قال ابن عبد البر:
(وأما الصحابة، فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة، فذهب ابن عباس إلى إجازتها فتحليلها لا خلاف عنه في ذلك، وعليه أكثر أصحابه...)
وقيل أنه رجع عن هذا ، واستدلوا بما جاء عن أبي جمرة عنه في الصحيح أن المتعة للمضطر كالميتة ولحم الخنزير
واستدلوا بما في المطبوع من مستخرج أبي عوانة، وفيه ما هذا صورته:
(قال يونس: قال ابن شهاب: وسمعت الربيع بن سبرة يحدث عمر بن عبد العزيز، [وأنا جالس] أنه قال: ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا)
قلتُ:
أما خبر المستخرج ، ففيه سقط وتداخل ، فإن قوله: ما مات ابن عباس حتى رجع...
ليس من رواية الربيع ، بل من كلام الزهري ، ويدل عليه أن ابن حجر قد نقل هذا في التلخيص الحبير فقال: (وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : مَا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْفُتْيَا ، وَذَكَرَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا)
والزهري لم يسمع من ابن عباس ، ومراسيله سيئة.
وقول الزهري: وسمعت الربيع بن سبرة يحدث عمر بن عبد العزيز وأنا جالس. يراد به حديث الربيع بن سبرة عن أبيه الذي أخرجه مسلم ، ولا دخل لإبن عباس فيه !
ففي صحيح مسلم بعد تمام خبر الربيع عن أبيه ، قال الزهري: (وسمعت ربيع بن سبرة يحدث ذلك عمر بن عبد العزيز وأنا جالس)
ثم الذي يشهد أن الخبر في المستخرج قد وقع به سقط في الأصل ، أن محقق الكتاب قد وضع معكوفتين بين السياق
ولم ينتبه على مقدار هذا السقط فظنه كلمتين فأصلحه به
قال المحقق في مقدمته ص9 :
(قمنا بوضع الزيادات التي سقطت من المخطوط بين معقوفتين)
------------
أما ما جاء عن أبي جمرة عن ابن عباس في أن المتعة للمضطر كالميتة ولحم الخنزير ، فيمكن الجواب عنه بأن هذا رأي ابن عباس قديما ، ثم رأى أن الرخصة لم تكن للإضطرار بل رخصة عامة ، فقال بالإباحة مطلقا وبقي على هذا إلى أن مات
ويشهد عليه ما جاء في مصنف عبد الرزاق (عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يراها الان حلالا)
ونقل هذا ابن عبد البر في التمهيد ، ولفظه فيه: (يراها حلالا حتى الآن)
ومراده أنه مات على الحلية ، فإن ابن جريج الذي سمع هذا من عطاء قد ولد بعد ابن عباس.