بترت ولم تنقل الكلام كاملآ :
( غير خفي - على ذوي العقول من أهل الايمان وطالبي الحق من ذوي الاذهان - ما بلي به هذا الدين من اولئك المردة المعاندين بعد موت سيد المرسلين ، وغصب الخلافة من وصيه أمير المؤمنين ، وتواثب اولئك الكفرة عليه ، وقصدهم بانواع الاذى والضرر إليه ، وتزايد الامر شدة بعد موته صلوات الله عليه ، وما بلغ إليه حال الائمة صلوات الله عليهم من الجلوس في زاوية التقية ، والاغضاء على كل محنة وبلية . وحث الشيعة على استشعار شعار التقية ، والتدين بما عليه تلك الفرقة الغوية ، حتى كورت شمس الدين النيرة ، وخسفت كواكبه المقمرة ، فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلا القليل ، لامتزاج اخباره باخبار التقية ، كما قد اعترف بذلك ثقة الاسلام وعلم الاعلام ( محمد بن يعقوب الكليني نور الله تعالى مرقده ) في جامعه الكافي ، حتى انه ( قدس سره ) تخطأ العمل بالترجيحات المروية عند تعارض الاخبار ، والتجأ إلى مجرد الرد والتسليم للائمة الابرار . فصاروا صلوات الله عليهم - محافظة على انفسهم وشيعتهم - يخالفون بين الاحكام وان لم يحضرهم أحد من اولئك الانام ، فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة باجوبة متعددة وان لم يكن بها قائل من المخالفين ، كما هو ظاهر لمن تتبع قصصهم واخبارهم وتحدى سيرهم وآثارهم . وحيث ان اصحابنا رضوان الله عليهم خصوا الحمل على التقية بوجود قائل من العامة ، وهو خلاف ما أدى إليه الفهم الكليل والفكر العليل من اخبارهم صلوات الله عليهم ، رأينا أن نبسط الكلام بنقل جملة من الاخبار الدالة على ذلك ، لئلا يحملنا الناظر على مخالفة الاصحاب من غير دليل ، وينسبنا إلى الضلال والتضليل . فمن ذلك ما رواه في الكافي في الموثق عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال : ( سألته عن مسألة فأجابني ، ثم جاءه رجل فسأله عنها فاجابه بخلاف ما اجابني ، ثم جاء رجل آخر فاجابه بخلاف ما أجابني واجاب صاحبي ، فلما خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان ، فاجبت كل واحد منهما بغير ما اجبت به صاحبه ؟ فقال : يا زرارة ان هذا خير لنا وابقى لكم . ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم . قال : ثم قلت لابي عبد الله عليه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الاسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل جواب ابيه ) . فانظر إلى صراحة هذا الخبر في اختلاف اجوبته عليه السلام في مسألة واحدة في مجلس واحد وتعجب زرارة ، ولو كان الاختلاف إنما وقع لموافقة العامة لكفى جواب واحد بما هم عليه ، ولما تعجب زرارة من ذلك ، لعلمه بفتواهم عليهم السلام احيانا بما يوافق العامة تقية ، ولعل السر في ذلك أن الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين كل ينقل عن امامه خلاف ما ينقله الآخر ، سخف مذهبهم في نظر العامة ، وكذبوهم في نقلهم . ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين ، وهانوا في نظرهم ، بخلاف ما إذا اتفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم ، فانهم يصدفونهم ويشتد بغضهم لهم ولامامهم ومذهبهم ، ويصير ذلك سببا لثوران العداوة ، والى ذلك يشير قوله عليه السلام : ( ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا . . . الخ ) . ومن ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح - على الظاهر - عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( سأله انسان وأنا حاضر فقال : ربما دخلت المسجد وبعض اصحابنا يصلي العصر ، وبعضهم يصلي الظهر ؟ فقال : أنا امرتهم بهذا ، لو صلوا على وقت واحد لعرفوا فاخذ برقابهم ) وهو أيضا صريح في المطلوب ، إذ لا يخفى أنه لا تطرق للحمل هنا على موافقة العامة ، لاتفاقهم على التفريق بين وقتي الظهر والعصر ومواظبتهم على ذلك . )