أما خليفته أنطيوخوس الرابع فقد استطاع عام 169 قبل الميلاد احتلال مصر وحاصر الإسكندرية، وهي المرة الأولى التي تحاصر فيها المدينة منذ تأسيسها، غير أن إمبراطور روما هدد الملك السلوقي فرفع الحصار عنها، وخلال عودته عرج أنطوخيوس الرابع على القدس وأقام مذبحًا للإله زفس في قدس الأقداس ضمن معبد سليمان ما أدى إلى قيام ثورة عبرية استطاعت تأسيس الدولة المكابية، وهو ما يروى أحداثه بالتفصيل في سفري المكابين الأول والثاني فيالعهد القديم.[44] إثر وفاة أنطيوخوس الرابع ضعفت الدولة وتفككت أوصالها، واستطاع ديكران ملك أرمينيا أن يحتل كيليكيا وساحل بلاد الشام حتى عكا عام 69 قبل الميلاد، غير أن الرومان هزموه وفتحوا سوريا بعد فترة وجيزة عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة بومبيوس الكبير، ودعيت المنطقة "ولاية سوريا الرومانية".
كنيسة القديس حنانيا في دمشق، واحدة من أقدم كنائس العالم. والقديس حنانيا هو أول أسقف للمدينة، ومعمدالقديس بولس.
استمر الأمويون بحكم سوريا 132 عامًا، ازدهرت خلالها البلاد وانتعش اقتصادها، إذ شق الأمويون الطرق بين المدن واهتموا بالزراعة وبنوا الحمامات والفنادق وأسسوا نظامًا بريديًا سريعًا إلى جانب نظام إداري فعال تمثل بالدواوين.[67] كما اهتم الأمويون بالعمارة ويبدوا المسجد الأموي في دمشق الذي شيده الوليد بن عبد الملك والمسجد الأموي في حلب دليلاً على تطور فن الزخرفة والرسم والتطعيم بالخشب.[68] أشاد الأمويون أيضًا القصور والقلاع كقصري الحير الشرقي والغربي وقصر أسيس وقصر الرصافة خلال عهد هشام بن عبد الملك،[69] وقد اكتشف في ثلاثينات القرن العشرين ثلاثون قلعة في بادية الشام تعود لزمن الأمويين، كانت كمراكز نزهة واصطياف لهم إلى جانب كونها مناطق استغلها الأمويون زراعيًا لتأمين دمشق أوقات القحط. يقول الباحث عبد العزيز الدروري أنه على الرغم من تطور البلاد خلال العهد الأموي إلا أن الأسرة الأموية مارست التمييز العنصري والطبقي خصوصًا بين العرب وغير العرب،[70] لذلك فقد كانت الثورة العباسية حسب رأيه حركة سياسية ذات أسباب اجتماعية، نادت بالمساواة بين الموالي والعرب في الوظائف ومناصب الجيش والضرائب، وكان قوامها الرئيسي فلاحو الريف وفقراء المدن في الولايات البعيدة عن دمشق.[71] وقد استطاع العباسيون بقيادة أبو العباس السفاح الانتصار على جيش الأمويين بقيادة آخر خلفائهم مروان بن محمد عام 749، فزال بذلك العهد الأموي وبدأ العهد العباسي.[72]
نقل أبو العباس السفاح عاصمة الدولة إلى الكوفة بعد أن قتل العائلة الأموية ونبش قبور خلفائها في دمشق وهدم جزءًا من سورها.[73] لاحقًا في عام 762 بنى أبو جعفر المنصور مدينة بغداد لتكون عاصمة جديدة للدولة. عاشت الدولة العباسية عصرها الذهبي بين عامي 775 و847 تراجعت خلالها مكانة سوريا، غير أن الخلفاء العباسيين قد أدركوا أهمية موقعها كطريق تجاري وصلة وصل فضلاً عن كونها مركز حربي مع الإمبراطورية البيزنطية واستقرار عدد كبير من القبائل العربية ذات القوة والسلطان فيها، لذلك فقد أولوها اهتمامًا خاصًا وغالبًا ما كان أولياء العهد أو كبار قادة الجيش يتولون شؤون مدنها وولاياتها كالمهدي ولي عهد أبي جعفر المنصور والذي كان واليًا على الرقة.[74] ولعل أبرز الشخصيات السياسية السورية في العهد العباسي هو مالك بن طوق والي الرحبة الذي ذاع صيته حتى بات مضربًا للمثل.[75] ويذكر أن هارون الرشيد والمأمون قاما بالاستقرار بدمشق طلبًا للصحة وحسن المنظر على ما يذكر ابن عساكر،[76] ولكونها خط الدفاع المتقدم عن العراق أرض الخلافة قام العباسيون بتشييد عددٍ من القلاع كقلعة جعبر على نهر الفرات خصوصًا إثر امتداد النفوذ الفاطمي نحو بلاد الشام. أما على الصعيد الثقافي فقد برز عدد الأدباء والعلماء السوريين خصوصًا في عهد التراجم وجامعة بيت الحكمة.