الجمعة التاسعة عشر 27 ربيع الثاني 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمي،ن وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
انا سوف اقرأ الدعاء طبعا وكلما انتهيت من فقرة فالرجاء ان تقولوا (لا اله الا الله).
بسم الله الرحمن الرحيم، ربي ادخلني في لّجة بحر احديتك ،(لا اله الا الله) وطمطام يم وحدانيتك (لا اله الا الله) وقوني بقوة سطوة سلطان فردانيتك ،(لا اله الا الله) حتى اخرج الى فضاء سعة رحمتك ،(لا اله الا الله) وفي وجه لمعات برق القرب من اثار رحمانيتك، (لا اله الا الله) مهيبا بهيبتك، عزيزا بعنايتك، متجلالا مكرما بتعليمك وتذكيتك، (لا اله الا الله) والبسني خلع العزة والقبول، (لا اله الا الله) وسهل لي مناهج الوصلة والوصول، (لا اله الا الله) وتوجني بتاج الكرامة والوقار، (لا اله الا الله) والّف بيني وبين احبائك في دار الدنيا ودار القرار، (لا اله الا الله) وارزقني من نور اسمك هيبة وسطوة تنقاد لي القلوب والارواح، (لا اله الا الله) وتخضع لدي النفوس والاشباح، (لا اله الا الله) يا من ذلت له رقاب الجبابرة، (لا اله الا الله) وخضعت لديه اعناق الاكاسرة، (لا اله الا الله) لا ملجأ ولا منجا منك الا اليك، (لا اله الا الله) ولا اعانة الا بك ولا اتكاء الا عليك، (لا اله الا الله) ادفع عني كيد الحاسدين، وظلمات شر المعاندين، (لا اله الا الله) وارحمني تحت سرادقات عرشك يا اكرم الاكرمين، (لا اله الا الله) ايد ظاهري في تحصيل مراضيك، ونوّر قلبي وسري بالاطلاع على مناهج مساعيك، (لا اله الا الله).
الهي كيف اصدر عن بابك بخيبة منك، (لا اله الا الله) وقد وردته على ثقة بك، (لا اله الا الله) وكيف تأيسني من عطائك وقد امرتني بدعائك، (لا اله الا الله) وها انا مقبل عليك ملتجأ اليك، (لا اله الا الله) باعد بيني وبين اعدائي، (لا اله الا الله) كما باعدت بين اعدائي، (لا اله الا الله) اختطف ابصارهم عني بنور قدسك، (لا اله الا الله) وجلال مجدك، (لا اله الا الله) انك انت الله المعطي جلائل النعم المكرمة، (لا اله الا الله) انك انت الله المعطي جلائل النعم المكرمة لمن ناجاك بلطائف رحمتك، (لا اله الا الله) يا حي ياقيوم، (لا اله الا الله) يا ذا الجلال والاكرام، (لا اله الا الله) وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد واله اجمعين، (لا اله الا الله) الطيبين الطاهرين، (لا اله الا الله) كافضل ما صليت وباركت وترحمت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد (لا اله الا الله).
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
وقع في يدي قبل ايام، وانا اتامل ماذا ينبغي ان اقول في خطبة صلاة الجمعة.وقع في يدي كتاب الاكليل لابي محمد الحسن اليماني المعروف بابن الحائك الهمداني، وهو كتاب يحتوي اكثره على ما يسميه المؤلف، بالقبوريات، وهي اخبار وقصص عن قبور قديمة حصل الكشف عنها. وقد الفت نظري احد تلك الاخبار، صفحة 138 من الكتاب يقول فيه: (فيه عبرة اريد ان اعرضها عليكم)
روى هشام عن ابيه عن صالح الكلبي عن ابن عباس قال: ذكرنا احاديث القبور في مجلس رسول الله (صلى الله عليه واله)، فانشعبت منا فيه فنون كثيرة فلم يبق فينا احد الا حدث حديثا. فاقبل رجل من جهينة، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه واله)، قال: اتانا من يُحدث فيحسن. فلما جاء سلم ثم جلس، فقال: افيكم رسول الله (صلى الله عليه واله) (حيث انه لايعرف رسول الله لانه جالس بين الناس كاحدهم، وفي رواية اخرى يدخل الداخل يقول: من منكم محمد؟ هكذا فقط، من دون تكبر اطلاقا. لانه يلبس كما يلبس الاخرون، ويتكلم كما يتكلم الاخرون، ويمشي كما يمشي الاخرون. على كل حال). فلما جاء سلم ثم جلس، فقال: افيكم رسول الله؟ قلنا نعم ها هو ذا، فقام اليه مسرعا فقبل يده، فقبضها عنه رسول الله (صلى الله عليه واله)، ثم قال: (ان هذه حمقة من حمقات الاعاجم). (ربما الاكاسرة أو القياصرة أو المتنفذين منهم، كانوا يفعلون هذا الفعل، وطبعا تعلمون ان كل غير عربي فهو اعجمي، وليس المقصود امة او لغة معينة). كانوا يستطيلون على الناس بتجبرهم، فاذا جلسوا في مجالسهم، ودخل عليهم من دونهم، تملقهم بمثل هذا، ليستجلب به رافتهم، وان تحية الاسلام المصافحة. فقال: يارسول الله اني اتيتك من بين ظهراني قوم حرشتهم الجاهلية فقست قلوبهم، ومرنت على التكذيب خلودهم، واني احب الاسلام فاتيتك فيه راغبا، فاشرع لي اعلامه لاؤدي فرائضه التي عليّ.. الى اخر الخبر.
فالمهم ومحل الشاهد هو تقبيل اليد، التي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في هذه الحادثة سحبها من هذا الرجل، ولم يقدمها لتقبيل يده.
وفي الوسائل ابواب احكام العشرة، عن علي بن مزيد صاحب السابري، قال: دخلت على ابي عبد الله(عليه السلام) فتناولت يده فقبلتها، فقال: (اما انها لاتصلح الا لنبي او وصي نبي).
وحسب فهمي، فان السر في ذلك هو ان تقبيل اليد، يكون بالنسبة الى من تُقبّل يده، نحوا من التكبر والانانية، والشعور بالاهمية بالنفس الامارة بالسوء، وشكل من اشكال الاستعلاء بالباطل، وعلى غير الحق، وفي يوم القيامة يحشر الفرد ويسأل لماذا قدمت يدك للتقبيل؟ فماذا يجيب؟ مع ان حبال الدنيا يومئذ كلها متقطعة، هل يقول كان ذلك طلبا للدنيا، او للشهرة، او للمال، او للتعارف الاجتماعي، او للتكبر؟ طبعا كل ذلك منقطع في يوم القيامة، ولا يقبله الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا ورد كما سمعنا، (انها لاتكون الا لنبي او وصي نبي) اي للمعصومين بالذات، او واجبي العصمة، عليهم افضل الصلاة والسلام. وهم الانبياء والاولياء عليهم السلام، لان نفوسهم ليست امارة بالسوء، لانهم معصومون. اما انا وامثالي، من ذوي النفوس الضعيفة، والقلوب المخلوطة، فهي مؤثرة لامحالة، (اي تقبيل اليد ) تاثيرا دنيويا متسافلا، حتى وان كان قصد الطرف الاخر (اي المقبل) قصدا حسنا وبنية حسنة، الاان فيه جانبا سيئا ايضا حتى على الاخر، لان الفرد الذى تقبل يده اذا تورط امام الله سبحانه، فان الذى ورطه انما هو هذا الذي قبل يده، فهو يضره في الاخرة، فيصير واسطة على ضرره، فيكون هو متورطا ايضا. لانه يضر المؤمن من هذه الجهة.
وليس في الاخبار استحباب تقبيل اليد، ولا خبر واحد فضلا عن الكثير. واتحدى اي شخص، ياتي بما يدل على الاستحباب. بل ان نفس الرواية السابقة، بل كلتا الروايتين السابقتين، تدلان على مرجوحيته لغير المعصومين بالذات، لانه يقول : (اما انها لاتصلح الا لنبي او وصي نبي)، يعني اذا لم يكن الفرد هكذا (اي معصوما بالذات) فلا يصلح له تقبيل اليد. وامارة ذلك هو ان تنظر اليه هل يغضب اذا لم تقبل يده ؟ او انه يطلب بلسان الحال ان تقبل يده ؟
فماذا يكون حاله امام السميع العليم القاهر القادر جل جلاله؟ ويكفينا الخبر الذي بدات به هذه الخطبة، للدلالة على الكراهة، انها حمقة من حمقات الاعاجم، واسلوب من اساليب طلب الدنيا، خوفا منه تُقبل يده حتى تتكفى شره، وتنال خيره، لا اكثر من ذلك. وانما كان تقبيل اليد اسلوبا من اساليب المجاملة، والتقرب إلى السلاطين والمسيطرين، لكسب المنفعة الدنيوية منهم لا اكثر، ولذا يعبر عنها النبي (صلى الله عليه واله) في الرواية (انها حمقة من حمقات الاعاجم) وانما هي من عمل الشيطان، وعمل الدنيا، وعمل النفس الامارة بالسوء، فالحماقة ما هي الا امثال ذلك ؟ ولو كانت مستحبة لما وصفها النبي (صلى الله عليه واله) بمثل هذه الصفة. والرواية، وان كانت ضعيفة، الا انها تامة بادلة التسامح بادلة السنن. وهي قاعدة صحيحة يستعملها الفقهاء لتتميم كثير من المستحبات والمكروهات المروية بالروايات الضعيفة.
والمسالة ليست خاصة بالحوزة كما ربما الان في خاطركم. كلا، بل لعل كل وجهاء الناس، واصحاب السطوة والنفوذ في المجتمع، تقبل ايديهم.كرؤساء العشائر، والمتقدمين في السن، وغيرهم، ورب الاسرة مثلا، وهكذا. فالخطاب لهم جميعا، ومن جميعهم يكون ذلك قبيحا امام الله وامام رسوله (صلى الله عليه واله).
ولكن تعالوا بنا الى المصافحة، التي هي الادب الرئيسي من اداب الله، واداب الاسلام عند لقاء المؤمنين، وليس هو تقبيل اليد بطبيعة الحال. ففي الوسائل اخبار تكاد ان تكون متواترة بذلك.
فعن ابي عبيدة، قال: سمعت ابا جعفر الباقر سلام الله عليه، يقول: (اذا التقى المؤمنان فتصافحا، اقبل الله بوجهه عليهما وتحاتت (اي تساقطت) الذنوب عن وجوههما حتى يتفرقا). وفي رواية اخرى: (وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر).
وعن يونس عن رفاعة، قال: سمعته يقول: (مصافحة المؤمن افضل من مصافحة الملائكة). وعن السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: (تصافحوا فانها تذهب بالسخيمة).
وعن ابي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (اذا لقي احدكم اخاه فليسلم عليه وليصافحه، فان الله عزوجل اكرم بذلك الملائكة، فاصنعوا صنع الملائكة).
وفي حديث اخر عن ابي عبد الله، قال: (انتم في تصافحكم في مثل اجور المجاهدين). وعن ابي عبيدة الحذاء، قال: قال ابو جعفر الباقر (سلام الله عليه): (ان المؤمن اذا صافح المؤمن تفرقا من غير ذنب).
وعن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (اذا تلاقيتم، فتلاقوا بالتسليم والتصافح، واذا تفرقتم، فتفرقوا بالاستغفار). والاخبار في ذلك متظافرة ومتواترة.
والنتيجة ان المؤمنين اذا تلاقيا وتصافحا، فقد عملا المستحب والادب الاسلامي الذي يرضي الله ورسوله والمعصومين، وافترقا من غير ذنب.واما اذا حصل تقبيل اليد فقد افترقا بذنب. اما من مد يده فعليه الوزر والمسؤولية. واما الاخر فعليه مسؤولية توريط صاحبه بالذنب.
يبقى شيئ واحد اؤجله الى الجمعة الاتية، اذا بقيت الحياة، وهو انك تسأل وكثيرون يسالون بهذا الصدد، ان تقبيل اليد اكرام لذرية رسول الله (صلى الله عليه واله)، فهذا ما سوف اجيبه في الجمعة الاتية اذا بقيت الحياة، واذا لم تبق الحياة فاسالكم الفاتحة والدعاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب ان ماله اخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما ادراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الافئدة * انها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة التاسعة عشر 27 ربيع الثاني 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
لك المحمدة ان اطعتك، ولك الحجة ان عصيتك، لا صنع لي ولا لغيري في احسان الا بك. يا كائنا قبل كل شيء، ويا مكون كل شيء، انك على كل شيء قدير. اللهم اني اعوذ بك من العديلة عند الموت، ومن شر المرجع في القبور، ومن الندامة يوم الآزفة، فاسألك ان تصلي على محمد وال محمد، وان تجعل عيشي عيشة نقية، وميتتي ميتة سوية، ومنقلبي منقلبا كريما، غير مخزٍ ولا فاضح. اللهم صل على محمد واله الائمة، ينابيع الحكمة، واولي النعمة، ومعادن العصمة، واعصمني بهم من كل سوء، ولا تأخذني على غرة، ولا على غفلة، ولا تجعل عواقب اعمالي حسرة، وارض عني، فان مغفرتك للظالمين، وانا من الظالمين. اللهم اغفر لي ما لا يضرك، واعطني ما لا ينقصك، فانك الوسيع رحمته، البديع حكمته، واعطني السعة، والدعة، والامن، والصحة، والبخوع، والقنوع، والشكر، والمعافاة، والتقوى، والصبر، والصدق عليك، وعلى اوليائك، واليسر، والشكر، واعمم بذلك يا ربي اهلي وولدي واخواني فيك، ومن احببت واحبني، وولدت وولدني من المسلمين والمؤمنين، يا رب العالمين. الحمد لله الذي لا تنفد خزائنه، ولا يخاف آمنه. ربي ان ارتكبت المعاصي فذلك ثقة مني بكرمك، انك تقبل التوبة عن عبادك، وتعفو عن سيئاتهم، وتغفر الزلل، وانك مجيب لداعيك، ومنه قريب، وانا تائب اليك من الخطايا، وراغب اليك في توفير حظي من العطايا، يا خالق البرايا، يا منقذي من كل شديدة، يا مجيري من كل محذور، وفر علي السرور، واكفني شر عواقب الامور، فانك الله على نعمائك وجزيل عطائك مشكور، ولكل خير مذخور، وصلى الله على سيدنا ونبينا خير الاولين والاخرين، وخير الخلق اجمعين، وعلى اله الطيبين الطاهرين، افضل واحسن واكمل واجزل وازكى وانمى وافضل، ما صلى على احد من انبيائه ورسله ومن الخلق اجمعين، انه على كل شيء قدير.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
ومن الامور السائرة والمشهورة جدا في الحوزة الشريفة وغيرها نداء المؤمن بضمير الجمع، يقول له: (جئتم، وقلتم، وذهبتم)، ولايجوز في نظره مخاطبته بضمير المفرد. مع اننا نخاطب الله بضمير المفرد ! كقوله في بعض الادعية: (اللهم انك قلت في كتابك المنزل). وفي القران الكريم، ولعلي لا احفظ الاية: ((تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب )). ونخاطب المعصومين عليهم السلام، بضمير المفرد،كقوله في بعض الزيارات: (اني اشهد انك تسمع سلامي وترد جوابي). فهل كان هؤلاء المؤمنين اعظم شأنا من الله ورسوله ؟! الا حسب دعاوى النفس الامارة بالسوء، وطلب الدنيا والشهرة. واصبح هذا راسخا، حتى اصبحت اللغة الفارسية يعيدون فيها ضمير المخاطب وضمير الغائب جمعا، فيقول (هم قالوا، وهم ذهبوا) ونحو ذلك حيث يقصد الواحد بطبيعة الحال. وهذا ايضا من المؤسف بطبيعة الحال. شانه في ذلك شان تقبيل اليد. واما اذا غضب الفرد لعدم تقبيل يده، او لاجل عدم مخاطبته بضمير الجمع، بل مخاطبته بالضمير المفرد. فاعلم انه خارج من رحمة الله، وداخل في غضب الله. وقد رووا في ذلك رواية تقول: (ان المؤمن بجماعة)، فكانه اذا يجب اعادة الضمير اليه، (ضمير جماعة)، او (ضمير الجمع)، وهذه الرواية لاوجود لها اطلاقا، ولو كانت موجودة فهي مرسلة وضعيفة السند وليست بحجة. ولو تنزلنا وقبلناها امكن ان نفهم منها معنى اخر غير اعادة ضمير الجمع، ولا ربط لها بذلك اصلا، وهو التركيز على اهمية المؤمن، ومدى ارتفاع شأنه عند الله، ومدى تاثيره في المجتمع، فان تاثيره كتاثير الجماعة كما يعبرون (واحد كألف) او كما يعبرون عن واحد انه كفرقة كامله في الجيش بكامل اسلحتها. والمؤمن المخلص الشجاع كذلك بطبيعة الحال..
صلوا على محمد وال محمد (فصاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد).
مرة ثانية رجاءا (فصاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد).
مرة ثالثة رجاءا (فصاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد).
مرة رابعة رجاءا (فصاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد).
مرة خامسة رجاءا (فصاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد).
وهذا لايعني انه ليس فردا واحد (إذا كان مهما جدا) بحيث يجب في اللغة ان تعيد الضمير اليه مفردا، ومن الغلط في اللغة اعادة الضمير اليه جمعا. بل الوارد في الروايات، هُو اختصاص الضمير بالمفرد وعدم امكان ارجاعه إليه جمعا. ففي الحديث عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله الصادق (سلام الله عليه)، قال: (ثلاثة ترد عليهم رد الجماعة، وان كان واحدا. عند العطاس تقول يرحمكم الله، وان لم يكن معه غيره. والرجل ليسلم على الرجل فيقول السلام عليكم. والرجل يدعو للرجل يقول عافاكم الله وان كان واحدا، فان معه غيره). وهذه واضحة بالحصر في هذه الموارد الثلاثة ،معناها انه في غير هذه الموارد الثلاثة ممنوع ومرجوح، وليس من الادب الاسلامي. فان قلنا باستحبابها (أي باستحباب هذه الموارد). فلا دليل على الاستحباب في غيرها، مضافا إلى انها لاتدل على الاستحباب حتى في هذه الموارد. لإمكان ان الامام عليه السلام هنا يريد ان يرفع هذه الغرابة في اعادة الضمير جمعا الى المفرد في هذه الموارد. وهذا الاسلوب هنا اسلوب عرفي، وليس اسلوباً خاصاً بالشرع، فيريد الامام (عليه السلام) ان يرفع الغرابة عن هذا الاسلوب العرفي، مضافا إلى ان الامام (عليه السلام) يحاول ان يصحح هذه الاستعمالات الثلاثة، حيث يقول: (فان معه غيره)، يعني من الملائكة. انت، اليس معك ملائكة؟. انا اقول نعم معك ملائكة، وكل فرد منا معه ملائكة بنص القران الكريم: السائق، والشهيد، والرقيب، والعتيد، والحافظ، والولي. ((نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا والاخرة)). اذن فهذه الاستعمالات ليست غلطا، لانها فعلا موجهة لمجموعة أي للمؤمن وملائكته.
وهذا لايصحح اعادة الضمير دائما في الجمع، لأن عافاكم الله، والسلام عليكم، دعاء للمؤمن والملائكة. واما قولنا ذهبتم، وقلتم، ونحو ذلك خطأ، لأن الفرد قال ولم تقل الملائكة شيئاً، والفرد ذهب ولم تذهب الملائكة، والفرد نام والملائكة لاتنام، والفرد اكل الطعام والملائكة لاتأكل الطعام. تقول له نمتم واكلتم والملائكة لم تفعل ! إذن يكون كذبا حبيبي.
الخطوة الاخرى التي لاتخلوا من الاهمية: ومن العيوب المستحكمة في داخل الحوزة وفي خـارجها، الجـلسة الشريفة في المجـلس، أو مـا يسمى بـ(صـدر الـمجلس)، فانه يُقصد من قبل الـكثيرين حتى يـكون فيه ضـيق شـديد علـى الجالسين، ومـع ذلـك يقولـون للـداخلين: يسع، يسع. صلوا على محمد وال محمد (فصاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد) في حين انه يدل ايضا كسوابقه على الانانية والتكبر وتركيز الذات المرجوح اخلاقيـا والـممقوت امـام الله سبحانه وتعـالى. اليس رسول الله اسوة لنا ؟! مـاذا سمعنا قبل قـليل ؟ (مـن هـُو منكم محمد؟). سـبحان الله، لـو كـان مـحمد جـالسا فـي صـدر الـمجلس، لما كان سأل هذا السؤال، هل نحن غفلة ؟). اليس رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اسوة لنا، وكذلك قادتنا وسادتنا المعصومين ؟ اذن فلنسمع الروايات عنهم وعن تواضعهم، فان كانوا اسوة لنا إذن وجب علينا التواضع، وترك العادات التي تركز التكبر والانانية. ومن الواضح انه كلما صعد الفرد في درجات الايمان، قل تكبره، وزاد تواضعه، حتى يصل إلى درجة لايرى لذاته أية اهمية واي وجود. وإنما تحصل مثل هذه العادات نتيجة لنقاط الضعف التي يريد الفرد ان يغطيها ويسترها من نفسه، وهو يعلم ان ذاته الحقيقية ما هي ؟ وما فيها من قصور وتقصير ؟ كما قال الله تعالى ((بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره))، فانه يحملك ويرميك في كذا وكذا وهو كاذب في كل ما قال. صلوا على محمد وال محمد (فصاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد).
واما الاخبار فعن ابي سليمان الزاهد عن ابي عبد الله الصادق (سلام الله عليه)، قال: (من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلون عليه حتى يقوم) وهي نص بالاستحباب الاكيد للرضا بدون الشرف من المجلس ـ ومن ذا الذي لايطمع بصلاة الله تعالىعليه وملائكته ـ وضعف سندها مجبور بادلة التسامح بادلة السنن، وهي صحيحة (اي هذه القاعدة) من هذه الناحية واجماعية.
وعن عبد الله ابن المغيرة عمن ذكره عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا دخل منزلاً قعد في ادنى المجلس إليه حين يدخل).
وعن هارون بن خارجة عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: (ان من التواضع ان يجلس الرجل دون شرفه). اقول ومن الواضح ان التواضع ليس للناس بل لله، ومن هنا ورد (من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر على الله اذله الله).
صلوا على محمد وال محمد (هنا صاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد).
وعن علي بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه السلام)، وهي معتبرة سندا في المشهور وانا اؤيد هذا المشهور، قال: (من التواضع ان ترضى بالمجلس دون المجلس) أي دون المجلس الذي يناسبك (وان تسلم على من تلقى) كائنا من كان، ليس مثل ذلك الذي يقول : لا الوث شاربي من دم الارنب. بل تواضع له وسلم عليه قربة للعزيز الحكيم، ولا تقل انه ينبغي ان اسلم على شخص (كشخة)، اما الفقير والمتدني فلا اسلم عليه. فاذا فعلت ذلك، اذن انت خارج من رحمة الله وداخل في غضب الله.
صلوا على محمد وال محمد (هنا صاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد).
(من التواضع ان ترضى بالمجلس دون المجلس، وان تسلم على من تلقى، وان تترك المراء وان كنت محقا) ليس بدافع الانانية تدافع عن نفسك وعن ارائك التي هي غير معلومة صحيحة ام كاذبة. لا، بل تواضع لله واسكت. (ولا تحب ان تحمد على التقوى) انه انا صمت وانا صليت صلاة الليل وانا ذهبت إلى زيارة الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة !! اسكت. الله يدري أم لايدري ؟ طبعا يعلم. فان كنت ذا اهمية لديه يقبلها منك، واما ان تورط نفسك بالرياء، فتعسا لك.
صلوا على محمد وال محمد (وهنا صاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد).
بل ورد المنع اخلاقيا عن تقديم الطاعة، والتبجح بها حتى إلى الله سبحانه، حتى إلى الله لاتقل انا اطعتك وانا صليت لك، قدم ذنوبك فقط. المعصوم يقول ليس لي عمل استحق به الجنة، فكيف انا وامثالي من المتدنين الحقراء. اعتبروا يا اولي الابصار، إلى متى انتم غفلة (ومنغمسين) بالذنوب والدنيا الدنية والنفس الامارة بالسوء ؟ إلى متى ؟ اشعر حبيبي !
وعن ابن عباس قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة)(ويجيب دعوة المملوك إلى خبز الشعير)، لا يحتشم من دعوة المملوك فضلا عمن هُو اشرف من رسول الله (صلى الله عليه واله). فهل في الحوزة وغير الحوزة شخص اشرف من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم) حتى المراجع حتى سيد محمد الصدر؟ وهل في الحوزة شخص يقبل بمثل هذه الامور التي كان يقوم بها رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم) حتى المراجع حتى سيد محمد الصدر ؟ وانا اقدم ذنوبي امامكم الان. لايعطيها إلى احد انه : شيخنا او سيدنا تعال شدها لي، بل هُو يشدها. ترفس في وجهه ويشدها.
هل يقبل احد ان يجلس على الأرض وياكل على الأرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير ؟ فليكن الشخص منا كما ورد (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وعاتبوها قبل ان تعاتبوا) واعلموا ان امامكم عقبا كؤودا ولايمر فيها إلا الافضل عند الله سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة العشرون 4 جمادي الاولى 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صل على محمد واله، وهب لي الغداة رضاك، واسكن قلبي خوفك، واقطعه عمن سواك، حتى لا ارجو ولا اخاف الا اياك. اللهم صل على محمد واله، وهب لي ثبات اليقين، ومحض الاخلاص، وشرف التوحيد، ودوام الاستقامة، ومعدن الصبر، والرضا بالقضاء والقدر. يا قاضي حوائج السائلين، يا من يعلم ما في ضمير الصامتين، صل على محمد واله، واستجب دعائي، واغفر ذنبي، واوسع رزقي، واقضي حوائجي في نفسي واخواني في ديني واهلي. الهي طموح الامال قد خابت الا لديك، ومعاكف الهمم قد تعطلت الا عليك، ومذاهب العقول قد سمت الا اليك. فانت الرجا، وانت الملتجا، يا اكرم مقصود، واجود مسؤول. هربت اليك بنفسي، يا ملجأ الهاربين باثقال الذنوب احملها عن ظهري، لا اجد لي اليك شافعا سوى معرفتي بانك اقرب من رجاه الطالبون، وآمل ما لديه الراغبون. يا من فتق العقول بمعرفته، واطلق الالسن بحمده، وجعل ما امتن به على عباده في سخاء لتأدية حقه، صل على محمد واله، ولا تجعل للشيطان على عقلي سبيلا، ولا للباطل على عملي دليلا.
اللهم انت السلام، ومنك السلام، ولك السلام، واليك يعود السلام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على الائمة الهادين المهدين، السلام على جميع انبياء الله ورسله وملائكته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على علي امير المؤمنين، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة اجمعين، السلام على علي بن الحسين زين العابدين، السلام على محمد بن علي باقر علم النبيين، السلام على جعفر بن محمد الصادق، السلام على موسى بن جعفر الكاظم، السلام على علي بن موسى الرضا، السلام على محمد بن علي الجواد، السلام على علي بن محمد الهادي، السلام على الحسن بن علي الزكي العسكري، السلام على الحجة بن الحسن القائم المهدي، صلوات الله عليهم اجمعين.
اليوم اتحدث عن الاخوّة في الايمان، لاصل منها الى النتيجة التي وعدت بانجازها والتعرض لها في الجمعة السابقة.
والاخوة في الايمان من ضروريات الدين، ونص القران الكريم، قال تعالى: ((انما المؤمنون اخوة)) ودلالتها على الحصر بـ (انما)، اي لا يجوز غير ذلك، ولا يمكن غير ذلك. وان الرحم لا دخل لها بالموضوع، والنسب لا دخل له بالاخوة، كما قال في الحكمة: (رب اخ لك لم تلده امك). وهذه الاخوة شرطها الايمان، كما قال تعالى: ((انما المؤمنون اخوة))، وليس بعنوان اخر اطلاقا. فانك إذا ذقت طعم الايمان في قلبك، وبرد الايمان في نفسك، احببت كل مؤمن، سواء عاشرته، ام لم تعاشره، وسواء عرفته، ام لم تعرفه، مادمت تعلم انه على حق وعلى الصراط المستقيم. بل ان هذا من ضروريات الايمان، لانك ان كرهت اخاك المؤمن فانت المقصر وليس هو، وانما كرهت مؤمنا والعياذ بالله. وكراهة المؤمن بهذه الصفة كانها كراهة للايمان نفسه والعياذ بالله.
وواضح انك إذا كرهت الايمان فلست بمؤمن، فالعتب عليك وليس عليه. فاذا كنت متحدا معه في الايمان، وفي العمل، وفي الطريق، وفي الهدف، كفى اكيدا في حصول التحابب بينكما، وفي امكان التعاون بينكما.
وبعضهم ينقل قطعة من بيت شعر تقول: اختلاف الراي لا يفسد في الحب قضية. مع ان هذا ليس بصحيح، لان المراد من اختلاف الراي هو اختلاف الهدف، واذا كان هدفه غير هدفي، كيف احبه ؟ واذا كان هدفه غير هدفك فكيف تحبه؟ وانا اعلم ان هدفي حق وهدفه باطل، هدفي اخروي وهدفه دنيوي، هدفي رفيع وهدفه وضيع باذن الله وبتوفيق الله، فكيف احبه؟
وانما لا بد من الشعور فيه في مثل هذه الحالة، انه ليس لي بأخ، بل هو لي عدو، ونحن قوم وهم قوم ـ كما قلت في بعض الخطب السابقة ـ وان كنا نعيش سوية في مكان واحد، ولعله تحت سقف واحد، أيضاً هو ليس لي بأخ، حتى لو كان لي اخ بالنسب، فهو ليس لي بأخ في الايمان. ولذا قيل في الحكمة: (كن فيهم ولا تكن منهم). كيف وهم لا يتصفون بالايمان الذي هو الحد الحق للاخوة في الإسلام، وانما يكون مشمولا لقوله تعالى: ((الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله)) الا ان يتوب ويهتدي، فان تاب واهتدى، فاهلا به وسهلا. ويكون مشمولا لقوله تعالى: ((واخرين منهم لما يلحقوا بهم))، اي انه بالتدريج الناس يؤمنون ويتوبون، يوجد هناك اناس قابلين للتوبة لم يلحقوا باهل التوبة، سوف يلحقون بهم في المستقبل القريب أو البعيد.
والاخوة ليست هي الصداقة، بل هي اعمق منها وادق واخص. فليس كل صديق اخ، وليس كل صداقة اخوة. بل لعلك تصادق على الدنيا من تعاديه على الاخرة. كما انه ليس كل اخوة صداقة، لانك قد لا تعرف اخاك لانه في مكان بعيد أو زمان بعيد أو في جيل اخر، ومع ذلك فانك تحبه وتتعاطف معه ـ وان لم تره اصلا لماذا ؟ لانه اخ في الايمان ـ ومع كل الاخوة في الايمان والاخوة في الله سبحانه وتعالى الموجودين والماضين والمستقبلين وفي اي زمان ومكان ما دمت تشعر انهم على حق، وانهم معك على طريق واحد، وهدف واحد. بل انت هم وهم انت، لا تختلفان في شيء غير بعض الطبائع الشخصية غير المهمة والتي لا ربط لها بالمصالح العامة والاخروية.
وهذه الاخوة لها عمليا جانب سلبي وجانب ايجابي. اما الجانب السلبي، فبسلب الحـقد، والبغضاء، والاعتراض، والاضـرار، والاحتـقار للمؤمنين من بعضهم البعض. فان ذلك كله حرام في الاخ في الايمان، مهما كان عمله الدنيوي من المباحات، أو مهما كانت طبقته في المجتمع، أو ثراءه، أو فقره، أو بعده، او قربه. والجانب الايجابي، وهو التحابب، والتراحم، والتعاون على امور الدنيا وعلى امور الاخرة، والتشاور، وتبادل الثقة، والاحترام.
اذن فمن جملة ذلك ان يكون مقتضى احترامه، ـ الان ندخل الى المطلب الذي انتهينا منه في ذلك الاسبوع ـ هو ان تقبل يده لو كان ذلك مناسبا اجتماعيا. ومن هنا كان لتقبيل اليد عدة مبررات شرعية، فلماذا قلنا في الخطبة السابقة انها ليست بصحيحة:
اولا: التوقع الاجتماعي لذلك، بحيث لو لم تقبل يده فقد احتقرته، أو إذا لم تخاطبه بالجمع فقد احتقرته. واحتقاره حرام، لانه اخ في الايمان. واحتقار الاخ في الايمان حرام لا محالة.
ثانيا: انه نحو من الاكرام، وزيادة في الحفاوة للاخ المؤمن. والزيادة في الحفاوة للاخ المؤمن مطلوبة، ولو استحبابا في مثل هذه العلاقات.
ثالثا: ان صديقك قد يكون سيدا وعلويا من ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله)، ولا شك ان اكرام واحترام ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله) مطلوبة، واحتقارهم من اشد الكبائر، وايذاءهم من اشد الموبقات. إذن، فانت تقبل يده احتراما لهذه الذرية الشريفة، لان باحترامها احترام لرسول الله (صلى الله عليه واله) نفسه.
رابعا: انك تحترم العلم الديني الحق، وهذا عالم في الله أو في الشريعة الاسلامية. فيجب عليك ان تحترمه، وان لا تحتقره وذلك يكون غالبا بتوقع تقبيل اليد.
خامسا: انما سبق كله غايات مستحبة وصحيحة لتقبيل اليد. ولكن حتى إذا انحصر الامر بحاجة دنيوية، فلعل لها أيضاً ارتباط بالدين أو بالشريعة، كانقاذ شخص من ضرر بالغ، أو قضاء حاجته وضرورته، أو استهداف نفع عام من شخص دنيوي. فانت تقبل يده من اجل النفع العام الدنيوي، بالرغم من انه شخص دنيوي، وهكذا.
الان نبدأ المناقشة لهذه الامور المرتبة اللطيفة التي سمعتموها :
واذا غضضنا النظر عن هذا السبب الاخير مؤقتا، امكن تقديم عدة اجوبة على الاسباب الاخرى، منها واهمها :
انه حسب فهمي ان الشرط الاهم فيمن تقبل يده ان يكون اخا لك في الايمان. واما إذا لم يكن كذلك ـ اي ليس اخا لك في الايمان ـ فهو لا يستحق تقبيل اليد، كائنا من كان، حتى لو كان السيد محمد الصدر.
لانك عندئذ، انما تقبل يد عدو الله سبحانه، لانه ليس لك باخ في الايمان، إذن تقبل يد الشيطان من حيث تتخيل انك تقبل يد شخص صالح وتعمل مستحبا، من حيث تعلم أو لا تعلم، كما قال الشاعر:
ويد تكبل وهي مما يفتدى .... ويد تقبل وهي مما يقطع
وهي مما يقطع حتى لو كان سيدا علويا، ولكنه لم يكن لك اخ في الايمان فان تقبيل يده عندئذ يكون نصرا لدنياه، واعانة له على الاثم، وليس احتراما لرسول الله صلى الله عليه واله وذريته. فالافضل لك عند الله سبحانه، الكف عن مثل هذه الاحترامات السمجة، التي يصدق عليها قوله تعالى : ((كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار)). بل حتى لو كان لك اخا في الايمان، نتنزل ونقول ان شاء الله هو اخ لك في الايمان، أو انك تحرز وثاقته، وانه اخ لك في الايمان. لا بأس وعلى العين والرأس، لكن فيه نقطة واحدة، وهو انه يتوقع ان تقبل يده، أو يجد انه من الاحتقار له عدم تقبيل اليد. فان معنى ذلك انه يشعر بالانانية والتكبر والعظمة في غير عظمة الله سبحانه وتعالى، فيكون شيطانا من حيث يعلم أو لا يعلم، ومن حيث تعلم أو لاتعلم. فاذا قبلت يده، فانما تقبل يد الشيطان، وليس هو لك اخ في الايمان، كما تزعم ويزعم. والا لو كان حقيقة لك اخ في الايمان، كما تزعم ويزعم، لما قبل. أو على الاقل لم يهتم، سواء قبلت يده او لا تقبل يده. اما انه يتوقع منك ان تقبل يده فعلا، ولربما في ضميره، أو حتى في لسانه، ويغضب عليك، انه لماذا لم تفعل هكذا، إذن، اغضب عليه، انه لماذا تتوقع ذلك يا عدو الله. (وهنا صاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد). ولذا قلت في الخطبة السابقة : ان كل من يتوقع ان تقبل يده فهو خارج من رحمة الله وداخل في غضب الله.
توجد فكرة صغيرة اعرضها هي انني حين كنت ـ ولا زلت إلى الان ـ اسحب يدي عن التقبيل، كنت شاذا، وغريبا على الحوزة والمجتمع، والامل في الله سبحانه وتعالى، وفي المؤمنين امثال هذه الوجوه الطيبة، ان ياتي يوم قريب ان شاء الله، يكون الامر فيه بالعكس. بحيث يكون من تقبل يده شاذا وغريبا، ويكون من الواضح للمؤمنين انه بذلك يكون طالبا للدنيا والشهرة والشهوة، فتنتفي منه الناس، وتبتعد عنه الناس، ويعرفون انه غير مستحق لتقبيل اليد بينه وبين الله سبحانه وتعالى. ونكمل في الخطبة الاتية.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة العشرون 5 جمادي الاولى 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
لا اله الا الله الها واحدا، ونحن له مسلمون. لا اله الا الله، ولا نعبد الا اياه، مخلصين له الدين، ولو كره المشركون. لا اله الا الله، ربنا ورب ابائنا الاولين. لا اله الا الله وحده وحده وحده، انجز وعده، ونصر عبده، واعز جنده، وهزم الاحزاب وحده، فله الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
سبحان الله، كلما سبح الله شيء، وكما يحب الله ان يسبح، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. والحمد لله، كلما حمد الله شيء، وكما يحب الله ان يحمد، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. ولا اله الا الله، كلما هلل الله شيء، وكما يحب الله ان يهلل، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. والله اكبر، كلما كبر الله شيء، وكما يحب الله ان يكبر، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر على كل نعمة انعم بها علي وعلى احد من خلقه، ممن كان او يكون، الى يوم القيامة.
اللهم اني اسألك ان تصلي على محمد وال محمد، واسألك من خير ما ارجو وخير ما لا ارجو، واعوذ بك من شر ما احذر ومن شر ما لا احذر.
اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتخب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض اليه دين الله. اللهم شرف بنيانه، وعرف برهانه، واخلف حجته، وارفع درجته، وازد نوره، وبيض وجهه، واعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة، والدرجة الرفيعة. وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الاولون والاخرون. وصل على علي امير المؤمنين، ووارث المرسلين، وقائد الغر المحجلين، وسيد الوصيين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسن بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسين بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على علي بن الحسين، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على محمد بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل جعفر بن محمد، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على موسى بن جعفر، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على علي بن موسى، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على محمد بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي بن محمد، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسن بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الخلف الهادي المهدي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. اللهم صل على محمد واهل بيته، الائمة الهادين، العلماء الصادقين، الابرار المتقين، دعائم دينك، واركان توحيدك، وتراجمة وحيك، وحججك على خلقك، وخلفائك في ارضك، الذين اخترتهم لنفسك، واصطفيتهم على عبادك، وارتضيتهم لدينك، وخصصتهم بمعرفتك، وجللتهم بكرامتك، وغشيتهم برحمتك، وربيتهم بمهدك، وغذيتهم بحكمتك.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
ناتي الان إلى بعض النقاط المهمة السائرة اجتماعيا، اهمها :
انك تقبل يد السيد العلوي لمجرد احترام رسول الله (صلى الله عليه واله) وذريته، من دون ان يكون هو متوقعا لذلك، أو شاعرا بالانانية والتكبر وحب الدنيا، وهذا صحيح. ولكن بشرط واحد، وهو ان يشعر السيد نفسه الذي تقبل يده، انك تقبل يده ليس احتراما له، بل هو احترام مباشرة فقط لرسول الله (صلى الله عليه واله). لان صفة السيادة ليست من مميزاته، ليست من اكتسابه واختياره، وانما هي صفة تكوينية ولادية، منّ الله سبحانه عليه بها، فهو لا يستحق بذلك شكرا ولا ذكرا.
فاذا شعر السيد الذي تقبل يده ـ كما هو الغالب جدا لا استثني من ذلك احدا الا النوادر والا من عصم الله ـ إذا شعر باية اهمية في نفسه لاجل تقبيل يده، فقد اخطأ، مضافا إلى انك قد اعنته على الاثم من حيث تعلم أو لا تعلم. ولعل العلامة الاهم في عدم الشعور بالانانية والاهمية هو ما رايته من اثنين من السادة الزائرين من باكستان، وواضح كونهم سادة من خلال قطعة قماش سوداء صغيرة على راسيهما. واحد قبل يد الاخر، والاخر أيضاً قبل يد صاحبه. فكان هذا قد قبل يد سيد، وهذا قد قبل يد سيد، وجزاهم الله خير جزاء المحسنين.
لان الامر لو كان محضا لرسول الله (صلى الله عليه واله)، لكان كلا الطرفين مستحقا لها. لا انك تقبل يد سيد محمد الصدر وليس هو يقبل يدك. بالرغم من انك سيد، او قد تكون سيدا. فتحترمه لثواب الله الذي حصلت انت عليه، وهو يخسر ثواب الله الذي حصلت انت عليه!! اذن فالمسألة غير مرتبطة برسول الله، وانما لدعاوى وعناوين دنيوية، ومرتبطة بهذا السرطان الشديد الذي هُو النفس الامارة بالسوء.
لاحظوا ان عددا من فضلاء ورجال الدين (اعرفهم وسامع عنهم)، قد يصلي بعضهم جماعة وراء بعض . فاذا كان الاثنان عدولا ،فلماذا هذا يصلي وراء هذا ولا يصلي هذا وراء هذا. فيصلي كل منهما وراء الاخر جماعة ماذا سيحدث؟ بل هُو جدا لطيف، انه كل واحد يثق بالاخر، واخ في الله للاخر. كما هُو مروي عن السيد محمد صاحب المدارك (رحمه الله)، الذي هُو من اسرتنا و نسبنا ومن اولاد اعمامنا، والشيخ حسن صاحب المعالم، وقد كانا اولاد خالة، ومتعاصرين في زمن واحد، ومتعاشرين وفضلاء واصدقاء، ويثق احدهم بعدالة الاخر، فيصلي كل منهما وراء الاخر، على اختلاف الايام. لا ان احدهما يتقدم للجماعة دائما، والآخر يتاخر عنها دائما. بحيث يورث الشعور بالاهمية والانانية وحب الدنيا لامامة جماعته. وانما المهم هُو حصول الثواب.وهو يحصل فثواب الجماعة يصير للامام والماموم،فمرة امام ومرة ماموم وعلى كل حال فهو حاصل على ثواب الجماعة.
وقد كان احد ائمة الجماعة (لاحظوا هذا الطرف الاخر) حين يذهب إلى صلاة جماعته ـ وجملة من ائمة الجماعة موجودون هنا، فليسمعوا وليتعظوا، فانا ليس عندي مانع ـ يقول: انا اذهب إلى الدكان. يعتبره محل تجارته لا اكثر ولا اقل، أي يعتبره محل تجارة للحصول على لقمة العيش، أو الكسب الدنيوي.
في مقابل ذلك انني قد رايت جماعة من فضلاء اسرتي واولاد عمي (انا رايتهم ليسوا في جيل سابق، ولكنهم الان غير موجودين رحمهم الله) يصلي بعضهم جماعة وراء بعض.
فمن هُو من المراجع يرضى ان يصلي وراء مرجع اخر ؟! ليس الان فقط، بل في تاريخ النجف منذ تاريخ الشيخ الانصاري وقبله وبعده. اي اثنين من المراجع قابل كل منهما ان يصلي كل منهما وراء الاخر، هذا يصلي اولا ثم يصلي الاخر بعده، هل حدث هكذا شئ ؟ لم يصل ولا واحد اطلاقا، نقسم من الان. فمن هُو من المراجع يرضى بان يصلي وراء مرجع اخر؟
اما انا (يجوز انكم تريدون ان تحملوني المسؤولية ونعم ما تفعلون) فقد كتبت في الايام الاولى من صلاة جمعة الكوفة، إلى عدد من المراجع للحضور إلى هذه الصلاة، وقلت في الكتاب انك إذا حضرت فانا سوف اقدمك اماما للجماعة واصلي خلفك، فتكون الخطبة لي والامامة لك. وانا اقول بجواز تعدد الخطيب والامام في صلاة الجمعة. وحتى لو اراد ذلك المرجع (ايا كان منهم) والى حد الان ان يكون خطيبا، فانا اقول تفضل اخطب وصل بنا، وانا اكون مستمع واكون ماموم وبخدمتك. ولازال هذا الامر نافذ المفعول إلى الان.
وقد قلت لبعض الاخوان : ان المراجع لو كانوا قد حضروا ـ والى الان يمكن تحصيل نفس النتيجة ـ لكان في امكان الحوزة والمذهب، بغض النظر عن السلاح طبعا ـ ونحن عزل من السلاح والحمد لله ـ لـكان في امـكاننا مـجابهة اسرائيل بنفسها، بمـا يحصـــل فينا مـن تكاتف وتضامن وعزة بالله وحسن توفيق وعزة بالحق وعزة باهل البيت واطاعة الله واهل البيت. ولكنني ناديتهم فلم يجيبوا طبعا،كما قال الشاعر: لقد اسمعت لو ناديت حيا ….
بقي علينا ان نناقش السبب الاخير الذي ذكرناه في الاحترام وتقبيل اليد، وهو انك تحتاج إلى شخص دنيوي فتقبل يده، من اجل قضاء حاجاتك الشخصية، أو الدينية احيانا. لماذا لا ؟ وذلك لان الحاجة قد لاتكون شخصية دنيوية، بل قد تكون دينية، أو لاحد المؤمنين المضطرين. وانك تعلم مثلا، ان قضاءها بيد شخص من اهل الدنيا، فانت تقبل يده ليقضي لك الحاجة الدنيوية، وليس في ذلك ضرر. لا، انا اقول ان هذا تسويل من تسويلات الشيطان، كما قال الله سبحانه وتعالى : ((اصبر وما صبرك الاّ بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)). يعني ان الله مع الصابرين، وان الصابرين هم الذين اتقوا والذين هم محسنون. ولا حاجة إلى هذه الذلة والاعانة على الاثم والاهانة، وان جلبت مصلحة دينية. وفي الامكان الاستغناء عن تقبيل اليد بمجاملات اخرى، التي قد تكون اقل ذلة واكثر تاثيرا.
وقد ورد انه لا يجوز للمؤمن ان يذل نفسه. كما انه في نفس الوقت، لا يجوز له ان يعز نفسه بالعزة الدنيوية، وانما المؤمن فقط عزيز بعزة الله، ليس غيره جل جلاله. قال في الدعاء: (فاولياؤه بعزته يعتزون) وقال: ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)). واذا كانت العزة الحقيقية هي فقط لله سبحانه وتعالى، كما هُو الامر كذلك طبعا. إذن فالشعور بالعزة والانانية للذات أو للنفس، انما هي عزة وهمية وشيطانية ومن الشرك الخفي المذموم في الشريعة المقدسة.
فاذا كان الفرد، حتى اخوك في الدين وفي الايمان، يتوقع منك ان تكرمه، أو تحترمه، أو تخاطبه بالجمع، أو تقبل يده، فهو واهم بهذه العزة الوهمية، ومشرك بهذا الشرك الخفي. ومن ثم فهو وان كان لك اخ فى الايمان في الظاهر، إلا انه ممن يجب ان تبرا منه في الواقع. فان اكرمته والحال هذه، فقد اعنته على الاثم. ولكن ان احترمته واكرمته، من دون ان يتوقع هُو ذلك، فقد احسنت انت، واحسن هُو. اما انت ففي اكرامك لاخيك المؤمن. واما هُو فلانكاره الانانية والعزة الوهمية. وان اكرامك له فضل منك عليه دون استحقاق ذاتي له، لا يشعر باستحقاقه الذاتي. فما اكرم والطف هذا المحشر.
ولكن امثال هؤلاء في الناس قليلون، وقد ورد في ذلك : ( الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا) اي ان الامر بين هاتين الغربتين غير ذلك. وهو ان الذين يدّعون الدين والايمان والاخوة كثيرون، ولكن المخلص والمتفاني قليل على أي حال كما قال الشاعر :
اني لأفتح عيني حين افتحها على كثير ولكن لا ارى احدا
اي جامع للشرائط في الاخلاص، والايمان، والطاعة، والتوجه لله سبحانه وتعالى.
ولكن يوجد جيل، أو اكثر من جيل، وان شاء الله هذا الجيل، كذلك كما قال الله تعالى : ((إذا جاء نصر الله والفتح ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا))، انشاء الله الان يدخلون في دين الله افواجا.
صلوا على محمد وال محمد، (هنا صاح المصلون : اللهم صل على محمد وال محمد).
ففي الامكان ان يدخل الناس كلهم في دين الله افواجا، ويكونون كلهم متضامنين في دين الله سبحانه وتعالى، وليس انهم فقط على ظاهر الاسلام والشهادتين، بل على مستوى الاخلاص والتفاني والاخوة الواقعية. وليس هذا من رحمة الله ومن فضل الله ببعيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة السابعة والعشرون 24 جمادي الثاني 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله جميعا والشكر من الله لكم وليس مني لانكم تجشمتم الصعوبة في سبيل اقامة شعائر الله والدفاع عن الحق فجزاكم الله خير جزاء المحسنين.
انا انصحكم، انه بعد الصلاة تبقون في اماكنكم، لا يغادر احد حتى تصلو ركعتين، شكرا لله على نهاية السنة الاولى لصلاة الجمعة، وبدأ السنة الثانية لصلاة الجمعة. فان انتهت صلاة الشكر، فتفرقوا جزاكم الله خيرا.
وانا سوف افتتح السنة الثانية لصلاة الجمعة المقدسة، بدعاء الافتتاح، كما فعلت في مناسبة سابقة. وانتم بعد كل فقرة قولوا يا الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني افتتح الثناء بحمدك (يا الله)، وانت مسدد للصواب بمنك (يا الله). وايقنت انك انت ارحم الراحمين (يا الله)، في موضع العفو والرحمة (يا الله)، واشد المعاقبين (يا الله)، في موضع النكال والنقمة (يا الله)، واعظم المتجبرين (ياالله)، في موضع الكبرياء والعظمة (يا الله). اللهم اذنت لي في دعائك ومسألتك (يا الله)، فاسمع يا سميع مدحتي (يا الله)، واجب يا رحيم دعوتي (ياالله)، واقل يا غفور عثرتي (يا الله)، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها (ياالله)، وهموم قد كشفتها (يا الله)، وعثرة قد اقلتها (يا الله)، ورحمة قد نشرتها (يا الله)، وحلقة بلاء قد فككتها (يا الله) .
الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا (يا الله)، ولم يكن له شريك في الملك (يا الله)، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (يا الله). الحمد لله بجميع محامده كلها (يا الله)، على جميع نعمه كلها (يا الله)، الحمد لله الذي لا مضاد له في ملكه (يا الله)، ولا منازع له في امره (يا الله)، الحمد لله الذي لا شريك له في خلقه (يا الله)، ولا شبه له في عظمته (يا الله). الحمد لله الفاشي في الخلق امره وحمده (يا الله)، الظاهر بالكرم مجده (يا الله)، الباسط بالجود يده (يا الله)، الذي لاتنقص خزائنه (يا الله)، ولا تزيده كثرة العطاء الاجودا وكرما (يا الله)، انه هو العزيز الوهاب (يا الله).
اللهم صل على محمد عبدك، ورسولك، وامينك، وصفيك، وحبيبك، وخيرتك من خلقك، وخليلك من خلقك، وحافظ سرك، ومبلغ رسالاتك، افضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسنى، واكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من خلقك وانبيائك ورسلك وصفوتك واهل الكرامة عليك من خلقك. اللهم وصل على علي امير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين، عبدك ووليك واخي رسولك وحجتك على خلقك، وايتك الكبرى والنبأ العظيم. وصل على الصديقة الطاهرة، فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين. وصل على سبطي الرحمة، وامامي الهدى الحسن والحسين، سيدي شباب اهل الجنة . وصل على ائمة المسلمين، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف الهادي المهدي، حججك على عبادك، وامنائك في بلادك، صلاة كثيرة دائمة. اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وايده بروح القدس يا رب العالمين. اللهم اجعله الداعي الى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الارض كما استخلفت الذين من قبله، مكن له دينه الذي ارتضيته له، ابدله من بعد خوفه امنا، يعبدك لا يشرك بك شيئا. اللهم اعزه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا يسيرا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم اظهر به دينك، وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق. اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة، تعز بها الاسلام واهله، وتذل بها النفاق واهله، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك، والقادة الى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة. اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
طبعا هذا اليوم هو الذكرى السنوية الاولى لحصول صلوات الجمعة في وسط العراق وجنوبه، وانتشارها بهذا المقدار المركز الشريف واللطيف، وذلك كله بفضل الله سبحانه وتعالى، وهمة المؤمنين المخلصين، جزاهم الله خير جزاء المحسنين.
ونحن بالرغم من اننا قاصرون عن اداء شكر الله حق شكره، وحمده حق حمده، وطاعته حق طاعته، واداء حقه حق اداءه. ولكن لا بد من اداء البعض اذ كان الجميع متعذرا. فنؤدي حمده وشكره مع الاعتراف بالقصور والتقصير، وبالتضييع والتبذير، والاعتراف بانه جل جلاله اعطانا اكثر من استحقاقنا، ومنّ علينا اكثر من توقعنا، وقد قال جل جلاله: ((لئن شكرتم لازيدنكم وان كفرتم ان عذابي لشديد)) ونحن نتوقع المزيد من مننه، والكثير من الطافه الخاصة والعامة جل جلال المعطي.
فله الحمد عدد ما في علمه، وزنة عرشه، ومليء كونه، ومداد قلمه، وعدد ما احاط به علمه، ووسعته قدرته، وشملته ارادته. وله الحمد عدد الحصى والنوى، وعدد ما في الدنيا والعلى. وله الحمد عدد انفاس الخلائق، وعدد اوراق الشجر، وعدد ضياء الشمس والقمر، وعدد كل شيء، وملء كل شيء، وزنة كل شيء. وله الحمد والشكر اكثر مما احصاه العادون، واحاط به الاولياء والعالمون. حمدا يدوم ببقاءه، ويتصل آخره باتصال ملكه، حمدا عدد نعمه التي لا تحصى، والائه التي لا تجارى، وافضاله الذي لا يبارى، حمدا لا ينقطع عدده، ولا يفنى امده، ولا يحصى رفده، جل جلاله، ودام افضاله، ولا حد لسلطانه، ولا محصي لنعمه والائه.
الان نحاول ان نستفيد العبرة من هذه التجارب الدينية والاجتماعية، التي حصلت من خلال صلاة الجمعة في هذا العام، فان لكل شيء عبرة وموعظة، مهما كان قليلا او كثيرا، كما قال تعالى ((وكأين من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون)). واذا كان الامر مهما، كانت عبرته اكثر وتجاربه اعمق لا محالة، وكان اولى بالتذكر والاعتبار. ولئن جعلنا هذه التجارب مرقاة وانشاء الله نجعلها مرقاة، الى رضاء الله تعالى، ومقدمة للمزيد من عبادته، كان افضل مما اذا اخذنا الفائدة الدنيوية فقط، والتي لعل فيها خسران الدنيا والاخرة ((ذلك هو الخسران المبين)). فما هي العبرة ؟
اولا: العزة والشرف والرفعة الاجتماعية والدينية. التي حصلت للمذهب في كل العالم عامة، وفي العراق خاصة. ورفع ما كان من ذلة وقنوط، وخنوع واقتصار على الملاذ الشخصية، والارزاق التجارية والاسرية.
ومن هنا يمكن ان نلاحظ ان ما حصل هنا، (بهذه صلاة الجمعة الملتزمون بها جميعا انشاء الله) ما لم يحصل على مدى التاريخ لاي احد. وامامنا الان ايران، فانهم حين اقاموا صلاة الجمعة، نعم ما فعلوا، ولكن لم تكتسب اقامتها هذه الاهمية التي رايناها هنا في العراق، بالرغم من وجود دولتهم وحوزتهم، وانما نظر اليها العالم هناك كعبادة اعتيادية حصلت قناعة اعتيادية من قبلهم باقامتها.
واما هنا فكانت فتحا مبينا لا مثيل له، كما قال تعالى: ((انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما (القرآن ينطبق دائما. افهموه من زاوية ما هو موجود الان) ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولله جنود السموات والارض وكان الله عزيزا حكيما انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما)).
ولك ان تفهم هذه الايات الكريمات كما شئت، ولكني اقول انها تنطبق على مقامنا هذا انطباقا عاليا وجليلا، فله الحمد والمنة.
ثانيا: ان الذي حصل خلال هذه السنة المباركة، هو ما قلته خلال هذه السنة عدة مرات، والفضل لله سبحانه وحده، يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ولكن إذا نظرنا الى الاسباب، فقد فتحت افواه جماعة من الخطباء (قد يصلون الى السبعين من خطباء الجمعة) في الموعظة والارشاد والترغيب والترهيب والتذكير بالامور الدينية والفقهية، بشكل يجب على الاخرين حظورها والاصغاء اليها. وهذا مما لا يحدث في سائر المواعظ، إذ قد لايتيسر للكثيرين مجرد الحضور، وقد لا يستمعون الكلام، اما عمدا، أو غفلة في اي خطبة، أو قصيدة، أو تعزية، أو حفلة، وانواعها وغيرها بخلاف صلاة الجمعة من هذه الناحية، نظيفة من جميع الجهات.
وتكون نتيجة ذلك هو زيادة الموعظة، والتثقيف الديني، والدخول إلى النفوس والقلوب. فحيا الله خطباء الجمعة، الذين جاهدوا وافادوا. وحيا الله الحاضرين المخلصين في كل مكان وزمان. وليس عليّ شكرهم، بل على الله الحليم الكريم.
ثالثا: انه قالت جماعة من الحوزة، ولعلها لازالت تقول: (ان اقامة صلاة الجمعة فتنة). وانما الفتنة هم الذين فتحوها، باصرارهم على عدم الحضور، ولو حضروا، لكان الانتصار اكثر، واتحاد الحوزة والمذهب اكثر. حتى انني قلت، انه بغض النظر عن السلاح، فاننا نستطيع عندئذ من الناحية المعنوية ان نواجه اسرائيل نفسها، (هناصاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد)، ونقول لها كلا ثم كلا، ارجعي من حيث اتيت.
فهم بعدم حضورهم، قد القحوا الفتنة، واوجدوها ونصروا اعداء الدين والمذهب، مع شديد الاسف، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
ويوجد هناك نص واضح في ان صلاة الجمعة ليست فتنة في مصدر رئيسي من مصادرهم، وهو احد اجزاء كتاب المستند للشيخ مرتضى البروجردي (قدس الله روحه)، وهو من تقريرات اية الله الخوئي (قدس الله روحه)، انقل لكم بعض عباراته التي تخص هذا الامر باختصار:
قال في الجزء الاول ص 32 بلسان من ينفي صلاة الجمعة، فيورد على ذلك عدة ادلة بعنوان نفي صلاة الجمعة، ويردها ويناقشها. يقول: (الرابع: انه يقول الخصم _لو صح التعبير_ ان ايجاب مثل هذا الحكم في زمن الغيبة مثار للفتنة وموجب للهرج والمرج، فلا يظن بالشارع الحكيم تشريعه). إلى ان يقول: (بل موجب لاختلال النظام، لتشاح النفوس في طلب الرئاسة والتصدي لمقام الامامة، فربما يؤدي إلى التشاجر والنزاع بين المسلمين، لانتصار اهل كل محلة لامامها، وقد ينجر إلى القتل).
ويجيب على هذا الوجه بعدة ايرادات، منها: (ان هذا التقرير على تقدير تسليمه، فانما يجدي لنفي العينية (يعني القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة) لا اصل المشروعية ولو تخييرا (يعني بينها وبين صلاة الظهر)، فان الوجوب التخييري لا الزام، فيه فلا يتضمن الفتنة لامكان التخلص منها لوجود المندوحة).
ومنها: (ان الفتنة ممنوعة من اصلها حتى على القول بالوجوب العيني، فان من قدم للامامة اما ان يرى غيره اهلا لاستجماعه للشرائط، اولا. فعلى الاول يجب عليه الائتمام به ولا حزازة فيه، وان كان دونه في المقام، فقد حث الشارع على التواضع ومجاهدة النفس، وحذر عن الانانية والكبر. وقد شاهدنا بعض زهاد العصر يأتم خلفه جم غفير من الجهابذة والاساطين وهم افقه منه واعظم شانا بمراتب غير قليلة …) إلى اخر ما قال.
والمهم انه إذا كانت مصادرهم الرئيسية تقول بعدم تحقق الفتنة، فماذا ولماذا هم يقولون بها ؟
رابعا: من النتائج التي حصلت والعبر التي حصلت بصلاة الجمعة، الشجاعة التي حصلت في الحوزة الشريفة من ناحية، وفي كثير من طبقات الناس جزاهم الله خير جزاء المحسنين، بل يمكن القول انها وجدت حتى في خصوم السيد محمد الصدر. وقد وصلت اليهم هذه الشجاعة من حيث لا يعلمون وكثير من هذه الامور وصلت اليهم وهم لا يعلمون. امثل لكم بمثالين:
المثال الاول : انه كان الاسلوب الاساسي هو التقليل من الدرس في الحوزة، واعتبار اكثر ايام السنة عطل، حتى لا يكاد يصل عدد ايام الدراسة الى ثمانين او تسعين يوم في السنةكلها، ولكن حينما جاء السيد محمد الصدر الى المرجعية، واصر على تكثير عدد الدروس، وجدنا ان سائر المراجع يكثرون من دروسهم، حتى انه كان المتعارف عدم البدء يوم السبت بعد التعطيل. وهذا كانه من الضروريات في الحوزة، ربما ان جملة منكم لم يسمع به، فكان ممنوعا في الحوزة الى عهد قريب الشروع يوم السبت بعد العطلة، والذي الغاه السيد محمد الصدر. فالان نجد ان كل المراجع او اغلبهم قد الغوه.
المثال الثاني : اني قبل حوالي اربع سنوات، وضعت لوحة للاعلانات في البراني، موجودة الى الان، وقد اثار ذلك في حينه موجة من الاحتجاج، حتى من قبل بعض خاصتي في ذلك، الحين وليسوا هؤلاء، بل كان غيرهم، على انه لا توجد عند المراجع، وغير مناسبة لك، واصررت على استمرارها. والمهم انني بعد عدة سنوات، زرت احد المراجع، فوجدت لوحة اعلانات معلقة على جداره في برانيه.
اذن فكثير من الامور من المصالح التي يراها المجتمع ضرورية وحيوية بعد ان كانت منسية ومطمورة ومنها الشجاعة، وانه لا حاجة للتقية المكثفة، والخوف المتزايد، بعد وضوح ان كثيرا من الامور فيها مصالح اكيدة، وليس فيها نقاط ضعف من هذا القبيل اكيدا، اذن فلا يرفضها، او يتجنبها، الا المدخول في عقله، ولوكانت للمصلحة الشخصية، اذن لبادر اليها واسرع اليها، ولكن المصلحة العامة لا يهتم بها مع شديد الاسف.
ومن بوادر الشجاعة، ما حصل هنا في مسجد الكوفة وغيره، من الهتافات والاهازيج، وكنت انا اعتبرها بصراحة نصرا للدين، وعزا للمذهب، كما هي كذلك جزى الله قائليها خيرا، الا اننا حينما ظهر لنا ان مضاعفاتها المحتملة، التي قد تعود بالمفسدة على الحوزة والدين كثيرة مع الاسف، وما يسمى بـ(الاصطياد بالماء العكر)، كنا مضطرين للاعتذار عنها على اية حال، وانما الاعمال بالنيات، والله تعالى يعلم ما في قلوب المخلصين، واستعدادهم للتضحية علىمختلف المستويات، وهذا كاف جدا جزاكم الله خيرا. واذا كانت هناك شجاعة انشاء الله تعالى، فاصرفوها بحذر وبشكل مدروس، وبالاساس مع الاستئذان من الحوزة العلمية الشريفة، وليس باتخاذ عمل او قرار بالاستقلال عنها، ومن دون الاستئذان منها والعياذ بالله.
خامسا: الوعي الدين والاجتماعي الذي حصل لكافة الناس، الذي حصل في داخل الحوزة الشريفة، وفي خارجها، ولم يكن ذلك ممكنا ان يكون بدون هذا النشاط الديني الشريف، اعني صلاة الجمعة المقدسة. ويمكن ان نضرب له عدة امثلة:
المثال الاول : ان الناس عرفوا بوضوح ان عدد من الحوزوين والوكلاء واضرابهم الذين كانوا يحسبونهم كجبرائيل (عليه السلام)، او ابو ذر (عليه الرضوان)، في السداد والصلاح، وكانوا يحملونهم على الصحة في كل اقوالهم وافعالهم وينخدعون بمظاهرهم.
اما الان فقد اصبح بكل وضوح، ان الاسلوب القديم قائم على القصور والتقصير، وعلى الاسفاف والتبذير، وعلى السكوت الشائن على المحرمات، مع انه ورد (الساكت عن الحق شيطان اخرس) وورد ما مضمونه: انه اذا كثر الفساد في المجتمع، فعلى العالم ان يظهر علمه، والا فعليه لعنة الله.
مع انه ليس في الاسلوب القديم شيء من ذلك، كما قال بعضهم، وانا نقلته سابقا لكنه لا بأس به للتذكير، انه لدينا امور اربعة: الاستخارة، والدرس، وصلاة الجماعة، وقبض الحقوق، فان كنت تسأل عن واحد منها فاهلا وسهلا، والا فأدر ظهرك واذهب، واهمها بطبيعة الحال _في نظرهم طبعا- قبض الحقوق التي تصل باذن الله للتوزيع في المجتمع وقضاء حاجة المحتاجين، لكن هم لا يوزعونها في المجتمع ولا يقضون بها حاجة المحتاجين الا بنسبة ضئيلة، جدا ونحو ذلك. فقد انكشف للمؤمنين الصديق من العدو، والناصح من الفاضح، بحسن توفيق الله سبحانه وتعالى.
المثال الثاني : ان عددا من الفروع الفقهية، لم يكن لها وجود في السنين السابقة، ولم تسجل في رسالة عملية، ولا استفتاء، منها قبض مجهول المالك، وان الصلاة في مجهول المالك، او في الاموال غير المخمسة باطلة، وان القاء الاموال في اضرحة المعصومين (عليهم السلام) حرام، وان تصليح الراديو والتلفزيون اعانة على الاثم، وان العمل بالمصارف ذات القطاع الخاص حرام، وان اخت الزوجة حرام، وان اخو الزوج حرام، وان زوجة الاخ حرام، وهكذا، الى فروع كثيرة خارجة عند حد الاحصاء، مما كان الجيل السابق في الحوزة ساكت عنه مع شديد الاسف.
المثال الثالث : ان اكثر الناس اصبحوا يهتمون فعلا بالمصالح الدينية والاجتماعية، ويفضلونها فعلا على مصالحهم الشخصية والاسرية، بل يتمنون الشهادة في سبيل الله تعالى، وهم بالمئات الان على ما اعتقد، او اكثر، والحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون.
المثال الرابع : انهم عرفوا اثر الاستعمار الاكيد والشديد في المجتمع المسلم، منذ صدر الاسلام والى العصر الحاضر، حتى انه يمكن ان يقال بوضوح ان الذي قتل رسول الله (صلى الله عليه واله)، وقتل الزهراء (سلام الله عليها)، وقتل الحسين (عليه السلام)، وتسبب الى غيبة الامام المهدي (عليه السلام)، هو الاستعمار، باياديه الخفية المبثوثة في هذا المجتمع المسلم، وكذلك ما حصل بعده من الحروب الصليبية، ومعاهدة الخلافة العثمانية مع المانيا، وغزو الانكليز للعراق، وغزو الفرنسيين لمصر، وكذلك الغزو الثلاثي لمصر، وتاسيس اسرائيل عليها اللعنة والعذاب، وغير ذلك كثير، ومظالم الاستعمار عامة لكل مكان وزمان، ومنتشرة على وجه الارض، وفي كل دهر، وانا لله وانا اليه راجعون.
ومن ذلك كمثل ونموذج مقتل عدد من المؤمنين، ورجال الدين، باستمرار على طول السنين، والى العصر الحاضر، ومن اشهرهم الشهيد الاول، والشهيد الثاني، والقاضي نور الله التستري، والشيخ فضل الله النوري، وكثير غيرهم، حتى الف جناب الشيخ عبد الحسين الاميني (قدس سره)، كتاب شهداء الفضيلة، بمقدار ما استطاع ان يحصي منهم، اي من الشهداء، وممن وصل اليه خبرهم، وما خفي عليك اكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة السابعة والعشرون 24 جمادي الثاني 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمدا يصعد اوله ولا ينفد آخره. اللهم لك الحمد حمدا تضع لك السماء كتفيها، وتسبح لك الارض ومن عليها. اللهم لك الحمد حمدا سرمدا ابدا، لا انقطاع له ولا نفاد، ولك ينبغي واليك ينتهي، في وعلي ولدّي ومعي وقبلي وبعدي وامامي وفوقي وتحتي، واذا مت وبقيت فردا وحيدا ثم فنيت. ولك الحمد اذا نشرت وبعثت يا مولاي. اللهم ولك الحمد ولك الشكر، بجميع محامدك كلها، على جميع نعمائك كلها، حتى ينتهي الحمد الى ما تحب ربنا وترضى. اللهم لك الحمد على كل اكلة وشربة وبطشة وقبضة وبسطة، وفي كل موضع شعرة. اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك. ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك. ولك الحمد حمدا لا امد له دون مشيتك. ولك الحمد حمدا لا اجر لقائله الا رضاك. ولك الحمد على حلمك بعد علمك. ولك الحمد على عفوك بعد قدرتك. ولك الحمد باعث الحمد. ولك الحمد وارث الحمد. ولك الحمد بديع الحمد. ولك الحمد منتهى الحمد. ولك الحمد مبتدع الحمد. ولك الحمد مشتري الحمد. ولك الحمد ولي الحمد. ولك الحمد قديم الحمد. ولك الحمد صادق الوعد، وفي العهد، عزيز الجند، قائم المجد. ولك الحمد رفيع الدرجات، مجيب الدعوات، منزل الايات من فوق سبع سماوات، عظيم البركات، مخرج النور من الظلمات، ومخرج من في الظلمات الى النور، مبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات.
اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلى الامام السجاد، والامام الباقر، والامام الصادق، والامام الكاظم، والامام الرضا، والامام الجواد، والامام الهادي، والامام العسكري، والامام الحجة المهدي، ائمتي وسادتي وقادتي، بهم اتولى، ومن اعدائهم اتبرأ، في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نستمر بذكر بعض النقاط الضرورية للايضاح:
اولا: اننانسمع ان بعض صلوات الجمعة يكون عددها كثيرا اولا، ثم يقل عددها ويتضائل، وهذا معناه ان بعض من حضر فعلا، واقتنع بصحتها وصلاها، انه تركها واعرض عنها، لماذا هكذا يحدث حبيبي .. ؟ مع العلم اننا حين نتكلم عن المجتمع ككل، فانه لا يحتمل ان يكون كل هؤلاء التاركين لصلاة الجمعة معذورين فيها، وانما معناه انهم تركوها تسامحا وتساهلا. وهذا هو الذي اريد ان اؤكد واركز عليه الان، من حيث ان هذا التسامح والتساهل انما هو تسامح في الدين، وتساهل في ولاية امير المؤمنين، بعد اتضاح المعاني الاساسية لهذه الصلاة المقدسة، وما فيها من مصالح وعبر وجلالة، والمفروض بكل فرد ان يطيع امر الولاية، ويذهب الى الصلاة، وكذلك باعتبار اجتماع العدد المعتبر في وجوب صلاة الجمعة، وهو متوفر وكثير بحمد الله فتكون الصلاة واجبا تعيينيا، ولا تبقى واجبا تخييريا على فتاوى الاعم الاغلب من الفقهاء، كما هو الصحيح ايضا.
وانما يعود ترك بعض الناس للصلاة في هذا المورد الى عدة امور محتملة، اما الى الشك في عدالة امام الجماعة، واما الى الشك في قدرته على الاداء الصحيح للمعاني الدينية، واما لانه _اي هذا الفرد_ سأم من التكرار في بعض المطالب التي يقولها خطيب الجمعة، وليس لديه شيء جديد ربما، واما لانه رأه يخطأ كثيرا في الاعراب، او في الفاظه، او في مشتقاته، ونحو ذلك.
فهل يستلزم كل ذلك ترك الجمعة وعصيان الامر الشرعي بحضورها ؟ كلا طبعا. ان هذا من الممكن ان يحدث، لو كان الشعار الديني مستحبا، واما لو كان واجبا، كان تركه حراما لا محالة، ولا يعذر فيه انسان. فان كان راجعا الى الشك في العدالة، فهذا له جوابان:
اولا: انني حين اكلف اي شخص لاقامة صلاة الجمعة، فانني اشهد بعدالته، بمعنى قيام حجة شرعية كافية عندي في ذلك، فاعتبروني احد الشهود بعدالته، مضافا الى المشرفين العامين على صلاة الجمعة فانهم ايضا ثقات، وشهادتهم حجة، فيمكنك ان تصلي خلفه على ذمتنا، مالم تعلم منه الحرام والعياذ بالله، ولا اعتقد انه يوجد واحد منهم كذلك، بحيث تعلم منه الحرام.
ثانيا : ما قلته في موارد متعددة، من انك يمكنك اعادة الصلاة ظهرا، وهذا وارد دائما، كل ما في الامر ان الاحتياط استحبابي فيه، وربما يكون عند بعض المجتهدين احتياطا وجوبيا، والا فانه لا ينافي وجوب الحضور لصلاة الجمعة بطبيعة الحال. بل حتى لو كانت صلاة الجمعة مستحبة او تخييرية، وقبلنا ذلك تنزلا، فاننا نعرف الان ضرورتها وشعاريتها، وعزة الاسلام القائمة بها، فهل ترضى ان يكون عملك ضد عزة الإسلام، وشعار الاسلام اين كان منشأ هذا العمل ؟!
ويمكننا ان نتصور النتيجة لمثل هذا الاتجاه الخطر، وهو ان الامر قد ينتج ترك بعض الجمعات، او الغاء صلاة الجمعة بالمرة، فما الذي سوف يحدث من الذلة والقنوط، والتسافل بالعزة الدينية والاجتماعية، الى حد يكون مجرد ذكره، او خطوره في البال سوءا شديدا، وموجبا للقشعريرة والانفعال، فضلا عن حدوثه والعياذ بالله، كما هو واضح سبحان الله ..
ولاجل هذا قلت اكثر من مرة، استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر، لانه لا يجوز لكم، ان تجعلوا موت السيد محمد الصدر سببا وذريعة لذلة الإسلام والتشيع، وتفرق الكلمة وكثرة المشاكل. بل الحوزة الشريفة تبقى بعون الله، وجملة من المراجع يبقون بعون الله. فتمسكوا بالحوزة، واستمروا على شرفكم، وعزتكم الدينية، وشجاعتكم القلبية، وعنايتكم بالمصالح العامة. ولا يجوز ان يحول دون ذلك اي شيء، حتى موت هذا العبد الخاطئ، الذي هو السيد محمد الصدر. وكذلك يوجد فيكم الكثير ممن يخطب على حد تعبير الروايات، ومن هوصالح لامامة الجماعة والجمعة، وليس انه حين يموت السيد محمد الصدر، يموت الكل اعوذ بالله اولا وبكم من ذلك.
وبالاساس فان الحوزة هي التي تستطيع ان تبادر إلى ذلك، والمرجع الجديد _لو صح التعبير_ وان لم يكن متفقا مع السيد محمد الصدر بكل التفاصيل، الا ان المهم فيه، هو الاتجاه نحو العدالة الاجتماعية، وانصاف الناس من نفسه، كما قيل في الحكمة: (قل الحق ولو على نفسك) وادراك المصالح العامة. فان وجدتموا شخصا من هذا القبيل فتمسكوا به، والافدعوه إلى غيره. فان الانانية في المرجعية، هي العنصر الغالب مع الاسف جيلا بعد جيل، وهذا هو المضر حقيقة في الحوزة خاصة، وفي المجتمع عامة. فاتبعوا شخصا من المجتهدين ليس له مثل هذا الطبع، بل له اتجاه التضحية في سبيل الاخرين، وبذل النفس والنفيس في سبيل دينه ومذهبه. وهذا امر يطول فيه الحديث وليس الان محل الاستمرار فيه.
ثانيا: ان من النقاط المهمة والجليلة، التي حصلت بصلاة الجمعة المواجهة المباشرة بين الحوزة والمجتمع، وبين المرجعية والمجتمع. بينما كان الانفصال التام او الغالبي قبل ذلك، موجودا مع شديد الاسف، ولا زال هذا الانفصال موجودا بالنسبة الى المراجع الاخرين، من حيث اتصالهم بالمجتمع. فعن طريق صلاة الجمعة حصل المجتمع على الوعي، وحصل على الشجاعة، وحصل على العزة، وحصل على الثقافة الدينية، وعرف ما هي الحوزة، وما هو نفعها، وما هو اثرها، وما هو مقدار علمها وتعليمها.
كما استطاعت الحوزة من ناحيتها، ان تثبت نفسها امام الاخرين، وتوصل صوتها وكلماتها ومواعظها واوامرها ونواهيها إلى المجتمع. وان تعرف المجتمع بكثير من الامور الضرورية والراجحة، وتفتح عينه على مصالحه ومفاسده واعدائه واصدقائه وواجباته ولوازمه، وغير ذلك كثير، كل ذلك بنعمة من الله وفضل. والله تعالى هو المسبب الحقيقي والموفق لكل ذلك. ولكن عندنا الوعد القرآني بالنصر كقوله تعالى ((ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)). وقوله تعالى ((ان الله لا يضيع اجر المحسنين)). وقوله تعالى ((اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى)). وقوله في الدعاء (انك اكرم من ان تضيع من ربيته، او تشرد من آويته، او تبعد من ادنيته، او تسلم الى البلاء من كفيته ورحمته). وكذلك قوله ((العاقبة للمتقين)). وقوله ((ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) وغير ذلك كثير.
وهذه الوعود، غير موجودة لغيرنا، ولا تتمثل لسوانا، وانما يتمثل لهم الظلم والشيطان. كما قال تعالى ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله)). وقوله تعالى ((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير (اي الهيون ومتقون) فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (ماذا كانت النتيجة ؟) فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين)). ثم يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة ((يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)).
واما اذا كان الفرد مناوئا للحق, ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، وايضا بعد تلك الايات مباشرة، وقلت لكم بان القرآن كله له معاني على طول الاجيال، جل جلال الله سبحانه وتعالى، لانه هو المتكلم، معانيه لا متناهية لانه هو لا متناهي جل جلاله.
فاذا كان الفرد مناوئا للحق، ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، بعد تلك الايات مباشرة ((سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وماواهم النار وبئس مثوى المتكبرين)).
ثالثا: من النقاط التي وددت الاشارة اليها بهذا الصدد، ان للحوزة عدة اساليب للاتصال بالمجتمع ككل: صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والمواعظ، وبيان الاحكام الشرعية، والاستفتاءات، وتأليف الكتب ونشرها، وكذلك تأسيس القضاء الشرعي، فانه من اساليب واسباب اتصال الحوزة بالمجتمع، وفي حدود فهمي ان القضاء الشرعي ليس محكمة بالمعنى المتعارف، لوضوح انه ليس دائرة رسمية، وليس له راتب قضائي، بل ان اخذ الراتب على القضاء محل اشكال وحرام، وانما نعطيه شيئا من الراتب باعتباره واحدا من الحوزة، لاباعتباره قاضيا، كما انه ليس له بناية مستقلة، ولا كاتب عدل مثلا، ولا معاونين قضائين، وبالتالي يختلف كثيرا عن المحاكم المتعارفة، ومن هنا لانستطيع ان نسميه محكمة بهذا المعنى، وانما هو قاضي شرعي، او نعتبره عالما ومتفقها، او مفتيا يتصدى للفتوى بين الناس في الامور الصعبة لا اكثر.
ومن الواضح ان كثيرا مما يقوم به القاضي الشرعي، ليس من القضاء الشرعي، كعقد النكاح، او الطلاق، او الطلاق بالولاية، او القيمومة، او الفتوى الاعتيادية في الامور العبادية والمعاملية. وانما القضاء الحقيقي هو المرافعة في قضية فيها مدعي ومنكر، وهو موجود، الا انه لا يستوعب كل الامور التي يقوم بها القاضي الشرعي، بل لعله يمثل القسم الاقل من عمله. وانما العلماء استمروا على النظر في سائر مشاكل الناس بما فيها المشاكل القضائية، والدليل المعتبر من السنة الشريفة، قائم على ذلك، وهذا الحاصل الان مصداق وتطبيق من ذلك بعونه سبحانه.
وانما الفرق الرئيسي بين المحاكم العرفية من ناحية، والقضاء الشرعي الموجود فعلا من ناحية اخرى، امران رئيسيان يعتبر كل منهما نقطة قوة في احدهما ونقطة ضعف في الاخر.
اما نقطة القوة في القضاء الشرعي، فهو الحجية الشرعية، فكل ما يقوله ويحكم به نافذ شرعا ومجزي ومبريء للذمة، بخلاف الانواع الاخرى من القضاء الدنيوي، او العرفي بطبيعة الحال، بما فيها القضاء الذي تقيمه العشائر بين المتخاصمين.
واما نقطة الضعف في القضاء الشرعي، فمن حيث ان سائر المحاكم لها قوة اجرائية او تنفيذية لتطبيق الحكم، من شرطة وسجون ونحوها، فانها مخولة بذلك بطبيعة الحال. في حين ان القضاء الشرعي اعزل من هذه الامور، غير ان التعويض الرئيسي بهذا الصدد مهم جدا ولطيف جدا، وهو خوف الله سبحانه وتعالى. فان عقاب الاخرة اهم من عقاب الدنيا، وغضب الخالق اعلى واقسى من غضب المخلوق، كما قال في الدعاء: (وهذا لا يكون الا من غضبك وانتقامك وسخطك وهذا ما لا تقوم له السماوات والارض فكيف بي وانا عبدك الفقير المسكين المستكين الحقير الذليل المهين). فالمهم ان المتخاصمين، انما جاءا الى القاضي الشرعي، لانهما يخافان الله سبحانه، ويريدان باخلاص حل مشكلتهما حلا شرعيا مبرءا للذمة، فيكون خوف الله سبحانه هو السند، والرصيد الاساسي للقضاء الشرعي.واما من لا يخاف الله سبحانه، فانه لا يأتي الى القضاء الشرعي، بل يحاول ان يظلم خصمه، ويتسلط عليه بكل صورة.
رابعا: من النقاط التي وددت الاشارة اليها هنا، اني اوجه كلامي الى المؤمنين الذين الى الان لم يناصروا السيد محمد الصدر، ولم يكونوا معه سواء في داخل الحوزة، او في خارجها، اهلا بكم وسهلا بين هذا الجمع الحافل بالتقوى والشرف والفضائل، وان من احسن الكلمات التي قالها الاسلام والقرآن، وكل كلماته حسنة ((انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله)) ولا حاجة الى استمرار التباعد والتباغض، وتبادل التهم والاشكالات، بل تعالوا نتفق ونتصاحب ونتصافى ونتحابب في الله، وفي ولاية امير المؤمنين، وفي المذهب، وفي الدين، وبابي مفتوح، وقلبي مفتوح لكم جميعا، مهما كنتم الان واينما كنتم، ولا اريد منكم شيئا الا الاخوة في الله، وفي رسوله، وفي ولاية امير المؤمنين، وتبقى التفاصيل الاخرى ثانوية، يمكن المناقشة فيها بالتدريج.
يكفي الا ان يكون اختلافاتنا وانشقاقتنا فيها خدمة للعدو المشرك لاسرائيل والاستعمار، ولكل من هو بعيد عن الله وعن رسوله. فما دمنا تجمعنا الروابط الحقيقية المقدسة، فلماذا لا نتحد ولا نتآخى ولا نتقارب ؟ ولماذا ننصر عدو الله وعدو رسوله من حيث نعلم او لا نعلم ؟!
فما دامت هذه الحياة موجودة عندي، والنفس يصعد وينزل، فاني ارحب بكم بكل قلبي، واعذركم عن كل ما حصل منكم، وتعذروني ان كان حصل بعض الشيء مني، او ممن يرتبط بي، او ينتسب الي، ونفتح تاريخا جديدا، كما قال الشاعر، وهذه الابيات احفظها من زمان وهي لطيفة:
من اليوم تعارفنا ونطوي ماجرى منا
فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا
وما احسن ان نرجع الى الود كما كنا
اخص من هنا، وهذا منبر مقدس، بالذكر ال الحكيم قدس الله ارواح الماضين منهم، وحفظ الباقين. تلك الاسرة الطيبة المتفقهة الشريفة. فلماذا يكون _لو صح التعبير_ بينها وبين ال الصدر اي خلاف ؟ ولماذا نزغ الشيطان بيننا ؟ وخاصة وان الفرصة مواتية بعد ان زال سبب الخلاف واسترجعت الوديعة. وبالتاكيد فان دوام الخلاف واستمراره، لا يخدم الا الاستعمار ولا يضر الا الحوزة والمذهب، وليكن زمام المبادرة بيدي واني قد ابرأت ذمتي، وارضيت ضميري بهذا العرض الدال على حسن النية.
وانا لست طامعا بخيرهم من اية جهة، ولا خائفا منهم من اية جهة أيضاً، وانما ذلك محضا لذات الله، ونصرة دينه الحنيف، وهذه يد الصلح والمصافحة امدها اليهم، فهل منهم من يمد يد المصافحة نحوي ؟ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثامنة والعشرون 2 رجب 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قفوا جميعا رجاءا … وجوهكم الى القبلة رجاءا …
انا سوف اقرء الدعاء، وقولوا بعد كل فقرة، يا كريم يا رحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من تحل به عقد المكاره (يا كريم يا رحيم)، ويا من يفثأ به حد الشدائد (يا كريم يا رحيم)، ويا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج (يا كريم يا رحيم)، ذلت لقدرتك الصعاب (يا كريم يا رحيم)، وتسببت بلطفك الاسباب (يا كريم يا رحيم)، وجرى بقدرتك القضاء (يا كريم يا رحيم)، ومضت على ارادتك الاشياء (يا كريم يا رحيم)، فهي بمشيئتك دون قولك مأتمرة (يا كريم يا رحيم)، وبارادتك دون نهيك منزجرة (يا كريم يا رحيم)، انت المدعو للمهمات (يا كريم يا رحيم)، وانت المفزع في الملمات (يا كريم يا رحيم)، لا يندفع منها الا ما دفعت (يا كريم يا رحيم)، ولا ينكشف منها الا ما كشفت (يا كريم يا رحيم)، وقد نزل بي يا ربي ما قد تكأدني ثقله (يا كريم يا رحيم)، والم بي ما قد بهضني حمله (يا كريم يا رحيم)، وبقدرتك اوردته علي (يا كريم يا رحيم)، وبسلطانك وجهته الي (يا كريم يا رحيم)، فلا مصدر لما اوردت (يا كريم يا رحيم)، ولا صارف لما وجهت (يا كريم يا رحيم)، ولا فاتح لما اغلقت (يا كريم يا رحيم)، ولا مغلق لما فتحت (يا كريم يا رحيم)، ولا ميسر لما عسرت (يا كريم يا رحيم)، ولا ناصر لمن خذلت (يا كريم يا رحيم)، فصل على محمد واله (يا كريم يا رحيم)، وافتح لي يا رب باب الفرج بطولك (يا كريم يا رحيم)، واكسر عني سلطان الهم بحولك (يا كريم يا رحيم)، وانلني حسن النظر فيما شكوت (يا كريم يا رحيم)، واذقني حلاوة الصنع فيما سألت (يا كريم يا رحيم)، وهب لي من لدنك رحمة وفرجا هنيئا (يا كريم يا رحيم)، واجعل لي من عندك مخرجا وحيا (يا كريم يا رحيم)، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك (يا كريم يا رحيم)، واستعمال سنتك (يا كريم يا رحيم)، فقد ذقت بما نزل بي ذرعا (يا كريم يا رحيم)، وامتلأت بحمل ما حدث علي هما (يا كريم يا رحيم)، وانت القادر على كشف ما منيت به ودفع ما وقعت فيه (يا كريم يا رحيم)، فافعل بي ذلك وان لم استوجبه منك (يا كريم يا رحيم)، يا ذا العرش العظيم (يا كريم يا رحيم)، ويا ذا المن القديم (يا كريم يا رحيم)، وانت قادر لرحمتك يا ارحم الراحمين (يا كريم يا رحيم).
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي اصبحت وامسيت عبدا داخرا لك، لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا بك، اشهد بذلك على نفسي، واعترف بضعف قوتي وقلة حيلتي، فانجز لي ما وعدتني، وتمم لي ما آتيتني، فاني عبدك المسكين المستكين الضعيف الضرير الحقير المهين، والفقير الخائف المستجير. اللهم صل على محمد واله، ولا تجعلني ناسيا لذكرك فيما اوليتني، ولا غافلا لاحسانك فيما ابليتني، ولا آيسا من اجابتك لي وان ابطأت عني، في سراء كنت او ضراء، او شدة او رخاء، او عافية او بلاء، او بؤس او نعماء، او جدة او لئواء، او فقر او غنى. اللهم صل على محمد واله، واجعل ثنائي عليك ومدحي اياك وحمدي لك في كل حالاتي، حتى لا افرح بما آتيتني من الدنيا، ولا احزن على ما منعتني فيها، واشعر قلبي تقواك، واستعمل بدني فيما تقبله مني، واشغل بطاعتك نفسي عن كل ما يرد علي، حتى لا احب شيئا من سخطك، ولا اسخط شيئا من رضاك. اللهم صل على محمد واله، وفرغ قلبي لمحبتك، واشغله بذكرك، وانعشه بخوفك، وبالوجل منك، وقوه بالرغبة اليك، وامله الى طاعتك، واجر به في احب السبل اليك، وذللـه بالرغبة فيما عندك ايام حياتي كلها، واجعل تقواك من الدنيا زادي، والى رحمتك رحلتي، وفي مرضاتك مدخلي، واجعل في جنتك مثواي، وهب لي قوة احتمل بها جميع مرضاتك، واجعل فراري اليك، ورغبتي فيما عندك، والبس قلبي الوحشة من شرار خلقك، وهب لي الانس بك وباوليائك واهل طاعتك، ولا تجعل لفاجر ولا كافر عليّ منة، ولا له عندي يدا، ولا بي اليهم حاجة، بل اجعل سكون قلبي وانس نفسي واستغنائي وكفايتي بك وبخيار خلقك. اللهم صل على محمد واله، واجعلني لهم قرينا، واجعلني لهم نصيرا، وامنن عليّ بشوق اليك، وبالعمل لك بما تحب وترضى، انك على كل شيء قدير، وذلك عليك يسير.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
غدا يوم الذكرى السنوية لاستشهاد الامام الهادي (عليه السلام)، فيحسن جدا ان لا ننسى بعض مآثره وفواضله في هذه الجمعة.
اذكر لكم الان حادثة اشخاصه الى سامراء، مع شيء من التحليل. سامراء التي بقي فيها إلى ان قتل مظلوما مسموما. وفيها مدفنه، ومدفن ولده الامام الحسن العسكري (عليهما السلام)، وغيبة حفيده الإمام المهدي (عليه السلام).
وشى عبد الله بن محمد، الذي كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول المنورة، وشى بالامام الهادي (عليه السلام)، وكان يقصده بالاذى (لانه رجل ناصبي ووالي على المدينة من قبل الدولة العباسية). فبلغ الإمام (عليه السلام) وشايته، فكتب إلى المتوكل العباسي يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به. فنرى كيف ان عبد الله بن محمد هذا يمثل خط الدولة يومئذ من الفزع من نشاط الإمام (عليه السلام) وتصرفاته، وكيف وصل به الحال إلى ان يرسل إلى المتوكل العباسي (الذي كان في ذلك الحين عصر خلافته). يوصل الى المتوكل العباسي بخبره بعنوان كونه حريصا على مصالح الدولة، ومنتبها إلى مواطن الخطر بها، ومتقربا إلى الدولة بذلك. كما نرى الحال باستمرار على ذلك.
ولعله التفت إلى بعض النشاطات المهمة التي كان يقوم بها الإمام (عليه السلام)، بعيدا عن اعين الدولة والسلطات، فاوجس منها خيفة حدت به إلى هذه الوشاية. الا ان المتوكل العباسي كان يعلم بكل وضوح عدم امكان الحصول على اي مستند ضد الإمام (عليه السلام). فان الائمة المعصومين (عليهم السلام) كان لهم اساليب من الرمزية والاخفاء يمكنهم خلالها ـ وبتاييد من الله سبحانه ـ القيام بجملة من جلائل الاعمال بدون ان يعرف احد، كما تدل عليه سياقات كثيرة من الروايات. ولعل اهم اساليب الاخفاء هو تصديه إلى تكذيب الخبر الذي وشى به عبد الله بن محمد برسالة يرسلها إلى المتوكل العباسي نفسه، يكذب فيها التهمة وينفي عن نفسه صفة التآمر ضد الدولة، فان نشاطه كان مقتصرا في الدفاع عن مواليه وقواعده الشعبية وشيعته وتدبير امورهم الدينية والدنيوية، وليس له ضد الدولة اي عمل، باعتباره غير مجدي ومخالف للحكمة والمصلحة في ذلك الحين، وان كان قد اوجب عمله توهم عبد الله بن محمد بذلك.
والمتوكل العباسي هو من عرفه الجميع بموقفه المتزمت ضد الإمام (عليه السلام)، وكل من يمت اليه بنسب أو عقيدة. وهو الذي قام بالامر بحفر قبر الحسين (عليه السلام)، وتسليط الماء عليه لاجل اخفاءه بعنوان جعله مزرعة اعتيادية. غير ان الله سبحانه وتعالىكشف تلك المؤامرة النجسة، حيث ان الماء حينما وصل إلى قرب قبر الحسين (عليه السلام)، حار ودار حوله، ولم يدخل فيه ولم يغطه، وبقيت منطقة في الوسط جافة. وسمي من ذلك الحين بالحائر الحسيني، واصبح مشمولا لحكم معين في الشريعة وهو جواز الصلاة تماما للمسافر في تلك المنطقة. وهذا يفتون به والى الان.
وهذا الحال موجود إلى الان بالنسبة إلى المياه الباطنية، وتستطيعون ان تسالوا اهل المعرفة والاختصاص. فان المياه الباطنية بالرغم من سيطرتها على منطقة كربلاء كلها، لاتصل إلى قبر الحسين ولا إلى قبر العباس (عليهما السلام). بل نجد ان منطقة القبر جافة تماما ومن الممكن التاكد من ذلك.
اذن ماذا نتوقع ان يكون موقف المتوكل العباسي من الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن كل من ينتمي اليه من نسب أو سبب الا شيء من هذا القبيل طبعا. وما كان استقدامه واشخاصه إلى سامراء الا تطبيقا لمؤامرة قديمة طبقت من قبل الخلفاء العباسيين السابقين على جملة من المعصومين السابقين، اشهرها تطبيق المأمون العباسي لنفس الفكرة على الإمام الرضا (عليه السلام)، حيث استقدمه إلى بلدته التي كان يسكن فيها وجعل له دارا إلى جنب داره، وكان بين الدارين باب يمكن للخليفة نفسه ان يدخله في اية لحظة من ليل أو نهار. وكل ذلك للتقليل من نشاط الإمام (عليه السلام)، وفصله عن قواعده الشعبيه ومواليه، وجعله تحت الرقابة المكثفة. ليس من قبل الجلاوزة والموظفين فقط، بل من قبل الخليفة نفسه بعنوان المزيد من الصداقة والصلة. وانا لله وانا اليه راجعون.
كل ما في الامر من الفرق ان المأمون كان في خراسان فاستدعى الامام الرضا (عليه السلام) الى خراسان ايضا لوشاية لحقت به من قبل بعض النواصب المتزلفين للدولة آنئذ. فكذلك الحال في الامام الهادي (عليه السلام) من حيث ان الوشاية هي نفسها او بمنزلتها، غير ان البلدة كانت خراسان والان هي سامراء وكلاهما (سلام الله عليهما) بقيا في البلدة بقية حياتهما الى ان قتلا مظلومين ودفنا في نفس تلك البلدة. فاصبحت بذلك خراسان عتبة مقدسة مباركة وجليلة كما اصبحت سامراء عتبة مقدسة مباركة وجليلة، مع فرق واحد وهو ان المعصوم المدفون في خراسان واحد، والمعصوم المدفون في سامراء اثنين. ومن هنا اكتسبت منطقة وسط العراق وجنوبه اهمية دينية عالية جدا، لانها مسكن ومدفن لسبع من الائمة المعصومين (عليهم السلام)، هم امير المؤمنين (عليه السلام)، والحسين (عليه السلام)، والكاظم والجواد (عليهما السلام)، والهادي والعسكري (عليهما السلام)، ومحل غيبة الامام المهدي (سلام الله عليه وعجل الله فرجه). وهو فخر للمنطقة لم تنله اية منطقة في العالم كله، بل لعله في الكون كله. فاذا اضفنا الى ذلك ان هذه المنطقة عموما والكوفة خصوصا، هي منطقة الحكم الرئيسي والمباشر لاثنين من المعصومين المبسوطي اليد والمتمكنين اجتماعيا، وهما الامام امير المؤمنين في الماضي والامام المهدي (سلام الله عليه) في المستقبل. اذن نعرف الفضل للمنطقة التي تسكنون فيها، والتي نسكن فيها. ونعرف النعمة من الله سبحانه في انه جعلنا بها، وجعل الحوزة الشريفة فيها. فينبغي من هذه الناحية ان نكون على مستوى المسؤولية من طاعة الله سبحانه وتعالى، واداء حق المعصومين (عليهم السلام) مهما كان.
وعلى اية حال يرسل المتوكل العباسي الى الامام جواب رسالته بكل لباقة وتلطف ظاهري، من حيث ان الرسالة تحتوي على اجلاله واعظام منزلته. ويعترف بها المتوكل ببراءة الامام (عليه السلام) من التهم وبصدق نيته، ويوعز فيها بعزل عبد الله بن محمد عن منصبه بالمدينة. ويدعي المتوكل العباسي في الرسالة الاشتياق الى الامام ويدعوه ان يشخص الى سامراء مع من اختار من اهل بيته ومواليه. وهذا الطلب وان صاغه المتوكل بصيغة الرجاء، الا انه هو الالزام بعينه. فان الامام (عليه السلام) اذ لم يذهب حيث امره، يكون قد اثبت تلك التهمة على نفسه واعلن العصيان ضد الخلافة، وبالاصطلاح الحديث ضد الدولة. وكلاهما مما لا تقتضيه سياسة الامام (عليه السلام) وقناعته في ذلك الحين.
واما عام سفره فهذا قد ذكر في الارشاد للشيخ المفيد (قدس الله روحه الزكية) ان الرسالة مؤرخة بجمادي الاخرة سنة ثلاث واربعين ومائتين للهجرة طبعا. واعطى المتوكل رسالته هذه الى احد صنايعه وموظفيه يحيى بن هرثمة، ليسلمها الى الامام (عليه السلام) في المدينة المنورة، وامره باستقدامه الى سامراء. فاسمعه يقول في روايته للحادثة: (فلما صرت اليها (يعني المدينة المنورة)، ضج اهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله. فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم اؤمر به بمكروه. وفتشت بيته فلم اجد فيه الا مصحفا ودعاءا وما اشبه ذلك).
لاحظ .. هذا الشوق والاشتياق الذي يدعيه مع انه منضم الى قضية تفتيش البيت ! انها عداوة صريحة. فنعرف من ذلك مدى اخلاص اهل المدينة المنورة لامامهم (عليه السلام)، وحرصهم الشديد عليه، ومدى تأثيره الحسن فيهم. ولم يكن هذا الضجيج الكبير منهم، الا لمعرفتهم بوضوح سوء نية السلطات تجاه الإمام، وابتغائها الدوائر ضده. فكان تأسفهم وتأوههم ناشئا من امرين حسب فهمنا :
الامر الاول : انقطاعهم عن الامام وفراقهم له اذا تركهم وذهب الى سامراء، وحرمانهم بالتالي من ارشاداته والطافه ونشاطه الاسلامي البناء. وهذا ما اراده المتوكل فعلا، وقد حصل بالفعل بسفر الامام (عليه السلام)، فانه لم يعد الى المدينة المنورة بعد ذلك اطلاقا الى ان توفي.
الامر الثاني : مخافتهم على حياته، لاحتمال قتله عند وصوله الى العاصمة العباسية. وهذا هو الذي فهمه يحيى بن هرثمة من الضجيج، وحاول ان لا يفهم معنى غيره اي معنى آخر. فحلف لهم انه لم يؤمر فيه بمكروه اي بقتل. ولم يثن الضجيج هذا الرجل الجلواز عن غرضه السياسي بالتجسس، ففتش دار الامام (عليه السلام) بالمقدار الذي حلى له وليس له دين ولا ورع، لان ذلك يكون من تصرفه باموال غيره بدون رضاه. اذن فمن البداية هي خطوة واضحة للعداوة، فلم يجد فيه اية وثيقة تدل على التمرد او الخروج عن النظام العباسي. وبذلك يكون المتوكل قد فقد اي مستمسك يؤيد ما سمعه عنه او خاف منه. واستطاع الامام (عليه السلام) ان يحافظ على الكتمان وعلى السلبية الظاهرية.
وخرج الامام الهادي (عليه السلام) مصاحبا لولده الامام العسكري (عليه السلام) وهو صبي طبعا، وعائلته ايضا معه مع ابن هرثمة متوجها الى سامراء. وحاول ابن هرثمة في الطريق اكرام الامام واحسان عشرته، وكان يرى منه الكرامات والحجج التي تدل على توليه طرف الحق. وهذا فيه روايات ولكن انا اختصارا حذفتها. وتوضح لهذا الرجل الجلواز جريمته بازعاج الامام وزعزعته والتجسس عليه وجريمة من امره بذلك ايضا.
ويمر الركب ببغداد في طريقه الى سامراء فيقابل ابن هرثمة والي بغداد، لان الخلافة كانت قد انتقلت الى سامراء فيضعون واليا على بغداد. فيقابل ابن هرثمة واليها اي الوالي الذي على بغداد، وهو يومئذ اسحاق بن ابراهيم الطاهري. وهو بمقتضى منصبه محل الثقة الكبرى من قبل المتوكل، بحيث جعله واليا على عاصمته الثانية وقائما مقامه فيها. فنرى اسحاق الطاهري يوصي ابن هرثمة بالامام مستوثقا من حياته قائلا له: يا يحيى تعلم ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم. وان حرضته على قتله، كان رسول الله (صلى الله عليه واله) خصمك. فيجيبه يحيى: والله ما وقفت له الا على كل امر جميل.
ونحن حين نسمع هذا الحوار بين هذين الرجلين الذين يمثلان السلطات نفسها ويعيشان على موائدها، نعرف كم وصل الحقد والتمرد على النظام القائم يومئذ. وكيف انه تجاوز القواعد الشعبية الى الطبقة العليا الخاصة من الحكام مواضع ثقة الخليفة، ومنفذي امره ايضا يحقدون عليه ويعرفون حقيقته. كما نعرف مدى اتساع الذكر الحسن والصدى الجميل لافعال الامام (عليه السلام) واقواله بين جميع الطبقات حتى طبقة الحكام انفسهم. وماذا يستطيع والي بغداد من موقعه الرسمي ان يقول اكثر مما قال (يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم. وان حرضته على قتله، كان رسول الله (صلى الله عليه واله) خصمك. اي يوم القيامة طبعا.
وواضح ان قوله (والمتوكل من تعلم) اختصار لتفاصيل كثيرة مطمورة في النفوس من المظالم العظيمة للمجتمع، قد ارادها المتوكل واسلافه للناس، والحقد المتزايد على خط المعصومين (عليهم السلام) ومواليهم.
وحين يصل الركب الى سامراء، يبدأ ابن هرثمة بمقابلة وصيف التركي، وهو احد القواد الاتراك المنتفعين بالوضع القائم، ويبدو انه اعظمهم واشهرهم. والاتراك في ذلك الحين كانوا هم المسيطرون على المجتمع الى حد يستطيعون ان يعزلوا الخليفة، وينصبوا غيره، ويناقشوه في اعماله. حتى قال الشاعر، وهي ابيات معروفة الى حد ما :
خليفة في قفص بين وصيف وبغى .... يقول ما قالا له كما تقول الببغاء
ويظهر من التاريخ، ان وصيفا هذا كان هو الامر رسميا على ابن هرثمة. ومن هنا جعل مروره عليه بمجرد وصوله من السفر. وقال له وصيف: والله لئن سقطت من شعر هذا الرجل شعرة، لا يكون المطالب بها غيري. يقول ابن هرثمة: فعجبت من قولهما. يعني والي بغداد ووصيف، من حيث انه لم يكن متوقعا لذلك، من معرفتهما للامام في الجملة، وحرصهما على حياته بالرغم من مواقعهما العليا في الدولة. وهذه النماذج موجودة في الدول في كثير من الازمان والاجيال، ان لم تكن هي الاكثر من حيث تعلم الدولة او لا تعلم، ومن حيث تريد او لا تريد. يقول: وعرفت المتوكل ما وقفت عليه وسمعته من الثناء عليه، فاحسن جائزته واظهر بره وتكرمته. وقد عرفنا فيما سبق ان هذا الكرم الحاتمي على الامام (عليه السلام) لم يكن من اجل حفظ حق الامام (عليه السلام)، وانما كان تغطية للمنهج السياسي الذي يريد المتوكل اتباعه. وهو عزل الامام (عليه السلام) عن نشاطه وقواعده الشعبية، والحذر مما قد يصدر منه من قول او فعل.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحد ربك واستغفره * انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثامنة والعشرون 2 رجب 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا من لا يصفه نعت الواصفين. ويامن لا يجاوزه رجاء الراجين. ويا من لا يضيع لديه اجر المحسنين. ويا من هو منتهى خوف العابدين. ويا من هو غاية خشية المتقين. هذا مقام من تداولته ايدي الذنوب، وقادته ازمة الخطايا، واستحوذ عليه الشيطان، فقصر عما امرت به تفريطا، وتعاطى ما نهيت عنه تغريرا، كالجاهل بقدرتك عليه، او كالمنكر فضل احسانك اليه. حتى اذا انفتح له بصر الهدى، وتقشعت عنه سحائب العمى، احصى ما ظلم به نفسه، وفكر في ما خالف به ربه، فرأى كبير عصيانه كبيرا، وجليل مخالفته جليلا. فاقبل نحوك مؤملا لك، مستحيا منك. ووجه رغبته اليك ثقة بك. فأمك بطمعه يقينا، وقصدك بخوفه اخلاصا. قد خلى طمعه من كل مطموع فيه غيرك. وافرخ روضه من كل محذور منه سواك. فمثل بين يديك متضرعا. وغمض بصره الى الارض متخشعا. وطأطأ راسه الى لعزتك متذللا. وابثك من سره ما انت اعلم به منه خضوعا. وعدد من ذنوبه ما انت احصى لها خشوعا. واستغاث بك من عظيم ما وقع به في علمك، وقبيح ما قبحه في حكمك، من ذنوب ادبرت لذاتها فذهبت، واقامت تبعاتها فلزمت. لا ينكر يا الهي عدلك ان عاقبته، ولا يستعظم عفوك ان عفوت عنه ورحمته. لانك الرب الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم. اللهم فها انا ذا قد جئتك مطيعا لامرك فيما امرت به من الدعاء، متنجزا وعدك فيما وعدت به من الاجابة اذ تقول ((ادعوني استجب لكم)). اللهم صل على محمد واله والقني بمغفرتك كما لقيتك باقراري، وارفعني عن مصارع الذنوب كما وضعت لك نفسي، واسترني بسترك كما تأنيتني عن الانتقام مني. اللهم وثبت في طاعتك نيتي، واحكم في عبادتك بصيرتي، ووفقني من الاعمال لما تغسل به دنس الخطايا عني، وتوفني على ملتك وملة نبيك محمد عليه واله افضل الصلاة والسلام اذا توفيتني.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
لاحظوا .. لو كان المتوكل العباسي الناصبي يريد حقا اكرام الامام الهادي (عليه السلام) واحترامه لما كان هذا عمله.
اولا: لتركه في المدينة المنورة يمارس عمله الاعتيادي مهما كانت نتائجه.
ثانيا: انه حين استقدامه إلى سامراء، يخرج لاستقباله استقبالا رسميا ـ لو صح التعبير ـ بصفته الزعيم الرئيسي والاكبر لطائفة معتد بها من المسلمين، ولم يفعل.
ثالثا: انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يخرج لاستقباله، فلا اقل ان يبادر بالامر لادخاله عليه والترحيب به، ولم يفعل. وانما امر ان يحجب عنه الإمام يوما كاملا زيادة في الاذلال والتنكيل.
رابعا: انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يستقبله، فلا اقل انه كان اعد له مكانا يأوي اليه ودارا معتدا بها يكون فيها واسرته، ولم يفعل. بل تركه في الشارع زيادة في الاذلال والتنكيل. ولجأ الإمام (عليه السلام) إلى مكان متواضع جدا يدعى بخان الصعاليك، فقام فيه يومه هو واسرته طبعا وليس وحده.
وفي الروايات ما يدل على ان الدولة هي التي اجبرته وانزلته فيه. ويدل من اسمه على انه بناء فيه غرف ينزل فيه الصعاليك، وهو جمع صعلوك، وهو الفقير المفلوك الذي لا يجد بيتا ولا اسرة ولا طعاما ولا شرابا. وهم اقل الناس قدرا من الناحية الاجتماعية. فقد جعلت الدولة الإمام (عليه السلام) مع امثال هؤلاء زيادة له في الاذلال التنكيل.
خذ مثلا اليك احد فضلاء الحوزة، او احد التجار، او احد المراجع، ينزل مثل هذا المنزل الان او غدا فهل يصير هذا ؟ سبحان الله ..
ومر عليه وهو في هذا الخان احد محبيه ومقدري فضله، صالح بن سعيد، فاحزنه حال الامام (عليه السلام)، فقال له : جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك والتقصير بك حتى انزلوك في هذا الخان الاشنع خان الصعاليك. ويسمع الامام (عليه السلام) ما قال فيجيب، وكأنه قد التفت اليه بعد استغراق تفكير وانشغال بال، وقال له: هاهنا انت يا بن سعيد. ثم يريد الامام (عليه السلام) الاحاديث ان يفهم هذا المشفق بان الحالة الدنيوية وان كانت قد وصلت به نتيجة للظلم والغدر الى هذا الحد المنحدر، الا ان ذلك مما يرفعه عند الله قدرا، ويزيده جهادا، ويضيف الى فضائله فضيلة. فهو لم يخسر شيئا، وانما الامة الاسلامية هي التي خسرت. وانه يعيش في الحقيقة في الانوار الروحية واللذائذ العلمية والنفحات القدسية، فكأنه في رياض الجنان. قال صالح بن سعيد كما في الرواية : ثم اومأ بيده (طبعا الامام عليه السلام) فاذا بروضات انيقات، وانهار جاريات، وجنات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهم اللؤلوء المكنون، واطيار وضباء وانهار تفور، فحار بصري، وكثر تعجبي، فقال لي عليه افضل الصلاة والسلام : حيث كنا فهذا لنا. وفي رواية اخرى: حيث كنا فهذا لنا عتيد، يا بن سعيد نحن هنا لسنا في خان الصعاليك.
وقد علق الشيخ المجلسي في البحار الجزء الخمسين صفحة 133 على هذه الرواية بقوله: لما قصر علم السائل وفهمه عن ادراك اللذات الروحانية، ودرجاتهم المعنوية. وتوهم ان هذه الامور (يعني السكنى في خان الصعاليك) مما يحط من منزلتهم. ولم يعلم ان تلك الاحوال مما يضاعف منازلهم ودرجاتهم الحقيقية، ولذاتهم الروحانية، وانهم اجتنبوا لذات الدنيا ونعيمها. وكان نظره (يعني السائل) مقصورا على اللذات الدنية الفانية، اراه الامام (عليه السلام) ذلك، لانه كان مبلغه من العلم كما يقول تعالى ((ذلك مبلغهم من العلم)).
قال اي المجلسي: (واما كيفية رؤيته لها، فهي محجوبة عنا. والخوض فيها لايهمنا. لكن خطر لنا بقدر فهمنا وجوه وهي اربعة).
اذكر لكم الان اثنين من اهمها في الحقيقة الثالث والرابع :
الوجه الاول : وهو الثالث بحسب تقسيمه. انه اراه صورة اللذات الروحانية التي معهم دائما بما يوافق فهمه، فانه كان (اي هذا الرجل) في منام طويل وغفلة عظيمة عن درجات العارفين ولذاتهم، اراها له كما يرى النائم العلم بصورة الماء الصافي واللبن اليقق والمال بصورة الحية وامثالها. وهذا على مذاق الحكماء والمتألهين.
اقول: على هذا فهو كشف صوري برزخي تنزلي. اما كونه صوريا فلأنه مرأي بالبصر، او هو صورة تراها العين. واما كونه برزخيا، فلأنه دون العالم الاعلى الحقيقي المليء بالحقائق والانوار، والمستغني عن كل هذه اللذات. واما كونه تنزليا، فلأن الحكماء قالوا ان الفرد اذا بلغ الى درجة عليا من درجات اليقين، بحيث يستطيع بها ان يرى الحقيقة على حالها الاصلي فهو المطلوب، وان لم يستطع ذلك فقد يكشفها الله له في المنام او في اليقظة على شكل صور من هذا القبيل، وهي المناسبة لحاله وفهمه. وثانيا هي مناسبة مع الحقيقة التي تعبر عنها، فيرى العلم بحرا، والرحمة مطرا، والعدو افعى، وهلم جرا …
الوجه الثاني : مما قاله الشيخ المجلسي في البحار ما حققته في بعض المواضع وملخصه : ان النشئات مختلفة، والحواس في ادراكها متفاوتة. كما ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يرى جبرئيل (عليه السلام)، وسائر الملائكة والصحابة لم يكونوا يرونهم. وامير المؤمنين (عليه السلام) كان يرى الارواح في وادي السلام، وحبة العرني وغيره لا يرونهم. وفيها رواية انه خرج مع حبة العرني فقال له : لو رأيتهم حلق حلق كذا وكذا يتكلمون. وهذا معناه ان امير المؤمنين يراهم يتكلمون الا ان حبة العرني لم يرهم طبعا. فيمكن ان تكون جميع هذه الامور في جميع الاوقات حاضرة عندهم (يعني المعصومون عليهم السلام) ويرونها ويتلذذون بها. لكن لما كانت اجساما لطيفة روحانية ملكوتية لم يكن سائر الخلق يرونها، فقوى الله بصر السائل باعجازه (عليه السلام)، اي بتسبيب من الامام الهادي (عليه السلام) حتى راها.
اقول : فيكون الفرق بين هذا الوجه وسابقه، هو ان هذه الصورة التي راها هذا الرجل صورة خيالية مؤقتة تزول بزوال شعوره بها طبقا للوجه الاول. ولكنها صورة ثابتة وحقيقية ومستمرة لعالم من عوالم الخلق طبقا للوجه الثاني. ولا نريد التعمق في ذلك لكي لا نتجاوز الاسرار الالهية. وانما فقط اريد التعليق على ما قاله المجلسي في نقطتين:
النقطة الاولى : ان ظاهر كلامه (رحمة الله عليه) وهو المشهور أيضاً، ان من مفاخر النبي (صلى الله عليه واله) انه يرى جبرئيل ويسمعه ويتلقى منه القرآن. وهذا أمر وان كان عظيما جدا، الا ان النبي (صلى الله عليه واله) بحقيقته وروحه العليا اعلى حتى من هذه المرتبة. لاننا حين نعتبره خير الخلق على الاطلاق، واول الموجودات على الاطلاق، واقربها الى الله على الاطلاق، اذن فهو خير من جبرئيل ومن القرآن. فلا يكون من مفاخره رؤيتهما والعلم بهما. نعم هي من صفاته، ولكن ذلك بالنسبة اليه امر بسيط ومفروغ الوجود.
النقطة الثانية : ان ظاهر كلام المجلسي، وهو المرتكز ايضا في اذهان المتشرعة، ان مثل هذه الكشوفات البسيطة نسبيا خاصة بالمعصومين. وانا اعتقد ان في ذلك تنزيل من شأنهم وليس اعلاء لحقهم. اليس سمعنا قبل قليل ان من يرى الحقائق فهو مستغني عن رؤية صورها التنزلية. وانما تكون هذه الصور لمن يعجز عن نيل تلك الحقائق العليا. ومن المعلوم ان المعصومين (عليهم السلام) اولى واحق من يرى تلك الحقائق والمدارك الجبروتية، ومعه يكونون مستغنين عن هذه الكشوف الصورية. وانما يحصل ذلك لطبقة اقل من الاولياء والصالحين ،باعتبار ان هذا هو المناسب لهم، ومدرك علمهم، ومبلغ علمهم، على اية حال. كما ان ظاهر كلام المجلسي (عليه الرحمة) وكذلك اعتقاد طبقة من المتشرعة ان المعصومين (عليهم السلام) يتلذذون بهذه الصور المكشوفة، وانها هي باقية عندهم باستمرار لاجل ان يتلذذوا بها. وهذا الكلام مؤسف بطبيعة الحال. فانه وان صدق في بعض المتقين والصالحين، لا يمكن ان يصدق على المعصومين بحال:
اولا: لما عرفناه من انهم مطلعون على الحقائق العليا النورانية رأسا وبكل صراحة ووضوح. اذن فهم لا يعولون على هذه الصور ولا يحتاجونها، بل تكون بالنسبة اليهم حجابا عن المعرفة وقطعا للطريق وحاشاهم.
ثانيا: انه في المستوى العالي جدا من درجات اليقين، لا يكون الالتذاذ الا بالله وذكره وطاعته. والالتذاذ بهذه الامور، انما هي التذاذ بالمخلوق دون الخالق. وهو من الشرك الخفي وحاشاهم عنه. ومن هنا ورد : (الاخرة حرام على اهل الدنيا، والدنيا حرام على اهل الاخرة، والدنيا والاخرة حرام على اهل الله). والمعصومون اولى البشر اجمعين، بل الخلق اجمعين، ان يكونوا من اهل الله سبحانه وتعالى. يكفينا في ذلك ان سكينة بنت الحسين (عليه السلام) خطبها الى ابيها خاطب، فقال له ما مضمونه : انها لا تصلح للزواج لانها مستغرقة في الله سبحانه.
وما ذلك الا لانها تربية ابيها الحسين (سلام الله عليه)، وجدها امير المؤمنين (سلام الله عليه)، فكيف بالمعصومين انفسهم ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الخامسة والثلاثون 21 شعبان 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
لنصرة وطاعة الحوزة العلمية الشريفة الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
لنصرة وطاعة المذهب وولاية امير المؤمنين الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
لاجل شجب واستنكار وتقليص وتحجيم صلاة الجمعة الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
احبائي حينما يقول لنا الله سبحانه وتعالى يا ايها الناس او يا ايها الذين امنوا بماذا يجب ان يكون الجواب طبعا يكون بالايجاب نعم يارب لبيك يارب انا عبدك وابن عبديك يا ربي.
المهم اننا نقول هذه الاهزوجة ….
نعم نعم يا ربي …
نعم نعم سبحانك …
نعم نعم للاسلام …
نعم نعم للمذهب …
نعم نعم للجمعة …
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي لولا الواجب من ذكرك لنزهتك عن ذطكري اياك علىان ذكري لك بقدري لا بقدرك وما عسى ان يبلغ مقداري حتى اجعل محلا لتقديسك ومن اعظم النعم جريان ذكرك على السنتنا واذنك لنا بدعائك وتنزيهك وتسبيحك. الهي فالهمنا ذكرك في الخلاء والملاء والليل والنهار والاعلان والاسرار وفي السراء والضراء وآنسنا بالذكر الخفي واستعملنا بالعمل الزكي والسعي المرضي وجازنا بالميزان الوفي. الهي بك هامت القلوب الوالهة وعلى معرفتك جمعت القلوب المتباينة فلا تطمئن القلوب الا بذكرك ولا تسكن النفوس الا عند رؤياك انت المسبح في كل مكان والمعبود في كل زمان والموجود في كل اوان والمدعو بكل لسان والمعظم في كل جنان واستغفرك من كل لذة بغير ذكرك ومن كل راحة بغير انسك ومن كل سرور بغير قربك ومن كل شغل بغير طاعتك الهي انت قلت وقولك الحق يا ايها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا وقلت وقولك الحق فاذكروني اذكركم فامرتنا بذكرك ووعدتنا عليه ان تذكرنا تشريفا لنا واعظاما وها نحن ذاكروك كما امرتنا فانجز لنا ما وعدتنا يا ذاكر الذاكرين ويا ارحم الراحمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون * واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ان امة هي اربا من امة انما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون *)).
بعد ان انتهى النصف من شعبان المعظم وتأجلت مسألة المشي الى كربلاء المقدسة يحسن بنا الان ان نأخذ العبرة عما حصل فان لكل شيء عبرة وهذا من اهم الامور التي يجب ان نأخذ منها العبرة توخيا للهداية والتعمق في الايمان وفي بعضها سنسمع بعض المناقشات بالحكمة والموعظة الحسنة بطبيعة الحال بعونه سبحانه وتعالى. وذلك بالالتفات الى عدة نقاط :
النقطة الاولى : اننا عهدنا الاستعمار والمستعمرين منذ وجدوا يكرهون الاسلام الحنيف والمذهب الجليل ويكيدون ضده مختلف المكائد والدسائس ويريدون اضعافه بكل وسيلة ويكرهون القيام بشعائره وطقوسه ويحاولون تقليلها الى اقل مقدار ممكن بل الغائها بالمرة بما في ذلك مواسم الزيارات واصدار الكتب والنشرات والقاء الخطب والصلوات.
ومن هنا كانت صلاة الجمعة شوكة في عين المستعمرين عامة واسرائيل خاصة لما كان وما زال فيها من عز المذهب والدين وهداية الناس والتسبيب الى لم الشعث وجمع الكلمة على الحق.
وكذلك بطبيعة الحال فان السير الى زيارة الحسين (عليه السلام) ايضا شوكة في عين المستعمرين عامة واسرائيل خاصة. ومن الواضح انه يكون مشمولا لقوله تعالى : ((وما تطئون موطئا يغيض الكفار الا كتب لكم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين)).
النقطة الثانية : انه كان من المتوقع والطبيعي ان تبذل اقصى قوة في سبيل منعه والحيلولة دون استمراره الامر الذي ينتج منه بكل وضوح التقليل من الشعائر الدينية والكفكفة من تصرف المجتمع بما هو الهداية والاخلاص لله ورسوله والمعصومين. ولعله من باب الحمل على الصحة ان الجماعة لا يعلمون ان في ذلك نفعا للمجتمع ومضادة للاستعمار وارغاما لاسرائيل. اذن فليعلموا من الان ذلك وهو واضح ووجداني لكل احد وغير قابل للمناقشة بل نقوللاي فرد لم يلتفت الى ذلك كما قال الشاعر :
اذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم
النقطة الثالثة : لا شك ان افضل ما تفعله اي دولة الى مجتمعها وشعبها هو اعطاء الحرية للتصرف والقيام بشعائرها الدينية والتنفيس عن قناعاتها النفسية والعقلية بالشكل الذي لا يضر بالدولة اصلا ولا يمت الى سياساتها وكيانها باي صلة ل ان ذلك سيكون اكيدا في نفع الدولة اي دولة وسيكون سببا لمحبة الشعب للدولة ووثاقتهم بها لما يرون من انها متفضلة عليهم بالحرية والفرص المتكافئة للشعائر الدينية مضافا الى الامور الدنيوية والاقتصادية. واذا قامت الدولة بذلك كانت بلا شك اقرب الى محبة الناس واطمئنانهم لما يشعرون من فضلها عليهم والتفاتها اليهم بخلاف العكس بطبيعة الحال.
النقطة الرابعة : اننا الان في نظرهم في ظروف الحصار الاستعماري الاتصادي الغاشم. لاذن يكون من الراجح ان تواجه الاستعمار وان تشجع ضده وان تقوم بكل عمل لا يرتاح اليه ولا يحبه بما في ذلك الشعائر الدينية عموما والسير الى كربلاء المقدسة خصوصا. اذن فهذه الشعيرة المقدسة ستكون الى جنب السائرين ضد الاستعمار والمستنكريت للحصار وخطوة جيدة تدريجية يمكن ان تكون مفتاحا لفك الحصار والضغط الشعبي على الاستعمار كما قيل هنا من ان ظرف الحصار لايناسب قبول السير الى كربلاء القدسة لا يكون مقبولا بطبيعة الحال بل الامر بالعكس بطبيعة الحال ولا يحتاج ذلك الا الى التفاتة بسيطة الى واقع الحال الاجتماعي الذي نعيشه.
النقطة الخامسة : ان المفروض ان الشعب والدولة معا ضد الاستعمار وفي ماجهة التحديات العالمية المعادية ومن هنا جاز لكل من الشعب والدولة معا ان يعمل ما يراه مناسبا في هذا الصدد لمضادة الاستعمار والنيل منه وابعاد شبحه المشؤوم وبذلك يكون الشعب والدولة يدا واحدة ضد من يريد النيل من بلاد الاسلام ومن المجتمع الاسلامي فاذا علمنا ان السير الى الحسين (عليه السلام) كما هو واضح هو كشف للاستعمار ومراغمة له اذن فستكون كل الاعمال لو تمت هذه المناسبة الشريفة سائرة في هذا الصدد وسيكون الشعب والدولة يدا واحدة بهذا الاتجاه بضرب الاستعمار الغاشم بيد من حديد.
النطة السادسة : ان شعائر الله سبحانه وتأييد الدين من المتوقع جدا بكل وضوح ان يكون ضمن الحملة الايمانية التي تتبناها الدولة منذ سنين فان المفروض بهذه الحملة ان تدعو الى الايمان لانها ايمانية والى تأييد الشعائر وتكثير الطاعات وتقليل المعاصي وجعل العقوبات المشددة على المنكرات كالخانات والملاهي والمراقص وعلى اي حال فالسير الى زيارة كربلاء المقدسة هي من جملة الايمان او هو من جملة الايمان الذي يقع مصداقا وتطبيقا للحملة الايمانية والمتوقع ممن يدعو اليها ويتمسك بها ان يمشي بهذا الاتجاه الى نهاية الطريق ولا ينبغي الشعور من قبلهم بوجود اي منافاة او تعارض بين الطريقين او الاسلوبين كما تحس به الان.
النقطة السابعة : انه بفضل الله وحسن توفيقه انه بالرغم من ان السير لم يتم بالشكل الموسع الذي تمنيناه له الا انه اثمر ثمرة طيبة وانتج نتائجه الحسنة في سبيل الله ونصرة ديته والمذهب من حيث انه اظهر تكاتف الشعب العراقي كله وخاصة في الوسط والجنوب على العمل في سبيل الله والتضحية في سبيل الاشادة بشريعة سيد المرسلين وبدم الحسين المقدس الذي اهريق ظلما في كربلاء المقدسة فان السير الطويل لعدة ايام في البراري والقفار مع عدم توفر الاقل المجزي من وسائل العيش انما هو لمعة مضيئة في جبين المؤمنين الذين ادوا ما عليهم ولم يقصروا في هذا الطريق جزاهم الله خيرا بحيث رأينا الكثير منهم وصلوا الى النجف لم يكن لهم اي قدرة على شراء الطعام او النزول ليلة واحدة في فندق وهذا امر مجيد وحميد كما قال الشاعر :
هكذا هكذا والا فلا لا .... فليس كل الرجال تدعى رجالا
النقطة الثامنة : انهم لم يتحملوا الصعوبة المعيشية فقط في هذا السفر المقدس بل تحملوا الصعوبة النفسية ومشقة الخوف والازعاج في هذا الصدد ولا اريد هنا ان اذكر شيئا الا ان لنا اسوة في ذلك بقادتنا المعصومين (عليهم السلام) كما قال في الدعاء او الزيارة : (السلام على الائمة الراشدين السلام على الانبياء والمرسلين السلام على الائمة المستودعين السلام على خاصة الله من خلقه السلام على المتوسمين السلام على المؤمنين الذين قاموا بامرنا ووزروا اولياء الله وخافوا بخوفهم السلام على الملائكة المقربين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
النقطة التاسعة : ان هذا النموذج من الاخلاص والمخلصين والوعي والواعين كان قليلا في صدر الاسلام حتى قال امير المؤمنين (عليه السلام) لعدد من اصحابه او نستطيع القول لاكثر اصحابه : (يا اشباه الرجال ولا رجال وحلوم ربات الحجال) اي الناسء طبعا وقال ما مضمونه : (انني ان دعوتكم في الشتاء قلتم دعنا يذهب عنا البرد واذا دعوتكم في الصيف قلتم دعنا يذهب عنا القيض واذا كنتم عاجزين عن حر الصيف فانكم اعجز عن تحمل حر السيف). وهذا النموذج هو الذي كان في صدر الاسلام وسبب انتصار معاوية في صفين واللجوء الى التحكيم كما سبب تفرق الناس عن مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) وعن الحسين (سلام الله عليه) الا انه عن طريق التربية المركزة والمستمرة بمقدار ما هو ممكن من قبل قادتنا المعصومين (عليه السلام) وعلماؤنا المرحومين (رضوان الله عليهم) تبدل هذا النموذج بالنموذج الاخر المخلص المتفاني الذي كان ولا زال نداه يفيد الدين ويضخي في سبيل شريعة سيد المرسلين.
اذكر لكم فيما يلي قضيتين باختصار نتذكرهما لاجل زيادة العبرة وتجديد الهمة في سبيل الله تعالى :
احداهما ان المتوكل حرث قبر الحسين (عليه السلام) واجرى عليه الماء ومنع زيارته ووضع الحرس وكانوا يمسكون بالزوار فيقطعون ايديهم من المعصم كأنهم سراق والعياذ بالله حتى جاء رجل وهو ملتف بعبائته فامسكوه وقالوا له اخرج يدك لكي نقطعها فاخرج لهم يده اليمنى فاذا هي مقطوعة فقالو له اخرج يدك اليسرى فاخرجها فاذا هي مقطوعة قال انتم قطعتموها في زيارات سابقة لي ومع ذلك فهو مقبل للزيارة غير خائف ولا هائب طبقا لقول رسول الله (صلى الله عليه واله) كما في الرواية : (ان لقتل ولدي الحسين (عليه السلام) حرارة في قلوب شيعته ومحبيه لن تبرد الى يوم القيامة).
وكذلك الرجل الخراساني الذي ارسله المجتمع في خراسان الى الامام الصادق (سلام الله عليه) لكي يدعونه اليهم ان له في خراسان مائة الف سيف فبينما هو جالس عنده اذا اقبل عليه احد اصحابه المخلصين فامر الامام الصادق (عليه السلام) ان يسجر التنور فلما ارتفعت ناره قال الامام الصادق (عليه السلام) الى هذا الثاني اذهب فاجلس في التنور فوضع نعله على الارض فجلس على التنور واقبل الامام الصادق (عليه السلام) على الخراساني كأنما لا يوجد شيء يسأله عن تفاصيل المجتمع هناك واحوال الناس في خراسان الى برهة من الزمن ثم امر الخراساني ان يذهب فينظر في التنور فذهب فنظر فاذا بذاك الرجل جالس فيه وهو يبتسم. فهذه هي نماذج رجالنا المخلصين رضوان الله عليهم اجمعين.
النطة العاشرة : ان المنع حصل في الحكمة الالهية لقصور وتقصير في المجتمع بما فيهم السيد محمد الصدرولو كنا على مستوى المسؤولية حقيقة وموضوعل للرحمة الالهية من جميع الجهات لما حصل المنع بكل تأكيد. اما ما هو سبب القصور والتقصير فليس هذا مهما الان وانما المهم والاهم هو ان نحاسب انفسنا وننظر الى اعمالنا والى مدى اخلاصنا لربنا وهدفنا وديننا ونحاول السير الحثيث لزيادة والتكامل بفضل الله سبحانه وتعالى ولا ننسى ان المخلصين الممحصين من اصحاب الانبياء والمعصومين لم يكن يخطر في بالهم الخوف طرفة عين كما قال الله تعالى : ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كيرة باذن الله)) وقوله تعالى : ((وكأين من نبي قاتل معه ربييون كثير (اي الهيون) فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين *)) وقال تعالى في قصة طالوت : ((فلما فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده * فشربوا منه الا قليلا منهم * فلما جاوزه هو والذين امنوا معه (يعني الذين لم يشربوا) قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده * قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين * ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا على القوم الكافرين * فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت)).
النقطة الحادية عشر : لاحظوا .. لابد من الالتفات الى موقف الحوزة التقليدية السكوتية مما حصل من امر المشي ومنعه انهم كانوا سلبيين مائة بالمائم لم ينبسوا اي واحد منهم او من وكلائهم او من اصدقائهم ببنت شفة بل قد صادف ان التقينا ببعض منهم فنراهم يتحدثون عن اي شيء الا عن هذا الامر وكأنهم لا يعلمون ما يحصل في المجتمع على الاطلاق لا من الامر بالمشي ولا بمنعه ولا اكتراث لهم بشيء منهم من ذلك اصلا لكي انه يدعوا السيد محمد الصدر في الميدان وينسحبوا من تحت المسؤولية بكل سهولة ولو كانوا قد بينوا رأيه وآزروا طاعة الله واولياء الله وشعائر الله لما حصلت النتائج التي رأيناها واسفنا لها وهم بطبيعة الحال يتحملون قسطا بالمسؤولية سواء رضوا ام غضبوا وانتم الان موجودن فاذهوا اليهم او ممن تعرفون منهم واسألوهم عن السبب في هذا السكوت والصمت كصمت القبور بالرغم من وجود المناسبة الدينية المقدسة والشعائر الجليلة وقد اعتادت الحوزة ومع شديد الاسف على عدم التعاون والتكاتف الامر الذي انتج كثيرا من النتائج السلبية على مر الاجيال مما يكون بكل تاكيد في مصلحة اعداء الله والمستعمرين فهل هم ملتفتون الى ذلك ايضا كما قال الشاعر :
اذا كنت لا تدري فتلك مصيبة او كنت تدري فالمصيبة اعظم
وليتهم حين لم يعترفوا او تجاهلوا امر الولاية ولاية السيد محمد الصدر ان يهتموا بامر الدين وشعائر الله ومستحبات الشريعة وليس هذا بعجيب بعد ان تركوا الواجب المتمثل بصلاة الجمعة فكيف لا يتركون المستحب في نظرهم وكان افضل ما فعلوه جملة منهم هو السكوت والاعتذار بينما كان موقف آخرين هو الطعن والتشنيع والتجريح بينما كنا نحب وليس هذا في قلوب المؤمنين فقط هذا الحب ليس هذا في قلوب المؤمنين فقط بل هو مما يرضاه الله ورسوله والمعصومين ان يجدوا الحوزة متكاتفة ومتعاضدة في خدمة المذهب واعلاء كلمة الحق وتكثير شعائر الدين ولن تكون الحوزة عندئذ لاحظوا .. بقيادة السيد محمد الصدر فقط بل بقيادة العلماء جميعا باعتباره ميدا واحدة وقلبا واحدا وعملا واحدا وهدفا واحدا وقد قلت مكررا اننا عندئذ سنكون متمكنين بغض النظر عن السلاح من مواجهة الاستعمار واسرائيل بكا صرامة وقوة ووضوح.
النقطة الثانية عشر : انما ما حصل من الفشل النسبي لا ينبغي ان يفت في عضد المؤمنين او يحملهم على الاحباط والتخاذل ويضعف في قلوبهم الشجاعة التي اوجدوها بكريمنهم وعرق جبينهم وتوفيق الله سبحانه وتعالى بل يجب ان يكون ذلك وكل شيء مما يضاعفها ويزيدها لا ان يضعفها وينقصها فان الحياة تجارب والتجارب ليست كلها ناجحة مائة بالمائة بل قد يحجب النجاح عنا كثيرا او قليلا بسبب الحكمة الالهية بل قد يحصل في المستقبل قصور في النجاح كما حصل في الماضي وكل ذلك ينبغي ان يكون متوقعا ومفهوما سلفا والدنيا دار لون وفساد وصعود ونزول وقد اختلفت الدنيا على المعصومين (سلام الله عليهم) واصحابهم فكيف لا تختلف علينا وكيف تصفوا لنا وانما السبب الى دفع ذلك بعد عناية الله وحسن توفيقه والنصر لدينه وهو الاخلاص وتزايد الهمة والارادة والحب لكل ما يحب الله ورسوله والبغض لكل ما يبغض الله ورسوله والله ولي المحسنين وهو على كل شيء قدير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الخامسة والثلاثون 21 شعبان 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا ملاذ اللائذين ومعاذ العائذين ومنجي الهالكين ويا عاصم البائسين ويا راحم المساكين ويا مجيب المضطرين ويا كنز المفتقدين ويا جابر المكسرين ويا مثوى المنقطعين ويا ناصر المستعفين ويا مجير الخائفين زيا مغيث المكروبين ويا حصن اللاجئين ان لم اعذ بعزتك فبمن اعوذ وان لم الذ بقدرتك فبمن الوذ وقد الجأتني الذنوب التشبث باذيال عفوك واحوجتني الخطايا الى استفتاح ابواب صفحك ودعتني الاساءة الى الاناخة بفناء عزك وحملتني المخافة من نقمتك على التمسك بعروة عطفك ومن اعتصمك بحبلك ان يخذل ولا يليق بمن استجار بعزك ان يسلم او يهمل الهي فلا تخذلنا من حمايتك ولا تعرنا من رعايتك وذرنا من موارد الهلكة فانا بعينك وكنفك ولك اسألك باهل خاصتك من ملائكتك والصالحين من بريتك ان تجعل علينا واقية باقية تنجينا من الهلكات وتجننا من الافات وتكننا من دواهي المصيبات وان تنزل علينا من سكينتك وان تغشي وجوهنا بانوار محبتك وان تقوينا الى شديد ركنك وان تحوينا في اكناف عصمتك برأفتك ورحمتك يا ارحم الراحمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله الطيبين الطاهرين اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهم ولا تلمزوا انفسكم ولا تتنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاؤلئك هم الظالمون * يا ايها الذيم آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله كان توابا رحيما))
الان نتكلم في التعريف البسيط باهمية زيارة الحسين (عليه السلام) عموما. قال الشيخ عباس القمي (رحمه الله) في مفاتيح الجنان : اعلم ان فضل زيارة الحسين (عليه السلام) مما لا يبلغه البيان وفي روايات عديدة انها تعدل الحج والعمرة والجهاد بل افضل بدرجات وتورث المغفرة وتخفيف الحساب وارتفاع الدرجات واجابة الدعوات وتورث طول العمر والحفظ في النفس والمال وزيادة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الهموم والكربات وان ترك زيارة الحسين (عليه السلام) بدون عذر يوجب نقصا في الدين وهو ترك حق عظيم من حقوق النبي (صلى الله عليه واله) واقل ما يؤجر به زائره يعني الحسين (عليه السلام) هو ان يغفر الله ذنوبه وان يصون الله تعالى نفسه وماله حتى يرجع الى اهله فاذا كان يوم القيامة كان له احفظ من الدنيا وفي روايات كثيرة ان زيارته (عليه السلام) تزيل الغم وتهون سكرات الموت وتذهب بهول القبر وان ما يصرف في زيارته (عليه السلام) يكتب بكل درهم مائة الف درهم بل عشرة الاف درهم وان الزائر اذا توجه الى قبره (عليه السلام) استقبله الاف من الملائكة فاذا رجع منه شايعته وودعته وان الانبياء والاولياء والائمة المعصومين (عليه السلام) اجمعين يزورون الحسين (عليه السلام) ويدعون لزواره ويبشرونه بالبشائر وان الله تعالى ينظر الى زوار الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) قبل نظره الى من حضر عرفات وانه اذا كان يوم القيامة تمنى الخلق كلهم ان كان من زواره لما يصدر منه (عليه السلام) من الكرامات والفضل في ذلك اليوم.
قال والاحاديث في ذلك لا تحصى وحسبنا هنا رواية واحدة. روى ابن قولويه والكليني والسيد بن طاووس وغيرهم باسناد معتبرة عن الثقة الجليل معاوية بن وهب البدلي الكوفي قال: دخلت على الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) وهو في مصلاه وجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول : يا من خصنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الانبياء وفتح بنا الامم السالفة وخصنا بالوصية واعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل افئدة من الناس تهوي الينا اغفر لي ولا خواني وزوار قبر ابي الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) الذين انفقوا اموالهم واشخصوا ابدانهم رغبة في برنا ورجاءا لما عندك في وصلتنا وسرورا ادخلوه على نبيك محمد (صلى الله عليه واله) واجابة منهم لامرنا وغيضا ادخلوه على عدونا ارادوا بذلك رضوانك فكافئهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل وادخل على اهاليهم واولادهم الذين خلفوا باحسن الخلف واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك او شديد وشر شياطين الانس والجنواعطهم افضل ما املوا منك حتى يعودوا الى اوطانهم وما اسرنا على ابائهم واهاليهم وقراباتهم اللهم ان اعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص الينا خلافا عليهم فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر ابي عبد الله (عليه السلام) وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم اني استودعك تلك الانفس وتلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش الاكبر.
فما زال (صلوات الله عليه) وهو ساجد فلما انصرف قلت له جعلت فداك ان هذا الذي سمعته منك لو كان لمن لا يعرف الله لظننت ان النار لا تطعم منه شيئا ابدا والله لقد تمنيت اني كنت زرته ولم احج. فقال لي : ما اقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته ! يا معاوية لا تدع ذلك. لان سكناه في الكوفة وسكن الامام الصادق في المدينة فيكون من سكن الكوفة قريب من قبر الحسين (عليه السلام) ولذا يقول: (ما اقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته يا معاوية لا تدع ذلك (معاوية البجلي طبعا) قلت: فداك فلم ادر ان الامر يبلغ هذا كله. فقال : يا معاوية ومن يدعوا لزواره في السماء اكثر ممن يدعوا لهم في الارض. لا تدعه لخوف احد فمن تركه لخوف رأى يوم الحسرة ما يتمنى ان قبره كان بيده (يعني ان يموت سريعا) اما تحب ان يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلي وفاطمة والائمة المعصومين (عليه السلام) اما تحب ان تكون غدا ممن تصافحه الملائكة اما تحب ان تكون ممن يصافح رسول الله (صلى الله عليه واله)).
اقول هذا لمجرد الزيارة حتى بالسهولة واليسر فكيف ستكون مهمة وعظيمة مع وجود بعض المصاعب او الكثير من المصاعب في السفر اليه والعناء نحوه والتضحية في سبيل زيارته.
وقد ورد ما مضمونه : (ان سفرة الحسين (عليه السلام) اوسع) يعني يعني اوسع من سائر الائمة المعصومين (عليهم السلام). وقد فهم طبق من الناس من ذلك ان المراد بها الاجور التي يتقاضاها القارئون على الحسين (عليه السلام) فان فيها زيادة وبركة اكثر من غيرها. وهذا وان كان وجها مفهوما واقرب الى الصحة الا ان الوجه الاصح في تفسير ذلك اعني ان سفرة الحسين (عليه السلام) اوسع هو ان شفاعة الحسين (عليه السلام) اوسع بحيث تشمل كثيرا من المذنبين والعصاة بخلاف غيره من المعصومين (عليهم السلام) فانهم لا يشفعون الا لمن كان مرضيا لله عز وجل ولم يكن العاصي مرضي لله عز وجل ولذا قال اهل المعرفة ان بعض الائمة (عليهم السلام) لا يزورونهم الا الخاصة كامير المؤمنين والرضا (عليهما السلام) يعني ان الفرد ان لم يكن من الخاصة لم تقبل زيارته ولكن الحسين (عليه السلام) يزار من قبل الخاصة والعامة وكل من يذهب اليه تقبل زيارته وتقضى حاجته ما لم يكن معاندا والعياذ بالله. ومن هنا نستطيع ان ندفع ما قد يقال من قبل بعض المتشرعة او غيرهم من انه لم يدل دليل واضح في الكتاب الكريم او السنة الشريفة باستحباب الذهاب الى زيارة الحسين (عليه السلام) مشيا وهذا صحيح لا يوجد نص محدد الا اننا لا نحتاج الى النص المعين بل تكفينا القواعد العامة المتوفرة شرعا لاثبات استحبابه :
اولا : انه احترام للحسين (عليه السلام) بصفته الامام المعصوم المفترض الطاعة المقتول ظلما في اعطم حادثة من حوادث التاريخ.
ثانيا :انه تواضع للحسين (عليه السلام).
ثالثا : انه تضحية في سبيل الله وسبيل الحسين (عليه السلام).
رابعا : انه تقديم نحو من المقدمات لاستجابة الدعاء وطلب الحوائج فانه كلما كان الدعاء مسبوقا بخشوع وخضوع وتضحية اكثر كانت الاستجابة اسرع واكثر ضمانا وصحة.
خامسا : انه قيام بشعيرة من شعائر الله تعالى عرفية او متشرعية متسالم على صحتها منذ عشرات السنين بل منذ مئات السنين.
سادسا : اننا يمكن ان نقيسها على اسلوب الحج ماشيا فانه مما تسالم جميع المسلمين بجميع مذاهبهم صحته ورجحانه ومزيد الثواب فيه وما ذلك الا لان النمشي الى الحج متضمن لا محالة للتواضع والخشوع والخضوع ونيل المصاعب عن تعمد في سبيل الله سبحانه وتعالى وهذه الامور بنفسها موجودة في اي هدف ديني شرعي واهمها زيارة المعصومين (عليهم السلام) بما فيهم الحسين (سلام الله عليه).
وهذا بطبيعة الحال ينطبق على زيارة جميع المعصومين (عليه السلام) بما فيهم رسول الله (صلى الله عليه واله) والائمة المدفونين بالبقيع والامام الرضا في خراسان وغيرهم وهذا ينبغي ان يكون واضحا الا ان الامام الحسين (عليه السلام) يختص بامرين :
الامر الاول : قربه نسبيا لوضوح الفرق بينه وبين مكة وخراسان بشكل غير قابل للقياس وتلك اماكن جدا بعديا علينا وهذا مكان قريب. مضافا الى وجود ما يسمى بالحدود الدولية التي يحتاج اجتيازها الى صدور الترخيص من قبل كلا الدولتين مما يجعل امر الذهاب متعسرا في اغلب الاحيان لكن هنا لا يوجد حدود دولية.
الامر الثاني :سعة شفاعة الحسين (عليه السلام) كما سمعنا قبل قليل وشمولها لغالب اصناف الناس وهذا ينتج انك لو سرت الى غيره فقد لا يكون عملك مقبولا لان ذلك الامام لا يزوره الا الخاصة واما العامة من الناس فمحجوبون عنه حتى لو وصلوا اليه مشيا بخلاف الحسين (عليه السلام) فانه سيقبلهم بدون المشي فكيف لا يقبلهم مع المشي الذي يتضمن التضحية والخضوع والاحترام وسوف ذلك اولى بالقبول وقضاء الحوائج وستر العيوب وغفران الذنوب ومثله بالضبط تقبيل الاضرحة المقدسة والالتصاق بها والدوران حولها فان في ذلك ونحوه من الامور بيانا واضحا بلسان الحال لحب الامام (عليه السلام) واحترامه والتخضع له، وقديما قال الشاعر :
امر بذي الديار ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
فان الفرد حينما يكون محروما من تقبيل شخص محبوبه فانه سيقبل بابه وجداره وحين يكون محبوبه مدفونا يقبل ارضه وضريحه وهذا امر عرفي ومتعارف اليس حين تلقى من تحبه بعد غياب او فراق فانك تقبله وتقبل ثيابه وتقبل نا على رأسه كما قد يبلغ بك الحال والحب بان تقبل قدمه ونعاله. فالمهم ان كل ذلك دليل على بيان الاخلاص والحب والتقرب والخضوع والاحترام للمحبوب. والمعصومون (عليه السلام) اولى من يكونوا مستحق لذلك لنهم اولياء لله واحباءه وخاصته وخالصته وقد اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهذا الى جنبكم الامام امير المؤمنين (عليه السلام) والامكام الحسين (عليه السلام) من اصحاب الكساء باجماع علماء المسلمين بكل مذاهبهم وهم كما قلنا في الشذرات (اصحاب الكساء) افضل ليس فقط افضل من البشر بل افضل من الخلق اجمعين حتى من التسعة المعصومين من ذرية الحسين (عليه السلام) الا ان التحذير كل التحذير من طلب الدنيا ومن اطاعة النفس الامارة بالسوء فان المهم في الطاعات بما فيها الزيارات وغيرها هو الاخلاص والخشوع والخضوع والانقطاع الى الله سبحانه واما ان تكون تلك الاعمال والزيارات لطلب الدنيا كالشهرة والمال والرياء وامثال ذلك فمن الواضح انها ساقطة عند الله وليس فيها ثواب ولا يحتمل ان تكون مقبولة اصلا ولا سببا لشفاعة المعصومين (عليه السلام) اطلاقا بل ان هذه الطاعة وان تخيلها الفرد او زعمها انها طاعة لله فانها في الحقيقة طاعة للشيطان وطاعة الشيطان عليها عقوبة وليس عليها مثوبة مضافا الى ما قلنا في فقه الاخلاق من ان الفرد اذا قصد بطاعته امر دنيويا فانه قد يعطى ذلك الامر الدنيويولكنه يحرم من الثواب الاخروي لانه اذا طالب به في الاخرى فانه يقال له قد اعطيناك ثوابك في الدنيا وهذا يكفي ولست مستحقا لثواب الاخرة كما قال تعالى : ((اذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا فاستمتعتم بها فالوم تجزون عذاب الهون)) اي الذلة والهوان. فالمهم في العبادات جميعا بما فيها زيارة المعومين (عليهم السلام) هو الاخلاص وقد ورد ما مضمونه : (ان الصلاة وان بدت متشابهة من كل احد الا ان صلاة احدكم تكون كالدرة وصلاة الكافر كالحصاة وصلاة الاخر كالسفرجل وصلاة الاخر كجبل احد) يعني يختلف ذلك باختلاف الاخلاص وصفاء القلب وحسن التوجه في الصلاة. وورد : (رب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه) وورد: (رب صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش) ورب سائر سائر الى الحسين وليس له الا التعب والعناء.
والكلمة الاخيرة التي اود توجيهها الان هو انني في خطبة سابقة ناديت موظفي الدولة جميعا ودعوتهم الى طاعة الله والعود الى الشريعة والى تذكر الحساب والعقاب وهذا يقتضي بطبيعة الحال ان يكون الموظفين عونا للناس على طاعاتهم وشعائرهم وادعيتهم وزياراتهم فان لم يشاركوهم فلا اقل ان لا يحصل منهم منع وازعاج وليس مقتضى حسن الظن بالموظفين وتوقع التوبة والتدين منهم ان يسلكوا ضد هذا المسلك فيفكروا في المنع والحيلولة دون شعائر الله التي هي من تقوى القلوب.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة السادسة والثلاثون 28 شعبان 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
في الجمعة السابقة اعطينا الطاعة لله سبحانه وتعالى بنعم. وفي هذه الجمعة نعطي الطاعة لله عز وجل بـ( لبيك ) فقولوا معي كما اقول ثلاثا ..
لبيك لبيك يا الله …
لبيك لبيك يا رب …
لبيك لبيك للاسلام …
لبيك لبيك يا علي …
لبيك لبيك يا مهدي …
لبيك لبيك يا حوزة …
الان نؤدي التلبية كما تؤدى بالحج لانها في الحقيقة اعطاء الولاء لله سبحانه وتعالى ولا تختص بالحج.
لبيك اللهم لبيك … لبيك اللهم لبيك … لبيك اللهم لبيك … لبيك لا شريك لك لبيك … ان الحمد والنعمة لك والملك … لا شريك لك لبيك … لبيك اللهم لبيك … … لبيك لا شريك لك لبيك … ان الحمد والنعمة لك والملك … لا شريك لك لبيك … لبيك اللهم لبيك … … لبيك لا شريك لك لبيك … ان الحمد والنعمة لك والملك … لا شريك لك لبيك …
الشيء الاخر الذي وددت ان انبهكم عليه انني اود جدا كما علمنا نصب وذكريات لصلاة الجمعة ان نعمل نصب وذكريات بمناسبة الغدير بمناسبة عيد الغدير … فاهيب بالاختصاصيين وغير الاختصاصيين ان بأتوا لنا بما يناسب ذلك المقام الجليل من الان الى يوم الغدير نفسه فلا تقصروا تجاه امامكم امير المؤمنين (سلام الله عليه) وسوف يقول التاريخ ان هذا الشيء وهذا الطلب وقع خلال القصف الامريكي ليكون دليلا على ان المؤمن لا يخاف من احد الا من الله سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي اللهم اني اسألك ببهائك كله. اللهم اني اسألك من جمالك باجمله وكل جمالك جميل اللهم اني اسألك بجمالك كله. اللهم اني اسألك من جلالك باجله وكل جلالك جليل اللهم اني اسألك بجلالك كله. اللهم اني اسألك من نورك بانوره وكل نورك نير اللهم اني اسألك بنورك كله. اللهم اني اسألك من رحمتك باوسعها وكل رحمتك واسعة اللهم اني اسألك برحمتك كلها. اللهم اني اسألك من كلماتك باتمها وكل كلماتك تامة اللهم اني اسألك بكلماتك كلها. اللهم اني اسألك من كمالك باكمله وكل كمالك كامل اللهم اني اسألك بكمالك كله. اللهم اني اسألك من اسمائك باكبرها وكل اسمائك كبيرة اللهم اني اسألك باسمئك كلها. اللهم اني اسألك من عزتك باعزها وكل عزتك عزيزة اللهم اني اسألك بعزتك كلها. اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى الحسن المجتبى وعلى الحسين الشهيد بكربلاء وعلى فاطمة الزهراء وعلى الامام السجاد وعلى الامام الباقر وعلى الامام الصادق وعلى الامام الكاظم وعلى الامام الرضا وعلى الامام الجواد وعلى الامام الهادي وعلى الامام العسكري وعلى مولانا صاحب الزمان ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى ومن اعدائهم اتبرا في الدنيا والاخرة.
بعد ايام قلائل يبدأ شهر رمضان المبارك شهر الله الاعظم وعيد اوليائه فيحسن بنا ان نتحدث اليوم عن فضيلة الصوم زاهميته في الاسلام والدين عنه كثير واكثره مسموع الا ان بعض التكرار لا يخلو من فائدة فانا ذكرت في فقه الاخلاق الجزء الاول قسطا وافيا منه الا ان الذي اريد التركيز عليه في هذا اليوم هو ذكر بعض الاخبار الواردة في فضيلة الصوم وشرحها واول واهم او ما يوجهنا الخطبة المروية في مفاتيح الجنان صفحة 172 : روى الصدوق بسند معتبر عن الرضا (عليه السلام) عن ابائه عن امير المؤمنين (عليه السلام) قال ان رسول الله (صلى الله عليه واله) خطبنا ذات يوم فقال : يا ايها الناس قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله افضل الشهور وايامه افضل الايام ولياله افضل الليالي وساعاته افضل الساعات وهو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من اهل كرامة الله انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاءكم فيه مستجاب فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة ان يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كبرائكم وارحموا صغاركم وصلوا ارحامكم واحفظوا السنتكم وعفوا عما لا يحل النظر اليه ابصاركموعما لا يحل الاستماع اليه اسماعكم وتحننوا على ايتام الناس يتحنن على ايتامكم وتوبوا اليه من ذنوبكم وارفعوا اليه ايديكم بالدعاء في اوقات صلواتكم فانها افضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده يجيبهم اذا نادوه ويلبيهم اذا نادوه ويستجيب لهم اذا دعوه ايها الناس ان انفسكم مرهونة باعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيلة من اوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم واعلموا ان الله تعالى ذكره اقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين وا لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. ايها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه. قيل : يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال (صلى الله عليه واله) : اتقوا الله ولو بشق تمرة اتقوا النار ولو بشربة ماء فان الله يهب ذلك الامر لمن عمل هذا اليسير اذا لم يقدر على ما هو اكثر منه.
ويستمر رسول الله (صلى الله عليه واله) بخطبته الا اننا نكتفي بهذا المقدار لاجل اعطاء بعض الشروح لما سمعناه منها ولعلنا خلال الجمعات الاتية يمكننا تغطية الخطبة كلها نصا وشرحا اذا بقيت الحياة وساعد الحال وهنا لا بد من الاشارة الى عدة نقاط :
النقطة الاولى : انه (صلى الله عليه واله) قال : (يا ايها الناس) ولم يقل يا ايها المسلمون او يا ايها المؤمنون ونحو ذلك … وهذا يؤيد القاعدة التي يقول بها المشهور وهو الصحيح ايضا من ان الكفار مخاطبون بالفروع وتجب عليهم التكاليف الاسلامية كما تجب على المسلمين من صوم وصلاة وحج وزكاة وخمس وغيرها غاية الامر انها لا تصح منهم حال كفرهم فيجب ان يدخلوا في الاسلام لاجل تصحيح عباداتهم فيكون دخولهم في الاسلام من ناحيتين :
اولا : انه مطلوب في نفسه فانه يجب عليهم ان يسلموا على اية حال.
ثانيا : انه مطلوب لاجل تصحيح ما هو مطلوب منهم وجوبا من العبادات والصحيح ان مقدمة الواجب واجبة.
فالمهم ان قوله (يا ايها الناس) يشمل البشرية باديانها واصنافها واجيالها واماكنها ومجتمعاتها والله تعالى يريد الخير لكل البشر ويريد التوبة والتكامل لكل البشر وانه خلقهم من اجل خيرهم ونفعهم في الدنيا والاخرة اي في المدى اللانهائي وانما هم الذين ظلموا انفسهم وتقاعسوا عن العمل الصالح واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا.
النقطة الثانية : انه قال (صلى الله عليه واله) : (قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة والرحمة). اقول ان الله تعالى يعلم ما في نفوس البشر من النقص وما في اعمالهم من التقصير وما في تفكيرهم من القصور الامر الذي يؤدي بهم الى زيادة الذنوب والعيوب والى كثرة استحقاق العقاب وقلة استحقاق الثواب وبالتالي يؤدي الى ضعف التكامل المعنوي في درجات الايمان واليقين وهذا ما يؤسف له حقيقة وانما جناه الفرد على نفسه من حيث انه مستطيع للتكامل ومخلوق من اجل التكامل ومعطى فرصة السير في التكامل ومع ذلك فهو معرض عنه منصرف الى اللهو واللعب في شهوات الدنيا ومصالحها ومغرياتها وعلى اي حال فقد فتح الله تعالى الفرص الكثيرة جدا من اجل التوبة والانابة والتكامل وهي فرص موجودة على عدد انفاس الفرد بل اكثر حتى كان يعبر بعض اهل المعرفة ان يد الله ممدودة الى المصافحةويكفي بالفرد ان يمد يده اليها فقط وهي عبارة اخرى عن الفرصة المعطاة من قبله جل جلاله للتوبة وللتكامل ثانيا ولذا ورد في القرآن الكريم : ((والله يريد الاخرة)) يعني يريد لنا الاخرة لا لنفسه وهو غني عن العالمين وقال جل جلاله : ((يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزئون)).
لاحظوا .. فكان من جملة هذه الفرص للتوبة والانابة والاستغفار شهر رمضان وكل ايامه ولياليه فرص فهو ليس فرصة واحدة بل ملايين للانابة والتكامل والتوجه الى الله سبحانه وتعالى ونحن نعلم ان الله تعالى جعل فرص من اجناس مختلفة للتوبة والانابة والثواب منها المساجد والمراقد المقدسة وبيت الله الحرام ومنها الازمان او الايام كشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الغدير وعيد الاضحى ويوم عرفةوليلة النصف من شعبان وغيرها كثير وهذه الكثرة انما تكون من سعة رحمة الله سبحانه وتعالى ومن جليل كرمه والا كان في مستطاع الله ان يقلصها الى اقل مقدار ممكن.
ومنها اي من فرص التوبة والرحمة القرآن الكريم نفسه الذي هو باب الهداية العظيمة والعامة للبشر اجمعين ومنها وجود المعصومين (عليهم السلام) انفسهم فانهم عدل الكتاب وكتاب الله الناطق واحد الثقلين في حديث النبي (صلى الله عليه واله) : (اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتيما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ابدا).
النقطة الثالثة : انه (صلى الله عليه واله) قال في الخطبة : (شهر رمضان شهر هو عند الله افضل الشهور وايامه افضل الايام وساعاته افضل الساعات) مع انه قد يحص السؤال عن الوجه في ذلك فان العقل لا يدرك فرقا بين اجزاء الزمان كالايام والاشهر ونحو ذلك فكيف يكون بعض الزمان افضل من بعض كشهر رمضان او غيره.
وجواب ذلك من عدة جهات نذكر منها اثنان :
الجهة الاولى : ان العقل البشري وان لم يمكنه ان يتصور ذلك اي فضل بعض الايام والاشهر على بعضها الا اننا نعترف بان العقل البشري او القسم من العقل البشري لو صح التعبير غير كاف لادراك الواقعيات التي يعلمها الله سبحانه وتعالى في مخزون علمه ومكنون حكمته وليس له الحق اي ليس للعقل البشري الحق في ان يناقش فيما لا يعلم او لا يدرك ويكفينا هنا مجرد الاطروحة في صحة ذلك واقعيا من دون ان يدرك العقل ذلك لقصوره وتقصيره.
الجهة الثانية : ان الله تعالى يتعمد لو صح التعبير ان يفعل ذلك فان كل هذه الاثار والنتائج هي من كرمه وعطائه فهو يبذل فرصة التوبة وينزل الملائكة ويستجيب الادعية وغير ذلك ويستطيع جل جلاله ان يعمل ذلك في زمان دون زمان ويفضل بعض الازمنة على البعض الاخر من هذه الجهة او من اية جهة.
النقطة الرابعة : انه (صلى الله عليه واله) قال : (وهو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من اهل كرامة الله) فان السؤال يحصل بان الضيف ينبغي اكرامه واحترامه فان كان الناس في ضيافة الله اذن فهم مكرمون ومحترمون الا ان الامر يبدون للانسان البسيط طبعا يبدو بالعكس فان ضيوف الله في شهر رمضان جائعون خلال الصوم.
وجواب ذلك في نقطتين :
الاولى : ان هذا الجوع والعطش والتعب انما هو دنيوي محض بطبيعة الحال واضح جدا. وليس المقصود من خطبة النبي (صلى الله عليه واله) هو ذلك او قل ليس المقصود هو الاكرام في الدنيا بل الاكرام في الاخرة واعطاء المزيد من الثواب والاجر للعاملين في سبيله. اذن المراد من الضيوف انما هم ضيوف الاخرة وليس ضيوف الدنيا.
الثانية : ان الله تعالى لا يعطي العبد عطاءا مجانيا اطلاقا وهذا قانون ماشٍ بين جميع الناس حتى المعصومين (عليه السلام) وانما يحصل الثواب على العمل. واما بدون عمل فلا يحتمل حصول الثواب اصلا وفي الحكمة : (القدو الاول من العبد والثاني من الرب) وفي الحديث القدسي : (من تقدم الي شبرا تقدمت اليه ذراعا). ويعني ذلك انه لو لم يفعل العبد اي شيء ولم يبادر الى اي طاعة لا يحتمل ان يكون مستحقا للثواب.
اذن فضيافة الله في الاخرة منوطة بالعمل ومن هنا امر الله تعالى عباده ذلك عباده بالعمل على مختلف مستوياته وانواعه فشهر رمضان فيه الصوم وشهر ذي الحجة فيه الحج والاموال فيها ضرائب الزكاة والخمس وهكذا.
النقطة الخامسة : انه (صلى الله عليه واله) قال : (انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة) والعبارة وان كانت مطلقة للصائمين وغيرهم لانه يقول (نومكم فيه عبادة) يعني سواء كان الفرد صائما فعلا او لم يكن صائما الا انه لا يحتمل فقهيا ذلك بل هي خاصة بالصائمين فقط نومالصائمين عبادة وليس نوم المفطرين في شهر رمضان عبادة فقد اعطاهم الله تعالى (اي الصائمين) هذه المزية وهي ان نفسه بمنزلة التسبيح لله سبحانه وتعالى ونومه بمنزلة العبادة والمراد به النوم نهارا يعني خلال الصوم وليس ليلا خلال الافطار ومن الواضح ان اية عبادة لا تجتمع مع الصوم اذ كيف يتعبد الانسان وهو صائم الا مع الصوم فانه ينام وهو صائم فيكون متعبدا بهذا المعنى خلال نومه ونحوه في الشريعة ورد : (ان من توضأ ونام فان فراشه مسجده) يعني يكون في عبادة الى ان يستيقظ برحمة الله وفضله وهذه من رحمات الله على العباد وزيادة في فضله عليهم اكثر من الاستحقاق في الحقيقة الا ان هذا لايعني الاكتفاء بهذه العبادة يعني انا انام وازيد نومي بعنوان ان نومي عبادة هكذا قد تسول النفس الامارة بالسوء وطبقةمن المجتمع يفكرون فيه وانا هذا الذي اريد ان ارده . لا. ثم لا. الا ان هذا لا يعني الاكتفاء بهذه العبادة عن ذكر الله والدعاء والقرآن ويقول الفرد لنفسه انه ما دمت صائما ونفسي تسبيح ونومي عبادة اذن فينبغي ان اترك العبادات والمستحبات الاخرى واكثر من النوم لتكثر لي العبادة فانه ليس المقصود من الحديث ذلك بل المراد حسب فهمي ان الفرد الصائم التوجه الى الله والراغب بزيادة اجره وذكرالله سبحانه وتعالى قد يشعر بالخيبة والخسرة والتفريط اذا تعب من دعائه او قرآنه واحتاج الى النوم فتنقطع عبادته بالنوم فهنا يقول له رسول الله (صلى الله عليه واله) انك اذا نمت اعتبر الله نومك عبادة ايضا مثاله الفرد الذي كان ملتزما خلال دهره بعمل معين كصلاة الليل مثلا ثم حصلله مانع معين كالمرض او السجن او الشيخوخة او اية ضرورة فتركها متأسفا فانه يعطى ثوابها لا محالة ولعل هذا من الواضحات شرعا وحسب فهمي من الشرعيات قطعا فاذا كان انت متعبد في النهار حال يقظتك اعطاك الله نفس الثواب حال نومك كما انه ليس المقصود من هذه الرواية طلب زيادة النوم وترك الاعمال الاقتصادية او العلمية او الاجتماعية ونحو ذلك وخاضة اذا كانت محل ضرورة او كانت واجبة شرعا للنفقة واجبة مثلا او غيرها فان النوم في مثل ذلك يكون مرجوحا بل قد يصبح حراما اذا كان مفوتا لواجب كالصلوات الواجبة او النفقة الواجبة.
النقطة السادسة : انه (صلى الله عليه واله) قال : (واذكروا بعطشكم وجوعكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه) وهذا الحديث له مرتبة علة ومرتبة معلول في لغتي واصطلاحي.
اما مرتبة العلة فان الجوع والعطش يذكر الانسان بامور عديدة وبتعبير آخر يذكر & او المصابين ومنها جوع وعطش العاملين في سبيل الله اذا وقعوا بمثل هذه الصعوبة ومنها جوع وعطش المضطرين التائهين في الصحراء او البر او الجبال او المسجونين ونحو ذلك كثير هذا في مرتبة العة اما في مرتبة المعلول فان كل واحد من هذه الافكار يعطي نتائجه المحمودة فتذكر جوع وعطش يوم القيامة يذكر بيوم القيامة نفسهواذا تذكر الفرد يوم القيامة والحساب والعتاب والعقاب وقف عند الذنوب واكثر من الطاعات وذكر الله سبحانه وحصل عنده الورع والتقوى وتذكر جوع وعطش الفراء والمسلمين بحيث الفرد بمقدار امكانه على قضاء حاجة المحتاجين واشباع المعوزين وهم كثيرون غالبا في المجتمعات وتذكر جوع وعطش المرضى والمضطرين بحيث الفرد على امرين احدهما السعي في قضاء حاجة المحتاجين مهما كانت ورفع ضرورة المضطرين من اخوانه المؤمنين بمقدار امكانه ثانيهما توجيه الحمد والشكر الى الله سبحانه بعدم الابتلاء والضرورة او هكذا تقول بعدم الابتلاء والضرورة والحاجة كما ابتلى به غيره كما ورد : (نعمتان مجهولتان الصحة والامان) وكلاهما في الحقيقة الصحة والامان من اعظم النعم ومبلغ شكرها الحقيقي وان كان هو الشكر اللفظي الا ان الواقع منه هو استغلالهما اعني الصحة والامان في طاعة الله واكتساب الطاعات وتكامل الايمان والسير في رضا الله سبحانه كما ورد في الحكمة لاحظوا .. هل سمعتم وهل اطعتم هذا الحديث الان اقرءه : (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك).
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة السادسة والثلاثون 28 شعبان 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي ربيتني ونعمك واحسانك صغيرا ونوهت باسمي كبيرا فيا من رباني في الدنيا باحسانه وتفضله ونعمه واشار لي في الاخرة الى عفوه وكرمه معرفتي بك يا مولاي دليلي عليك وحبي لك شفيعي اليك وانا واثق من دليلي بدلالتك وساكن من شفيعي الى شفاعتك ادعوك يا الهي بلسان قد اخرسه ذنبه ربي اناجيك بقلب قد اوبقه جرمه ادعوك يا رب راهبا راغبا راجيا خائفا اذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت واذا رأيت كرمك طمعت فات عفوت فخير راحم وان عذبت فغير ظالم حجتي يا الهي في في جرأتي في مسألتك مع اتياني ما تكره جودك وكرمك وعدتي في شدتي مع قلة حيائي رأفتك ورحمتك وقد رجوت الا تخيب بين ذين وذين منيتي فحقق رجائي واسمع دعائي يا خير من دعاه داع وافضل من رجاه راج عظم يا سيدي املي وساء عملي فاعطني من عفوك بمقدار املي ولا تأخذني باسوء عملي فان كرمك يدل عن مجازاة المذنبين وحلمك يكبر عن مكافأة المقصرين وانا يا سيدي عائذ بفضلك هارب منك اليك متنجز ما وعدت من الصفح عمن احسن بك ظنا وما انا يا رب وما خطري هبني بفضلك وتصدق علي بعفوك اي ربي جللني بسترك واعفو عن توبيخي بكرمك وجهك فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته لا لانك اهون الناظرين واخف المطلعين بل لانك يا رب خير الساترين واحكم الحاكين واكرم الاكرمين ستار العيوب غفار الذنوب علام الغيوب تستر الذنب بكرمك وتؤخر العقوبة بحلمك اللهم صل على محمد وال محمد بافضل صلواتك واكرم تحياتك واعظم الائك كماصليت وباركت وترحمت وتحننت على تمننت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
((يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير))
من الامور التي يشير اليها النبي (صلى الله عليه واله) في خطبته استحباب ان يفطر الفرد صائما وهذا المعنى شامل للصائم وغيره، يعني يسحب لك ان تفطر صائما سواء كنت صائما ام لم تكن وهذا يدخل في الحقيقة في المنهج الاسلامي العام لقضاء حاجة المحتاجين فليس من العدل والانصاف ان يكون فطور طبفة من الناس اطايب الطعام والشراب وفطور طبقة اخرى يكون متواضعا جدا وان لا يجد له افطار اطلاقا فمقتضى العدل الاسلامي هو تساوي هاتين الطبقتين مهما امكن وذلك ان الله تعالى امر الاغنياء بالاعطاء الى الفقراء في كثير من تعاليمه الواجبة والمستحبة كالزكاة والخمس والفدية والكفارة والعتق ووجوب انقاذ المضطر واستحباب الصدقة واستحباب قضاء حاجة المحتاجين واحيانا وجوب قضاء حاجة المحتاجين وغير ذلك كثير حتى ان تقسيم الارث بين الورثة يدخل في ضمن ذلك كما قال تعالى : ((كي لا تكون دولة بين الاغنياء منكم)) ومع ذلك نجد طبقات من الناس دنيوين يدعون الاشتراكية بمختلف اتجاهاتها وتفاسيرها في حين ان الاسلام بل ان خط الانبياء كله انما هو على ذلك وعلى الشفقة على الفقراء والمحتاجين مع هذا الفارق الرئيسي بين الجماعتين الجماعة الدنيوية والجماعة الدينية وهو ان دعاة الجماعة الاشتراكية الدنيوين يعيشون عيشة مرفهة قد نالوا الشهرة والزعامة والمال بعنوان انهم دعاة الى مسلك معين او مصلحة اجتماعية معينة في حين ان الانبياء والاوصياء والمعصومين عموما يغلب على حياتهم الزهد والتقشف وشظف العيش واغلبهم كانوا من قبيل الرعاة او الفلاحين كما قال تعالى نقلا عن احد الانبياء : (وما كنت لاخالفكم الى ما انهاكم عنه)) يعني انني حينما امركم بشيء او انهاكم عن شيء فليس هذا لكم فقط بل هو لي ايضا وواجب علي ضمنا وانا اولى من ان افعله واطبقه منكم وقال عن موسى (عليه السلام) : (وانا اول المؤمنين)) وقال امير المؤمنين (عليه السلام) ما مضمونه : (كيف ارضى لنفسي ان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم (يعني لا اشارك المؤمنين طبعا) شظف العيش وقساوة الحياة) ولم يقصر هو في ذلك بل كانت كل حياته (عليه السلام) مبنية على الزهد المكثثف والابتعاد عن الدنيا وما فيها ومن الاحاديث الواردة في فضل الصوم (انه جنة من النار وعاصم منها) ولا شك ان الاعم الاغلب من الناس يشعرون باستحقاقهم للنار نتيجة للذنوب والعيوب والقصور والتقصير الذي مر به في حياته ومن هنا فتح الله فرصا عديدة كما قلت للوقاية من العذاب وتجنب نتائج الذنوب لانه سبحانه خلق خلقه للرحمة وليس للعذاب ولا يكون العذاب الا في اخر مرحلة عند الياس من العبد تماما كما في المثل: (آخر الدواء الكي). ومن هنا تتعجب ملائكة جهنم في مجيئه وتقول لهم: ((ما سلككم في سقر)) ولماذا جئتم هنا مع ان الله تعالى خلقكم من اجل الجنة ((فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)) فكان من الطبيعي ان تذهبوا الى الجنة لا ان تأتوا الى النار فيكون جوابهم بالاعتراف بالذنب قالوا : ((لم نكن من المصلين ولم نكن نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين فما نفعتهم شفاعة الشافعين)) لان شفاعة الشافعين للمرضي لله سبحانه وتعالى ((ولا يشفعون الا لمن ارتضى)). وعلى اي حال فقد جعل الله تعالى فرصا عديدة وموانع كثيرة للمؤمن عن النار كالبكاء خوفا من الله تعالى كما ورد بما مضمونه : (دمعة واحدة خوفا من الله تطفيء بها النار) يعني على قلة رطوبة الدمعة فانها تطفيء كثيرا من النار بفضل الله ورحمته وقدرته وكذلك قوله : (الصوم جنة من النار( فاذا صام القرد ووجوبا او استحبابا كان ذلك سببا لغفران ذنبه وستر عيبه ووقايته من جهنم وصعوده في درجات الجنان.
من الاحاديث الواردة في فضل الصوم ما ورد في الحديث القدسي عن الله سبحانه وتعالى : (الصوم لي وانا اجزي به) وانا رويته في جمعة سابقة وقرأته بالالف المقصورة (الصوم لي وانا اجزى به) وقال لي احد فضلاء الحوزة ولعله حاضرا الان جزاه الله خيرا ان هذا غير ممكن وان احتمالات الحديث (اجزي) بالياء وفتح الالف او (اجزي) بالياء وضم الالف واما (اجزى) فلا يصح لان الله غني عن العالمين لان الله لا يجزى بشيء جل جلاله. لاحظوا .. وهذا معناه بوضوح انه لم يقرا ما كتبته في فقه الاخلاق الجزء الاول عن هذا الحديث حيث قلت هناك هكذا اقول : هذا بينما ترى الصوم خاليا من اي طرف آخر من العبادات التي لها اطراف المصلي يروه الناس ودافع الزكاة يأخذها الفقير او الحاكم الشرعي الخمس يأخذه الفقير او الحجاكم الشرعي الصوم فقط لله سبحانه وتعالى ولا يراه احد ولا يسمعه احد ولا يلمسه احد اطلاقا سبحان الله خالية من اي طرف آخر.
من هنا يمكن ان يكون الصوم عبادة سرية عن كل البسر لا يطلع عليها الا خالقها سبحانه وتعالى وفعلا نجح الكثيرون ممن يودون كتم عباداتهم بالاسرار بهذه العبادة المباركة ومن هنا ورد في الحديث القدسي : (الصوم لي وانا اجزي به) اما ان الصوم لله سبحانه وتعالى فلانه يمكن ان يكون مكتوما عمن سواه كما عرفنا فيتمحض لله عز وجل ويكون خاليا من الرياء والدوافع الدنيوية جميعا واما سائر العبادات فقد لا تكون لله او لا تتمحض له عز وجل بالشكل التام المرضي له سبحانه وتعالى لان لها مظاهر خارجية التي يمكن ان يطلع عليها الاخرون صحيح ان الصوم يمكن ان يعلن كما ان الصلاة يمكن ان تكتم او اية عبادة اخرى الا ان الافضلية مع ذلك تبقى للصوم لانه اسهل كتمانا من غيره ولا يوجد فيه اي مظهر يمكن الاطلاع عليه واما قوله في الحديث القدسي (وانا اجزي به) فقد تقرأه بالبناء على الفاعل (أُجزي) وقد تقرأه بالبناء على المفعول او المبني للمجهول (أَجزى) اما اذا بنيناه على المعلوم فيكون لهذه الفقرة عدة اساليب من الفهم نذكر بعضها:
الاسلوب الاول : (أجزي). ان الله سبحانه يجزي على الصوم يعني يعطي الثواب عليه وبهذا لا يفترق الصوم عن غيره من العبادات التي يعطي الله عليها انواع المثوبة ومعه تكون هذه الفقرة غير خاصة بالصوم (انا اجزيء به) هو يجزي على كل العبادات ومعه تكون هذه الفقرة غير خاصة بالصوم والفقرة الاولى خاصة به الصوم لي خاصة بالصوم وانا اجزيء به عامة لكل العبادات بناءا على هذا الاسلوب من التفسير.
الاسلوب الثاني : ان الله تعالى يستقل دون عباده وخلقه من الملائكة او الاولياء او غيرهم يستقل باعطاء الجزاء للعبد الصائم لان الحديث في الصوم باعطاء الجزاء للعبد فبينما يكون جزاء العبد في سائر العبادات على الخلق وبواسطة الخلق فانه يكون في الصوم على الله مباشرة (انا اجزيء به) وهذا يعني عدة امور منها كثرة العطاء طبعا لان العطاء الوارد من الله سبحانه لا شك هو اجزل من الوارد من المخلوقين وان انتسب ذلك ايضا الى الله تعالى في نهاية المطاف ومنها كتم العطاء عن الاخرين فما ان العبد في الصوم يعطي لربه عبادة مكتومة لذلك الله يعطي لعبده ثوابا مكتوما عن الاخرين وهذا فيه لذة للعبد معنوية لا يعرفها الا ذووها هذا اذا بنينا الفقرة في الحديث الشريف للفاعل المعلوم اقول (اجزي)، واما اذا بنيناها للمجهول (أُجزى) فستكون المسألة الطف واعجب لان معنى قوله (وانا أُجزى به) ان الصوم بنفسه سيكون جزاءا من العبد لربه على نعمه وافضاله والله سبحانه غني عن العالمين لا يمكن اليه النفع والجزاء من احد وانما هو معنى مجازي يمثل اهمية الصوم الى درجة تصلح ان تكون لله عز وجل بازاء نعمه اللامتناهية والائه المتواترة المستمرة ومن هنا نرى ان في الحديث تفخيما من جهة اخرى وهي ان الاء الله سبحانه وتعالى غير محدودة فلا يمكن ان يكون جزاؤها عبادة محدودة مهما كانت صفتها وانما ذلك اعطاء والتفخيم والاهمية للصوم الى هذه الدرجة الى حد جعله وكأنه عبادة غير محدودة بحيث يوازي ويساوي النعم غير المحدودة لله سبحانه وتعالى ولكن لا ينبغي ان ننسى ان ما جعله الحديث الشريف جزاءا لنعم الله سبحانه ليس كل صوم بطبيعة الحال بل لبصوم المكتوم حيث قال (الصوم لي) يعني الذي لا يعلمه غيري ومن الممكن القول بهذا الاعتبار ان العبادة مع تمحضها لله عز وجل ستكون من الناحية المعنوية غير محدودة بخلاف العبادة التي تشوبها الشوائب فانها ستكون عبادة محدودة او بالاحرى هزيلة لا تصلح لان تكون جزاءا لنعم الله العظيمة. فاذن الصوم المكتوم لا محدود فيمكن ان يكون جزاءا للنعم غير المحدودة هكذا بفضل الله ولا يخفى على كل حال ان في هذا تسامحا من جهة الله سبحانه وتعالى ورحمة من قبله لعبده اكثر من استحقاق المورد مهما كان عظيما لان الله عز وجل لا يمكن حقيقة ان تجازى الائه او تشكر نعمائه او يطاع حق طاعته او يذكر حق ذكره كما ورد في الاخبار واما قول هذا الواحد من فضلاء الحوزة بان امر هذا اللفظ مردد بين فتح الهمزة وضمها (أجزيء) و(أُجزيء) فهو قابل للمناقشة فـ(أُجزيء) لا معنى له حبيبي .. بل يتعين بالفتح (أجزيء) لانه من الثلاثي جزى يجزي واما الضم فلا يكون الا للرباعي او المزيد كادحرج واطعم من دحرج واطعم ولم يرد المزيد من هذه المادة فانه يقال جزى ولا يقال أجزى فيكون منه المضارع أجزي وانما يكون ذلك من الاجزاء لا من الجزاء وهو معنى اخر اجنبي عن المقصود في الحديث قطعا.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة التاسعة والثلاثون 20 رمضان 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انت يا زوج البتول انت يا صهر الرسول
انت يا عز العقول يا كريم الاكرمين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك اللطف العظيم انك المن القديم
انك النور العميم انك الحبل المتين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك الجحد الاثيل حامل الحمل الثقيل
صاحب السيف الثقيل يا عظيم الاعظمين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك المولى الوصي انك النور المضي
انك الروح الرضي يا امام العالمين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
يا امامي يا علي يا عظيم يا ولي
يا مجيد يا صفي يا امام العارفين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك الحرب الاليم والبلاء المستديم
لانحراف الفاسقين وضلال القاسطين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك الحق الصريح انك الصبح المريح
انك التجر الربيح يا مذل الماكرين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك النور العميم والصراط المستقيم
انت في اللطف قديم يا معز المؤمنين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
يا امام الصابرين يا مثال العابدين
يا معز الزاهدين يا شفيع المذنبين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك السيف الطويل لاباطيل الذليل
انك المحق الاصيل لفساد المارقين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انك العلم الاصيل انك الحق الجزيل
انك الرد المزيل لدعاوى الناكثين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انت عز الصالحين انت حرب الفاسقين
انت لطف الساجدين انت ذل العاندين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انت لطف الله فينا يا امام المتقين
عظم الله بقتلك من اجور المؤمنين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
عظم الله بقتلك اجر مولانا الرسول
عظم الله بقتلك اجر زهرانا البتول
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
اي جرم للئيم هو في الذل مقيم
خسيء الكفر الذي فيك من المجترئين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
انها ضربة غدر من شرار العالمين
اوجبت فوزا عظيما لك في الافق المبين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
سببت مجدا كبيرا عند رب العالمين
صرت روحا سرمديا فوق عقل العاقلين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
صرت مجدا ابديا صرت نورا ازليا
صرت نبراسا قويا يا امير المؤمنين
يا امير المؤمنين يا امام المتقين
انك النور المبين من اله العالمين
لا اله الا الله الها واحدا ونحن له مسلمون. لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون. لا اله الا الله ربنا ورب ابائنا الاولين. لا اله الا الله وحده وحده وحده انجز وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الاحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.اللهم اهدني من عندك وافض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وانزل علي من بركاتك سبحانك لا اله الا انت اغفر لي ذنوبي كلها جميعا فانه لا يغفر الذنوب كلها جميعا الا انت. اللعهم اني اسألك من كل خير احاط به علمك واعوذ بك من كل شر احاط به علمك اللهم اني اسألك عافيتك في اموري كلها واعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الاخرة واعوذ بوجهك الكريم وعزتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها شيء من شر الدنيا وشر الاخرة ومن شر الاوجاع كلها ومن شر كل دابة انت آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
الان نؤدي الصلوات باسم مولانا امير المؤمنين (سلام الله عليه) …
اللهم صل على محمد وال محمد رحمك الله يا ابا الحسن كنت اول القوم اسلاما واخلصهم ايمانا واشدهم يقينا واخوفهم لله عز وجل واعظمهم عناءا واحوطهم على رسول الله وآمنهم على اصحابه وافضلهم مناقب واكرمهم سوابق وارفعهم درجة واقربهم من رسول الله (صلى الله عليه واله) واشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا واشرفهم منزلة واكرمهم عليه فجزاك الله عن الاسلام وعن رسول الله (صلى الله عليه واله) وعن المسلمين خيرا قويت حين ضعف اصحابه وبرزت حين استكانوا ونهضت حين وهنوا ولزمت منهاج رسول الله (صلى الله عليه واله) اذ هم اصحابه وكنت خليفة وحقا لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين وغيض الكافرين وكره الحاسدين وصغر الفاسقين فقمت بالامر حين فشلوا ونطقت حين تتعتعوا ومضيت بنور الله اذ وقفوا فاتبعوك فهدوا وكنت اخفضهم صوتا واعلاهم قنوتا واقلهم كلاما واصوبهم نطقا واكبرهم رأيا واشجعهم قلبا واشدهم يقينا واحسنهم عملا واعرفهم بالامور كنت والله يعسوبا للدين اولا وآخرا الاول حين تفرق الناس والاخر حين فشلوا كنت للمؤمنين ابا رحيما اذ صاروا عليك عيالا فحملت اثقال ما عنها ضعفوا وحفظت ما اضاعوا ورأيت ما اهملوا وشمرت اذ اجتمعوا وعلوت اذ هلعوا وصبرت اذا فزعوا وادركت اوتار ما طلبوا ونالوا بك ما لم يحتسبوا كنت للكافرين عذابا صبا ونهيا وللمؤمنين عمدا وحصنا فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها واحرزت سوابقها وذهبت بفضائلها لم تغلل حجتك ولم يزغ قلبك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم تخن كنت كالجبل لا تحركه العواصف وكنت كما قال (عليه السلام): (امن الناس في صحبتك وذات يدك) وكنت كما قال (عليه السلام) ضعف في بدنك قويا في امر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله كبيرا في الارض جليلا عند المؤمنين لم يكن لاحد فيك مهمز ول لقائل فيك مغمز ولا لاحد فيك مطمع ولا لاحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وحتم وامرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم فيما فعلت وقد نهج بك السبيل وسهل بك العسير واطفيء بك النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الاسلام والمؤمنون وسبقت سبقا بعيدا واتعبت من بعدك بعدا شديدا وجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الانام فانا لله وانا اليه راجعون رضنا عن الله قضاءه وسلمنا لله امره فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك ابدا كنت للؤمنين كهفا وحصنا وقنة راسية وعلى الكافرين غلظة وغيظا فالحقك الله بنبيه ولا حرمنا اجرك ولا اظلنا بعدك يا امير المؤمنين.
هذه المناسبة وان كانت مناسبة الحديث عن مولانا امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام الا انها في نفس الوقت مناسبة الحديث عن ليلة القدر غير ان مناسبات ذكر امير المؤمنين (عليه السلام) تتكرر في كثير من ايام السنة بخلاف الحديث عن ليلة القدر فانها خاصة بمثل هذا الموسم من كل عام كما تعلمون.
فاريد الان ان اتحدث عن ليلة القدر وذلك في عدة نقاط :
النقطة الاولى : ان ليلة القدر واقعة خلال شهر رمضان المبارك ونفهم ذلك بعد ضم آيتين او ثلاث آيات الى بعضها البعض:
اولا : ما دل على ان القرآن انزل في ليلة القدر وهو قوله تعالى : ((انا انزلناه في ليلة القدر)). وقوله تعالى : ((انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين)).
ثانيا : ما دل على ان القرآن انزل في شهر رمضان وهو قوله تعالى : ((شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن)). اذن فقد انزل القرآن في شهر رمضان وهو ايضا قد انزلفي ليلة القدر فاذا كان احدهما غير الاخر لم يكن ذلك ممكنا لتعذر ان ينزل مرتين لانه من تحصيل الحاصل فيتعين ان تكون ليلة القدر من ضمن ليالي شهر رمضان. ومعه فما دل من الروايات او من الاحتمال لدى المتشرعة من كون ليلة القدر محتملة في كل ايام السنة او في بعضها خارج الشهر المبارك اي خارج شهر رمضان المبارك كالنصف من شهر شعبان مثلا او غيرها يكون مرفوضا لانه مخالف لكتاب الله اعني مخالف لظاهر القرآن الكريم وظاهر القرآن حجة وقد ورد عنهم (عليهم السلام) ما مضمونه : (ما خالف قول ربنا زخرف باطل اضرب به عرض الجدار).
النقطة الثانية : اننا نعرف بعد ضم الايتين السابقتين ما هو المهم والمنصوص من صفات ليلة القدر وهما قوله تعالى : ((انا انزلناه في ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر * سلام هي حتى مطلع الفجر *) وقوله تعالى : (انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين * فيها يفرق كل امر حكيم امرا من عندنا انا كنا مرسلين * رحمة من ربك انه هو السميع العليم *).
فبعد ان نعرف من سورة القدر ان القرآن الكريم انزل في ليلة القدر نعرف من الاية الاخرى انها هي الليلة المباركة حيث يقول : ((انا انزلناه في ليلة مباركة)) وان كل تلك الاوصاف الاخرى والمزايا انما هي اوصاف ومزايا لليلة القدر نفسها ومجمل تلك الاوصاف المذكورة في كلا السياقين باختصار طبعا كما يلي :
اولا : انها ليلة القدر والقدر هنا اما بمعنى الشأن العظيم واما من القضاء والقدر كما قال تعالى : ((فيها يفرق كل امر حكيم امرا من عندنا انا كنا مرسلين)).
ثانيا : انها ليلة مباركة والبركة في اللغة هي الزيادة والمراد بها هنا العطاء الالهي والرحمة كما قال تعالى : ((ولدينا مزيد)).
ثالثا : انها خير من الف شهر وقد فسر في بعض الروايات بان المراد من (الف شهر) ليس فيها ليلة القدر. وفسر ايضا مدة ملك بني امية تقريبا وكلاهما امر معقول. وقد يمكن بشيء من التعقيل ارجاع المعنيين الى معنى واحد كما فصلنا القول فيه في منة المنان الجزء الاول مطبوع.
رابعا : انها تنزل الملائكة والروح خلالها ونزولها يكونكلا الامرين وهما الرحمات الالهية والاوامر الالهية التي تطبق في تلك السنة حسب القضاء والقدر او ان نزولهم يكون بنفسه رحمة وتأييدا واحتراما للمؤمنين الراعيين المتعبدين في تلك الليلة والمستغفريت في الاسحار.
خامسا : انها من كل امر سلام. والسلام ضد الحرب يعني ان الصفة العامة عليها هو كونها رحمة وليس غضبا ولطفا وليست انتقاما وذلك شامل لكل الامور والاشياء حتى الذنوب فان ليلة القدر تكون سببا للعفو والغفران.
سادسا : ان هذه الرحمة وهذا السلام ونزول الملائكة والروح يستمر طول الليل حتى مطلع الفجر فان الفجر هو نهاية الليل الشرعي كما نعلم وبالفجر يبدأ النهار الشرعي نهار الصوم طبعا والاية لا تنص على اول الليل لانه واضح عرفا يقول: ((حتى مطلع الفجر)) من اولها اما نهايتها فغير مذكور والاية لا تنص على اول الليل لانه واضح عرفا وهو غروب الشمس. غير ان مزايا ليلةو القدر تنقطع عند الفجر لا عند طلوع الشمس.
سابعا : انها يفرق فيها كل امر حكيم. والفرق هنا (يفرق فيها) اما من التفريق والتوزيع للاوامر بين البشر وبين الخلق اجمعين فيعطى كل واحد منهم ما يناسبه وما يطابق مقتضى الحكمة في حاله. او ان الفرق هنا من البت والحتم الموجود في القضاء والقدر الالهيين لان هذا الحكم يوجب الفرق وهو الدهشة والعجب والخوف فعبر بالسبب بلفظ المسبب.
ثامنا : ان كل هذا يحدث بامر الله وحسن تدبيره كما قال تعال : ((امرنا من عندنا)) اي منا وبعلمنا حسب ظاهر الاية عرفا.
تاسعا : انها ليلة ارسال الرحمة الى العالمين كما قال تعالى : ((انا كنا مرسلين رحمة من ربك)) اذا فهمنا من قوله ((رحمة)) مفعول به لمرسلين وهذا الرحمة هنا نكرة لافادة عموم الجنس ولا يحتمل ان يراد بها القلة طبعا. واما اذا كانت رحمة هنا منصوب على الحالية فيكون المعنى الارسال لشيء آخر وان سبب الارسال والغاية منها هو الرحمة ولا يحتمل ان يراد الارسال هنا ارسال الانبياء والرسل لوضوح ان ارسالهم لا يكون خلال ليلة القدر فقط بل خلال الاشهر والسنين والقرون المتطاولة وانما المراد امور اخرى كارسال الملائكة والروح او ارسال العطاء والثواب او ارسال الاوامر بالقضاء والقدر.
عاشرا : انها الليلة التي انزل فيها القرآن كما سنشير في النقطة التالية.
النقطة الثالثة : ان انزال القرآن في ليلة القدر لا يراد به انزاله تدريجيا على النبي (صلى الله عليه واله) لوضوح ان هذا الانزال التدريجي كان خلال ثلاثة وعشرون سنة من حياته (صلى الله عليه واله) وفي مختلف الاماكن والشهور كما لا يراد به البدء بنزول القرآن لانه من الواضح لدى المتشرعة والمنصوص في عدد من الروايات كون بدء النزول هو بدء الرسالة في غار حراء وذلك في يوم السابع والعشرين من شهر رجب وليس في شهر رمضان ولا في ليلة القدر ولا يمكن القول ان ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة القدر ليكون القرآن بادءا فيها وذلك بعد دلالة الايات الاخرى بانحصار ليلة القدر في شهر رمضان المبارك ولا يحتمل كونها خارجة عنها فاذا التفتنا الى ان ظهور الايات الكريمة كلها بالنزول لكل القرآن الكريم كأنه نزل دفعة واحدة كما قال تعالى : ((شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن)) يعني كله، هكذا ظاهره. وقال : ((انا انزلناه في ليلة القدر)) وقال : ((انا انزلناه في ليلة مباركة)).
اذن يتعين ان يكون هذا النزول الدفعي للقرآن الكريم هو غير ذلك الذي نعرفه من النزول التدريجي اللفظي او الظاهري على رسول الله (صلى الله عليه واله) خلال السنين بل هو نزول روحي سابق عليه فيدل على ان القرآن نزل دفعة وجملة واحدة على قلب رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل نزوله التدريجي يعني قبل البدء بنزوله اصلا كما قال تعالى : ((وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)) والظاهر عود الضمير الى القرآن كله كما في الايات السابقة ومن هنا يمكن ان نستنتج بوضوح انه حين بدء الوحي بالقرآن الكريم & عالما بمعانيه كان النبي (صلى الله عليه واله) عالما بمعانيه وتفاصيله ومدركا لمراميه ووجوه الحكمة فيه لانه موجود في قلبه ووعيه في ذلك الحين ومن هنا لا يمكن ان يكون رد الفعل تجاه الوحي ساعتئذ هو الخوف والانفعال والجهل بالحال كما هو ظاهر الرواية المشهورة المروية في صحيح البخاري والتي سبق ان ناقشناها في بعض الجمعات السابقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب ان ماله اخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما ادراك ما الحطمة * نار الله الوقدة * التي تطلع على الافئدة * انها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة التاسعة والثلاثون 20 رمضان 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من غفر لآدم خطيئته ورفع ادريس مكانا عليا برحمته يا من نجى نوحا من الغرق. يا من اهلك عادا الاولى وثمود فما ابقى وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم اظلم واطغى والمؤتفكة اهوى. يا من دمر على قوم لوط ودمدم على قوم شعيب. يا من اتخذ ابراهيم خليلا يا من اتخذ موسى كليما واتخذ محمد (صلى الله عليه واله وعليهم اجمعين) حبيبا. يا مؤني لقمان الحكمة والواهب لسليمان ملكا لا ينبغي لاحد من بعده. يا من نصر ذا القرنين على الجبابرة. يا من اعطى الخضر الحياة ورد ليوشع ذا النون الشمس بعد غروبها. يا من ربط على قلب ام موسى واحصن فرج مريم بنت عمران. يا من حصن يحيى بن زكريا من الذنب وسكن عن موسى الغضب. يا من بشر زكريا بيحيى. يا من فدى اسماعيل من الذبح بذبح عظيم. يا من قبل قربان هابيل وجعل اللعنة على قابيل. يا هازم الاحزاب لمحمد (صلى الله عليه واله) صل على محمد وال محمد وعلى جميع المرسلين وملائكتك المقربين واهل طاعتك اجمعين واسألك بكل مسألة سألك بها احد ممن رضيت عنه فحتمت له على الاجابة. يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحمن يا رحمن يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الجلال والاكرام نسألك بكل اسم سميت به نفسك او انزلته في شيء من كتبك او استأثرت به في علم الغيب كذلك ومعاقد العز من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وبما ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم. واسألك باسمائك الحسنى التي نعتها في كتابك وقلت : ((ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها)) وقلت : ((ادعوني استجب لكم)) وقلت : ((واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعاني)) وقلت : ((يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم)). وانا اسألك يا الهي وادعوك يا ربي وارجوك يا سيدي واطمع في اجابتي يا مولاي كما وعدتني وقد دعوتك كما امرتني فافعل بي ما انت اهله ولا تفعل بي ما انا اهله انك اهل التقوى واهل المغفرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد * ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير * ان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار ان الله يفعل ما يريد *))
نكمل ما بدأناه في الخطبة الاولى ..
النقطة الرابعة : ان ليلة القدر لدى المتشرعة مرددة في ليالي شهر رمضان المبارك بين ثلاث لياليهي ليلة التاسع عشر والحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان وليس في ظهور القرآن الكريم ما يعين هذه الجهة وانما يشار فيه فقط الى كونها في شهر رمضان دون تعيين اي ليلة من لياليه.
نعم الظن الراجح بالاطمئنان العرفي منعقد وموجود على عدم تعديته لهذه الليالي الثلاث. يعني انه بالتاكيد ليس ليلة اخرى خارجها بل هو منحصر في بعض هذه الثلاثة. ويمكن استفادة ذلك من السنة الشريفة كما سنذكر. كما لا يحتمل كما هو واضح تعدد ليلة القدر وان هذه الليالي الثلاث كلها ليلة قدر لليقين بان ليلة القدر ليلة واحدة في السنة لا تزيد اطلاقا وانما فضلهذه الليالي الثلاث اما بعنوانها الذاتي يعني بغض النظر عن كونها ليلة قدر او باعتبار كونها طرف الاحتمال لكونها ليلة القدر لا ان تكون كلها كذلك.
النقطة الخامسة : اننا يمكن في هذا الصدد ان نخطوا خطوة اخرى ونقول بانحصار احتمال ليلة القدر بين ليلتين الحادية والعشرين والثالثة والعشرين بمعنى اننا نستطيع ان نؤكد على ضعف او سقوط احتمال ان تكون ليلة القدر هي في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك فانه احتمال ضعيف وليس عليه حجة معتبرة فينحصر الاحتمال بالاطمئنان العرفي والمتشرعي بالليلتين الاخريتين اعني الحادية والعشرين والثالثة والعشرين وهذا هو المقصود من قولهم (عليهم السلام) : (ما ايسر ليلتين فيما تطلب) او يقول بحسب الرواية : (ما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين فان مثل هذه الاخبار دالة بوضوح على تردد ليلة القدر بين ليلتين وليس بين ثلاث ليالي كما عليه سيرة المتشرعة في ايامنا هذه ومن مدة غير معروفة الامر الذي ينتج اسقاط الليلة التاسعة عشر عن الاعتبار من هذه الجهة وخاصة بعد الالتفات الى ان الليلتين اللتين يقصدهما الامام (عليه السلام) منحصر ايضا بالاطمئنان العرفي والمتشرعي في الحادية والعشرين والثالثة والعشرين ولا يحتمل الشمول لغيرهما باية حال ولو كان الاحتمال متحقق في ثلاث ليال او اكثر لذكره الامام (عليه السلام) في حين انه لم يذكر اكثر من ليلتين.
النقطة السادسة : في محاولة تعيين ليلة القدر من هاتين الليلتين نفسيهما اعني الحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك وهذا كأنه يعتبر من الاسرار الالهية في نظر الائمة (عليهم السلام) ولم يصرحوا به لاحد وانما اقصى ما فعلوه انهم حصروا الاحتمال بين ليلتين ولم يعينوا واحدة منهما اطلاقا والمصلحة التي ندركها من ذلك امران على الاقل:
الامر الاول : زيادة العمل والعبادة والخضوع لله سبحانه فان الفرد اذا علم ليلة القدر التعيين عمل ذلك في ليلة واحدة واما اذا كانت مرددة في نظره بين ليلتين عمل ذلك برجاء المطلوبية في ليلتين فيكون عمله وتوجهاته لله سبحانه اكثر فيكون قد ربح اكثر مما خسر مع كونه قد احرز التوجه لله سبحانه خلال ليلة القدر الواقعية في علم الله سبحانه وهذا هو المراد من قوله (ما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين) حتى تجتمع عبادة الليلتين وليس عبادة ليلة واحدة.
الامر الثاني : اعطاء فرصة لمن لا يستحق العطاء او قل لمن يستحق الحرمان والخسران ان يخسر هذا الجانب المهم في الاسلام كمن يستثقل العمل في ليلتين فيترك العمل فيهما او في احدهما او كمن يحمله الشك والتردد بين الليلتين على ضعف العمل وقلة الهمة في التوجه والخشوع لله عز وجل الامر الذي يسبب عدم الوصول الى نفس النتيجة المطلوبة التي تحصل بالتركيز في ليلة واحدة.
الامر الذي ينتج بوضوح ان اغلب البشر او قل ان اغلب النتشرعة غير مستحقين للحصول على الثواب الحاصل من التركيز في ليلة واحدة معلومة اذ لو كانوا مستحقين لذلك لما اخفاه الله تعالى برحمته الواسعة فاخفاءه يدل على عدم الاستحقاق لا محالة وعلى اي حال فما دام التعيين بين هاتين الليلتين من الاسرار الالهية فانه سيكون من المتعذر بطبيعة الحال الوصول الى التعيين الا بتسديد خاص من الله سبحانه وتعالى لا يناله الا الاقلون عدد المرتفعون عند الله شأنا فان كان الفرد لا يستطيع تعيين ليلة القدر فاعلم انه ليس من اولئك المرتفعين عند الله شأنا لا محالة والمهم اننا بالتأكيد لا نستطيع ان نقيم دليلا شرعيا معتبرا على التعيين وان كنا نستطيع ان نقول ان الاقوى في اذهان المتشرعة هو تعيين الليلة الثالثة والعشرين ولذا يشعرون باهميتها ويسمونها القدر الكبير.
النقطة السابعة : كان بعض اهل المعرفة يميل بحسب تعبيري الى ان يكون معنى ليلة القدر معنى كليا قابلا للصدق على كثيرين بمعنى ان اية ليلة او اي وقت انتج نتيجة ليلة القدر الاصلية فهي ليلة قدر ايضا اما حقيقة واما مجازا والمقصود انتاجها النتيجة بخصوص فرد معين وليس في الكون كله لان ذلك منحصر بليلة واحدة في السنة لا محالة وليس كليا قابلا للصدق على كثيرين.
النقطة الثامنة : اننا نقول في كل الطاعات على الاطلاق وفي كل طاعات شهر رمضان خاصة وفي اعمال ليلة القدر على وجه الخصوص ايضا. ان ظاهر الفهم المتشرعي ان المطلوب هو العمل كالصلاة والصوم والدعاء وقراءة القرآن ونحو ذلك وهذا مطلوب اكيدا اما وجوبا او استحبابا الا ان هناك جانب اهم من كل ذلك وهو الاخلاص في النية لله سبحانه وتعالى فالعمل ان صدر من نية مخلصة كان هو المطلوب حقيقة امام الله سبحانه واما اذا صدر بنية فاسدة او مترددة او غير ذلك كان دون ذلك المستوى لا محالة وكان مجزيا الا انه لا ينال مرتبة القبول والثواب الجزيل ومن هنا ورد : (نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله) فالعمل الاساسي حقيقة هم العمل النفسي وهو النية والاعمال الظاهرية كلها انما تخرج وتنفتح وتنتج من الارادة والنية بطبيعة الحال وهذا ينتج امورا كثيرة فوق حد الاحصاء منها استجابة الدعاء فانها لا تكون الا مع اخلاص النية واما الدعاء بنية فاسدة او مترددة فليس بدعاء لكي يكون محلا للوعد بالاجابة وان حسبناه دعاءا حقيقة ووهما وكذلك سائر العبادات كالصلاة والصوم فانها لا تقبل الا بالنية المخلصة واما بدونها فهي مجزية ولكنها لا تكون مقبلوة.
بل ان سوء النية قد تصل الى درجة تسقط بها العبادات عن مرتبة الاجزاء ايضا فلا تكون مجزية فضلا عن كونها مقبولة وهذا من موارد الصدق فيما ورد : (رب صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش ورب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه) ومحل الشاهد ان اعمال ليلة القدر ايضا مندرجة في هذه القاعدة العامة فانها لا تكون مقبولة ولا مؤثرة ولا منتجة الا اذا كانت بنية مخلصة امام الله سبحانه وتعالى فاذا عمل فيها الفرد عملا قليلا وكثيرا ولم يجد اي نتيجة كاللذة المعنوية او استجابة الدعاء فلا يلومن الا نفسه. واخلاص النية او سوء النية مما يعلمه الله سبحانه بطبيعة الحال وهذا اكيد. المهم هو الجانب الثاني وهو ان ايضا مما يعلمه الفرد نفسه كما قال تعالى : ((بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره)) فان النفس مما يمكن الاطلاع عليها بالعلم الحضوري المباشر بالنسبة الى صاحبها فان يكن يها اي مقدار من السوء عرفه صاحبه وامكنه تتداركه فان طريق التكامل والخير مفتوح على كل المستويات واما اذا لم يتداركه ولم يكن في صدد ازالته كان من الخاسرين الذين خسروا انفسهم وفي العذاب هم خالدون.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الاربعون 27 رمضان 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
لاستنكار انقطاع الكهرباء في عموم العراق الصلاة على محمد وال محمد
للمطالبة بارجاع الكهرباء الى عموم العراق الصلاة على محمد وال محمد
لانتصار الحق المطلق الصلاة على محمد وال محمد
لانتصار جميع المظلومين في العالم الصلاة على محمد وال محمد
لانتصار الحوزة العلمية الشرسفة الصلاة على محمد وال محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
اللهم انك قلت في كتابك المنزل شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فعظمت حرمة شهر رمضان بما انزلت فيه من القرآن وخصصته بليلة القدر وجعلتها خيرا من الف شهر. اللهم وهذه ايام شهر رمضان قد انقضت ولياليه قد تصرمت وقد صرت يا الهي منه الى ما انت اعلم به مني واحصى لعدده من الخلق اجمعين فاسألك بما سألك به ملاكتك المقربون ولنبيائك المرسلون وعبادك الصالحون ان تصلي على محمد وال محمد وان تفك رقبتي من النار وتدخلني الجنة برحمتك وان تتفضل علي بعفوك وكرمك وتتقبل تقربي وتستجيب دعائي وتمن عليّ بالامن يوم الخوف من كل هول اعددته ليوم القيامة الهي واعوذ بوجهك الكريم وبجلالك العظيم ان تنقضي ايام شهر رمضان ولياليه ولك قبلي تبعة او ذنب تؤآخني به او خطيئة تريد ان تقتصها مني لم تغفرها لي سيدي سيدي سيدي اسألك يا لا اله الا انت اذ لا اله الا انت ان كنت رضيت عني في هذا الشهر فازدد عني رضا وان لم تكن رضيت عني فمن الان فارض عني يا ارحم الراحمين يا الله يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد. اللهم صل على محمد عبدك المرتضى ورسولك المصطفى وامينك ونجيك دون خلقك ونجيبك من عبادك ونبيك بالصدق وحبيبك وصل على رسولك وخيرتك من العالمين البشير النذير السراج المنير وعلى اهل بيته الابرار الطاهرين وعلى ملائكتك الذين استخلصتهم لنفسك وحجبتهم عن خلقك وعلى انبيائك الذين ينبئون عنك بالصدق وعلى رسلك الذين خصصتهم بوحيك وفضلتهم على العالمين برسالاتك وعلى عبادك الصالحين الذين ادخلتهم في رحمتك الائمة المهتدين الراشدين واوليائك المطهرين وعلىجبرائيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وعلى رضوان خازن الجنان وعلى مالك خازن النار وروح القدس والروح الامين وحملة عرشك المقربين وعلى الملكين الحافظين عليّ بالصلاة التي تحب ان يصلي بها عليهم اهل السماوات واهل الارضين صلاة طيبة كثيرة مباركة زاكية نامية ظاهرة باطنة شريفة فاضلة تبين بها فضلهم على الاولين والاخرين. اللهم واعط محمد الوسيلة والشرف والفضيلة واجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن امته.اللهم واعط محمد (صلى الله عليه واله) مع كل زلفة زلفة ومع كل وسيلة وسيلة ومع كل فضيلة فضيلة ومع كل شرف شرفا. اللهم اعط محمدا واله يوم القيامة افضل ما اعطيت احدا من الاولين والاخرين. اللهم واجعل محمدا (صلى الله عليه واله) ادنى المرسلين منك مجلسا وافسحهم في الجنة عندك منزلا واقربهم لديك وسيلة واجعله اول شافع واول مشفع واول قائل وانجح سائل وابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والاخرون يا ارحم الراحمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم اولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مآواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بانهم كفروا بآياتنا وقالوا ءأذا كنا عظاما ورفاتا ءانا لمبعوثون خلقا جديدا اولم يروا ان الله الذي خلق السماوات والارض قادر على ان يخلق مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه فابى الظالمون الا كفورا))
كنا قبلا بصدد شرح بعض فقرات الخطبة المروية عن النبي (صلى الله عليه واله) التي خطبها بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك وهي خطبة مجيدو وجليلة تحتوي على حلائل المعاني والاثار. واريد الان الاسنمرار في ذلك.
واريد الان الاستمرار في ذلك فانه من جملة تلك الخطبة ونحن نعلم ان الوقت مضيق والجمعة آخر جمعة من شهر رمضان فاختار لكم فقرة معينة منها للشرح.
فانه من جملة تلك الخطبة قوله (صلى الله عليه واله) حسب الرواية : (ايها الناس ان ابواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فسلوا ربكم ان لا يغلقها عليكم وابواب النيران مغلقة فسلوا ربكم ان لا يفتحها عليكم والشياطين مغلولة فسلوا ربكم ان لا يسلطها عليكم).
والفهم العرفي والمتشرعي من ذلك واضح وهو مزيد وجود الرحمة في هذا الشهر الفضيل ففيه يفتح الله تعالى ابواب الجنان ويغلق ابواب النيران ويغل الشياطين ففتح ابواب الجنان يقتضي مزيد دخول المؤمنين فيها (اي في الجنان طبعا) وتوزيع الثواب الجزيل على كل العاملين والمتقربين واغلاق ابواب النيران يقتضي غفران الذنوب وستر العيوب التي تستوجب العقاب والدخول الى جهنم وغل الشياطين يقتضي عدم التكالب على الشهوات والتمتع بالمذلات والتقليل من ذلك لغالب الناس كما هو المشاهد فعلا من كثير من افراد المجتمع المسلم خلال شهر رمضان المبارك وهذا يعني ايضا تقليل الذنوب الناتجة من هذه الشهوات والملذات وهذه كلها نعم ومراحم من الله سبحانه وتعالى.
الا ان هناك بعض الاسئلة الجانبية التي يمكننا الالتفات اليها بهذا الصدد. منها ان رحمة الله سبحانه وتعالى موجودة باستمرار وليست خاصة بشهر رمضان في حين ان ظاهر هذه الخطبة اختصاص الحال به.
وجوابه من عدة وجوه منها :
اولا : ان رحمة الله سبحانه وتعالى عامة تسع كل زمان ومكان وهذا صحيح الا ان مظاهرها تختلف ولا ينحصر الامر فيها بغلاق ابواب النيران وفتحج ابواب الجنان فمن الممكن القول ان هذ النحو من الرحمة موجود فقط في هذا الشهر الفضيل بينما الرحمة موجود في الشهور الاخرى باساليب اخرى خاصة بها.
ثانيا : ان غاية ما تدل عليه هذه الفقرة من الخطبة الشريفة هو حصول ذلك في شهر رمضان واما عدم حصوله في غيره فهو مما لا يستفاد منها الا على تقدير القول بما يسمى في علم الاصول بمفهوم الوصف وهو مفهوم باطل كما هو المحقق في محله اذن فلتكن النتيجة ان ابواب الجنان مفتوحة وابواب النيران مغلقة في كل شهور السنة وليس هذا من رحمة الله ببعيد.
ثالثا : ان هذه الظاهرة او الظواهر الثلاث وان كانت موجودة في سائر الاوقات والشهور ان ذلك يحصل بتركيز اكثر واهمية اعظم في شهر رمضان المبارك وبتعبير آخر ان ابواب الجنان مفتوحة دائما الا انها تفتح في شهر رمضان فتحا عظيما بحيث لا يقاس بغيره من الشهور ويقال فيها مجازا انها كانت مغلقة بازاء هذا الفتح المبين الذي حصل الان كما ان ابواب النيران مغلقة دائما الا ان الاغلاق في شهر رمضان يتضاعف ويتزايد الى درجة لا يقاس بغيره بحيث يدرك الناظر مجازا انها كانت مفتوحة في غيره وهنا يمكن ان المروي ان النبي (صلى الله عليه واله) قيد فتح ابواب الجنان فقط بكونها في هذا الشهر دون الامرين الاخرين فان العبارة التي سمعناها تقول : (يا ايها الناس ان ابواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فسلوا ربكم ان لا يغلقها عليكم وابواب النيران مغلقة فسلوا ربكم ان لا يفتحها عليكم ولم يقل في هذا الشهر والشياطين مغلولة فسلوا ربكم ان لا سلطها عليكم ولم يقل في هذا الشهر.
نعم لو جعلنا بعض هذه العبائر قرينة على البعض الاخر نتج حصول التقييد في كل هذه الخصائص الثلاث اي بشهر رمضان المبارك.
رابعا : انه يمكن القول ان هذه الظواهر الثلاث غير موجودة في سائر الاشهر وانما تحصل فقط في شهر رمضان المبارك اما ابواب الجنان كاطروحة طبعا هي في سائر الاشهر مغلقة لا بمعنى اغلاقها في وجه كل احد بل بمعنى انها لا تفتح الا باسبابها كالتوبة والاستغفار فهي لا تفتح فتحا تبرعيا او عاما لسائر الناس وانما فقط للتائبين والمستغفرين والمتعبدين واضرابهم في حين انها في شهر رمضان تفتح فتحا عاما لسعة الرحمة وعمق المغفرة الموجودة في هذا الشهر الفضيل واما ابواب النيران فهي مفتوحة في سائر الاشهر وليست مغلقة لوضوح ان النفس الامارة بالسوء موجودة عند كل احد وهو المنبع الاساسي للنيران والمفتاح الاساسي لابواب جهنم وهي اعني ظاهر النفس الامارة بالسوء موجودة دائما اذن فابواب جهنم واضرابها من هذه الناحية مفتوحة دائما ونحو هذا الكلام نقوله في الشياطين فانهم مطلقوا السراح دائما خلال سائر الاشهر باعتنبار ما يوجد من تجاوب لهم في باطن النفس الامارة والشهوات الغرارة ولكن ذلك يقل في شهر رمضان لامحالة.
خامسا : اننا يمكن ان نلاحظ بوضوح تقلص الذنوب والعيوب وقلتها في الاماكن المقدسة كالمساجد والمراقد ونحوها من حيث ان الفرد اذا دخل المسجد فانه لن يفكر في ذنب معتد به او لن يفكر في ذنب اطلاقا كما ان فرص الذنوب ستكون قليلة كالسرقة والزنا والقتل ونحوها في داخل المساجد والمراقد طبعا الى حد يمكن ان نقول انها معدومة فرص غير موجودة. في حين ان فرص الطاعات تكون متوفرة في المساجد والمراقد والرغبة الى الصلاة والعبادة والدعاء موجودة لدى الاغلب في داخل المساجد والمراقد المقدسة وهذا هو بالضبط ما يمكن ان نفهمه من فتح ابواب الجنان وغلق ابواب النيران وغل الشياطين فان ذلك يعني انفتاح فرص الطاعات وتقلص فرص المعاصي والذنوب وهذا ما يحدث في الاماكن المقدسة وهو ملحوظ بوضوح كما قلنا. فهل يحصل ذنب معتد به يقع في الحرم الشريف لامير المؤمنين او في مسجد الكوفة لن يقع بلطف الله سبحانه وتعالى. فكذلك الحال نفسه ما يحدث في الزمان المقدس والفضيل وهو شهر رمضان او غيره لوضوح ان اتجاه عامة المؤمنين ايضا يكون الى تكثير الطاعات وتقليل المعاصي بل يمكن القول ان هذا الاتجاه موجود حتى عند العصاة والمعاندين من المسلمين يكفي ان نسمع قول الشاعر وهو بيت مشهور وان كان باطل طبعا :
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى الى مشتاق
وهي الخمر طبعا اعوذ بالله. اذن فهو شارب خمر ولكنه يتركها في شهر رمضان فانه لمكا انتهى يقول رمضان ولى هاتها يا ساقي يعني انه توارك للشرب في شهر رمضان.
وكذلك فان المعتاد من المقاهي الشعبية الملتزمة بالمعاصي والاغاني في سائر الايام والشهور انها تمتنع عن ذلك خلال مناسبتين هما شهر رمضان وشهر محرم الحرام.
كما ورد في الحديث في صفة لجماعة من الناس انهم لا يعبدون الله الا في شهر رمضان وهذا فعلا مطابق لما هو مسموع من طبقة في المجتمع من تاركي الصلاة وانهم يلتزمون بالصلاة في شهر رمضان قبحهم الله الله لا يتقبل منهم.
ومعنى كل ذلك وجود اتجاه النفوس حتى عند العصاة والمتطرفين من شاربي الخمر وتاركي الصلاة الى بعض اشكال الطاعة والاستغفاروالتقليل من العصيان والشهوات وهذا ممن مستويات فهم ما سمعناه عن رسول الله (صلى الله عليه واله) من فتح ابواب الجنان واغلاق النيران وغل الشياطين.
كما اننا يكفي ان نلتفت الى ان ابواب الجنان ليست مفتوحة فتحا مطلقا حتى للعصاة والمعاندين انه كل من يأتي يدخل الجنة ! لا يوجد هكذا شيء طبعا. كما انها ليست مغلوقة غلقا مطلقا حتى في وجه التائبين والمستغفرين. كما ان ابواب النيران ليست مفتوحة فتحا مطلقا حتى للتائبين والمستغفرين وليست مغلوقة علقا كاملا حتى بوجه المعاندين. بل الغلق والفتح لكل من الجنان والنيران معنى نسبي او تدريجي ينال كل واحد من الناس ما يستحقه من ذلك غير انه يمكن القول ان درجة الاستحقاق تختلف حسب الفرص المعطاة للتوبة او قل حسب قدس الزمان او قدس المكان او هما معا قد تكون في شهر رمضان وفي حرم امير المؤمنين مناسبتان قدسيتان تجتمعان عليه ولربما اكثر بفضل الله سبحانه وتعالى.
ففي غير المكان والزمان المقدسين يكون الفرد موكولا الى درجة استحقاقه الطبيعية او النظامية الناتجة من عمله حسنا كان او سيئا. واما اذا كان هناك مكان مقدس قد ذهب اليه الفرد من مسجد او مرقد او كان يمر زمان مقدس كشهر رمضان المبارك فان درجة الاستحقاق للنجاة تزداد او قل ان فرص التوبة والاستغفار تزداد برحمة الله وحسن توفيقه لا انها تبقى ثابتة لا انها تبقى ثابتة حسب عمل الفرد. طبعا بشرط ان يبادر الفرد الى نوع من الذكر والتوبة والاستغفار مهما قل او كثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الاربعون 27 رمضان 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني اسألك باسمك الذي دان له كل شيء وبرحمتك التي وسعت كل شيء وبعظمتك التي تواضع لها كل شيء وبعزتك التي قهرت كل شيء وبقوتك التي خضع لها كل شيء وبجبروتك التي غلبت كل شيء وبعلمك الذي احاط بكل شيء يا نور يا قدوس يا اولا قبل كل شيء ويا باقيا بعد كل شيء يا الله يا رحمن صل على محمد وال محمد واغفر لي الذنوب التي تغير النعم واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء واغفر لي الذنوب التي تزيد الاعداء واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء واغفر لي الذنوب التي يستحق بها نزول البلاء واغفر الذنوب التي تحبس غيث السماء واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء واغفر الذنوب التي تعجل افناء واغفر لي الذنوب التي تورث الندم واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم والبسني درعك الحصينة التي لا ترام وعافني من شر ما احاذر بالليل والنهار في مستقبل سنتي هذه. اللهم رب السماوات السبع والارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ورب السبع المثاني والقرآن العظيم ورب اسرافيل وميكائيل وجبرائيل ورب محمد (صلى الله عليه واله) سيد المرسلين وخاتم النبيين اسألك بك وبما سميت به نفسك يا عظيم انت الذي تمن بالعظيم وتدفع كل محذور وتعطي كل جزيل وتضاعفالحسنات بالقليل وبالكثير وتفعل ما تشاء يا قدير يا الله يا رحمن صل على محمد واهل بيته والبسني في مستقبل سنتي هذه سترك ونظر وجهي بنورك واحبني بمحبتك وبلغني رضوانك وشريف كرامتك وجسيم عطيتك واعطني من خير ما عندك ومن خير ما انت معطيه احدا من خلقك والبسني مع ذلك عافيتك يا موضع كل شكوى ويا شاهد كل نجوى ويا عالم كل خفية ويا دافع ما تشاء من بلية يا كريم العفو يا حسن التجاوز توفني على ملة ابراهيم وفطرته وعلى دين محمد (صلى الله عليه واله) وسنته وعلى خير الوفاة فتوفني مواليا لاوليائك ومعاديا لاعدائك وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذوا بالنواصي والاقدام * فبأي الاء ربكما تكذبان * هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن * فبأي الاء ربكما تكذبان * ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي الاء ربكما تكذبان * ذواتا افنان * فبأي الاء ربكما تكذبان * فيهما عينان تجريان * فبأي الاء ربكما تكذبان * فيهما من كل فاكهة زوجان * فبأي الاء ربكما تكذبان *متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان * فبأي الاء ربكما تكذبان * (يا ربي لا بشيء من الائك اكذب).
نستمر فيما بدأنا به به في الخطبة الاولى …
اننا يمكن ان نلاحظ بوضوح ان الفرد بنفسه هو الذي يفتح باب الجنة وهو الذي يغلق باب النار او قل ان مفاتيح الجنة والنار فيما يخص شخص الفرد قد اعطيت للفرد نفسه فهو الذي يدخل نفسه الجنة بطاعاته واخلاصه وهو الذي يدخل نفسه النار بعصيانه وعناده وهو الذي يفتح ابواب جنته بالتوبة وهو الذي يفتح ابواب عذابه بالخيانة وهكذا ..
وذلك بعد ان اعطى الله تعالى صفة الارادة والاختيار القرب للانسان ولم يكن مجبورا لا على طاعة ولا على عصيان كما ان الفرد يمكن ان يفتح باب الجنة لاشخاص آخرين كانت مغلقة في وجوههم كما لو كانوا فاسقين فحثهم على الهداية او عاصين فحثهم على التوبة او جاهلين فحثهم على التعلم (كول لا ! ).
وهذا احد موارد صدق الاية الكريمة : ((الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين بأذن ربه)) من حيث ان الكلمة الطيبة التي تتصف بالحق والصدق يمكن ان تكون بنفسها سببا للهداية المستمرة علىطول الزمان وفي كل حين بأذن ربها ولمختلف الاشخاص بان يعلم بعضهم بعضا ويهدي بعضهم بعضا كما ان الفرد يمكن ان يفتح باب جهنم لا شخاص آخرين فيما اذا اغواه واضله او امره بعمل منكر كشرب الخمر او السرقة او الزنا او شككه والعياذ بالله في اصول الدين او في الحكمة الالهية ونحو ذلك وهذا ايضا من موارد صدق قوله تعالى بعد الاية السابقة : ((ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار)) فانما يمثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة بالشجرة باعتبار ان بعض اجزائها ينتج من بعض كاغصان الشجرة وتسلسل الهداية بالكلمة الطيبة بين الناس وبين الاجيال وتسلسل الغواية بينهم بالكلمة الخبيثة والعياذبالله فيكون احدهم فرعا للاخر وناتجا عما قبله كفرع الاشجار. ونفس هذا المضمون في تشبيه النار بالشجرة وخاصة على الطريقة القديمة على ايقاد النار حيث تأخذ الشعلة من شعلة وهكذا لانه شخاطة وزناد لم يكن عندهم. فتكون كل واحدة فرعا عما قبلها ولهذا قال تعالى : ((ارفرأيتم النار التي تورون أأنتم انشاتم شجرتها ام نحن المنشئون)) يا ربي انت انشأت شجرتها ولا نحن انشأنها. ثم ان ادخال الفرد نفسه او غيره في الجنة او في النار قد نتصور انه في الدنيا وقد نتصور انه في الاخرة هذا يصير وهذا يصير. اما كونه في الاخرة فواضح وهو المطابق للارتكاز المتشرعي من حيث ان الفرد تحصل له الهداية في الدنيا فيستحق دخول الجنة في الاخرة كما قد تحصل له الغواية في الدنيا فيستحق دخول النار في الاخرة وهذا صحيح الا ان الخطوة الاخرى اننا نقول ان الفدر يدخل الجنة او يدخل النار في الدنيا قبل الاخرة وذلك مطابق لظهور القرآن الكريم حيث يقول عن جهنم : ((احاط بهم سرادقها)) اي احاط سرادقها وسورها حول الكفار بوجودهم الدنيوي هنا احاط بهم سرادقها وهم في داخل السور موجودين اي في داخل جهنم لانه في داخل السور ماذا يوجد الا جهنم. كلما ما في الامر انها محجوبة عنهم لا يشعرون بالمها وانما ينفتح ذلك لهم عند الموت وما بعد الموت. وكذلك قوله تعالى : ((وان جهنم لمحيطة بالكافرين)) اي بوجودهم الدنيوي واذا كانت جهنم قريبة في الدنيا من اكفار والفاسقين ففي الاولى ان تكون الجنة قريبة من المؤمنين (كول لا !) ويمكن ان يتحصل فهم ذلك من عددمن آيات القرآن الكريم كل ما في الامر انها قد تكون محجوبة عنهم لذائذها ومباهجها وانما تفتح هذه الامور لهم بالموت او ما بعد الموت وعلى اي حال فسوف يصدق قولنا انك اذا هديت شخصا فقد ادخلته الجنةو اذا اغويت شخصا فقد ادخلته النار من حيث ان هذا سيحدث فورا وليس في الاخرة فقط.
ومما ينفع بهذا الصدد ونحن في شرح هذه الفقرات من الخطبة المروية عن النبي (صلى الله عليه واله) حيث يقول : ((ان ابواب الجنان مفتحة وان ابواب النيران مغلقة)) فانه مما ينفع بهذا الصدد ان نلتفت الى ان هذا حاصل وموجود في اصل الخلقة الانسانية ان ابواب الجنان امام الانسان مفتحة في اصل الخلقة وابواب النيران مغلقة في اصل الخلقة ((فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)) منجيث ان الفطرة تناسب فتح ابواب الجنان وغلق ابواب النيران وبتعبير آخر ان الله تعالى خلق الانسان للجنة لا للنار وان الله تعالى يريد لنا الجنة ولا يريد لنا النار وهذا معناه انه تعالى جل جلاله اصلا فتح لنا ابواب الجنان واغلق عنا ابواب النيران فلو اتبع الفرد قانون الفطرة والهداية لم يكن الحال مختلفا عن ذلك يعني يدخل الجنة بالضرورة ولا يرى النيران اطلاقا ولذا يتعجب ملائكة العذاب من دخول اهل جهنم في جهنم ويقولون لهم : ((ما سلككم في سقر)) اي مالذي جاء بكم الى هنا لانكم لستم مخلوقين لدجهنم فلماذا اتيتم ؟
الا ان الحال سيتغير خلال حياة الانسان ولن يبقى مطابقا للخلقة في الاعم الاغلب من الناس لما سيقارفونه من العصيان والطغيان فيفتوحون على انفسهم ابواب النيران ويغلقون في وجوه انفسهم ابواب الجنان وهنا تأتي محاولات والهداية والتوبة والشفاعة ونحو ذلك.
اذن فمن الناحية العملية او التطبيقية لن يكون الحال الاصلي او الخلقي متحققا بل العكس غالبا هو المتحقق وهو فتح ابواب النيران وغلق ابواب الجنان ومن هنا تكمن اهمية شهر رمضان وبركته من حيث انه الزمان الموقوت لمزيد رحمة الله تعالى للجميع وهو العودة الى اصل الخلقة واعطاء الفرصة للتوبة والاستغفار وفتح ابواب الجنان وغلق ابواب النيران.
والخطوة الاخرة في هذا الصدد انه يقول (صلى الله عليه واله) بعد ان يذكر فتح ابواب الجنان في الخطبة المروية : (فسلوا ربكم ان لا يغلقها عليكم) وبعد ان يذكر اغلاق ابواب النيران : (فسلوا ربكم ان لا يفتحها عليكم). في حين انها بالاكيد كما سمعنا ايضا انها تنفتح وتنغلق بالاعمال بعمل الفرد فابواب الجنان تنفتح بالاعمال الصالحة وابواب النيران تنفتح بالاعمال السيئة لاننا لا نقول بانتساب ذلك الى الله مباشرة والا لزم القول بالجبر وهو قول باطل ومبرهن على بطلانه عندنا وفي مذهبنا وانما الصحيح كما ورد : (لاجبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين). في حين ان الخطبة المروية عن النبي (صلى الله عليه واله) هذه تسند ذلك الى الله تعالى حين يقول : (فسلوا ربكم ان لا يغلقها عليكم) او (ان لا يفتحها عليكم) في العبارة الثانية وهذا ان كان بنو العلية التامة والقهر لزم الجبر الا انه لا يراد به ذلك بكل تاكيد بل هو مبرهن على بطلانه وانما المراد به التسبيب الاقتضائي او التسبيب الناقص او ما يسمى بلغة المتشرعة بالتوفيق وهو لا يعني العلية التامة والقهر وانما يعني التسهيل والتيسير فقط. والتوفيق امر صحيح واكيد فهو جل جلاله الموفق لكل طاعةوالموفق لترك المعصية الا تقول : (الحمد لله الذي قضى عني صلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) هذا بالنسبة الى الطاعة واما بالنسبة الى المعاصي فانما ينالها الفرد باستحقاقه فان الله تعالى حين يجد الفرد المتدني مستحقا لاقتراف المعصية فانه يوكله الى نفسه ونفسه الامارة بالسوء تكون هي السبب حقيقة الى العصيان والطغيان فيتورط في المعصية بارادته وقناعته.
بقيت خطوة اخيرة في شرح هذه الخطبة المباركة هو انه يقول فيها حسب الرواية : (والشياطين مغلولة) اي مشدودة بالغل وهو القيد. فاذا كانت الشياطين مغلولة ومقيدة فكيف تتصرف وكيف تحفظ مصالح انفسها من طعام وشراب وغير ذلك فان هذا خلاف الرحة بالشياطين انفسها.
وجواب ذلك يكون على عدة مستويات اي واحد منها يكون صادقا فانه يكون كافيا في الجواب:
المستوى الاول : ان المراد ليس هو الغل الكامل للشياطين بحيث يكون سببا لمنعهم من مصالحهم الخاصة وانما المراد انهم ممنوعون عن التسلط على البشر خلال شهر رمضان الذي هو عملهم الاعتيادي والدائم وهو ان الشيطان يتسلط على البشر فاذا منعوا منه كان ذلك بمنزلة الغل بالنسبة اليهم.
المستوى الثاني : ان السؤال ناتج من تخيل ان الشياطين كالبشر يحتاجون الى طعام وشراب ولهم ما لنا من المصالح الشخصية الا ان ذلك يمكن نفيه ولا اقل انه مما لا دليل عليه ومعه فاذا كان الشيطان مغلولا لا يؤدي به ذلك الى القسوة او المفسدة او خلاف الرحمة.
المستوى الثالث : ان السؤال ناتج من تخيل ان الشياطين يتضررون في مصالحهم الشخصية من استمرار الغل لهم مدة شهر اي طول شهر رمضان كما في الشخص البشري فالانسان اذا كان في غل مدة شهر تتضرر مصالحه الشخصية اكيدا فنتخيلان الشياطين كذلك. في حين انه يمكن نفي ذلك وان مثل هذا الضرر خلال شهر لا يحصل للشياطين وان كان قد يحصل للبشر. وعلى اي حال فالظاهر والاقرب الى فهم العبارة هو المستوى الاول يعني المنع عن التسلط على الناس ولذا يقول : (فسلوا ربكم ان لا يسلطها عليكم) فان تسليط الشيطان على الفرد لا يعني حفظ المصالح الشخصية للشيطان بعد ان كان مغلولا وانما يعني فقط شروعه بالغواية بعد المنع اي غواية البشر بعد منعه عنها.
ومقتضى اطلاق العبارة هو كون الشياطين مغلولين عن كل الناس مم مؤمنين وفاسقين وكفار لان شهر رمضان يمر على الجميع فتكون مزاياه شاملة للجميع من فتح ابواب الجنان واغلاق ابواب النيران وغل الشياطين، ولا بأس بهذه النتيجة باعتبار رحمة الله الواسعة حتى الكفار والمنافقين فانها ايضا تعني فتح فرصة التوبة والاستغفار والرجوع الى الهداية من قبل اي واحد منهم. غير ان طبقات كثير منهم يكون التوفيق عنهم مسلوبا باعتبار اصرارهم على العصيان والطغيان فهم في الآن الاول او قل في اليوم الاول من شهر رمضان سوف يغلقون ابواب الجنان في وجوه انفسهم ويفتحون ابواب النيران في وجوه انفسهم ويسلطون الشياطين على انفسهم حتى كأن هذه العملية او فتح ابواب الجنان واغلاق ابواب النيران بالنسبة لهم لا اثر لها او لا زجزد لها وتبقى الفرصة الحقيقية والمستمرة مفتوحة بهذا الصدد للمسلمين والمؤمنين الين لهم الاستحقاق النسبي لاغلاق ابواب النيران وفتح ابواب الجنان وغل الشياطين عنهم بمقدار قليل او كثير.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الحادية والاربعون 5 شوال 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
نرفع ايدينا جميعا بالدعاء …
يا الله يا الله يا الله يا محمد يا محمد يا محمد يا علي يا علي يا علي يا فاطمة يا فاطمة يا فاطمة يا حسن يا حسن يا حسن يا حسين يا حسين يا حسين يا سجاد يا سجاد يا سجاد يا باقر يا باقر يا باقر يا صادق يا صادق يا صادق يا كاظم يا كاظم يا كاظم يا رضا يا رضا يا رضا يا جواد يا جواد يا جواد يا هادي يا هادي يا هادي يا عسكري يا عسكري يا عسكري يا حجة يا حجة يا حجة يا ربي يا ربي ياربي اللهم افعل بنا ما انت اهله ولا تفعل بنا ما نحن اهله يا ارحم الراحمين.
الانسان غالبا ما يكون ابن يومه ينسى ما مضى عليه قبل قليل فضلا عن الكثير. الان لعل اغلبنا نسي اننا كنا في شهر رمضان قبل اقل من اسبوع.
في الحقيقة شهر رمضان شهر عظيم عند الله ونحن بصفتنا من اهل الغفلة ومن اهل الدنيا من الصعب ان نعرف خصائصه الا بمقدار ما يدلنا عليها المعصومون (سلام الله عليهم اجمعين) فلنودع شهر الله سبحانه وتعالى. فلنودع شهر الله تعالى بالطريقة التي يودعها به الامام السجاد (سلام الله عليه) ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
السلام عليك يا شهر الله الاكبر ويا عيد اوليائه السلام عليك يا اكرم مصحوب من الاوقات ويا خير شهر في الايام والساعات. السلام عليك يا من شهر قربت فيه الامال ونشرت فيه الاعمال. السلام عليك يا من قرين جل قدره موجودا وافجع فقده مفقودا ورجو آلم فراقه. السلام عليك يا من اليف آنس مقبلا فسر واوحش منقضيا فمض. السلام عليك يا من مجاور رقت فيه القلوب وقلت فيه الذنوب. السلام عليك يا من ناصر اعان على الشيطان وصاحب سهل سبل الاحسان. السلام عليك ما اكثر عتقاء الله فيك وما اسعد من رعى حرمتك بك. السلام عليك ما كان امحاك للذنوب واستر لانواع العيوب. السلام عليك ما كان اطولك على المجرمين واهيبك في صدور المؤمنين. السلام عليك من شهر لا تنافسه الايام. السلام عليك من شهر هو من كل امر سلام. السلام عليك غير كريه المصاحبة ولا ذميم الملابسة. السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات وغسلت علينا دنس الخطيئات. السلام عليك غير مودع برما ولا متروك صيامه سأما. السلام عليك من مطلوب قبل وقته ومحزون عليه قبل فوته. السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا وكم من خير افيض بك علينا. السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من الف شهر. السلام عليك ما كان احرصنا بالامس عليك واشد شوقنا غدا اليك. السلام عليك وعلى فضلك الذي حرمناه وعلى ماض من بركاتك سلبناه ورحمة الله وبركاته.
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
((ان تصبك حسنة تسوءهم وان تصبك مصيبة يقولوا قد اخذنا امرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون * قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون * قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بايدينا فتربصوا انا معكم متربصون * قل انفقوا طوعا او كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين *)).
بمناسبة مرور عيد الفطر نتكلم عن فكرة العيد في الاسلام ويكون ذلك في ضمن عدة نقاط :
النقطة الاولى : انه يعتقد طبقة من اهل اللغة ولعله هو المشهور بينهم ان العيد انما سمي عيدا لانه يعود كل سنة كأنه مأخوذ من العود فيكون عيد بمعنى عائد كفعيل بمعنى فاعل مثل عليم بمعنى عالم. الا ان هذا واضح المناقشة :
اولا : ان العود بالواو والعيد بالياء فتكون كل واحدة مادة منفصلة مباينة مع الاخرى ولا يوجد وجه معتد به لتبرير تبديل الواو ياءا في لفظ العيد.
ثانيا : انه لا تنطبق هنا قاعدة فعيل بمعنى فاعل لوضوح ان عيد ليس على وزن فعيل لا فعلا ولا تقديرا. ومن هنا فان الاطمئنان العرفي على ان لفظة عيد لفظ مستقل وضع لاجل الدلالة على هذا المعنى بالذاتع وهو اي يوم يناسب فيه اجتماعيا اظهار الفرح والسرور فيكون عيدا.
ومن الطريف الملفت للنظر والذي الفت نظري على اية حال انني نظرت في عدة مصادر لغوية فلم اجد معنى العيد فيها موجودا بما فيها لسان العرب لابن منظور ومجمع البحرين للطريحي والمفردات للراغب الاصفهاني وغيرها. وبالتأكيد فان لفظ العيد ليس كلمة مستحدثة ليعرض عنها اهل اللغة ويهملوها بل هي قديمة واصيلة في اللغة بدليل انها واردة في القرآن الكريم في قوله تعالى : ((تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا واية منك))الامر الذي يدل على انها كانت متداولة ومفهومة في صدر الاسلام والعصر الجاهلي السابق عليه.
النقطة الثانية : ان العيد بالمعنى الاصلي هو وقت حدوث مناسبة السرور والابتهاج الاجتماعي نفسه كحدوثا انتصار على العدو مثلا او ولادة شخص مهماو حصول فرج بعد الشدة ونحو ذلك وليس العيد هو ذكراه السنوية المتكررة كل عام لوضوح ان المناسبة الحقيقية لا تحصل كل عام وانما هو مجرد تكرار او اجترار وتذكر لما كان قد حصل في الزمان الماضي لا اكثر فهو في الحقيقة عيد مجازا وليس عيدا حقيقة. في حين ان العيد الحقيقي هو يوم حصول الحادثة المفرحة نفسه. وهذا هو مراد الاية الكريمة حين تقول : ((تكون لنا عيدا)) يعني بمناسبة نزول المائدة من السماء التي هي سبب الفرح والابتهاج ولم يقل انها تكون لنا عيدا نحتفل به كل عام.
الا اننا يمكن ان نلاحظ ان المناسبات السنوية الاسلامية او الدينية على كلا الشكلين من هذه الناحية فمنها ما يكون ذكريات سنوية لحوادث سابقة في صدر الاسلام وربما اكثرها كذلك وهو الاعم الاغلب منها بما فيها مناسبات ولادات ووفيات المعصومين (سلام الله عليهم) وعيد الغدير. ومنها ما يمكن القول ان المناسبة بنفسها تتكرر كل عام فنحن في كل عام في مناسبة جديدة وسبب حقيقي للفرح والابتهاج فيكون عيدا ليس لاجل مجرد الذكرى بل هو عيد فعلي لمناسبة حاصلة تخصه في نفس الوقت وهذا المعنى متحقق في كل من عيد الفطر وعيد الاضحى كما هو متحقق بمعنى آخر في ليلة القدر ويوم عرفة على ما سنسمع شيئا من تفاصيله في النقاط التالية.
النقطة الثالثة : قلنا في ما وراء الفقه انه تقوم فكرة الايام المهمة او المتبركة في الدين على احد اسس ثلاثة تنقسم الايام باعتبارها الى ثلاثة اقسام:
القسم الاول : الايام التي تكتسب اهميتها باعتبار ان حادثة مهمة قد وقعت فيها كولادة النبي (صلى الله عليه واله) وولادة امير المؤمنين (عليه السلام) ووقعة بدر ويم المعراج ويوم الغدير ونحو ذلك فهذه ايام المناسبات التي تعطي للمسلمين بتجدد الذكرى كل عام ما يمكن ان تعطيه من الهام مقدس لكل فرد مسلم بمقدار حاله ومستواه.
القسم الثاني : الايام التي تكتسب اهميتها باعتبار كونها وقتا لاداء عبادة كبيرة في نظر الشريعة ومن اهم امثلة ذلك ليلة القدر في شهر رمضان بل ايام شهر رمضان كله وكذلك يوم عرفة في الحج فانها واقعة في بحران العبادة وقمة اندفاع المكلف في التوجه الى ربه والتوسل اليه.
القسم الثالث : الايان التي تكتسب اهميتها باعتبار كونها اول يوم تقريبا لفراغ المكلف من عبادة مهمة في الاسلام فانه من الوجداني المحسوس ان اداء اي واجب او مطلوب يقوم به الانسان يعطي راحة محببة واطمئنانا للضمير وشكرا لله سبحانه وتعالى على حسن التوفيق وكلما كبرت العبادة وازدادت اهميتها ازداد اهمية الفراغ منها حتى يمكن ان يصل هذا الشعور الى حد يستحق ان يكون عيدا اسلاميا ينص عليه بالشريعة ويحتفل به المسلمون على طول العصور واهم مثال لذلك عيد الفطر الذي يأتي بعد الانتهاء من فريضة الصوم خلال شهر كامل وعيد الاضحى الذي يأتي بعد الانتهاء من الاجزاء الاساسية من الحج وهو الموقفان في عرفة والمشعر الحرام وبالتالي كأن الحج قد انتهى من حجه بشكل وآخر بقيت عليه واجبات اخرى كالذبح والتقصير ولكن الشيء الاساسي انتهى.
وليس من الصدف ان يقع عيد الفطر بعد عيد ليلة القدر وان يقع عيد الاضحى بعد يوم عرفة بعد ان عرفنا ان ليلة القجر واقعة في قمة اداء العبادة وعيد الفطر واقع في الانتهاء منها كما ان يوم عرفة واقع في موقف من اهم مواقف الحج يليه فجر اليوم العاشر الذي هو وقت الوقوف في المشعر الحرام وهما قمة اداء هذه العبادة (عني الحج) فيكون عيد الاضحى منذ طلوع شمسه اي شمس اليوم العاشر واقعا عند الانتهاء منها.
النقطة الرابعة : انه اتضح من هذا كله ما قلناه قبل قليل من ان هذه المناسبات تتكرر بنفسها كل عام وليس هي ذكريات لمناسبات سابقة لوضوح ان شهر رمضان في كل عام هو مناسبة الصوم كما ان ليلة القدر فيه في كل عام هي قمة العبادة فيه وكذلك (تتنزل الملائكة والروح فيها من كل امر سلام هي حتى مطلع الفجر) ومعه يكون عيد الفطر الذي يأتي بعده مباشرة هو عيد فعلي ومباشر للتباشر والابتهاج من انتهاء تلك العبادة المهمة التي ترضي الله سبحانه وتبعث في الضمير راحة محببة وفرحا كما ان مناسبة الحج في كل عام هو مناسبة فعلية وواجبة على كل مسلم استطاع اليه سبيلا فيكون يوم عرفة هو مناسبة فعلية ومباشرة لهذه العبادة العظيمة والشعيرة المهمة من شعائر الله والاسلام الا وهي الحج وليس ذلك على شكل ذكرى لعيد سابق. كما ان عيد الاضحى سيكون فعلا هو وقت الانتهاء او قل الاحتفال بالانتهاء من تلك العبادة المهمة التي ترضي الله تعالى وترضي ضمير المسلم.
النقطة الخامسة : اننا قلنا قبل قليل ان العيد هو يوم الفرح الاجتماعي او العام عند تحقق سببه فعلا طبعا وهذا ما يتكرر سببه في كل عام في عيد الفطر وعيد الاضحى واما بالنسبة الى الذكريات فالعيد الحقيقي و المناسبة الاولى التي حصلت فيها تلك الحادثة فعلا فمثلا ان العيد الحقيقي هو يوم ولادة الرسول في عام الفيل فمن حيث ان ولادته هي الحادثة المبهجة والرئيسية التي اوجبت بالتدريج قلب الموازين البشرية من حين البعثة النبوية الى يوم القيامة ونسخ الشرائع السابقة وتبديلها بالشريعة التي تمثل الحق المطلق والعدل الصريح فمن هذه الناحية اصبحت عيدا طبعا ونفس هذا نقوله في عيد المبعث النبوي فان يوم المبعث منذ حصول البعثة حقيقة في غار حراء هو العيد وسبب السرور والابتهاج واما تكراراته السنوية فهي مجرد ذكريات له كما ان ولادات المعصومين (سلام الله عليهم) كذلك ويقاس على ذلك ايام الحزن والمصيبة والاسى في الاسلام فان اليوم الحقيقي لذلك هو يوم حصوله فعلا كيوم مقتل امير المؤمنين (سلام الله عليه) ويوم مقتل الحسين (سلام الله عليه) في واقعة الطف ووفيات سائر المعصومين (عليهم السلام) مضافا الى ايام اخرى محزنة ومفجعة قلما يلتفت اليها المتشرعة كحصار النبي (صلى الله عليه واله) واهله واصحابه في شعب ابي طالب فهل نعمله يوم مصيبة وتعزية ! غافلين حبيبي .. وغيبة الامام المهدي (عليه السلام) ويم هدم قبور المعصومين (عليهم السلام) في البقيع من قبل الوهابين السعوديين وغير ذلك.
النقطة السادسة : انه لا شك ان هناك مصالح اجتماعية ودينية مهمة لتأسيسهذه الذكريات ولولاها لانقطع المجتمع عن تاريخه المقدس وقادته الرئيسين انقطاع يكاد يكون تاما. فمن المناسب ان تأتي في كل شهر مناسبة او عدة مناسبات نجدد فيه العواطف تجاه الاسلام والدين والقادة واحدا واحدا لكي يكون هذا التجديد حافزا جديدا ويعطي زخما نفسيا مؤثرا نحو طاعة الله ونصرة الدين والمذهب.
ومن الملحوظ بوضوح ان مذهبنا وانا ملتفت من زمان هو الفريد من كل المذاهب والاديان بكثرة مناسباته الدينية والمذهبية فهو له مناسبات الاسلام كلها مضافا الى مناسبات في المذهب نفسه على ان منسابت المذهب مما لا يمكن انكاره او استنكاره لاي احد على الاطلاق لوضوح ان ائمتنا (سلام الله عليهم) رجال قادة وعلماء سادة متفق على صحتهم وعلمهم ووثاقتهم وصلاحهم لم يجرح فيهم الا الشاذ الناصبي المتعصب الملعون عند الله ورسوله.
وعليه فمن المعقول جدا ان تكون يوم ولادة اي واحد من هؤلاء العظماء عيدا وان يكون يوم وفاته يوم مصيبة واسى حتى عند غيرنا بطبيعة الحال. وان تكون ذكرياتهم السنوية على كثرة تكرارها مناسبات مهمة دينية واسلامية تتجدد فيها الطاعات. ووجودها مهم لنصرة الدين والدفاع عن شريعة سيد المرسلين.
ومن الواضح ان الحال الدنيوي والمصالح الشخصية هي التي تسيطر على افراد المجتمع في الغالب من فقر وغنى وصحة ومرض وربح وخسران ونحو ذلك الامر الذي يستوجب بوضوح البعد عن طاعة الله ونسيان ذكر الله والغفلة عن امجاد التاريخ الاسلامي والقادة الاسلاميين. ومن هنا كانت المصلحة في حكمة الله التكثير من هذه المناسبات وتكرارها وتركيزها لكل يوجب الاوبة والرجوع لكل الغافلين والمقصرين في طريق الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : ((انه اواب)) يمدح الاواب وهو الراجع الى الله. وقال سبحانه : ((لكل عبد منيب)) ايضا بمعنى راجع. وقال : ((ففروا الى الله)) وقال : ((انا لله وانا اليه راجعون)).
بسم الله الرحمن الرحيم
انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * ان شانئك هو الابتر *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الحادية والاربعون 5 شوال 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم هذا يوم مبارك والمسلمون فيه مجتمعون في اقطار ارضك يشهد السائل منهم والطالب والراغب والراهب وانت الناظر في حوائجهم فاسألك بجودك وكرمك وهوان ما سألتك عليك ان تصلي على محمد واله واسألك اللهم ربنا بان لك الملك ولك الحمد لا اله الا انت الحليم الكريم الحنان المنان ذو الجلال والاكرام بديع السماوات والارض مهما قسمت بين عبادك المؤمنين من خير او عافية او بركة او هدى او عمل بطاعتك او خير تمن به عليهم تهديهم به اليك او ترفع لهم عندك درجة او تعطيهم به خيرا من خير الدنيا والاخرة اسألك اللهم بان لك الملك والحمد لا اله الا انت ان تصلي على محمد وال محمد عبدك ورسولك وحبيبك وصفوتك وخير خلقك وخيرتك من خلقك وعلى ال محمد الابرار الطاهرين الاخيار صلاة لا يقوى على احصائها الا انت وان تشركنا في صالح من دعاك في هذا اليوم من عبادك المؤمنين يا رب العالمين وان تغفر لنا ولهم انك على كل شيء قدير اللهم اليك تعمدت بحاجتي وبك انزلت اليك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي واني بمغفرتك ورحمتك اوثق مني بعملي ولمغفرتك ورحمتك اوسع من ذنوبي فصلي على محمد وال محمد وتولى قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها وتيسرذلك علي وبفقري اليك وغناك عني فان لم اصب خيرا قط الا منك ولم يصرف سوءا قط احد غيرك ولا ارجو لامر آخرتي ودنياي سواك اللهم من تهيأ وتعبأ واعد واستعد لوفادة الى مخلوق رجاء رفده ونوافله وطلب نيله وجائزته فاليك يا مولاي كانت اليوم (وانشاء الله كل يوم) تهيأتي وتعبأتي واعدادي واستعدادي رجاء عفوك ورفدك وطلب نيلك وجائزتك. اللهم صل على محمد وال محمد ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي يا من لا يخفيه سائل ولا ينقصه نائل فاني لم اتيك ثقة مني بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته الا شفاعة محمد واهل بيته عليه وعليهم سلامك اتيتك مقرا بالجرم والفساد الى نفسي اتيتك ارجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخطائين ثم لم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم ان عدت عليهم بالرحمة والمغفرة فيا من رحمته واسعة وعفوه عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا كريم يا كريم يا كريم صل على محمد وال محمد وعد علي برحمتك وتعطف علي بفضلك وتوسع علي بمغفرتك.
بسم الله الرحمن الرحيم
((الذين آمنوا وتطوئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطئمن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب * كذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها امم لتتلوا عليهم الذي اوحي اليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب * ولو ان قرآن سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى بل لله الامر جميعا * او لم ييأس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا * ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد)).
نستمر فيما بدأناه في الخطبة الاولى …
النقطة السابعة : ان الفرح والسرور له اسبابه الدنيوية واسبابه الاخروية. اما اسبابه الدنيوية فواضحة كحصول الصحة بعد المرض او الثروة بعد الفقر او قرب الشخص القريب او الحبيب بعد بعده وهكذا. وهذا النوع من الفرح وان كان جائزا فقهيا ومتعارفا متشرعيا واجتماعيا الا انه مرجوح اخلاقيا وفي الحكمة : (لا تفرح بما اتاك من الدنيا ولا تحزن عما فاتك منها) وقال الله تعالى : ((لاتفرح ان الله لا يحب الفرحين)) وهذا خطاب لقارون حين فرح بامواله وزينته (كول لا سبحان الله !).
ومن المعلوم انه حين عصى قارون هذا الامر بترك الفرح ففرح عوقب بالعقاب الدنيوي المعجل قال تعالى : ((فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون وي كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا ان من الله علينا لخسف بنا وي كأنه لا يفلح الكافرون *)
اذن فالفرح بالاسباب الدنيوية ممنوع اخلاقيا وقد تكون عليه عقوبة كالتي وقعت على قارون كما ان الحزن للاسباب الدنيوية ممنوع اخلاقيا وقد سمعناه في الحكمة يقول : (ولا تحزن عما فاتك من الدنيا).
واما الفرح بالاسباب الاخروية فهو صحيح ومشروع قال تعالى : ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)) وقوله ((مما يجمعون)) يعني مما يجمعون من اموال الدنيا وبهارجها وشهواتها التي تكون سببا لفرح اهل الدنيا واهل الغفلة والغرور بل هي ملغاة ومبدلة بالاسباب الاخروية للفرح وهي تلقي فضل الله ورحمته كما سمعناه في الاية الكريمة : ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هوخير مما يجمعون)).
والاسباب الاخروية للفرح قد لخصتها الاية الكريمة وهي فضل الله ورحمته فاذا حصل الفرد على شيء من فضل الله ورحمته فرح وجاز له الفرح كما لو وفق الى طاعة واجبة او مستحبة او الى اي شيء مرضي لله سبحانه او وفق الى ترك معصية كاد ان يقع فيها فتمت له السيطرة عليها وتركها كما لو حدثته نفسه بشهوة جنسية محرمة او سرقة او كذب او غيبة او غير ذلك فتركها من اجل رضا الله سبحانه وتعالى فانما ذلك فضل من الله وحسن توفيق يجب ان يشكر الله تعالى عليه وانه لم يوكله الله الى نفسه فيتورط في الحرام.
وعلى اي حال فتتلخص الاسباب الاخروية للفرح بما يناله العبد من الكمال او يعطى درجاته وكله منوط برضا الله تعالى وحسن توفيقه.
وكذلك الحزن الاخروي فان اسبابه واضحة وهي كل ما يرتبط برضا الله سبحانه ويتلخص ان الفرد يحزن لحصول النقص او المصيبة في الدين او الطاعة او وقوع الالم والشدة في بعض اولياء الله سبحانه وتعالى. وفي الرواية في وصف الشيعة : (انهم يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا)).
وعلى اي حال فيمكن القول بان اسباب الفرح والحزن متضادة فما كان سببا للفرح كان فواته ونقصه سببا للحزن وما كان سببا للحزن كان فواته سببا للفرح وهذا صادق على المستويين الدنيوي والاخروي معا.
النقطة الثامنة : اننا قلنا في فقه الاخلاق ان ما هو المؤثر اكثر والمنتج اكثر في طريق التربية والتكامل الالهي والايماني سواء على المستوى الفردي والاجتماعي هو الحزن وليس الفرح لان الحزن عاطفة قوية تحمل الفرد على الحماس والهمة باتجاهها وتطبيق مقتضياتها. ومن هنا قلنا ان الشرع الاسلامي اختار لنا الحزن للتربية العامة والخاصة وليس الفرح ومن هنا ورد وهو بيت منسوب الى احد المعصوين (سلام الله عليهم) ربما امير المؤمنين :
يفرح هذا الورى بعيدهم ونحن اعيادنا مآتمنا
اي هي موارد احزاننا ومصائبنا. لما نرى في انفسنا من النقص والقصور والتقصير ولما نرى في المجتمع من عيوب ومآثم فانه اذا التفت الفرد الى نقصه كان في طريق سده وتكميله واذا التفت الفرد الى نقص غيره كان بصدد ردعه ونهيه اذا كان يشعر بالمسؤولية.
وعلى اي حال فبعد ان عرفنا ان الفرح والحزن ينقسم الى ما هو دنيوي والى ما هو اخروي ينبغي ان نلتفت هنا الى ان ما قلناه من كون الحزن اقوى سببا للتربية والتكامل من الفرح انما تريد به الشريعة المقدسة الفرح والحزن الاخرويين، فيكون الحزن الاخروي باسبابه اقوى بالتربية من الفرح الاخروي واما الفرح والحزن الدنيويين فهذا احمله وارميه في الزبالة.
وهذا معناه ان الاولى للفرد ان يلتفت الى ذنوبه ونقصه اكثر من مما يلتفت الى طاعاته والى مركزه الديني واهميته الاجتماعية فان الالتفات الى ذلك يحدث في النفس الامارة الغرور والعجب والرياء والعظمة الزائفة وهذا اكيد ومجرب بالملايين. في حين ان الالتفات الى النقص والقصور الموجودين على كل حال وفي كل فرد فالكمال لله وحده، فان هذا الالتفات الى النقص يحدث في النفس التواضع والخشوع والتذلل امام الله تعالى ورجاء عفوه ولطفه وهو المطلوب دائما وليس العجب والرياء والغرور والعظمة الزائفة بطبيعة الحال.
فالافضل للفرد ان يحزن ويندم دائما لعدم حصوله على الكمال اللائق به لا ان يفرح بما جاء به من الطاعات فان الطاعات مهما كثرت فانها قليلة بل معدومة تجاه المعبود اللاهائي القدرة واللانهائي الوجود والتي نعمه لا تحصى ولا تجازى وهو المبتديء بالنعم قبل استحقاقها والله تعالى لا يطاع حق طاعته ولا يشكر حق شكره ولا يذكر حق ذكره ومن هنا ورد : (انظر في الاخرة لمن هو فوقك وانظر في الدنيا لمن هو دونك) لان الفرد اذا نظر في الاخرة لمن هو فوقه رغب فيه وعمل له وذلك هو العمل برضاء الله سبحانه فيكون العمل في ذلك عمل لله وفيه رضاء الله سبحانه وتعالى. واذا نظر في الدنيا لمن هو دونه اي الاكثر فقرا او مرضا او ذلة وهكذا حمد الله سبحانه على ما انعم به عليه من النعم حيث لم يجعله مثل ذلك الفرد في القصور والنقصان ونفس هذه الفكرة يمكن تطبيقها على كلا المستويين الدنيوي والاخروي معا. فاذا نظر الفرد الى من هو فوقه في الاخرة او افضل منه عند الله رغبهم في مقامهم وكمالهم وعمل للوصول اليه وهو المطلوب اي عند الله سبحانه وتعالى مطلوب اكيدا. واذا نظر الى من هو دونه في الاخرة حمد الله سبحانه على نعمة الطاعة وما تفضل به عليه من المواهب والمراحم وما حجبه عنه من الذنوب والعيوب التي تورط بها الاخرون. واذا نظر الفرد الى من فوقه في الدنيا وهو الاكثر مالا وولدا والاعز عشيرة ونحو ذلك فاذا كان مؤمنا لم يتمنها لنفسه بل تمنى عدمها لما فيها من المسؤولية امام الله سبحانه والتورط في جهات كثيرة هو في غنى عنها كما قال تعالى : ((الذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا)) واذا نظر الفرد الى من هو دونه في الدنيا افقر منه او امرض منه مثلا حمد الله سبحانه على نعمته الدنيوية كنعم تفتح له فرص الطاعة والثواب وليس كاسباب للشهوات والملذات.
النقطة التاسعة : اننا بعد ان عرفنا انقسام الفرح الى دنيوي واخروي فمن غير المحتمل ان الشريعة المقدسة تأمر في الاعياد الدينية المقدسة بالفرح الدنيوي وانما تأمر بالفرح الاخروي فانه من الواح جدا ان اهل الدنيا يفرحون في اعيادهم بالفرح الدنيوي بمزيد من الغناء والرقص ولتعري والعبث ونحو ذلك (كول لا !) وكثيرا مشاهد في مختلف بلدان العالم مع الاسف. فيزداد تورطهم بالمعاصي وبعدهم عن رضاء الله سبحانه وتعالى وقربهم من الشيطان فبدلا عن ان يكون العيد لهم سببا للكمال قليلا او كثيرا كان سببا للنقص والهلاك والعياذ بالله. ومن الواضح ان المحرمات تبقى على حرمتها في العيد وغيره وفي الفرح والحزن طبعا ولا يحتمل ان تكون جائزة في الشريعة اطلاقا وانما المطلوب في الشريعة هو اظهار الفرح بما سميناه بالفرح الاخروي وهو يكون على احد مستويين او كلا المستويين :
احدهما : اظهار الفرح الدنيوي بالمباحات كاللباس الجيد والابتسام ونحو ذلك ويكون ذلك اخرويا باعتبار كون المناسبة دينية ومقدسة ومرضية لله سبحانه وتعالى.
ثانيهما : ابراز الفرح الاخروي الحقيقي لو صح التعبير بكثرة الطاعات والاستغفار والتذلل والخشوع امام الله سبحانه وتعالى لنيل رضاه وهباته ورحمته.
فاذا خطونا الخطوة الاخرى التي يقول فيها : (ونحن اعيادنا مآتمنا) عرفنا ان اظهار الفرح الدنيوي بالمباحات وان كان مطلوبا ومستحبا فقهيا الا انه في الحقيقة يتضمن غفلة عن الطاعات وعن ذكر الله سبحانه بل المطلوب حقيقة هو الحزن وليس الفرح. ماذا كان يفعل امير المؤمنين (عليه السلام) في عيد الاضحى او الفطر ؟ ماذا كانت تفعل الزهراء (سلام الله عليه) ؟ هل تلبس الجديد ؟ انا اقول لا هي وهم اعلى من ذلك (سلام الله عليهم) بل المطلوب حقيقة هو الحزن وليس الحزن وذلك على عدة مستويات :
المستوى الاول : ذكر مصائب اهل البيت (عليهم السلام) والتحزن لها فان ذلك من اعظم الطاعات امام الله سبحانه.
المستوى الثاني : ذكر المعاصي والنقص والقصور الموجود لدى الفرد نفسه والتباكي والتحزن امام الله تعالى لذلك والسعي تجاهه بازالة ذلك والسيطرةه عليه بحسن توفيق الله سبحانه وتعالى.
المستوى الثالث : ذكر المعاصي والنقص والقصور الموجود لدى الغير والتحزن لوجوده فان ذلك مما يؤلم ويقرح كما قال تعالى : ((لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين)) وقال : ((ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون)) لانه (صلى الله عليه واله) كان يحزن عليهم ويكون في ضيق مما يمكرون لكنه الله يقول اللهم اني اسألك من الله اكبر لا توجد فائدة منهم قبحهم الله.
المستوى الرابع : تمني المؤمن الوصول الى مراتب من الكمال لم يصلها والتحزن لعدو وصولها والشوق اليها مع الاقتران بالامل بالله تعالى وحسن الظن به في ايصاله الى تلك المراتب المأمولة منه سبحانه.
بسم الله الرحمن الرحيم
هل اتاك حديث الغاشية * وجوه يومئذٍ خاشعة عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * ليس لهم من طعام الا من ضريع * لا يسمن ولا يغني من جوع * وجوه يومئذٍ ناعمة * لسعيها راضية * في جنة عالية * لا تسمع فيها لاغية * فيها عين جارية * فيها سرر مرفوعة * واكواب مرفوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابي مبثوثة * افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت * والى السماء كيف رفعت * والى الجبال كيف نصبت * والى الارض كيف سطحت * فذكر انما انت مذكر * لست عليهم بمسيطر * الا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الاكبر * ان الينا ايابهم * ثم ان علينا حسابهم *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثانية والاربعون 12 شوال 1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك بعض النقاط التي اريد ذكرها قبل الخطبة الشرعية لصلاة الجمعة ..
اولا: نبدأ بالصلاة على محمد وال محمد …
لاجل استنكار اعتقال خطباء الجمعة وفضلاء الحوزة الصلاة على محمد وال محمد …
لاجل المطالبة باطلاق سراحهم فورا الصلاة على محمد وال محمد …
لاجل عدم حصول ذلك اطلاقا في المستقبل الصلاة على محمد وال محمد …
لاجل اطاعة الحوزة العلمية الشريفة الصلاة على محمد وال محمد …
هناك فكرة لاجل احداث بناء في مسجد الكوفة لعله يعيق عن صلاة الجمعة فلاجل استنكار هذه الفكرة الخبيثة الصلاة على محمد وال محمد …
النقطة الثانية : ان هناك افعال واقوال مخلصة ولكنها بالتاكيد غير مسؤولة وهي مستعجلة بكل تاكيد من قبيل الهتافات التي تصدر من قبل جماعة من المؤمنين. وقد رأينا ما لها من المضاعفات وانا قلت بتوصيتين واكررهما :
اولا : لا تقل قولا ولا تفعل فعلا الا بعد السؤال عن الحوزة العلمية.
ثانيا : لا تقل قولا ولا تفعل فعلا منافيا لصلاة الجمعة لاجل احراز بقاء صلاة الجمعة فان هذه النتيجة اهم من كل الهتافات لو صح التعبير ولا شك ان ما حدث كان فيه غفلة او تغافلا عن هذين التعليمين. فالرجاء ان تأخذوه مستقبلا بنظر الاعتبار جدا.
النقطة الثالثة : اننا في الشتاء الثاني الذي تقام فيه صلاة الجمعة بعونه سبحانه وتعالى ولم يحصل مطر لا في الشتاء السابق ولا في الشتاء الحالي ولا في اي مكان اقيمت فيه صلاة الجمعة على الاطلاق. فالخطاب يكون لمنكري صلاة الجمعة ومعاندي صلاة الجمعة …
حبيبي .. صلاة الجمعة مؤيدة بتأييد الله ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يديم تأييده لها، فلذا يقول في الدعاء : اللهم افعل بي ما انت اهله ولا تفعل بي ما انا اهله، فحتى لو لم نكن يا ربي مستحقين لادامة صلاة الجمعة فدينك مستحق لادامة صلاة الجمعة فادم لنا صلاة الجمعة.
النقطة الاخرى التي اود الاشارة اليها ان هناك زعم نستطيع ان نسميه قديم ويؤيده زعم الحديث على انهم يزعمون انني انا الامام المهدي. وانا اتبرأ من هنا امام الله سبحانه وتعالى وفي اشرف بقعة تقريبا من هذا الزعم الباطل. وكل من يزعمه فهو كاذب وملعون وانا ابرأ منه والله يبرء منه. صلوا على محمد وال محمد ..
النقطة الاخرى التي اريد ان اشير اليها ان جماعة من وكلاء الحوزة الاخرى يوزعون اموال كثيرة لقضاء حاجة المحتاجين جزاهم الله خير جزاء المحسنين. الا ان الاشكال في هذا التوزيع هل هو من اجل الاخرة ام هو من اجل الدنيا ؟ في الحقيقة في حدود فهمي انه لا جل مضادة السيد محمد الصدر ولاجل مضادة النتائج التي اعطاها الله لنا بفضله وحسن توفيقه، حتى ان اخبار الثقاة تقول انه يعطى المال لشخص من رجال الحوزة ويقال له لا تدع للسيد محمد الصدر، فاريد ان اعرفكم على هذه الحقيقة الخبيثة ايضا.
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
انت الله لا اله الا انت كنت اذ لم تكن سماء مبنية ولا ارض مدحية ولا شمس مضيئة ولا ليل مظلم ولا نهار مضيء ولا بحر لجي ولا جبل راس ولا نجم سار ولا قمر منير ولا ريح تهب ولا سحاب يسكب ولا برق يلمع ور رعد يسبح ولا روح تنفس ولا طائر يطير ولا نار تتوقد ولا ماء يضطرب كنت قبل كل شيء وكونت كل شيء وقدرت على كل شيء وابتدعت كل شيء واغنيت وافقرت وامت واحييت واضحكت وابكيت وعلى العرش استويت فتباركت يا الله وتعاليت انت الله الذي لا اله الا انت الخلاق المعين العليم امرك غالب وعلمك نافذ وكيدك غريب ووعدك صادق وقولك حق وحكمك عدل وكلامك هدى ووحيك نور ورحمتك واسعة وعفوك عظيم وفضلك كثير وعطاءك جزيل وحبلك متين وامكانك عتيد وجارك عزيز وبأسك شديد ومكرك مكيد انت يا ربي موضع كل شكوى وحاضركل ملأ وشاهدكل نجوى ومنتهى كل حاجة مفرج كل حزن غنى كل مسكين حصن كل هارب امان كل خائف حرز الضعفاء كنز الفقراء مفرج الغماء معين الصالحين ذلك الله ربنا لا اله الا هو تكفي من توكل عليك وانت جار من لاذ بك وتضرع اليك عصمة من اعتصم بك ناصر من انتصر بك تغفر الذنوب لمن استغفرك جبار الجبابرة عظيم العظماء كبير الكبراء سيد السادات مولى الموالي صريخ المستصرخين منفس عن المكروبين مجيب دعوة المضطرين اسمع السامعين ابصر الناظرين احكم الحاكمين اسرع الحاسبين ارحم الراحمين خيرالعارفين قاضي حوائج المؤمنين مغيث الصالحين يا لا اله الا انت صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المعصومين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((واتلوا عليهم نبأ ابراهيم اذ قال لابيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد اصناما (لاحظوا الاصنام اشكال مختلفة وليست حجرية فقط) فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم اذ تدعون او ينفعونكم او يضرون * قالوا بل وجدنا ابائنا كذلك يفعلون * قال ارأيتم ما كنتم تعبدون انتم واباءكم الاقدمون * فانهم عدو لي الا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين * والذي هويطعمني ويسقسن * واذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين * ربي هب لي حكما والحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الاخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لابي انه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * الا من اتى الله بقلب سليم *))
اريد في هذا الاسبوع ان اخاطب الاطباء خاصة وذوي المهن الطبية عامة من صيادلة ومضمدين وغيرهم وذلك في ضمن النقاط التالية :
النقطة الاولى : لا شك ان الطب حقل انساني جليل جدا حتى في نظر الدين والمتشرعة حتى روي عن بعض القادة الاسلاميين انه يقول : (العلم علمان علم الاديان وعلم الابدان) يعني ان اهم العلوم النافعة هو ذلك. ويراد بعلم الاديان الفقه او الشريعة العادلة ويراد بعلم الابدان الطب. او قل ان الطب طبان طب النفوس وطب الابدان. لان المرض مرضان مرض النفوس ومرض الاجسام ومرض النفوس يداويه الدين ومرض الاجسام يداويه الطب وكلاهما مهمة ضرورية للبشريه وخاصة حينما تصل حالة الفرد الى حد الضرورة والانهيار صحيا فيكون المنقذ بحسب السبب هو الطب او قل هو الطبيب ولذا اعتبرت الشريعة وافتى الفقهاء جميعا بان الطب من الصناعات الضرورية في المجتمع كسائر الصناعات كالتجارة والنجارة والحدادة والبناء وغير ذلك فانها كلها ضرورية بما فيها الطب وهي واجبات كفائية يجب تصدي جماعة من المجتمع الى القيام بها والا عوقب الجميع شأن كل الواجبات الكفائية التي لعله كلكم سامعين بها.
واذا كانت اية صناعة يتوقف على التعلم وجب التعلم بنفس الوجوب الكفائي لانه مقدمة للقيام بالتطبيق او التنفيذ الذي هو واجب كفائي بدوره فتكون مقدمة الواجب واجبة وهذا يعني ان تعلم الطب واجب وهذا يعني ان الطب يعطى في الشريعة احترامه الكامل فهو ليس من المباحات، ليس مباحا ولا مستحبا بل واجبا والزاميا وتركه حرام وهذا كافي جدا لاحترامه.
النقطة الثانية : ان الجانب الانساني او قل جانب الرحمة والعطف هو المسيطر بالاساس على الطب والصناعات الطبية عموما فالمريض يشعر بحاجة الى الطبيب ويتوقع منه التعاون والاخلاص والانسانية ويحمله على كل محمل جميل يحن الظن بالطبيب غالبا بل دائما. وانما طرق بابه واتى اليه لانه يستوثقه ويجعل حياته بيده وشفائه على يده فمن هذه الناحية بكل تاكيد يجب ان يكون الطبيب على مستوى المسؤولية من هذه الناحية وفي تجاوب كامل مع حسن الظن الذي اولاه المريض اياه فيبذل اخلاصه ورحمته للمريض ومعنى ذلك انه يبذل اقصى ما يستطيع من علم او عمل في سبيل انقاذه من ورطته وشفاءه من مرضه لا ان يصبح الطبيب في مثل هذه المواقف وهي مواقف تتكرر دائما ممن يشعر بالانانية والغرور ويجر النار الى قرصه وينظر الى مصلحته الخاصة ولو على حساب مصلحة المريض صحيا او اقتصاديا او اجتماعيا او غير ذلك فيخون المريض فيخون الطبيب المريضة بهذا المعنى الطبيب يخون المريض من حيث لا يعلم المريض ولا يلتفت فيكون مطابقا للمثل القائل: (لا يخونك الامين ولكن قد يؤتمن الخائن).
النقطة الثالثة : انني اعتقد ان الطبهو من انجح العلوم التطبيقية او العملية بالفكر الانساني الى حد قد يعدل في ذلك العلوم الاخرى من الفيزياء او الكيمياء حتى صناعة الكمبيوترات او الصعود الى الفضاء ولكن مع ذلك فان هناك مبالغة شديدة في الاعلام الطبي عموما كما ان هناك مبالغة شديدة في الاعلام العلمي، كأن الغرب يريد ان يقول انه قد وصل بالعلوم الى مدراج ضاهية وفائقة جدا وخارجة عن طاقة اي بشري ويستدل لذلك ببعض النتائج التي وصلت اليها في مختلف الحقول البشرية والعلمية ولا شك ان عددا منها نتائج مدهشة حقا الا انها مع ذلك ذات مبالغة اكيدة بازاء عدة امورمنها :
اولا : ان علمائهم وقادتهم يعترفون بالنقص والقصور حين يستيقظ في ضميرهم جانب الحق والمروي عن نيوتن انه قال ما مضمونه : (اننا نحس تجاه هذا العالم اننا كالاطفال نلعب امام ساحل بحر عميق) وكذلك ان المنقول عن بعضهم انه يقول : (ان العقل الانساني لم يستعمل منه الى الان الا واحد بالمائة او اثنين بالمائة) اما اذا استعمل بكل طاقاته الكاملة او الكامنة، فماذا سوف يحدث ؟ وماذا يستطيع ان يدرك او يعمل ؟فهذا مجهول لنا تماما الى الان. وكذلك فان من المؤكد في نظرهم ان العلوم التجريبية كلها انما هي علوم قابلة للخطأ او قل هي مجرد احتمالات او نظريات او اطروحات قد يأتي زمان يستطيع اي مفكر ان يقلبها وان يعطي البشرية شيئا مخالفا لها حتة النظريات التي اصبحت اكيدة وواصلة الى درجة القانون باصطلاحهم ويكفينا مثالا على ذلك ان انشتاين رفض قانون الجاذبية الذي رسمه واسسه نيوتن كما ان العلماء المتاخرين عن انشتاين رفضوا القوانين الناتجة عن النظرية النسبية لانشتاين (مع العلم ان الفروق الزمانية ليست كثيرة) لابمعنى الرفض المطلق بل بمعنى انها مهما كانت اكيدة فانها لا تعدو جانب النظرية او الاحتمال ومن الممكن ان يأتي يوم يتغير فيه كل شيء ولكن بالرغم من كل ذلك يوجد اعلام قوي جدا وطاغوتي كبير بالتبجح بنتائج العلوم التي توصلوا اليها سواء في الفضاء او الفيزياء او الطب او غيرها وكأنهماعتبروا الكمبيوتر واشعة الليزر والنزول على القمر وزرع القلب وامثال ذلك من معجزات العصر الحديث مع ان كل هذا التبجح منفي باية واحدة من القرآن الكريم فضلا عن باقي الايات : ((بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره)) فكل انسان يعلم نقاط الضعف والقصور والتقصير التي يتصف بها والغرب يعلم نقاط ضعفه وقصوره وتقصيرهالا انه يحاول اعلاميا اخفاء ذلك والاعلام بخلافه ولا شك اننا لو اخذنا النسبة من الناحية العقلية بين الحقول التي نجحوا بها والحقول التي فشلوا فها لوجدنا ان الحقول التي فشلوا فيها اكثر جدا الى حد قد تتجاوز الثمانين بالمائة فضلا عن تلك الحقول التي يجهلونها تماما كما اشار اليه نيوتن في البحر العميق الذي يلعبون على ساحله لا يخرج عن ذلك حتى حقل الطب الذي نحن بصدد الحديث عنه ولا اقل من الالتفات الى امرين :
احدهما : ان تشخيص احتمالي وليس جزميا. نعم قد يكون الاحتمال راجحا في كثير من الاحيان ولكن قد لا يكون الاحتمال راجحا ايضا وانما هو مجرد الظن الضعيف.
ثانيهما : ان اعطاء الدواء احتمالي ايضا وليس جزميا كأنه لمجرد التجربة فان لم يفد وصف الطبيب دواءا آخر محتملا وهكذا كأن المريض هو احد مختبراته الطبية الا ان الذي يمكن قوله من العذر ان هذا هو اقصى ما يعرفه الطبيب وما تعلمه ولا يعرف شيئا اكثر من ذلك وغايته ان يبذل جهده وهو نصف جاهل لعله. بل من الممكن القول اننا لو اردنا النسبة بين الامراض التي نجحوا بمداواتها والامراض التي لم ينجحوا لوجدنا ان الامراض التي لم ينجحوا فيها اكثر بل حتى بعض الامراض البسيطة الاصابة بالبرد (النشلة) فانه لا دواء له في الطب الحديث حقيقة.
كما انه من الممكن القول ان الاعم الاغلب من الادوية وليست كلها طبعا ليست دواء لمرض معين وانما هي مداواة عامة او تقريبية وليست اكيدة كالمسكنات والمنشطات والمنومات واضراب ذلك فان صادفبها الشفاء بارادة الله سبحانه او صدفة كما يعبر الماديون فبها ونعمت والا فلا.
النقطة الرابعة : ان المفروض ان يكون الطبيب والصيدلي واضرابهم على مستوى المسؤولية في التعاون مع المريض على كل المستويات وخاصة مستويان مهمان جدا بحيث يكون التقصير بهما جريمة او بمنزلة الجريمة وليس من الممكن ان نتصور ان يكون الطبيب مجرما او نتصور ان يكون طبقة من الاطباء او ذوي العمل الطبي مجرمين في المجتمع او سراق او قتلة، ليس من الممكن ان نتصور ذلك. وذينك المستويان هما :
المستوى الديني بمعنى ضرورة التزام هؤلاء كغيرهم بانجاز الواجبات الشرعية والاجتناب عن المحرمات الشرعية ولا نطالبهم الان اكثر من ذلك فانهم ان انجزوا ذلك فقد برأت ذممهم امام الله تعالى بكل تاكيد ولهم جيد وليس لي ولا للحوزة العلمية.
الا ان الامر عندهم كأنه يختلف كثيرا من حيث ان الاسلوب العلم عندهم او عند اكثرهم ولا اقول كلها فبعضهم طيب جدا جزاه الله خيرا. هو تناسي الشريعة واهمال الدين مضافا الى ان تعليمهم الاساسي قائم على ذلك بكل تاكيد قائم على اهمال الدين فانه ناتج من قبل اختصاصين كفار ودنيوين فارغين من الدين بالمرة فهم لا يلتفتون الى اديانهم فضلا عن شريعة الاسلام ويبنون كل علومهم وتصرفاتهم على ذلك فيسري بطبيعة الحال هذا الاتجاه الى كل من تعلم لديهم او اخذ علما منهم او صنعة.
مضافا الى جهة اخرى ساذكرها في نقطة تالية وهي ان المشهور عند عوام المتشرعة مع الاسف هو جواز تصرف الطبيب ونظره الى مكا لا يحل الى غيره وانه يباح له كل شيء من هذه الناحية حتى انه وردني باستفتاء قبل مدة عن امرأة تراجع الطبيب فيأمرها الطبيب وان كان غير لطيف ولكنه اقولها يأمرها الطبيب بالتعري الكامل فتقول وهي تسألني كانما استفتاء انها تشعر عند التعري بالشعور الجنسي فهل هذا الشعور حلال او حرام. ونحن نعلم باليقين بالشريعة ان كل ذلك حرام فمجرد ان تطيعه وتتعرى هي عملت حراما وهو من ضروريات الدين والانسانية (كول لا !). فاذا امرها الطبيب بالتعري او زيادة التكشف لم يجز لها ذلك وبقي عليها حراما ولا يجب طاعته بل يجب تحمل المرض مع الامكان والصبر عليه اذا وصل الامر الى هذا الحد.
المستوى الثاني : المستوى الانساني والشعور بالرحمة والشفقة على المريض حتى لو وصل الامر الى تضحية الطبيب ببعض مصالحه في سبيل مصلحة المريض فيحين ما يحدث عند اكثرهم هو العكس من حيث يعلم المرضى او يجهلون وما اسهل الغش لدى الطبيب والخداع في الامور التي يجهلها الناس لانها من اختصاص الطبيب نفسه طبعا.
وانا اعتقد ان المستوى الديني والانساني خطان متوازيان لا يتقاطعان فكل ما هو ديني هو انساني وكل ما هو انساني هو ديني سواء في مجال الطب او غيره ولا نريد من الجانب الانساني جانب المصلحة الشخصية وسوء النفس الامارة بالسوء وانما جانب اللطف والرحمة من ناحية كما ورد : (لكل كبد حرى اجر) وجانب العدل والتصرف العادل والملتزم به كما قال تعالى : ((اعدلوا هو اقرب للتقوى))
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثانية والاربعون 12 شوال 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
يا الهي وربي وسيدي اتراك معذبي بنارك بعد توحيدك وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك ولهج به لساني من ذكرك واعتقده ضميري من حبك وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعا لربوبيتك هيهات انت من ان تضيع من ربيته او تبعد من ادنيته او تشرد من آويته او تسلم الى البلاء من كفيته ورحمته وليت شعري يا سيدي والهي ومولاي اتسلط النار على وجوه خرت لعظمتك ساجدة وعلى السن نطقت بتوحيدك صادقة وبشكرك مادحة وعلى قلوب اعترفت بالهيتك محققة وعلى ضمائر حوت من العلم بك حتى صارت خاشعة وعلى جوارح سعت الى اوطان تعبدك طائعة واشارت باستغفارك مذعنة ما هكذا الظن بك ولا المعروف من فضلك ولا اخبرنا بفضلك عنك يا كريم يا رب وانت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها وما يجري فيها من المكاره على اهلها على ان ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه يسير بقاءه قصير مدته (مهما حسبناه طويلا فانه قصير مدته) فكيف احتمالي لبلاء الاخرة وجليل وقوع المكاره فيها وهو بلاء تطول مذته ويوم مقامه ولا يخفف عن اهله لانه لا يكون الا عن غضبك وانتقامك وسخطك وهذا ما لا تقوم له السماوات والارض يا سيدي فكيف وانا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين يا الهي وربي وسيدي ومولاي لأي الامور اليك اشكو ولما منها اضج وابكي لاليم العذاب وشدته ام لطول البلاء ومدته فلئن صيرتني للعقوبات مع اعدائك وجمعت بيني وبين اهل بلائك وفرقت بيني وبين احبائك واوليائك فهبني يا الهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك وهبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر عن النظر الى كرامتك ام كيف اسكن في النار ورجائي عفوك فبعزتك يا سيدي ومولاي اقسم صادقا لئن تركتنتي ناطقا لاضجن اليك بين اهلها ضجيج الاملين ولاصرخن اليك صراخ المستصرخين ولابكين عليك بكاء الفاقدين ولانادينك اين كنت يا ولي المؤمنين يا غاية امال العارفين يا غياث المستغيثين يا حبيب قلوب الصادقين ويا اله العالمين صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
((من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطء ربك محذورا * انظر كيف فضلنا بعضهم علىبعض وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا * صدق الله العلي العظيم))
نستمر بما بدأنا به في الخطبة الاولى …
النقطة الخامسة : نشير في هذه النقطى الى الاختلاط في المجتمع الطبي بين الجنسين الذي يكاد ان يكون من الضروريات والبديهيات عندهم الى حد قد يكون النهي عن المنكر بالنسبة اليه مهزلة ويقيني العصيان بالنسبة اليهم فهم يعيشون جوا دنيويا وكأن الحديث الديني لا يشملهم اطلاقا. فالطبيبات والممرضات سافرات بوضوح وكأنه لا يمكن لهن الحجاب والمسموع قليلا طبعا وليس على نطاق واسع انه يحدث في المجتمع الطبي امور كثيرة يربأ اللسان عن التصريح بها كما انه قد وصل، وايضا هذا غير لطيف ان اقوله ولكن اقوله حتى يسمعه المجتمع المتشرع، كما انه قد وصل خبر ثقة بانه في احد المستشفيات الراقية في بعض الدول العربية المجاورة قد يتعين على المريض طبيا الانزال لانه يفيده صحيا فتدخل عليه امرأة مختصة بذلك وتظهر له محاسنها وتتحرك بحركات ونحو ذلك حتى تجعله ينزل ثم تخرج كأنها لم تفعل شيئا. وهذا كله مؤسف الى درجة فجيعة فاذا ضممنا الى ذلك ما سمعناه ورأيناه في المجتمع الطبي من انه يكون في ضمن تعليمهم لزوم التجمل الى اقصى مقادر ممكن اي ينصحونهم بالكشخة الى درجة بعيدة وهو مطبق عندهم جمعا، وهذا مما يطبقه كل الاطباء والطبيبات فيما اعلم. والامر في نتائجه اليكم لوضوح ان الفرد من اي من الجنسين حين يكون متجملا يكون بطبيعة الحال اقرب الى المستوى الجنسي من حاله الاعتيادي وفي مقابل ذلك ضده تماما موقف الدين اذ لا يحتمل باي حال من الاحوال وفي اي مذهب او دين جواز كشف المرأة شعرها او ما نسميه بالسفور لا في مذاهب الاسلام ولا في الاديان الاخرى غير الاسلام وانا تسألت في بعض الخطب السابقة هل كانت مريم العذراء سافرة ليجوز للنساء المسيحيات السفور ؟! وهل كانت فاطمة الزهراء سافرة ؟ وهل كانت زوجات الخلافاء في الخلافة الاولى او غيرها سافرات ؟! كلا ثم كلا حاشاهن كلهن.
وانما هذا داء وبيل سرت الينا عدواه من المجتمعات الاستعمارية الفاسدة التي تعصي دينها فضلا عن دين الاسلام وقد تقبلناه وطبقناه عن طواعية واختيار وقناعة مع شديد الاسف طبقا لامر الشيطان والنفس الامارة بالسوء بطبيعة الحال.
ويزيد في الطين بلة في المجتمع الطبي ان هذا مما لا يمكن تغيره او الحديث عن تغيره في حين يقول الله سبحانه في كتابه الكريم : ((ان الساعة اتية لا ريب اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى)) ويقول : ((ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)).
النقطة السادسة : ان هذه البدعة الدينية المركوزة في اذهان الناس بما فيهم من اطباء وغيرهم الطبيب يعتقد بصحته والمريض ايضا يعتقد بصحته من جواز التكشف امام الطبيب اكثر من المقدار الضروري او بمقدار ما رغب به الطبيب الذي قد لا يكون له دين ولا ورع. وقد سمعنا عن الاطباء الذين يأمرون مرضاهم بالعري الكامل من رجال او نساء كما سمعنا عن النساء المحجبات في المجتمع فاذا دخلت عيادة الطبيب سقط عنها الوجوب وكانت سافرة ومتبرجة الى اقصى مقدار ممكن بعنوان كونه طبيبا يجوز له النظر كما سمعنا عن اجتماع عدة اطباء على امرأة واحدة او عدة ممرضات على مريض واحد اكثر من الضروري كأنه لو جاز الكشف لواحد جاز الكشف امام الجميع وغير ذلك من الموارد. ان هذه البدعة مرفوضة سلفا ومحرمة في الدين ولا اعتقد انه صدرت فتوى من اي مجتهد من المتقدمين او المتاخرين او المعاصرين بجواز ذلك اسألوهم لو شئتم. لماذا العوام يعتقدون بهذا الاعتقاد ؟ اسف لهذه العقلية !
كل ما في الامر ان اعراض الحوزة السابقة عن المجتمع واهمال مشاكله وشؤونه ادى الى تفشي الامراض المعنوية والاعراض الاخلاقية وزيادة الغفلة والاعتقادات العجيبة الغريبة بين الناس المتدنين ثقافيا ودينيا.
ولكن الحوزة الناطقة لا تقبل بالسكوت عن اي عيب او نقص. اللهم اني قد بلغت، اللهم اني قد بلغت، اللهم اني قد بلغت.
النقطة السابعة : استيلاء العاملين في مجال الطب على الادوية سواء من المذاخر او من الحصص الموزعة على المستشفيات او غيرها مما يستطاع السيطرة عليه وبيعها باغلى الاثمان. والظاهر ان هذه اصبحت ظاهرة متحققة وتكررة في مجتمعنا مع شديد الاسف ودائمة الوجود ومبررها الرئيسي ان الراتب لا يكفي وهذا صحيح ولذا انا قلت ان الاخذ بمقدار المعيشة الضرورية جائز واما الزائد فهو ممنوع.
مضافا الى ان اكثر العاملين في مجال الطب يمكن ان يكون لهم مسارب واسباب للرزق غير ذلككالعمل التجاري او العيادات او مراجعات المتعاملين معهم من مرضى وغيرهم. فالضرورة لا تقتضي دائما سرقة الادوية بطبيعة الحال فان هذه العادة السمجة والمشينة ييحدث منها مضاعفات عديدة اذكر منها بعضها على اية حال :
اولا : ان ما يأخذونه انما هو من الناحية الفقهية من الاموال مجهولة المالك وهو مما لا يحتمل فقهيا جواز التصرف به الا باذن الحاكم الشرعي الذي هو الفقيه الذي يقلده الفرد ومن الواضح ان عددا كبيرا من العاملين في مجال الطب غير متفقهين وغير متورعين ولا يحللون اموالهم من هذه الجهة.
ثانيا : يلزم من استيلائهم على هذه الكميات الضخمة من الادوية بيعها في السوق السوداء التي هي علنية في نفس الوقت وليست خفية وباغلى الاثمان الامر الذي يضر بالمجتمع عامة وبالطبقة المتوسطة والفقيرة منهم بشكل خاص ولعله اغلب المجتمع فقير بمعنى من المعاني.
ثالثا : ان هذا يجر لهم الثراء الفاحش على حساب مصالحالاخرين واهاتهم والامهم وهذا مما تعمدت المنع عنه حين قلت انه يجوز الاخذ بمقادر الحاجة الضرورية واما ما زاد على ذلك فهو ممنوع وانا لا اجيزه.
رابعا : ما حصل ويحصل فعلا من ان عددا من الحالات الضرورية من المرضى في المستشفيات المجانية وربما في اماكن اخرى لا يصل اليهم الدواء حتى لو لزم من ذلك الوفاة او استمرار الالم والمرض ولعل المريض او اغلب المرضى لا يستطيعون تكلف ثمن الدواء بالقيمة الغالية. وهذا الامر كما هو مناف للجانب الانساني في الطب والذي هو مفروض من الطبيب وقلنا انه ينبغي للطبيب ان يضحي ببعض مصلحته للمريض لا ان يضحي بمصلحة المريض لمصلحة نفسه، كذلك هو منافي للجانب الديني فان الحفاظ على النفوس من التلف والحفاظ على المصلحة العامة من هذه الناحية والتقليل من الام الناس واجب شرعا والعمل الذي يحول دونه او يمنعه حرام شرعا فماذا يريد ان يقول الفقيه الا كونه حرام يعني حرام وانت تعصي هذا الحرام اذن واصل حسابك حبيبي .. او لست بحبيبي في الحقيقة!
النقطة الثامنة: انني سمعت عن حالات عديدة او عن اسلوب عام لدى عدد من الاطباء والطبيبات والعاملين في مجال الطب وهو ما اسميه بالغش الطبي في سبيل الربح المادي لا اكثر ولا اقل فهو يتعمد تغيير تشخيص المرض او يتعمد تغيير الدواء او يتعمد انجاز عمليات جراحية غير ضرورية او يتعمد اتعاب مريضه بالطلب منه انه ياتي الى عيادته عدة مرات وغير ذلك كثير من اجل الربح المادي. والضحية من يكون ؟ هو المريض او قل هو المجتمع ككل.
ولا حاجة الى ان نكرر ما قلناه في النقاط السابقة من ان امثال هذه التصرفات كما هي منافية للدين هي منافية للانسانية وخاصة بعد ان نلتفت الى ان الجانب الانساني جانب لصيق في الطب تماما ومن الواجب على كل العاملين فيه تنفيذه الى اقصى حد ممكن.
النقطة التاسعة : ان السؤال وهذا سؤلت عنه كثيرا يتوجه من قبل عدد من الطلاب المتورعين في كليات الطب جزاهم الله خير عن امرين رئيسين يتوطون فيه بطبيعة الحال في دراستهم الاكاديمية.
احدهما : النظر الى النساء وخاصة العورات والتوليد وهو حقل لا بد من مرورهم بهفي منهجهم الدراسي واذا ما سواه فانهم يرسبونه اعتيادي.
ثانيهما : تشريح الجثث العارية ويقف حولها الطلاب والطالبات من الجنسين بل يدفع الى بعض الطلاب ميت كامل لكي ينقله الى بيته ويوقم بتشريحه تفصيلا.
فما هو رأي الدين في ذلك ؟ هكذا يسألون.
وبالطبع فان راي الدين هو المنع عن كل ذلك بلا اشكال. الا ان اسلوب التلافي والحيلولة دون ذلك يكون باحد طرق ليست كلها ممكنة في الوقت الحاضر.
منها تغيير المنهج الطبيب بحيث لا يكون فيه امثال هذه المحرمات وهذا ما يتعيم فعله وواجب على المشرفين على المناهج الطبية. الا انه كأنه خارج عن اختيار الحوزة العلمية الشريفة على ما يبدو.
ومنها ان نقول للطالب في الطب غير عملك كما نقول للمثل او المغني او عامل في اي حقل حرام في المجتمع غير عملك. الا ان هذا غير صحيح لعدة اسباب :
اولا : ان وجود الاطباء ضروري في المجتمع وهو من الصناعات الواجبة بالوجوب الكفائي كما سمعنا في اول الخطبة. فلو قلنا للطالب غير عملك فلعله لا يبقى طبيب في المجتمع وهذه نتيجة غير جيدة طبعا.
ثانيا : ان الحال سوف يعود الى ان الفسقة والفجرة وغير المطيعين لله والحوزة هم الذين يستمرون في الدراسة ويحصلون على المهن الطبية الرئيسية في المجتمع ويحرم المجتمع من الاطباء المؤمنين والطيبين والمضحين في سبيل الله وفي سبيل الغير، لانهم متورعين وينتصحون بالخروج عن عملهم ويتركون الطب. وهذه ايضا نتيجة غير سليمة كما هو واضح. وذلك الحال سوف يعود الى ان الاطباء من اهل المذهب الواحد وسيصعد الى المراتب الطبية العالية نماذج من غير المذهب او من غير الدين الاسلامي وينفردون به. وهذه ايضا نتيجة غير سليمة بطبيعة الحال.
اذن فالذي ننصح به في حدود المنهج الدراسي المفروض على الطلاب هو استمرارهم بالدراسة ولكن يجب عليهم ان بقللوا من هذه النشاطات المحرمة الى اقل مستوى ممكن ولذا اقول للطالب افعل من ذلك بالمقدار الذي تسطيع به النجاح في هذه المادة ويكون الزائد على ذلك حراما.
وعلى اي حال فالحديث في هذا الحقل لا شك انه ذو شجون شأنه شأن الحديث عن اكثر حقول المجتمع وهو مما يطول به الحديث ويثقل ولا تكفي فيه الخطب الاعتيادية غير انني اعتمد بعد الله سبحانه على امرين: احدهما صدور كتاب فقه الطب الذي بينت فيه كثيرا من جوانب الاحكام التي ذكرتها الان والتي لم اذكرها الان. وثانيهما وجود الوعي الديني في المجتمع واتجاهه الى الورع والصلاح جزاهم الله خيرا الامر الذي يبشر بكل خير من هذه الناحية ومن كل ناحية بتقليل المظالم والجوانب المحرمة بالتدريج بعون الله سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * ان شانئك هو الابتر *
صدق الله العلي العظيم