بعد كم يوم ، رحت أنا و أخوي نزور قمر في القسم العادي ...
تعمدنا نجي قبل موعد الزيارة بربع ساعة و سمحوا لنا تجاوزا ندخل الجناح .
قمر كانت بحالة مستقرة و ابتهجت لما شافتني ... و شكلها توقعت أن سلطان جاي معي ... !
أو يمكن هو اللي قال لها إنه رح يجي ... لما زارها المرة اللي فاتت ؟؟
عدلت وضع الحاجز جنب السرير ... لأن أخوي قال أنه يبي يدخل الغرفة ...
حتى و هي مريضة و تعبانه ... البريق اللي ظهر بعيونها كان واضح ... كانت فرحانة ...
لو تبوا تعبير أدق ...
يوم دخل أخوي ... سلم ... و ردت قمر السلام ...
- كيف الأحوال اليوم ؟ إن شاء الله أفضل ؟
- الحمد لله ...
- الله يقومكم بالسلامة قريب إن شاء الله
- الله يسلمك ...
أنا كنت جالسة عند قمر ... و أشوف إيدها و هي تلعب بطرف الشرشف بتوتر ... أما أخوي ما كنت أقدر أشوفه من ورا الحاجز ...
حل صمت للحظة ... و ظنيت أخوي طلع مع أني ما سمعت خطواته ... و رفعت قمر عينها لي – و كانت قبل متبعثرة بكل مكان – كأنها تسألني : راح ؟
وقفت ... و مشيت خطوتين أبي أشوف ورا الحاجز ... و وقفت فجأة لما جا صوت أخوي مرة ثانية ...
- قمرة ...
ارتبكت قمر ... و لا ردت ... و طالعت بأخوي اللي صرت أقدر أشوفه من مكاني – و هو بعد مرتبك يمسح العرق بمنديله ... بس ما طالعني ...
- تتزوجيني ؟
أظن ... أن الكلمة طلعت من لسان أخوي ؟؟
لأن الصوت كان صوت رجالي ... و بالغرفة ما فيه رجال غير أخوي ؟؟
مديت راسي أكثر أطالع أخوي من ورا الحاجز ... أتأكد ... هذا أخوي ؟ هو اللي تكلم ؟؟؟
و بعدها طالعت صوب قمر ...
ما أدري من فينا كانت مذهولة اكثر من الثانية ؟ كانت قمر تطالع فيني بعيون مفتوحة على حدها ...
و جسمها كله متجمد ... للحظة خفت تكون متشنجة و أنا مو دارية ؟
نفس السؤال كان طالع من عيونها بقوة :
هذا سلطان ؟
هذا هو اللي تكلم ؟؟؟
رديت أطالع بسلطان و أنا شبه واعية للي أسمع ... و هو ... أضاف :
- أول ما تطلعي من المستشفى بالسلامة بامركم البيت ...
و بعدها حل صمت الذهول ... لين قال أخيرا :
- ما تشوفي شر ... مع السلامة
و شفته يروح ... و سمعت خطواته تبتعد ... و طلع من الغرفة ....
أنا .. و قمر ... و جملة أخوي ... تدوي بالغرفة ... ما وحدة فينا عرفت إإش تقول ... ؟؟؟
..........................
جاي أزور أمي بالمستشفى و جايب معي باقة ورد و علبة شوكولا ...
و أنا إذا جيت أبي أزورها لازم أجي أول واحد و أطلع آخر واحد ...
وقت الزيارة يبدأ من 4 و إلى 7 المساء ... و جديني يجوا بعدين عادة ...
و أنا حامل الورد بيد و علبة الشيكولا باليد الثانية ... و شفت الباب مفتوح ... و بثانية ...
شفت رجال يطلع من الغرفة !
وقفت مذهول ... و وفق هو بعد مذهول ... كل واحد يطالع بالثاني ...
بدأ هو يتنحنح شوي ... و قال بصوت مخفوت :
- السلام عليكم ... كيف حالك يا بدر ؟
أنا حتى السلام ما رديته في البداية ...
وش جاب بو نواف لعند غرفة أمي ؟؟
بو نواف التفتت صوب فتحة الباب و نادى :
- يالله شوق
و شوي و جت مرة و طلعت من الغرفة ... و هي بعد شكلها تفاجأت لما شافتني ...
و سلمت ...
أنا أخيرا رديت السلام ... و أنا مستغرب و مستنكر ...
و أنقل بصري من بو نواف إلى الباب ...
بو نواف قطع على نظرات التشكك و قال :
- بو ثامر موجود بالبيت هالوقت ؟
جاوبته بتساؤل :
- نعم ... ؟
التفت صوب المره اللي معه ... و قال :
- يالله .
و رد سلم علي ... و راحوا ....
وقفت عند الباب أراقبهم لين اختفوا في وحدة من اللفات ...
بو نواف و المره اللي معه ... وش كانوا يسوون عند أمي ....؟؟؟
دخلت على أمي ... و لقيت الحاجز محطوط بالعرض ... لا أقدر أشوفها و لا تقدر تشوفني ...
ناديت :
- يمه ؟
ما وصلني رد ... قربت من الحاجز أكثر و ناديت مرة ثانية :
- يمه ؟؟
- هلا بدر ...
جا صوتها مبحوح و مرتبك ... مو طبيعي ... سألت :
-أجي ؟
- تعال حبيبي ...
تخطيت الحاجز و جيت لعندها و الورد و العلبة لسه بإيدي ...
أمي ابتسمت لي و مدت يدها ... حطيت العلبة على الطاولة و الباقة جنبها على السرير و جلست جنبها و إيدي بإيدها ...
- كيفك يمه اليوم ؟ أفضل مو صح ؟
ابتسمت لي و مدت يدها الثانية و أخذتني بحضنها ...
حضن أمي هو أجمل مكان أحب أكون فيه ... مع ذلك ... رفعت راسي بعد شوي أطالع فيها ...
و عيني تسأل :
( بو نواف وش كان يسوي هنا ؟؟؟ )
بس أمي ما قالت شي ... يمكن ما شكت إني شفته ؟ خصوصا ... و أنا ظليت واقف فترة عند الباب بعد ما طلعوا أراقبهم لين اختفوا ...
أقدر أحس إنه في الموضوع شي ... أمي مو مثل عادتها ...
جدي و جدتي تأخروا و جو مع خالي و زوجته بعد أكثر من ساعة ... الكل كان تصرفه طبيعي ...
بس أنا مو مرتاح ... و لما ردينا البيت ... و بعد صلاة العشاء ... جيت لعند جدي و قلت له :
- فيه أحد سأل عليك اليوم ؟
- أحد ... مثل من ؟
- مثل ... أبو نواف ... سلطان ؟
.................
في نفس الساعة اللي طلعنا فيها من المستشفى بعد زيارة قمر ... أخوي راح بيت بو ثامر و طلب يد قمر ...
مرة ثانية ... !
أنا كل شي عندي ملخبط ... فلا أحد يسألني وش صار و كيف صار و ليه صار ...
اتصل علي بعد ما رجع من عندهم و قال لي أنه خطبها من أبوها مرة ثانية ...
موقفنا كان مرة محرج قدام بدر ... و هو يطالع فينا باستنكار عند باب غرفة أمه ... اللي خلى أخوي يختصر الوقت و الحرج و يروح لبو ثامر على طول ...
ما عندي أي فكرة .. عن كيف كانت ردة فعلهم و كيف تفاجأوا أو إش قالوا عن أخوي ... و أنا ... ما رح أعلق ... و ما رح أقول أي شي ....
بعدها ... ما جتني جرأة أرد أزور قمر ... و لا حتى أتصل اسأل عنها ... بس ظليت أتابع أخبارها من بعيد ...
و جا أخوي يضغط علي إني أزورها و أعرف رايها ... و أنا ما رضيت ...
................
بلغتني قمر بشي عجيب لما كنت عندها في الصباح ....
قالت ... أن سلطان رد عرض عليها الزواج أمس ... و أن أمها اتصلت عليها قبل شوي و قالت لها ...
أنه جا و كلم أبوها أمس العصر ...
- قمر ! معقول ؟ مو مصدقة ... و لا أعرف إش أقول ؟؟
قلت و أنا مذهولة ... و كانت قمر تراقب كل نظراتي كأنها خايفة أستنكر أو أصرخ عليها ...
أو أبدي أي إشارة تدل على اعتراضي ...
قلت منفعلة و بصوت عالي :
- ما هو عرض عليك الزواج بالسنة الماضية ... و ما صار نصيب ... ليش ... ليش ....
و قطعت كلامي ...
شفت قمر ... و حالتها الصعبة ... و التوتر ... و الصراع ... و كل المشاعر المضطربة و المتعارضة اللي تحوم حواليها ... و الدمعة ترفرف بعينها شوي و تسيل ...
قلت ... بلهجة أقرب للحنان و التعاطف ...
- أنت ِ ... وش رايك ... ؟
قمر غمضت عينها ... باستسلام لكل ذي المشاعر .... و ردت فتحتها و قالت :
- أكيد هو يحبني ؟ مو صح سلمى ؟ و إلا ليه يطلب يتزوجني مرة ثانية ...؟ يحبني مو صح ؟
و انفجرت عينها دموع مريرة و غزيرة ...
كلها ألم ... كلها حيرة ... كلها عذاب و حرقة ...
حضنتها بقوة و لطف في نفس الوقت ...
من 15 سنة و أكثر ... و هي بس تبي تتطمن إلى أن قلب سلطان يحبها ... حتى لو ابتعد عنها ...
تبي بس تحس أنه يحبها ... و أن مشاعرها صوبه ما كانت ضايعة هذر ...
رفعت راسها تبي كلمة مني تشجعها أو تطمنها ... و هي تسأل :
- تعتقدي إنه يحبني سلمى ؟ مو عرضه يعني أنه يحبني ؟ شوق تقول أنه يحبني ... يحبني مو صح يا سلمى ؟
رديت أواسيها ...
- يمكن ... الظاهر كذا ..
بس .... أنت ... ؟
طالعت فيني بنظرة قوية ... و قالت ...كأنها تطلع شي مكبوت بصدرها من سنين ...
- أنا ؟ تسألين يا سلمى ... ؟
أنا ... ما قدرت أنساه ... غضبا علي أحبه مو بيدي ... لو يدري ... لو يحس فيني ...
إذا صابه شي أنا أنتهي ... من ماتت بنته و أنا مت معها ... لو أقدر أعوضه عنها بأي شي ... بكل شي ...
بكل عمري يا سلمى ... بكل عمري ... تفهنيني ؟ ... تفهموني ...؟ أحد يفهمني ...؟
تكلمت مع أم ثامر ... و قلت لها أن قمر قابلة تتزوج سلطان ... و أنها تتمناه ... لكنها خايفة من كل شي ...
من كل الناس حواليها و مواقفهم منها ...
خايفة من بدر و عليه ...
خايفة من أهلها ...
و خايفة من منال ...
أكثر من 15 سنة من العذاب ... أظن ... في الأخير ... من حقها تتهنى و تعيش مع اللي تحبه ...
و ما لأي أحد ... أي حق في أنه يعترض ....
و في الواقع أمها و أبوها و حتى أخوها ... ما كان أحد منهم معترض ... رغم كل شي ... لأنهم كلهم عارفين بالوضع ... و خايفين على قمر و صحتها ... و ما شافوا فيه سبب قوي يمنع هذا الزواج ...
أما بدر ... و اللي كان أكبر مخاوفها ... و السبب في رفضها الزواج من سلطان العام الماضي ....
فتركته على جدته ... تقنعه .... و اللي صار ... إنه قبل بالأخير ...
يعني الحين كل الأشخاص المعنيين راضين بهذا الزواج .... إلا طبعا ... و بالتأكيد ... زوجته الأولى ....
منال ...
أما الشخص الغير معني ... و اللي وقف معترض على هذا الزواج بشدة ... كان ... أم يسام !
أبو ثامر كان يعز عمته أم بسام و يحترم رايها ... و كان بدر يحب جدته أم أبوه و متعلق بها كثير ...
كانت تقول : ( خلها تتزوج أي واحد إلا ذا ) و كانت تبي تأثر على بدر ... و تقول له أن أبوه بسام
غرق لأن قمر ما ساعدته و ساعدت سلطان ... بالتالي هو أخذ عمر بسام ... و بعد يبي ياخذ زوجته ؟
منطق غريب و متحجر ... بس اشوى ... ما قدرت تغير راي بو ثامر أو بدر ... خصوصا بعد ما
أنا قلت لهم أن أي احباط نفسي يصيب قمر ممكن يسبب لها تدهور شديد ... و يفجّر لها شريان جديد بالراس...!
بسم الله عليها إن شاء الله ما يصير ... بس كان لازم أخوّفهم شوي عشان يقتنعوا !
قمر كانت لسه بالمستشفى و الطبيب المشرف على علاجها ما وده يطلعها إلا بعد ما يعيد بعض الفحوصات
... و يشوف مدى استجابتها للعلاج ...
......................
هذه الهوشة صارت قدام عيوني في بيت أخوي ...
طبعا ... منال من عرفت اللي صار أعصابها انفلتت ...
اتصلت علي و هي منهارة ... و جيت أحاول أهدي فيها ... كانت تبكي و تقول إنه سلطان هاملنها
من شهور ... و الحين يجي يخطب وحدة ثانية ؟
بصراحة الحق معها ... سلطان .. و لا ألومه ... من أول مرض هبه الله يرحمها و إلى الآن
فقد نصف عقله ... و صار يسوي شغلات ... متهورة و جنونية ...
و احنا نتكلم جا سلطان ...
و لما شاف منال تبكي قال :
-ردينا ؟ يكفي يا أم نواف ما فيه داعي للدموع ...
منال بس سمعت صوته هاجت و ثارت ... تعبر عن غضبها بأقوى ما أمكنها ...
- تفكر بالزواج و بنتك ما مرت سنة على موتها ؟ أي أب أنت ؟
الكلمة ذي هيجت سلطان أكثر ... و قال بصراخ :
- ما أحد له أي حق يقول أي كلمة عني و عن بنتي ... و أنت أكثر وحدة عارفة إش كانت
تعني لي و إش اللي فقدته من يوم فقدتها ...
قالها أخوي بمرارة ... و هو يحاول يبعد ذكراها عن باله ... البنت ماتت لكن أخوي عايش و من حقه أنه يعيش ...
من حقه يمحي ذكرى الألم ... بفكرة زواج كان يتمناه من سنين ...
بس هالمرة سلطان يبي يتزوج قمر عشان ينشغل بها عن ذكرى هبه ...
منال صاحت :
- و أنا يا سلطان ؟ و أنا ؟
- أنت أنت ... ما شي تغير ...
- ابعدها عن تفكيرك يا سلطان أحسن لك ... طلعها من حياتنا نهائيا خلاص ...
- يكفي يا منال ...
- سلطان ... إذا بتتزوج وحدة ثانية ترجعني بيت أهلي ....
كانت القنبلة اللي ما تمنيت أسمعها يوم من الأيام ... مسكت يد منال و صحت :
-لا ... لا يا منال لا تقولي مثل هالكلام الله يهديك ...
- الدنيا مليانة رجال ... ما لقت إلا زوجي أنا تسرقه مني ؟ ما يكفي إني فقدت بنتي قبل كم شهر ...
بعد أفقد زوجي ... ؟ حرام عليك يا سلطان ... أنا وش ذنبي ؟؟
و الله لو تسويها أطلع من بيتك و لا أرده ...
أنا تقطعت ... توزعت أوصالي بكل مكان ... ما عدت عارفة أوقف مع من ... و إلا ضد من ... ؟
بيت أخوي شوي و يخترب ...
تبوني أوقف ساكتة كذا ؟
لا ...
لازم أروح لقمر ... و أقول لها : لا توافقي على الزواج ... الله يرحم والديك ...
" لا تموتـــــــــي !!! "
عرفت سبب زيارة بو نواف لأمي ذاك اليوم بالمستشفى !
في نفس اليوم زارنا البيت و خطبها من جدي . أنا تعجبت ! مع أنه الموضوع انعرض و انتهى السة الماضية ،
بس ما أدري ليه جانا مرة ثانية ؟ و أمي بعدها مريضة و صحتها ما استقرت !
سألت جدّتي : ( ليه جا مرة ثانية ! السنة الماضية أمي ردته ! ما تبيه )
و ردت جدتي : ( أمك تبيه . و هو بعد يبيها . الله يسعدهم و يوفقهم )
لما عرفت جدتي أم أبوي الله يرحمه و عميني ماجد و رائد اعترضوا كثير ... أنا بصراحة ما كنت أبي تتزوج أي أحد لأني ما أبيها تنشغل عني ! بس الدكتورة سلمى قالت لي أن أمي موافقة و إذا سببنا لها أي مشكلة نفسيتها رح تنهار و صحتها تتدهور ...
أنا كنت السبب اللي خلاها تمرض لذي الدرجة ... ما أعرف إش يعني لها هذا الـ بو نواف ،
بس ذاك اليوم لما شفتها تدوّر على ذيك الفصوص مثل المجنونة حسيت أن الموضوع أكبر من اللي أتصور
واحد من الفصوص علقته بسلسلة على رقبتها من ذاك اليوم و لا عاد شالته !
ودي أعرف وش قصتهم بس أخاف أسألها و تنزعج ...
جدي و جدتي و خالي ... كلهم وافقوا على طلب بو نواف ...
يعني لا قامت أمي بالسلامة رح تتزوج و تروح مع زوجها و تتركني !
هذا أكثر شي مضايقني ... بس ... ما لي شغل ... أباشترط عليهم إني أظل مع أمي وين ما تروح !
الإتفاق كان أنه أول ما تطلع أمي من المستشفى بالسلامة رح يجي بو نوّاف بيتنا و يتفق مع جدّي على كل شي ،
و أنا رح أقول لأمي أنها تشترط في عقد الزواج إني أظل عايش معها لين أتزوج !
...................
قابلتني قمر بابتسامة حلوة و خجلة ... كانت المرة الأولى اللي نلتقي فيها بعد ذاك اليوم ...
لما عرض أخوي سلطان عليها الزواج ....
- ما شاء الله شكلك اليوم أحسن ؟
- الحمد لله ... تحسنت بس الطبيب يبيني أظل لين نعيد الفحوصات مرة وحدة ... و إلا كان رجعت البيت !
أظن ... إن قمر متوقعة مني أسألها عن رايها بعرض أخوي ...و أن هذا السبب في زيارتي لها اليوم ...
شفت تورد خفيف على خدها ... و توتر على أطراف أصابعها ... أما نظراتها ... تخبّت تحت الأرض !
صرت أتأملها ... و أشوف تعابيرها ... و أراقب تحركاتها ...
و هي تلقائيا و لا شعوريا رفعت يدها اليسرى لعند صدرها و مسكت سلسلة كانت متدلية من عنقها
و صارت تقلبها بأصابعها بتوتر ...
و لمحت فص فضي ... واحد من فصوص سبحة سلطان ... معلق بالسلسلة ....
ما تحملت ...
كيف أقول لها : لا تتزوجي أخوي ....
و أنا عارفة ... و أكثر العارفين أنها تحبه و تنتظر هذا اليوم من كنا في الجامعة ... ؟
و زواجهم ... متقرر أنه ينعقد أول ما تطلع من المستشفى بالسلامة ... ؟
كيف أصدمها بطلبي ؟ كيف أكون السبب في انهيار جديد رح يصيبها لو قلت لها ... ابعدي عن سلطان ... ؟
تحيرت ...
ما قدرت اتحمل ...
و غصبا عني بكيت ....
قمر ... بس شافت بريق دموع بعيني فزعت ... و قالت بخوف :
- فيه شي شوق ؟
هزيت راسي ( لا )
ردت سألت :
- سلطان بخير ... ؟
رفعت عيني بعينها ... أكيد رح تسألين عن سلطان ... يا كثر تعلقك به ... كيف ما قدرتِ تنسينه بعد كل هذا العمر ... ؟
نفس النظرات اللي كنت أشوفها بعينها لما كنت أطري قدامها اسم أخوي بأي خبر يزعل ... أيام الجامعة ....
- سلطان بخير شوق ؟
ردت سألت ... و صبرها نفذ ... و هي على أعصابها ...
- بخير يا قمر لا تخافي ...
ارتاحت شوي ... و ارتخت عضلاتها المقبوضة نوعا ما ... و قالت :
- إيش فيه أجل ؟
نزلت راسي للأرض ... مو عارفة أداري أنه فيه شي ... ما أقدر أمثل أنه ما فيه شي ... و لا أقدر أقول ...
ايش اللي فيه ....
- شوق ... أقلقتيني .... ؟
قلت ... بعد تردد ...
-منال ....
كانت كلمة أكثر من كافية ...
قمر تيبست بمكانها ... و أطراف أصابعها اللي كانت ترتعش قبل شوي ... تجمدت ...
و نظرتها اللي كانت تبرق قبل شوي ... أظلمت .... و خدودها اللي كانت متوهجة قبل شوي ... انطفت ...
مديت يدي ... و مسكت يدها و قرصني الندم ...
أنا ليه كنت بها القسوة ؟
ليه مستكثرة على صديقة عمري ... لحظة سعادة ...؟
ليه قتلت البهجة اللي كانت عليها قبل ثواني ؟
ليه يا شوق ؟
ليه ؟
قمر سحبت يدها من يدي ... و استندت على مسند السرير ... و شاحت بوجهها للجهة الثانية ....
- قمر ...
ناديتها ، و ما ردت علي ...
- قمر ...
ناديتها مرة ثانية ... و قالت دونما تطالع فيني :
- اتركيني وحدي ...
- قمر ... أنا ...
- اتركيني وحدي شوق ....
وقفت ... و أنا كارهة نفسي ... بغيت أسلم عليها .... أصافحها .... بس هي ما مدت يدها صوبي لما مديت يدي صوبها ... و لا التفتت لي ... و لا ردت علي لما قلت :
- مع السلامة ....
مشيت شوي ... ببطء و أنا ودي أرجع أتكلم معها ... أبي أفهمها موقفي ... أنا ما عندي أي اعتراض على زواجها من أخوي بالعكس ...
أنا أكثر وحدة تعرف إش كثر هي تحبه و هو يحبها ... لكن ... ... ...
و أنا أفتح الباب في نفس اللحظة كان فيه شخص ثاني يفتحه من الطرف الثاني ...
و انفتح الباب و بان الشخص .... كانت سلمى ...
سلمى و أنا ما كنا على وفاق .... ما أذكر إني شفتها من وفاة بنت أخوي الغالية الله يرحمها ...
و لا كان ودي أشوفها لأن الجو بينا مشحون من سنين ...
سلمى اضطرت تسلم علي – و لو من غير نفس – كأني المسؤولة عن كل اللي صار لقمر ...
أنا رديت السلام ، و سألتها عن أحوالها و أحوال العمل و البيت ، من باب الأدب الاجتماعي لا أكثر ....
من زمان و أنا كنت أتمنى أي شي إلا إني أصادف شوق مرة من المرات ... و انقهرت كثير لما شفتها
طالعة من غرفة قمر .... بصراحة ... ما عدت أرتاح لشوفتها ....
سلمنا على بعض ببرود ... و استأذنت و راحت ... و دخلت أنا الغرفة أزور صديقتي الحبيبة و العروس الموعودة قمر ... و أشوف إيش آخر أخبار الزواج المنتظر !؟
جيت بابتسامة حلوة ... الابتسامة اللي تحبها قمر و تقول عنها ( ساحرة ) !
تذكرون ؟
المهم ...
ابتسامتي الساحرة ذي تحطمت تبخرت في الهواء لما شفت دموع قمر تسيل على خدها الهزيل ...
- قمر ؟؟؟ خير .... ؟؟؟
قمر ما ردت علي ...
مسكت إيدها و أنا مفزوعة عليها و كررت سؤالي بقلق :
- قمر ؟ إش صار ؟ علميني ؟؟
و بعد ظلت ساكتة ما يتحرك فيها إلا الدموع ...
آخر مرة تركتها ... كانت وردة بادية تتفتح على الحياة ... توه ... توه اللون الوردي بدأ يرجع لخدينها
بعد هجرة شهور ....
توها الابتسامة بدت تداعب شفايفها بعد مخاصمة طويلة ....
تو البريق صار يشع من عينها عقب مقاطعة مومنة ...
إيش صار لقمر ... ؟؟
أكيد شوق قالت لها شي متعس ...
- شوق قالت لك أي شي ؟
سألتها بقهر ... الجواب ما كان من لسانها بس كان من نبضات قلبها اللي تسارعت ... و أنا أحس بها و
يدها في يدي ...
- يعني شوق قالت لك شي مزعج ؟ أكيد عن سلطان ؟ إش قالت لك يا قمر ...
قمر هاللحظة سحبت إيدها و غطت وجهها بها تداري دموعها و بكت بحرقة ...
ما تحملت ... ثارت أعصابي ... فلتت من سيطرتي ... و قمت و أنا ( متأبطة شرا )
و طلعت من الغرفة بسرعة أبي ألحق شوق قبل ما تختفي ...
الحظ أو يمكن سوء الحظ ... حالفني ... و شفتها بالممر ...
كانت قريبة ... ناديتها ...
- دكتورة شوق ...
شوق التفتت لي ... و شفت الاستغراب على وجهها ... و قلت لها :
- ممكن تجي لحظة ...
حسيت التردد في حركتها بس ناظرها بنظرة تهديد و توعيد ... و جت لعند الباب و مسكت إيدها و
خليتها تدخل الغرفة و صكيت الباب ...
صرخت ... و أنا مستسلمة لموجة الغضب :
-ممكن أعرف أنت إيش قلت لقمر ؟ ؟
شوق طالعت فيني ببراءة مفتعلة ... و طالعت في قمر ... و اللي مسحت دموعها و انتبهت فجأة للهوشة المرتقبة !
كررت سؤالي بحدة :
- ممكن أعرف إش قلت لها ؟
- و لا شي ...
مسكت يدها بعنف و هزيتها ....
- إلا قلت لها شي و خليتها تنهار مرة ثانية ...
حرام عليكم اللي جالسين تسوونه فيها أنت و أخوك المنحوس ...
و الله أنه ما يستاهل شعرة منها بس حكم القلب ...
-سلمى !!!
صرخت فيني شوق و هي مندهشة و مصدومة و مستاءة و تحاول تسحب إيدها من إيدي ....
- إيش قلت لها يا شوق ؟ أخوك غير رايه و طلع مثل العيال ؟؟
شدت إيدها بقوة و صرخت بي :
- ما اسمح لك ... انتبهي لكلامك يا سلمى و لا تتجاوزي حدودك ....
- و الله ... لو هذا الزواج ما تم ... و صار شي بقمر ... و الله لتشوفوا مني شي عمركم ما شفتوا مثله
أنت و أخوك اللعين ...
- يكفي ....
كانت هذه صرخة جاية من قمر ....
شوق بعد ما فلتت أعصابها قالت :
- يتم الزواج و بيت منال ينخرب ؟ منال تهدده بأنها بترجع لأهلها لو هو تزوج قمر ... يرضي من هذا ؟
- يكفي خلاص يكفي ...
و هذه بعد كانت صرخة ثانية من قمر ... و اللي انشغلنا عن صرخاتها بهوشتنا أنا و شوق ....
أنا صرخت أتابع الهوشة بكل انفعال :
- و اللي قاعد يصير لقمر ... يرضي من ...؟؟ ... حرام عليكم حطمتوا المره ذبحتوها قضيتوا عليها الله يقضي عليكم كلكم يارب ...
كنت أصرخ ... بكل حرة ... بكل حرقة في قلبي على صديقة عمري المنكوبة ...
بكل آلام الماضي و آلام الحاضر ... بكل اللحظات اللي كنت أشوفها فيها تتحطم و تتعذب من كانت بنت بالجامعة و إلى اليوم ...
عشت معها مأساتها و عذاباتها كلها ... ما عرفت للسعادة طعم و سلطانوه هو السبب ...
يا ليته كان غرق في البحر بدل بسام يا ليت ... يا ليته مات بدل بنته ... يا ليته انشل بدل قمر ...
يا ليت ربي يقضي عليه و نرتاح منه ...
-يا ليت ربي يقضي عليه و نرتاح منه ...
طلع تفكيري بصوت عالي مع ثورة انفعالي ... قلتها بأعلى صوتي من الحرة اللي بقلبي و الحرقة و الحسرة
على صديقتي ...
ما حسيت لنفسي و أنا أقولها ... و لا اكتشفت أني قلتها إلا بعد ما جت الصرخة الثالثة من قمر ....
و اللي بعدها ... دخلت في نوبة تشنج خطيرة .....
......................
سلمى ... كانت واقفة قدامي تصرخ بوجهي و تدعي على أخوي أن ربي يقضي عليه .... أنا ...
كنت أبي أصرخ بها أو حتى أصفعها على وجها بعد الكلام اللي قالته ... بس ما مداني أسوي شي ...
لأن قمر فجأة صرخت
- لاااااااااااااا
صرختها كانت قوية و متواصلة و التفتنا صوبها ... و شفنا إيدها تهتز بعنف .... و رأسها يرتفع و يصلب ...
و ظهرها ينشد بقوة ... و عينها ترف بسرعة ....
أنا بس شفتها شهقت بقوة ... و وقفت بمكاني أرتجف من الخوف ....
و سلمى راحت لها بسرعة و مسكتها و هي تصرخ :
- قمر ... قمر ...
و بسرعة ضغطت على زر الاستدعاء ... و جت الممرضة تركض ... و سلمى تصرخ
- تشنجت ... تشنجت ...
في ثوان ... وصل الطبيب المسؤول ... و اعطاها جرعة كبيرة من علاج التشنج ... و لا استجابت ...
و كرر الجرعة مرة ثانية و ثالثة ... و عقبها نقلوا قمر بسرعة لغرفة العناية المركزة .....
الموقف ذا تكرر علي مرة من قبل ...
لما تدهورت صحة بنت أخوي و نقلوها للعناية ... و لا رجعت منها ....
و أنا أرتعد .... و ما أذكر أن رجلي تحركت بس شفت روحي معهم ..
. بالعناية المركزة و الكل ملتم حول سرير قمر ....
و سلمى حاطة يد على قلبها و اليد الثانية ماسكة بها يد قمر ...
قمر ... بتموت ....
ما أدري إيش سويت ؟
شفت أخوي سلطان قدام عيوني ... رميت نفسي بحضنه و أنا أصيح .... و أنا أصرخ ...
-قمر بتموت يا سلطان ...
قمر بتموت خلاص ....
شديت عليه بقوة ... بقوة ... كأني أمسك روح قمر لا تطلع ... كنت أرتجف ...
أحس بجسمي كله يتراقص بين ذراعين أخوي ....
أخوي ... هل هذا أخوي ؟ اللي أنا بحضنه الحين ؟
من وين جا ؟ كيف جا ؟
أنا اللي اتصلت عليه و قلت له : ( قمر بتموت ) ... كأني أنا اللي اتصلت ... ؟
وين جوالي ؟
وين الشنطة اللي كانت بإيدي ؟
أنا من طلعني برى غرفة العناية المركزة ... ؟
أنا واقفة على الأرض ؟ و إلا طايرة بالهواء ؟ و الا أخوي شايلني ؟
كثير المرات اللي أشوف فيها نفسي فجأة أصحى من النوم .... و أطالع من حولي و أكتشف أني بالمستشفى ....
و هذه مرة من المرات ....
كانت أصوات طنين الأجهزة حوالي تأكد لي أني في العناية المركزة ....
سقف الغرفة حفظته ... لأنه أقرب شيء كانت عيوني تتأمله طول الوقت ....
أحس بألم في ذراعي الأيسر ... أكيد هذا مكان إبرة السائل الوريدي اللي موصل بعروقي ....
و اللي أشوف عبوته تنقط شوي شوي ....
أقطاب جهاز مراقبة النبض مضايقتني ... ودي أشيلها ...
الشرشف الأبيض كان خفيف ... عشان كذا أحس بالبرد في أطرافي ... و أحس قدمي متجمدة ....
أبي بطانية أثقل شوي ....
- كيفك ؟ حمد الله ع السلامة
هذا كان صوت الممرضة اللي جالسة قربي ... صوتها يشبه صوت زوجة أخوي ثامر !
ولدي بدر ... ! أوه أنا في أي يوم ؟ بأي وقت ؟ كم الساعة ؟ ولدي بدر ودي أشوفه ...
-كم الساعة ؟
سألت الممرضة ، ابتسمت و قالت :
-2الظهر ! يعني قربتي تكملي يوم كامل من النوم !
جلست ... و طالعت بالستارة اللي تحجبني عن بقية المرضى ... طالعت يمين و شمال ....
وين سلمى ؟ وين شوق ؟ كانوا معي ؟ أو كنت أتخيل ... ؟؟
سألت الممرضة :
- سلمى كانت هنا ؟
- الدكتورة سلمى ؟ كل شوي تجي تتطمن عليك و تروح ! بس وصتني أكلمها لما تصحي ...
و بسرعة هزيت راسي ( كلميها )
دقايق ، و كانت سلمى عندي ... أول ما شافتني تهلل وجهها و انشرح ... و ابتسمت ابتسامتها الحلوة
الساحرة و اللي تنسيني الدنيا و همومها ....
جت عندي و طوقتني بذراعينها بقوة .... و هي تردد :
- حمد الله على السلامة يا قمر ... ألف ألف ألف الحمد لله على السلامة ....
و بدت تبكي ... مسكت وجهها و مسحت على راسها و قلت أطمنها :
- أنا بخير .... !
ضحكت ، و شدت علي و هي تردد :
- نعم بخير ... الحمد لله .... الحمد لله ....
- وين شوق ؟
سألتها ... أذكر أنني ... إذا ما كنت أحلم ... شفتها مع سلمى ... ثنتينهم على جنبيني ... أيش كان الوقت ؟
ما أذكر ... أكيد الليل ... أكيد الطبيب عطاني جرعة كبيرة من مضاد التشنج خلتني نايمة طول الوقت ....
أذكر بعد ... أنهم ... سلمى و شوق ... تهاوشوا قدامي .... و تصالحوا بعد قدّامي ...
و أذكر بعد ... بعد إيش ... ؟ كأن شوق قالت .... أنه ... سلطان عقد زواجنا ؟
لا ... ! هذا أكيد جزء من حلم .... !
- شوق ؟ بالبيت ، بس توها كلمتني و قالت أنها جاية العصر مع سلطان يزوروك !
يزوروني ؟ سلطان و شوق ... ؟ سلطان جاي يزورني ... ؟ أنا ... أكيد بعدني أحلم ... بس ...
بعدني أحس بالألم مكان إبرة المغدي .... معقولة يكون حلم محسوس ...؟
التساؤل و الحيرة كانوا ظاهريين على وجهي ... و سلمى ... و بما أنها تعرفني زين فهمتني على طول ....
ابتسمت مرة ثانية الابتسامة الحلوة ... و قالت :
- يزوروك و يجيبوا معهم حلوى السلامة و حلوى الزواج !
الدنيا لفت بي ... راسي صار يدور ... و عيني تدور .... و السقف اللي فوقي بعد يدور ....
طنين الأجهزة وصل حده ... و تجاوز إشارة الخطر .... الممرضة صارت تراقب بقلق مؤشرات الأجهزة ...
و الابتسامة اللي على وجه سلمى تلاشت و علا مكانها قلق صارخ ...
- قمر .... اهدئي ...
ما قدرت أتكلم .... جت كلماتي متقاطعة مو مصدقة ... ما هو حلم ؟ صحيح ؟ سلطان ... سلطان ...
تزوجني ؟ .... سلطان ... صار ... زوجي ؟؟؟ سلطان ... جاي يشوفني .... ؟؟؟
....................
سلطان .... و حتى شوق .... اثنينهم أصروا أن عقد الزواج يتم بسرعة ... عشان يقدر سلطان يزور الدكتورة و يتطمن عليها ... لين الله يشافيها و تطلع من المستشفى ... و نعلن الزواج رسميا في حفلة صغيرة ...
طبعا القرار جنوني ... بس أنتوا شفتوا كل أنواع الجنون اللي مرت على ها الرجال من أول ما ماتت بنته الله يرحمها ...
أو حتى من أول ما بدا القمر يبلغه السلام !
سلطان الحين كاشخ بلبسه ... و ماسك السبحة الفضية بيده .... و واقف يراقب الساعة على أحر من الجمر ....
شوق اتصلت أكثر من مرة بالمستشفى تتطمن على الدكتورة ... و كلها كم دقيقة و يروح الرجال يشوف
( زوجته ) الجديدة أخيرا !
ضحكت ...
ضحكت بقوة ... و صار سلطان و شوق يناظروني باستغراب !
- وش فيك ياسر ! لا تكون جنيت ؟
قالت شوق ، و في الواقع اللي جن ... هو سلطان و شوق معه ... بس مالي دخل ...
خله يتزوجها يمكن يرتاح و يريحنا أخيرا ؟
- أبدا شوق ! بس أتخيل نفسي مكان سلطان ... لا بس و كاشخ ... معرس ... رايح أشوف عروسي الجديدة !
و الله وناسة !
شوق عصّبت و طالعتني بنظرة توعيد ! و ضحكت زيادة ....
بصراحة ... هذا أغرب زواج شفته بحياتي ....
و أنا أشوف سلطان قدامي الحين .... و هو يراقب الساعة و كل شوي يعدل الغترة و العقال ....
حسيت بندم ...
ندم لأني سخرت منه كثير .... و اعتبرت كل اللي كان يسويه و يحس فيه مجرد جنون ....
من قبل 15 سنة ... و أنا أحضر زواجه الأول ... كنت أشوف عليه نظرة شرود....
كان سرحان ... كأنه مو مهتم بالوضع اللي هو فيه ....
أذكره بعد .... بعد الحادث المشؤوم ... بعد ما عرف أن بسام غرق .... و كيف أنه صار يقول :
- ( أنا المسؤول عن قمر و لازم أتزوجها .... )
و يوم ظهرت بحياته من جديد و صار متعلق بها أكثر ... و يقول :
- ( أنفاسها بعدها بصدري أحس فيها من ذاك اليوم ... )
شفتوا لعبة القدر !
نهاية المطاف ... سلطان و قمر تزوجوا !
الله يهنيهم و يتمم لهم على خير ... !
أمس ... لما كنا بالمستشفى ... كان وده يدخل يشوفها ... و طلع مع أهلها و ما رد إلا و عقد الزواج تام ...
اللي أنا خايف منه .... و شوق بعد خايفة و مرعوبة منه ... أن قمر يصيبها شي أو حالتها تسوء أو تموت لا قدر الله .... و الرجال ينتهي ....
-ها أخوي ... ؟ مشينا ؟
قالت شوق و هي تطالع الساعة ....
-توكلنا على الله ....
و هم جايين يطلعوا عند البوابة .... رن هاتف شوق – و اللي كانت الممرضة أخذته منها أمس و هي بغرفة العناية المركزة لما اتصلت علي ، و قفلته و ظل مقفل لقبل ساعة – رن ... و بس شافت شوق رقم المتصل انتفضت ...
- هلا ... منال ...
بس قالت العبارة ... كلنا انتفضنا ....
أم نواف ما كان لها أي ذنب في القصة بكبرها ...
بس هذه هي الدنيا ....
سعادة ناس تنبني على تعاسة ناس ...
يوم لك و يوم عليك ....
و اعتقد أنه من حق هالرجال أنه يتهنى أحيرا بالمرة اللي كان عاشقنها من قبل ما يتزوج اول مرة ...
و الله يعين ....
............................
تقطع قلبي مع منال و هي تكلمني منهارة ...
إيش بإيدي ؟
منال ... إذا تحبي سلطان خليه يتزوجها يمكن ... الله يرزقه السعادة اللي انحرم منها من يوم مرض بنته الله يرحمها ....
انهيت المكالمة معها بكلمتين ....
- ( المقدر لازم يصير ) ....
و رحنا أنا و أخوي للمستشفى ...
أمس ... قمر بغت تموت قدام عيوني .... كانت هذه أول مرة أشوف نوبة التشنج تجيها .... الله يعلم ....
كيف انقضت علي الساعات لهذه اللحظة ....
أخوي وقف بمحل الورود و اشترى باقة حلوة ... و اشترى بعد علبة حلوى كبيرة ...
و رغم أنه كان يحاول الظهور بمظهر المتماسك .... كنت أشوفه مقطع و منهار و متبعثر في كل مكان ....
كنت متأكدة ... أنه خايف أكثر مني بعشر مرات ... أن قمر ... لا قدر الله ... تموت ....