5- إن تراجم البخاري مما اختلف فيها العلماء، مع كونهم قد أجمعوا بأن منها مالم يندرج تحته أي حديث أو أثر أو كلام أو دليل، ومنها ماهو غامض، ومنها ماهو مبهم، ومنها ماهو ليس في محله، حتى ألّفت كتب وشروح توضح تراجم البخاري وتحاول بيان علاقتها بالاحاديث المدرجة تحتها، مثل (المتواري في تراجم البخاري) و(مناسبات تراجم البخاري) و(نصر الباري في شرح تراجم البخاري) و(مناسبات أبواب تراجم البخاري) و(شرح تراجم البخاري) و(فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة) و(ترجمان التراجم).... وغيرها وهذا يكشف عن إجمال وإبهام وعدم وضوح بل أخطاء في تراجم البخاري للأبواب والأحاديث، بل هو ناتج عن تصرف رواة صحيح البخاري في نسخ الكتاب التي وصلت اليهم ناقصة غير كاملة وتحتوي على بياضات في التراجم أو الاحاديث، فتصرف الرواة في النسخة الوحيدة التي وصلت اليهم من صحيح البخاري وهي نسخة الفِرَبْري لانها كانت مسودة على أغلب الظن وليست كاملة، فكان الاخلال والخلل فيها واضحاً مفتضحاً فلم يستطع رواته تركه على حاله فأصلحوه على ظنهم واجتهادهم، ولكنهم على الظاهر قد زادوا الطين بلّة فتورطوا وورطوا، حتى قام من قام من المتأخرين بترقيع ذلك بالشروح والكتب الخاصة والتأويلات البعيدة والتكلف الذي لا داعي له ولا موجب لولا ذلك النقص وتلاعب الرواة بالكتاب.
تدليس البخاري
6-فقد اعترف أئمة الحديث والرجال بتدليس البخاري وذكروا روايته عن محمد بن يحيى الذهلي الذي طرد طرد البخاري من نيسابور وأمر بطرده من كل البلدان المحيطة به والقريبة منه وأمر الناس بترك التحديث عنه.
قال العيني في (عمدة القاري 1/47): ((وروى (البخاري) عن محمد بن عبد الله، هو الذهلي عنه في مواضع قاله أبو نصر الكلاباذي وقال المقدسي تارة يقول حدثنا محمد ولا يزيد عليه وتارة محمد بن عبد الله وإنما هو محمد بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي وتارة ينسبه إلى جده فيقول محمد بن عبد الله وتارة محمد بن خالد بن فارس ولم يقل في موضع حدثنا محمد بن يحيى)).
وقال العيني أيضاً في (عمدة القاري 8/12): ((الاول: محمد قال الكلاباذي: روى البخاري عن محمد بن أبي سلمة غير منسوب في (كتاب الجنائز) يقال انه محمد بن يحيى الذهلي. وقال في (أسماء رجال الصحيحين): محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن .... الذهلي النيسابوري روى عنه البخاري ... في قريب من ثلاثين موضعاً ولم يقل: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحاً ويقول: حدثنا محمد ولا يزيد عليه ويقول محمد بن عبد الله ينسبه إلى جده ويقول: محمد بن خالد ينسبه إلى جد أبيه...)) وقال العيني ذلك أيضاً في (عمدته 13/270) ، وفي (14/194) قال: روى عنه البخاري في مواضع يدلسه.
وقال العيني في (عمدة القاري أيضاً 1/47): ((أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري نسبه البخاري إلى جده يدلسه)). (وهذا مطعون فيه ولم يوثقه إلا ابن حبان)
ثم قال (7/136): ((وقال الاسماعيلي: رأى البخاري أول الارسال من الليث أقوى من روايته عن أبي صالح عن الليث ولم يستخبر أن يروي عنه. قلت (العيني): هذا الوجه الذي ذكره فيه نظر، لأن البخاري روى عن أبي صالح في (صحيحه) على الصحيح، ولكنه يدلسه فيقول: حدثنا عبد الله ولا ينسبه وهو هو وقد ذكره السرخسي في نسخته للبخاري دون صاحبيه)).