ابتسامة واحدة لاتكفي
كانت توزع الابتسامات والضحكات على من حواليها وبغزارة مفرطة
وتهز كتفها بقهقهةمجنونة إذا ما ساقها الحظ لسماع نكتة سخينة من
أحدهم .
رغم كل ذلك إلا أنه حين رآها أول مرة انعكس له بريق خافت من حزن
أصيل انخرط تحت غضون عينيها ، ورأى خيطا ًخفيفا ًمن الهم تشابك
مع أشفار رمشيها .
نعم هي تضحك الآن غير أنه يسمع بكاءها بنحيب صامت يخرق طبلة
أذنه ، ومرة فأخرى كان يراها حتى اكتشفت أنه يراقبها ؛ فعرضـــــت
نفسها عليه كالطاووس وهي لاتفارق الابتسام .
لكن فكرته عن إسطورة حزنها لم تكن لتفارقه وكل يوم كان يمر عليها
يكتشف لذلك سرا ًآخر جديد .
قرر يوما ًما أن يكلمها وينتزع منها سرا ًعرفه منذوقت ليس بطويل .
وصادفها قرب مدينةالابتسام لديها وقد رسم على شفتيه الآن ابتسامة
عريضة ... لكنها تذكرت في ذلك الوقت وأظهرت كل مالديها وعندها
من أحزان كاثرة وهموم وقالت له " ابتسامة واحدة لا تكفي " !!...
العين الثالثة لا تُبصر... ج 1
أشهر مضت وهم يحلقون في أودية سحيقة من شك ويقين ، يبدأون
التفكير معا ًثم يصل بهم الأمر أحيانا ًإلى الصياح وتبادل التهم ،بل
وتوزيع العيوب في جهود الآخرين .
اعتبروا ذلك تحديا ًجما ًلهم ، وليس من البطولة ترك الحال على ما
هي عليه .
إن بزاتهم البيضاء ومقبضي فحص النبضات ، والزجاج الذي يحيط
أعينهم لم يهيء أيا ً منهم إلى هكذا اختبار .
منذ ذلك الوقت الذي دخل فيه هذا المريض الفريد من نوعه ، والأشياء
تزحف نحو عالم مجهول متشابك لم يستطيعوا له فهما ً؛ وقتئذ كانت
الأجواء بظاهرها كما هي سلفا ًشمس مشرقة ونسيم دافئ ، وخضرة
خالبة وطبيعة آسرة .
أهي البداية أم أنها مسك ختام النهاية؟!...
مامعنى أن يكون هذا المريض معافى ًولامعافى ً؟!...
مامعنى وجود عينيه ؟!... إنه يقلبهما ويحرك رمشيه ويستدير بهما
نحو الصوت ... بيد أنه لايرى !!... مفتوحتان ؛ نعم وما فيهما عيب
يُذكر ؛ واسعتان ؛ بل وجميلتان ولكن ؟!... كل هذه السمات لم تهب
لحاملهما الرؤية .
ذهول غريب مستغرق يلف المساحات الشاسعة في المشفى ، الجميع
يمضي إلى عمله وهو مطرق مفكرحائر .