١٣٠
أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليهالسلامفأستأذنته فأذن لي ، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له : أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسن عليهالسلام : كل محمول للمفعول مضاف ، إلى غيره محتاج ، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة ، وكذلك قول القائل : فوق وتحت وأعلا
وأسفل ، وقد قال الله : وله الاَسماء الحسنى فادعوه بها ، ولم يقل في كتبه إنه المحمول ، بل قال : إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والاَرض أن تزولا ، والمحمول ما سوى الله ، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه : يا محمول!
قال أبوقرة : فإنه قال : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، وقال : الذين يحملون العرش.
فقال أبو الحسن عليهالسلام : العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كل شيء ، ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه ، لاَنه استعبد خلقه بحمل عرشه ، وهم حملة علمه ، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه ، وملائكة يكتبون أعمال عباده ، واستعبد أهل الاَرض بالطواف حول بيته ، والله على العرش استوى كما قال ، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش ، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شيء وعلى كل شيء ، ولا يقال محمول ولا أسفل ، قولاً مفرداً لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى.
قال أبوقرة : فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجداً ، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم؟
فقال أبوالحسن عليهالسلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي ، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه! كيف تجتريء أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين! سبحانه وتعالى لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين ، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره ، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!
روى الشيخ الكليني(ره) عن البرقي رفعه قال: سأل الجاثليق علياً (عليه السلام):
فأخبرني عن قوله تعالى: (( وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )), فكيف ذاك إنه يحمل (أي الله) العرش والسماوات والأرض؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن العرش خلقه الله تبارك وتعالى من أنوار أربعة: نور أحمر, منه أحمرت الحمرة, ونور أخضر, منه اخضرت الخضرة, ونور أصفر, منه اصفرت الصفرة, ونور أبيض منه أبيّض البياض. وهو العلم الذي حملّه الله الحملة, وذلك نور من نور عظمته فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين, وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون, وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة....الخ.
قال السيد الطباطبائي في الميزان (8: 163): ان الجاثليق أخذ الحمل بمعنى حمل الجسم للجسم وقوله عليه السلام الله حامل العرش والسماوات والأرض الخ, أخذ الحمل بمعناه التحليلي وتفسير له بمعنى حمل وجود الشيء وهو قيام وجود الأشياء به تعالى قياماً تبعياً محضاً لا استقلالياً, ومن المعلوم أن لازم هذا المعنى أن يكون الأشياء محموله له تعالى لا حاملة.
ولذلك لما سمع الجاثليق ذلك سأله عليه السلام عن قوله تعالى:
(( وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )),
فإن حمل وجود الشيء بالمعنى المتقدم يختص به تعالى لا يشاركه فيه غيره مع أن الآية تنسبه إلى غيره, ففسر عليه السلام الحمل ثانياً بحمل العلم وفسر العرش بالعلم.
غير أن ذلك حيث كان يوهم المناقضة بين التفسيرين زاد عليه السلام في توضيح ما ذكره من كون العرش هو العلم,أن هذا العلم غير ما هو المتبادر إلى الأفهام العامية من العلم, وهو العلم الحصولي الذي هو الصورة النفسانية بل هل نور عظمته وقدرته حضرت لهؤلاء الحملة بإذن الله وشوهدت لهم فسمي ذلك حملاً, وهو مع ذلك محمول له تعالى ولا منافاة كما أن وجود أفعالنا الحاضرة عندنا محمولة لنا وهي مع ذلك حاضرة عند الله سبحانه محمولة له وهو المالك الذي ملكنا إياها)). انتهى.