العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.66 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 08:39 PM


اسمي «رضا»

المريض المعافى: أندريه سيمونيان. من ازبكستان في الاتحاد السوفياتي السابق. الحالة المرضيّة: خَرَس اللسان

ـ أندريه... أندريه...
سمع صوتاً يناديه. صوتاً غير مألوف على الأرض.. كأنّه قادم من أعماق السماء استفاق (أندريه) من النوم، وتلفّت حوله في الصحن. كان جميع الحاضرين فيما حوله نائمين، غير رجل مسنّ هو من خدّام المكان، كان واقفاً في ناحية يتطلّع إليه. فطن الرجل المسنّ إلى حالة أندريه، فتقدّم نحوه ووقف أمامه وعلى وجهه ابتسامة رقيقة.
ـ ماذا يا ولدي ؟
اعتصم أندريه بالصمت، وأحسّ في داخله رغبة في الصراخ.. والبكاء. وتمنّى لو يلقي بنفسه في أحضان الرجل المسنّ، فيبكي حتّى يشبع من البكاء. تمنّى لو يصرخ بأعلى صوته وينوح، لكنّه اختنق بعَبرته، ولم يستطع أن يعبّر عمّا يختلج في صدره. جلس الرجل قِبالتَه، وأخذ يُربّت على كتفه يسأله:
ـ هل حدث شيء ؟
كان أندريه قد أرهقَته الرؤيا التي رآها، فرمى بنفسه في أحضان الخادم الشيخ. ولم يستطع أن يتحمّل فأطلق صوته بالصراخ وانخرط في النحيب. أيقظ صوت نحيبه عدداً من النائمين، فراحوا يفركون عيونهم ثمّ ينظرون إلى أندريه باستغراب. ورَبّت الخادم الشيخ على ظهر أندريه قائلاً:
ـ إبْكِ يا ولدي.. اصرخْ. البكاء يشرح الصدر، ويخفّف عن القلب، إبْكِ.
واستمرّ أندريه يبكي. استيقظ الجميع، وتطلّعوا إليه بعيون متسائلة. وسأله الرجل المسنّ: ماذا حدث ؟ قُل ماذا حدث ؟
انتزع أندريه نفسه من أحضان الرجل، فأتّكأ على الجدار، وراح يحدّق في السماء: نجوم متلألئة، وسِرب من الحمائم يطير ويعلو في الفضاء. أغمض عينيه ولم يُجب عن السؤال، وقال في نفسه: ليتني لم أستيقظ من النوم!
وجاءه صوت الرجل المسنّ:
ـ لماذا لا تتلكّم ؟ قل ماذا حدث ؟ هل رأيتَ حلماً ؟ ماذا رأيت ؟
التقت نظراته بنظرات الرجل الودودة، وأفهمه بإشارة من يده أنّه عاجز عن الكلام. ارتسمت على وجه الرجل علامات الحزن والأسى، فنهض واقفاً وأدار ظهره إلى أندريه محاولاً التستّر على دمعة سالت من عينه، لكنّ أندريه لاحظ اهتزاز كتفَي الرجل المسنّ.

* * *
كان الأب في اشتياق عميق، والأمّ تكاد تطير من الفرح. إنّهم يريدون العودة إلى إيران بعد غياب جدّ طويل، وسوف يلتقون بالأقرباء إن استطاعوا أن يتعرّفوا على أحد منهم. وكان أندريه وأخته (ألنا) فَرِحَين، مع أنّهما لم يشاهدا إيران من قبل. وبعد أن اجتازوا نقطة الحدود... كان الأب يحكي لابنه ـ وهو يقود السيّارة ـ عن المناطق التي يمرّون بها، وقد غلبه الشوق وطارت به الذكريات القديمة. كان الأب مأخوذاً بأشواقه وذكرياته.. حتّى أنّه لم ينتبه إلى الشاحنة الكبيرة المسرعة التي ظهرت أمامهم في الطريق. ولمّا فطن إلى الشاحنة المقبلة كانت صرخات الفزع تنطلق من زوجته وابنته وولده ممتزجةً بصوت اصطدام مَهيب. وفي الحال: قُتل الأبوان، ونُقل أندريه وألنا إلى المستشفى، وفقد أندريه قدرته على الكلام.
وخرجا من المستشفى، فلم تتحمّل ألنا البقاء وعزمت على العودة إلى أزبكستان، لكنّ أندريه آثر البقاء في إيران على الرغم من إلحاح أخته، وعلى الرغم ممّا في بقائه من مشقّات.
وشاء القضاء أن يعيش أندريه في أُسرة جديدة غير أُسرته: زوج وزوجة في عمر الشباب يعيشان في مدينة (هَمَدان) لم يُرزَقا ولداً منذ زواجهما قبل بضع سنين، فاختضنا أندريه ولداً لهما. ولم يدَّخِّر الأبوان الجديدان وسعاً في البحث عن علاج لأندريه، ولكن دونما جدوى. وكان أندريه يلاحظ أنّ هذين الزوجين كثيراً ما يتوجّهان إلى الله تعالى بالدعاء لشفائه وسلامته، وكثيراً ما كان هو يشاركهم في دعواتهم بصمت.
ومرّت سنوات.. كبر خلالها أندريه، وغدا شاباً، فاحترف تصليح الساعات في أحد المحلاّت. لكنّ الهمّ المتّصل الذي يشغل قلبه قد جعله انطوائيّاً قليل العلاقات.
في أحد الأيّام جاءه الأب (الجديد) مُغرورِق العين بالدموع، وهو يقول:
ـ ولدي أندريه، صحيح أنّ كلّ الأطبّاء قد عجزوا عن علاجك، لكنّنا ـ نحن المسلمين ـ عندنا دكتور نذهب إليه عندما نيأس من الجميع، فإذا أردتَ أخذتُك إليه.
نظر أندريه إلى الأب نظرة مليئة بالرجاء، وغدت صورة وجه الأب مهتزّة غائمة: لقد كان ينظر إليه من خلال الدموع. ولمّا أطبق أندريه جفنيه هبطت على خدّيه دمعتان كاللؤلؤ الشفّاف.

* * *
لأوّل مرّة يشاهد أندريه مثل هذا المكان. إنه لا يشبه على الأطلاق الكنيسة التي كان يذهب اليها بصحبة أبوَيه وأخته في أيّام الآحاد. الصحن غاصّ بالناس المتوجّهين إلى الضراعة والمناجاة. ولَفَتت نظره بشكل خاصَ تلكم الحمائم التي كانت تطير أحياناً مارّةً بحفيف أجنحتها من فوق رؤوس الزائرين، ثمّ تحلّق لتحطّ على القبّة الذهبيّة في روضة الإمام الرضا عليه السّلام.
صحب الأبُ أندريه في الصحن العتيق حتّى أوصله إلى الشبّاك الفولاذيّ حيث تجمهر عدد من الذين جاءوا لطلب الحاجات. أجلسه على الأرض، وربط حول عنقه حبلاً، ثمّ عقد طرفَه الآخر في مشبّك النافذة الفولاذيّة المطلّة على داخل الروضة الطاهرة. وأدهش أندريه ما فعله الأب: ترى.. أيّ نوع من الأطبّاء هذا الذي جيء به عبر كلّ هذه المسافات إليه ؟! وما إن اطمأنّ الأب إلى موضع أندريه حتّى غادره ومضى إلى داخل الروضة. كان أندريه متعباً من طول السفر، وما هي إلاّ لحظات حتّى اتّكأ على الجدار، وأخلد إلى النوم:
* تراءى له نور خاطف يتّجه إليه. وحاول أن يمسك بالنور.. فما استطاع. ثمّ اختفى النور. مرّة أخرى ظهر له نور أخضر يُقبل إليه. وسمع من داخل النور صوتاً يناديه:
ـ أندريه... أندريه...
وأفاق من نومته متضجّراً. كان الليل قد هبط منذ زمان، والسماء مقمرة، والصحن مفعم بصمت روحانيّ. وثمّة خادم كبير السنّ من خدمة الحرم واقف ناحيةً يتطلّع إليه. ودقّت ساعة الحرم الكبيرة مرّات عديدة. وتمنّى أندريه لو ينام من جديد، ليرى ذلكم النور وليسمع ذلكم الصوت الملكوتي. وعندها دنا منه الخادم المسنّ.

* * *
هو النور نفسه من جديد. هذه المرّة: أزرق، أخضر، أبيض.. كلاّ، لم يستطع أن يميّزه. كان نوراً من كلّ
الألوان يقبل نحوه ثمّ ينعطف عائداً من حيث جاء! وتحيّر أندريه: كلّما مدّ يده للإمساك بالنور أفلت منه. وفجأةً سمع صوتاً من داخل النور، صوتاً غير مألوف على الأرض، صوتاً كأنّه قادم من أعماق السماء.. يناديه:
ـ أندريه... أندريه...
أراد أن يصرخ فما استطاع.. وغاب النور. وأفاق أندريه مرّة أخرى من النوم.
الرجل المسنّ تطلّع إلى عنق أندريه، فأدهشه أن يرى عليه صليباً معلّقاً:
ـ هل أنت.. هل أنت مسيحيّ ؟
أجاب أندريه بإشارة من رأسه. ومدّ الرجل يده فانتزع الصليب من عنق أندريه، ثمّ أخرج منديلاً مسح به العرَق الذي كان يَندى به وجه الشابّ ورأسه. أسند الرجل رأس أندريه برفق إلى رُكبته، وقال له:
ـ نَم الآن، لن ترى حلماً مزعجاً بعد الآن.
أطبق أندريه جفنيه، وسرعان ما أخذه النوم: نور آخر، أخضر هذه المرّة. بسهولة يستطيع أن يميّزه.. وأقبل النور إليه، والصوت من داخله أيضاً يسأله:
ـ ما اسمك ؟
اهتزّ أندريه في الرؤيا واحتوَتْه الدهشة: كان قد سمع النور يناديه باسمه مِن قبل، فلماذا يسأله الآن عن اسمه ؟! تحيّر، وما أسعفته قدرته على الجواب. وجاء الصوت مرّة أخرى من داخل النور:
ـ قل ما اسمك.
أومأ أندريه إلى لسانه ليقول إنّه غير قادر على النطق والكلام. عندها شاهد يداً عليها كُمّ أخضر فاتح اللون تَخرُج من قلب النور. امتدت إليه كفّها ومسحت على لسانه.
ـ قل الآن ما اسمك ؟
ورُوَيداً رُوَيداً.. بدأ أندريه ينطق، قال:
ـ أنـ... أند... أندر...
لكنّه ما قدر أن ينطق باسمه كاملاً. ومن جديد سمع الصوت من قلب النور يناديه:
ـ قُل. قُل ما اسمك ؟
فتح أندريه فمه، وحرّك لسانه، ثمّ صاح بصوتٍ واثق رفيع:
ـ اسمي رضا، رضا...
* كان رضا بين الأيدي كقارب بين الأمواج. تخرّقت ثيابه التي على بدنه قطعةً قطعة، طلباً من الناس للتبرّك. وارتفع صوت نقّارة الحرم يشاركه مَسَرّته. ما أروع هذه المشاعر المعنويّة الشفّافة! وما أقدس هذه العظَمة الخالدة!


یتبـــــــــــــع

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.66 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 08:40 PM


قامة الحبّ المديدة

المريضة المعافاة: سكينة الباي. العمر 14 سنة. من مدينة جرجان. الحالة المرضيّة: أعصاب، وتشنّج عصبيّ




كنتُ واثقة أنّ الإمام سَيمُنّ علَيّ.
السماء تُمطر بغزارة. أدركتُ هذا من صوت مياه الميازيب الشديدة المستمرّة. من المألوف أن تمطر بغزارة في مثل هذا الوقت في (مازَنْدَران). أحياناً يستمرّ المطر يومين متّصلين أو ثلاثة أيّام.
في كلَ سنة، في مثل هذا الموسم، كنت أفتح الباب المؤدّي إلى فِناء الدار، وأجلس تحت مظلّة الباب أتطلّع إلى المطر يهطل. كنت شغوفة بالمطر لا أمَلّ من التفرّج عليه حتّى لو استمرّ إلى الليل.
أمّا الآن.. فأين تلك الأيّام الجميلة المَرِحة ؟! كلّ شيء تغيّر، ولم أعُد أحبّ المطر كما في تلك الآيّام. صار المطر يأخذ بِخِناقي. أخاف من صوت المطر إذا ارتطم بسطح دارنا، وأنزعج من صراخ الميزاب. يضيق صدري ويأخذني الاضطراب، وكأنّي أكاد أغيب عن الوعي. أحسّ وجعاً في دماغي من أيّ صوت حتّى لو كان ضعيفاً. أعصابي مُرهَقة، وأودّ لو أصرخ بصوت مرتفع. لم أعُد أحبّ المطر. وعندما تطرق حبّاتُ المطر زجاج نافذة الغرفة أحسّ أن مسماراً يُدَّق في رأسي باستمرار. فجأة أفقد توازني ويعتريني التشنّج: يضطرب بدني بشدّة، ويتتابع من فمي الصُّراخ.
وعلى أثر صراخي.. تُهرَع إليّ أمّي من الغرفة الأخرى. تتسمّر عند عتبة الباب، وتأخذها الدهشة وهي ترى بدني النحيل على تلك الحال، فتخمش وجهها وتصيح بفزع. أمّا أنا.. فمطروحة على أرض الغرفة، ثمّ لا أراها ولا أسمع لها صوتاً.

* * *
المطر ينزل. ينزل هذه المرّة على مهل. وجذبني إليه صوت قطرات الميزاب. أمّي جالسة عند فراشي تتقاطر من عينيها الدموع. مسكينة أمّي! كم تقاسي وتتألم من أجلي! صار دأبها البكاء. تظنّ أن بكاءها دواء لمرضي الذي لا دواء له. يالَه من ظنٍّ بائس! إنّها تعذّب نفسها، وهذا يزيدني عذاباً فوق العذاب. آه.. ليتني أستطيع أن أحكي معها، ليتني أستطيع أن أُفهمها أنّ بكاءها لا ينفعني شيئاً غير مزيد من العذاب.
إنّي أتجرّع آلامي.. أمَا يكفيني هذا ؟!
وحين فتحتُ عيني ابتسمَتْ لي، ونهضتْ من مكانها. لقد تعوّدتُ على طريقتها، وصرت أحفظ حتّى الكلمات التي تتفوّه بها حين تُحضِر لي العصير:
ـ خذي يا بُنَيّتي. إشربي هذا العصير لينفتح قلبك وتتحسّني...
وعندما غابت أمّي وراء الباب وهي ذاهبة لتأتي بكأس العصير.. ارتفعت أصوات الميزاب، واشتدّ قَرْع المطر الذي يتساقط على السطح.. تماماً كما يرتفع صوت الراديو ويرتفع ويطنّ بقوّة في أُذُنَيّ.
ثَقُل جَفناي وانطبقا. وتمثّلتْ لي ـ من وراء الجفون ـ صورةُ أبي وهو يدخل من باب الغرفة: حول عنقه شال أخضر، وفي وجهه صَباحة وبهاء عجيب. نظرت إليه بدهشة، فجاء وجلس عند سريري. سلّمت عليه:
ـ السّلام عليك يا بابا، أين كنت كلّ هذه المدّة ؟! أنا في شوق إليك.
ضحك.. فأشرقَتْ في ضحكته شمس رائعة تبعث الدفء في روحي.
ـ عليك السّلام يا عزيزتي. أنا أيضاً مشتاق إليك يا بُنَيّتي. ذاب قلبي من أجل (سكينة) الجميلة الطول، هل أنت بخير يا بهجة قلب أبيها ؟
طوّقتُ عنقه بذراعي، وقبّلت وجهه:
ـ أنا بخير يا بابا، أنا بأحسن حال كما ترى. إذا جئتَ لتراني أشفى وأنسى كلّ الآلام.
لكنْ عندما تذهب...
انحنى أبي وقبّل جبيني:
ـ لن أذهب يا بابا. أظلّ عندك، بشرط أن تعاهديني على أن تكوني دائماً بخير.. أتعاهدينني ؟
ـ أُعاهدك. أعاهدك بشرط أن تقول لي من أين جئت بهذا الشال الأخضر.
يتلمّس شال عنقه ويقبّله:
ـ أقول لك. لمّا كنت راجعاً من الجبهة ذهبت إلى مشهد لزيارة الإمام الرضا. وهذا الشال هديّة من الإمام، جئت به إليك لشفاء آلامك. الإمام دعاكِ لزيارته، عليك أن تستعدّي لتذهبي إليه.
عندها.. نهضتُ من مكاني مسرورة، وصحتُ:
ـ أريد أن أروح إلى الزيارة، أريد أن أروح إلى مشهد أزور الإمام الرضا ليشفيني.
وسمعت أمّي صيحتي فدخلت إلى الغرفة مسرعة:
ـ ماذا جرى يا بُنيّتي ؟! هل رأيت حلماً ؟
تطلّعتُ إلى عينيها، وقلت:
ـ حلم جميل يا ماما، حلم مشهد، حلم بابا، حلم شفاء، حلم الإمام.. الإمام الرضا.
ضحكتْ أمّي بدموع الفرح. أحِبّ من أمّي دائماً هذا النوع من الضحك. هكذا تضحك إذا كانت محزونة ومسرورة في نفس الوقت. تضحك وتبكي في وقت واحد. وها هي الآن تضحك لي بعيون دامعة:
ـ آخذكِ يا ابنتي، آخذك إلى مشهد «دخيلةً» عند الإمام ليشفيك إن شاء الله.

* * *
مرّ يومان.. وأنا «دخيلة» عند الإمام. كلّي أمل أن الإمام سيأتيني. قطعتُ كل هذا الطريق يَحدوني الأمل. أنا واثقة أنّ الإمام سيمُنّ علَيّ.
في ليلة اليوم الثاني من حضوري في صحن الحرم الرضويّ.. كان الجوّ مكفهرّاً. الغيوم قد حجبت السماء، فلا يُرى من ورائها حتّى نجمة واحدة. ازدادت برودة الجوّ، وأحسست أنّي أرتجف من البرد الذي كأنّما كان يدخل في عظامي. رفعتْ أمّي غطاءً كان عليها وألقَتْه على كتفيّ. الرعد يزمجر.. وشقّ البرق سقف السماء الأسود. بدأ المطر ينثّ، ثمّ تحوّل إلى زخّات غزيرة، فسارعت أمّي تمسكني من يدي وتُدخلني معها إلى داخل الروضة.
أنعشني الدفء في الداخل، وأنا جالسة قرب الضريح. وقامت أمّي تصلّي (صلاة الحاجَة). كان في القرب منّي مصحف، فتناولته.. وفتحته. ظهرت سورة (الرحمن). وبدأتُ أقرأ.
ما كدتُ أصل إلى منتصف السورة حتّى شعرت بارتخاء يدبّ في بدني هو أشبه ما يكون بِنُعاس ما بعد الظهر في أيّام الصيف، ووجدتُني أنزلق إلى نوم أثقلَ جفنيّ. وضعت المصحف على (رَحلة القرآن)، وأسندت كتفي إلى الضريح.. ودخلت في إغفاءة هادئة.
ما زالت أصوات الحاضرين تدوّي في أُذنَيّ. أجفاني مُغلَقة، لكنّي كنت أرى الحاضرين. عَجَباً! لم أكن أعلم أنّي كنت نائمة أم يقَظى! لم أكن يقظى.. أنا متأكّدة. وما أراه الآن هو رؤيا حقيقيّة.. كأنّما كنت أراها بعين رأسي!
وسطَعتْ من بين الحاضرين أشعّة نور، وتوجّهت إليّ. ما إن تَقدَّم النور نحوي حتّى تبدّل لونه. لمّا وصل أمامي كان أخضر اللون واضحاً شديد الوضوح، ثمّ أخذ يتبدّل أمام أجفاني المغلقة لوناً بعد لون: أصفر، أزرق، برتقاليّ، أحمر، أخضر. ثمّ تجمّع النور كلّه في نقطة واحدة.. بدأت تتشكّل بشكل قامة مديدة ظهرت أمامي: لحية طويلة، ووجه مستطيل.. رائع. قامته الراسخة عليها ثياب بيضاء. ولهذا الرجل شال أخضر.. هو نفس الشال الذي رأيته حول عنق أبي. كانت خضرة الشال منسجمة بشكل مدهش مع لون وجه الرجل، مع أنّي لم أقدر على تمييز ملامح وجهه، وكأنّما هي مغيَّبة عنّي بالنور. جاء الرجل إليّ ومسح على رأسي:
ـ ماذا بك يا ابنتي ؟
وقفت قبالة قدمَيه:
ـ يا سيّد.. أنا مريضة. أنا حمامة مكسورة الجناح. خلطتُ نفسي بحماماتك الطاهرة لأشفى.
ضحك الرجل ضحكة كأنّها وردة تعبق بالعطر.. عطر الورد الجوري.
ـ إنهضي يا حمامتنا المكسورة الجناح، وكوني مع الحمامات الطاهرة. حلّقي معها، فقد شُفيتِ.
صحتُ في لهفة:
ـ يعني أنا...؟!
وكرّةً أخرى أمرّ يده الودودة على رأسي، وقال:
ـ إنّ أحداً لا يرجع عن هذا البيت يائساً، إلاّ أن يكون هو يائساً.
وفي لحظة.. تحوّلَتْ هذه القامة المديدة إلى نور، انطلق من أمامي كالشهاب.
استيقظتُ من النوم. كان المصحف مفتوحاً على الرَّحلة أمامي. نفسها سورة (الرحمن). وقرأت.. « فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان » ؟!.
كانت أمّي قد أتمّت سلام صلاتها، ومدّت يدها المؤمِّلة الراجية نحو السماء.. وكأنّما قد وصل دعاؤها إلى العرش.

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!
التعديل الأخير تم بواسطة melika ; 07-11-2007 الساعة 08:42 PM.


الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.66 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 08:41 PM


القلب المنكسر

المريض المعافى: أمير الطاهري ـ من أهل مشهد مقيم في طهران. الحالة المرضيّة. سكتة وشلل عام. تاريخ الشفاء كانون الأوّل 1992

خرج الأب من الغرفة إلى فِناء الدار مهرولاً، وهو ينادي مندهشاً بصوت عالٍ:
ـ نور! نور!... نور أخضر!
كلّهم كانوا في الفِناء: الخال جالساً وقد أسند ظهره إلى الطُّنفُسة، وهو يدخّن النَّرجيلة. الجدّة تسكب الشاي في الفنجان. الأطفال يتراكضون في الفِناء ويلعبون. ورضا كان يسقي الجُنَينة. أمّا الأمّ فهي مشغولة عند الموقد تطبخ حساءً كانت قد نذرت طبخه وتوزيعه، في حين كانت فاطمة ترضع طفلها الصغير.
الجميع دُهِشوا لسماع صوت الأب وجَمدوا في أماكنهم: صاحت الأمّ وأخذتها غشية. نَحَّت فاطمة طفلها وركضت باتّجاه الأمّ. زعق الطفل، فحملته الجدّة وأخذت تسكته. ألقى رضا أنبوبة الماء وأسرع تلقاء أبيه. قطع الخال تدخين النرجيلة وحدّق بالأب متعجّباً. وضعت الجدّة الطفل على السرير وسجدت لله شكراً. ولمّا رفعت رأسها من السجود كانت عيناها تذرفان الدموع. بدأت الأمّ تفيق من غشيتها، فأقعدتها فاطمة وأسندتها إلى الجدار. أمّا الأب فقد ظلّ واقفاً قد أذهلته المفاجأة، وهو يحدّق في الحاضرين. قالت الأمّ لفاطمة:
ـ فاطمة.. هل سمعتِ ؟! لقد تكلّم! أبوك تكلّم!
حرّكت فاطمة رأسها وقالت كالمذهولة:
ـ ها.. ؟! سمعت!
ثمّ حوّلَت نظرها إلى الأب تخاطبه:
ـ أنتَ تكلّمت يا أبي.. تكلّمت!
احتضن رضا أباه وصاح:
ـ لا أصدّق يا بابا، أنت لم تنطق فقط، بل قمتَ واقفاً على قدميك.. مشيت بقدميك! الخال الذي ظلّ حتّى الآن صامتاً تزحزح عن موضعه ونهض يحتضن الأب ويقبّله:
ـ هذه معجزة.. معجزة!
ساعدت فاطمة أمَّها على النهوض لتُجلِسها على السرير قرب الجدّة. تحلّق الأولاد حول الأب الذي أخذ يحتضنهم واحداً بعد الآخر ويُمطرهم بقُبلاته. ثمّ خطا حتّى جلس إلى جوار الجدّة. كانت الجدّة جالسة وتبكي بصمت، ثمّ رفعت يديها إلى السماء وراحت تدعو. مال الأب فقبّل يد الجدّة، وقال:
ـ هذا كلّه من بركات دعاء أمّي، دعاء الأمّ لا يُردّ.
مرّة أخرى أهوت الجدّة إلى السجود، ثمّ قامت فاحتضنت ولدها وقبّلته قائلة:
ـ لمّا سمعتُ بعجز الأطبّاء عن علاجك قصدتُ الحرم وزرت نيابةً عنك، وطلبت لك من الإمام الشفاء. بكيت هناك مكسورة القلب، حتّى وقعت في غشية. وفي غشيتي رأيت الإمام مقبلاً. سألني: لماذا لا يأتي أمير لزيارتي ؟ قلت: أمير ليس هنا يا مولاي، إنّه انتقل من مشهد قبل عشر سنوات وسكن في طهران.
قال الإمام: قولي له يأتِ، فمحضرُنا لا مكان فيه لليأس.
وأفَقتُ من الغشية، وكتمت هذا الموضوع لم أُخبر به أحداً. فقط اتّصلتُ هاتفياً برضا وقلت له أن يأتي بك إلى مشهد لزيارة الإمام الغريب.
بكى الأب.. وقال:
ـ آه.. كم كنتُ جافياً بلا وفاء!
ثمّ أخذ يشرح لأمّه:
ـ كنت واقفاً أُصلّي عندما شعرت فجأة بالدُّوار. صار البيت يدور في عيني، واسوَدّ كلّ شيء حولي. وقعت على الأرض، ولم أدرك بعدها أيّ شي،. ولمّا صَحَوتُ كان الدكتور عند رأسي، سمعته يقول:
ـ محتمل أن تزداد آلامه ويفقد بدنُه الإحساس. هذا نوع من السَّكتة الخطرة. الأفضل، قبلما تحدُث مضاعفات أخرى، أن يُنقَل إلى المستشفى لإجراء عمليّة.
تقدّم رضا وجلس إلى جانب الجدّة، ثمّ قال:
ـ وعَدْتُ الطبيب بذلك، وبدأتُ أُعدّ العدّة لنقله إلى المستشفى. لكنّي حين أفهمت أبي بذلك امتنع أشدّ الامتناع وقال: أموت في الدار خير من الموت على سرير المستشفى. وبعد أيّام بدأتْ حالته بالتحسّن، واقتنعنا بغلط تشخيص الطبيب.
وتدخّلت الأمّ مستدركة:
ـ لكن التشخيص ما كان فيه غلط، فبعد أسبوع أخذَتْه مرّة أخرى حالة الدُّوار وهجمَتْ عليه الآلام. وفي هذه المرّة ظهرت عليه آثار الانهيار أسرع من السابقة:
احتُبِس لسانه، وشُلّ كلّ بدنه، وتورّمت حنجرته بحيث تعسّر عليه التنفّس.
أدار الأب نظره من الجدّة إلى الأمّ، وبطرف كُمّه نشّف دمعة ترقرقت في عينيه وقال:
ـ لقد عانيتِ يا زهراء.
قالت الأمّ:
ـ أنت كنت تتعذّب يا أمير، وليست لي طاقة على أن أراك هكذا.
قال الأب مُمتنّاً:
ـ أنتِ عانيت أكثر منّي، درايتِني مداراة ماءٍ في صينيّة محمولة على اليد.
طأطأت الأمّ رأسها، وراحت تتأمّل في صورة الوردة المنقوشة على السجّادة تحت قدميها، ثمّ همست قائلة:
ـ أنا ما فعلت إلاّ الواجب.
فقال الأب.
ـ كنتِ دائماً معي في المستشفى تمرّضينني.
وأجابت الأمّ.
ـ أنتَ لم تكن قادراً على التنفّس. كنت تشخر شخيراً. وتوسّلتُ بالأطباء باكية، فرجَّحوا أن تُفتَح في حنجرتك فتحة ليسهل عليك التنفّس، وإلاّ ففي انسداد مجرى الهواء يغدو الموت مؤكَّداً. لكنّي لم أوافق على هذا رغم إصرارهم. ثمّ اتّصلت الجدّة وقالت إنها قد رأت رؤيا ويجب أخذك إلى مشهد، فهناك طبيب مُعالج. أجهشتُ بالبكاء لمّا سمعتُ هذا، فكيف نسيتُ الطبيب الحقيقيّ وقد كنّا مقيمين في جواره سنوات طويلة ؟!
خلال هذا الحوار.. كان الخال صامتاً مستغرقاً في التفكير، ثمّ إنّه خرج من صمته وسأل الأب:
ـ ذلك النور.. ماذا كان ؟ خبِّرنا عن النور الذي رأيتَه.
ـ نور أخضر دخل الغرفة يرشّ أمامه ماء الورد. أخذ يتقدم، وامتلأت الغرفة بعبير ماء الورد. جاء إليّ ورشّ على وجهي أيضاً من هذا الماء. وسمعتُ صوتاً يقول: قُم، الكلّ قلقون عليك. قلت: لا أقدر. فأمسك بيدي وأجلسني في السرير. تطلّعت إلى مُحيّاه.. فما رأيت إلاّ نوراً.
وسمعتُه مرّة ثانية يقول: قُم، فكلّهم بانتظارك. وقُمت. ما هذا يا إلهي ؟! هل أنا في حلم ؟! ثمّ لم أعُد أرى النور، وظلّت الغرفة مليئة بعطر ماء الورد المنعش. وفي حَيرتي.. مددتُ يدي إلى حنجرتي أتحسّسها فما وجدت أثراً لورم. وحرّكتُ رِجْلي فإذا هي صحيحة سالمة. نهضت وأنا لا أصدّق ما أرى، وقمت واقفاً على قدمَيّ، ثمّ عَدَوتُ من الغرفة بأقدامي التي عَهِدتُها متيبّة كالخشبة، وصرخت بلسانٍ كان قد خَرِس منذ شهور.
قال الخال وقد بدا التأثّر على وجهه:
ـ معجزة.
فقالت الأم:
ـ معجزةُ قلبِ الجدّة الكسير.
انحنى الأب على يد الجدّة يقبّلها، وقال:
ـ أنا فداء لقلبك الكسير يا أمّي.
أمّا الجدّة فكانت تبكي، وترتجف شفتاها، ولم تَقُل شيئاً.
فقال الخال:
ـ مستحيل ألاّ يفوز القلب الكسير بإجابة. الإمام الرضا عليه السّلام يجيب القلوب المنكسرة على الفور.
ثمّ استرسل الخال يوضّح:
ـ كان أبي رحمة الله عليه يحكي حادثة وقعت في أيّام حكم (نادر شاه الأفشاري). يقول:
جاء رجل أعمى لزيارة الإمام عليه السّلام يطلب شفاء عينيه. وظلّ مدّة في الحرم لهذا الغرض ولم يحصل على الشفاء. وحدَث أن كان (نادرشاه) قد جاء في أحد الأيّام إلى الزيارة، فشاهد هذا الرجل الأعمى جالساً هناك.
سأله نادر:
ـ لماذا أنت جالس هنا ؟
أجاب الرجل:
ـ أنا هنا «دخيل».
ـ دخيل ؟ دخيل عند مَن ؟ ولأيّ غرض ؟
ـ دخيل عند الإمام، لشفاء بصري.
تأمّل نادر قليلاً، ثمّ سأل الرجل الأعمى:
ـ أتعرف مَن أنا ؟
قال الرجل:
ـ كيف أستطيع أن أعرفك وأنا محروم من البصر ؟!
فقال نادر بحزم:
ـ أنا نادر شاه الأفشاريّ، جئت إلى هنا للزيارة، ومتى ما أكملتُ زيارتي ووجدتك على حالك لم تُشْفَ فسأقتلك!
قال نادر هذا ودخل إلى الروضة، فوقع الرجل على الأرض باكياً لاجئاً مضطرّاً. ومرّت ساعة عاد بعدها نادر من الزيارة، فوجد الرجل قد عاد إليه بصره. وعندئذ سأله نادر:
ـ كيف شفيت ؟
قال:
ـ بقلب منكسر.
تساءل نادر:
ـ قلب منكسر ؟!
ـ نعم، بعد تهديدك إيّاي انكسر قلبي، ورحت أتوسّل بالإمام مضطرّاً منقطعاً فأجابني. وقبل ذلك ما كانت عندي حالة الانكسار هذه.
أكمل الخال حكاية القصة، ثمّ عاد يتّكئ على الطُّنفُسة.. وخاطب الجدّة برجاء:
ـ ادعي لي أنا أيضاً بقلبك المنكسر.. يا أُختاه.
أمّا الأب.. فكان في تلك اللحظة يصبّ على وجهه ويدَيه ماءً للوضوء، في حين كان عطر ماء الورد ما يزال يَعبَق في أنحاء الدار.

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.66 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-11-2007 الساعة : 08:44 PM


رؤيا صادقة

المريضة المعافاة: سميّة النوّاب ـ العمر13 سنة. من طهران. الحالة المرضيّة: تلف عظم الساق. تاريخ الشفاء 3 كانون الثاني 1993.

كلّه كان من تقصيري. دونما حذر كنت أجري في وسط الشارع بين السيارات المسرعة. وفجأة صَمّ أذني صوت بوق سيّارة يزعق طويلاً، وصوت كابح السيّارة المخيف. وما أحسست إلاّ بضربة شديدة في رجلي وظهري، وسقطت على الأرض فاقدة الوعي.

* * *
عند الصباح لمّا استيقظتُ من النوم قصَصتُ هذه الرؤيا على أبي وأمّي. لكنّي مهما حاولت أن أتذكّر أخرها ما استطعت.
وضع أبي كفّه على رأسي بمحبّة وقال:
ـ إنْ شاء الله خير. ولكنْ لا تنسَي أن تدفعي صدقة.
ثمّ ناولني ورقة نقديّة لأُلقيها في صندوق الصدقات بالشارع وأنا ذاهبة إلى المدرسة. خرجت من البيت وأنا أحاول أن أتذكر ما نسيت من الرؤيا. أستعيد بيني وبين نفسي الرؤيا، ثمّ لا أعثر على تكملتها. وقطعتُ الطريق إلى المدرسة على هذه الحالة، حتّى إنّي نسيت الصدقة.
عند الظهر حينما كنت أعود من المدرسة.. حَدَث أن مددتُ يدي في جيب (المانتو) فلمست الورقة النقديّة. تذكّرت.. وعزمت أن أضعها في أول صندوق أصادفه في الطريق. كانت كفّي تقبض ـ في جيبي ـ على الورقة النقدية، وعيناي تبحثان حولي عن صندوق للصدقات.. حينما وقع نظري على شحّاذ جالس وإلى جنبه طفل غافٍ. أردتُ أن أعطيه النقود، لكنّ مظهره الوسخ وحالته الغريبة جعلاني اشمئزّ منه.
عبرتُ أمامه بسرعة، ولمحت في الجانب الآخر من الشارع صندوق صدقات، فهرولت باتّجاهه. وما كدتُ أقطع منتصف الشارع حتّى سمعت فجأة صوت بوق سيارة طويل اختلط به صوت كابح مزعج. ما استطعت أن أفعل شيئاً. وجاءتني ضربة شديدة على ظهري ورجلي رَمَت بي على الأرض.
أجل.. كان كل شيء شبيهاً بالرؤيا التي رأيتها البارحة!
عُدت إلى الوعي، فوجدت نفسي في المستشفى. أبي وأمّي واقفان عند سريري ينظران إليّ بعيون دامعة. وأسرع أبي ـ حين فتحتُ عينيّ ـ إلى خارج الغرفة يستدعي الدكتور. ابتسامة باهتة ظهرت على وجه أمّي المبتلّ بالدموع. مَسحَت أمّي دموعها، وانحنت عليّ تقبّل جبيني.

* * *
سمعت أنّ الطبيب قال لأبي: لازم نأخذ صورة لظهرها ورجلها.
وسمعت أبي يقول وهو يتأوّه: إفعلْ كلّ ما تراه ضرورياً يا دكتور.

* * *
أسبوع وأنا راقدة في المستشفى، دون أن أستطيع وضع قدمي على الأرض. وضعوني على العربة النقّالة، وأخذوني إلى غرفة أخرى. وهناك صوّروا ظهري ورجلي عدّة صور.
ونظر الدكتور إلى الصور، فأكّد أنّ عظم رجلي قد اسوَدّ. التمَسَه أبي برجاء:
ـ دكتور، الله يخلّيك.. اعملْ شيئاً. بالله عليك خلِّصْ ابنتي.
أبدى الطبيب نوعاً من الأمل، فربّما استطاع أن يعمل شيئاً ليوقف انتشار اسوِداد العظم. لكنّي كنت ـ من كلّ وجودي ـ أشعر بالوجع يزداد ساعةً بعد ساعة ويوماً بعد يوم. تعبتُ من حالتي وازدادت آلامي، حتّى وصلت إلى حالة من اليأس. كيف يمكن أن أعيش بمثل هذه الحالة ؟! كنت أتمنّى أن أموت لأستريح من الألم والعذاب. غير أنّ أمّي كانت تسلّيني بالأمل وتدعو لي.
في كلّ يوم يأتي لعيادتي عدد من زميلاتي في الصف. ينظرنَ إلى وضعي فيصعب عليهنّ إخفاء الدموع. يحاولنَ أن يضحكن، لكنّي أعرف أن عالَماً من الأذى والحزن يختفي وراء هذه الضحكات المفتعلة.
الأطبّاء لم يتوانَوا عن كلّ محاولة ممكنة.. فاستطاعوا ـ بكلّ اختصاصهم وخبرتهم ـ أن يوقفوا انتشار اسوِداد عظم رجلي. ثمّ غادرتُ المستشفى دون أن أكون قادرة على وضع قدمي على الأرض. أمشي إذا مشيتُ مستندة إلى عصا. أسحب قدمي اليُمنى على الأرض وأخطو خطوات قليلة بمشقّة. أبي كان يأمل أن تتحسّن حالتي بالتدريج، وأن أمشي بشكل طبيعي. أمّا أنا فكان اليأس ينغرس في داخل قلبي.
ومضت عدّة أشهر.. دون أن يحصل عندي تغيّر في طريقة المشي. والمعاينة الطبيّة الشهريّة كانت تضاعف اليأس وتقوّيه. كنت أعلم أنّ الأمر قد انتهى، ولم يظلّ أيّ رجاء في التحسّن والشفاء، وعلَيّ أن أبقى مشلولة إلى آخر عمري وعاجزة عن العمل. في آخر مراجعة طبيّة سمعت هذا الإحساس الداخلي ـ بشكل مؤكَّد ـ من لسان الدكتور حين كان يقول لأبي:
ـ لا أمل.. مع الأسف. يعني أنّي لا أقدر أن أفعل أيّ شيء. فقدَتْ رِجل ابنتك فعّاليّتها. اسوَدّت تماماً وتَيبّسَتْ.
رأيت أبي ينهار. انحنى ووقع على قدمَي الطبيب:
ـ ما العمل يا دكتور، دُلَّني على طريق!
جلس الطبيب إلى جانب أبي وقال بيأس:
ـ مع الأسف لا يوجد.. لا يوجد أيّ طريق.
انفجر أبي باكياً، فاحتضنه الطبيب وأخذ يواسيه:
ـ توكّلْ على الله.. على الله.

* * *
عندما تركنا عيادة الطبيب، في ذلك اليوم، كانت حالة أبي قد تغيّرت. لم ينطق حتّى بحرف واحد. كان صامتاً تقطر دموع عينيه.. حتّى بلغنا المنزل. أنا أفهم حالته جيّداً. أدري أنّه يفكّر بعاقبة حياة صبيّة عليه أن يتحمّل تبعاتها عمراً بأكمله.
ولمّا وصلنا إلى الدار تناول القرآن وجلس في مقابل سريري. أطبق جفنيه لحظة وهمس بدعاء، ثمّ فتح القرآن ونظر إلى الصفحة، وقرأ آيةً بصوت مسموع. عرفتُ أنه يستخير الله. لكنْ.. لأيّ شيء يسستخير ؟! لَم أسأله.. وتطلّعتُ إلى وجهه. كانت أسارير وجهه تنفتح كلّ لحظة وهو يقرأ القرآن. ثمّ أطبق المصحف ونظر إليّ نظرة ضاحكة، وقال:
ـ غداً نذهب.. استعدّي.
سألت:
ـ إلى أين ؟
قال بحزم:
ـ إلى الطبيب الحقيقي. نذهب لنحصل على شفائك.
قلت:
ـ لا أفهم! عن أيّ شيء تتكلّم ؟
ضحك، ومال إليّ فقبّل جبيني، وقال:
ـ آخذك إلى مشهد. ومتى وصلنا إلى هناك فهمتِ كلّ شيء.

* * *
لم أكن قد رأيت (مشهد) حتّى ذلك الوقت. لكنْ.. ما إن دخلتُ الحرم ووقع نظري على قبّة الإمام ومزاره.. حتّى انخرطتُ في بكاء غير اختياري. بدا لي أني أعرف هذا المكان المقدّس، وكأنّي قد رأيته وزرته من قبل.
لكن.. متى ؟. لم أتذكّر. ولمّا عبرنا قريباً من حمَامات الحرم.. تذكّرت أنّي كنت قد ألقيت حبوب قمح لهذه الحمَامات في يوم من الأيّام! أيََّ يوم كان ؟ لا أدري. وأخذتني حيرة عجيبة: إنّ هذا الحرم وصحونه كلّها ليس غريباً عنّي. إنّي أُميّزه في ذاكرتي بوضوح، مع أنّي لم آتِ إلى مشهد مِن قبل!
وعندما أقعدني أبي عند الشبّاك الفولاذي العريض المُشرِف على ضريح الإمام، لأكون «دخيلة» عنده لاجئة إليه.. أحسستُ أني أشاهد هذه المناظر الحيّة للمرّة الثانية. ما الذي يجري يا إلهي ؟! أغمضتُ عينيّ وحاولت أن أتذكّر، فلم يحضر في ذاكرتي شيء. ولمّا كنت مستغرقة في التفكير والتفتيش عن جواب.. رأيت فجأة نوراً يسطع، وانفتح أمام عينيّ كتاب أخضر، رحت أتطلّع إليه. كان الكتاب قرآناً، أخضر اللون وعليه سطور نورانيّة بيضاء. ومن بين أوراق القرآن صدَرَ صوت يتلو هذه الآيات: « سَبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى. الذي خَلَقَ فسَوّى. والذي قَدَّرَ فهَدى. والذي أخرَجَ المرعى. فجَعلَهُ غُثاءً أحوى. سَنُقرِئُكَ فلا تنسى ».
على الفور فتحتُ عينيّ. لم يكن أبي إلى جانبي. وجدت الخيط الذي رُبِطَت فيه رِجلي إلى الشبّاك الفولاذي قد انحلّت عُقدته من رِجلي، فعَقَدتُه مرّة أخرى.
اتّكأتُ على الجدار، وأغمضت عينيّ. ومرّةً أخرى.. أخذ ينفتح أمام عينيّ ـ وهما مُغلَقتان ـ ذلك الكتاب. أشرق نوره الأخضر، ورأيت صورة رجل نُورانيّ على صفحة الكتاب. كان الرجل النُّوراني يبتسم لي. سلّمتُ عليه فأجابني بمحبّة ولطف، وسأل:
ـ لماذا عَقَدتِ الحبلَ الذي حَلَلتُه ؟
وبدون أن أُجيب عن سؤاله، أخرج يده النورانيّة وفتح عقدة الحبل من رِجلي. وفتحتُ عينيّ مضطربة.. فوجدتُ الناس قد تجمّعوا حولي، وكلّهم يُحدِّقون بي في دهشة. وانطلقَتْ في الفضاء أصوات الناس بالصلاة على النبيّ وآله. ورحت أتطلّع إلى وجوههم. هذه الوجوه أعرفها جميعاً.. كأنّي قد التقيت بها مِن قبلُ في مكان. وبغتةً سطع في ذاكراتي شيء: المناظر التي أراها الآن.. هي شبيهة بالمناظر التي رأيتها في منامي تلك الليلة قبل وقوع الاصطدام! هذه المناظر كانت في الجزء الذي نسيته من تلك الرؤيا! وها هو ذا يتحقق تفسير رؤياي!
ساعة الحرم.. دقّت أربع دقّات في آخر الليل؛ وأنا في أيدي الناس التي تتلقّفني من كلّ جهة، وتُلقي بي في ابتهاج نحو السماء.
غَمَزتْ لي آخر نجمة من نجوم الليل، وبدأ صوت (النَّقّارة) يبثّ أنغامه؛ احتفاءً بسروري وسعادتي.

یتبـــــــــــــــع

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 11:34 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية