخيص السيد الحكيم هو:
اولا: أن يتصدى العلماء والمراجع العظام.
ثانيا: ان تتصدى الشخصيات التي لها وجود في المجتمع.
ثالثا: تتصدى القوى السياسية من جانب آخر.
رابعا: وتتحمل الأمة مسؤوليتها .
ويؤكد الحكيم على دور الأمة وانها تبقى المرجع الرئيس في مثل هذه القضايا. ويقول: صحيح أن المراجع لهم دور الهداية ودور الإشراف والتوعية والتثقيف، ولكن الأمة تبقى هي الطاقة الكبيرة المؤثّرة من ناحية، وهي التي يُرجع إليها في الاختبار والامتحان لهذه الحركة وهذا الوجود.
أما عن قضية الموقف تجاه قرار مجلس الأمن، يقول الحكيم: إن فيه قراءتين لابدّ أن نعرف ما هي قراءتنا لقرار مجلس الأمن، ونحن نتكلم من الناحية القانونية والسياسية، وفوق القانون والسياسة هناك الشرع الذي نعتقد به ونؤمن به ونلتزم به أمام الله سبحانه وتعالى.
قرار مجلس الأمن في قراءتنا له يؤكد على استقلال العراق وعلى سيادته، وعلى ضرورة إنهاء الاحتلال في أقرب فرصة ممكنة، وعلى تحمّل العراقيين لمسؤولية إدارة أمورهم.
هذا القرار يؤكد ذلك، والسلطة المحتلة ليست مسؤولة في قرار مجلس الأمن عن إدارة شؤون العراقيين، بل هناك ما ينص في عدة مواضع من قرار مجلس الأمن أن العراقيين هم المسؤولون عن إدارة أمورهم وشؤونهم.
وبناء على هذه القراءة فانه قال: لذلك أدعو جميع العراقيين، من هذا المنبر المقدس، إلى أن يمارسوا هذه المسؤولية، في انتخابات حرة نزيهة يُنتخب بها العراقي الذي يثقون به من أهل بلدهم، ويعرف شؤون حياتهم، ويكون معروفاً بالصلاح والسيرة الحسنة، وتنطبق عليه الضوابط الشرعية والعقلائية التي يعرفها الناس، وعند ذلك يمكن للعراقيين أن يحلّوا الكثير من المشاكل التي يواجهونها في الوقت الحاضر.
ويضيف: أنا أدعو جميع العراقيين أن يهتموا بهذا الجانب، وهذا من الموعظة الحسنة، ومن المعروف، وأفضل المعروف أن يصنع العراقيون ذلك. فالمعروف فيه صيغ محددة من قبل الشارع، كالصلاة والصوم والحج والزكاة والصدقة وغيرها من الخيرات، وهناك أيضاً معروف آخر تحدده القيادات الشرعية التي يمكنها أن تحدده وفق الظروف.
ويقول: إنّ من أهم مصاديق المعروف في هذا الوقت الذي يجب فيه على العراقيين أن يهتموا به، هو أن يندفعوا بإخلاص ونظام وحكمة وعقل من أجل أن يمسكوا إدارة أمورهم بأيديهم، ولا يتركوا الفرصة للآخرين ليتسلّطوا على أمورهم>
الوحدة واحترام الخصوصيات
ومما اهتم ببيانه السيد الحكيم هو التكامل بين مفهومي الوحدة والتعدديدة. يقول رحمه الله: وأن نحترم في هذه الإدارة خصوصيات كل جماعة، فشيعة أهل البيت لابدّ من احترام خصوصياتهم في بلادهم، وشعائرهم وثقافتهم وخصوصيات آدابهم وعلاقاتهم الاجتماعية، كما لابدّ أن نحترم أيضاً في الوقت نفسه خصوصيات إخواننا أهل السنة في بلادهم، لابدّ من احترامها وعدم نقضها، وكذلك نحترم خصوصيات إخواننا الكرد، والترك في بلادهم. إنّ احترام هذه الخصوصيات من أهم الوسائل لإيجاد الوحدة بين أبناء الشعب.
إذن، من أهم العوامل التي من الممكن أن نقف بها أمام هذه المشكلات هو وحدة الكلمة، وأجود طريق لهذه الوحدة هو أن يحترم بعضنا بعضاً، وأن نحترم حرية الرأي، ونكون جميعاً متعارفين ومتحابين كما يعبّر القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. وهذا التعارف هدف لهذه التعددية في الخصوصيات، واحترام هذه الخصوصيات والتعارف والمحبّة والمودّة هو أفضل طريق للوحدة. ولا يمكن أن تتحقق الوحدة بقهر الآخرين، وفرض آرائنا أو صياغاتنا أو ثقافتنا أو شعائرنا وأساليبنا عليهم، وإنما يمكن أن تتحقق الوحدة بإتاحة الفرصة لكل جماعة في أداء دورها ضمن هذه الحياة مع التعارف والتلاحم والتحابب.
الاقليات الدينية
من الميزات التاريخية للعراق انه بلد تتعايش به الاديان والقوميات والمذاهب وبحكم الحجم العددي لهذه المكونات ظهرت في المجتمع ظاهرة الاقليات لقلة عددهم قياسا لغيرهم من سكان العراق.
واغلب ابناء هذه الاقليات كما يصطلح عليها -وهو اصطلاح لا يمكنني تقبله- اقول اغلب ابناء هذه الاقليات هم من بقايا التنوع السكاني الذي عمر العراق منذ الاف السنين قبل قدوم العرب المسلمين المحررين اليه.
ومن المسائل التي اشار اليها مبكرا السيد الحكيم قضية الاقليات في العراق وقدم رؤيته الاسلامية والوطنية والانسانية نحوها. يقول السيد الحكيم: أن هناك قلقاً لدى بعض الأقليات الدينية كالمسيحيين مثلاً، أو بعض الأقليات الأخرى غير المسيحيين، بخصوص بعض الأعمال التي حدثت ضدهم.
نحن نقول بصورة واضحة: إن هذا العدوان لم يكن عدواناً مأذوناً به ـ فضلاً عن أن يكون مطلوباً ـ لم يكن مأذوناً به من أي مرجع من مراجع الإسلام، ولا من أي جهة سياسية معترف بها ومعروفة في أوساطنا، ونحن نشتبه في صدور هذا العدوان من أزلام النظام السابقين الذين لا زالوا يعيثون في الأرض فساداً، ولكني أوصي ـ مع ذلك ـ جميع إخواننا بأن يهتموا بمثل هذه الأمور، ويحفظوا الأمن والاستقرار في بلدنا، كما أوصيهم بأهلهم وإخوانهم وبلدهم خيراً.
التعاون الشعبي
ويطرح السيد الحكيم مفهوم العمل التعاوني الشعبي من اجل النهوض بالمستوى العام للمدن في العراق ومن خلال حديثه عن احدى اهم المدن العراقية وهي النجف يقول: هنا في النجف مثلاً، يمكن للإخوة الأعزاء ـ وهكذا في الأماكن الأخرى ـ أن يتعاونوا في تنظيف هذا البلد، ونحن على استعداد أن نعاونهم أيضاً في هذا المجال، ويمكن أن تتعاونوا في إحياء المؤسسات الخدمية العامة وجعلها قادرة على أداء واجبها.
صحيح أن هناك خللاً لكننا نحن نحتاج إلى مثل هذا التعاون لنكون في موضع الرضى من الله إن شاء الله، والثقة من إخواننا الذين وضعوا ثقتهم بنا.
وقبيل استشهاده بلحظات.. وقبيل أدائه لأخر صلاة.. ألقى آية الله السيد محمد باقر الحكيم آخر خطبة جمعة في حياته تاركاً فيها وصيته السياسية الأخيرة والتي تضمنت ايضا جوانب من افاق رؤيته في بناء الدولة العراقية الجديدة والمجتمع. والتي تبدو وثيقة سياسية للعراقيين كافة تحدد لهم ضوابط الموقف الإسلامي الشرعي تجاه أهم الأمور وأخطرها مثل: المرجعية، الأمن، الحكومة والحكم، والوحدة الإسلامية. لقد بين السيد الحكيم في اخر خطبة جمعة له مسائل حساسة سنجيئ على ذكرها:
قدسية المرجعية وحمايتها
تحدث السيد عن العدوان الذي تعرضت له المرجعية الدينية في النجف الاشرف في محاولة اغتيال آية الله السيد محمد سعيد الحكيم وقال عنه انه :يمثل ظاهرة خطيرة من أخطر الظواهر التي نواجهها في هذه المرحلة من الناحية السياسية والاجتماعية. وهذه الظاهرة الخطيرة تتمثل في ان هذا العدوان يستهدف اهم مركز مقدس في مجتمعنا العراقي، فالمرجعية الدينية ليست قضية شأنها شأن القوى السياسية او الاحزاب، بل لها تاريخ عريق في العراق يمتد الى اكثر من اثني عشر قرناً من الزمن، وكان لها دور في ادارة مختلف الاوضاع الاجتماعية والعقائدية والثقافية والروحية والدينية. ولا بد ان ننتبه الى ان السياسات السابقة التي كان يتبعها النظام البائد ـ نظام العفالقة المجرمين ـ كانت تعتمد وترتكز بصورة رئيسية على استهداف المرجعية الدينية والحوزات العلمية. أول عمل قام به العفالقة المجرمون البعثيون عندما جاؤوا الى العراق هو الاعتداء على مرجعية الامام الحكيم رضوان الله عليه في بداية مجيئهم ثم تطور الامر حتى انتهى الى قتل المراجع واحداً بعد اخر كما حدث بالنسبة الى المراجع آية الله الشيخ البروجردي وآية الله الشيخ الغروي وآية الله السيد محمد الصدر وايضا استهداف مراجع اخرين كآية الله العظمى السيد السيستاني وآية الله الشيخ بشير النجفي .. هذا النظام السابق استهدف الحوزة العلمية واستهدف المراجع.
ويربط السيد الحكيم الحاضر بالماضي فيقول مذكرا بما قامت به القوى المعادية للشعب العراقي وللاسلام ولمدرسة اهل البيت من استهداف للمرجعية فيقول: وكان هذا الاستهداف ليس امراً جديداً ..بل منذ تشكيل ما يسمى بالحكم الوطني في زمن الانتداب الانكليزي نجد ان العمل الاول الذي قام به هذا الحكم الذي كان ابعد ما يكون عن الوطنية، وكان عميلا للانكليز، هو نفي العلماء واخراج المراجع من النجف كما حصل مع المرجع الكبير الشيخ النائيني المدفون في هذه المقبرة – يقصد الصحن الحيدري الشريف- وآية الله العظمى المرجع الاكبر والاعلى السيد ابو الحسن الاصفهاني المدفون في المقبرة الاخرى وغيرهم من المراجع، وكان هذا النفي من اجل الضغط على المرجعية الدينية ..صحيح ان ازلام النظام السابق كانوا يأتون في صورة واضحة فيعتدون على المرجعية ثم بعد ذلك بدلوا سياستهم بسياسة الاندساس والتزوير والخداع والتضليل، وما زالت هذه السياسة متبعة يندسون في هذه الجماعة وتلك الجماعة وتحت هذا العنوان او ذاك من اجل ان يقوموا بهذه الاعتداءات، لكن يجب ان نعرف ان وراء هذا العمل هو ازلام النظام البائد.
بعد ذلك ينتقل السيد الحكيم الى النقطة الاخرى التي ينبغي الانتباه اليها هي مسؤولية قوات الاحتلال عن هذه الاعتداءات، فيبين انها: لم تقم بواجباتها القانونية والواقعية تجاه حماية المرجعية والاماكن المقدسة. وهذا امر مدان بالنسبة الى قوات الاحتلال التي لم تقم بواجباتها تجاه المؤسسات الدولية كمقر الامم المتحدة في بغداد ايضاً الذي تعرض الى هذا النوع من العدوان، وكذلك المؤسسات الديبلوماسية كالسفارات الاجنبية الموجودة في بغداد، ومثل هذا العمل يحمل قوات الاحتلال مسؤوليات كبيرة ولا بد من متابعة هذه المسؤوليات .
ولم يترك الحكيم الامور سائبة بل يسارع الى تقديم المفترح العملي الوطني فيقول: والشيء الاهم من ذلك في هذا المجال هو اننا طرحنا منذ اليوم الاول وقبل دخولنا الى العراق طرحت على المستوى العلني العام في الخطابات والصحافة وايضا على مستوى الحوار من خلال الاخوة الاعزاء الذين يتحاورون مع قوات الاحتلال بأن يقولوا لهم من واجبكم ان تتركوا الفرصة للعراقيين ان يشكلوا قوة لحماية الاماكن المقدسة والمرجعية الدينية، نحن لسنا بحاجة لكم ولا لقواتكم. العراقيون قادرون على ان يحموا انفسهم ويحموا مرجعيتهم واماكنهم المقدسة، ولكن قوات الاحتلال كانت تمارس الضغط والعدوان وايضا نزع الاسلحة لهذه القوات التي كانت قد اعدت لحماية المرجعية الدينية والاماكن المقدسة، وهذا ايضا يزيد في مسؤولياتهم، ولكن نحن ندعو الى ضرورة تشكيل قوة عراقية متدينة مؤمنة ملتزمة تقوم بحماية المراجع والاماكن المقدسة الموجودة في العراق لان الاميركيين لا يمكن ان يقتربوا من هذه الاماكن المقدسة، لا يسمح لهم الشعب بذلك، إذاً فلا بد أن تقوم القوة العراقية بذلك، ونحن نعتقد بأن هذه المسألة مهمة وضرورية، طبعاً بدأت بعض الخطوات في هذا الاتجاه في النجف الأشرف، ونحن نشجع هذه الخطوات ونأمل أن تكون شاملة لبقية المراكز والمواقع الدينية الموجودة في العراق.
الأمن
ويؤكد السيد الحكيم في اخر خطبة له كما اكد في اول خطبة جمعة له على قضية الامن في العراق وتدهور الحالة الامنية فيه فيقول: في قضية الأمن بصورة عامة في العراق وليست قضية أمن المرجعية والأماكن المقدسة فحسب، نحن نلاحظ أنه لا يوجد هناك أمن في هذا البلد، وقد جربت قوات الاحتلال أن تحقق هذا الأمن ففشلت وسوف تبقى فاشلة بذلك، كما قلنا منذ البداية.
ويحدد الحكيم الطريق لمعالجة تردي الوضع الامني من خلال النقاط التالية:
أولاً: بإعطاء السيادة الكاملة للعراقيين في تشكيل دولة عراقية ذات سيادة كاملة، ثانيا: تحول القضية الأمنية على العراقيين أنفسهم، فهم أعرف بما يجري في بلادهم، كما ان الشعب العراقي الذي لا بد له في هذه القضية الأمنية أن يتعاون مع الأجهزة الأمنية، أما عندما تكون الأجهزة الأمنية غير عراقية فلا يتعاون معها، لا بد من تشكيل أجهزة أمنية عراقية يتعاون معها الشعب العراقي من أجل حل المشكلة، وأن تتضافر الجهود جميعاً من أجل تحويل السيادة الكاملة للعراقيين في حكومة عراقية، وأن تكون القضية الأمنية هي قضية يتحملها العراقيون بأنفسهم، هذا هو طريق الحل الوحيد لمعالجة القضية الأمنية في العراق.
الحكومة
كانت تجري في تلك الايام مساعٍ حثيثة من اجل تشكيل الحكومة وكان للسيد الحكيم تصوره حول الموضوع. يقول السيد: أود أن أشير إليها هي الوزارة التي يراد تشكيلها. قلنا ومنذ البداية لا ينبغي أن تكون مجرد غنيمة أو توزع على شكل إرث وحصص على هذا الجانب وذاك الجانب.
لا ريب انه يجب أن تقوم هذه الوزارة ولكن يعتقد السيد الحكيم ان تشكيل الحكومة ينبغي ان يرتكز على ثلاث ركائز رئيسية وأساسية وكان يطالب جميع الشعب العراقي أن يكون على وعي ومتابعة ومراقبة لهذه الأسس. والاسس هي:
أولاً: يجب أن يكون الوزراء أكفاء قادرين على القيام بمسؤولياتهم الوزارية.
ثانياً: أن يكون هؤلاء الوزراء من المخلصين للعراق وشعب العراق ومصالح العراق، وهذه مسألة مهمة جداً. ويبين الحكيم السبب في ذلك بقوله: نحن نريد أن نبني عراقاً جديداً، وأن نفتح صفحة جديدة تغييرية في أوضاع العراق، فلا بد أن يأتي الوزير مخلصاً لمصالح العراق لا لمصالحه أو لمصالح فئته أو مصالح الدول الأجنبية الخارجية، بل لا بد أن يكون مخلصاً للعراق وشعبه، وأن يكون هذا الوزير أيضاً إنساناً جاداً في إخلاصه في معالجة المشاكل، وبذلك يمكن أن نواجه مشاكل هذه الوزارة، لا بد أن تتسم بهذه الصفة أيضاً.
ثالثاً: أن تكون هذه الوزارة معبّرة عن أبناء الشعب العراقي بأطيافهم المختلفة، بمذاهبهم، بقومياتهم، بانتساباتهم الدينية والعرقية، حتى تكون هناك مشاركة حقيقية لأبناء الشعب العراقي. وقال الحكيم في هذا المجال: انه إذا كانت هناك ثغرة في المجلس الحكم في عدد التمثيل لبعض القوى فلا بد أن تمثل هذه القوى في هذه الوزارة حتى يكون التمثيل والمشاركة واسعة لكل أبناء الشعب العراقي، وبذلك يمكن للعراقيين أن يتعاونوا معها وأن تؤدي واجباتهم، وأن تقوم بمسؤولياتها بصورة كاملة ومناسبة.
الطائفية وحقوق الاكثرية المظلومة
بعد سقوط النظام الدكتاتوري الطائفي في العراق انبرت بعض وسائل الإعلام العربية وبعض القيادات الرسمية والدينية في المنطقة للتشويش في أن الوضع في العراق اصبح وضعا طائفيا، ويراد بذلك اتهام الشيعة شيعة أهل البيت بأنهم أخذوا يتعاملون بصورة طائفية ويأخذون الحصة الكبرى وكأنهم يريدون أن يظلموا الآخرين. وكان للسيد الحكيم ردٌ على هذه التهريجات بقوله: نحن منذ البداية دعونا أولاً الى الوحدة الإسلامية، وما زلنا نُصر على هذه الوحدة، وثانياً دعونا الى وحدة العراق حكومة وشعباً وأرضاً، ولا نوافق بأي شكل من الأشكال أن تتزعزع هذه الوحدة. ونعتقد بأن النظام الطائفي والعنصري يزعزع هذه الوحدة، فنظام صدام المجرم كان نظاماً طائفياً عنصرياً ولذلك زعزع وحدة الشعب العراقي. نحن نعتقد بهذه الأمور كأساس، ولذلك اكتفى أخواننا الذين شاركوا في مجلس الحكم بالحد الأدنى لما يستحقه شيعة أهل البيت بالحكم، شيعة أهل البيت إذا أرادوا أن يأخذوا نسبتهم على أساس طائفي وأقل نسبة هي 65% من الناحية العددية لكنهم مع ذلك تنازلوا عن هذا الأمر، واكتفوا بنسبة 52% أي الحد الأدنى من الغالبية من أجل المحافظة على وحدة العراق ووحدة الصف ومن أجل التغلب على المشكلات القائمة في الوقت الحاضر، ودائماً شيعة أهل البيت يقتدون بسيدهم ومولاهم الإمام علي عليه السلام الذي كان يقول: "لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين وكان الجور عليّ خاصة"، هكذا كان يقول الإمام علي عليه السلام، عندما كان يتحدث عن حقه وحقوقه، شيعة أهل البيت يسيرون بسيرة علي عليه السلام ويمتثلون لعلي عليه الاسلام، إذا كان الوضع طائفياً فلا بد أن تكون هناك مطالب أخرى بالنسب، نحن لا نؤمن بالنظام الطائفي، ونعتقد بأن الوزارة يجب أن تمثل المشاركة لكل الأطياف العراقية، وأن نأخذ في هذه المرحلة على أقل تقدير المصالح العامة للشعب العراقي والقضايا العامة ونترك التفاصيل للمستقبل عندما تكون هناك انتخابات حرة يعبّر فيها العراقيون عن آرائهم، ويكون هناك إحصاء تتبين منه النسب بصورة واضحة، عندئذ يمكن أن نعرف ما هي الحقائق
في القسم الخامس سنواصل الحديث عن افاق بناء الدولة العراقية الجديدة