العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

الصورة الرمزية صدى المهدي
صدى المهدي
عضو فضي
رقم العضوية : 82198
الإنتساب : Aug 2015
المشاركات : 1,630
بمعدل : 0.44 يوميا

صدى المهدي غير متصل

 عرض البوم صور صدى المهدي

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي رؤيا الظهور «إنَّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً»
قديم بتاريخ : اليوم الساعة : 09:20 AM



تمهيد:
قال تعالى في كتابه الكريم: (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَراهُ قَرِيباً) (المعارج: ٥ - ٧).
ورد في تأويل هذا المعنى أنَّ المرئي هو ظهور الإمام المهدي عليه السلام، جاء في زيارة آل يس: «اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة...، وعجِّل لنا ظهوره، إنَّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً...»(١)، وجاء في آخر فقرات دعاء العهد: «إنَّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً».
فيُقسِّم الإمام عليه السلام تبعاً للآية المنتظرين إلى قسمين أساسيين: فمنهم من يرى قرب التطبيق الكامل للشريعة الخاتمة بظهور الإمام المهدي عليه السلام، ومنهم من يرى بعده. وهذا هو الفهم الأساسي والمتبادر من النصِّ.
وهل يشمل هذا التقسيم - كما سوف نرى - المؤمنين بظهور الإمام عليه السلام أم هو أوسع من ذلك فيشمل ربَّما من ليس لهم دين أصلاً؟
أقسام البحث:
البحث قسمان: الأوَّل: في أنواع الرؤى، والثاني في أصناف المنتظرين، مع ملحق بالمقوّمات التي أبقت ولادة الأمل.
القسم الأوَّل: في أنواع الرؤى
فما هي الرؤية المقصودة في العبارة الواردة في «يرونه»؟
في الحقيقة لدينا عدَّة أنواع من الرؤى يمكن أن يصلح أحدها أو بعضها كجواب لهذا السؤال:
النوع الأوَّل: الرؤيا الحسّية.
النوع الثاني: رؤيا المنامات.
النوع الثالث: رؤيا مبنيَّة على الأماني.
النوع الرابع: رؤيا مبنيَّة على التحليل العقلي لأحداث التاريخ وفلسفته.
النوع الخامس: رؤيا قلبية.
النوع السادس: رؤيا مبنيَّة على الوعد الإلهي بتحقيق العدل الكامل بظهور الإمام المهدي عليه السلام.
أجوبة هذه الأنواع:
جواب النوع الأوَّل:

ليس من المعقول أن يرى المنتظرون للإمام المهدي عليه السلام بأعينهم ذلك اليوم باعتباره ليس أمراً مادّياً، إلَّا أن يتحقَّق فعلاً ويرون آثاره بظهور الإمام عليه السلام نفسه. وهنا تكون المسالة تحصيلاً للحاصل، إذ ليس لهم ميزة عن غيرهم، والآية والرواية تُقسِّم هؤلاء المنتظرين إلى قسمين، فالصالحون يرونه قريباً، والطالحون يرونه بعيداً. إلَّا إذا قلنا بالاطِّلاع الحسّي لبعض الصالحين على مقدّمات الظهور، ويردُّ هذا القول التقابل الموجود في العبارة، حيث جاء فيها (يَرَوْنَهُ بَعِيداً)، فماذا رأى السيّئون حتَّى حكموا أنَّ موعد الظهور بعيد؟ فمن خلال وحدة السياق يظهر أنَّ هناك تماثلاً من جهة الرؤى بين الفريقين، فليس من المعقول والعدل والمصلحة أن يطَّلع أعداء الظهور على بعض تلك المقدّمات، وهم يعملون بكلِّ جدٍّ على تأخيره، بل وزواله.
جواب النوع الثاني(٢):
وفيه عدَّة ردود:
الردُّ الأوَّل:
لو كانت الرؤيا طريقاً وعلامة لمعرفة زمن الظهور لذكرها أئمَّتنا عليهم السلام:
إنَّ الأئمَّة عليهم السلام لم يذكروا لنا ولا في رواية واحدة أنَّ أحد طرق معرفة موعد الظهور هو الرؤيا. وبما أنَّ وظيفتهم الأساسية هي هداية البشرية، وأنَّهم بيَّنوا في عشرات الروايات ووضعوا عدَّة قواعد وعلامات تدلُّ على قرب الظهور، فمن السهل عليهم جدَّاً بل وطبقاً لتكليفهم الإلهي أن يقولوا: من أراد أن يعرف موعد ظهور إمامه وحجَّته فنحن نُخبِره في النوم. وبما أنَّهم لم يقولوا لنا ذلك إذن الرؤيا ليست طريقاً في تحديد قرب الظهور أو بعده.
الردُّ الثاني: كذبوا، فإنَّ دين الله أعزُّ من أن يُرى في النوم:
عن محمّد بن يعقوب...، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: «ما تروي هذه الناصبة؟»، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: «في أذانهم...»، فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم، فقال: «كذبوا، فإنَّ دين الله أعزُّ من أن يُرى في النوم»(٣).
فجواب الإمام الصادق عليه السلام هو أنَّ من يرى دين الله سبحانه بالنوم فهو (كاذب)، ويرى دين الله أي يُؤسِّس في دين الله تعالى ويبني دين الله على الرؤيا..، (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (النجم: ٤ و٥).
النتيجة: من يدَّعي أنَّ أحد مستحبّات الدين منشأها رؤيا فهو كاذب حسب وصف الصادق عليه السلام، فما هو وصف من يدَّعي معرفة وتحديد ما يقف تحقيق الدين ورسالات السماء على ظهوره عن طريق الرؤيا؟
الردُّ الثالث:
وفيه عدَّة مقدّمات:
الأُولى:
إنَّ من الثابت في تأريخ الأديان اختلاف معاجز وحجج إثبات أنبيائها، ومنشأ الاختلاف كما بيَّنه كثير من العلماء هو لاختلاف مستويات المجتمعات المعاصرة لأُولئك الأنبياء على الصعيد الثقافي أو الإيماني أو الفكري، وما يزامن تلك المستويات من عادات وطقوس ومستوى الوعي الذي يتمتَّعون به، وقوَّة إراداتهم لتحقيق ما يعونه من أهداف أو يؤمنون به من مبادئ. معجزة موسى عليه السلام مثلاً هي الأفعى وهي تتناسب مع السحر في زمانه، وكذلك غيره من الأنبياء كعيسى ويوسف عليهما السلام.
الثانية: إنَّ المجتمع الإنساني في تدرّج مستمرّ في كماله، وخصوصاً في نقطتين أساسيتين: وعيه وإدراكه، وحرّية إرادته. وفي كلا الاتِّجاهين العمق والسعة، أي تعميق هذا المعنى في الإنسان كفرد وسعة شموله لعدد أكبر من الأفراد. إذ للإنسان القابلية على الوعي والإدراك يمكن أن تتكشَّف عبر التدرّج التاريخي للإنسان. وقوَّة إرادة يمكن أن تكبر وتتضخَّم وفق ظروف معيَّنة لتتناسب وهدفه الذي يسعى له.
الثالثة: الله تعالى يهدي الإنسان وفق عدَّة طرق، منها أن يُوجِّه إليه خطاباً ظاهراً محدَّداً عبر أنبيائه، أو أن يُحفِّزه ويحثّه على التدبّر والتفكّر في آياته علَّه يهتدي إلى دلائل قدرته.
الرابعة: وهي أهم المقدّمات، ويمكن أن تُسمّى مرحلة انفتاح الغيب على الواقع وبالعكس.
وبيانها: أنَّ معجزة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم هي القرآن، وهو عبارة عن نصٍّ إلهي، والنصُّ يعتمد في أحد أركانه على مستوى الوعي والفهم لقارئه. بالإضافة للركن الأساسي الثاني، وهو تجسيد مفاهيم الخطاب الإلهي في الواقع العملي للإنسان.
ولو أعدنا النظر في طريقة فهم الإنسان لمراد الله تعالى نجد أنَّها تنقسم إلى مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأُولى: ما قبل نبوَّة نبيِّ الإسلام محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم:
وتتمُّ عن طريق بعث الأنبياء والرسل كلَّما احتاج الإنسان إلى تجديد منظومته التربوية. وما هذا التدرّج في طريقة الخطاب الإلهي عبر تلك المراحل إلَّا إثباتاً للسُّنَّة التاريخية والاجتماعية المارَّة الذكر القاضية برقيِّ الإنسان وتكامله عبر الزمن.
المرحلة الثانية: مرحلة النبيِّ الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلم وما بعدها:
إذا لاحظنا المفردات المتعلّقة بمسألة الإدراك والوعي والفهم الإنساني، والتي تكشف عن طبيعة الخطاب الإلهي في مرحلة القرآن وما بعدها، وما تحاكيه من قوى الإنسان المناسبة لها بالنسبة للفرد المعاصر لنزول القرآن ومن يأتي بعده، لوجدنا أنَّ المفردات المتعلّقة بالعلم والتعلّم والتفكّر والتدبّر والتعقّل والتفقه جاءت أكثر من أربعمائة مرَّة تقريباً، وهي ألفاظ تؤكّد على جنبة الفهم والإدراك البشري المعاصر واللاحق لزمن الخطاب القرآني، بالإضافة إلى ألفاظ كثيرة قريبة من هذا المعنى قد انطوى عليها النصُّ القرآني. وإنَّ التركيز المكثَّف على هذه المفاهيم في كتاب الله إنَّما يكشف عن مرحلة جديدة من الوعي انتقلت إليها البشرية، وأصبحت لها القدرة على التعامل مع النصِّ، ولها القدرة على أن تحاكي المعاني المكنونة فيها - بعد ضمِّ بيانات أهل البيت عليهم السلام التي حفظت ذلك التراث المُنزَل تأويلاً -.
والفرق الجوهري بين هذه المرحلة والمرحلة السابقة، هو أنَّه في المرحلة السابقة تبعث السماء نبيَّاً كلَّما احتاجت البشرية لذلك، وفي هذه المرحلة وكلَّما احتاج الإنسان إلى معنى جديد يساير به خطّ الكمال العامّ للإنسانية في خطّها الطويل لا بدَّ من اعتماد الفهم والإدراك عبر التدبّر والتفكّر للوصول للعلم واليقين بمضمون الخطاب الإلهي، سواء كان مباشرةً عبر كتابه أو عبر من يُمثِّلونه، والنصُّ بدوره ينطوي على كلِّ ما يحتاجه الإنسان من معاني ومفاهيم ترفد حاجاته المتطوّرة.
إذن المرجع هناك الوحي وهنا التدبّر في النصِّ والخطاب الإلهي، وتجسيد الخطاب عملياً يواكب المرحلتين، وهو مطلوب في كلِّ الأزمنة والأمكنة ولا يختصُّ بمرحلة دون أُخرى.
وبعد تقدّم التاريخ إلى هذه النقطة الزمنية المعاصرة والتي تأتي بعدها، يُفتَرض وحسب قاعدة تطوّر البشرية وتكاملها، أنَّه قد زاد مستوى وعيها وإدراكها حتَّى عن زمن من عاصروا الرسالة باستثناء قادة الخلق وعِدل القرآن من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم والمخلِصين من أتباعهم، فضلاً عن زمن ما قبل رسالة النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم، فما بالك بعدَّة آلاف من السنين قبلها؟ فلا بدَّ من رقيِّ جانب الفهم والإدراك البشري المباشر، ليلائم مرحلة ما قبل الظهور المبارك، لكي يناسب في حجمه، المفاهيم العليا التي سيكشف عنها الإمام المهدي عليه السلام بعيد ظهوره المبارك.
نعم إنَّنا لا ننكر الرؤيا أصلاً، فهي قد وردت في كتاب الله تعالى، وكذلك في بعض الروايات الشريفة، لكن نفس هذه الروايات التي تُعتَبر حجَّة علينا قد حدَّدت دور الرؤيا من منظومتنا الإيمانية، فيمكن أن تحصل الرؤى للإنسان في بداية سفره الإيماني، فقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حين اشتكى له أحد أصحابه انقطاع الرؤيا، قال: «لا تغتم فإنَّ المؤمن إذا رسخ في الإيمان رُفِعَ عنه الرؤيا»(٤)، ودورها في المنظومة التشريعية، كما مرَّ عن الصادق عليه السلام.
النتيجة:
لا بدَّ أن يكون مستوى الوعي والإدراك المعرفي بالله والدين، وكذلك مستوى إرادة الإنسان لتحقيق ذلك، تتناسب والزمن المعاصر لتلك الدعوة. ويُفتَرض حسب القواعد السابقة أنَّ البشرية قد ارتقت بوعيها وإرادتها في علاقة متبادلة بين الغيب والإنسان فهماً وانفتاحاً وانسجاماً مع ذلك الغيب، من خلال تربية المصلحين السابقين على النبيِّ الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلم، ثمّ جاء هو صلّى الله عليه وآله وسلم متمِّماً لمكارم أخلاقهم، وتجسيد أهل بيته لتلك الأخلاق، فنتج: الرقيّ في طريقة التعامل مع الغيب في أساليب قد رسمتها السماء مسبقاً من خلال إثارة قابليات مودَعة في الإنسان تتناسب والهدف الأسمى لخلقه، مع الحفاظ على تواصل الإنسان مع الغيب على طول خطّ رقيّه.
أمَّا ما ورد من نصوص حول الرؤيا فهي تتعلَّق بإرشاد الإنسان في بداية طريقه الإيماني نحو ما هو ثابت أصلاً في أدلَّة لا تقبل التاويل.
جواب النوع الثالث: الرؤية المبنيَّة على الأماني:
يتَّصف قسم من الناس بحالة من الضعف والتردّد في تطوير مهارات تكامل إراداتهم، إلى درجة أنَّهم يحبسون تلك الأهداف العليا والراقية للإنسان في خبايا أنفسهم، ولا تتعدّى مرحلة الأُمنية، ولم يُتعِب نفسه في تهيئة المقدّمات الموصلة لتلك الأهداف.
فمن يُؤسِّس لها منهج يمكن أن يؤدّي بالنهاية لبلوغها، فهذه من الأماني المحترمة لدى العقلاء، وتنطبق تلك الأماني عادةً على الأُمور المادّية قريبة المنال، أو المتعلّقة بشخص الإنسان، أمَّا إن كانت تتعلَّق بمجموعة من البشر، أو بالبشرية جمعاء من جهة، كنصرة المصلح العالمي، ومن جهة أُخرى تتعلَّق بتربية الإنسان نفسه تربية عالية يضبط من خلالها كلّ حركاته وسكناته، وهو لم يقم بأيِّ مقدّمة توصل لتلك النتيجة سواءً على الصعيد الاجتماعي أو التربوي، فهذه تُعَدُّ من الأماني المستحيلة.
جواب النوع الرابع: رؤيا مبنيَّة على التحليل العقلي لأحداث التاريخ وفلسفته:
إنَّ المتتبّع لأحداث التاريخ والأُمم السالفة، يعلم أنَّ لها ثلاث مراحل أساسية، وهي: نشأتها، وذروة سيادتها وتسلّطها، وانهيارها. وإنَّ لنشوئها أسباباً موضوعيةً، وكذلك لبقائها وزوالها. وقد انطبق هذا القانون على كلِّ الحضارات السالفة الصالحة منها والسيّئة، وهناك تشابه كبير بين تلك الأسباب والعوامل، يتكرَّر بين الفينة والأُخرى، وعند توفّر هذه العوامل فإنَّ القانون سيُطبَّق عليها شاء الحاكمون عليها أم أبوا.
وقد حثَّ القرآن الكريم كثيراً على التدبّر في أحوال الأُمم السالفة، وأخذ العبرة والموعظة منها وممَّا جرى عليها من خير وشرّ، وكيف آلت أُمورهم بعدما ظنّوا أنَّ ملكهم لا يزول، قال عزَّ من قائل:
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (فاطر: ٤٣)، وقال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران: ١٣٧).
وكان جُلُّ من تسيَّدوا العالم وشيَّدوا الدول يجهلون الأسباب الحقيقية لبقاء دولهم، حيث ربط أغلبهم تلك الأسباب بالقوَّة والقهر لشعوبهم، سواء قوَّة السلاح أم قوَّة الاقتصاد، أو الإغراء المفرط، أو استعملوا سياسة ضمان تأييد النخبة. هذا بالنسبة للحكومات الوضعية.
والحكم الحقيقي هو ما يرتبط بتقنين وتوجيه جميع كيان الإنسان وفي أدقِّ تفاصيل وجوده الروحية منها والعقلية والعاطفية والسلوكية والاجتماعية، وعلى جميع أفراد بني البشر، توجيهه لينسجم مع القوانين الكونية التي خُلِقَت من أجله، والسير بهما إلى حيث الهدف الذي خُلِقَ من أجله.
فإن حصل وارتقت البشرية بوعيها وإنسانيتها إلى درجة ترفض فيها بصوتٍ عالٍ الظلم السائد في أغلب المجتمعات، فقد مهَّدت بذلك أهمّ أسباب حكمها الحقيقي الراسخ، المبني على بناء الإنسان بناءً حقيقياً، ويتغلغل لديها تقبّل مستويات تربوية عليا وعميقة لم تصل إليها الفلسفات وأصناف الحكم السابقة.
ومن لديه القدرة على فهم هذا القانون وقراءة الواقع البشري، ومستوى كماله العامّ، وبعد اطِّلاعه على العشرات من تجارب الحضارات السابقة في نشاتها وازدهارها وأُفولها يدرك جيِّداً إلى أيَّة مرحلة وصلة البشرية من الوعي والإدراك والإرادة، في تقبّل ورفض تجارب مماثلة.
نعم تُمثِّل هذه الخطوة جزءاً من الصورة الكلّية للكمال الحقيقي المطلوب والمناسب لقيادة الإمام عليه السلام، والتي لا يعلم إطارها العامّ إلَّا الله تعالى ومن نصَّبه خليفةً وقائداً للبشرية، والتي ربَّما يوجد هناك أسباب ومؤثِّرات مسرعة للكمال العام لأفراد الإنسان، ومن أمثلتها التغيير الكوني قبيل وأثناء الظهور المبارك، ومع وجود تلك الأسباب المؤثِّرة بالإضافة إلى التجارب السابقة تكتمل الصورة لدى هؤلاء والذين لا يُشكِّلون إلَّا القلَّة بين أبناء البشر. ومن خلال ما تكوَّنت لدى هؤلاء من صورة، واعتمادهم على هذا الجزء وحده، يرون يوم الخلاص وإنقاذ البشرية قريب. وذلك بسبب عاملين أساسيين:
الأوَّل: يأسهم من حلول المدارس الوضعية لمشاكل البشرية، وأنَّ كلَّ ما يُطرَح هو تكرار لتلك التجارب السابقة الفاشلة بشكل أو بآخر.
الثاني: أملهم الفطري وحبّهم للعدل، يؤمنون بوجود حلول غير تلك التي أثبتت فشلها.
النوع الخامس: الرؤيا القلبية:
يعتمد هذا النوع من الرؤيا على نقاء القلب وصفائه وتزكيته، فهناك من المؤمنين ممَّن يتَّصفون بهذه الصفات، وطبعاً كلّ صفة من تلك الصفات هي متفاوتة في درجاتها، وكلُّ واحد منهم حسب معرفته وشدَّة ارتباطه بالله تعالى، وقائده الفعلي الحجَّة ابن الحسن عليه السلام، وسنذكر في أصناف المنتظرين إن شاء الله بالتفصيل أقسام المؤمنين وعلاقتهم برؤيا الظهور.
النوع السادس: رؤيا مبنيَّة على الوعد الإلهي بتحقيق العدل الكامل بظهور الإمام المهدي عليه السلام:
(ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلاميَّة ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتَّجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس من خلاله - على الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب - أنَّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تُحقِّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناء طويل)(٥).
وأمَّا على الصعيد الإسلامي خصوصاً فقد تبلورت فكرة وعقيدة المهدي عليه السلام من خلال ما تواتر عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم في كثير من الرويات لدى كلا الفريقين، إلَّا أنَّ الفرق في الاعتقاد بالمهدي عليه السلام كما هو واضح أنَّ عامَّة المسلمين يعتقدون بولادته مستقبلاً، وأتباع أهل البيت عليهم السلام تبعاً لأئمَّتهم فهم يعتقدون أنَّه قد وُلِدَ فعلاً، وأنَّه ثاني عشر الأئمَّة الأطهار، وأنَّه غائب عن الأنظار إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور.
وقد اشترك الفريقان في أنَّ المهدي عليه السلام هو من ذرّية الحسين عليه السلام، وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وسنذكر عدَّة روايات من كلا الفريقين للتذكرة:
ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظر عليه السلام:

حديث قدسي: «... أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليَّ: يا محمّد، اخترتك من خلقي واخترت لك وصيَّاً من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدك، وألقيت محبَّةً في قلبك، وجعلته أباً لولديك...، وآخر رجل منهم يُصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أُنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة، وأُبرئ به الأعمى، وأُشفي به المريض...»(٦).
وعن جابر الجعفي، قال: قلت للباقر عليه السلام: يا بن رسول الله، إنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله تعالى جعل الإمامة في عقب الحسن عليه السلام، قال: «يا جابر، إنَّ الأئمَّة هم الذين نصَّ عليهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بإمامتهم، وهم اثنا عشر، وقال: لمَّا أُسري بي إلى السماء وجدت أسماءهم مكتوبة على ساق العرش بالنور، اثني عشر اسماً، أوَّلهم علي وسبطاه وعلي ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن ومحمّد القائم الحجَّة المهدي»(٧).
وفي قوله تعالى: (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (البروج: ١)، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت ابن عبّاس رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : «أنا السماء، وأمَّا البروج فالأئمَّة من بيتي وعترتي، أوَّلهم علي وآخرهم المهدي، وهم اثنا عشر»(٨).
ما جاء عن الإمام المهدي عليه السلام من مصادر أهل السُّنَّة:
- عن أبي سعيد الخدري، عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «تُملأ الأرض ظلماً وجوراً، فيقوم رجل من عترتي فيملأُها قسطاً وعدلاً، يملك سبعاً أو تسعاً»(٩).
- عن أبي سعيد الخدري أنَّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «لا تنقضي الساعة حتَّى يملك الأرض رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً، ويملك سبع سنين»(١٠).
- عن علي بن الحسين، عن أبيه عليهما السلام أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: «المهدي من وُلْدِكِ»(١١).
- عن حذيفة، قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فذكَّرنا بما هو كائن، ثمّ قال: «لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله تعالى ذلك اليوم حتَّى يبعث رجلاً من وُلدي، اسمه اسمي»، فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من أيِّ وُلدك هو؟ قال: «من وَلَدي هذا»، وضرب بيده على الحسين عليه السلام(١٢).
- عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «يخرج المهدي من قرية يقال لها: كرعة»(١٣).
عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي»(١٤).
عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خدّه الأيمن خال، كأنَّه كوكب درّي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجوّ»(١٥).
فمن يؤمن بوعد الله (عزَّ وجلَّ) ويُصدِّق كلام رسوله الكريم صلّى الله عليه وآله وسلم، ويتَّبع الأئمَّة الأطهار صلوات الله عليهم، فمن الحتمي أنَّ قلبه يتحرَّق شوقاً للقاء قائده المهدي عليه السلام والسير في ركابه، والتقرّب إلى الله تعالى في طاعته وخدمته، وحين يطرق سمعه: «توقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً»، و«إنَّ أفضل العبادة انتظار الفرج».
خلاصة الأنواع السابقة:
وبعد إثبات بطلان المعاني الثلاثة الأُولى واستبعادها من احتمال مدخليتها في فهم معنى رؤيا قرب الظهور وبعده، تبقى لدينا المعاني الثلاثة الأُخرى، والتي قرَّبنا صحَّتها، إمَّا بصورة منفردة أو متداخلة.



من مواضيع : صدى المهدي 0 رؤيا الظهور «إنَّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً»
0 كيف يستخدم الدماغ المعالم البصرية للاهتداء بها؟
0 معالم الهداية في زمن التيه
0 الوقائع المتأخرة عن قتل الإمام الحسين (ع)
0 نحو مرقد ابي الفضل (ع
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 04:50 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية